البسملة1
رحلتي إلى مدينة "عين وسَّارة".
أحب السفر كثيرا، فأنا كـ "السندباد البري" في تجوالي عبر ربوع بلاد الجزائر الواسعة ولا أكاد أستقر بالبيت إلا قليلا لعذر عائلي أو وظيفي أو لعجز صحي أو مادي، أو لكسل أو لأي سبب من الأسباب التي تمنع السفر والابتعاد عن الأهل، هكذا... لقد زرت مدنا كثيرة وأنا أفضل السياحة في بلادي على السياحة في بلاد الناس وإن كنت لا أرفضها إن سنحت ولم ستنح منذ جوان/حزيران/يونيو عام 1984 حيث اعتمرت في أواخر شهر رمضان الكريم لعام 1404 (يسير الله زيارة أخرى هذا العام، اللهم آمين يا رب العالمين)، إلى اليوم بيد أنني تنقلت كثيرا في بلاد الجزائر شرقا وغربا وجنوبا وشمالا طبعا حيث تقع مدينة "الجزائر العاصمة" والتي لا تبعد كثيرا [خمسة وأربعين (45) كيلومتر تقريبا] عن مدينتي،"البُليْدة"، مدينة الورود كما يشاع عنها أو كما عُرفت به منذ مدة طويلة، و يقال إن الأديب الفرنسي "أندريه جيد" هو من سماها "مدينة الورود" أو "البُليدة الوُريدة"، تصغير وردة "la petite rose"،"André GIDE à BLIDA - Histoire de Blida" لما زارها في عهد الاستدمار الفرنسي الخبيث"Blidah ! petite rose (Un texte d'André Gide"(*)، فمدينة البُليدة، مدينة ولّادة قد أنجبت كتابا وأدباء كثرا قبل الاستدمار الفرنسي الخبيث وأثناءه، ومن الفرنسيين أنفسهم ومنهم الكاتب الشهير "فكتور مارجريت" "Victor Margueritte" صاحب الرواية المثيرة للجدل في وقته "La Garçonne" "المرأة المسترجلة" أو "الغُلامة"، مؤنث "غُلام"، إن صحت الترجمة، كما زارها كثير من مشاهير الأدب العالميين، وهي ولادة، أيضا، بعد الاستدمار الخبيث وأظنها ستبقى كذلك إلى الأبد إن شاء الله تعالى.
للسفر متعة وإن كان في نفسه قطعة من العذاب، لكنه عذاب "ممتع" نسبيا لما فيه من التعب والإنفاق والغربة عن الأهل والولد والاشتياق إلى المعارف لكنه يجعلك تكتشف أشياء كثيرة منها التعرف على بلادك والتعرف على الناس وعاداتهم الاجتماعية وتقاليدهم الثقافية ولهجاتهم المحلية وغيرها مما يغير رتابة حياتك اليومية إن أنت بقيت راكدا في محلك لا تغادره إلا إلى العمل أو إلى الأقارب كأنك طوبة من طوب البيوت أو خرسانة من خرسانات المباني التي تسكنها أو تعمل بها أو قطعة من أثاث المنزل.
منذ ثلاثة أيام، في يوم الأربعاء الماضي، 08 أفريل/نيسان، سافرت إلى مدينة "عين وسارة" بالهضاب العليا للمرة الثانية في ظرف أحد عشر يوما فقط، فقد كانت زيارتي الأولى لها يوم الأحد 29 من شهر مارس/آذار المنصرم، وكانت تلك الزيارة زيارة خاطفة لمدة أربع ساعات قصيرة، وقد دامت مدة السفر ذهابا وإيابا من البليدة إلى عين وسارة ست ساعات، لكن هذه المرة كانت الزيارة لثماني ساعات، ضعف المرة السابقة، مع إضافة الست ساعات التي تُقضى في الرحلة؛ فمدينة "عين وسارة" تبعد عن مدينتي، البُليدة، بمئة وخمسين كيلومتر تقريبا عبر طريق طويل وجميل من سهول متيجة الخصبة والتي أكلها الإسفلت والإسمنت، عبر جبال الأطلس التلي، أو الأطلس الشمالي، العالية إلى سهوب الهضاب العليا بأعالي الجزائر بمناظرها الخلابة ...
وللحديث بقية إن شاء الله تعالى، لأن الوقتَ وقتُ صلاة المغرب، فحي على الصلاة، حي على الفلاح
ـــــــــــــــــــــــ
(*) كان اسم المدينة، لمن يهمه الأمر، يُكتب باللغة الأعجمية، الفرنسية، Blidah بإضافة حرف "h" وهو مقابل حرف الهاء، أو التاء، في الصيغة العربية ثم حذف فصار يكتب "Blida" و كتب هكذا "El Boulaïdah" أيضا في عهد الكرامة والعزة والنخوة الوطنية والرجولة العربية، عهد الرئيس الراحل محمد بوخروبة المدعو "هواري بومدين"، والله المستعان.
بقلم الأستاذ: حسين ليشوري
أعتذر إن نشرته دون إذن مسبق، لكن فكرت أنّ الأمر قد يجدي نفعا حتّى يتم النظر في طلبك