الوطن البديل والبديل الأوحد
داود البوريني
27/08/2009
لقد بدأت الحركة الصهيونية الحديثة كفكرة في بداية القرن الثامن عشر مع نابليون بونابرت ونضجت في القرن التاسع عشر ووضعت لها الخطط مع مؤتمر بازل في نهاية القرن التاسع عشر وتحديداً في سنة 1885، وهذه الحركة حددت بمدة خمسين عاماً لاغتصاب أرضنا ولقيام الكيان/ الدولة وقامت في سنة 1948 مستغلة كافة الظروف المحلية والمجاورة والعربية والإقليمية والدولية .
هذه الحركة لم تترك شيئاً للمصادفة بل استغلت أي ظرف متاح وفي نفس الوقت عملت بجد على خلق الظروف الملائمة .
إن تزايد الحديث عن يهودية الدولة لم يأت مصادفة أو من فراغ بل هو من ضمن الخطط الموضوعة وفي قلب مستقبلها وتخطيطها وأهدافها المستقبلية إن النيران المشتعلة في مشرق العالم الإسلامي وفي مغربه لم تأت من فراغ أو عدم، بل هي مخطط لها من بداية الحركة الصهيونية .
إن وصول المبشرين إلى السودان كان مع ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي وبتوجيه مباشر من الحركة الصهيونية التي كانت على أتم تنسيق مع الاستعمار الفرنسي/ الأمريكي/ البريطاني، وإن تقسيم المنطقة بعد الحرب العالمية الأولى كان أول ما يهدف إلى إبقاء جروحها نازفة مع ألغام جاهزة للتفجير هنا وهناك، الوضع في جنوب السودان ومشكلة الأكراد وتحريض الأقباط الطيبين على بلدهم هو جزء يسير من هذا المخطط المتدحرج .
إن تقسيم بلادنا بهذه الطريقة وأعني ببلادنا كافة بلاد الوسط الإسلامي خصوصاً بدءاً من تركيا إلى إيران إلى البر الشامي مع إيجاد طبقة سياسية إما متعاملة مع الاستعمار أو جاهلة لمراميه وأهدافه أو أنها مكرهة على التعامل معه هو ما تم ومازال قائماً إلى الآن .
الحركة الصهيونية حركة ذكية، ماهرة، مقتدرة، صبورة، مُستغلّة، ماكرة وبنفس الدرجة قذرة ووحشية لا ترحم ومتغلغلة كالسرطان في معظم مراكز صنع القرار في هذا العالم ولكنها مسيطرة بشكل شبه كامل على مراكز صنع القرار في الولايات المتحدة والغرب بشكل عام .
لقد وصلت الحركة الصهيونية والأمريكية المتصهينة معها إلى مرحلة الدولة اليهودية والحديث عنها الآن هو لتجهيز العقل الباطن والواعي لحلفائها وأعدائها على السواء للقبول بهكذا قرار ظالم قاتل .
إن عدد العرب في فلسطين التاريخية الآن هو نحو خمسة ملايين نسمة منهم مليون ونصف في قطاع غزة الذي لا تريده إسرائيل بل إنه معتقل مثالي بينها وبين مصر .
إن الحركة الصهيونية والدولة اليهودية تخطط الآن ليس فقط لإلغاء حق العودة بل إلى إلقاء نحو مليوني فلسطيني على الأقل إلى خارج فلسطين. لو كان بالإمكان إلقاؤهم إلى البحر لفعلتها الحركة اليهودية وارتاحت بعض الشيء لكنها تريد إلقاءهم في التّيـه العربي وأن المجال المثالي حسب اعتقادها والمفتوح أمامها في هذا الوقت هو الضفة الشرقية لنهر الأردن أي المملكة الأردنية الهاشمية .
سوف تندفع القوات الإسرائيلية بعد افتعالها مشاكل في منطقة السلطة الفلسطينية وفي داخل المملكة بواسطة عملائها المنتشرين لتضرب بقسوة وعنف قواتنا المسلحة وأجهزتنا الأمنية تماماً كما فعلت في العراق مع توفير مئات آلاف قطع السلاح الخفيف وربما المتوسط داخل المملكة بحيث تحصل عليه الدهماء وأولها الذين يهتفون ضد أخيهم في مباراة كرة قدم تافهة، أنا على يقين أن هناك أكثر من أبي رغال جاهز مقابل الثمن المادي أو المعنوي أو الشيخة على خيانة أمته وسوف يختلق لنفسه ألف مبرر لهذه الخيانة كما سوف توفر له الإمكانات المادية ليسيطر على جزء من هذا الوطن بأي شكل وفي نفس الوقت سوف يلقي بالأخوة العرب الفلسطينيين إلى الضفة الشرقية وبظروف إقليمية بالغة السوء وأنا هنا أريد أن أنبّه بأن الحاكم الذي لم ينتفض لدمار بيروت مرات عديدة ولتدمير بغداد أو السودان أو غزة لن تهّمه عمّان إطلاقاً مادام ثمن سكوته على ذبحنا مدفوع .
إن اعتماد هذا البلد على معاهدات مع إسرائيل أو طمئنة من هنا وهناك سوف لن يجدي نفعاً وأن الدفاع عن بلادنا يتطلب تجهيزها لتكون قادرة للدفاع عن نفسها وإيقاع الأذى بعدوها. إن شرّ هذا العدو لن يكفّ عنا الأذى إلا إذا أيقن أنه سوف يدفع عشرة قتلى على كل متر مربع يريد احتلاله مع عدم السماح له بالاستقرار على هذا المتر أبداً. إن هذه المنطقة لم تجد الهدوء منذ قيام دولة اليهود ولن تجده أبداً مادام هذا الكيان الغريب والغاصب موجوداً بعقليته التلمودية الشريرة.
حتى لا يدّمر ما بنيناه على مدى سنين طويلة أو تستباح دماؤنا وكرامتنا بقرار إسرائيل متى أرادت فلابدّ من تحصين البلد داخلياً أولاً ببناء الوطن على أساس المواطنة والعدالة والمساواة وسيادة القانون وتعميق الديمقراطية الحقيقية وحرية المواطن البناءة وإعادة فرض خدمة العلم مع تشكيل حرس وطني ليكون رديفاً للقوات المسلحة وتنظيم وتسليح كل زاوية من زوايا الوطن بحيث يتحول الوطن إلى كتلة صلبة ملتفة حول النظام بشكل يصعب على العدو اختراقها أو العبث معها أو حتى تهديدها أو مجرد التفكير في هذا التهديد كما أن توفير وحتى بناء منظومة سلاح محلية تكون قادرة على مواجهة الدرع والطائرة وتحطيمها يجب أن يكون أولوية للبلد لأن الاعتماد على الغرب في هذا الخصوص لن يكون مجدياً .
في هذا الوضع العربي المزري ومع احترامي لكافة الحكومات العربية فإن اعتمادنا أولاً وآخراً يجب أن يكون على أنفسنا مع بناء تحالف مع سورية ولبنان إن أمكن ذلك لأنها الأقرب إلينا جغرافياً وإنسانياً ومتعرضة معنا لنفس الخطر، مع إفهام اليهود بأن السماح للفلسطينيين الجاهزين للتحرك غرباً بمحض إرادتهم سوف يكون أسهل ألف مرة من إلقائهم شرقاً بواسطة إسرائيل رغماً عنهم .هذا هو البديل الأوحد لمخطط الوطن البديل ولكافة هرطقات لصوص الحركة الصهيونية