الـمقدمـــــة
بما أن البيع من العقود الملزمة للجانبين، فهو يخلق علاقة دائنيةفي ما بين أطرافه، أي أنه يرتب التزامات مختلفة يقع بعضها على عاتق البائع في حينيقع البعض الآخر على عاتق المشتري.
ضف إلى ذلك أن البيع في أصله عقد رضائي،و بمجرد انعقاده تنصرف إرادة الأطراف إلى التعاقد و بالتالي قبول تحمل كل النتائج والآثار القانونية التي تلحق بعقد البيع.
و ما يهمنا في هذا البحث هي تلكالالتزامات الواقعة على عاتق البائع أو الآثار القانونية المترتبة على ذمة البائع،و بهذا نطرح الإشكاليـــة الآتيـــة:
ما هي الالتزامات المترتبة على ذمةالبائع عند قيام عقد البيع؟
الخطـــــــة
المبحث الأول: الإلتزاماتالمعاصرة للبيع
المطلب الأول : الالتزام بنقل ملكية المبيع
الفرع الأول : انتقال الملكية في بيع المنقولات
الفرع الثاني : نقل الملكية في بيعالعقارات
المطلب الثاني : الالتزام بتسليم المبيع
الفرع الأول : أحكامالتسليم الصحيح
الفرع الثاني : جزاء عدم تنفيذ البائع لالتزامهبالتسليم
المبحث الثاني : الإلتزامات اللاحقة للبيع
المطلب الأول : ضمان التعرض و ضمان الاستحقاق
الفرع الأول : ضمان التعرض
الفرع الثاني : ضمانالاستحقاق
المطلب الثاني : ضمان العيوب الخفية و الإجراءات الواجب إتباعهاللحصول على الضمان
الفرع الأول : ضمان العيوب الخفية
الفرع الثاني : الإجراءات الواجب إتباعها للحصول علىالضمان
الـخاتـمــــة
الـمبحـثالأول
الالتزامات الـمعاصرة للبيع
المبحث الأول
الالتزاماتالمعاصرة للبيع
هي بعدد أربع التزامات إثنان منها منصوص عليها في القانونالمدني، و يتمثلان في الإلتزام بنقل ملكية المبيع والالتزام بالتسليم، في حين تضمنتالقواعد العامة و كذا قانون حماية المستهلك الإلتزامين الآخرين و هما الإلتزامبالإعلام و النصيحة و التزام السلامة، و ما يهمنا في هذا البحث هما الالتزامينالمنصوص عليهما في القانون المدني فقط.
و سوف نتناولها تباعا .
المطلبالأول
الالتزام بنقل ملكية المبيع
هو أول التزام ينصب على عاتق البائعبمجرد إبرام العقد، و تبعا لذلك نصت المادة 361 من القانون المدني بقولها: « يلتزمالبائع بكل ما هو ضروري لنقل الحق المبيع إلى المشتري ، و أن يمتنع عن كل عمل منشأنه أن يجعل نقل الحق مستحيلا أو عسيرا » .
و لقد بقيت أغلب القوانين الأجنبيةوفية للقاعدة المعروفة في القانون الروماني و القانون الفرنسي القديم : وتتمثل فيكون البيع لا ينتج إلا مجرد التزامات على عاتق الطرفين، و من بينها التزام البائعبنقل ملكية المبيع للمشتري، أي التزاما بإعطاء شيء ماde donner ، فليس هو العقد إذنالمنتج للأثر الناقل بل الذي ينقلها وضع من الأوضاع المادية كالقبض (التسليمالمادي) و التنازل القضائي، و تبعا لهذه الفرضية لا يختلف عقد البيع عن غيره منالعقود فهو لا ينشئ إلا التزامات، و من بينها الالتزام بنقل ملكية المبيعللمشتري.
و لقد أراد واضعو القانون المدني الفرنسي لسنة 1804 قطع أية علاقةبالماضي، و ربط نقل الملكية باتفاق الإرادتين وحدهما ، وهذا ما يفسر العباراتالدقيقة جدا للمادة 1583 بقولها :
« تكتسب الملكية قانونا للمشتري في مواجهةالبائع بمجرد الاتفاق على المبيع و الثمن، حتى و لو لم يسلم المبيع و لم يدفع الثمن » .
و هذا ما نسميه النقل بالإرادة وحدها solo consensus ، بواسطة الرضا وحدهفيصبح نقل الملكية أثرا قانونيا للبيع، و ليس التزاما يلحق البيع.
ولقد أخذالقانون الجزائري بهدا النظام ، المتمثل في انتقاله ملكية المبيع بمجرد إبرام العقدأي بقوة القانون، إذ ا كنا بصدد منقول معين بذاته، في حين يقع على البائع التزامبنقل الملكية في حالة المنقول المعين بنوعه وكذا في حالة العقار وتبعا لذلك سوفنتناول تلك المسائل أدناه .
الفرع الأول
انتقال الملكية في بيعالمنقولات :
(I ـ المنقول المعين بالذات
بالنسبة للمبيع المعين بذاته،تنتقل الملكية بقوة القانون فورا للمشتري، بواقعة واحدة وهي تكوين العقد، ولا يهمأن يكون المبيع لم يتم تسليمه أو الثمن لم يدفع بعد، وهذا ما أوضحته صراحة المادة 165 من القانون المدني والمقحمة في المقتضيات المتعلقة بالنظرية العامة للعقود،والتي وضعت خصيصا لغرض البيع بقولها :
" الالتزامات بنقل الملكية أو أي حق عينيآ خر من شأنه أن ينقل بحكم القانون الملكية أو الحق العيني، إذا كان محل الالتزامشيئا معينا بالذات يملكه الملتزم، وذلك مع مراعاة الأحكام المتعلقة بالإشهارالعقاري "
وهكذا يكون المشتري مالكا على الفور، في أي مكان يتواجد فيهالمبيع، سواء كان بين يدي البائع، أو يدي الغير، وهذا ما يفسر التزامه باستلامالمبيع .
وابتداء من تلك اللحظة نفسها يدخل المبيع في ذمته المالية، ويصبح رهنالدائنيه الذين بإمكانهم حجزه، أو من مخلفات تركته إن توفي . وتكون له لوحده الصفةلإبرام تصرفات بخصوص ذلك الشيء، وفي الوقت نفسه يخرج الشيء من الذمة الماليةللبائع، ولا يكون باستطاعة دائنية الحجز عليه، والتصرفات التي يبرمها بشأنه مثلالبيع الجديد أو الإيجار تكون صادرة عن غير مالك .
ونفس الحال بالنسبة لانتقالالملكية في البيع الجزاف Vente en bloc، لصراحة نص المادة 362 من القانون المدنيبقولها :
« تنتقل الملكية في البيع الجزاف إلى المشتري بالطريقة بنفس الطريقالتي تنتقل بها ملكية الشيء المعين.
ويعتبر البيع جزافا ولو كان تعيين الثمنمتوقفا على تحديد مقدار الشيء المبيع »
و بذلك تنتقل الملكية في البيعالجزاف بمجرد إبرام العقد .
شروط انتقال الملكية بمجرد العقد :
هيبعدد أربعة ، إثنان منهما مستنبطة من المادة 165 أعلاه و أخرى مستنبطة من القواعدالعامة في العقود .
1) ـ أن يكون المبيع معنيا بذاته : هذا الشرط بديهي، لأنالملكية باعتبارها حقا عينيا لا ترد إلا على الأشياء المعينة بالذات، فإن كانالمبيع منقولا معينا بنوعيه فقط كالمثليات كما سوف نرى أدناه فإنه لا يمكن تصورانتقال الملكية فيه بمجرد اتفاق الطرفين، بل لابد من اجراء آخر و هو فرز هذا المبيعو تحديد ذاتيته حتى يمكن أن تنتقل ملكيته، فالحق العيني إذن لا يرد إلا على شيءقيمي ( عين معينة بالذات ) . و العين المعينة ( أو الشيء القيمي ) هي التي تتميز عنغيرها بصفات خاصة تعينها تعيينا ذاتيا بحيث لا يقوم غيرها مقامها عند الوفاء، فينظرفيها إلى وصف ذاتي يميزها عن غيرها كسيارة معينة من طراز معين تحمل رقما معينا، أوحصان معين معد للسباق، أو كراسي معينة من صنع شركة معروفة ونتقل الملكية في الأشياءالمستقبلية بمجرد تحقق وجودها، كما في بيع شيئ تعهد البائع بصنعه خصيصا للمشتريكثوب أو حذاء أو تمثال أو صورة، و في بيع محصول أرض معينة في موسم بذاته، أما إذاورد البيع على أشياء مستقبلية معينة بنوعها فقط، فلا تنتقل ملكيتها بمجرد وجودها، وإنما لا بد في ذلك من فرزها، أي من تعيينها بالذات، كما في بيع عشرة قناطير منمحصول القطن المقبل، و لو عينت الأرض التي سينتج منها ذلك المحصول، فلا تنتقل ملكيةالمبيع بمجرد ظهور المحصول بل بعد فرز القناطير العشرة من ذلك المحصول و تعيينهابالذات (1) .
2) ـ أن يكون المبيع مملوكا للبائع وقت البيع : فالبائع لايستطيع أن ينقل للغير أكثر مما يملك، و على هذا إذا كان البائع غير مالك للبيع، فلايستطيع أن ينقل ملكيته إلى المشتري، و هذا الشرط اقتضته طبيعة البيع من أنه عقدناقل للملكية بذاته فإذا كان البائع غير مالك للبيع وقت البيع استحال انتقالالملكية منه إلى المشتري بمجرد العقد (2) .
3) ـ أن يكون المبيع موجودا وقتالعقد : لأنه إذا كان محتمل الوجود مستقبلا كما في بيع محصول مستقبل أو سلعة يرادصنعها، فإنه لا يكون صالحا لأن يريد عليه حق ملكية لا للبائع و لا للمشتري، فلايتصور أن تنطبق عليه القاعدة، فبيع المحصول المقبل لا يجعل المشتري مالكا هذاالمحصول، بل يجعله فقط دائنا به للبائع، فإذا ما تحقق وجود المحصول في وقت ما بعدالبيع صار المشتري مالكا إياه ابتداء من هذا الوقت فقط، لزوال المانع من نشوء حقالملكية و هو وجود الشيئ و بشرط توافر الشروط الأخرى المذكورة أعلاه .
4) ـأن يكون التزام البائع بنقل الملكية باتا : أي غير معلق على شرط و لا مضاف إلى أجل،و إلا فإنه يكون مما يخالف قصد العاقدين من انتقال ملكية المبيع إلى المشتري من وقتالعقد، لأن قاعدة انتقال الملكية في المنقول المعين بذاته بمجرد العقد ليست منالنظام العام .
فقد أجاز المشرع للبائع أن يشترط في العقد أن يكون نقل الملكيةموقوفا على دفع الثمن كله في حالة كون ثمن المبيع مؤجلا و حتى لو كان قد بادربتسليم المبيع للمشتري، و هذا حسب المادة 363 مدني .
و عند دفع آخر قسط منالثمن ، اعتبر المشتري مالكا للمبيع بأثر رجعي أي من يوم البيع و ليس من يوم دفعالقسط الأخير.
و في القانون الفرنسي يتم تسبيق نقل الملكية في بيع بناء في طورالإنجاز، فبدلا من انتظار الانتهاء من الإنجاز يتم نقل الملكية عن كل جزء كلماتقدمت الأشغال قصد حماية المشتري من إفلاس البناء ، لكن يجب أن لا يكون تدبيرالحماية هذا ضد المشتري فالمخاطر لا تتبع هذا النقل المسبق، و يكون الأمر كذلك فيحالة السفن في طور البناء ، أين لا يتم بديهيا نقل الملكية إلا عند الانتهاء منبناءها.
1 - سليمان مرقس : العقود المسماة ، عقد البيع ، الطبعةالرابعة ، 1980 ، عالم الكتب القاهرة ، ص 260 و ما بعدها .
2- زهدي يكن : عقدالبيع ، منشورات المكتبة العصرية صيدا بيروت ، بدون تاريخ ، ص 180 .
تعدد البيوعالواردة على منقول معين بالذات :
إذا قام البائع ببيع المنقول المعين بالذاتللمشتري و لم يسلمه له، ثم قام ببيعه ثانية لمشتر ثان، فإذا سلم البائع المبيعللمشتري الأول، فإنه يكون قد سلمه إلى المشتري الحقيقي للشيء، و لا يكون للمشتريالثاني إلا الرجوع على البائع بالتعويض (3) .
أما إذا سلمه إلى المشتري الثاني،و كان هذا الأخير حسن النية، فإنه يكتسب ملكية الشيء، طبقا لقاعدة الحيازة فيالمنقول سند الملكية المنصوص عليها في المادة 835 من القانون المدني بقولها :
" من حاز بسند صحيح منقولا أو حقا عينيا على المنقول أو سندا لحامله، فإنهيصبح مالكا له إذا كان حسن النية وقت حيازته " .
و تعتبر الحيازة في ذاتهاقرينة على وجود السند الصحيح و حسن النية ما لم يقم دليل على خلاف ذلك، فالحيازةقرينة على امتلاك المشتري الثاني للمنقول، و على أنه كان حسن النية وقت استلامهللمبيع من البائع، وهذه القرينة بسيطة إذ باستطاعة المشتري الأول أن يثبت عكسمدلولها، بأن يثبت بجميع الوسائل (لكون الأمر يتعلق بمسألة مادية) بأن المشتريالثاني كان سيء النية أثناء انتقال الحيازة إليه، بأنه كان على علم في كون البائعقد تصرف بالبيع في المنقول لصالحه ومع ذلك قبل شراءه .
وعندئذ يسترد المشتريالأول المنقول من حائزة ( المشتري الثاني ) لأن البائع يعتبر قد تصرف في ملك الغير،ولأن تواطأ المشتري الثاني يجعله حائزا بسوء نية .
3- خليل أحمد حسن قدادة ، الوجيز فيشرح القانون المدني الجزائري ، الجزء الرابع ، عقد البيع ، ديوان المطبوعاتالجامعية الجزائر ، طبعة 2001 ،
ص 111 و ما بعدها .
(II ـ المنقولالمعين بنوعه
المنقول المعين بنوعه هو من المثليات التي تختلط ببعض ويقومبعضها مقام بعض، وقد عرفت المادة 686 من القانون المدني المثليات بقولها :
" الأشياء المثلية هي التي يمكن تعويضها ببعضها البعض عند الوفاء، والتي من المعتادأن تحدد في التعامل بين الناس بالعدد، أو المقياس أو الحجم أو الوزن "
وتبعالذلك لا تنتقل الملكية فيها إذا كانت محلا للبيع، إلا بالفرز، وهذا بواسطة عزلالمبيع عن غيره وتفريده بحيث يصبح معينا بالذات، وهذا الالتزام يقع على البائع،الذي يقوم إما بعد المبيع وتحديد عدده أو قياسه كما في القماش أو تحديد حجمه أووزنه .
وتبعا لذلك نصت المادة 166 من القانون المدني على أنه:
" إذا وردالالتزام بنقل حق عيني على شيء لم يعين إلا بنوعه، فلا ينتقل لحق إلا بإفراز هذاالشيء.
فإذا لم يقم المدين بتنفيذ التزامه، جاز للدائن أن يحصل على شيء من النوعذاته على نفقة المدين بعد استئذان القاضي كما يجوز له أن يطالب بقيمة الشيء من غيرإخلال بحقه في التعويض ".
أ) ـ عملية إفراز المبيع :
يقع هذاالالتزام الذي يكون الهدف منه هو نقل ملكية المبيع على عاتق البائع، فلو باع القماشخمسة أمتار من قماش معين، فإن الملكية لا تنتقل إلى المشتري إلا بعد فرزه بواسطةالقياس للكمية المطلوبة و ذلك بقياسها وقطعها من بقية القماش، كما إذا باع شخصقنطارين من العلف موجود في مخزن، فإن الملكية لا تنتقل إلا بالفرز بواسطة الوزنوعلى البائع القيام بذلك الالتزام . و ما دمنا لا نعرف ماهية الأشياء النوعية التيبيعت، لا يمكن أن يقع نقل الملكية دون تحديد وعائها. فبالنسبة للبيوع بالجملة أوبالكتلة (مثل كل المخزون) يجب فرز المبيع، فلا يمكن إذن نقل الملكية فورا ولم تعرفبعد قيمة و مقدار المخزون بدقة، و كذا إذا كان الثمن لم يحدد بعد بالنتيجة (4).
و بخصوص البيوع بالقياسà la mesure مثل عشرة أطنان من القمح مشتراة منتاجر، أو سيارات من نوع معين مشتراة من منتج، فلا يقع الفرز إلا في لحظة عزلالأشياء المخصصة للمشتري عن بقية مخزون البائع، و يمكن أن يقع ذلك الفرز و يتمإثباته باعتباره واقعة بسيطة بكل وسيلة تنبئ عن تخصيص الشيئ للمشتري، بشرط أن يكونظاهرا، مثل وضع ملصقة، وضع علامة (5)، الوضع في حظيرة، الوضع في مركبة الخ...
4- نقض مدني فرنسي . الغرفة الأولى في 1 فبراير 1983 .
5- نقضتجاري فرنسي في 19 مارس 1963 بخصوص وضع علامة على ثور .
ب) ـ جزاء تملصالبائع عن تنفيذ التزامه بنقل الملكية :
إذا أحجم البائع عن تنفيذ التزامهبنقل ملكية المبيع المعين بنوعه للمشتري، و هذا بعدم إفرازه بحيث يصبح معينا بذاته،فإن للمشتري خياران :
الخيار الأول :
و يتمثل في حصول المشتري علىشيئ من النوع ذاته على نفقة البائع، و ذلك بأن يشتريه من السوق أو من تاجر آخر، وهذا بعد استئذانه للقاضي، فالقاضي هو الذي يرخص له بذلك .
و في حالة الإستعجال،مثل تعهد المشتري بتموين مستشفى بمواد غذائية يوميا، فإنه يمكن الحصول على المبيعمن السوق أو من شخص غير البائع دون استئذان القاضي .
فالالتزام بنقل الملكيةبواسطة فرز المبيع هو التزام بعمل و تطبيقا لذلك نصت المادة 170 من القانون المدنيعلى أنه:
"في الالتزام بعمل، إذا لم يقم المدين بتنفيذ التزامه جاز للدائن أنيطلب ترخيصا من القاضي في تنفيذ الالتزام على نفقة المدين إذا كان هذا التنفيذممكنا ".
الخيار الثاني :
باستطاعة المشتري أن يطالب بقيمة المبيعدون الإخلال بحقه في التعويض، و ينصب التعويض عن ما لحقه من خسارة و ما فاته منكسب، خاصة إذا ارتفعت أسعار المبيع في السوق بعد امتناع البائع عن عملية الإفراز.
الفـرع الثانــي
نقل الملكية في بيع العقارات :
لا تنتقلالملكية في العقار أو الحقوق العينية العقارية، سواء فيما بين المتعاقدين أوبالنسبة للغير، إلا بإشهار العقد في مصلحة الشهر العقاري ، و على ذلك يقع التزامعلى البائع بإشهار البيع .
و يجب أن يكون عقد البيع رسميا طبقا للمادة 324 مكرر 1 من القانون المدني بقولها :
" ... بجب تحت طائلة البطلان، تحرير العقود التيتتضمن نقل ملكية عقار أو حقوق عقارية … في شكل رسمي و يجب دفع الثمن لدى الضابطالعمومي الذي حرر العقد ".
و هذا البطلان من النظام العام، فالرسمية هنا ركن فيعقد البيع، أما الإشهار العقاري، فإنه مشترط قصد انتقال الملكية فيما بينالمتعاقدين و في مواجهة الغير، غير أنه يجب الإشارة إلى أن نقل ملكية العقار يجعلالبائع ملتزما بما يلي :
1- التوجه رفقة المشتري إلى الموثق قصد إبرام العقد، وأن يرفق معه كل الوثائق الضرورية لذلك مثل أصل الملكية .
2- إفراز المبيع أيالقطعة العقارية موضوع البيع حيث تصبح واضحة المعالم من جهة و كذا الحدود و المساحة .
3- إشهار عقد البيع، خاصة إذا كان عقد البيع إداريا، أي عقدا رسميا صادرا عنالإدارة، كأن تبيع البلدية أو الولاية مثلا قطعة أرض لمواطن، فهنا يقع التزام علىالبائع بنقل الملكية و هذا بواسطة إشهار العقد.
و لقد نصت المادة 793 منالقانون المدني على أنه:
" لا تنتقل ملكية العقار و الحقوق العينية الأخرى فيالعقار سواء كان ذلك بين المتعاقدين أم في حق الغير إلا إذا روعيت الإجراءات التيينص عليها القانون و بالأخص القوانين التي تدير مصلحة شهر العقار ..."
غيرأنه إذا تم إبرام العقد أمام الموثق، فإن القانون أوجب على الموثق أن يقوم بإشهارالعقد، و هذا تطبيقا للمادة 90 من المرسوم رقم 76/63 المؤرخ في 25 مارس 1976المتعلق بتأسيس السجل العقاري بقولها :
" ينبغي على الموثقين و كتاب الضبط والسلطات الإدارية أن يعملوا على إشهار جميع العقود أو القرارات القضائية الخاضعةللإشهار، المحررة من قبلهم أو بمساعدتهم و ذلك ضمن الآجال المحددة ".
و علىذلك فانتقال الملكية يتم بموجب الشهر العقاري، و يجب أن يحتوي العقد أو القرارالقضائي حتى يمكن إشهاره على البيانات التالية:
1- ألقاب و أسماء وتاريخ و مكانولادة و جنسية و موطن و مهنة الأطراف .
2- وجوب المصادقة على ألقاب و أسماء وتاريخ و مكان ولادة و جنسية الأطراف من طرف موثق أو كاتب ضبط أو سلطة إدارية، فيأسفل كل جدول أو مستخرج أو صورة أصلية أو نسخة مودعة، من أجل تنفيذ الإجراء (6) .
6- المادة 62 من المرسوم 76/63 المشار إليه أعلاه.
و على ذلك فإنواجب الإشهار في حالة البيع التوثيقي ينصب على الموثق أما إذا كان البيع إداريا وحرر بموجبه عقد إداري، فإن هذا الواجب يقع على السلطة الإدارية البائعة، كما يقععلى كاتب الضبط عندما تقضي المحكمة بصحة البيع و يصبح الحكم نهائيا (7) .
و إذالم يتم إشهار عقد بيع العقار، فإن البيع يكون صحيحا لكن لا يترتب إلا التزاماتشخصية بين طرفيه، فالملكية لا تنتقل إلى المشتري، لكن الالتزامات المنصبة علىالطرفين بموجب عقد البيع تبقى سارية المفعول مثل الإلتزام بالتسليم وبالضمان، و كذابدفع الثمن إن لم يكن قد دفع لدى الموثق .
أما في القانون الفرنسي فإن الإشهارفي بيوع العقارات ليس شرطا لنقل الملكية فيما بين المتعاقدين، و لكن الهدف منه هوإعلام الغير، بأن العقار موضوع تصرف، فقد أخضع مرسوم 4 يناير 1955للإشهار كل بيعمنصب على حق عيني عقاري ( ملكية، ارتفاق، انتفاع، الخ... ) و يوضح بأن تلك التصرفاتلا يمكن الاحتجاج بها على الغير إن لم تكن مشهرة، فإن تصرف البائع ببيعها ثانية وتم شهرها فإن هذا التصرف الأخير يبقى صحيحا رغم أنها بيعت من قبل لمشتري آخر.
وعلى ذلك لا يحتج بالبيع على الغير، المكتسبين لحق منافس إلا من تاريخ إشهاره، ولغاية ذلك التاريخ تبقى الحقوق التي تصرف فيها البائع صحيحة إن أشهرت في وقت سابق،و يحسم النزاع بين مشترين للعقار نفسه بواسطة تاريخ إشهار البيع كما هو عليه الحالبخصوص الرهن الرسمي.
غير أن القضاء الفرنسي خفف من آلية هذا الحل باللجوء إلىفرضية حسن النية، فمن يكتسب حقا من البائع و هو عارف بوجود بيع آخر حتى و لم يكن قدأشهر بعد، لا يستطيع الإستفادة من تلك القواعد لأن : "اكتساب عقار مع معرفة البيعالسابق للغير يشكل خطأ لا يسمح للمشتري الثاني بإقحام قواعد الإشهار العقاريلفائدته ( ".
و يجب أيضا لإعمال هذا الإستثناء بأن يعلم الغير بهذا البيعأثناء إبرام العقد و إن جهل ذلك، لا يهم إن علم به فيما بعد (9) و إن أعيد بيعالمال، فإن حسن النية يبحث في شخص المشتري من الباطن (الفرعي) .
و بخصوصالمنقولات المادية، فإن القانون الفرنسي، مثل ما ذكرنا بالنسبة للقانون الجزائري،يحسم النزاع بواسطة وضع اليدmise en possession و هذا هو الحل المعطى من طرف المادة 1141 من القانون المدني الفرنسي و الذي يحتوي على التحفظ نفسه المتعلق بحسن النية .
" فإذا كان الشيء الذي نلتزم بإعطائه أو تسليمه إلى شخص تتابعيا ذو طبيعةمنقولة، تكون الأفضلية لمن وضع يده عليه فعليا، و يبقى مالكا بالرغم من كون سندهلاحقا في التاريخ بشرط أن تكون حيازته بحسن نية " .
و يطبق الحل نفسه على نقلكل حق عيني آخر بإعمال المادة 2279 و هكذا يكون الرهن الحيازي للمنقول المبرم منطرف البائع بعد البيع صحيحا، إذا كان الدائن المرتهن حيازيا جاهلا للبيع و وضع يدهعلى المبيع (10) .
7- - لحسين بن الشيخ آث ملويا ، المنتقى في عقدالبيع ، دار هومة الجزائر ، طبعة 2005 ، ص 300 .
8- نقض مدني فرنسي ، الغرفةالثالثة في 30 يناير 1974 .
9- نقض مدني فرنسي ، الغرفة الثالثة في 22 مايو 1990 .
10- نقض مدني فرنسي ، في 19 يونيو 1928 .
المطلب الثانــي
الالتزامبتسليم المبيع
لم تتضمن المادة 1604 من القانون المدني الفرنسي تعريفاجيدا للتسليم : "نقل المبيع إلى سلطة و حيازة المشتري" فإذا كان من ميزة هذاالتعريف أن يبين بأن الإلتزام ينصب على حيازة الشيئ بالموازاة مع الملكية، فإن منمساوئه أنه قد يجعلنا نعتقد بأن ضمان نقل الحيازة ينصب على عاتق البائع (11) ، غيرأن الأمر ليس كذلك فالتسليم يتمثل فقط في " ترك المبيع تحت تصرف المشتري حتى يستلمه " و هو سابق للإلتزام بالتسلم (سحب المبيع Retirement ) و قد عبرت عن ذلك المادة 367 من القانون المدني الجزائري بقولها : " يتم التسليم بوضع المبيع تحت تصرفالمشتري بحيث يتمكن من حيازته و التمتع به دون عائق و لو لم يتسلمه تسلما ماديا ..."
و على ذلك يختلف التسليم عن نقل الملكية كما يختلف عن التسليم الماديبما يشمله من نفقات التسليم، فنقل الملكية ينصب على الحق و يتوقف على ذاتية العقد،في حين ينصب التسليم على التحكم المادي في الشيء، فهو يرتكز إذن على واقعة مادية، ولغاية حصول التسليم يكون البائع واضعا يده على الشيء، و ليس حائزا له لكونه لم يصبحمالكا للشيئ بنية الحيازة لنفسه، و بالتسليم يتخلى عن إمساكه للشيء، و هذا ذو نتيجةعملية كبيرة بالنسبة للأموال المنقولة، فالمشتري يكون محميا من مخاطر رؤية البائع وهو يعيد بيع الشيئ من جديد للغير الذي يكون حسن النية ويمكنه عند ذلك الاحتجاجبقاعدة الحيازة في المنقول سند الملكية، و أحيانا يكون نقل الملكية و التسليممتلازمين و أحيانا أخرى يكونان متخالفين، بحيث يكون نقل الملكية في أغلب الأحيانسابقا للتسليم، و لا يكون العكس إلا استثناءا، مثل ما هو عليه الحال بالنسبة لحالةالإحتفاظ بالملكية، و في أغلب الأحيان يستنبط من الإلتزام بنقل حق الملكية، أو أيحق عيني آخر بموجب عقد البيع، التزاما بالتسليم، كما يقع واجب المحافظة على المبيعلغاية إجراء عملية التسليم على البائع وقد عبرت عن ذلك المادة 167 من القانونالمدني بقولها : " الالتزامات بنقل حق عيني يتضمن الالتزام بتسليم الشيء و المحافظةعليه حتى التسليم ".
في حين أن التسليم المادي بالمفهوم المعطى له فإنه يلزمالبائع فقط بوضع الشيئ المبيع تحت تصرف المشتري وعلى هذا الأخير الحضور لاستلامالمبيع تبعا للإلتزام بالتسلم، و يجب التسطير هنا بأن الإلتزام بالتسليم ليسالتزاما بالتسليم المادي الذي لا يقع على البائع، إلا في حالة اتفاق خاص و الفرقمبين جيدا في المادة 1608 من القانون المدني الفرنسي، و التي تجعل " مصاريف التسليمعلى عاتق البائع و مصاريف التسلم على عاتق المشتري، إن لم يوجد اتفاق على خلافذلك". و كذا الأمر بالنسبة للقانون المدني الجزائري الذي نص في المادة 283 على أنه : " تكون نفقات الوفاء على المدين، ما لم يوجد اتفاق أو نص يقضي بخلاف ذلك ".
11-Alain Bénabent op cit , P. 117
و تتمثلمصاريف التسليم في تلك المتعلقة بوضع المبيع تحت تصرف المشتري مثل التنظيف، إخلاءملك مشغول أو معبئ، و كذا الأمر بالنسبة لمصاريف الحساب، القياس، الوزن الضروريلإجراء التسليم، غير أن بعض الأعراف التجارية في فرنسا و على الخصوص في منطقتياللورين و نانسي في فرنسا تجعلان مصاريف التسليم بالنسبة لوزن القمح المباع وتسليمالحطب المستعمل للتدفئة مناصفة بين البائع و المشتري، وفي مناطق أخرى تكون على عاتقالمشتري وحده، و إذا كانت السلع متواجدة في مخازن خارج المدينة التي أبرم فيهاالعقد، فإنه على البائع أن يكلف على عاتقه من يقوم بفتح أبواب المخزن للمشتري الذييحضر لتسلم السلع (12) .
غير أنه إذا وقع التسليم، فإن التسلم يهم المشتريوحده و هو الذي يقوم به على نفقته، لأنه من مصلحته و عليه أن يتحمل بذلك نفقاتالتغليف و الشحن و النقل، غير أن هذه القواعد ليست من النظام العام و ليست آمرة، إذلا تطبق إلا عند انعدام اتفاق مخالف أو في حالة عدم النص عليها في قوانينخاصة.
و بهذا فإنه يمكن لنا الآن أن نتناول هذا الالتزام (الالتزام بتسليمالمبيع) بالتطرق لنقطتين مهمتين و هما أحكام التسليم الصحيح و جزاء عدم تنفيذالبائع للالتزامه.
12 -Troplong , de la vente , tome premier , P. 389 – 390 .
الفرعالأول
أحكام التسليم الصحيح
(I ـ طرق التسليــم
يأخذ التسليمأشكالا مختلفة تبعا لطبيعة المبيع، و تتمثل الفكرة العامة في أنه يجب أن يكونباستطاعة المشتري أن يضع يده على المبيع (أي يحوزه) و تبعا لذلك نصت المادة 367 منالقانون المدني بقولها :
" يتم التسليم بوضع المبيع تحت تصرف المشتري بحيثيتمكن من حيازته و الانتفاع به دون عائق و لو لم يتسلمه تسلما ماديا، ما دام البائعقد أخبره بأنه مستعد لتسليمه بذلك، و يحصل التسليم على النحو الذي يتفق مع طبيعةالشيء المبيع.
وقد يتم التسليم بمجرد تراضي الطرفين على البيع إذا كان المبيعموجودا تحت يد المشتري قبل البيع أو كان البائع قد استبقى المبيع في حيازته بعدالبيع لسبب آخر لا علاقة له بالملكية ".
و تبعا لذلك قد يتم التسليم بمجردإبرام البيع، أي يعتبر إبرام البيع مثبتا لحصول التسلم للمبيع من طرف المشتري و هذاما يسمى تسلما حكميا و يتم ذلك في حالتين :
أ) ـ الحالة الأولى أن يكونالمبيع قبل البيع متواجدا تحت يد المشتري :و هذا لسبب آخر غير البيع، مثل الإيجارأو الرهن العقاري، أو الوديعة أو العارية، أو المزارعة و يستبقى المشتري المبيع تحتيده بعد البيع بناءا على شرائه (13) ، و في هذه الحالة لم يحصل انتقال فعلي للمبيعمن يد لأخرى و لكن تغيرت نية واضع اليد، فالمشتري الذي كان يضع يده على المبيع علىأساس أنه مستأجر أو مستعير له مثلا، يصبح واضعا يده على أساس أنه مشتري .
ب) ـالحالة الثانية أن يستبقي البائع المبيع في حيازته: أن يستبقي البائع المبيع فيحيازته بعد البيع ليس بموجب عقد البيع، بل لسبب آخر لا علاقة له بالبيع، قد يكونعلى سبيل عقد آخر بينهما كالوديعة أو العارية أو الإيجار فتتحول بذلك صفة حيازةالبائع و يقوم ذلك مقام التسليم القانوني، على أن هذا النوع من التسليم لا يكون لهأي مظهر خارجي لإعلام الغير بحصول التسليم، و لا يمكن في هذه الحالة التمسك بقاعدةالحيازة في المنقول سند الملكية، و لذلك إذا اتفق البائع و المشتري على أن يبقىالمبيع المنقول في حيازة البائع على سبيل الوديعة أو العارية ثم باع هذا الأخيرالمنقول إلى شخص آخر حسن النية، و سلمه إليه تسليما فعليا، فإن المشتري الأول لايجوز له أن يتمسك بحصول التسليم الحكمي إليه، بل يكون للمشتري الثاني أن يتمسكبحصول التسليم الفعلي إليه، و يعتبر هذا الأخير مالكا لذلك المنقول وليس المشتريالأول (14) .
13 ـ هدي يكن . المرجع السابق . ص 239 .
14 ـ ليمانمرقص . المرجع السابق .ص 343 و ما بعدها .
و تبعا للفقرة الأولى من المادة 367أعلاه يتم التسليم بمجرد وضع المبيع تحت تصرف المشتري أو إعلامه من طرف البائع بأنالمبيع يوجد تحت تصرفه، و لكي يكون المبيع موضوعا فعليا و قانونيا تحت يد المشتريحتى و لو لم يتسلمه ماديا يجب أن يتمكن المشتري من السيطرة الفعلية على المبيع، والتي تتكون من عنصرين هما:
1- أن يتمكن المشتري من حيازة المبيع، أي أن يضع يدهعليه بصفته مالكا له .
2- أن يتمكن من التمتع به (15) أي استغلاله و الانتفاع بهو التصرف فيه للغير بالبيع أو غيره من التصرفات، أو التصرف فيه باستهلاكه كما فيحالة المأكولات و غيرها من المواد الاستهلاكية، أو تبديده أو التخلي عنه، و تضيفالمادة 367 من القانون المدني بأن التسليم يحصل على النحو الذي يتفق مع طبيعة الشيءالمبيع، و لذا يجب التفرقة بين المنقولات و العقارات كما يجب التعرض لمكان و زمانالتسليم .
أولا: أشكال التسليم
تختلف أشكال التسليم فيما إذا كانبصدد عقار أو منقول، و كذا الشأن بالنسبة للأموال غير المادية.
1 ـ بالنسبةللعقارات:
يحصل التسليم بمناولة سندات الملكية و المفاتيح عند الإقتضاء إذاكانت في يد البائع، أما إذا كانت في يد الغير يكفي تسليم سند الملكية لأنه يسمحللمشتري الحصول على المفاتيح من ذلك الغير.
كما يقتضي تسليم الأرض أو الدارإخلائها، بحيث يصبح في مقدور المشتري وضع يده عليها.
2 ـ بالنسبة للمنقولات :
يتم بالمناولة (باليد) أي التسليم المادي، أو بتوفير وسيلة الدخول إلىمكان تواجد المبيع (16)، لكن قضي بأن التسليم في مستودع للجمارك ليس كافيا (17) ، ويفسر هذا القرار في كون الأمر يتعلق بسيارة بيعت للغير و يبدو أن هذا التسليم كافيابخصوص السيارات المستورة عندما تسلم للمشتري الوثائق التي تمكنه من سحبالسيارة.
و إذا كان المنقول غير معين بالذات، فإن تسليمه يتم عن طريق إفرازالمبيع بحضور المشتري و دعوته لتسلمه وقد يتم التسليم بواسطة وضع علامات على البيع،كما هو الحال بالنسبة للحيوانات و الأشجار، أو بتسليم السند الممثل للسلعة و القابلللإنتقال بواسطة التظهير مثل ما هو عليه الحال بالنسبة للبيوع التي يستوجب فيهاالنقل البحري للمبيع طبقا للمادة 813 من القانون المدني و كذا في البيوع بواسطةالبورصات التجارية.
15- يتكلم النص العربي من المادة 367 عنالإنتفاع بدلا من التمتع Jouissance
16 ـ المادة 1606 مدني فرنسي . نقض تجاريفي 8 أكتوبر 1996 .
17 ـ نقض مدني فرنسي . الغرفة الأولى في 25 أكتوبر 1978 .
3 ـ بالنسبة للأموال غير المادية :
مثل الحقوق و الحصص في شركة،العلامات و البراءات، التي يتم تسليمها بتسليم السندات و التي تسمح للمشتري بالقيامبعملية الإشهار الضرورية عند الاقتضاء، أما بخصوص حقوق المؤلف، يتم التنازل عنهابموجب عقد مكتوب، و يسلم أثناءها المصنف للناشر بواسطة المناولة، و قد يتم التسليمفور التعاقد أو مؤجلا و تبعا لذلك نصت المادة 87 من الأمر رقم 03/05 المؤرخ في 19يوليو 2003 المتعلق بحقوق المؤلف و الحقوق المجاورة على أنه:
" يقع تحتطائلة البطلان كل عقد نشر لم يستوف الشروط التالية:
6- أجل تسليم المصنف إذا لميكن في حوزة الناشر عند إبرام العقد، و متى تقرر أن يسلم المؤلف مصنفه في وقت لاحق......" (1
مع الإشارة بأنه إذا وجب تصدير المبيع إلى المشتري، فلا يحصلالتسليم إلا إذا وصل إليه، ما لم يوجد اتفاق على خلاف ذلك (19) .
إذ قد يحصلالاتفاق على اعتبار التسليم حاصلا بمجرد تسليم مستندات الشحن للمشتري، و لو لم يصلالمبيع إلى هذا الأخير، و تكون تبعة الهلاك آنذاك على عاتق المشتري أثناء فترةالنقل.
و تسليم المبيع هو مجرد التزام يقع على البائع و ليس شرطا لصحة البيع، وتبعا لذلك قضى المجلس الأعلى بنقص وإبطال القرار الصادر عن مجلس قضاء سكيكدة القاضيبفسخ عقد بيع محل تجاري على أساس أن البيع غير تام لعدم تسليم المبيع، ولقد سببالمجلس الأعلى قراره كما يلي(20)
" و حيث أن المادة 361 من القانون المدني نصتعلى التزام البائع بأن يقوم بما هو لازم لنقل الحق المبيع إلى المشتري، و أن يمتنععن كل عمل من شأنه أن يجعل نقل الحق المبيع عسيرا أو مستحيلا .
و نتيجة لذلك،فإن كل ما قام به البائع من إجراءات التقاضي لإخلاء المحل المبيع من محتليه تمهيدالتسليمه خاليا من أي حق مرتب عليه، إنما يندرج في إطار القيام بما هو لازم و ضروريلنقل الحق المبيع إلى المشترين، و أن ما اعتمده القرار المطعون فيه في فسخ العقدالعرفي، لكون البيع غير تام لعدم تسليم المبيع، لم يبرر قانونا، كما أن إلغاء الحكمالمستأنف لم يسبب إطلاقا، فخالف بقضائه نص المادة 362 من القانون المدني و جاءمنعدم الأسباب، خاصة و أن التأخر في تسليم المبيع يرجع أساسا إلى البائع الذي تقاعسفي تنفيذ إلتزامه بتسليم هذا المبيع رغم استلامه لثمنه كاملا سنة 1966، لذلك يكونالقرار المطعون فيه قد خالف نص المادة 362 من القانون المدني المذكورة وانعدم فيهالأساس القانوني للحكم و الأسباب فاستوجب النقض " (21) .
18 ـالجريدة الرسمية العدد 44 لسنة 2003.
19 ـ المادة 368 من القانون المدني.
20 ـ قرار في 25/10/1986 ، ملف رقم 42369.
21 ـ المجلة القضائية لسنة 1989، العددالثاني ص 132 .
ثانيـا: مكان و زمان التسليم
تخضع هذه المسألة للقواعدالعامة في العقود، و هذا بموجب المادتين 281 و 282 من القانون المدني، و هي قواعدمكملة، لا يلجأ القاضي إلى تطبيقها إلا في حالة انعدام اتفاق أو نص قانونيمخالف.
1- مكان التسليم:
مبدئيا يكون مكان التسليم هو مكان تواجدالشيئ أثناء البيع، لأن المشتري يصبح مالكا عند تلك اللحظة، مما يفسر بأن علىالمشتري سحب المبيع و دفع مصاريف النقل في البيوع عن بعد في القانون الفرنسي (22) .
أما إذا تعلق الأمر بأشياء محددة بالنوع فقط de genre، يكون مكان التسليم هومكان فرزها، و لا يعد هذا إلا تطبيقا للقاعدة العامة القائلة بأن : " الدين مطلوب وليس محمول " فالتسليم ليس شيئا آخر من كونه وفاءا من طرف البائع لالتزامه، و هذايجعله مطلوبا، و تبعا لذلك نصت المادة 282 من القانون المدني على أنه :
" إذاكان محل التزام شيئا معنيا بالذات، وجب تسليمه في المكان الذي يوجد فيه وقت نشوءالالتزام ما لم يوجد اتفاق أو نص يقضي بخلاف ذلك.
أما في الالتزامات الأخرىفيكون الوفاء في المكان الذي يوجد فيه موطن المدين وقت الوفاء، أو في المكان الذييوجد فيه مركز مؤسسته إذا كان الإلتزام متعلقا بهذه المؤسسة ".
و تبعا لذلك فإنتسليم المبيع المعين بنوعه فقط يتم في مكان الفرز أي موطن البائع وقت الوفاء، و إذاكان الإلتزام متعلقا بمؤسسة البائع، مثل مخزن تواجد السلع غير المعنية بذاتها، فإنالفرز و التسليم يتمان بمقر تلك المؤسسة.
و في البيوع الدولية ، يكون تحديد مكانالتسليم ضروري، لأن وصول السلع إلى مكان التسليم يحدد في أغلب الأحيان نقل المخاطر،و يكون القاضي الوطني مختصا في حالة النزاع (1)، و لقد حددت اتفاقية فينا Vienne بتاريخ 11/04/1980 مكان التسليم أين يجب تسليم السلع للناقل الأول، و عند انعدامهيكون بمؤسسة البائع (المادة 31). و في العمل يتفق الطرفان على مكان التسليم باختيارأحد أنماط التسليم المعروفة وفق الشروط التي تعدها غرفة التجارة الدولية منذ سنة 1953 و المعدلة خلال سنة 1990.
وفي الحالة التي يتم فيه التسليم بواسطة مناولةالسندات، فإن تلك المناولة يجب أن تتم بموطن البائع، و بالطبع فإن تلك القواعد ليستإلا مكملة فقد يحدث عادة أن يستبعدها المتعاقدان، بأن يشترطا أن يكون التسليمالمادي على عاتق البائع و نتكلم آنذاك عن بيع مصحوب بالتسليم المادي Clause franco.
وهذا التعهد من البائع بإيصال المبيع إلى المشتري لا يجعل المخاطر دائماعلى عاتق البائع في القانون الفرنسي على خلاف القانون الجزائري الذي جعل المخاطرعلى البائع قبل التسليم كقاعدة عامة.
22- في القانون الجزائريتكون نفقات التسليم أو مصاريف النقل إذا وجب تصدير البيع إلى المشتري على عاتقالبائع إلا إذا وجد اتفاق على خلاف ذلك (المادة 368 المذكورة أعلاه).
2 ـ زمانالتسليم :
في غياب شرط مخالف في العقد أو نص قانوني مخالف، يترتب الالتزامبالتسليم فورا، لكن يقبل القضاء وجود ميعاد معقول حسب طبيعة المبيع، و تبعا لذلكنصت المادة 281 من القانون المدني على أنه :
" يجب أن يتم الوفاء فور ترتيبالالتزام نهائيا في ذمة المدين، ما لم يوجد اتفاق أو نص يقضي بغير ذلك ".
و إذاحدد ميعاد وجب احترامه، و يقبل في المواد التجارية بأن ذلك الميعاد قد يكون مجردتحديد تبعا للعادات و زيادة على ذلك يعتبر تعسفيا كل شرط يعفي البائع من المسؤوليةفي حالة التأخر عن التسليم.
غير أنه باستطاعة البائع إعمال استثناء عدم التنفيذو يرفض القيام بالتسليم ما دام المشتري لم يدفع الثمن، في البيوع الفورية علىالأقل، و تبعا لذلك نصت المادة 390 من القانون المدني على أنه :
" إذا كانتعجيل الثمن كله أو بعضه مستحق الدفع في الحال جاز للبائع أن يمسك المبيع إلى أنيقبض الثمن المستحق و لو قدم له المشتري رهنا أو كفالة هذا ما لم يمنحه البائع أجلابعد انعقاد البيع.
يجوز كذلك للبائع أن يمسك المبيع، حتى و لو لم يحل الأجلالمتفق عليه لدفع الثمن، إذا سقط حق المشتري في الأجل طبقا لمقتضيات المادة 212.
و تبعا لذلك بإمكان البائع الإمتناع عن تسليم المبيع للمشتري في حالتين :
ـ الحالة الأولى : أن يكون الثمن واجب الدفع فورا
أي أن يكون دفعالثمن معجلا، أي أن أجله يحل فور انعقاد البيع، فإن البائع في مقدوره أن يحبسالمبيع و لا يسلمه للمشتري لغاية أن يقبض الثمن المستحق كله أو بعضه، و لا يمكنللمشتري أن يطلب تسليم المبيع و لو قدم للبائع ضمانا على دفع الثمن، و المتمثل فيرهن لمنقول أو كفالة.
و يجوز للبائع بعد انعقاد البيع و استحقاق الثمن أن يمنحأجلا للمشتري لدفع الثمن، و آنذاك يكون لزاما عليه أن يسلم المبيع لهذا الأخير، وهذا لكون الإلتزامين لم يصبحا حالي الأداء في وقت واحد، فإذا كان التزام البائعبتسليم المبيع قد حل أجله، فإن التزام المشتري بدفع الثمن صار مؤجلا تطبيقا للأجلالذي منحه البائع للمشتري، و معنى ذلك أن الحق في حبس المبيع لم يصبح في مقدورالبائع استعماله.
و يحتج على الغير بحق الحبس المعترف به له، كما هو الحالبالنسبة للمشتري من الباطن، و في البيوع المؤجلة يسمح إفلاس المشتري للبائع بتعليقالتسليم على إيداع كفالة، و مادام لم يسلم الشيء الذي انتقلت ملكيته للمشتري، يقععلى عاتق البائع التزام بالحفظ.
الحالة الثانية : حالة فقدان المشتريللإستفادة من الأجل
باستطاعة البائع حبس المبيع، حتى و لو لم يحل الأجلالمتفق عليه لدفع الثمن إذا فقد المشتري لحق الإستفادة من الأجل طبقا لمقتضياتالمادة 211 من القانون المدني، كما في حالة شهر إفلاس المشتري .
غير أنه يجوزللدائن إذا خشي إفلاس المدين، أن يتمسك بالحبس، كما أنه من حقه المطالبة بتأمينعيني أو شخصي مقابل تسليمه للمبيع، و كذا الأمر إذا خشي عسر المشتري، على أن يستندفي ذلك إلى سبب معقول، و إذا هلك المبيع بين يدي البائع أثناء ممارسة هذا الأخيرلحق الحبس، فإن الهلاك يتحمله المشتري، ما لم يكن قد نتج عن فعل البائع طبقا للمادة 391 من القانون المدني الجزائري.
فالمشتري يتحمل تبعة الهلاك لأنه هو الذي تسببفي عدم التسليم بإحجامه عن دفع ثمن المبيع، غير أنه إذا كان الهلاك بسبب فعل صادرعن البائع أي عن خطئه، فإن الهلاك يقع على مرتكب الخطأ طبقا للقواعد العامة، و علىالمشتري أن يثبت أن هلاك المبيع ناتج عن خطأ البائع، و على هذا الأخير إثبات العكسبجميع الوسائل لأن الأمر يتعلق بواقعة مادية.
و في القانون الفرنسي يعتبر ممنوعاغياب الميعاد المتفق عليه في البيوع للمستهلكين، فقانون 18 يناير 1992يلزم المحترفبذكر التاريخ المحدد الذي يتعهد فيه بتسليم المبيع، و يفتح للمستهلك الحق في الطعنفي العقد إذا تجاوز البائع ذلك التاريخ بأكثر من سبعة أيام، باستثناء حالة القوةالقاهرة (23) مع الإشارة بأن قانون حماية المستهلك الجزائري لم يتضمن مثل هذاالمقتضى، فتطبق قواعد القانون بحذافيرها .
(II ـ محــلالتسليــم
محل التزام البائع هو الشيء المتفق عليه أي الشيء المبيع و كذاتوابعه، مادية كانت أو إدارية أو قانونية، كما يجب التطرق إلى حالة النقص و الزيادةفي المبيع.
أولا: الشيء المتفق عليه
هو محل التنفيذ في عقد البيع، ويجب أن ينصب التسليم بوضوح على المبيع، كما هو معرف في العقد، إذ يجب على البائعتسليم ذلك الشيء طبقا لذلك التعريف، و لا يمكن أن يقوم بتعويضه بشيء آخر حتى و لولم يبد ذلك ضارا.
و مثال ذلك، أنه باستطاعة مشتر لكتاب مرقم أن يطلب بالرقمالمتفق عليه دون سواه، كما يستطيع مشتري الأثاث أو السيارة المطالبة باللون المتفقعليه و ليس لونا آخر لا يختلف عنه إلا اختلافا طفيفا، و كذلك إذا انصب البيع علىشقة، لا يف البائع بالتزامه بالتسليم بأن ينقل حصصا في شركة عقارية تعطي الحق فيتلك الشقة.
23 ـ لمادة 114 / 1 منقانون الاستهلاك الفرنسي .
1 ـ بالنسبة للبيوع العقارية:
يجب أنينص في العقد على مساحة العقار، خاصة إذا كان أرضا، و نادرا ما ينص على مساحةالشقق، لكن يذكر فقط عدد الغرف المتكونة منها، مثل غرفتين و صالون و حمام و مطبخ،وفي القانون الفرنسي توجد الفرضيات التالية:
- إذا نص العقد على المساحة و جعلهامقياسا للثمن (حسب المتر المربع أو الهكتار)، فإن كل اختلاف يكون محل تعديل فيالثمن أو الفسخ للبيع، و يجب رفع الدعوى من أجل ذلك في ميعاد سنة طبقا للمادة 1622من القانون المدني.
- و إذا أشار العقد إلى مساحة دون أن تكون مقياسا للثمن، لايمكن أن يسمح بتعديل الثمن سوى اختلاف يقدر بواحد من عشرين على الأقل، أو تنازلالمشتري.
و بالنسبة للقانون الجزائري فإنه تطبق قواعد النقص و الزيادة في مقدارالمبيع و التي سوف نتعرض لها بعد قليل.
2 ـ بالنسبة لبيوع السلع:
لنكونبصدد مطابقة التسليم للشيء المتفق عليه، يجب ان ينصب على المقدار و النوعية المتفقعليها، خاصة إذا حصل البيع بالعينة أو تبعا لنماذج مهنية فالتسليم هنا عبارة عنالتزام بتحقيق نتيجة.
إذا لم توضح النوعية في العقد، و جب على البائع تسليم شيءمن نوعية " سليمة و سوقية في القانون الفرنسي، ولا يقتصر ذلك على معدل بسيط بل يجبأن يكون المبيع من نوعية صحيحة، لها علاقة بالتخصص العادي للمنتوج.
أما فيالقانون الجزائري، فإن نوعية المبيع ودرجته تخضع لاتفاق المتعاقدين، أو طبقا للعرفأو أي ظرف آخر، و إلا وجب على البائع تسليم شيء من نوعية متوسطة، و هذا طبقاللقاعدة العامة المذكورة في المادة 94/2 من القانون المدني.
و المقصود بذلك هوعدم الإضرار بالبائع في حالة اشتراط أن يكون التسليم لشيء من نوعية رفيعة، و كذاعدم الإضرار بالمشتري في حالة تسليم شيء من نوعية منحطة أو رديئة.
و بالنسبةلبيع الأشياء القديمة يجب تسليم الشيء على الحالة التي كان عليها أثناء تطابقالإرادتين.
ثانيــا: توابع الشيء
على خلاف القانون الفرنسي، لم ينصالقانون الجزائري على توابع الشيء، و التي يجب أن يسلمها البائع مع المبيع و يعنيذلك أن البائع في القانون الجزائري ليس ملزما بتسليمها للمشتري، بل أنه ملزم بذلكتبعا لطبيعة المبيع و كذا للعرف الجاري العمل به، و يسميها البعض ملحقاتالمبيع.
و قد تكون تلك التوابع إما مادية أو إدارية أو قانونية حسب ما ورد فيالقانون الفرنسي.
1 ـ التوابع المادية :
أدرجت المادة 1615 منالقانون المدني الفرنسي صراحة في تسليم الشيء : " توابعه وكل ما هو مخصص لاستعمالهالأبدي " و تشير هذه العبارة على الخصوص إلى الأشياء المرتبطة بمنزل و أصبحت عقاراتبالتخصيص، مثل التماثيل الموضوعة في المشكوات (Niches) و المرايا المثبة فوقالمداخن، و أثاث المطبخ المهيأ.
و يتعلق الأمر في البدء بالتوابع الماديةللشيء، مثل عجلة النجدة مع السيارة، صناديق التعبئة مع المنتوج الخ... و يتعلقالأمر أيضا بثمار الشيء منذ البيع، مثل بدلات الإيجار، الغلال، منتوج حيوانالخ...
2 ـ التوابع الإدارية :
بالنسبة للأشياء التي تكون محل وثائقإدارية (مثل البطاقة الرمادية للسيارات) تردد القضاء في البدء بالقول بأن انعدامالبطاقة الرمادية لا يمنع السيارة من السير (24) ، لكنه قرر اليوم بأكثر تمعن بأنيجب أن ينصب على " الوثائق التي لا يستغني عنها لاستعمال عادي للسيارة تعد منتوابعها " (25) . و يطبق الحل نفسه على وثائق الحيوان (26) .
و بالطبع يجب أنتكون تلك الوثائق صحيحة و صريحة.
3 – التوابع القانونية :
يتعلق الأمرهنا بحقوق مرتبطة بالشيء، بحيث أنها تشكل توابعا و تنتقل معه.
-كما هو عليهالحال في المحل الأول بالنسبة للحقوق العينية المرتبطة بشيء ، و هي الارتفاقاتles servitudes فهي بطبيعتها تتبع المال في أي يد انتقل إليها، و تنتقل بالضرورةللمشتري .
- و كما هو عليه الحال أيضا بالنسبة لبعض العقود، و التي بالرغم منمبدأ الأثر النسبي، تكون أكثر ارتباطا بالمال بحيث لا يمكن فصلها عنه.
و بموجبنصوص خاصة تتبع بذلك الشيء المبيع مثل الإيجارات، عقود التأمين، عقود العمل، والعقود الضرورية لنشاط الشركة في حالة التنازل عنها تبعا لإجراء الإنعاش Redressement، و لقد مدد القضاء هذا الحل إلى فرضيات أخرى مثل عقود التوريد لمحلتجاري، و عقود صيانة آليات، و زيادة على ذلك من المعتاد أن يتفق الطرفان صراحة علىحوالة العقد Cession de contrat ، و التي لا يحتج بها على المتعاقد الآخر إلابقبوله لها، كما أن الاجتهاد القضائي الأخير، نقل الدعاوى القضائية المرتبطة بالشيءإلى المشتري كتابع له، فقد صرحت محكمة النقض عند انعقادها في إطار جمعية كاملة Assemblé plénière مبدئيا بأن : " المشتري الفرعي يتمتع بكل الحقوق و الدعاوىالمرتبطة بالشيء والتي كانت تنتمي للمالك " (27) فالمشتري يتحصل إذن على الصفةلمباشرة الدعاوى القضائية التي كان يتمتع بها البائع ضد الغير، و هكذا باستطاعةالمشتري الفرعي رفع دعوى عقدية ضد الصانع.
24 ـ نقض مدني فرنسي ، الغرفةالأولى في 1 فبراير 1956 و في 19 مارس 1958 .
25 ـ نقض مدني فرنسي ، الغرفةالأولى في 22 يناير 1991 و في 5 أكتوبر 1994 .
26 ـ نقض مدني فرنسي ، الغرفةالأولى في 26 نوفمبر 1981 ، بالنسبة للوثائق السامحة لتسجيل حصان للسباق في منافسة .
27ـ لجمعية الكاملة لمحكمة النقض في 7 فبراير 1986 .
- حالة النقص والزيادة في المبيع :
نصت المادة 364 من القانون المدني الجزائري على أنـه:
" يلتزم البائع بتسليم الشيء المبيع للمشتري في الحالة التي كان عليها وقتالبيع ".
و تبعا لذلك، و لكي ينفذ البائع التزامه بتسليم المبيع على الحالة التيوجد عليها أثناء التعاقد، يجب عليه من باب أولي المحافظة على المبيع لحين تسليمه،وتبعا لذلك نصت المادة 167 من القانون المدني على أن:
" الالتزامات بنقل حق عينييتضمن الالتزام بتسليم الشيء والمحافظة عليه حتى التسليم ".
وإن كان الالتزامبالتسليم هو التزام ببذل عناية رب الأسرة الحريص طبقا للمادة 172 من القانون المدنيبقولها :
" في الالتزامات بعمل، إذا كان المطلوب من المدين أن يحافظ على الشيء،أو أن يقوم بإدارته أو أن يتوخى الحيطة في تنفيذ التزامه فإن المدين يكون قد وفىبالالتزام إذا بذل في تنفيذه من العناية كل ما يبذله الشخص العادي، ولو لم يتحققالغرض المقصود، هذا ما لم ينص القانون أو الاتفاق على خلاف ذلك.
وعلى كل حاليبقى المدين مسؤولا عن غشه أو خطئه الجسيم ".
وإذا عين في العقد مقدارالمبيع، وجب على البائع أن يسلم المقدار المتفق عليه، لكن ما حكم النقص والزيادة فيمقدار المبيع ؟
1 ـ حالة النقص في مقدار المبيع :
عالجت هذه الحالةالفقرة من المادة 365 من القانون المدني بقولها :
" إذا عين في عقد البيع مقدارالمبيع كان البائع مسؤولا عما نقص منه بحسب ما يقضي بع العرف.
غير أنه لا يجوزللمشتري أن يطلب فسخ العقد لنقص في البيع إلا إذا أثبت أن النقص يبلغ من الأهميةدرجة لو كان يعلمها المشتري لما أتم البيع .... ".
وتبعا لذلك يكون البائعمسؤولا عما نقص في مقدار المبيع في حالتين، كما يكون غير مسئول في حالتين أيضا وسوفنتناولهما تباعا .
أ) ـ الحالتين اللتان لا يسأل فيهما البائع عن النقص فيالمبيع :
إذا راجعنا نص المادة 365 / 1 أعلاه نستنبط حالتان لا يكون فيهماالبائع مسؤولا عما نقص في مقدار المبيع وهما:
ـ الحالــة الأولى :وتتمثل فيأن يتفق البائع والمشتري في العقد ببند صريح على أن لا يسأل البائع عما ينقص فيمقدار المبيع بعد التسليم، لأن أحكام المادة 365 أعلاه ليست آمرة، بل مكملة لإرادةالمتعاقدين في حالة انعدام الاتفاق، وعليه تستبعد المقتضيات القانونية في حالة وجوداتفاق صريح بين الطرفين .
ـ الحالــة الثانية: أن يكون النقص في المبيعمما يتسامح فيه طبقا لقواعد التعامل بين الأطراف، أي طبقا للعادات والأعراف، فإذاكانت العادة المطبقة والمتعارف عليها هي التسامح في نقص بسيط في المبيع، فإن البائعيتحرر من المسؤولية، ومثال ذلك أن يبيع شخص لأخر كمية من العلف على أنها عشرونقنطارا، فإذا في المبيع بعد تسلمه ووزنه بأنه تنقص فيه عشرة كيلوغرامات، فإن هذاالنقص مما يتسامح فيه العرف بالنظر إلى كمية المبيع.
مع الإشارة بأنه على القاضيمعرفة عرف المنطقة لاختلاف العادات من منطقة لأخرى، فما يتسامح فيه في منطقة معينةلا يتسامح فيه في منطقة أخرى، وإذا طبقت القاعدة العرفية لا يكون البائع مسئولا عنالنقص المتسامح فيه، وليس للمشتري أن يطلب إنقاص الثمن أو تكملة القدر الناقص منفسخ العقد.
ب) ـ الحالتان اللتان يسأل فيهما البائع عن النقص في المبيع :
وتتمثلان في الحالة التي لا يتسامح فيها على النقص في مقدار المبيع طبقاللعرف، والحالة التي يكون فيها النقص جسميا.
الحالة الأولى النقص البسيطالذي لا يتسامح فيه طبقا للعرف: إذا كان العرف لا يسمح بالنقص في مقدار المبيع أولا يتسامح مع النقص في المقدار إذا تجاوز نسبة معينة، فإن البائع يكون مسؤولا عنذلك النقص، وباعتباره ليس جسميا فليس للمشتري أن يطلب فسخ البيع بل عليه أن يطلبإما إنقاص الثمن في حالة المبيع من المثليات، فمن يشتري مثلا خمسون قنطارا من القمحبثمن ثلاثة آلاف دينار للقنطار، أي بمبلغ إجمالي قدره مائة وخمسون ألف دينار، فإنمن حقه أن يطلب إن ظهر بعد التسليم بأنه ينقص قنطارين من القمح :
- إما انقاضالثمن بحيث يتساوى مع الكمية المستلمة، أي ستة آلاف دينار.
- وإما إضافةالقنطارين الناقصين من طرف البائع، لكون الأمر يتعلق بمبيع من المثليات .
أماإذا كان الشيء المبيع من القيميات، فإنه باستطاعة المشتري الاختيار بين الحلينأدناه:
- إما أن يطلب إنقاص الثمن ليصبح مساويا لمقدار المبيع، وللقاضي أن يلجأإلى تعيين خبير، لتقدير قيمة المقدار الناقص، وإذا كان الثمن مقدر بحسب الوحدة، فإنعملية إنقاص الثمن تبدوا في غاية البساطة، ومثال ذلك أن يبيع شخص لأخر قطعة أرض علىأن مساحتها خمسون مترا مربعا، ويكون سعر المتر المربع الواحد مليون سنتيم، ويظهربعد التسليم بأنها تنقص بمتر مربع واحد، فإن المشتري باستطاعته أن يطلب إنقاص مبلغمليون سنتيم من ثمن الأرض والمقدر بخمسين مليون سنتيم، ويصبح الثمن تسعة وأربعونمليون سنتيم .
- وإما أن يطلب استبدال المبيع بآخر، ولو لم يكن مماثلا للمبيعمائة بالمائة .
الحالة الثانية حالة النقص الجسيم: وهو النقص الذي يبلغ منالأهمية درجة بحيث لو كان يعلمه المشتري لما أبرم العقد، وهذا المعيار شخصي وليسموضوعي ويختلف من شخص لأخر، و للقاضي في ذلك سلطة تقديرية لتقدير ما إذا كان النقصجسيما، وللمشتري أن يثبت ذلك ويقنع القاضي بوجهه نظره.
وللمشتري آنذاك الاختياربين أمرين:
- إما يطلب إنقاص الثمن، ويكون بذلك متنازلا عن حقه في طلب فسخالبيع.
وإما أن يطلب مباشرة فسخ البيع للنقص الجسيم، و ينفسخ العقد بأثر رجعي، وآنذاك يرد المشتري المبيع المستلم إلى البائع، ويلتزم هذا الأخير بأن يرد له الثمن،بحيث يعود الطرفان إلى الحالة التي كانا عليها قبل التقاعد وهذا طبقا للقواعدالعامة، وعلى ذلك نصت المادة 122 من القانون المدني.
2 ـ حالة الزيادة فيمقدار المبيع :
عالجتها الفقرة 2 من المادة 365 أعلاه بقولها :
" وبالعكس إذاتبين أن قدر الشيء المبيع يزيد على ما ذكر بالعقد، و كان الثمن مقدارا بحسب الوحدةوجب على المشتري إذا كان المبيع غير قابل للتقسيم أن يدفع ثمنا زائدا، إلا إذا كانتالزيادة فاحشة ففي هذه الحالة يجوز له أن يطلب فسخ العقد، كل هذا ما لم يوجد اتفاقيخالفه ".
ولقد طرحت هذه الفقرة حالتان وهما حالة انعدام اتفاق مخالف، وحالةوجود اتفاق مخالف للمقتضيات القانونية و عليه:
أ ـ حالة انعدام اتفاقمخالف:
وفي هذه تطبق الأحكام المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة 365أعلاه، والتي تتفرع إلى الحالتين وهما:
الحالة الأولى : الزيادة البسيطة فيمقدار المبيع وهي زيادة غير ضخمة بحيث لا يتأثر المشتري بها تأثر كبير، وتجبالتفرقة بين قابلية المبيع للتقسيم دون ضرر أو غير قابلا للتقسيم.
ـ عدم قابليةالمبيع للتقسيم دون ضرر : إذا كان الثمن مقدار بحسب الوحدة، وكان المبيع غير قابلاللتقسيم دون ضرر للبائع مثل أن يبيع شخصا لأخر جهاز تلفزيون أو خزانة، أو أن يبيعشخصا لآخر قطعة من القماش على أن القماش مقاسها هو عشرون مترا، ثم يظهر بأنه زائدبنصف متر، يجب على المشتري أن يدفع زيادة في الثمن للبائع وليس له طلب فسخ العقد .
ـ قابلية المبيع للتقسيم دون ضرر : ومثال ذلك أن يشتري شخص كمية من الكتبعلى أنها ستون كتابا وكان السعر الإجمالي مقدرا حسب عدد الكتب، ثم تبين بأن الكميةتبلغ سبعون كتابا أو واحد وستون كتابا، فإن المبيع هنا يقبل التجزئة دون ضرر علىالبائع خاصة إذا كانت الكتب متماثلة في محتواها، فهنا ليس باستطاعة البائع أن يطلبمن المشتري أن يدفع زيادة في الثمن بحسب الزيادة في عدد الكتب، بل باستطاعة المشتريأن يرد الكمية الزائدة للبائع.
الحالة الثانية الحالة الثانية الزيادةالفاحشة في مقدار المبيع إذا كان الثمن مقدرا بحسب الوحدة، وكان المبيع قابلاللتقسيم دون ضرر، فإنه لا يحق للمشتري طلب فسخ العقد، بل فقط أن يطلب تقسيم المبيع،أو رد المقدار الزائد للبائع، وليس للبائع أن يلزمه بالزيادة في الثمن.
وإذا كانالمبيع غير قابلا للتقسيم دون ضرر، فإنه باستطاعة المشتري أن يطلب فسخ، ويعاد آنذاكالمتعاقدان إلى الحالة التي كانا عليها قبل التعاقد تبعا للتفصيل المذكورأعلاه.
والزيادة الفاحشة أو الضخمة ينظر إليها بمعيار شخصي، فهي الزيادة التي لوكان يعلم بها المشتري قبل التقاعد لما أقدم على إبرامه.
ولم ينص المشرع علىالحالة التي يكون فيها الثمن معينا جملة واحدة وليس بسعر الوحدة، ويرى الأستاذسليمان مرقس بأنه يرجع إلى قصد المتعاقدين و القواعد العامة، و يؤخذ من ذكرالمتعاقدين لمقدار المبيع مع تعيين الثمن جملة واحدة أن ذكرهما المقدار إنما هو علىوجه التقريب، فلا يكون للزيادة فيه أثر على البيع و ثمنه، أي أن البيع يبقى و لايطالب المشتري بزيادة في الثمن، غير أن هذا الرأي ليس على استقامة، ذلك أنه بالرجوعإلى القواعد العامة في الالتزامات نجد بأنه يجب تطبيق قواعد الدفع غير المستحقالمنصوص عليها في المادة 143 و ما بعدها من القانون المدني، و التي تنص على أنه: " كل من تسلم على سبيل الوفاء ما ليس مستحقا له، و جب عليه رده ".
وتبعا لذلك إذاتسلم المشتري مقدار زائد في المبيع و كان الثمن مقدرا جملة واحدة، فإنه يعتبر أنهتسلم ما هو مستحق له بالنسبة للمقدار المتفق عليه، و ما هو غير مستحق بالنسبةللمقدار الزائد، و توجد حالتان:
- حالة ما إذا كان المبيع قابلا للتجزئة دونضرر، فإنه على المشتري إرجاع الجزء الزائد للبائع إلا إذا اتفق الطرفان على أن يدفعالمشتري زيادة في الثمن.
- حالة ما إذا كان المبيع غير قابل للتجزئة دون ضرر،فعلى المشتري هنا دفع زيادة في الثمن مقابل المقدار الذي استلمه دون حق.
و إذاكان المشتري سيئ النية، أي على علم بأنه استلم مبيعا به زيادة عن المقدار المتفقعليه فإنه يلزم برد الأرباح التي جناها أو التي أهمل جنيها من المقدار الزائد فيالمبيع الذي تسلمه بغير حق، و ذلك من يوم استلامه له أو من اليوم الذي أصبح فيه سيءالنية.
ب ـ حالة وجود اتفاق مخالف:
لا تطبقالأحكام السابقة في حالةاتفاق المتعاقدين على مخالفتها، و ذلك أنه باستطاعتهما ان يتفقوا على إسقاط حقالمشتري في فسخ البيع إن كانت الزيادة فاحشة، بل عليه فقط طلب إنقاص المبيع إن كانقابلا للتجزئة أو الزيادة في الثمن، كما يجوز الاتفاق على اعتبار المقدار الزائد منالمبيع هبة من البائع للمشتري، و بالتالي لا يحق للبائع المطالبة بزيادة في الثمن،و لا أن يطلب إرجاع الجزء الزائد.
3 ـ تقادم الدعاوى الناشئة عن التقص والزيادة في مقدار
تناولته المادة 366 من القانون المدني بقولها:
" إذا وجد فيقدر المبيع نقص أو زيادة، فإن حق المشتري في طلب إنقاص الثمن، أو فسخ العقد و حقالبائع في طلب تكملة الثمن يسقطان بالتقادم بعد مضي سنة من وقت تسليم المبيع تسليمافعليا ".
و الحكمة من جعل مدة السنة تبدأ من يوم التسليم الفعلي و ليس من يومإبرام العقد، هي كون تلك المدة قصيرة وقد تنقضي تلك المدة القصيرة قبل أن ينكشفالعجز أو الزيادة في المبيع، فتسقط تلك الدعاوي قبل أن يعلم ذوو الشأن بثبوت حقهمفيها، كما أنه لا يتسنى للمشتري أن يسيطر على المبيع سيطرة فعلية إلا من يوم تسلمهله تسلما فعليا بحيث يكون باستطاعته التأكد من مقداره الحقيقي.
و لذلك لا يعتدبالتسليم القانوني مثل وضع المبيع تحت تصرف المشتري، بل يجب أن يضع المشتري يده علىالمبيع ويحوزه حيازة مادية.
و مدة السنة هذه من النظام العام، إذ لا يجوزالاتفاق على تقصيرها أو إطالتها، غير أنه يجوز لأي من المتعاقدين التنازل عن رفعتلك الدعاوى طبقا للقواعد العامة، و ينقطع التقادم بالطرق التالية:
ـ رفعالدعوى و لو أمام محكمة غير مختصة.
ـ بإلزام بالدفع الذي يحرره المحضر القضائي،و الذي يطلب فيه البائع الزيادة في الثمن، و يطلب المشتري إنقاص الثمن.
ـ بالحجزعلى المبيع.
- بالطلب الذي يتقدم به الدائن لقبول حقه في تفليسة المدين.
و لايجوز للمحكمة أن تقضي من تلقاء نفسها بالتقادم، بل يجب أن يكون ذلك بناء على طلبالمدين الذي يثيره أثناء رفعه لدعواه، أو يدفع به إذا رفعت الدعوى ضده من طرفالدائن.
و بالنسبة للحالة التي يكون فيها ثمن المبيع مقدرا جملة واحدة وليسبسعر الوحدة، فإن دعوى البائع للمطالبة باسترداد الجزء الزائد من المبيع، هي كماأسلفنا دعوى استرداد ما دفع بغير حق و تطبق عليه المادة 149 من القانون المدني، وتسقط بالتقادم المقدر بعشر سنوات و يبدأ من اليوم الذي يعلم فيه البائع بأنه دفعزيادة في المبيع أو بعد خمس عشر سنة من يوم التسليم.
و سبب ذلك أن المادة 366مدني لم تنص على مدة تقادم دعوى البائع في استرداد ما دفعه بغير حق، بل نصت فقط علىدعواه المتعلقة بتكملة الثمن، و تبعا لذلك لو اختار البائع دعوى تكملة الثمن فإنهاتتقادم بمضي مدة سنة تبدأ من يوم التسليم الفعلي للشيء المبيع .
(III ـإثبــات التسليــم
أولا عبئ الإثبات : يتعلق الأمر في الواقع بتنفيذ البائعلالتزامه الأساسي، يشكل التسليم من الناحية القانونية وفاءا un paiement ، و من ثمينصب على البائع باعتباره مدينا بذلك الالتزام أن يقيم الإثبات على ذلك الوفاء حسبالقاعدة العامة المذكورة في المادة 323 من القانون المدني بقولها :
" على الدائنإثبات الالتزام، و على المدين إثبات التخلص منه ".
و هكذا ليس باستطاعة البائعالمطالبة بالثمن دون إقامة الإثبات مسبقا على تسليمه للمبيع، و يتعرض لفسخ البيعإذا لم يثبت بأنه سلم المبيع في الميعاد المتفق عليه غير أنه يمكن أن يشكل دفعالمشتري للثمن كاملا قرينة على حصول تسليم الشيء، و بالمقابل عندما يثبت التسليميقع على المشتري عبئ إثبات نقص في المطابقة.
ثانيا طريقة الإثبات : يترجم تنفيذالتسليم بقبض المشتري للشيء prise de possession فلسنا هنا بصدد واقعة بسيطة لكنناأيضا أمام تصرف قانوني، إذ يكشف هذا القبض عن نية المشتري في قبول الشيء، كما قدمله و نتكلم عندئذ عن
التوصل وهو تصرف ثقيل و له نتائجه.
وفي الواقع بقبولهبذلك الشيء يتعرف المشتري بأنه مطابق للبيع، و المبدأ إذن أن التوصل يفترض فحصاللمطابقة فالمشتري الذي يتوصل بالشيء دون تقديمه لأية تحفظات يتقبل الشيء المسلم لهعلى أنه مطابق للعقد (كما و نوعا) وهذا ما يمنعه من رفع احتجاجات بعد ذلك حول ماكان في مقدوره مراقبته، و يقال بأن : « التوصل دون تحفظات يغطي نقائص التطابقالواضحة » و يحظر على المشتري الإدعاء بتلك النقائص باستثناء العيوبالخفية.
الفرع الثاني:
جزاء عدم تنفيذ البائع لالتزامهبالتسليم
إما أن يحصل عدم تسليم البائع للمبيع نتيجة لإحجام هذا الأخير عنالتسليم أو تأخره في ذلك، و إما أن يكون ذلك راجعا إلى هلاك المبيع أو نقص قيمتهبسبب التلف، و تبعا لذلك سوف نتناول تلك الحالتين أدناه.
أولا إحجام البائع عنالتسليم أو تأخره في ذلك : لا يوفي البائع بالتزامه بالتسليم إن أحجم عن وضع المبيعتحت تصرف المشتري و كذا إن لم يخطره بأن المبيع يوجد تحت تصرفه، و كذا الحال إذا لميقم بالتسليم في الميعاد المتفق عليه أو سلمه في غير الحالة التي كان عليها أثناءإبرام العقد، فإذا حصل ذلك، كان في مقدور المشتري أن يطلب التسليم بواسطة التنفيذالجبري ، و هذا باللجوء إلى السلطة العامة بشرط أن يكون التسليم ممكنا وهذا بعدإعذاره للبائع بتسليم المبيع، ويتم الإعذار بواسطة إنذار البائع إما برسالة مضمنةمع الإشعار بالوصول، أو بواسطة المحضر القضائي، غير أنه لا حاجة للإعذار إذا صرحالبائع كتابة للمشتري بأنه لا ينوي تسليم البيع، و باستطاعة المشتري اتباع طريقةالحجز التخصيصي على البيع، و إذا فقد الشيء بفعل تصرف لصالح الغير، و انتقلت ملكيتهإلى هذا الغير إما بواسطة قاعدة الحيازة مع حسن النية في المنقول، أو الإشهارالعقاري في العقارات، فما على المشتري إلا أن يطلب استرداد الثمن إن كان قد دفعه وكذا التعويض عن الأضرار اللاحقة به، وللمشتري أن يختار طلب فسخ العقد، وهذا بتطبيقالقاعدة العامة المذكورة في المادة 119 من القانون المدني وللمشتري كذلك أن يطلبالتعويض زيادة عن ذلك إذا أثبت تعرضه للضرر.
و للقاضي سلطة تقديرية في الحكمبالفسخ من عدمه، و له اتخاذ أحد المواقف التالية:
1- إما يمنح أجلا حسب الظروفلتنفيذ التزامه بالتسليم، و هذا إذا أبدى البائع نيته في التسليم.
2- أن يحكمبإنقاص الثمن فقط، إذا رأى أن ما لم يوف به البائع قليل الأهمية بالنسبة إلى كلالالتزامات، و مثال ذلك أن يسلم البائع المبيع باستثناء أحد توابعه.
3- أن يحكمبالفسخ إذا تبين له بأن البائع مصر في عدم تسليمه للمبيع، و أنه لا ينوي تسلميه فيالمستقبل.
و يجب على المشتري قبل أن يطلب الفسخ أن يعذر البائع بالتسليم طبقالما سبقت الإشارة إليه أعلاه، و إذا حكم بفسخ العقد استرد المشتري الثمن إن كان قددفعه، و له الحق في التعويض كما سلف القول.
و في المواد التجارية بإمكان الضرورةأن تسمح للمشتري بالإعفاء من اللجوء إلى المحاكم، عندما يجب عليه التموين بسرعة، ويكون باستطاعته التموين من الغير، و يجب على البائع الذي أخل بالتزامه تحمل الفارقفي الثمن و لقد كرس التعامل التجاري الفسخ غير القضائي و المسمى بـ " المتروكلحساب"Laissé pour compte " ، فالمشتري غير الراضي يرفض تسلم التي يعتبرها غيرمطابقة، و يتركها لحساب البائع.
و بالطبع سوف يحكم عليه إن كان هذا الرفض غيرمبرر، فالذي يعفى من دعوى سابقة أمام القضاء يتحمل دائما المخاطر و الخسائر الناتجةعن تصرفه
ثانيا هلاك المبيع أو نقص قيمته نتيجة للتلف: قد يتعذر على البائعالوفاء بالتزامه بالتسليم كلية إذا كان المبيع معينا بذاته و هلك في يده، و قد يكونتسليم المبيع على الحالة التي كان عليها وقت التعاقد مستحيلا بسبب نقص في قيمتهبفعل التلف، و في كلتا الحالتين يكون البائع مخلا بالتزامه بالتسليم.
و قد عالجتتلك المسألتين المواد 369-370 و 391 من القانون المدني، إضافة إلى القواعد العامةفي لقانون نفسه وتبعا لذلك سوف نتناول تلك المسألتين أدناه.
1- هلاكالمبيع:
تناولتها المادة 369 من القانون المدني بقولها:
" إذا هلك المبيع قبلتسليمه بسبب لا يد للبائع فيه سقط البيع و استرد المشتري الثمن إلا إذا وقع الهلاكبعد إعذار المشتري بتسليم المبيع ".
فالقاعدة العامة هي أن مخاطر الهلاك تقع علىالبائع قبل تسليم المبيع، لأنه قبل التسليم يقع عليه واجب المحافضة على المبيعلغاية التسليم، بأن يبذل في ذلك كما سلف القول عناية رب الأسرة الحريص، فبالرغم منكون الملكية تنتقل بالعقد في المنقولات المعينة بذاتها، و الفرز في الأشياء المعينةبنوعها و بالإشهار في العقارات و الحقوق العينية
العقارية، فإن ذلك لا يجعلمخاطر هلاك المبيع على المالك أي المشتري، بل هي على البائع قبل التسليم، لكونالمشتري قبل التسليم لا يستطيع السيطرة على المبيع سيطرة مادية، فلا يمكن أن يتحملمخاطر هلاك المبيع ما دام أنه ليس في حيازته، وبما أن البائع أخل التزامه بالمحافظةعلى المبيع لغاية تسليمه، و كذا بتسليم المبيع على الحالة التي كان عليها يومالتعاقد، فإنه هو الذي يتحمل مخاطر الهلاك.
و على خلاف القانون الجزائري، نجدالقانون الفرنسي جعل مخاطر هلاك المبيع قبل تسليمه على المشتري كمبدأ عام لأنه أصبحمالكا، و لا يتحمل البائع أية مسؤولية و يحصل على الثمن طبقا للقاعدة العامة « الهلاك يقع على المالك » هذا إن كان الهلاك راجعا للحالة الطارئة، أما إذا كانراجعا لخطأ فإن الهلاك في القانون الفرنسي يتحمله البائع، لإنه يعد مخلا بالتزامهبحفظ المبيع لغاية تسليمه ببذل عنلية رب الأسرة الحريص طبقا للمادة 1137 من القانونالمدني، و بتالي يقع على عاتقه عبئ إثبات أن هلاك المبيع راجع إلى الحالة الطارئة وليس إلى خطئه.
فالمبدأ في القانون الفرنسي هو أن مخاطر الهلاك على المالك أيالمشتري بمجرد إبرام العقد، و الإستثناء أنها على البائع قبل التسليم إذا تسبببخطئه في هلاك المبيع، وهذا على خلاف المشرع الجزائري الذي جعل مخاطر الهلاك علىالبائع قبل التسليم و تبعا للمادة 369 من القانون المدني توجد الحالتانالتاليتان:
أ ـ القاعدة العامة مخاطر الهلاك على عاتق البائع:
و هيالقاعدة العامة المذكورة في المادة 369 أعلاه، فالبائع ملزم بالمحافظة على المبيعلغاية تسليمه للمشتري، حتى ولو إنتقلت ملكية المبيع للمشتري و على ذلك فمخاطرالهلاك مرتبطة ليس بالملكية بل بالتسليم أي بحيازة المبيع، فمن كان المبيع تحت يدههو الذي يتحمل مخاطر الهلاك.
و مفهوم الهلاك في القانون هو زوال المبيع منالوجود بمقوماته الطبيعية(1)، فمثلا إذا كان المبيع آلة لحصاد، فإن الهلاكها يقعإذا لم تعد صالحة للاستعمال و كان إصلاحها مستحيلا، فالهلاك هنا كليا و لو بقىجسمها، لكن إذا كان إصلاحها ممكنا بفعل احتراق محركها مثلا، فإن الهلاك ليس كليا بلجزئيا، لأنه يمكن إصلاحها باستبدال محركها، و كذا الحال بالنسبة للثلاجات التي يتلفمحركها و السيارات و آلات الخياطة الخ... و يجب أن يكون الهلاك لا يرجع للمشتري، وعلى ذلك نكون أمام حالتان و هما هلاك المبيع بسبب أجنبي، و هلاكه بسبب البائع.
- الحالة الأولى هلاك المبيع بسبب أجنبي: وقد يكون هذا السبب منفعل الطبيعة كالحادثالفجائي و القوة القاهرة مثل الفيضان و الزلال، أو من فعل الإنسان كالسرقة و الحرب،فهنا يسأل البائع عن هلاك المبيع بتحمله للمخاطر، أي أن الهلاك يقع على عاتقه وينفسخ البيع بقوة القانون طبقا للمادة 369 أعلاه، و بالتالي يلزم بإرجاع ثمن المبيعللمشتري، و لايمكن للمشتري المطالبة بالتعويض عن الضرر الحاصل له، لأن الهلاك وقعبسبب لا يمكن نسبته للبائع، بل عليه فقط المطالبة باسترداد الثمن بعد أن أصبح البيعمنفسخا، أي مفسوخا بقوة القانون لكون إلتزام البائع أصبح مستحيلا و على ذلك نصتالمادة 121 من القانون المدني.
فالتعويض لا يكون إلا إذا كان الخطأ أو العملالضار صادرا عن البائع، فإن كان الضرر منسوبا للغير أو نتيجة لحادث فجائي، تعذر علىالمشتري المطالبة بالتعويض و هذا طبقا للقواعد العامة، و على ذلك نصت المادة 127 منالقانون المدني على أنه:
"إذا أثبت الشخص أن الضرر قد نشأ عن سبب لا يد له فيهكحادث مفاجئي أو قوة قاهرة، أو خطأ صدر من المضرور أو خطأ صدر من الغير، كانغيرملزم بتعويض هذا الضرر، مالم يوجد نص قانوني أو إتفاق يخالف ذلك ".
- الحالة الثانية هلاك المبيع بسبب فعل البائع: لا يختلف الأمر عن الحالة الأولى، لأنمخاطر الهلاك تقع على البائع قبل التسليم، لأنه بفعله لم يحافظ على المبيع لغايةتسليمه، غير أنه إضافة إلى التزامه برد ثمن المبيع، لكون البيع ينفسخ بقوة القانونمع إعادة المتعاقدان إلى الحالة التي كانا عليها قبل التعاقد، فإنه يكون مسئولا عنتعويض المشتري عن الضرر الحاصل له، لأن البائع هو الذي تسبب بخطئه في هلاكالمبيع.
ب ـ الاستثناء مخاطر الهلاك على عاتق المشتري:
لا تقع مخاطرهلاك المبيع قبل التسليم دائما على البائع بل قد تقع على المشتري تبعا لحالات نصعليها المشرع بشأن عقد البيع صراحة أو أنها تستمد من القواعد العامة و سوف نتناولهاأدناه.
- الحالة الأولى إعذار البائع للمشتري بتسلم المبيع: نصت على هذه الحالةالمادة 369 من القانون المدني، فإذا أعذر البائع للمشتري لتسلم المبيع، وتقاعس هذاالأخير دون مبرر عن ذلك، وهلك المبيع، فإن الهلاك يقع على عاتق المشتري لأنه أحجمعن تسلم المبيع و بالتالي لا يسأل البائع عن تبعة الهلاك، ولا يلتزم برد الثمنللمشتري و لا يحكم عليه بالتعويض.
ويتم الإعذار إما برسالة مضمنة مع إشعاربالوصول أو بواسطة، عقد غير قضائي يحرره المحضر القضائي، و لا حاجة إلى الإعذار إذاكان المشتري قد صرح كتابة للبائع بأنه لا ينوي تنفيذ التزامه بتسلمالمبيع.
-الحالة الثانية استعمال البائع لحقه في حبس المبيع: تضمنت المادة 391من القانون المدني هذه الحالة بقولها
" إذا تلف المبيع في يدي البائع و هو ماسكله، كان تلفه على المشتري ما لم يكن التلف قد وقع من فعل البائع ".
فالبائع يحبسالمبيع لديه لكون المشتري لم ينفذ أحدا من التزامه، و على الأخص الالتزام الرئيسيالمتمثل في عدم دفع الثمن، فهنا نجد بأن البائع رفض تسليم المبيع مستندا في ذلك إلىحق له و هو حق الحبس، وبالتالي فإن هلاك المبيع بسبب لا يمكن أن ينسب إليه كالحادثالفجائي و خطأ الغير إنما يقع على عاتق المشتري، لأن عدم تسليم المبيع لهذا الأخيرسببه عدم دفع الثمن، و لكون الالتزامين متقابلين، فلا يتصور الوفاء بالتزام دونالآخر.
و هذه الحالة تطبيق للقاعدة العامة في الحبس المنصوص عليها في المادة 200 من القانون المدني، و يشترط لإستعمال حق الحبس أن يكون إلتزام المشتري بدفعالثمن قد حل أجله، و إذا كان البائع حابسا للمبيع، فإنه يقع عليه إلتزام بالمحافظةعلى المبيع، و تبعا لذلك إذا كان هلاك المبيع ناتجا عن فعل صادر من البائع، فإنالهلاك يقع على عاتقه و آن ذاك يتحرر المشتري من التزامه بدفع الثمن.
- الحالةالثالثة هلاك المبيع بفعل المشتري: إذا هلك المبيع قبل التسليم بفعل المشتري،فالهلاك ينصب على عاتقه لأنه هو الذي تسبب فيه، ووجب عليه دفع الثمن كاملا إن كانلم يدفعه، و لا يسترده إذا كان قد دفعه.
و لقد أورد بعض الأساتذة استثناءارابعا، مفاده أنه يجوز الاتفاق على جعل مخاطر الهلاك على عاتق المشتري و لو قبلالتسليم لأن قاعدة تحميل البائع مخاطر الهلاك ليست من النظامالعام.
الـمبحـث الثانـي
الالتزامـات اللاحقـةللبيـع
المبحث الثانــي
الالتزامات اللاحقة للبيع
إن عقد البيععقد ملزم للجانبين، لأنه ينشئ بمجرد انعقاده التزامات في ذمة البائع وأخرى في ذمةالمشتري، أي أن إرادة الطرفين تتجه نحـو إنشاء التزامات معينة، مما يجعل كلا منهمادائنا ومدينا في نفس الوقت.
المطلب الأول :
ضمـان التعـرض و ضمـانالاستحقاق:
ولما كان المشتري يهدف من البيع إلى الحصول على المبيع للتمتعبكافة السلطات التي يخولها له القانون تمتعا كاملا. فلا يكفي لذلك أن ينقل البائعإلى المشتري الحق المبيع وأن يقوم بالتسليم بل يلزم فضلا عن ذلك أن يضمن البائعالحق المبيع و الانتفاع به انتفاعا هادئا أي يضمن عدم منازعته فيه.
ويشمل هذاالضمان شقين هما: ضمان التعرض وضمان الاستحقاق.
الفرع الأول:
ضمـــانالتعــــرض
ينص القانون المدني الجزائري في المادة 371:
" يضمن البائععدم التعرض للمشتري في الانتفاع بالمبيع كله أو بعضه سواء كان التعرض من فعله أو منفعـل الغير، يكون له وقت البيع حق على المبيع يعارض به المشتري..."
كما ينصالقانون المدني المصري في المادة 439:
"يضمن البائع عدم التعرض للمشتري فيالانتفاع بالمبيع كله أو بعضه سواء كان التعرض من فعلـه أو من فعل أجنبي يكون لهوقت البيع حق على المبيع يحتج به على المشتـري ويكـون البائع ملزما بالضمان ولو كانالأجنبي قد ثبت حقه بعد البيع إذا كان هذا الحق قد آل إليـه من البائعنفسه".
وفي القانون المدني الإماراتي في المادة 534: "يضمن البائع سلامةالمبيع من أي حق للغير يعترض المشتري إذا كان سبب الاستحقاق سابقا على عقد البيع،كما يضمن البائع سلامة المبيع إذا استند الاستحقاق إلى سبب حادث بعد البيع ناشئ عنفعله".
يتضح من خلال هذه النصوص أن البائع مطالب بأن يضمن للمشترى حيازة المبيعالهادئة، وهذا الضمان من طبيعة البيع، فلا يلزم لوجوده اشتراط خاص في العقد،فللمشترى هذا الضمان بمقتضى نصوص القانون التي جاءت تفسيـرا لإرادة المتعاقدينوالتي تبين مدى الالتزامات التي يضعها العقد على عاتق البائع و النصوص المذكورةليست من النظام العام، فللمتعاقدين حق تعديلها بالتشديـد أو التخفيف، أو النزولعنها بالاتفاق على عدم الضمان .
و ينبني على ذلك أنه لا ضمان إذا ظهر أن العينالمبيعة مؤجرة بعقد ثابت التاريخ قبل البيع، لأن ضمان البائع لا يشمل إلا الحقوقالعينية .
فالقول بأن البائع يلتزم بنقل حيازة هادئة للمشتري يعني أن البائعيلتزم بضمان التعرض و الاستحقاق، ولا يلتزم بهذا إلا إذا وقع تعرض يعكر هدوء هذهالحيازة.
و تختلف دعوى العجز عن دعوى الضمان، فدعوى العجز متفرعة من التزامالبائع بتسليم ما باعه بأكمله للمشتـرى، وفيها يظهـر للمشترى أن المبيـع أقل مقدارامما تبين في العقد، و يسقط حق المشتـرى في المطالبة بفسخ البيـع أو إنقاص الثمنبالسكوت عليه مدة سنة من تاريخ التسليم.
أما دعوى الضمان فمتفرعة من التزامالبائع تمكين المشترى من الانتفاع بالمبيع و حيازته حيازة هادئة، و فيها يجدالمشترى المبيع بمقداره، و إلا أن الغير ينازعه فيه، وهي لا تسقط إلا بمضي 15 سنةعلى المنازعة أو على الحكم النهائي الصادر باستحقاق الغير للمبيع على الرأيالأرجح.
ويشمل ضمان البائع ناحيتين ، فالبائـع يضمن للمشترى فعله هو، كما يضمنالفعل الصادر من أجنبي.
(I ـ أنـــــواع التعـــرض
استنادا لنصالمادة 371 من القانون المدني الجزائري يفهم بأن هناك نوعين من التعرض، التعرضالشخصي والتعرض من الغير ونص المادة كالآتي:
"يضمن البائع عدم التعرض للمشتري فيالانتفاع بالمبيع كله أو بعضه سواءكان التعرض من فعله أو من فعل الغير، يكون لهوقت البيع حق على المبيع يعارض به المشتري ويكون البائع مطالبا بالضمان ولو كان حقذلك الغير قد ثبت بعد البيع وقد آل إليه هذا الحق من البائع نفسه".
أولا: ضمان التعرض الشخصي
من القواعد القانونية أن من يجب عليه الضمان يحرم عليهالتعرض فيجب على البائع أن يمتنع عن كل عمل ينشأ منه تعرض مادي أو قانونـي لانتفاعالمشترى بالمبيع كله أو بعضه.
أي أن البائع يلتزم بعدم منازعة المشتري في ملكيةالمبيع، وبعبارة أخرى لا يجوز له أن يتعرض للمشتري في الانتفاع بالمبيع سواء كانتعرضه قانونيا أو ماديا، ويكون التزامه سلبيا.
أ ـ أما التعرض القانوني: فهو أنيستعمل البائع حقا ادعاه على المبيع وكان ذلك يؤدي إلى نزع المبيع من يد المشتري،ومثاله أن يطلب البائع الذي لم يكن مالكا للمبيع وقت البيع استرداد المبيع منالمشتري بحجة أنه كسب حق للملكية بعد البيع، ولكن لا يعتبر تعرضا تمسك البائع تجاهالمشترى بحق يقره القانون لمصلحته كإقامته دعوى بطلان مطلق مؤسس على باعث من النظامالعام أو دعوى بطلان نسبى مبناه حماية البائع، أو دعوى فسخ مبناها عدم قيام المشترىبتنفيذ التزاماته، وهذا ما قضت به محكمة النقض المصرية بأن ليس للبائع أن يدعيلنفسه سبب عدم تسجيل العقد وتراخي نقل الملكية ـ ملكية المبيع ـ .
ب ـ أماالتعرض المادي: يكون بأي فعل مادي يعكر به البائع حيازة المشتري، دون أن يستند فيالقيام به إلى أي حق يدعيه على المبيع، وحتى ولو كان الفعل المكون لهذا النوع منالتعرض ليس في ذاته خطأ و لا تتوافر فيه شروط الفعل الضار بل يعتبر فعلا جائزاللغير، أي أن الفعل المادي الذي يقوم به البائع يعتبر تعرضا شخصيا في حين أن غيرهيستطيع القيام به، فإذا كان فعله إخلالا بالتزام ناشئ عن العقد فهي مسؤولية عقدية،أما إذا كان فعله إخلال بالواجب العام فالمسؤولية تكـون تقصيرية.
و التزامالبائع بضمان أفعاله الشخصية التزام دائم، فليس للبائع، حتى بعد انقضاء 15 سنة أنيدعى تخلصه منه.
ـ شروط التعرض الشخصي: يجب لقيام التعرض الشخصي أن يصدر منالبائع عمل من شأنه أن يحول كليا أو جزئيا دون انتفاع المشتري بملكيةالمبيع.
فيجب إذن توافر شرطين:
1-أن ينشأ من فعل البائع نفسه إخلال بانتفاعالمشترى.
2-أن يكون التعرض الذي وقع فعلا من شأنه أن يحول كليا أو جزئيا دونانتفاع المشتري بالمبيع، و يضاف عادة إلى
ذلك أن يكون العمل مما يتعارض معالتزامات البائع.
الشرط الأول وقوع التعرض فعلا: فمجرد احتمال وقوعه لا يكفـيلقيام الضمان، مثلا إذا هدد البائع المشتري بالتعرض له فلا يكفى هذا التهديد لقيامضمان التعـرض ما دام البائع لم ينفذ تهديده، إذن يجب أن تقع فعلا الأعمال المؤديةإلى حرمان المشتري من الانتفاع بالعين المبيعة.
مثلا: إذا باع البائع العقارالمبيع مرة ثانية، وبادر المشتري الثاني إلى التسجيل قبل المشتري الأول فانتقلتإليه الملكية دون المشتري الأول، لكن المشتري الثاني لم يتخذ أي إجراء لنزع العقارمن يد المشتري الأول، فليس لهذا الأخير أن يحتج على البائع بضمان التعرض الناشئ منبيعه العقار مرة ثانية، وليس له أن يحتج عليه ويطلب إبطـال بيـع ملك الغير، لأنالبيع الذي صدر من البائع إلى المشتري الثاني قد صدر من مالك ولكن له أن يرفع دعوىفسخ البيع لعدم قيام البائع بتنفيذ التزامه بنقل الملكية إليه.
فالقسم الأولمن التعرض الشخصي يقوم على أعمال مادية محضة تقع من البائع، كأن يبيع شخص متجرالآخر ثم يعمد إلى إنشاء متجر مجاور من نفس النوع، يجتذب إليه زبائن المحل المبيعبحكم تعودهم على التعامل مع البائع، فإن هذا العمل يعتبر منافسة غير مشروعة وإخلالا بالتزام البائع بعدم المنافسة، في حين أنه لو أن أجنبيا هو الذي أنشأ المتجرالمجاور فإن منافسته تكون مشروعة ، ما دامت في حدود المنافسة المألوفة بينالتجار.
(أما إذا قام البائع يعمل من أعمال العنف و التعدي على المشتري فيحيازته للعين، فإنه يكون مسؤولا عنه كمسؤولية أي شخص أجنبي عن أعماله غير المشروعةوليس باعتباره بائعا ملزما بالضمان).
أما القسم الثاني من التعرض فيقوم علىتصرفات قانونية، كأن يبيع البائع العقار مرة ثانية، ويبادر المشتري الثاني إلىالتسجيل قبل المشتري الأول فتنتقل الملكية إليه دون الأول، فينتزع منه العقار، فهناتعرض من جانب المشتري الثاني وهو تعرض صادر من الغير، وفي نفس الوقت تعرض شخصي صادرمن البائع نفسه، لأن المشتري الثاني في تعرضه قد استمد حقه من البائع، ونفس الشيءبالنسبة لبيع المنقول، كأن يبيع البائع سيارة مرة ثانية وسلمها للمشتري الثاني،فتنتقل إليه الملكية بموجب الحيازة بحسن النية، فهنا تعرض صادر من كل من المشتريالثاني و البائع في وقت واحد للمشتري الأول.
هذا كله عن التعرض المادي الصادر منالبائع سواء كان قائما على أعمال مادية محضة وقعت من البائع، أو كان قائما علىتصرفات قانونية صادرة منه.
وقد قضت محكمة النقض المصرية بأن التزام البائع بعدمالتعرض التزام مؤبد بمعنى أنه يتولد من عقد البيع باستمرار ويلتزم به البائع ولوبعد البيع بأكثر من 15 سنة، ولكن إذا حدث هذا التعرض من جانب البائع ووضع يده علىالمبيع وسكـت المشتري عن هذا التعرض بعد وقوعه ومضى على وضع يد البائع 15 سنة انقلبوضع اليد سببا مشروعا للتملك يحول دون ضمان البائع.
وإذا ما حصل تعرض من البائعكان للمشترى أن يطلب وقف التعرض و المطالبة بتعويض الضرر الحاصل فالضمان إما أنيكون تعويض، أو بالامتناع من تجديد بعض الأعمال المادية مع تهديده بغرامة مالية، أوعدم الاحتجاج على المشترى ببعض الأعمال القانونية التي باشرها البائع.
وضمانالفعل الشخصي لا يلتزم به البائع فحسب، بل يكون أيضا على الخلف العام للبائع وكل منالتزموا معه فورثه البائع ملزمون مثله بالضمان، ولا يجوز لهم إقامة دعوى الاستحقاقعلى المشتري إذا كان البائع قد باع من غير حق شيئا مملوكا لهم، كذلك يقع الضمان علىكفيل البائع و ورثته.
و إذا تعدد الملتزمون بالضمان فالرأي أن التزام البائعيعتبر غير قابل للانقسام فيما يختص بالضمان عن الفعل الشخصي، فمحل الالتزام هو ضمانالحيازة الهادئة للمشتري، و الحيازة الهادئة لا تقبل الانقسام حتى لو كان الشيءقابلا للتجزئة.
خصائص الالتزام بضمان التعرض الشخصي
1- هو التزامأبدي: ذهب محكمة النقض المصرية في حكم لها إلى أن التزام البائع بعدم التعرضللمشتري التزام أبدي كما يتنقل هذا الالتزام أيضا إلى الورثة، فيمتنع عليهم أبداالتعرض للمشتري فيما كسبه من حقوق بموجب العقد إلا إذا توفرت لديهم ـ من تاريخ عقدالبيع ـ شروط وضع اليد على الأرض المبيعة المدة الطويلة المكسبة للملكية.
ويذهبالقضاء الفرنسي وعلى رأسه محكمة النقض الفرنسية، ويسانده عدد كبير من الفقهاء أمثالأوبري، ورو وليدان، كولان، كابيتان، إلى القول بأن البائع الذي يحتفظ بحيازة المبيعلا يمكنه التعرض للمشتري بالاستناد إلى التقادم المكسب، لأن الالتزام بالضمانالتزام مؤبد، فيكون الاستناد إلى التقادم المكسب من قبيل التعرض.
لكن الدكتورالمصري خميس خضر يرى بأن هذه الحجة منتقدة لأنه إذا كان التزام البائع بضمان التعرضالتزاما أبديا، كان للمشتري في حالة التعرض الرجوع على البائع بدعوى الضمان.إلا أنهذه الدعوى تسقط كغيرها من الدعاوي بانقضاء 15 سنة من وقت وقوع التعرضفعلا.
2-عدم قابلية الالتزام بضمان التعرض للانقسام: التزام البائع بضمانتعرضه الشخصي، سواء كان ماديا أو قانونيا هو التزام بالامتناع عن التعرض بنفسهللمشتري في حيازة المبيع و الانتفاع به، فهو التزام غير قابل للتجزئة ولو كانالمبيع ذاته قابلا للانقسام، فمثلا لو كان شخصان يملكان منزلا على الشيوع وباعالشخصان المنزل معا، يلتزم كل منهما نحو المشتري بضمان التعرض الصادر منه في كلالمنزل، وليس في النصيب الذي باعه فقط.
وكذلك لو أن شخصين ورثا منزلا فباعاهمعا ثم ظهر أن أحدهما هو الوارث وحده، فلا يجوز لهذا الأخير أن يسترد شيئا منالمشتري لأنه ضامن لتعرضه الشخصي في كل المنزل، ولكن له أن يرجع إلى الشخص الآخرالذي ظهر أنه غير وارث، وهذا هو الحل الذي أخذ به القضاء والفقه الفرنسيان، والذيأخذ به أيضا الفقه الجزائري و كذا المصري.
3-مدى انتقال الالتزام بضمانالتعرض إلى الخلف العام و الخلف الخاص: المدين في هذا الالتزام هو البائع وهو الذييقع منه التعرض الموجب للضمان، ولا ينتقل هذا الالتزام إلى الخلف العام لأنالالتزام في القانون المصري والجزائري لا يتنقل من المورث إلى الوارث بل يبقى فيالتركة.
مثلا: إذا بـاع شخص عينا مملوكة لوارثه، ثم مات فإن الوارث يستطيع أنيسترد العين المبيعة من المشتري و لا يجوز لهذا الأخير أن يحتج عليــه بأن الالتزامبالضمان قد انتقل من مورثه إليه، لأن هذا الالتزام لا ينتقل من المورث إلـى الوارثولكن الالتزام بالضمان يبقى في التركة و للمشتري أن يرجع على التركـة بالتعويض وهذاما اتفق عليه فقهيا.
وفي هذا المعنى يقول أيضا الأستاذ الدكتور عبد المنعمالبدراوي أن الالتزام بضمان التعرض لا ينتقل إلى الورثة بل يبقى في التركة، وكذلكلا ينتقل الالتزام بضمان التعرض الشخصي إلى الخلف الخاص.
فمثلا : لو باع شخصعقارا و أوصى به لشخص آخر، وبعد موته بادر الموصى له إلى تسجيل الوصية قبل أن يسجلالمشتري البيع، فإن المشتري لا يستطيع أن يحتج على الموصى له بأنه ملتزم بالضمانليسترد منه العقار لأن الالتزام بالضمان لا ينتقل من الموصى إلى الموصى له، بل يبقىفي التركة ويتقدم في رجوعه بهذا الحق على الموصى له.
ـ ما يترتب على قيامضمان التعرض الصادر من البائع :
التزام البائع بعدم التعرض للمشتري التزامأبدي، دائم إذ يجب على البائع أن يمتنع عن التعرض للمشتري في أي وقت ولو كان قدانقضى على البيع أكثـر مـن 15 سنة وهي مدة التقادم، أما إذا أخل البائع بالتزامهبأن تعرض فعلا للمشتري، تولد عن هذا الالتزام الأصلي بعدم التعرض التزام جزائيبالتعويض، وهـذا الالتزام هو الذي يسقط، فإذا لم يطالب به المشتري خلال 15 سنة منوقوع التعرض فعلا، سقط بالتقادم و لا يستطيع المشتري بعد ذلك أن يطالب البائـعبالتعويض(الالتزام الجزائي) وطريقة تنفيذ هذا الالتزام الجزائي تختلف باختلافالأحوال التي يقوم فيهـا ضمـان التعرض، فإذا كان تعرض البائع للمشتري قائما علىأعمال مادية محضة، كمنافسـة المشتري في المتجر المبيع وجب على البائع تعويض المشتريعما أصابه من ضـرر بسبب هذه المنافسة، أو أن يبيع المالك بئرا لآخر فيقوم المالكبحفر بئر أخرى بالقرب منها، فهذا يؤدي إلى نقص ماء البئر المبيعـة، فهنـا يجب علىالبائع أيضا تعويض المشتري عما أصابه من ضرر بسبب حفر البئر الأخرى، ففـي هاتينالحالتين وجب على البائع أن يقفل المتجر الذي أنشأه أو البئر التي حفرها . ويجوز أنيحكم عليه بتهديد مالي عن كل يوم أو أسبوع أو شهر يتأخر فيه عن إقفال المتجر أوإلغاء البئر.
أما إذا كان تعرض البائع للمشتري قائما على تصرف قانوني صادر منه،كمن باع مثلا العقار مرة أخرى لمشتر ثان وسبق هذا الأخير إلى تسجيل البيع قبلالأول، فهنا يرجع هذا الأخير أي المشتري الأول على البائع في هذه الحالة إما بموجباستحقاق الغير للمبيع، وإما بموجب ضمان البائع التعرض الصادر منه، لأن الغير استمدحقه من البائع نفسه.
وإذا كان تعرض البائع قائما على إدعاء لنفسه حقا علىالمبيع، كمن باع عينا غير مملوكة له ثم تملكها بعد ذلك فالجزاء هنا يتخذ صورة خاصةوهي أن ترد دعوى البائع باسترداد المبيع من المشتري فلا يستطيع أن يسترد العين لأنمن وجب عليه الضمان لا يستطيع الاسترداد.
إذن ننتهي إلى القول في هذا الصدد إنجزاء إخلاء البائع بالتزامه بضمان التعرض الشخصي للمشتري يخضع للقواعد العامة، بحيثيكون للمشتري طلب التنفيذ العيني فإذا لم يكن التنفيذ العيني ممكنا أو لم يطلبهالمشتري حكم بالتنفيذ بالمقابل أي بالتعويض، كما يجوز للمشتري أن يطلب فسخ البيعلإخلال البائع بالتزامه بالضمان مع التعويض إن كان له محل.
- الاتفاق علىتعديل أحكام ضمان التعرض الشخصي:
المادة 378 ق.م.ج و التي تقابلها المادة 446 ق مصري نصها كالآتـي :
"يبقى البائع مسؤولا عن كل نزع يد ينشأ عن فعله، ولووقع الاتفاق على عدم الضمان ويقع باطلا كل اتفاق يقضي بغير ذلك".
المادة 446 ق.ممصري : (إذا اتفق على عـدم الضمان بقي البائع مـع ذلك مسؤولا عن استحقاق ينشأ عنفعله ويقع باطلا كل اتفاق يقضى بغير ذلك).
يعرض النصان السابقان حالة واحدة منأحوال ثلاث في الاتفاق على تعديل أحكام ضمان التعرض، وهي حالة الاتفاق على إسقاطالضمان.
وتوجد إلى جانب هذه الحالة حالتان أخريان وهما حالة الاتفاق على زيادةالضمان، وحالة الاتفاق على إنقاص الضمان، وبمفهوم المخالفة يفهم من النصين السابقينبأن الاتفاق على زيادة الضمان جائز وكذلك الاتفاق على إنقاص الضمان جائز. فمثلابالنسبة للاتفاق على زيادة الضمان أن يتفق المشتري مع البائع بأن لا يقوم هذاالأخير بأعمال معينة تتعارض مع الانتفاع الخاص الذي أراده المشتري، فإذا كان المبيعمتجرا مثلا لسلعة معينة ويريد المشتري أن يضيف إلى هذه السلعة سلعة أخرى لم يكنالبائع يتاجر فيها، جاز أن يتفق مع البائع على عدم إنشاء متجر إلى جانبه تباع فيهالسلعة الأصلية أو السلعة الأخرى، ويكون المشتري هنا قد اتفق مع البائع على زيادةالضمان، أما بالنسبة لحالة الاتفاق على إنقاص الضمان كأن يشترط بائع المتجر علىالمشتري عدم منعه من إنشاء متجر يبيع فيه بعض السلع التي يتعامل فيها المتجرالمبيع، ففي هذا الاتفاق إنقاص من ضمان البائع للتعـرض، ولكن الاتفاق على إسقاطالضمان إسقاطا تاما غير جائز ويكون الاتفاق إذا وقع باطلا.
ثانيا: ضمانالتعرض الصادر من الغير
رأينا أن المادة 371 ق.م.ج المقابلة للمادة 489 ق.ممصري فضلا عن إلزامها البائع بعدم تعرضه الشخصي تلزمه أيضا بضمان التعرض للمشتريإذا كان التعرض من فعل الغير، يستند إلى حق ثابت للغير وقت البيع، أو كان قد آلإليه بعد البيع بفعل البائع نفسه. فتعرض الغير هنا هو التزام البائع بدفع تعرضالغير الذي يدعي حقا على المبيع الذي هو في يد المشتري، إما أن يكون الحق الذييدعيه هذا الغير ثابتا وقت البيع أو آل إليه بعد البيع بفعل البائع نفسه ويكونالتزامه هنا إيجابيا، ويفرض الالتزام بالضمان على البائع أن يتدخل في الدعوىالمقامة على المشتري ليساعده في الخصومة المقامة عليه من الغير.
و التعرض الحاصلمن الغير الذي يسأل عنه البائع هو التعرض القانوني، فلا يضمن التعرض المادي ولوترتب عليه خروج المبيع من يد المشتري، فبالنسبة إلى التعرض المادي الحاصل من أشخاصلا يدعون أي حق على المبيع يكون للمشتري أن يدافع عن نفسه، وفي القوانين الحمايةالكافية له.
والقضاء مستقر أن مجرد التعكير المادي الحاصل من الغير للمشتري فيالعين المبيعة لا يدخل بأي حال في ضمان البائع حتى لو كان منصوصا عليه في العقد،لأن ما يضمنه البائع بصفته هذه هو التعرض أو الاستحقاق المستند إلى سبب أو نزاعقانوني، فلإلزام البائع بالضمان يجب أن يدعي الغير الذي صدر منه التعرض بأن له حقعلى الشيء المبيع سابقا على البيع (حق ملكية، حق ارتفاق، رهن)، ومحل الالتزام فيضمان تعرض الغير هو دفع التعرض عن المشتري فهو التزام بعمل، والتزام البائع بضمانتعرض الغير هو التزام بتحقيق غاية لا بوسيلة، إذ لا يكفي أن يبذل جهده في دفعالتعرض من الغير بل عليه أن يمنع هذا التعرض، فإذا نجح في دفع تعرض الغير كان هذاتنفيذا عينيا لالتزامه، أما إذا لم يفلح في ذلك و استحق المبيع كليا أو جزئيا من يدالمشتري، كان على البائع أن يعوض المشتري عما أصابه من ضرر حسب هذا الاستحقاق وهذاما يسمى بضمان الاستحقاق.
إذن التعرض الصادر من الغير و الذي يضمنه البائع هوالتعرض القانوني أي بإدعاء هذا الغير بحق على المبيع سواء كان الحق موجودا وقتالبيع أو بعد البيع وبفعل البائع نفسه، وسواء كان هذا الحق عينيا أو شخصيا.
كمايلتزم البائع أيضا بضمان التعرض القانوني الواقع من الغير سواء كان العقد الصادرمنه مسجلا أو غير مسجل لأنه لا يترتب على عدم تسجيل العقد إخلاء مسؤوليته منالالتزام، وعليه أن يمكن المشتري من حيازة المبيع و الانتفاع به انتفاعا هادئا، وقدبنت محكمة النقض المصرية على هذا المبدأ، أن للمشتري الرجوع على البائع بالضمان،إذا نزعت ملكية العين المبيعة بناء على طلب دائن البائع الشخصي.
أما الضمانفي حالة توالي البيوع ، فيكون للمشتري الأخير إذا استحق المبيع في يده، أن يرجع علىالباعة السابقين بإحدى الدعوييـن : الدعوى المباشرة أو الدعوى غيرالمباشرة.
شروط تعرض الغير الذي يضمنه البائع
الشرطالأول:أن يكون التعرض قانونيا
لقد رأينا أن البائع لا يضمن التعرض الماديالصادر من الغير، فعلى المشتري أن يدفع ويواجه الغير في ذلك، كما يستطيع أن يرفعشكواه إلى الجهات الإدارية وغيرها من الجهات المسئولة عن اغتصاب ملكه.
هذا عنالتعرض المادي الصادر عن الغير، أما التعرض القانوني الذي يستند فيه الغير إلى حقيدعيه على المبيع فيضمنه البائع، و لا يلزم أن يكون الحق الذي يدعيه الغير ثابتا،بل يكفي مجرد الإدعاء حتى ولو كان هذا الإدعاء ظاهر البطلان. و يستوي أن يكون الحقالذي يدعيـه الغير متعرضا للمشتري عينيا أو شخصيا.
و الحق العيني قد يكون أصلياأو تبعيا ومثال الحق العيني الأصلي الذي يدعيه الغير على المبيع : حق الملكية علىالمبيع كله أو جزء منه شائع أو غير شائع، فيتقدم الغير إلى المشتري باعتباره المالكالحقيقي للمبيع كله أو بعضه، ويطالب برد ما يدعي ملكيته، فهنا قد تكون دعوى استحقاقكلي أو جزئي، أما الحق العيني التبعي فقد يكون حق رهن يدعيه الغير على المبيع أو حقاختصاص أو حق امتياز.
ومثال الحق الشخصي الذي يدعيه الغير، حق المستأجر فإذا كانالغير يدعي أنه استأجر من البائع العين المبيعة بإيجار له تاريخ ثابت سابق علىالمبيع، و احتج بحقه على المشتري كان هذا الإدعاء من جانب الغير تعرضا مبنيا علىسبب قانوني يضمنه البائع.
الشرط الثاني: أن يكون التعرض حالا أو وقعفعلا
يجب أن يكون التعرض حالا، لا احتماليا، فليس للمشتري أن يلجأ إلى ضمانالبائع مادام الغير لم يتعرض له، فحق الضمان المقرر للمشتري لا ينشأ إلا من وقتمنازعة الغير له، أي أن البائع لا يلتزم بضمان تعرض الغير إلا إذا كان هذا التعرضحالا و مخلا بحقوق المشتري في انتفاعه بالمبيع وحيازته حيازة هادئة، أما مجرد خشيةالمشتري وقوع التعرض أو اكتشافه وجود حق للغير (كحق رهن) يحتمل أن يكون سبباللتعرض، لا يبيح له قانونا رفع دعوى الضمان في الحال لاحتمال عدم وقوع التعرض منالدائن المرتهن.
ولذلك يجب أن يكون التعرض واقعا فعلا من الغير، فالغير هنا طرفأجنبي ليس طرفا في عقد البيع يدعي حقا على المبيع ويرفع بهذا الحق دعوى علىالمشتري، إلا أن الدعوى التي يرفعها تختلف باختلاف الحق الذي يدعيه، فالغير هنا هوالمدعي إلا أنه قد يكون هو المدعي عليه كأن يكون المشتري هو الذي يرفع دعوى بعدصدور البيع يطالب فيها الغير بملكية المبيع (أي دعوى استرداد).
فالتعرض إذن يكونواقعا فعلا من الغير بدعوى ترفع أمام القضاء يكون فيها الغير إما مدعيا أو مدعىعليه، إلا أن رفع الدعوى أمام القضاء ليس ضروريا في كل الأحيان لوقوع التعرض فعلا،فقد يقع التعرض من الغير دون أن ترفع به دعوى ويتحقق ذلك مثلا إذا اعتقد المشتري أنالغير على حق فيما يدعيه فيسلم له بإدعائه أو يصالحه عليه، أو يدفع له الدينالمضمون برهن على المبيع، ولكن المشتري في هذه الحالة يخاطر بأحد أمرين:
1ـ أنيثبت البائع أن الغير لم يكن على حق فيما يدعيه على خلاف ما اعتقده المشتري وعندئذيفقد المشتري حقه في الرجوع على البائع بالضمان.
2ـ أن البائع لم يستطيع إثباتذلك، فله أن يرد للمشتري المبلغ الذي دفعه أو قيمة ما أداه مع الفوائد و المصروفاتبموجب المادتين373 و374 من القانون المدني الجزائري.
وكذلك يعتبر التعرض دون أنترفع دعوى إذا كان البائع غير مالك للمبيع وبعد البيع تملكه المشتري بسبب آخر غيرالبيع الصادر له، مثلا : أن يبيع شخص عينا غير مملوكة له، فلا تنتقل الملكية إلىالمشتري بسبب البيع، ولكن المشتري يرث العين من المالك أو يشتريها منه فتنتقلالملكية إلى المشتري بسبب آخر غير البيع، وبهذا تكون العين استحقت للمالك الحقيقيثم انتقلت بعد ذلك من المالك الحقيقي إلى المشتري، فيجب على البائع ضمانالاستحقاق.
ملاحظة: إن التزام البائع بدفع التعرض الصادر من الغير معلق على شرطرفع دعوى من الغير وقيام المشتري بإخطار البائع بها، ومتى تحقق هذا الشرط كانللبائع أن يتدخل في الخصومة وفقا لقانون المرافعات إلى جانب المشتري وأن يحل محلهذا الأخير إذا طلب إخراجه منها.
الشرط الثالث: أن يكون الحق الذي يدعيهالغير على المبيع موجودا وقت البيع
أن يكون الحق قد آل إلى الغير بعد البيعمن البائع نفسه، فإذا كان حق التعرض موجودا وقت البيع، فالبائع يسأل عنه أيا كانسبب الحق، سواء كان راجعا لفعل البائع، كما لو كان قد قرر حق ارتفـاق على العقارقبل البيع، أو كان لا دخل للبائع في إنشائه، كما لو كان الغير واضعا يده عليه واكتملت مدة التقادم المكسب قبل انعقاد البيع.
و لا يشترط لضمان البائع للتعرضالصادر من الغير أن يكون المشتري وقت البيع غير عالم بالحق الذي يدعيه الغير أو أنيكون البائع عالما بهذا الحق، فحتى لو كان المشتري عالما بالحق الذي يدعيه الغير،وحتى لو كان البائع لا يعلم به فإن البائع يكون مع ذلك مسؤولا عن الضمان، إلا إذااشترط عدم مسؤوليته باتفاق خاص.
ـ البيع الذي ينشئ الضمان : كل بيع ينشئضمان البائع للتعرض الصادر من الغير كما أن كل بيع ينشئ ضمان البائع لتعرضه الشخصي،ويستوي في ذلك بيع المساومة وبيع المزاد ولو كان بيعا قضائيا أو إداريا.
ـجزاء الإخلال بالالتزام بضمان تعرض الغير:
أ ـ التنفيذ العيني:
إنالتنفيذ العيني هو التزام ينشأ مباشرة عن عقد البيع وهو أن يمتنع البائع عن التعرضللمشتري سواء كان تعرضا ماديا أو قانونيا وأن يدفع كل تعرض قانوني صادر من الغير،فمتى قام ضمان البائع للتعرض الصادر من الغير فإن البائع قد تحقق التزامه، يجب عليهأن ينفذ التزامه تنفيذا عينيا، بأن يجعل الغير الذي تعرض للمشتري مدعيا بحق علىالمبيع يكف عن تعرضه وينزل عن إدعائه بهذا الحق، فإذا عجز البائع عن التنفيذ العينيبأن فاز الغير بإثبات ما يدعيه وقضي له بالحق المدعى به، فقد وجب على البائع أنينفذ التزامه بالضمان عن طريق التعويض فيعوض المشتري عما أصابه من الضرر لاستحقاقالمبيع في يده طبقا للقواعد التي قررها القانون وهذا هو ضمان الاستحقاق.
أماالتزام البائع بالضمان الجزائي " التعويض" فإنه ينشأ عن الإخلال بالتزام أصلي وهوعدم منع التعرض وعن هذا يترتب تفويت الانتفاع بالمبيع على المشتري بعض الوقت أوباستحقاق المبيع كله أو بعضه للغير، فالتزام البائع بدفع تعرض الغير التزام بغايةوحتى إذا فشل في رد هذا التعرض، اعتبر مخلا بالتزامه بالتعرض و استوجب الجزاء.
ويراعى بالنسبة للتنفيذ العيني لالتزام البائع بضمان تعرض الغير أن المشروع أوردنصين هما نص المادة 372 373 ق.م.ج اللتين تقابلهما المادتان 440، 441 ق.م مصري، ومنخلال هذه النصوص، نستخلص أن الغير إذا تعرض للمشتري، أي رفع عليه دعوى استحقاق يدعيملكية المبيع كله أو بعضه، أو رفع دعوى أخرى كدعوى الرهن أو غيرها، فعندئذ يتحققالتزام البائع بدفع هذا التعرض. ويبدأ التزامه بالتنفيذ العيني بأن يدخل في الدعوىإلى جانب المشتري أو يحل محله فيها، ويدفع إدعاء الغير بمختلف الوسائل القانونيةحتى يصدر حكم برفض دعواه، وفي هذه الحالة يكون قد نفذ التزامه عينيا، أما إذا لميتدخل أو تدخل ولكنه فشل في دفع هذا التعرض وجب عليه تنفيذ التزامه بالتعويض، بشرطأن يقوم المشتري بإخطار البائع في الوقت الملائم، ودعوته ليتدخل في الدعوى حتى ينفذالتزامه بالضمان تنفيذا عينيا، بأن يجعل الغير يكف عن إدعائه أو بأن يحصل على حكمقضائي يرفض دعواه، وهذا ما تنص عليه المادة 372 ق.م.ج المقابلة لنص المادة 440 ق.ممصري، فالتزام البائع بدفع هذا التعرض يعتبر التزام بتحقيق غاية فلا يقبل من البائعأنه بذل أقصى جهده، بل أنه إذا لم يفلح في ذلك اعتبر مخلا بالتزامه بالتعرض، وليسللإخطار أي شكل خاص، كما يصح كتابيا، يصح شفويا، ولكن عبء الإثبات يقع على المشتريوهذا ما يراه معظم الفقهاء أمثال عبد الفتاح عبد الباقي، جميل شرقاوي، منصور مصطفىمنصور.
ويميز النصان السابقان بين فرضين ، فإما أن يتدخل البائع في دعوىالاستحقاق، وإما ألا يتدخل، فإذا تدخل في الدعوى إلى جانب المشتري أو حل محل هذاالأخير كان عليه أن يدفع إدعاء الغير بجميع الوسائل القانونية التي يملكها كما سبقتالإشارة، أما إذا لم يتدخل وجب التمييز بين فرضين:
فإما أن يكون المشتري قد دعاهللتدخل في الوقت الملائم ولم يتدخل، وإما أن المشتري لم يخطر البائع ولم يتدخل وتبعا لذلك نخلص إلى الحالات الآتية:
الحالة الأولى: هي حالة تدخل البائع فيدعوى الاستحقاق
ويكون ذلك بصحيفة تعلن للخصوم قبل يوم الجلسة أو بطلب يقدمشفاهة في الجلسة في حضورهم و يثبت في محضرها و لا يقبل التدخل بعد إقفال المرافعة،هنا على البائع أن يتدخل من تلقاء نفسه حتى لو لم يخطر من المشترى لأنه هو الأقدرمن هذا الأخير كما يجوز أن يكون الغير " المتعرض " هو الذي يدخل البائع ضامنا فيالدعوى، فإذا تدخل البائع ضامنا في دعوى الاستحقاق أو أدخل فيها من جهة المشترى أوالغير، جاز للمشترى أن يبقى في الدعوى فينضم إليه البائع، كما يجوز له أن يخرج منهافيحل البائع محله فيها، حيث يتولى دفع ادعاء المتعرض و يحمله على الكف من تعرضه والنزول عن ادعائه أو يحصل على حكم قضائي برفض ادعائه، وهنا يكون البائع قد نفذالتزامه بضمان التعرض الصادر من الغير تنفيذا عينيا.
أما إذا فشل في ذلكفإن التزامه بضمان تعرض الغير يتحول إلى تعويض، إذ يصبح ضامنا لاستحقاق المبيعوتقضي المحكمة باستحقاق الغير للمبيع، و في الوقت نفسه تقضي للمشترى بتعويض علىالبائع.
الحالة الثانية: هي حالة عدم تدخله في دعوى الاستحقاق مع دعوةالمشتري إياه أن يتدخل
فالغرض هنا أن البائع لم يتدخل هو و لا يدخله أحدالخصوم، ولا تدخله المحكمة فيبقى خارجا عن الخصومة في دعوى الاستحقاق الأصلية، ويكون المشترى قد أخطره في الوقت الملائم و دعاه للتدخل فلم يفعل، فهنا لا تخلوالحال من أمور ثلاثة:
*إما أن يتولى المشترى وحده دفع دعوى المتعرض، فينجح فيدفعها و يقضي برفض طلبات المتعرض.
*إما أن يقر المشترى للغير المتعرض بالحق الذييدعيه أو يتصالح معه على هذا الحق، فهنا يجوز للبائع أن يتخلص من التزامه بالضمانبأن يرد للمشتري ما أداه من الفوائد القانونية و جميع المصروفات، أما إذا دفعالبائع بأدلة حاسمة أن المتعرض لم يكن على حق فيما يدعيه، و أن المشترى تسرع فيالإقرار أو المصالحة و تمكن البائع أن يثبت أن المشترى لم يكن على حسن النية فيإقراره، فهنا لا محل للرجوع على البائع بالتعويضات.
*وإما ألا يقر و لا يتصالحمعه، و لكنه فشل في دفع دعوى المتعرض فيقضي للمتعرض بطلباته و يستحق المبيع إماجزئيا أو كليا بموجب حكم نهائي، ففي هذه الحالة أن المشترى قد بذل كل ما في وسعه منأجل إخطار البائع و عدم التسليم للمتعرض بحقه، ودفع دعواه بكل ما يملك فيكون من حقهبعد كل ذلك أن يرجع على البائع بالتعويضات بموجب دعوى ضمان الاستحقاق ففي هذهالحالة لا يستطيع البائع أن يدفع رجوع المشترى عليها بالتعويضات إلا إذا أثبت أنالحكم النهائي الصادر في دعوى الاستحقاق كان نتيجة تدليس من المشترى أو لخطأ جسيممنه .
أما إذا لم يتدخل البائع في دعوى الاستحقاق من غير إخطار المشترىإياه، عكس الحالة المذكورة أعلاه أي أن المشترى لم يخطر البائع في الوقت الملائمففي هذه الحالة إذا نجح المشترى في دفع دعوى المتعرض، انتهى التعرض و انتهي معهالتزام البائع بالضمان أما إذا أقر المشترى بحق التعرض أو لم ينجح في رد هذاالتعرض، فهنا لا يحق للمشترى الرجوع على البائع بالتعويضات، لأن المشترى قصر في عدمإخطار البائع بدعوى الاستحقاق في الوقت الملائم، و يستطيع هذا الأخير أن يثبت أنتدخله في الدعوى كان يؤدي إلى رفض دعوى الاستحقاق.
ملاحظة :
إن هذا الالتزامبالتنفيذ العيني ، لا يقبل التجزئة و لو كان المبيع قابلا للتجزئة
مثلا : إذاتعدد البائعون، و وقع تعرض للمشترى، جاز لهذا الأخير أن يطالب أيا من البائعين بمنعالتعرض كله دون تجزئة.
الفرع الثانـــي:
ضمـــانالاستحقــــاق
يرجع المشترى على البائع بضمان الاستحقاق في إحدى الحالاتالتالية:
1-إذا أخطر المشترى البائع بدعوى الاستحقاق، فتدخل البائع في الدعوى ولم يفلح في دفع دعوى المتعرض.
2-إذا أخطر المشترى البائع بدعوى الاستحقاق فلميتدخل البائع في الدعوى و حكم للمتعرض، ولم يستطيع البائع إثبات تدليس المشترى أوخطئه الجسيم.
3-إذا أخطر المشترى البائع و لم يتدخل البائع و أقر المشترى بحقالمتعرض أو تصالح معه و لم يستطع البائع أن يثبت أن المتعرض لم يكن على حق فيدعواه.
4-إذا لم يخطر المشترى البائع بدعوى الاستحقاق و حكم للمتعرض و لم يثبتالبائع أن تدخله في الدعوى كان يؤدي إلى رفضها.
5-إذا سلم المشترى للمتعرض بحقهدون دعوى و لم يثبت البائع أن المتعرض لم يكن على حق في دعواه.
و إذا وجبللمشترى على البائع ضمان الاستحقاق في حالة من الحالات المذكورة أعلاه فإن الأمر لايخلو من فروض ثلاثة :
أ ـ إما أن يكون الاستحقاق كليا فيجب على البائع أنيدفع للمشترى تعويضا كاملا.
ب ـ و إما أن يكون الاستحقاق جزئيا فيجب على البائعأن يدفع للمشترى تعويضا بقدر الضرر الذي أصابه.
ج ـ و إما أن يكون المشترى قددفع للمتعرض شيئا في مقابل حقه صلحا أو إقرار بهذا الحق، فيجب على البائع لكي يتخلصمن نتائج الضمان أن يرد للمشترى ما أداه للمتعرض.
أولا : مفهوم الاستحقاق
فالاستحقاق هو نزع ملكية المبيع كله أو بعضه من تحت يد المشترى بحكم قضائي،و في حالة الاستحقاق الكلي نصت المادة 375 ق.م جزائري المقابلة لنص المادة 443 مدنيمصري، ومن خلال هذا النص يستخلص أن المبيع استحق كليا أي أن المبيع كان مملوكا لغيرالبائع فانتزعه المالك الحقيقي من يد المشترى فرجع هذا الأخير على البائع بضمانالاستحقاق الكلي.
الظاهر أيضا أن المشترى يملك ـ غير دعوى ضمان الاستحقاق ـدعويين أخرويتين، دعوى الإبطال باعتبار أن البيع صادر من غير مالك، فهو بيع ملكالغير، ودعوى الفسخ على أساس أن المشترى يجيز البيع ثم يطلب الفسخ لعدم تنفيذالبائع التزامه بنقل الملكية.
إلا أن هذا التعويض في دعوى الضمان يختلف عنالتعويض في كل من دعوى الإبطال و الفسخ، و أن التعويض في ضمان الاستحقاق الكلييتكون من عناصر نص عليها المشرع في المادة 375 ق.م.ج، فمثلا : إذا كان المبيع عبارةعن دار عندما تسلمها المشترى أجرى فيها ترميمات ضرورية، ثم أقام طابقا جديدا فوقطوابق الدار و أنشأ مصعدا ودهن حيطان الدار لزخرفتها، و قبض ريع الدار من وقت أنتسلمها، و بعد ذلك رفع شخص على المشتري دعوى استحقـاق، فأدخل المشترى البائع ضامنافي الدعوى و حكم باستحقاق المبيع " الدار " و بتعويض للمشترى على البائع فهذاالتعويض الذي يأخذه المشترى من البائع بسبب الاستحقاق الكلي يتكون من عنصرينجوهريين هما قيمة المبيع وقيمة التعويضات الأخرى.
لقد نص التقنين المدنيالجزائري و نظيره المصري على التزام البائع بقيمة المبيع وقت الاستحقاق تطبيقالقواعد التنفيذ بمقابل و مع أنه لا يجوز للمشترى المطالبة بضمان الاستحقاق إلا منوقت صدور الحكم النهائي بالاستحقاق لأن حكم الاستحقاق يستند أثره إلى وقت رفعالدعوى، غير أنه يلاحظ أن المشترى ليس مقيدا بقواعد التنفيذ المقابل التي طبقتهاالمادة 375 ق.م.ج المقابلة للمادة 443 مدني مصري و إنما له أن يعدل عنها إلى طلبالفسخ، فيجوز حينئذ أن يطالب بالثمن الذي دفعه أو أن يكتفي بقيمة الشيء وقتالاستحقاق.
قيمة الثمار التي ألزم المشترى بردها إلى المالك الذي نزع يدالمشتـرى عن المبيع : أي أن المشترى يرد الثمار لمن استحق المبيع أي لمالك الحقيقيو هذا إذا كان سيء النية (أي المشترى) قبل رفع دعوى الاستحقاق أما إذا كان حسنالنية فلا يردها، فلا محل إذن لرجوعه على البائع.
المصروفات التي قد يصرفهاالمشترى على المبيع : إما أن تكون مصروفات ضرورية أو مصروفات نافعة أو كمالية إنالمشترى يسترد من المالك الذي حكم له بالاستحقاق المصروفات الضرورية التي أنفقهالحفظ المبيع، أما المصروفات النافعة فنفرق فيها بين أمرين :
*إذا كان المشترىحسن النية، أي لم يعلم بسبب الاستحقاق أثناء قيامه بهذه النفقات، فإن له الحق أنيسترد من المالك هذه المصروفات بقدر ما أعاد على المبيع من زيادة في القيمة، أماإذا كان المشترى سيء النية، أي كان يعلم سبب الاستحقاق وقت الاتفاق، كان حكمه كحكمالباني سيء النية أن يخضع لخيار المالك، إذا يجوز لهذا الأخير أن يطلب إزالةالمنشآت التي قام بها المشترى مع التعويض إذا كان له وجه، أو يطلب استبقاءها مقابلدفع قيمتها مستحقة الإزالة.
أما إذا أنفق المشترى على المبيع مصروفات كمالية،فليس له أن يطالب بها المالك، كما ليس له أن يطالب بها البائع إذا كان هذا الأخيرحسن النية.
مصروفات الدعاوى (دعوى الضمان و دعوى الاستحقاق): المفروض هنا أنالمشترى خسر دعوى الاستحقاق المرفوعة عليه من الغير وألزم تبعا لذلك بمصروفاتها وأنه أدى هذه المصروفات للمستحق، فيكون له أن يطالب بها البائع ويستثنى من ذلك ماكان المشترى يستطيع أن يتقيه لو أخطر البائع بدعوى الاستحقاق في الوقت الملائم،ويقع على عاتق البائع في هذه الحالة إثبات أنه كان ممكنا اختصار الإجراءات لو تمإخطاره في الوقت الملائم.
تعويض المشترى عما لحقه من خسارة و ما فاته من كسببسبب استحقاق المبيع : بعد أن ذكر المشرع عناصر التعويض السابقة في البنود الأربعةالأولى من المادة 375 أضاف في البند الخامس " بوجه عام تعويض المشترى عما لحقه منخسارة أو فاته من كسب بسبب استحقاق المبيع " و القصد من هذه العبارة هو تقرير حقالمشترى في طلب التعويض عن كل خسارة لحقت به أو كسب فاته، وليس في ذلك إلا تذكيربالقواعد العامة و تطبيقا لها.
لهذا يجوز للمشترى أن يرجع على البائع زيادة علىالعناصر السابقة، بمصاريف عقد البيع، مثل مصاريف تحرير العقد عند الموثق، السمسرة ورسوم التسجيل، و ما فاته من كسب مثلا بسبب فوات صفقـة رابحة، كأن ترك المشترى مشروعاستثمار تجاري ليشترى العين المبيعة ثم تستحق العين بعد ذلك، فإن الربح الذي كانيدره المشروع يعتبر كسبا فات علـى المشترى و من ثم يتعين أن يعوضه البائع عنه و هذاما نص عليه المشروع الفرنسي في المادة 1149.
بمعنى إذا استحق المبيع في يدالمشترى، يعتبر إخلالا بالتزام الضمان الذي يقع على عاتق البائع، و لذا تطبقالقواعد العامة التي تخول للمشترى أن يطلب إما التنفيذ بمقابل أو الفسخ أو إبطالالبيع، و تكون مصلحة المشترى في طلب الفسخ إذا كانت قيمة المبيع قد نقصت وقتالاستحقاق عما كانت عليه وقت البيع، و بالفسخ يخوله استرداد كل الثمن الذي دفعه،أما التنفيذ بمقابل لم يكن يخوله إلا قيمة المبيع وقت الاستحقاق و فضلا عن ذلكللمشترى أن يستغنى عن طلب التنفيذ بمقابل و عن طلب الفسخ و يطلب إبطال البيع لورودالبيع على مال غير مملوك للبائع و التعويض إذا كان المشترى يجهل أن البائع كان لايملك المبيع.
أحوال الاستحقاق الجزئي نصت عليها المادة 376 ق.م.ج. و المقابلةللمادة 444 ق.م مصري، كما تعرض المشرع اللبناني أيضا لهذه الحالة في المادتين 437، 738 موجبات لبناني، و يكون الاستحقاق جزئيا إذا انتزع من المشترى جزء مفرز أو شائعمن المبيع أو حكم للغير بحق متفرع عن حق ملكية المبيع كحق ارتفاق، أو بمال منملحقات المبيع، و إذا ادعى به الغير و حكم له القضاء بذلك، اعتبر استحقاقا جزئيا، ولكن المشرع يفرق في الاستحقاق الجزئي بين حالتين:
الحالة الأولى: و هيالحالة التي يكون فيها الاستحقاق الجزئي بالغا حدا من الجسامة بحيث لو علمه المشترىقبل التعاقد لما أبرم العقد، أي أن تكون خسارة المشترى بسبب الاستحقاق الجزئي قدبلغت من الجسامة قدرا لو علمه المشترى لما أتم العقد، فللمشترى أن يطالب البائعبالمبالغ المبينة بالمادة، 375 مقابل رد المبيع مع الانتفاع الذي حصل عليهمنه.
الحالة الثاني: و هي الحالة التي لم يبلغ فيها الاستحقاق الجزئي هذا الحدمن الجسامة، أي الحالة التي لم يبلغ فيها الاستحقاق الجزئي قدرا من الجسامة، فلايكون للمشترى أن يرد الباقي للبائع و إنما له أن يحتفظ بباقي المبيع و أن يطلبالتعويض عن الجزء الذي استحق.
تعديل أحكام ضمان الاستحقاق بموجبالاتفاق:
الأصل في التزام الضمان كما في غيره من الالتزامات العقدية أن تخضعلإرادة المتعاقدين، فمثلا يجوز للمشترى الاتفاق على أن يعوضه البائع في حالة حصولتعرض له في انتفاعه بالمبيع، كما يحق للمتعاقدين أن يحددا مقدما قيمة التعويض بالنصعليه في العقد، لقد نصت المادة 377/1 ق.م.ج على ذلك و التي تقابلها المادة 445الفقرة الأولى.
( يجوز للمتعاقدين بمقتضى اتفاق خاص أن يزيدا في ضمان نزع اليدأو ينقصا منه أو يسقطاه ).
أما الاتفاق على إسقاط الضمان أي الاتفاق علىعدم الضمان فإنه يعفى البائع من التزامه بالتعويضات التي يستحقها المشترى من جراءالتعرض القانوني الصادر من الغير، ولكن لا يعفيه من دفع قيمة المبيع وقت الاستحقاقإلا إذا أثبت ( البائع ) أن المشترى كان يعلم وقت البيع سبب الاستحقاق، و معنى ذلكأن الاتفاق على إسقاط ضمان البائع يؤدي إلى الإعفاء حتى من رد قيمة المبيع، و ذلكفي حالتين:
أ ـ إذا كان المشترى يعلم وقت البيع بسبب الاستحقاق، إذا العلمبسبب الاستحقاق و قبول شرط عدم الضمان يستفاد منه أن المشترى قد قبل إعفاء البائعمع كل مسؤولية و أنه أقدم على البيع على أساس المخاطرة، ويقع على البائع عبئ إثباتأن المشترى كان يعلم وقت البيع بسبب الاستحقاق.
ب ـ أن يكون المشترى قد عقدالعقد وأخذ على نفسه ما يمكن وقوعه من المضار و المخاطر، أي اشترى على مسؤوليته،إذا يصرح بالتنازل عن كل حق له في الرجوع على البائع فإذا ما استحق المبيع للغير لايكون للمشترى الرجوع على البائع بشيء و لا حتى قيمة المبيع.
المطلــبالثانـــي:
ضمـان العيوب الخفية و الإجراءات الواجب اتخاذها للحصول علىالضمان
البيع عقد يلتزم فيه البائع أن يتفرّغ عن ملكية شيء أو حقّ ما،ويلتزم فيه المشتري أن يدفع ثمنه للبائع، إضافةً إلى تسليم المبيع إلى المشتري،بضمان النقائص والعيوب الخفية الموجودة فيه.
الفــرع الأول:
ضمـــانالعيـــــوب الخفيــــة
أولا : المقصود بضمان العيوب الخفية
والعيبهو الآفة أو العلّة الموجودة بشكل خفي في الشيء المبيع، والتي تكون من الأهميةوالخطورة بحيث يصبح الشيء غير صالح للاستعمال بالشكل الذي كان يريده المشتري، ومنالأمثلة على العيوب الخفيّة في المبيع، شراء بناء فيه ضعف من جرّاء قلّة الموادالمستخدمة في الأعمدة، شراء برّاد منزلي لا يصنع ثلجاً، شراء حصان فيه مرضغير
ظاهر، شراء فرس للسباق يتبيّن أنها بطيئة (وغير مؤهّلة للمشاركة فيالسباقات)، شراء شاحنة يتبيّن أن محرّكها لا يعمل بعد قطعه مسافة 40.000 كلم في حينأن غيرها من مثيلاتها يسير 200.000 كلم.
والعلة في إلزام البائع بضمان العيوبالخفيّة والنقائص في الصفات هي أنه ملزم بنقل ملكية مفيدة ونافعة إلى المشتري،وفقاً لما يفرضه حُسن النيّة في التعامل، تحت طائلة التعويض عليه عند تعذّر ذلك،ويشمل الضمان مبدئياً جميع أنواع المبيعات، منقولة كانت أو غير منقولة، مادية أوغير مادية، جديدة أم مستعملة، إلا أن القانون استثنى البيوع التي تجريها السلطةالقضائية (أي البيوع الجارية بالمزاد العلني) من أحكام ضمان العيوب الخفيّة،وبالتالي فهي غير مشمولة بها.
و إذا وجد مثل هذا العيب كان البائع مسؤولا عنه وهذا هو ضمان العيوب الخفية و هذه العيوب قد تؤثر في الشيء المبيع إما بنقص قيمته أوبنقص منفعته، بالإضافة إلى هذه العيوب، هناك حالة تتصل بالمبيع بحيث لا تنقص منقيمة الشيء ولا من نفعه، إلا أنه تجعل المبيع غير مرغوب فيه من طرف المشترى و هيتخلف صفة معينة تعهد البائع بوجودها للمشترى في المبيع، وتخلف هذه الصفة يجعل الشيءالمبيع في نفس مرتبة الشيء المعيب، وهذا ما نص عليه المشرع الجزائري و كذا المشرعالمصري بالإضافة إلى ذلك هناك عيب آخر نص عليه المشرع الجزائري و هو عدم صلاحيةالشيء المبيع للعمل لمدة معينة، وهذه كلها ضمانات متنوعة شرعها المشرع لصالحالمشترى و ذلك في أحكام القانون المدني الجزائري.
معنى العيب في الفقهالإسلامي:
فقد جاء في فتح الغدير للكمال بن همام، أنه كل ما أوجب نقصان الثمن فيعادة التجار فهو عيب.
وجاء في البدائع للكاساني: كل ما يوجب نقصان الثمن في عادةالتجار، نقصانا فاحشا أو يسيرا فهو عيب، و هذا ما يسمى بخيار العيب.
و يعرفالعيب فيه بأنه ما تخلو منه الفطرة السليمة و ينقص القيمة، و المقصود بالفطرةالسليمة الحالة الأصلية للشيء، و يعرفه عبد الستار أبو غدة : "ما نقص عن الخلقةالطبيعية أو عن الخلق الشرعي نقصانا له تأثير في ثمن المبيع".
و مشروعية خيارالعيب في الفقه الإسلامي يستند إلى قول الرسول صلى الله عليه و سلم : ( لا يحللمسلم أن يبيع سلعه من السلع و هو يعلم أن عيبا فيها قل أو أكثر حتى يبين ذلكلمبتاعه ).
موقف التشريع الجزائري من ضمان العيوب الخفية :
رغم عدمورود تعريف خاص للعيب الخفي في القانون المدني الجزائري إلا أنه لم يهمل النص عليه ( المادة 379 ).
"يكون البائع ملزما بالضمان إذا لم يشمل المبيع على الصفات التيتعهد بوجودها وقت التسلم إلى المشترى، أو إذا كان بالمبيع عيب ينقص من قيمته، أو منالانتفاع بحسب الغاية المقصودة منه حسبما هو مذكور بعقد البيع، أو حسبما يظهر منطبيعته أو استعماله، فيكون ضامنا لهذه العيوب و لو لم يكن عالما بوجودها ...."
ثانيا : شروط ضمان العيب الخفي
حرصا من المشرع على استقرارالمعاملات، فقد اشترط لقيام ضمان البائع لعيوب المبيع توافر شروط معينة فيالعيب
و هي أن يكون مؤثرا، خفيا، قديما، و هذه الشروط تنصرف إلى العيب، بمعنىالآفة الطارئة .
1 ـ أن يكون العيب مؤثرا : هو العيب الجسيم الذي يُنقص من قيمةالمبيع نقصاً محسوساً أو يجعله غير صالح للاستعمال في ما أُعدّ له بحسب ماهيّته أوبمقتضى عقد البيع؛ فينشأ عنه موجب الضمان.
فتعبر عنه المادة 379/1 ق.م.ج و يعبرعنه المشرع الفرنسي في المادة 1641 ونصها كالآتي : ( إن البائع يلتزم بضمان العيوبالخفية في المبيع التي تجعله غير صالح للاستعمال المقرر له التي تنقص من صلاحيتهلهذا الاستعمال لدرجة أن المشترى لم يكن ليشتريه أو لم يكن ليدفع فيه إلا ثمنا أقل،فيما لو علم بهذا العيب ).
أما إذا لم يكن العيب محسوساً بل كان خفيفاً أو طفيفابحيث لا يترتب عليه سوى نقص في بعض الأمور الثانوية الكمالية بالنسبة للمشتري، فلايكون موجباً للضمان.
كذلك لا يكون موجباً للضمان العيب المتسامح به عُرفاً (بحسبالعرف السائد، أي العادة التي درج الناس على إتباعها في زمن معيّن مع اعتقادهمالراسخ بإلزاميتها وبوجوب تطبيقها) كاحتواء القمح كمية مألوفة من الأتربة، ...إلخ.
وإذا كان المبيع من الأشياء التي لا تُعرَف حقيقة حالها إلاّ بإحداثتغيير فيها، كالأثمار ذات الغلاف اليابس (مثلاً البطيخ واللوز و الجوز والبندق...)،فالبائع لا يضمن العيوب الخفيّة فيه إلا إذا تعهد صراحة بذلك أو إذا كان العرفالمحلّي يوجب عليه هذا الضمان.
وعلى كلّ، فإنّ تقدير ما إذا كان العيب مؤثراً أملا، أمر يعود للقاضي الذي يعتمد في هذا المجال المعيار الموضوعي بصرف النظر عمّايكون قد قصده المشتري بصورة خاصة وغير متوقعة، إلاّ إذا عُيّن هذا القصد الخاص فيمتن العقد.
أي أن العيب المؤثر حسب النص المذكور ( هو العيب الذي يجعل المبيعغير صالح للاستعمال الذي أعد له و التي تنقص هذا الاستعمال إلى حد أن المشترى ماكان ليشتريه ...) إذن يجب أن يكون العيب الموجب للضمان على قدر من الجسامة بحيثينقص من قيمة الشيء أو من نفعه بالقدر المحسوس.
لكن نقص القيمة لشيء معين يختلفعن نقص المنفعة لذلك الشيء، و كمثال عن نقص قيمة الشيء دون نقص منفعته: أن يشترىشخص سيارة صالحة للسير و لجميع الأغراض المقصودة منها، لكن في مقاعدها أو في أقسامأخرى منها عيب من شأنه أن يؤدي إلى تخفيض في قيمتها تخفيضا محسوسا، و بالرغم من ذلككان للمشترى الرجوع على البائع بضمان العيب الخفي.
2 ـ أن يكون العيب قديما: قِدَم العيب هو من الشروط الواجب توافرها لكي يتحقق موجب الضمان على البائع. والمقصود بالعيب القديم، العيب السابق للبيع أو على وجه أصحّ، العيب الموجود قبلانتقال الملكية إلى المشتري أو عند انتقالها كحدّ أقصى (في الأشياء المِثلية يؤخَذبوقت التسليم، أما في الأشياء العينية فيؤخَذ بوقت انعقاد البيع).
أما إذا كانالعيب ممّا لا يظهر إلاّ بعد انعقاد البيع وانتقال الملكية، فيكون الضمان واجباًعلى البائع، مثال ذلك أن يشتري أحدهم حيواناً فيه جرثومة لمرضٍ ما، ويتمكّن منإثبات وجودها في الحيوان قبل استلامه، و تجدر الإشارة إلى أنّه إذا كان انتشارالمرض أو العيب يعود إلى خطأ وإهمال من المشتري، فعلى هذا الأخير أن يتحمّل وحدهالضرر، فمَنْ يشتري مثلاً سيارة ويُلاحظ أنّ الحرارة تزداد في محرّكها عن المعدّلالعادي، ومع ذلك لا يعمد إلى فحصه مُهملاً تزويده بالزيت، فيُعْطَب، لا يحقّ لهالمطالبة بالضمان، أما إذا كان الاستعمال السيّئ للشيء فقط عاملاً مُساعداً في ظهورالعيب من دون التسبّب في نشوئه، فيبقى الضمان واجباً على عاتق البائع، وقد يرىالقاضي توزيع المسؤولية بين البائع والمشتري إذا كان خطأ هذا الأخير قد شارك جزئياًفي عملية إظهار العيب، إنّ عبء إثبات قِدَم العيب يقع على عاتق المشتري أما عبءإثبات خطأ المشتري في الاستعمال، فيبقى على عاتق البائع، والإثبات في الحالتين ممكنبكافة الوسائل)، و بذلك يكون المشرع الجزائري قد ربط ووحد بين ضمان العيب و تبعةالهلاك، إذا العبرة فيهما بالتسليم.
إضافة إلى ذلك هناك نقطة تتطلب التوضيح،وهي حالة ما إذا لم يظهر العيب إلا بعد التسليم، فكيف نحمل المشترى هذه الخسارة ؟في حين أن العيب أو الجرثومة كانت موجودة في المبيع قبل العقد أو قبل التسليم ؟مثال على هذه الحالة : أن يباع حيوان به جرثومة المرض التي لم تظهر إلا بعدالتسليم، و هنا يقع الضمان على عاتق البائع لأن جرثومة المرض موجودة في المبيع عندتسليمه للمشترى.
وهذا هو موقف الفقه الإسلامي الذي يعتبر العيب الحادث عندالمشترى بسبب قديم، هو بمثابة عيب قديم، و يعلل فقهاء الشريعة ذلك في بيع العبيد،فلو ارتكب العبد جناية عند مولاه ثم باعه، و بعد ذلك ظهرت جنايته فقضى عليهبعقوبتها أي ( الجناية ) كان ذلك موجبا خيار العيب للمشترى.
و لكن رغم ذلك، حتىيضمن البائع العيوب التي تلحق بالمبيع بعد التسليم، يجب على المشترى أن يثبت أن هذاالعيب كان كامنا في المبيع و لم يظهر إلا بعد التسليم.
3 ـ أن يكونالعيب خفيا: بالإضافة إلى شرطي التأثير و القدم، يشترط في العيب أيضا أن يكون خفياو غير معلوم للمشترى، و العيب الخفي هو العيب الذي يكون موجودا وقت المبيع و لكنليس بوسع المشترى تبينه أو اكتشافه و لو فحص المبيع بعناية الرجل العادي، كما تنصعليه المادة 379 ق.م.ج و مفاد ذلك أن الشخص المتوسط الفطنة لا يستطيع أن يكتشفه إلاإذا فحص المبيع خبير ، أو محلل فني أو كيميائي أو الطبيب .
مثال: أحد كبارالمزارعين اشترى بذورا لزرعها، فزرعها لكنها لم تنبت لكون بعضها مسوسا، فرفع هذاالمزارع دعوى ضمان العيب على البائع، لكن المحكمة رفضت دعواه لكون هذا العيب الملحقبالبذور عيبا ظاهرا و باعتباره من كبار المزارعين لا يصعب عليه كشف تسوس هذه البذورعند تسليمها إليه من البائع.
إذن البائع لا يضمن العيوب الظاهرة أي العيوب التيباستطاعة الرجل المعتاد اكتشافها بالفحص العادي، لأن العيب ليس خفيا و لو لم يتبينهالمشترى لكونه مقصرا حينئذ في عدم الانتباه إليه ـ إلا إذا كان غائبا عن مجلس العقدـ فهنا كل عيب يعتبر من العيوب الخفية و لو كان العيب ظاهرا ما لم يعلمه المشترى،أما في الفقه الإسلامي، فلم يشترط مثل هذا الشرط، فمذهب الحنفية مثلا يرى أن هناكبعض العيوب يشترط فيها الضمان رغم أنها عيوب ظاهرة، كأن يكون العبد أعمى أو عسرا .
و من خلال ما سبق ـ ما عدا الفقه الإسلامي ـ فإن البائع لا يكون مسؤولا عنالعيوب الظاهرة التي كان بإمكان المشترى اكتشافها لو أنه فحص المبيع بعناية الرجلالعادي، إلا أنه استثناء مما سبق، نص المشرع الجزائري على حالتين يكون فيهما البائعمسؤولا عن العيب، و لو كان ظاهرا و هما:
الحالة الأولى : حالة ما إذا أثبتالمشترى أن البائع كان قد أكد له خلو المبيع من العيب، لأن المشترى يكون بذلك قداعتمد على قول البائع.
الحالة الثانية : عندما يثبت المشترى أن البائع قد تعمدإخفاء العيب عنه غشا منه، لأن اكتشاف العيب حينئذ لا يكفي فيه نباهة و فحص الرجلالمعتاد، مثل طلاء شرخ في جدار المنزل دون إصلاحه.
4 ـ ألا يكون العيب معلوماللمشترى: فلو كان المشترى عالما بالعيب سقط الضمان و لو كان خفيا، لأن علمه بالعيبهذا يدل على رضائه بالمبيع، و العبرة بتاريخ العلم بالعيب في المبيع ـ العلمالحقيقي ـ و هو وقت التسليم أو وقت الفرز لأنه الوقت الذي يتاح فيه عمليا للمشترىالإطلاع على العيب.
و بالتالي يقع على البائع عبء إثبات علم المشترى بالعيب أيالقول بأن المشترى كان يعلم بوجود العيب وقت تسلم المبيع، و الإثبات واقعة مادية،يجوز إثباتها بكافة وسائل الإثبات، أما إذا لم يثبت ذلك، افترض أن المشترى غير عالمبالعيب، و بالتالي وجب على البائع الضمان.
أما موقف الفقه الإسلامي، فيجعل قبضالمشترى للمبيع الذي علم بعيبه بعد العقد مسقطا لحقه في الرد، وليس له الرجوع علىالبائع بالتعويض، أما بالنسبة للبائع، فلا عبرة بجهله العيب أو إخفائه عنه، فهويضمنه دائما و قد يترتب على علمه به دون إخبار المشترى به صدور غش منه أو تدليس،مما ينجم عنه تشديد مسؤوليته، هذا و يضيف فقهاء الشريعة الإسلامية شروطا أخرى للعيبالخفي مثل عدم اشتراط البراءة من العيب، ألا يزول العيب فبل فسخ البيع، ألا يكونالعيب طفيفا، أن تكون السلامة من العيب غالبة في مثل المبيعالمعيب.
ثالثا : المدين و الدائن في ضمان العيوب الخفية
1 ـالمدين في ضمان العيوب الخفية " البائع ":
إن البائع هو المدين في ضمانالعيوب الخفية، فلا ينتقل التزامه إلى الخلف العام أي الورثة، بل يبقى هذا الالتزامدينا في التركة، مثلا : إذا مات البائع رجع المشترى بضمان العيب الخفي على التركةلا على الورثة، و لا ينتقل التزامه أيضا إلى الخلف الخاص ( البائع )، مثلا : إذاتصرف المشترى الأول في المبيع إلى مشتر آخر، و ظهر العيب فيه، فليس لهذا الأخيرالرجوع على المشترى الأول، لأنه الخلف الخاص للبائع، و إنما عليه أن يرجع علىالبائع.
ـ بالنسبة لدائن البائع، فهذا لا ينتقل إليه الالتزام، بل يتحملالالتزام بضمان العيوب الخفية على الوجه المقرر في القواعد العامة، أما كفيل البائعفيكون ملزما بضمان العيوب الخفية، و يجوز للمشترى أن يرجع عليه بهذا الضمان طبقاللقواعد المقررة في الكفالة.
2 ـ الدائن في ضمان العيوب الخفية :
إن الدائن هو المشترى، و ينتقل هذا الحق إلى الخلف العام " الوارث " مثلا : لو مات المشترى، جاز لورثته الرجوع بضمان العيب على البائع كما كان يرجع مورثهم، وينقسم الضمان بينهم كل بقدر نصيبه في العين، و ينتقل هذا الحق أيضا إلى الخلفالخاص، مثلا: لو أن المشترى باع العين المبيعة إلى مشتر ثان، كان لهذا الأخير أنيرجع مكان المشترى الأول على البائع، أي أن دعوى ضمان العيوب الخفية انتقلت منالمشترى الأول إلى الثاني، و من ثم تكون للمشترى الثاني لضمان العيوب الخفية ثلاثدعاوى.
* دعواه الشخصية ضد المشترى الأول "ضمان العيب الخفي" أي الدعاوى التياستمدها من عقد البيع الثاني.
* دعواه غير المباشرة التي يرفعها باسم المشترىالأول على البائع باعتباره خلفا خاصا له.
* الدعوى المباشرة و هي دعوى المشترىالأول نفسها ضد البائع بضمان العيب الخفي.
رابعا : الاتفاق على تعديلأحكام الضمان
تنص المادة 384 ق.م.ج : "يجوز للمتعاقدين بمقتضى اتفاق خاص أنيزيدا في الضمان أو أن ينقصا منه، و أن يسقطا هذا الضمان، غير أن كل شرط يسقطالضمان أو ينقصه يقع باطلا إذا تعمد البائع إخفاء العيب في المبيع غشا منه". إذن إنأحكام ضمان العيب الخفي مثل أحكام ضمان التعرض و الاستحقاق، ليست من النظام العام،إذا يجوز للمتعاقدين أن يتفقا على تعديلها سواء بالزيادة أو بالتخفيف منها أو إعفاءالبائع منها.
1 ـ الزيادة في الضمان : مثلا : يشترط المشترى على البائع أنيضمن له كل عيب في المبيع، حتى و لو كان ظاهرا يمكن اكتشافه بعناية الرجل العادي،أو أن يتفق معه على إطالة مدة التقادم، فتكون أكثر من سنة، أو أن يشترط المشترى علىالبائع عدم سقوط حقه في الرجوع بالضمان، إذا لم يبادر إلى فحص المبيع فور تسليمهإليه، أو أن يتفق معه على الرد المبيع حتى و لو كان العيب بسيطا.
2 ـالإنقاص من الضمان أو التخفيف من الضمان : كأن يشترط البائع على المشترى على ألايضمن عيبا معينا يذكره بالذات، أو ألا يضمن له العيوب التي لا تظهر إلا بالفحصالفني المتخصص، أو أن يتفق على إنقاص التعويض كأن يشترط البائع على المشترى إذا ردالمبيع المعيب ألا يرد له إلا أقل القيمتين، قيمة المبيع سليما أو الثمن، دون أيتعويض آخر.
3 ـ الاتفاق على إسقاط الضمان : يكون ذلك باشتراط البائع علىالمشترى عدم ضمانه لأي عيب يظهر في المبيع حيث تكون تبعة ما يظهر من عيوب المبيععلى المشترى، أي أنه يستبقي المبيع المعيب دون أن يستطيع الرجوع على البائع بأيتعويض.
غير أنه في حالة الاتفاق على إنقاص الضمان أو الإعفاء منه يجب ألا يكونالبائع قد تعمد إخفاء العيب غشا منه
و إلا كان شرط إنقاص الضمان أو الإعفاء منهباطلا، المادة 384 ق.م.ج المقابلة لنص المادة 453 مصري و على المشترى الذي يريد أنيتمسك ببطلان شرط الإنقاص أو الإسقاط، أن يثبت غش البائع في إخفاء العيب و لا يكفيأن يثبت علم البائع بالعيب.
الفرع الثاني :
الإجراءات الواجباتخاذها للحصول على الضمان
أولا : فحص المبيع و إخطار البائع
يتضح منخلال المادة 380 ق.م.ج /1 أن المشترى عليه المبادرة بإخطار البائع بالعيب فور كشفه،لأن السياسة التشريعية في ضمان العيب تقتضي عدم التراخي في اتخاذ الإجراءات اللازمةلإثبات العيب و المبادرة إلى رفع دعوى الضمان، وبالتالي حتى يتمكن المشترى من رجوعهعلى البائع بضمان العيب، عليه أن يخطر البائع بهذا العيب من وقت كشفه له حتى يتمكنهذا الأخير إما تغيير المبيع أو إصلاح العيب.
- ماهية الإخطار و شكله ومدته:
الإخطار هو عمل إجرائي ينقل به البائع تذمر المشترى، من كون المبيعيحتوى على عيب معين يجعله غير مطابق للمنفعة المرجوة منه، و غالبا ما يكون مقدمةلدعوى قضائية، و بالنسبة لشكل الإخطار فالقانون الجزائري لم يشترط فيه شكلا معينا،بل يكون بأي شكل، و بالنسبة لمدة الإخطار فالمشرع لم يحدد مهلة معينة بل جاءبالصيغة التالية في المادة 381 أي يكون الإخبار بالعيب في المبيع في الوقت الملائمأو في أجل مقبول حسب المادة 380/1.
أما في الفقه الإسلامي فهناك خلاف حول تحديدمهلة الإخطار، فالمذهب الحنفي لم يحدد مهلة للإخطار و اعتبر السكوت الطويل بمثابةقبول العيب، أما المذهب المالكي فيحدد مهلة الإخطار بيومين، أما المذهب الشافعيفأوجب أن يتم الإبلاغ فورا إلا في حالة التأخر المشروع.
أما القانون اللبناني: فيحدد مهلة الإخطار بـ07 أيام و هذا ما يتضح من المادة 446 قانون الموجبات اللبنانيو نصعا كالآتي : " إذا كان المبيع من المنقولات، غير الحيوانات، وجب على المشترى أنينظر إلى حالة المبيع على إثر استلامه
و أن يخبر البائع بلا إبطاء في خلال 7سبعة أيام التي تلي الاستلام عن كل عيب يجب على البائع ضمانه".
أما المشرعالجزائري ـ كما سلف القول ـ فلم يحدد مهلة للإخطار، وهذا ما أخذ به أيضا المشرعالمصري في المادة 449 ق م مصري.
ملاحظــة:
إن النقطة التي تتلاقى فيها جميعالتشريعات هي : إن على المشترى أن يتحقق من حالة المبيع عند استلامه و أن يخطرالبائع بذلك، و إذا لم يتم الإخطار في وقت معين، اعتبر المبيع غير معيب أي اعتبرالمشترى راضيا بالعيب و سقط عن البائع الالتزام بالضمان حتى و لو لم تكن دعوىالضمان قد تقادمت بانقضاء سنة التقادم لو وقع الإخطار.
و خلاصة القول، أن علىالمشترى أن يفحص المبيع فور تسلمه إياه إذا كان من الأشياء التي يمكن تبين العيببها
و أن يخطر البائع بذلك في مدة معقولة، و تقدير هذه المدة مسألة موضوعيةمخولة لسلطة قاضي الموضوع، أما إذا كان العيب من النوع الذي لا يظهر إلا بطريقالاستعمال العادي، فلا يسقط حق المشترى في الضمان حينئذ إلا إذا كشف العيب فعلا.
ثانيا: رفع دعوى ضمان العيوب الخفية
بعد فحص المبيع و إخطار البائعبالعيب في فترة معقولة و لم يجد الإخطار، كان للمشترى الحق في رفع دعوى الضمان خلالسنة من وقت تسلم المبيع تسلما فعليا لا حكميا، لأن في التسلم الفعلي تنتقل حيازةالمبيع إلى المشترى حيث يتمكن من فحص المبيع و الإطلاع عليه، و لعل تحديد هذه المدةسنة واحدة من وقت التسليم، تبررها اعتبارات معينة تقوم على أساس تأمين الاستقرار فيالتعامل و بعث الثقة فيما بين المتعاقدين، وحتى لا يبقى البائع أيضا مهددا بموجبالضمان لمدة طويلة، مما يؤثر على استقرار المعاملات و تجيز المادة 383/1 مدنيجزائري الاتفاق على مدة أطول من السنة حيث نصت : "...ما لم يلتزم البائع بالضمانلمدة أطول ".
أما إذا تعمد البائع إخفاء العيب غشا منه، فلا تسقط دعوى الضمانهاته إلا بمرور 15 سنة من وقت البيع، أي طبقا للقواعد العامة.
ثالثا: آثارهذه الدعوى
كما سبق القول، فإن المشترى بعد إخطاره للبائع، يجب عليه أن يرفعدعوى الضمان و هذه الدعوى تتمثل إما في حق الفسخ في كل المبيع أو في جزء منه، أو فيالمطالبة بالتنفيذ العيني (أي استبدال الجزء المعيب بآخر سليم)، و لكن هذا التنفيذالعيني لا يخل بحق المشترى في طلب تعويض عن الضرر الذي أصابه بسبب وجود العيب.
وبالرجوع للمادة 381/1 ق.م.ج "إذا أخبر المشترى البائع بالعيب الموجود في المبيع فيالوقت الملائم، كان له الحق في المطالبة بالضمان وفقا للمادة 376" و يلاحظ من خلالهذه المادة أن المشرع يقرب بين ضمان العيب الخفي وضمان الاستحقاق، فوجود العيب ينقصمن الانتفاع بالمبيع ويكون المبيع بالتالي قد استحق جزئيا من حيث استعماله إلا أنهمع ذلك يجب التفرقة بين ضمان العيب الخفي و ضمان الاستحقاق.
إن الإنقاص في حالةالاستحقاق الجزئي يرجع إلى سبب خارج عن المبيع و هو الحق الذي يدعيه الغير علىالمبيع.
أما الإنقاص في حالة العيب الخفي يرجع إلى الشيء ذاته فاستنادا إلىالمادة 381 التي تحيلنا إلى المادة 376حيث نجد الفقرة الأولى منها تعرض حالةالاستحقاق الجزئي الجسيم قياسا على العيب الخفي الجسيم، و الفقرة الثانية من المادة 376 تعرض لحالة "الاستحقاق الجزئي غير الجسيم قياسا على العيب الخفي غيرالجسيم".
الحالة الأولى : حالة العيب الجسيم
معيار العيب الجسيم هوالعيب الذي لو علمه المشترى وقت البيع لما أقدم على الشراء، ومتى كان الأمر كذلك ردالمشترى المبيع و ما أفاد منه من ثمار إلى البائع و في مقابل ذلك يطلب تعويضا شاملالكافة العناصر التي استعرضتها المادة 375 ق.م.ج و هذا في حالة ما إذا اختار دعوىالضمان، أما إذا اختار المشترى دعوى الفسخ، فله أن يسترد الثمن الذي دفعه للبائع وليس قيمة المبيع عند ظهور العيب، وله أن يطالبه أيضا بالتعويض إن كان لهمحل.
و المشرع اللبناني أورد في المادة 455 موجبات لبناني: إن المشترى لايحق له الاسترداد و لا خفض الثمن إذا كان غير قادر على رد المبيع في الأحوالالتالية:
* إذا كان المبيع قد هلك بقوة قاهرة أو بخطأ المشترى، أو من أشخاص هوالمسئول عنهم.
* إذا كان المبيع قد سرق أو انتزع من المشترى.
* إذا حولالمشترى المبيع إلى شكل لم يبق معه صالحا لما أعد له في الأصل.
الحالةالثانية: حالة العيب غير الجسيم
معيار العيب غير الجسيم هو متى لم يبلغ حدامن الجسامة بحيث لو علمه المشترى لأقدم على الشراء، لكن بثمن أقل فالمشترى في هذهالحالة ليس له رد المبيع، و إنما له أن يطالب البائع بتعويض عما أصابع من ضرر بسببالعيب، أي يطالبه بالفرق بين قيمة المبيع سليما و قيمته معيبا، و بمصروفات دعوىالضمان، أي بوجه عام عما لحقه من خسارة وما فاته من كسب، فإن أمكن إصلاح العيب،طالب المشترى البائع بإصلاحه بدلا من التعويض، المادة 376 ق.م.ج .
فإن هذاالتعويض إذا ثبت للمشترى، فإنه قد يزيد أو ينقص تبعا لما إذا كان البائع سيء النيةأو حسن النية (أي عالما بالعيب أو غير عالم به) فإن كان عالما به فإنه يسأل عن كلالضرر، الضرر المباشر و الضرر غير المتوقع أما إذا كان حسن النية، فإنه لا يسأل إلاعن الضرر المباشر المتوقع فقط.
رابعا : سقوط حق المشترى في الرجوعبالضمان
يسقط حق المشترى في الضمان في إحدى الحالات التالية:
أ ـبالتقادم أي بمرور سنة من يوم تسلم المبيع تسلما فعليا، إلا في الحالات التي أشرناإليها سابقا، و لم يصف المشرع الجزائري في المادة 383 التسليم الذي تبدأ منه سقوطالدعوى، إلا أن الغالبية العظمى من الفقه ترى أنه التسليم الفعلي لأن الوقت الذييمكن معه للمشترى إجراء فحص المبيع على الوجه الذي يمكنه كشف العيب، و يلاحظ أن مدةالتقادم تبدأ من وقت التسليم بصرف النظر عن وصول المشترى إلى كشف العيب الموجبللضمان أو عدم وصوله إلى ذلك ولم يشأ الشارع أن يربط بين اكتشاف العيب و سريانالتقادم كما كان ذلك في النصوص المدنية المصرية السابقة.
و قد اختار المشرعالجزائري و على غراره المشرع المصري حلا يوفق بين الطرفين و يحقق استقرار التعامل،إذ جعل مدة التقادم سنة من يوم تسليم المبيع، لكن لا يستطيع البائع أن يتمسك بهذهالمدة لتمام التقادم إذا أثبت المشترى أنه تعمد إخفاء العيب غشا منه، فهنا مدةالتقادم تصبح 15 سنة من يوم انعقاد البيع و ليس من وقت التسليم.
ب ـ إهمالالمشترى فحص المبيع في الوقت المناسب أو عدم المبادرة إلى إخطار البائع لدى كشفهالعيب، لأن إهمال المشترى في فحص المبيع أو تقصيره في إخطار البائع يعتبر راضيابالمبيع، المادة 380/1 ق.م.ج المادة 449 ق مدني مصري، المادة 446 قانون الموجباتاللبناني .
ج ـ هناك بعض البيوع يسقط فيها حق الضمان و هي البيوع القضائية والإدارية التي تتم بالمزاد و هذه النقطة ذكرناها في البداية.
د ـ التصرف فيالمبيع بعد كشف العيب (أي نزول المشترى عن حق الضمان صراحة أو ضمنا).
ه ـ زوالالعيب "تسقط دعوى الرد (الضمان) إذا زال العيب قبل إقامة دعوى الفسخ أو دعوى تخفيضالثمن أو في أثنائهما، و كان العيب بطبيعته مؤقتا و غير قابل للظهورثانية).
الـخاتـمـــــــــــة:
تجدر الإشارة إلى أن هذه الضمانات والالتزامات الملقاة على عاتق البائع، هي في الأصل ضمانات قانونية، و هناك بالمقابلضمانات أخرى اتفاقية، و يختلف مضمون الضمان القانوني عن نظيره الضمان الاتفاقي منحيث الطبيعة فبالنسبة للضمان القانوني يستطيع المشترى رد المبيع و المطالبةبالتعويضات الكاملة أو الاحتفاظ بالمبيع و طلب التعويض عن العيب، أو إنقاص الثمنبقدر ما أصابه من ضرر بسبب العيب، هذا في حالة العيب الجسيم، أما إذا كان العيب غيرجسيم، فإنه يحتفظ بالمبيع و يحصل على تعويض عما أصابه من ضرر بسبب العيب، أمابالنسبة للضمان الاتفاقي فإعماله يتمثل في إصلاح الخلل و استبدال الأجزاء المعينةبالأجزاء الجديدة، كما أن المشرع حدد مدة رفع الدعوى في الضمان القانوني بسنة منيوم التسليم، أما بالنسبة للضمان الاتفاقي فهي ستة أشهر من تاريخ الإخطار بوجودالخلل في خلال شهر من ظهوره.
كما أن تطور الأوضاع لا سيما تلك التي أتت بعدالحرب العالمية الثانية، و التي تميزت بالتطور الصناعي الهائل و نمو الاستهلاك وتنوع المنتجات، و كذا التقدم التقني و العلمي و تطور التأمين، كل هذه العوامل سمحتبظهور بعض الالتزامات الجديدة مثل الالتزام بالمعلومات و النصيحة و كذا الالتزامبالسلامة، و هي التزامات مستنبطة من القواعد العامة المذكورة في القانون المدني، وكذا من قانون الاستهلاك (قانون حماية المستهلك) الصادر بتاريخ 07 فبراير 1989.
مع الدعاء بالتوفيق و السداد بارك الله فيكم