تولى أبو بكر الصديق رضي الله عنه أمر المسلمين بعد انتقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى الرفيق الأعلى وقال في خطبته الشهيرة:
" أما بعد أيها الناس فإني وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني، الصدق أمانة والكذب خيانة، ...، ولا تشيع الفاحشة في قومٍ إلا عمّهم الله بالبلاء، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم، ... ".
جعل أبو بكر الصديق رضي الله عنه عبيدة بن الجراح رضي الله عنه أمين أمة؛ مسئولا عن بيت مال المسلمين وجعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه على القضاء وجعل مستشاريه علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وعثمان بن عفان وزيد بن ثابت رضي الله عنهما.
كان أبو بكر تاجراً يغدوا كل يوم إلى السوق يحمل الأثواب على كتفيه فيبيع ويشتري، لقيه عمر وأبو عبيدة عند السوق فسألاه: أين تريد يا خليفة رسول الله؟.
رد أبو بكر بتلقائية: السوق.
فقالا له: ما هذا الذي تصنعه وقد وليت أمر المسلمين؟
أجاب أبو بكر: فمن أين يأكل عيالي؟
فقال له عمر وأبو عبيدة: سنفرض لك راتبا.
وبالفعل تم الإقرار على أن يكون راتب الخليفة أبي بكر السنوي 250 ديناراً وشاة يؤخذ له من بطنها ورأسها وأكارعها.
وجد أبو بكر أن هذا الراتب لا يكفي بيته ولا عياله فقرر أن يخرج لسوق البقيع للبيع والشراء كعهده سابقا.
في أحد الأيام وجد عمر بن الخطاب مجموعة من النساء متجمعات أمام بيت أبي بكر الصديق ليقضي بينهن في أمر فانطلق عمر يبحث عن أبي بكر حتى وجده في سوق البقيع، فأخذ عمر بيد أبي بكر قائلا له: تعالى هاهنا.
نظر إليه أبو بكر وقال له: لا حاجة لي في إمارتكم! رزقتموني ما لا يكفيني ولا يكفي عيالي.
قال له عمر: إنا نزيدك.
رد أبو بكر: 300 دينار والشاة كلها.
قال عمر: أما هذا فلا.
احتكم أبو بكر وعمر إلى علي بن أبي طالب فرأى علي أن لأبي بكر ما أراد من زيادة الراتب.
صعد أبو بكر منبر المسجد النبوي ونادى في الناس: أيها الناس إن رزقي كان خمسين ومائتي دينار وشاة يؤخذ من بطنها ورأسها وأكارِعُها وإن عمر وعلياً كمّلا لي ثلاثمائة دينار والشاة أفرضيتم؟
رد الحاضرون: اللهم نعم قد رضينا.
فالصديق خاطب المجتمعين بـ " يا أيها الناس "، ولم يقل: يا أيها المسلمون، وكان يقصد جميع الرعية دون تمييز – ديني أو عرقي – وهذا ما يطلق عليه اليوم " الدولة المدنية " تضم كل التوجهات الدينية والعرقية، وفي هذه القصة عبر.
من كتاب أجمل الحكايات العربية للطيب أديب- بتصرف.