الردُّ العلمي على شبهات «شمس الدين بوروبي» - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > القسم الاسلامي العام

القسم الاسلامي العام للمواضيع الإسلامية العامة كالآداب و الأخلاق الاسلامية ...

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

الردُّ العلمي على شبهات «شمس الدين بوروبي»

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2015-01-05, 20:37   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
miramer
عضو محترف
 
الصورة الرمزية miramer
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي الردُّ العلمي على شبهات «شمس الدين بوروبي»

ممَّن طال السُّكوت عن باطلهم، ظنًّا أنَّ صاحبَه سيرعوي أو أنَّ باطله سيبطل مِن نفسِه، إلَّا أنَّ هذا السُّكوت لم يزده إلَّا جراءةً وتماديًا في غيِّه، فأوشكَ أن يكونَ هذا السُّكوتُ إقرارًا لأباطيله، وعونًا على انتشار افتراءاته؛ فلهذا لم يعُد يحسُن الإعراض ولا السُّكوت عن ذيَّاك الزَّاعم النُّصحَ لعُموم الأمَّة الجزائريَّة في إحدى القَنوات التِّلفزيونيَّة منذُ مدَّةٍ، متَّخذًا أسلوبَ التَّهكُّم والسُّخرية والاستِهتار وسيلتَه لإيصال أفكاره المثيرة، وأجوبته الغريبة، في دقائق زمنيَّة يقضي فيها المشاهد أوقاتًا ينفصلُ منها ولا يدري أكانَ في مجلس فتوى أو مجلس (تنكيت) وفكاهة أو مجلس قِصَص وأحاجي أو غير ذلك من الأجواء الَّتي يملؤها هذا المتَزيِّي بزِيِّ المشايخ بالتَّهويل والتَّهريج، والانفعال والاندفاع، فلا يتكلَّمُ كلامَ أهلِ العِلم، ولا ينتهجُ أسلوبَ أهل العلم، ولا يلزمُ أدبَ أهل العلم في إيراد المسائل الشَّرعيَّة والاستِدلال لها، ولا منهجَهم في الفَتوى، فضلًا عن طريقَة ردودِه ومناقشتِه لمخالفيه بلغَة فيها كثيرٌ من الاستِعلاء والعُنْجهيَّة، والفَوْرَة الغضبيَّة مع نفسيَّةٍ متشنِّجةٍ مشحونةٍ بحقدٍ دفينٍ وحنقٍ شديدٍ، ممَّا ينبئ عن ضِيق عَطَن هذا الشَّخص، ولا يضيقُ العَطَن إلَّا بسبَب الإفلاس العِلمي والخواء الفِقهي.
ويكفي أن تعلمَ أنَّه تَرد عليه أسئلة في أمور الشَّرع فيقابلها بإجابات فيها حيدةٌ قبيحةٌ هي أقرب إلى اللَّعب بأمور الدِّين، ولا يخفى ما في ذلكَ منَ الجُرم واللَّوم؛ والأمثلة على ذلك كثيرةٌ مسجَّلةٌ في الشَّبكة العنكبوتيَّة، لكن من أقربها ما نُمي إليَّ أنَّ سائلًا سأله إذا استيقظ بعد خروج وقت الفَجر، بمَ يبدَأ بصَلاة ركعتي الفَجر أم بالفَريضة؟ فلو رجع أحدُنا إلى كتب فتاوى أهل العِلم لوجَد مثل هذا السُّؤال ووجد إجابةً صريحةً عنه؛ أمَّا هذا الزَّاعم للنُّصح فقال للسَّائل: ابدَأ بفطور الصَّباح!! أهكَذا يكون جوابُ أهل العلم والفتوى والنُّصح؛ فواأسفاه على الإسلام إذا صار مثلُكَ ـ يا هذا ـ مفتيًا ومعلِّمًا وناصحًا!
ولمَّا كان الجهل الفاضحُ سمةَ هذا المتجاسِر تحلَّل من القُيود والضَّوابط وسمح لنفسِه أن يخوضَ في كثيرٍ من الموضوعات الَّتي لا تَعنيه، وإلَّا فما شأنُ شيخٍ مُعمَّمٍ يتحدَّث بإسهاب عن كيفيَّة توزيع تذاكر الدُّخول إلى ملعب كرة القدم لإجراء مقابلة كرويَّة! أو يتحدَّث عن هدف سُجِّلَ في مرمى فريق الخصم!!
كما سمَح لنفسه أن يحمل حملات شعواء على أئمَّةٍ أجلَّاء وأعلام راسخين في العلم غابَت أعيانُهم وبقيت آثارُهم الحسنة؛ كشيخ الإسلام ابن تيميَّة والإمام البربهاري والإمام محمَّد ابن عبد الوهَّاب والإمام ابن باز والإمام الألباني والشَّيخ مقبل الوادعي وغيرهم ـ رحمهم الله جميعًا ـ، ويصفُ بعضَهم بالإرهابي دون حياء أو خجل، كما نال الشَّيخ محمَّد علي فركوس ـ حفظه الله ـ من طعونه نصيبٌ وافرٌ.
ومن فظاعاته أنَّه لمَّازٌ للدَّعوة السَّلفيَّة بأشنع الأسمَاء والأوصَاف ومن قبيح زعمه وأسمجِ هُرائه أنَّ الدَّعوةَ السَّلفيَّةَ مِن صُنع المخابرات البريطانيَّة!!
ويُجهز على السَّلفيِّين ببُهتٍ وسباب وشتَائم يأباها السُّوقة؛ كوصفهم بالحشويَّة والوهَّابيَّة واللَّامذهبيَّة، وأنَّهم أهل ضلال وفظاظة وغلظة وسوء أخلاق؛ وأنَّهم خطرٌ على الدِّين والوطن؛ بل يصرُّ على أنَّ الإرهابَ والسَّلفيَّةَ قرينان لا يفتَرقان، فيقول إفكًا وزورًا: «إنَّ كُلَّ دم، وكلَّ سَبي، وكلَّ عنفٍ وراءه فتوى سلفيَّة» [جريدة «المحقِّق» عدد 134]، ويتمَادى في غيِّه وجهله، ويقول: «كلُّ دم سال في الجَزائر وراءَه فتوى سلفيَّة، وأنَّ كلَّ القَتلى الَّذين قُتلوا خلالَ الأزمَة الأمنيَّة في الجزائر ذنوبُهم في ميزان محمَّد بن عبد الوهَّاب» [جريدة الخبر الأسبوعي507]؛ وغيرها منَ الإطلاقات الخطيرة والافتراءات العظيمة، ولا عجبَ في ذلك؛ لأنَّ الجهل لا يولِّد غير الجهالات، و«مَن جهل قَدْر نفسِه كانَ بقَدْر غيرِه أجهَل».
إنَّ من الاستخفاف بالعقول أن يقدَّمَ مثل هذا المتَعَجْرف المتحامل على أنَّه ناصح لطُلَّاب النَّصيحة ومرشدٌ لعُموم الأمَّة؛ وكأنَّ بلادَنا العَزيزة على سعَتها وكثرة المتعلِّمين فيها أضحت عقرى عن إنجاب الأكفَاء المؤهَّلين للتَّعليم والفتوى والإرشادِ حتَّى يؤول الأمرُ إلى هذا المتشبِّع بما لم يعط، ليسطو على هذه الوظيفة العظيمة وهي النَّصيحةُ، و«الدِّين النَّصيحة» كما قال صلَّى الله عليه وسلَّم، فيصُول ويجُول دونَ رقيب ولا حسيب.
فالأمَّة بحاجة إلى عالم أمين وناصحٍ مشفِقٍ في نصحِه؛ كنصح الوالد لولده والمعلِّم لتلميذِه، فلا يتكلَّم إلَّا بعلم في حِلمٍ ووقارٍ وهدوءٍ، ولا يكون له قصدٌ وراء ذلك إلَّا هدايةَ النَّاس إلى الحقِّ والأخذ بأيديهم إلى طريق الخير والصَّلاح، وتعليمهم أمر دينِهم وحثِّهم على لزوم كتاب ربٍّهم ومتابعة سنَّة نبيِّهم صلَّى الله عليه وسلَّم، ويبعث في النُّفوس تعظيمَ شأنِ الدِّينِ كلِّه؛ وليس كمَا يفعَلُ هذا النَّاصح المزعومُ بأسلوبه الخالي منَ العلم والفقه، وجرأتِه على مخالفة سُنن نبويَّة ثابتَةٍ قطعًا، وحديثه عن أمور عقديَّة عظيمة بطريقة مستقبحة؛ ككلامه المستَهجَن عن نار جهنَّم ـ حينما طَلب منه سائلٌ أن يحدِّثه عنها ـ، فأخذَ يعدِّد بعضَ ما يعيشه الجزائريُّ من ضيق عيش ومتاعب ماديَّة وزعَم أنَّه نفس ما هو موجودٌ في جهنَّم، فلا حاجَةَ للحديث عنها؛ وهذا جهلٌ صريح وقلَّة حياءٍ وخفَّة دين؛ ـ ومن سمَّى هذه الشَّناعات نصحًا أو نصيحةً فهو غاشٌّ لأمَّتِه ـ.
ولمَّا اتَّخذ هذه الطَّريقة في نصحِه نُزعت مهابتُه من النُّفوس، فصار تَرِدُ عليه أسئلةٌ هي إلى الهزل أقرب منها إلى الجدِّ في طلب الفتوى والنَّصيحة؛ كالفتاة الَّتي طلبت منه أن يساعدها على الظَّفر بزوج مِن بلاد الهند، والمرأة العجوز الَّتي بلغت السَّبعين عامًا تطلب عونَه لتزويجها برجل لا يتجاوز سنُّه خمسًا وسبعين سنة، ونحوها منَ المسائل الواردة عليه، والَّتي ما كانَت لتَرد على عالم يعظِّمُ العلمَ والسُّنَّةَ؛ بل تحوَّل بأسلوبه هذا إلى مادَّةٍ للهزؤ والتَّفكُّه، يتضاحَكُ الشَّبابُ من شطحاتِه ويتندَّرون بخَرجَاته؛ ويتناقلون ذلك على هواتفهم المحمولة والمواقع الإلكترونيَّة؛ ولا أرى ذلك إلَّا ثمرةً مُرَّةً يَجنيها من سُوء صَنيعه؛ لأنَّ الجزاءَ مِن جنس العَمل، فإنَّه لمَّا أرادَ أن يحُطَّ مِن أقدار أولياء الله وهُم علماء السُّنَّة الأبرار، خاب سعيُه وعُومل بنقيض قصده، فاستُخِفَّ بأمره وحُطَّ من قَدره في نفوس العامَّة، وإنَّه إن لم يرعو، فسَيَرى إلى ما يَصير إليه أمرُه، «فإنَّ لُحُومَ العلمَاءِ ـ رحْمَة الله عَلَيْهِم ـ مَسْمُومَة، وعَادَة الله في هتكِ أَسْتَار منتَقصِيهم مَعْلُومَة؛ لأَنَّ الوقيعةَ فيهم بمَا هُم مِنْهُ برَاء أمرُه عَظِيمٌ، والتَّنَاولُ لأعراضِهم بالزُّور والافتراءِ مرتَعٌ وخيمٌ» [«تبيين كذب المفتري» (ص29)].
وإنَّه لنَذير سوءٍ ألَّا يؤخَذ على يَد هذا الزَّاعم للنُّصح لتُحمى الأمَّةُ مِن جهالاتِه وضلالاتِه، ويُصانَ الدِّينُ الصَّحيح من تحريفاتِه وتزييفاتِه، وتُحفظ السُّنَّة مِن تشويشه وطيشِه؛ وكان اللَّائقُ به أن ينصَح لنفسِه قبلَ أن ينتَصب ناصحًا لغيره، فيمسكُ لسانَه ويُقبلُ على شأنِه، ويُقلِّب النَّظر في قَول النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «إِنَّ الله لا يَقْبِضُ العِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ النَّاسِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ العِلْمَ بِقَبْضِ العُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يَتْرُكْ عَالِمًا، اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا»، وإن شاء فليسمَع تحذيرَ علَّامة الجزائر ابن باديس ـ رحمه الله ـ ونصيحتَه، ـ وإن لم يكُن على مشربه، إذ لم يكن طرقيًّا ولا صوفيَّا ـ حيث يقول: «وحذَار منَ الكلام في دين الله والإفتَاء للنَّاس بغَيْر علم مؤَهِّل لذلكَ، وحذَار مِن صَرف النَّاس عن العِلم وأهلِه إذا رأيتَهُم قَد افتُتِنُوا بكَ» [«آثار ابن باديس» (2/275)].
فأعطِ القَوس باريها، ودع الفَتوى فلستَ من أهلها، وأنصِف نفسَك والزَم قدرَك، ولا يغرَّنَّك سطوع أضواء الأستوديو الكاشفة في وجهك؛ فإنَّ شموسَ الحقِّ السَّاطعة ستُخمد شموسَ الباطل المظلِمة، ولو بعد حين؛ فالحقُّ روحه العلم، والباطل يسيِّره الجهل، ولا فلاح للأمَّة إلَّا بالعلم الصَّحيح؛ و$مَن تحدَّث في العلم بغَيْر أمانَة، فقَد مسَّ العلمَ بقُرحة، ووضع في سبيل فَلاح الأمَّة حَجَر عَثرة» [«رسائل الإصلاح» للشَّيخ محمَّد الخضر حسين (ص81)].
فلا تقف حجرَ عثرَةٍ في طريق تقَدُّم الأمَّة وفلاحِها، فتعطِّلَ مسيرةَ الخير والنَّجاح، وتؤخِّر عجلةَ الإصلاح، وتشوِّه صورةَ ديننا الحنيف، وتطمسَ معالمه وحقائقه.
حمى اللهُ أمَّتَنا مِن مُضِلَّات الأهواء والفتَن، ومن جميع المحدثات والبدع والخرافات.












 


رد مع اقتباس
قديم 2015-01-05, 20:53   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
miramer
عضو محترف
 
الصورة الرمزية miramer
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

الردُّ العلمي
على شبهات «شمس الدين بوروبي»


فصل: الشبهة الأولى
صفة النزول


الحمدُ لله وليِّ الصالحين، والصلاةُ والسلامُ على إمام الأنبياء والمرسلين، وعلى أصحابه الأخيار، وعلى أتباعهم الأبرار بإحسانٍ إلى يوم الدِّين في دار القرار، أمَّا بعد:
فإنَّ تطهيرَ دين الله ممَّا أحدثه المُحدِثون والتصدِّيَ للباغين عليه ودَفْعَ عدوانهم درءًا لفسادهم وتنقيةً للشرع من سُوئهم بالحجَّة والبيان حتمٌ لازمٌ، وهو من مفاخر الدعوة السلفية المبنيَّة على العدل والرحمة، فبقيامهم بهذه الفريضة الشريفة يَزْهَق الباطلُ ويرتدع أهلُه المفسدون للقلوب مصداقًا لقوله تعالى: ﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ﴾ [الأنبياء: ١٨]، وقوله تعالى: ﴿وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا﴾ [الإسراء: ٨١]، وقوله تعالى: ﴿قُلْ جَاءَ الحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ البَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ﴾ [فاطر: ٤٩].
قال ابن تيمية -رحمه الله-: «ومثل أئمَّة البدع من أهل المقالات المخالِفة للكتاب والسنَّة أو العبادات المخالِفة للكتاب والسنَّة؛ فإنَّ بيانَ حالهم وتحذيرَ الأمَّة منهم واجبٌ باتِّفاق المسلمين، حتى قيل لأحمد بن حنبلٍ: الرجل يصوم ويصلِّي ويعتكف أحبُّ إليك أو يتكلَّم في أهل البدع؟ فقال: إذا قام وصلَّى واعتكف فإنما هو لنفسه، وإذا تكلَّم في أهل البدع فإنما هو للمسلمين، هذا أفضل. فبيَّن أنَّ نَفْع هذا عامٌّ للمسلمين في دينهم من جنس الجهاد في سبيل الله؛ إذ تطهير سبيل الله ودينه ومنهاجه وشِرعته ودفعُ بغي هؤلاء وعدوانِهم على ذلك واجبٌ على الكفاية باتِّفاق المسلمين، ولولا مَن يقيمه اللهُ لدَفْعِ ضرر هؤلاء لَفَسَد الدينُ وكان فسادُه أعظمَ من فساد استيلاء العدوِّ من أهل الحرب؛ فإنَّ هؤلاء إذا استولَوْا لم يُفسدوا القلوبَ وما فيها من الدين إلاَّ تبعًا، وأمَّا أولئك فهُم يُفسدون القلوبَ ابتداءً»(١).
وممَّن نصَّب نفْسَه -من غير طلبٍ- مناصرًا للباطل وأهله، منافحًا عن البدعة وأصحابها يوالي عليها ويعادي، جاهدًا في تلميع صورته البشعة، معاديًا للحقِّ والسائرين على منهاجه، حتى رضي لنفسه الانضواءَ في ركب الجعدِ بن درهمٍ وجهمِ بن صفوانَ وبشرٍ المرِّيسيِّ وأضرابهم، ممَّن انغمسوا في ظلماتٍ بعضُها فوق بعضٍ أعْمَتْهم عن الهدى وصدَّتهم عن الرشاد، يمارون بالباطل ليُدحِضوا به الحقَّ، ويتَّبعون الظنَّ وما تهوى الأنفس، اقترفوا الضلالَ وارتضَوْه بديلاً عن الهدى، فأصابهم الصغارُ والهوانُ بما كانوا يمكرون، المدعُوُّ: «شمس الدين بوروبي» -هداه الله-، ذاك الذي لم يظهر الفألُ الحسن مِن اسمه على نحو ما قال الشاعر:

تَسَمَّى بِنُورِ الدِّينِ وَهْوَ ظَلاَمُهُ * وَهَذَا بِشَمْسِ الدِّينِ وَهْوَ لَهُ خَسْفُ
وَذَا شَرَفَ الإِسْلاَمِ يَدْعُوهُ قَوْمُهُ * وَقَدْ نَالَهُمْ مِنْ جَوْرِهِ كُلَّهُمْ عَسْفُ
رُوَيْدَكَ يَا مِسْكِينُ سَوْفَ تَرَى غَدًا * إِذَا نُصِبَ المِيزَانُ وَانْتَشَرَ الصُّحْفُ
بِمَاذَا تُسَمَّى هَلْ سَعِيدٌ وَحَبَّذَا * أَوْ اسْمَ شَقِيٍّ بِئْسَ ذَا ذَلِكَ الوَصْفُ
جعل الله في صدره ضيقًا وفي نفسه حرجًا من الحقِّ ألزمَتَاه غُصَّةً وحَنَقًا بالدعوة السلفيةِ لقوَّةِ استحكامها في قلوب المدعوِّين، فراح -بعد أن انسلخ من الورع والتقى- يفتري عليها الأكاذيب، ويفتِّش عن مثالبها في كتبِ مَن سبقه ومقالاتِهم طعنًا وحقدًا ليظفر بها وينسبها لنفسه تشبُّعًا بما لم يُعط حتى أضحى عليه أرديةٌ من الزور، يحاكي أقوالَ المنحرفين مِن غير تحفُّظٍ أو تثبُّتٍ أو توثيقٍ، فمثله كمثل «الفرُّوج سمع الدِّيَكَةَ تصيح فصاح بصياحها»(٢).
ولله درُّ القائل:
دَخِيلٌ فِي الكِتَابَةِ يَدَّعِيهَا * كَدَعْوَى آلِ حَرْبٍ فِي زِيَادِ
يُشَبَّهُ ثَوْبُهُ لِلْمَحْوِ فِيهِ * إِذَا أَبْصَرْتَهُ ثَوْبَ الحِدَادِ
فَدَعْ عَنْكَ الكِتَابَةَ لَسْتَ مِنْهَا * وَلَوْ لَطَّخْتَ وَجْهَكَ بِالمِدَادِ(٣)
ومِن صياحه ما ألقاه في محاضرةٍ بالمغرب -حفظها الله منه ومِن كلِّ مبتدعٍ- صوَّر خلالها الصوفيةَ في صورة أصحابِ الحقِّ المتَّهَمِين بالباطل -وهم أهله وأحقُّ به-، وأجْلَب بخيله ورجِلِه على أهل الحقِّ فلطَّخ عقيدتَهم السليمة بتُرَّهاتٍ وتمويهاتٍ وتدليساتٍ لا يُحسنها إلاَّ المفلسون في العلم والفهم، تقمَّمَها مِن مراجع الرافضة وكتب فرقة الأحباش ومؤلَّفات الكوثريِّ والغماريِّ والسقَّاف وأضرابهم من المبتدعة الشانئين، فنال بجدارةٍ لقب «خسف الدين وظلامه»، وكأنَّّ شمس الدين -حقًّا لا كذبًا- ابنَ القيِّم -رحمه الله- يُبْصِرُه أمامه فيصف الغشاوةَ التي تعلوه والعَشَى الذي يكسوه قائلاً: «فإنَّ المُعْرِض عمَّا بعث الله تعالى به محمَّدًا صلَّى الله عليه وسلَّم مِن الهدى ودين الحقِّ يتقلَّب في خمس ظلماتٍ: قولُه ظلمةٌ، وعمله ظلمةٌ، ومدخله ظلمةٌ، ومخرجه ظلمةٌ، ومصيره إلى الظلمة، فقلبُه مظلمٌ، ووجهه مظلمٌ، وكلامه مظلمٌ، وحاله مظلمةٌ، وإذا قابلت بصيرتُه الخفَّاشية ما بعث الله به محمَّدًا صلَّى الله عليه وسلَّم من النور جدَّ في الهرب منه وكاد نورُه يَخْطَف بصرَه، فهرب إلى ظلمات الآراء التي هي به أنسبُ وأَوْلى، كما قيل:
خَفَافِيشُ أَعْشَاهَا النَّهَارُ بِضَوْئِهِ * وَوَافَقَهَا قِطْعٌ مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمُ
فإذا جاء إلى زُبالة الأفكار ونُحاتة الأذهان؛ جال وصال، وأبدى وأعاد، وقعقع وفرقع، فإذا طلع نور الوحي وشمس الرسالة؛ انحجر في أَحْجِرة الحشرات»(٤).
وقد رأت إدارة موقع الشيخ أبي عبد المعزِّ محمَّد علي فركوس -حفظه الله- أن تتناول جملةً مِن الشبهات المُغْرِضة التي ألقاها ذاك المَفْتونُ في شكل سلسلة ردودٍ علميةٍ، تُفْرَد كلُّ شبهةٍ بردٍّ علميٍّ يزيل الشبهةَ ويقمع البدعةَ، وذلك في فصولٍ متلاحقةٍ، إسهامًا في التطهير مِن أدران الضلالات والبدع، وكشفًا لصنيع زيفه وانحرافه، وقد كان التركيز في هذه الردود على جانبِ بيان تطاوُله على مَن انعقدت لهم الإمامةُ في الدين، وأجرى اللهُ لهم المحبَّةَ في القلوب، وأبْقَتْ سيرتُهم العطرة الذِّكْرَ الحسَنَ على الألسنة، فأبى المفلس إلاَّ أن يلوِّث عبقَهم ويقترفَ في حقِّهم ما يحتقبه أوزارًا يبوء بإثمها وإثمِ مَن يُضِلُّهم ويفتنهم في دينهم.
سائلين اللهَ التوفيق والسداد والرشاد في الأقوال والأعمال
الردُّ على شبهة تأويل الإمام مالكٍ -رحمه الله- لصفة النزول

قال المدعوُّ شمس الدين بوروبي -هداه الله-: «ثمَّ ينزل ربُّنا في ثلث الليل الأخير عندهم نزولاً حقيقيًّا مِن مكانٍ أعلى إلى مكانٍ أسفل، بينما سئل إمامنا مالكٌ رضي الله عنه وأرضاه، واذهب إلى «التمهيد» لابن عبد البرِّ حيث روى الروايةَ بالسند الصحيح: سئل مالكٌ عن معنى النزول فقال: ينزل أمرُه، إمام السلفية الذي هو الإمام مالكٌ يقول: ينزل أمرُه، ولكنَّ الحشوية الذين يزعمون التمسلف يقولون: ينزل حقيقةً كنزولك أنت من شجرةٍ أو من الطابق العلويِّ أو من المنبر».
الجواب:

اعلَمْ أنَّ المنصوص في العقيدة التي نُقلت عن الإمام مالكٍ -رحمه الله- في صفات الله سبحانه تطابُقُها مع مذهب أهل الحديث أتباعِ السلف الصالح مِن إمرارها كما جاءت مِن غير تأويلٍ ولا تحريفٍ ولا تعطيلٍ ولا تكييفٍ، والتحذير من مسلك المخالفين لهذا الأصل.
قال الوليد بن مسلمٍ -رحمه الله-: «سألت الأوزاعيَّ، وسفيان الثوريَّ، ومالكَ بنَ أنسٍ، والليثَ بن سعدٍ، عن الأحاديث التي فيها الصفات، فكلُّهم قال: أَمِرُّوها كما جاءت بلا تفسيرٍ»(٥).
وممَّا جاء عنه -رحمه الله- في ذمِّ ما يضادُّ منهجَ السلف ويناقضه قولُه: «مُحالٌ أن يُظَنَّ بالنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنه علَّم أمَّتَه الاستنجاءَ ولم يعلِّمْهم التوحيدَ»(٦).
وقال أبو عبد الله محمَّد بن أحمد بن إسحاق بن خويز منداد المالكيُّ -رحمه الله- في كتاب «الشهادات» في تأويل قول مالكٍ -رحمه الله-: «لا تجوز شهادة أهل البدع وأهل الأهواء»: «أهل الأهواء عند مالكٍ وسائرِ أصحابنا هم أهلُ الكلام، فكلُّ متكلِّمٍ فهو مِن أهل الأهواء والبدع: أشعريًّا كان أو غيرَ أشعريٍّ، ولا تُقبل له شهادةٌ في الإسلام، ويُهْجَر ويؤدَّب على بدعته، فإن تمادى عليها استُتيب منها»(٧).
ولا تخرجُ صفة النزول عن سائر الصفات الفعلية الثابتة لله تعالى بالنصِّ القطعيِّ، حيث ورد في إثباتها جملةٌ من النصوص تصل حدَّ التواتر منها:
حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ يَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ»(٨).
وعن زهير بن عبَّادٍ -رحمه الله- قال: «كلُّ مَن أدركتُ مِن المشايخ: مالكٌ وسفيان وفضيل بن عياضٍ وعيسى وابن المبارك ووكيعٌ كانوا يقولون: النزول حقٌّ»(٩).
وقال الإمام السجزيُّ -رحمه الله-: «وأئمَّتنا كسفيان ومالكٍ والحمَّادَيْن وابن عيينة والفضيل وابن المبارك وأحمد بن حنبلٍ وإسحاق متَّفقون على أنَّ الله سبحانه فوق العرش وعلمُه بكلِّ مكانٍ، وأنه ينزل إلى السماء الدنيا وأنه يغضب ويرضى ويتكلَّم بما شاء»(١٠).
في تفنيد نسبة تأويل صفة النزول للإمام مالكٍ -رحمه الله-:

لقد لبَّس المُحاضر على سامعيه حين أحالهم على كتاب «التمهيد» لابن عبد البرِّ مدَّعيًا روايتَه تأويلَ صفة النزول عن الإمام مالكٍ -رحمه الله- بالسند الصحيح، وإذا رجَعْنا إلى المصدر الذي ذكره نجد أنه خان الأمانةَ العلمية ونقل مِن كلام ابن عبد البرِّ -رحمه الله- ما حَسِبَه موافقًا لمعتقَده الأشعريِّ وأخفى الحقيقةَ، على طريقة أهل البدع في بتر النصوص وتقطيعها لتتماشى وأهواءَهم، ويحسن إيرادُ سياق كلام ابن عبد البرِّ -رحمه الله- بتمامه إذ يقول -رحمه الله-:
«وأمَّا قوله صلَّى الله عليه وسلَّم في هذا الحديث «يَنْزِلُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا» فقَدْ أكْثَرَ الناسُ التنازعَ فيه، والذي عليه جمهور أئمَّة أهل السنَّة أنهم يقولون: ينزل كما قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، ويصدِّقون بهذا الحديث ولا يكيِّفون، والقول في كيفية النزول كالقول في كيفية الاستواء والمجيء، والحجَّةُ في ذلك واحدةٌ، وقد قال قومٌ مِن أهل الأثر -أيضًا- إنه ينزل أمرُه وتنزل رحمتُه، وروي ذلك عن حبيبٍ كاتب مالكٍ وغيرِه، وأنكره منهم آخَرون وقالوا: هذا ليس بشيءٍ، لأنَّ أمْرَه ورحمته لا يزالان ينزلان أبدًا في الليل والنهار، وتعالى الملك الجبَّار الذي إذا أراد أمرًا قال له: كن فيكون في أيِّ وقتٍ شاء ويختصُّ برحمته مَن يشاء متى شاء لا إله إلاَّ هو الكبير المتعال. وقد روى محمَّد بن عليٍّ الجبليُّ -وكان من ثِقَاتِ المسلمين بالقيروان- قال: حدَّثنا جامع بن سوادة بمصر قال: حدَّثنا مطرِّفٌ عن مالكِ بن أنسٍ أنه سئل عن الحديث: «إِنَّ اللهَ يَنْزِلُ فِي اللَّيْلِ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا»، فقال مالكٌ: «يتنزَّل أمرُه»، وقد يحتمل أن يكون كما قال مالكٌ -رحمه الله- على معنى أنه تتنزَّل رحمتُه وقضاؤه بالعفو والاستجابة، وذلك مِن أمره أي: أكثرُ ما يكون ذلك في ذلك الوقت واللهُ أعلم»(١١).
والملاحَظُ مِن كلام ابن عبد البرِّ -رحمه الله- أنَّ للإمام مالكٍ روايتين في صفة النزول، أُولاهما موافِقةٌ لِما هو مقرَّرٌ عند أهل السنَّة والجماعة مِن إثباتها حقيقةً كما تليق بالله تعالى، والثانية موافِقةٌ لمذهب أهل التأويل. وحالتئذٍ يجب على الباحث المنصف دراسةُ الرواية التي ظاهرُها المخالَفة، لمعرفة مدى مطابَقتها لمنهج الإمام في العقيدة.
وقد ذكر ابن عبد البرِّ أنَّ رواية التأويل لها سندان:
السند الأوَّل: عن حبيبٍ كاتب الإمام مالكٍ -رحمه الله-.
والسند الثاني: عن مطرِّف بن عبد الله.
وكلا الطريقين معلولٌ سندًا ومتنًا، فأمَّا السند الأوَّل: فإنَّ حبيب بن أبي حبيبٍ هو المصريُّ كاتب مالكٍ، يكنَّى أبا محمَّدٍ واسمُ أبيه إبراهيمُ أو مرزوقٌ (ت: ٢١٨)، أصلُه من خراسان، وهو ضعيفٌ باتِّفاق أهل العلم بالنقل، يروي عن الثِّقَات الموضوعاتِ ويُدْخِل عليهم ما ليس مِن أحاديثهم. قال يحيى بن مَعِينٍ: «أَشَرُّ السماعِ من مالكٍ عرضُ حبيبٍ، كان يقرأ على مالكٍ فإذا انتهى إلى آخر القراءةِ صفح أوراقًا وكتب: بَلَغ، وعامَّة سماع المصريين عرضُ حبيبٍ»، وقال أحمد بن حنبلٍ: «ليس بثقةٍ، كان يكذب»، ولم يكن يوثِّقه ولا يرضاه، وأثنى عليه شرًّا وسوءًا، وقال أبو داود: «كان مِن أكذب الناس»، وقال أبو حاتمٍ: «متروك الحديث»، وقال ابن حبَّان: «أحاديثه كلُّها موضوعةٌ»، وقال النسائيُّ: «متروكٌ أحاديثُه كلُّها عن مالكٍ وغيرِه»، وقال ابن عدِيٍّ: «أحاديثُه كلُّها موضوعةٌ، وعامَّة حديث حبيبٍ موضوعُ المتن مقلوبُ الإسناد، ولا يحتشم حبيبٌ في وضعِ الحديث على الثقات وأمرُه بيِّنٌ في الكذَّابين»(١٢)، وقد أشار ابن عبد البرِّ إلى ضعفها بنقلها بصيغة التمريض.
أمَّا الرواية الثانية فكسابقتها فيها علَّتان:
الأولى: في سندها محمَّد بن عليٍّ الجبليُّ المتوفَّى سنة (٤٣٩ﻫ)(١٣)، قال الذهبيُّ في «ميزان الاعتدال»: «محمَّد بن عليِّ بن محمَّد، أبو الخطَّاب الجبليُّ الشاعر، فصيحٌ سائر القول. روى عن عبد الوهَّاب الكلابيِّ، ومدح أبا العلاء المعرِّيَّ فجاوبه بأبياتٍ. قال الخطيب: «قيل: إنه كان رافضيًّا»»(١٤)، ولفظ الخطيب: قيل: إنه كان رافضيًّا شديدَ الرفض.
الثانية: ضعف جامع بن سوادة، نقل ابن حجرٍ -رحمه الله- تضعيفَ الدارقطنيِّ -رحمه الله- له(١٥)، وأورد له الذهبيُّ حديثًا موضوعًا في الجمع بين الزوجين، ثمَّ قال: «كأنه آفَتُه»(١٦)، وعدَّه ابن الجوزيِّ مِن جملة المجاهيل(١٧).
فتبيَّن لكلِّ مُنْصِفٍ عدمُ صحَّة هذين الأثرين عن إمام دار الهجرة -رحمه الله- وأسكنه فسيحَ الجنان.
وعلى فرض التسليم بصحَّة الرواية المثبِتَة للتأويل فيتمُّ الجواب بما يلي:

١- أنها مخالِفةٌ للمحفوظ عن مالكٍ -رحمه الله- كما في رواية الوليد بن مسلمٍ، فتُقَدَّم الروايةُ المشهورة الموافِقة للأصول الصحيحة على الرواية الموافِقة للأصول البدعية إحسانًا للظنِّ بأئمَّة الهدى وأعلام السنَّة، ولذلك لم ينقلها المشاهير مِن أصحابه -رحمه الله-.
٢- يمكن توجيهها بحملها على ما لا يخالف الإيمانَ بحقيقة النزول له -سبحانه- وهو قصدُه أنَّ نزول الربِّ إلى سماء الدنيا يصاحبه الرحمةُ والعفو والاستجابة، وذلك أمرُه، وبهذا التوجيه خَتَمَ ابنُ عبد البرِّ -رحمه الله- قولَه: «وقد يحتمل أن يكون كما قال مالكٌ -رحمه الله- على معنى أنه تتنزَّل رحمتُه وقضاؤه بالعفو والاستجابة، وذلك مِن أمره أي: أكثرُ ما يكون ذلك في ذلك الوقت، والله أعلم».
٣- أنَّ تفسير النزول بنزول أمْرِه غيرُ متَّفقٍ عليه بين المؤوِّلة أنْفُسهم، فقد تضاربت أقوالُهم في تفسير النزول في الحديث، فحَمَله بعضُهم على نزول الملَك بأمره أو نزول أمرِه، وفسَّره آخَرون بنزول برِّه وعطائه وإحسانه، ومنهم مَن حَمَله على نزول رحمته -وهو موافقٌ لِما قبله-، ومنهم مَن زعم أنه الاطِّلاعُ والإقبال على العباد بالرحمة ونحوِ ذلك، فكان -حينئذٍ- التأويل محتملاً لا قطعية فيه باتِّفاق المؤوِّلة، ولا يخفى أنَّ الاحتمال لا يزيل الإشكال، ولا يمكن التعويل عليه في ارتضاء تفسيرٍ مُقْنِعٍ شافٍ.
٤- ولو سلَّمْنا -جدلاً- أنَّ تفسير النزول بنزول أمرِه أو نزول الملَك بأمره، أو نزول رحمته؛ فإنه يظهر بطلانُه من جهةِ قوله تعالى كما في الحديث: «أَنَا الْمَلِكُ، مَنْ ذَا الَّذِي يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، ..»(١٨)، وقد قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ﴾ [الأنبياء: ٢٩].
ومِن جهةٍ أخرى فإنَّ أمْرَه ورحمته لا يزالان ينزلان، فقَدْ أخبر الله تعالى عن أمره بقوله: ﴿يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ﴾ [السجدة: ٥]، كما أنَّ الثابت نزولُ جزءٍ مِن رحمة الله مرَّةً واحدةً إلى الأرض في قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «جَعَلَ اللهُ الرَّحْمَةَ مِائَةَ جُزْءٍ، فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ جُزْءًا، وَأَنْزَلَ فِي الأَرْضِ جُزْءًا وَاحِدًا..»(١٩)، وفي الحديث تصريحٌ بنزول جزءٍ من الرحمة مرَّةً واحدةً إلى الأرض، بينما إذا حمَلْناه على تفسير المؤوِّلة لَلزم أن تكون أجزاءُ رحماته تنزل كلَّ يومٍ غيرَ الجزء الذي دلَّ عليه الحديث، وهذا بلا شكٍّ مناقضٌ لمقتضى الحديث.
ثمَّ إنَّ المعلوم مِن جهةٍ ثالثةٍ أنَّ الأمر والرحمة إنما ينزلان إلى الأرض، وتأويلُ حديث النزول بنزولهما يَلزم منه بقاؤُهما في السماء، فما فائدة العباد منهما إذا ما بقيت الرحمةُ والأمر في سماء الدنيا؟!!
٥- إذا وقع الخلاف بين العلماء فالمصيرُ إلى الحجَّة التي تفصل بين الناس نزاعَهم، فيرجَّح قولُ مَن كانت حجَّته أقوى، وهذا في كلِّ خلافٍ امتثالاً لقوله تعالى: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً﴾ [النساء: ٥٩]، وقوله: ﴿وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللهِ﴾ [الشورى: ١٠]، فالعبرة بالدليل لا بالأشخاص -مهما سَمَت منزلتُهم-، وهذا منهج الإمام مالكٍ إذ قال: «إنما أنا بشرٌ، أخطئ وأصيب، فانظروا في رأيي، فكلُّ ما وافق الكتابَ والسنَّة فخُذُوا به، وكلُّ ما لم يوافق الكتابَ والسنَّة فاتركوه»(٢٠)، وقال أيضًا: «ليس أحدٌ مِن خلق الله إلاَّ يؤخذ مِن قوله ويُترك إلاَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم»(٢١).
وبهذا يتمُّ تفنيدُ تدليسه وبيانُ الخداع الذي انطوى عليه كلامُه.
دفع فرية تشبيه الخالق بالمخلوق في صفة النزول:

افترى المُحاضر على عقيدة أهل السنَّة فريةً عظيمةً حين ادَّعى أنهم يمثِّلون صفاتِ الله بصفات المخلوقين فقال: «ولكنَّ الحشوية الذين يزعمون التمسلف يقولون ينزل حقيقةً كنزولك أنت مِن شجرةٍ أو مِن الطابق العلويِّ أو من المنبر»، وإنما أُتِيَ مِن قِبَل جهله بعقيدة السلف، وحِقده الذي أعماه عن الحقِّ، ذلك لأنَّ كلمة أهل السنَّة مُطْبِقَة على تحريم تمثيل صفات الله بصفات المخلوقين.
قال الإمام ابن عبد البرِّ -رحمه الله-: «أهل السنَّة مُجْمِعون على الإقرار بالصفات الواردة كلِّها في القرآن والسنَّة والإيمان بها وحملِها على الحقيقة لا على المجاز إلاَّ أنهم لا يُكيِّفون شيئًا مِن ذلك ولا يحدُّون فيه صفةً محصورةً، وأمَّا أهل البدع والجهمية والمعتزلة كلُّها والخوارج فكلُّهم ينكرها ولا يحمل شيئًا منها على الحقيقة ويزعمون أنَّ مَن أقرَّ بها مشبِّهٌ، وهم عند مَن أثبتها نافون للمعبود، والحقُّ فيما قاله القائلون بما نطق به كتاب الله وسنَّةُ رسوله وهم أئمَّة الجماعة، والحمد لله»(٢٢).
وقال ابن تيمية -رحمه الله- عن مذهب السلف في الصفات «فطريقتهم تتضمَّن إثباتَ الأسماء والصفات، مع نفي مماثلة المخلوقات، إثباتًا بلا تشبيهٍ، وتنزيهًا بلا تعطيلٍ، كما قال تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾ [الشورى: ١١]، ففي قوله: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ ردٌّ للتشبيه والتمثيل، وقوله: ﴿وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾ ردٌّ للإلحاد والتعطيل»(٢٣).
وفي نسبة المُحاضر فريةَ التشبيه للسلفية محاكاةٌ للمقرَّر عند نفاة الصفات على اختلاف طبقاتهم في النفي -مِن الجهمية والمعتزلة والأشاعرة- حيث يدَّعون أنَّ إثبات الصفاتِ أو بعضِها يسمَّى تشبيهًا، ذلك لأنَّ دعواهم مبنيَّةٌ على أنَّ ما في الشاهد إلاَّ صفاتُ المخلوقين، لذلك يلتزمون النفيَ مستدلِّين بأنه يَلْزَم مِن إثبات الصفاتِ تشبيهُ الخالق بالمخلوق، وهذا ما يفسِّر رميَهم لمثبتي الصفات مِن السلف وغيرهم بالتجسيم والتشبيه.
وهذا خطأٌ، إذ لا يصحُّ الاعتماد في النفي والإثبات على لزوم التشبيه وعدمه؛ لأنَّ اتِّفاق المسلمين في بعض الأسماءِ والصفاتِ ليس هو التشبيهَ والتمثيلَ الذي نَفَتْه الأدلَّة السمعية والعقلية، فما مِن شيئين إلاَّ وبينهما قدرٌ مشتركٌ وقدرٌ مميِّزٌ، فنفيُه عمومًا نفيٌ للقدر المشترك وهو باطلٌ، وإثباتُه بعمومه إثباتٌ لتساويهمَا في القدر المميِّز وهو باطلٌ، إذ لا يَلزم من التشابه في بعض الوجوه التشابهُ من كلِّ وجهٍ(٢٤).
قال شارح «الطحاوية»: «ويجب أن يُعلم أنَّ المعنى الفاسد الكفريَّ ليس هو ظاهرَ النصِّ ولا مقتضاه، وأنَّ من فَهِمَ ذلك منه فهو لقصور فهمِه ونقصِ علمه، وإذا كان قد قيل في قول بعض الناس:
وَكَمْ مِنْ عَائِبٍ قَوْلاً صَحِيحًا * وَآفَتُهُ مِنَ الفَهْمِ السَّقِيمِ
وقيل:
عَلَيَّ نَحْتُ القَوَافِي مِنْ مَعَادِنِِهَا * وَمَا عَلَيَّ إِذَا لَمْ تَفْهَمِ البَقَرُ
كيف يقال في قول الله -الذي هو أصدق الكلام وأحسنُ الحديث، وهو الكتاب الذي ﴿أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ﴾ [هود: ١]-: إنَّ حقيقة قولهم أنَّ ظاهرَ القرآن والحديث هو الضلال، وأنه ليس فيه بيانُ ما يصلح مِن الاعتقاد، ولا فيه بيانُ التوحيد والتنزيه؟! هذا حقيقة قول المتأوِّلين، والحقُّ أنَّ ما دلَّ عليه القرآن فهو حقٌّ، وما كان باطلاً لم يدلَّ عليه، والمنازعون يدَّعون دلالتَه على الباطل الذي يتعيَّن صرفُه!»(٢٥).
وقال الشنقيطيُّ -رحمه الله-: «فتحصَّلَ مِن جميع هذا البحث أنَّ الصفاتِ مِن بابٍ واحدٍ، وأنَّ الحقَّ فيها متركِّبٌ من أمرين:
الأوَّل: تنزيه الله جلَّ وعلا عن مشابهة الخلق.
والثاني: الإيمان بكلِّ ما وصف به نفْسَه، أو وصَفَه به رسولُه صلَّى الله عليه وسلَّم إثباتًا أو نفيًا، وهذا هو معنى قوله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾ [الشورى: ١١]، والسلف الصالح رضي الله عنهم ما كانوا يشكُّون في شيءٍ من ذلك، ولا كان يُشْكِلُ عليهم، ألا ترى إلى قول الفرزدق وهو شاعرٌ فقط، وأمَّا مِن جهة العلم فهو عامِّيٌّ:
وَكَيْفَ أَخَافُ النَّاسَ وَاللهُ قَابِضٌ * عَلَى النَّاسِ وَالسَّبْعِينَ فِي رَاحَةِ اليَدِ
ومرادُه بالسبعين: سبع سماواتٍ، وسبع أَرَضِين، فمَنْ عَلِمَ مثلَ هذا مِن كون السماوات والأَرَضين في يده جلَّ وعلا أصغرَ مِن حبَّة خردلٍ؛ فإنه عالمٌ بعظمة الله وجلاله، لا يسبق إلى ذهنه مشابهةُ صفاته لصفات الخلق، ومَن كان كذلك زال عنه كثيرٌ مِن الإشكالات التي أشكلت على كثيرٍ مِن المتأخِّرين، وهذا الذي ذكَرْنا مِن تنزيه الله جلَّ وعلا عمَّا لا يليق به، والإيمانِ بما وصف به نفسَه، أو وصفه به رسولُه صلَّى الله عليه وسلَّم، هو معنى قول الإمام مالكٍ -رحمه الله-: الاستواء غيرُ مجهولٍ، والكيف غيرُ معقولٍ، والسؤال عنه بدعةٌ»(٢٦).
وإن تعجب فعجبٌ تبجُّح المُحاضر في مقالاته المنشورة في الصحف -المملوءة بصور النساء المتبرِّجات والإعلانات المحشوَّة بالمعاصي- ومجالسِه الإضلالية المتلفزة بأنَّه مالكيٌّ، ولو كان كذلك لَاقتفى أثرَ الإمام مالكٍ في العقيدة، فكيف ارتضاه إمامًا في الفروع الفقهية وسوَّغ لنفسه مخالفتَه في الأصول الاعتقادية؟ فاللَّهمَّ احفَظْ علينا عقولَنا، وقد حَكَم على نفسه بنفسه مِن حيث اندراجُه في سلك مَن حذَّر منهم الإمام مالكٌ -رحمه الله-، ومِن أحسنِ ما قاله ابن تيمية -رحمه الله-: «كلام مالكٍ في ذمِّ المبتدعة وهجرِهم وعقوبتهم كثيرٌ، ومِن أعظمهم عنده الجهميةُ الذين يقولون: إنَّ الله ليس فوق العرش، وإنَّ الله لم يتكلَّم بالقرآن كلِّه، وإنه لا يُرى كما وردت به السنَّة، وينفون نحو ذلك مِن الصفات، ثمَّ إنَّه كثيرٌ في المتأخِّرين مِن أصحابه مَن يُنكر هذه الأمورَ كما يُنكرها فروعُ الجهمية، ويجعل ذلك هو السنَّةَ ويجعل القولَ الذي يخالفها -وهو قولُ مالكٍ وسائرِ أئمَّة السنَّة- هو البدعةَ، ثمَّ إنه مع ذلك يعتقد في أهل البدعة ما قاله مالكٌ، فبدَّل هؤلاء الدينَ فصَاروا يطعنون في أهل السنَّة»(٢٧).
والعلمُ عندَ الله تَعَالى، والحمدُ لله أوَّلاً وآخرًا، والصلاةُ والسلامُ عَلى المبعوثِ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه ومَنْ تَبعهُم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين.

(١) «مجموع الفتاوى» (٢٨/ ٢٣٢).

(٢) انظر ما كتبه الشيخ أبو عبد المعزِّ محمَّد علي فركوس -حفظه الله- ردًّا على هذا الرويبضة -قبل أن يشتهر- في زعمه أنَّ ابن تيمية مجسِّمٌ، فكتب الشيخ -حفظه الله- تعريضًا به رسالةً موسومةً به: «دعوى نسبة التشبيه والتجسيم لابن تيمية وبراءته من ترويج المُغْرِضين لها».

(٣) «صبح الأعشى» (٢/ ٥٠٢).

(٤) «اجتماع الجيوش الإسلامية» (٢/ ٥٨).

(٥) أخرجه الخلاَّل في «السنَّة» (٢٥٦)، والآجرِّي في «الشريعة» (٣/ ١١٤٦).

(٦) «ذمُّ الكلام» لأبي الفضل عبد الرحمن الرازي (٢٥٠)

(٧) «جامع بيان العلم وفضله» لابن عبد البرِّ (٢/ ٩٤٢).

(٨) أخرجه البخاري في «أبواب التهجُّد» من صحيحه، باب الدعاء والصلاة من آخر الليل (١١٤٥).

(٩) «أصول السنَّة» لابن أبي زمنين (١١٣).

(١٠) «الآثار الواردة عن أئمَّة السنَّة في أبواب الاعتقاد» لجمال بن أحمد بن بشير بادي (٢٠٩).

(١١) «التمهيد» لابن عبد البرِّ (٧/ ١٤٣).

(١٢) انظر: «الضعفاء والمتروكين» للنسائي (٣٤)، «الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم (٢/ ١٩٦)، «الكامل في الضعفاء» لابن عَدِيٍّ (٣/ ٣٢٤)، «المجروحين» لابن حبَّان (١/ ٢٦٥)، «ميزان الاعتدال» للذهبي (١/ ٤٥٢)، «تهذيب التهذيب» لابن حجر (٢/ ١٨١).

(١٣) انظر ترجمته في: «تاريخ بغداد» للخطيب البغدادي (٣/ ٣١٧)، «الوافي بالوفيات» للصفدي (٤/ ٩٢)، «الأعلام» للزركلي (٦/ ٢٧٥).

(١٤) «ميزان الاعتدال» للذهبي (٢/ ٦٥٧).

(١٥) انظر: «لسان الميزان» للحافظ ابن حجر (٢/ ٤١٥).

(١٦) انظر: «ميزان الاعتدال» للذهبي (١/ ٣٨٧).

(١٧) انظر: «الموضوعات» لابن الجوزي (٢/ ٢٧٩).

(١٨) أخرجه مسلم (٧٥٨) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(١٩) أخرجه البخاري (٦٠٠٠)، ومسلم (٢٧٥٢)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(٢٠) «جامع بيان العلم وفضله» لابن عبد البرِّ (١/ ٧٧٥).

(٢١) المصدر السابق (٢/ ٩٢٥).

(٢٢) «التمهيد» لابن عبد البرِّ (٧/ ١٤٥).

(٢٣) «التدمرية» (٨).

(٢٤) مستفادٌ من كلام الشيخ محمَّد علي فركوس -حفظه الله- في رسالته الموسومة ﺑ: «دعوى نسبة التشبيه والتجسيم لابن تيمية وبراءته من ترويج المُغْرِضين لها» (٢٢).

(٢٥) «شرح الطحاوية» (٢١٥).

(٢٦) «أضواء البيان» (٢/ ٣١).

(٢٧) «الاستقامة» (١/ ١٣).






https://ferkous.com/home/?q=rodoud-20-1









رد مع اقتباس
قديم 2015-01-05, 20:54   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
miramer
عضو محترف
 
الصورة الرمزية miramer
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

الردُّ العلمي
على شبهات «شمس الدين بوروبي»
الشبهة الثانية: نسبة القول بِخِسَّة التكاليف الشرعية للسلفية


قال شمس الدين بوروبي ـ هداه الله ـ: «اتِّهام الصوفية بسقوط التكاليف عنهم، مع أنَّ المتصوِّفة هم أشدُّ الناس تمسُّكًا بالسنَّة، هل تعلمون أنَّ السلفية يُسمُّون الصلاةَ والزكاة والحجَّ بالتكاليف الخسيسة؟ يقول ابنُ القيِّم في «مدارج السالكين» يشرح كلام الهروي: «قولُه: «ويطوي خسَّةَ التَّكاليف» ليت الشَّيخَ عبَّر عن هذه اللَّفظة بغيرها، فواللهِ إنَّها لَأَقبحُ مِنْ شوكةٍ في العين وشجًى في الحَلْقِ، وحاشا التَّكاليفَ أنْ تُوصَفَ بِخِسَّةٍ أو تلحقَها خسَّةٌ، وإنَّما هي قُرَّةُ عينٍ وسرورُ قلبٍ وحياةُ روحٍ، صَدَرَ التَّكليفُ بها عن حكيمٍ حميدٍ، فهي أشرفُ ما وصل إلى العبد مِن ربِّه، وثوابُه عليها أشرفُ ما أعطاه اللهُ للعبد، نَعَمْ، لو قال: يطوي ثِقَلَ التَّكاليف ويخفِّف أعباءَها ونحو ذلك فلعلَّه كان أَوْلى، ولولا مَقامُهُ في الإيمان والمعرفةِ والقيام بالأوامر لَكُنَّا نُسيءُ به الظَّنَّ»».
ثمَّ قال ـ هداه الله ـ: «انظروا الكيلَ بمكيالين، هذه الكلمةُ لو قالها ابنُ عربيٍّ ماذا يحكمون عليه؟ لو قالها الجنيد؟ لو قالها مالكٌ؟ لو قالها الشافعيُّ؟ واللهِ يكفِّرونه ويخرجونه مِن الملل كلِّها، وليس مِن الملَّة فقط، ماذا لو قالها أبي [كذا] حامدٍ الغزَّالي؟ ماذا لو قالها سَرِيٌّ السَّقَطيُّ؟ ماذا لو قالها إبراهيم بنُ الأدهم؟ ماذا لو قالها القاضي عياضٌ؟ ...لماذا لا تعمِّمون حُسْنَ الظنِّ على كلِّ العلماء كما أحسنتم الظنَّ بمن يتَّهم التكاليفَ بأنها خسيسةٌ؟ أحسِنُوا الظنَّ بغيره، وكفى اللهُ المسلمين القتالَ، احْمِلوا كلامَ الصوفية على المحامل الحسنة».
الجواب:
التحقيق في نسبة القول بِخِسَّة التكاليف الشرعية:

ادِّعاء المُحاضِر المتعالم بأنَّ السلفيِّين يتَّهمون الصوفيةَ بالقول بسقوط التكاليف عنهم، ونسبتُه التمسُّكَ بالسنَّة للمتصوِّفة كلامٌ عارٍ عن الدليل، بعيدٌ عن الواقع بعدًا ظاهًرا، فبدعةُ «سقوط التكليف» حقيقةٌ مسطَّرةٌ في كُتُب القوم، لا ينكرها إلَّا جاحدٌ أو مكابرٌ، ولِشدَّة نكير العلماء عليهم سلفًا وخَلَفًا دلَّس المُحاضِرُ البارع في التمويه والتدليس على السامعين محاولًا تخفيفَ قُبحها وألمِها عليهم بنسبتها للسلفية على أنها تهمةٌ منهم للصوفية ـ وهم منها بريئون ـ، ولتجلية حقيقة الأمر وكشفِ إفك المُحاضِر المغالط نسوق بعضَ النقول عن أعيانهم ورؤوسهم:
قال أبو يزيد البسطاميُّ: «لم أرَ الصلاةَ إلَّا نَصَبَ البدن ولا مِن الصوم إلَّا جوعَ البطن»، ويقول: «ليس أفضل للرجل مِن أن يكون بلا شيءٍ، بلا زهدٍ ولا علمٍ ولا عملٍ، فإنه إذا كان بلا شيءٍ كان له كلُّ شيءٍ»، ويقول: «عجبتُ ممَّن عرف اللهَ كيف يعبده»(١).
وقال أحمد بن عطاءٍ مِن مشايخ الصوفية: «العارف لا تكليفَ عليه»(٢).
وقد جرَّتهم نظرتُهم الاحتقارية للتكاليف الشرعية إلى ارتكاب المحارم والولوجِ في المُوبِقات المُهْلِكات، قال مؤسِّس الطريقة البرهانية محمَّد عثمان عبده البرهاني: «المجاذيب(٣) لا يصلُّون ولا يصومون، ويشربون الخمرَ، لكنَّهم أولياء، والمسلم والكافر وإبليس عندهم واحدٌ، وهؤلاء المجاذيبُ يرَوْن العالَمَ كلَّه بإنسه وجنِّه ودوابِّه، فهُم يُغيثون الناسَ ويرسلون الملائكةَ لدفعِ الأذى عنهم، ويرسلون الأرزاقَ إلى الحيَّات والعقارب في أوكارها، لذلك هم لا يصلُّون بسبب مشاغلهم الكثيرة، فلا وقت عندهم للصلاة، وعندما يتعاطَوْن الخمورَ والمريسة فلا حسابَ عليهم، وهُم يروِّجون السفاهاتِ لأنهم لا يعصون اللهَ ما أمرهم، والأرضُ لا تقف إذا عُدِم المجاذيبُ فيها»(٤).
وسندُ القول بسقوط التكاليف الشرعية نابعٌ مِن خلطهم بين الإرادة الكونية والشرعية، وراجعٌ كذلك إلى خزعبلات الكشف(٥) ودعاوى الاتِّصال(٦) وعقيدةِ الحلول والاتِّحاد التي رسم معالمَها وشيَّد أُسُسَها مُحيي الدين بنُ عربيٍّ القائلُ:

العَبْدُ رَبٌّ وَالرَّبُّ عَبْدٌ * يَا لَيْتَ شِعْرِي مَنِ المُكَلَّفْ
إِنْ قُلْتَ: عَبْدٌ؛ فَذَاكَ رَبٌّ * أَوْ قُلْتَ: رَبٌّ؛ أَنَّى يُكَلَّفْ؟(٧)
فلمَّا صيَّر وجودَ الربِّ هو عينَ وجود العبد؛ أنتج مِن ذلك أنْ لا أحدَ يكلِّف الآخَرَ فعطَّل العبودية واستغنى عنها، وصاروا مِن أشرِّ الطوائف وأفسدِ الملل.
قال ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: «فهؤلاء المتصوِّفون الذين يَشْهَدون الحقيقةَ الكونية مع إعراضهم عن الأمر والنهي: شرٌّ مِن القدرية المعتزلة ونحوِهم: أولئك يُشْبِهون المجوسَ وهؤلاء يُشبهون المشركين الذين قالوا: ﴿لَوْ شَاءَ اللهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ﴾ [الأنعام: ١٤٨]، والمشركون شرٌّ مِن المجوس»(٨).
وهم ـ بزندقتهم هذه ـ يدَّعون ـ بلسان حالهم ـ لأنفسهم مقامًا لم يَنَلْه الأنبياءُ والمرسلون وخيارُ الصحابة وأفاضلُهم المبشَّرون بالجنان، وما نُقِل عن واحدٍ منهم الفتورُ أو التقصير، وما زادهم التبشيرُ إلَّا اجتهادًا في العمل ومداومةً على الصالحات؛ لإيقانهم أنه لا أسمى للمكلَّف ولا أرفع له مِن أن يعيش عبدًا لربِّه: يأمرُه فيأتمر وينهاه فينتهي، ويقدِّم محابَّ ربِّه على محابِّه وما يهواه.
قال ابن القيِّم ـ رحمه الله ـ: «ومَن زعم أنه يصل إلى مقامٍ يسقط عنه فيه التعبُّدُ؛ فهو زنديقٌ كافرٌ بالله وبرسوله، وإنما وصل إلى مقام الكفر بالله والانسلاخِ مِن دينه، بل كلَّما تمكَّن العبدُ في منازل العبودية كانت عبوديتُه أَعْظَمَ، والواجبُ عليه منها أكبرَ وأكثر مِن الواجب على مَن دونه، ولهذا كان الواجب على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بل على جميع الرسل أعظمَ مِن الواجب على أممهم، والواجب على أولي العزم أعظمَ مِن الواجب على مَن دونهم، والواجب على أولي العلم أعظمَ مِن الواجب على مَن دونهم، وكلُّ أحدٍ بحسب مرتبته»(٩).
تفنيد نسبة القول بِخِسَّة التكاليف الشرعية للسلفية:

قوله: «إنَّ السلفية يُطلقون على الصلاة والزكاة والحجِّ: التكاليفَ الخسيسة» هو مِن أعظمِ البهتان ومِن أخسِّ صور التدليس، حيث إنَّ العبارة التي نقلها عن الإمام أبي إسماعيل الهرويِّ ـ رحمه الله ـ مستدِلًّا بها على بهتانه في حقِّ السلفيِّين ممَّا انفرد بها الهرويُّ ـ رحمه الله ـ ولم يُقِرَّه عليها أئمَّةُ العلم ومشايخُ الدعوة، فتعقَّبه ابن القيِّم ـ رحمه الله ـ منتقِدًا له كما سَلَف في النقل عنه، وانتقده ابن تيمية ـ رحمه الله ـ بقوله: «وقد ذكر في كتابه «منازل السائرين» أشياءَ حسنةً نافعةً وأشياءَ باطلةً»(١٠)، وقال الإمام الحافظ شمس الدين الذهبيُّ ـ رحمه الله ـ: «فيا ليته لا ألَّف كتاب «المنازل» ففيه أشياءُ منافيةٌ للسلف وشمائلِهم»(١١).
فتعبيرُ الهرويِّ ـ رحمه الله ـ عن التكاليف الشرعية بأنها خسَّةٌ هفوةٌ منه ـ غفر الله له ـ، مخالِفةٌ للسلف وشمائلهم، فكيف يُعاب السلفيةُ بأمرٍ لم يُقِرُّوه؟ قال ابن القيِّم ـ رحمه الله ـ: «ومَن له علمٌ بالشرع والواقع يعلم قطعًا أنَّ الرجل الجليل الذي له في الإسلام قدمٌ صالحٌ وآثارٌ حسنةٌ وهو مِن الإسلام وأهله بمكانٍ قد تكون منه الهفوةُ والزلَّةُ هو فيها معذورٌ بل ومأجورٌ لاجتهاده؛ فلا يجوز أن يُتَّبع فيها، ولا يجوز أن تُهْدَر مكانتُه وإمامته ومنزلته مِن قلوب المسلمين»(١٢).
وممَّا يدلُّ على تعظيم السلفية للتكاليف الشرعية اتِّفاقُ كلمتهم على أنَّ الأعمال داخلةٌ في حقيقة الإيمان ومسمَّاه، وأنَّ ترك جنس العمل يزيل أصلَ الإيمان، قال ابن القيِّم ـ رحمه الله ـ: «فمَن لم يَرَ القيامَ بالفرائض ـ إذا حصلت له الجمعيةُ ـ فهو كافرٌ منسلِخٌ مِن الدين، ومَن عطَّل لها مصلحةً راجحةً ـ كالسنن الرواتب، والعلمِ النافع، والجهادِ، والأمرِ بالمعروف والنهي عن المنكر، والنفعِ العظيم المتعدِّي ـ فهو ناقصٌ»(١٣).
كما أنَّ المصنَّفاتِ السلفيةَ في تعظيم التكاليف الشرعية دليلٌ آخَرُ على بطلان ما نَسَبه إليهم المُحاضِرُ، ومِن أمثلة ذلك:
ـ كتاب «تعظيم قَدْر الصلاة» للإمام أبي عبد الله محمَّد بن نصرٍ المروزيِّ في مجلَّدين.
ـ وكتاب «الصلاة وحكم تاركها» للعلَّامة ابن القيِّم ـ رحمه الله ـ في مجلَّدٍ.
ـ و«آداب المشي إلى الصلاة»، و«شروط الصلاة وأركانها»، و«منسك الحجِّ» ثلاثتها لشيخ الإسلام الإمام المجدِّد محمَّد بن عبد الوهَّاب ـ رحمه الله ـ.
ـ و«صفة صلاة النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم مِن التكبير إلى التسليم كأنك تراها» للمحدِّث الفقيه: محمَّد ناصر الدين الألباني ـ رحمه الله ـ في ثلاث مجلَّداتٍ. وله في «مناسك الحجِّ» مؤلَّفٌ.
ولا زال العلماء على منوالِ مَن سبقهم يسيرون، وعلى منهجهم مِن تعظيم التكاليف الشرعية يحرصون وفيه يؤلِّفون، وما ذُكِر هو مِن باب المثال لا الحصر.
هذا، والمُحاضِر المسكين يجهل أنَّ هذا النقلَ مِن «منازل السائرين» يضاف إلى سجلِّ الصوفية وانحرافهم، فإنه لأجلِ ما وقع فيه ـ أي: «منازل السائرين» ـ مِن زلَّاتٍ سلوكيةٍ ومزالقَ تتوافق ومسلكَ الصوفية نسبوه إليهم تمسُّكًا واعتمادًا، قال الذهبي: «ورأيتُ أهلَ الاتِّحاد (يعني: الصوفيةَ القائلين بوحدة الوجود) يعظِّمون كلامَه في «منازل السائرين» ويدَّعون أنه موافِقُهم ذائقٌ لوَجْدِهم ورامزٌ لتصوُّفهم الفلسفيِّ»(١٤)، فخِسَّةُ التكاليف الشرعية مِن مزاعم الصوفية وضلالاتهم لا مِن مقالات السلفية.
حسن الظنِّ لمن هو أهلُه:

وأمَّا قول المُحاضِر المتلاعب: «انظروا الكيلَ بمكيالين، هذه الكلمة لو قالها ابنُ عربيٍّ ماذا يحكمون عليه؟..» إلخ فغايةٌ في الخلط ونهايةٌ في الخبط، فكيف يستقيم نظمُ مَن عُرِف بالسنَّة والجهاد في سبيلها كالإمام مالكٍ والشافعيِّ ـ رحمهما الله ـ بمن عُرِف بالبدعة والاستماتة في الانحراف كابن عربيٍّ الذي «كلامُه دائرٌ على الوحدة المطلقة، وهي: أنه لا شيء سوى هذا العالَم، وأنَّ الإله أمرٌ كلِّيٌّ لا وجود له إلَّا في ضمن جزئيَّاته، ثمَّ إنه يسعى في إبطال الدين مِن أصله بما يَحُلُّ به عقائدَ أهله؛ .. وهذا يحطُّ ـ عند مَن له وعيٌ ـ على اعتقاد: أنه لا إله أصلًا»(١٥).
ضمن صفٍّ واحدٍ؟! وزيادةً في التضليل ذَكَر المتلاعبُ أسماءَ أعلامٍ لبعضهم كلامٌ ظاهرُه يوافق ما عليه المتصوِّفةُ ولذلك ينسبونهم إلى طريقتهم، كأبي حامدٍ الغزَّاليِّ ـ رحمه الله ـ، فقد كان مِن أذكياء العالَم متفنِّنًا في العلوم، ولكنَّه أُتِي مِن قِبَل عدم تنشئته على منهج أهل الحديث، فتشرَّب مسلكَ أهل الكلام منذ صغره إلى أن منَّ اللهُ عليه بالنور فأبصر خطأَ سيره، واستدرك بعضَ ما فاته بمؤلَّفٍ سمَّاه: «تهافت الفلاسفة»، يقول عنه ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: «وفي آخر عمره اشتغل بالحديث: بالبخاريِّ ومسلمٍ»(١٦)، ولكنَّ الوقت لم يُسعفه ليتخلَّص مِن التلوُّث الذي عَلِق به، قال أبو بكر بنُ العربيِّ المالكيُّ: «شيخنا أبو حامدٍ بَلَع الفلاسفةَ وأراد أن يتقيَّأهم فما استطاع»(١٧).
وجديرٌ بالتنبيه أنَّ العبرة في إحسان الظنِّ بسيرة القائل ومسيرته، فمَن أفنى عُمُرَه في بيان حقيقة الإسلام ودعوة الرسل، واجتهد في صفائه؛ يُحْمَلُ كلامُه المُجانبُ للصواب أحسنَ المحامل ويُتأوَّل له وجهٌ سليمٌ يحتمله كلامُه، وإلَّا رُدَّ بأدبٍ يليق بمكانته العلمية، خلافًا لمن عُلِم منه الانحرافُ عن الصراط السويِّ وعُرِف بالمخالفة وجعلها سمةً بارزةً لدعوته، فيُعامَل بما يليق به مِن الردِّ والتحذير، يقول ابن القيِّم ـ رحمه الله ـ: «والكلمة الواحدة يقولها اثنان، يريد بها أحدُهما أعظمَ الباطل، ويريد بها الآخَرُ محضَ الحقِّ، والاعتبارُ بطريقة القائل وسيرته ومذهبه، وما يدعو إليه ويناظر عليه»(١٨)، تحقيقًا للعدل المأمورِ به شرعًا، وعملًا بقوله ـ تعالى ـ: ﴿وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا﴾ [الأعراف: ٥٨]، وفي حديث عائشة رضي الله عنها، قالت: تلا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم هذه الآية: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ [آل عمران: ٧] قالت: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «فَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ سَمَّى اللهُ فَاحْذَرُوهُمْ»(١٩)، فأرشد صلَّى الله عليه وسلَّم إلى معاملتهم بما يستحقُّون لأنهم ليسوا أهلًا لحُسْن الظنِّ بهم، وكيف يُظَنُّ الحسنى بمن يشوِّه صورةَ الإسلام بالبدع ويكدِّر صفاءَه؟!
وهكذا تَعَامَل ابنُ القيِّم مع كلام الإمام الهرويِّ ـ رحمهما الله ـ حيث راعى جهادَه في الحقِّ ومواقفَه في ردِّ الباطل وشدَّتَه على المبتدعة مِن الجهمية والمعتزلة وعلماء الكلام والفلاسفة، قال عنه: «وكان شيخ الإسلام ـ قدَّس الله روحَه ـ راسخًا في إثبات الصفات، ونفيِ التعطيل ومعاداةِ أهله، وله في ذلك كتبٌ مثل: كتاب «ذمِّ الكلام» وغيرِ ذلك ممَّا يخالف طريقةَ المعطِّلة والحلولية والاتِّحادية»(٢٠)، ومِن ميزات المنهج السلفيِّ أنه يقبل الحقَّ ممَّن قاله، ويردُّ الباطلَ على مَن قاله.
قال الحافظ الذهبي ـ رحمه الله ـ: «ثمَّ إنَّ الكبيرَ مِن أئمَّةِ العلمِ إذا كَثُرَ صوابُه، وَعُلِمَ تحرِّيه للحقِّ، واتَّسع علمُه، وظَهَرَ ذكاؤه، وعُرِف صلاحُه ووَرَعُه واتِّباعُه؛ يُغْفَرُ له زَلَلُهُ، ولا نضلِّله ونطرحه وننسى مَحَاسِنَه، نعم، ولا نقتدي به في بدعته وخَطَئِه، ونرجو له التوبةَ مِنْ ذلك»(٢١).
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا.


(١) انظر: «المجموعة الكاملة لأبي يزيد البسطامي» (٥٢، ٥٣، ٥٩).

(٢) «الطبقات الكبرى» للشعراني (١/ ٩٦)، وانظر «جهود علماء السلف في القرن السادس الهجري في الردِّ على الصوفية» لمحمَّد الجوير (٣٩٢).

(٣) الجذب لغة: القطع. قال ابن فارسٍ: «الجِيمُ والذَّالُ والباءُ أصلٌ واحدٌ يدلُّ على بَتْرِ الشيء» [«مقاييس اللغة» (١/ ٤٤٠)]، وفي اصطلاح المتصوِّفة: هو جذبُ الله ـ تعالى ـ عبدًا إلى حضرته، وهو يقابل «السالك» الذي يقطع الطريقَ بالمجاهدة والرياضة [انظر: «كشَّاف اصطلاحات الفنون» للتهانوي (١/ ٩٧٠)].

(٤) مِن كتاب «علِّموا عنِّي» لمحمَّد عثمان عبده البرهاني (١/ ٦٠ ـ ٦٧).

(٥) عرف الغزَّاليُّ الكشفَ بقوله: «أن يرتفع الغطاءُ حتَّى تتَّضح له جليَّةُ الحقِّ في هذه الأمور اتِّضاحًا يجري مجرى العيان الذي لا يشكُّ فيه» [انظر: «إحياء علوم الدين» (١/ ٢٠)]. وقال الجرجانيُّ في «التعريفات» (١٨٤) عن الكشف في الاصطلاح بأنه: «هو الاطِّلاع على ما وراء الحجاب مِن المعاني الغيبية والأمورِ الحقيقية وجودًا وشهودًا».

(٦) يُعرِّف الصوفيةُ الاتِّصال بعدَّة تعريفاتٍ منها قولُهم: «هو مكاشفات القلوب ومشاهداتُ الأسرار». أو هو «أن لا يشهد العبدُ غيرَ خالقه ولا يتَّصل بسرِّه خاطرٌ لغير صانعه». وقال بعضهم: «الاتِّصال: اتِّصال المدد الوجوديِّ وتجلِّي الرحمن على العبد».

(٧) «الفتوحات المكِّية» لابن عربي (٢/ ١)

(٨) «مجموع الفتاوى» (٣/ ١٠٤).

(٩) «مدارج السالكين» (١/ ١١٧).

(١٠) «منهاج السنَّة» لابن تيمية (٥/ ٣٤٢).

(١١) «مختصر العلوِّ» (٢٧٨).

(١٢) «أعلام الموقِّعين» (٣/ ٢٢٠).

(١٣) «مدارج السالكين» (٣/ ١١٢).

(١٤) «تذكرة الحفَّاظ» للذهبي (٣/ ٢٤٩).

(١٥) «تنبيه الغبيِّ إلى تكفير ابن عربيٍّ» للبقاعي (١٩).

(١٦) «منهاج السنَّة» (٥/ ٢٦٩).

(١٧) انظر: «سير أعلام النبلاء» للذهبي (١٤/ ٢٦٩).

(١٨) «مدارج السالكين» (٣/ ٤٨١).

(١٩) أخرجه البخاري (٤٥٤٧).

(٢٠) انظر: «مدارج السالكين» (٣/ ٤٨١).

(٢١) «سير أعلام النبلاء» (٩/ ٣٢٥).













رد مع اقتباس
قديم 2015-01-05, 20:55   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
miramer
عضو محترف
 
الصورة الرمزية miramer
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

الردُّ العلمي
على شبهات «شمس الدين بوروبي»
الشبهة الثالثة: نسبة ادِّعاء علم الغيب لابن تيمية ـ رحمه الله ـ


قال المُحاضِر ـ هداه الله ـ: «اتَّهَموا الصوفيةَ بالغلوِّ في رسول الله ثمَّ سقطوا في بدعة الجفاء، ثمَّ سقطوا في بدعة الغلوِّ في ابن تيمية، اسمعوا جيِّدًا يا جماعة «مدارج السالكين» ... ها هو كتاب «مدارج السالكين»، أَنْكَروا على الإمام البوصيري أن يقول لرسول الله:

وَمِنْ عُلُومِكَ عِلْمُ اللَّوْحِ وَالقَلَمِ
اسمعوا ماذا يقول ابن القيِّم في «مدارج السالكين»، الكتاب موجودٌ، لست أنا الذي ألَّفتُه ولست أنا الذي أنشرُه بين المسلمين، يقول عن ابن تيمية: «ولقد شاهدتُ مِن فراسة شيخ الإسلام ابن تيميَّة ـ رحمه الله ـ أمورًا عجيبةً، وما لم أشاهده منها أعظمُ وأعظمُ، ووقائعُ فراسته تستدعي سِفْرًا ضخمًا، أخبر أصحابَه بدخول التَّتار الشَّامَ سنةَ تسعٍ وتسعين وستِّمائةٍ، وأنَّ جيوش المسلمين تُكْسَرُ، وأنَّ دمشق لا يكون بها قتلٌ عامٌّ ولا سبيٌ عامٌّ، وأنَّ كَلَبَ الجيشِ وحِدَّتَه في الأموال، وهذا قبل أن يَهُمَّ التَّتارُ بالحركة. ثمَّ أخبر النَّاسَ والأمراءَ سنةَ اثنتين وسبعمائةٍ لمَّا تحرَّك التَّتارُ وقصدوا الشَّامَ: أنَّ الدَّائرةَ والهزيمةَ عليهم، وأنَّ الظَّفَرَ والنَّصرَ للمسلمين، وأقسم على ذلك أكثرَ مِن سبعين يمينًا، فيقال له: «قُلْ: إن شاء الله»، فيقول: «إن شاء الله تحقيقًا لا تعليقًا» [هذا رجلٌ يزعم أنَّ شيخَه يعلم الغيبَ ويعلم أنَّ التتار سيدخلون إلى البلاد الإسلامية وأنهم سينتصرون وأنهم سيُكْسَرون في بعض المعارك...]، وسمعتُه يقول ذلك، قال: «فلمَّا أكثروا عليَّ قلت: لا تُكْثِروا [ماذا قال؟ اسمعوا جيِّدًا] كَتَبَ اللهُ ـ تعالى ـ في اللَّوح المحفوظ [هل يجوز لمسلمٍ أن يدَّعيَ الغيبَ ثمَّ يزعمَ أنَّ الله كتبه في اللوح المحفوظ؟ هل هذا معصومٌ؟ هل أوحى الله إليه؟ أوحِيَ بعد رسول الله؟] أنَّهم مهزومون في هذه الكرَّة، وأنَّ النَّصر لجيوش الإسلام. قال: وأطمعَتْ بعضَ الأمراء والعسكر حلاوةُ النَّصر قبل خروجهم إلى لقاء العدوِّ»».
ماذا نسمِّي هذا؟ ينكرون على رسول الله أن يُطلعه على بعض غيبه، ولكنَّهم لا ينكرون على مشايخهم ادِّعاءَ الغيب».
الجواب:
زعمُ المُحاضِر المراوغ أنَّ ابنَ القيِّم يدَّعي في ابن تيمية ـ رحمهما الله ـ اطِّلاعَه على الغيب زعمٌ باطلٌ مُنمٌّ عن جهلٍ عريضٍ بحقائق الأمور ووجهِ التفريق بينها، فعدمُ معرفة المُحاضِر ـ هداه الله ـ الفرقَ بين ماهية الأشياء أنتج له ظلمًا لهذين العَلَمين ـ رحمهما الله ـ وتجنِّيًا على السلفية، والحقُّ أنه جنى على نفسه إذ نصَّبها ناقدةً وحاكمةً على الغير، وهو فاقدٌ للميزان الذي يميِّز به الاختلافَ الحاصل بين حقيقة «الغيب»، و«الإلهام» و«الفراسة» لقِصَرٍ في الفهم وطول باعٍ في الجهل، فتمسَّك بالقَدْر المشترَك بينها وألغى الخصائصَ الفارقة لها، وأعطى حقائقَ كلِّ نوعٍ للآخَرِ(١).
وسنسوق كلامَ ابن القيِّم بتمامه ونبيِّن وَهَاءَ ما دندن حوله المُحاضِر، يقول ابن القيِّم ـ رحمه الله ـ: «ولقد شاهدتُ مِن فراسة شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ أمورًا عجيبةً، وما لم أشاهده منها أعظمُ وأعظمُ، ووقائع فراسته تستدعي سِفْرًا ضخمًا، أخبر أصحابَه بدخول التتار الشامَ سنة تسعٍ وتسعين وستِّمائةٍ، وأنَّ جيوشَ المسلمين تُكسر، وأنَّ دمشق لا يكون بها قتلٌ عامٌّ ولا سبيٌ عامٌّ، وأنَّ كَلَب الجيش وحِدَّته في الأموال، وهذا قبل أن يَهُمَّ التتارُ بالحركة، ثمَّ أخبر الناس والأمراء سنةَ اثنتين وسبعمائةٍ لمَّا تحرَّك التتارُ وقصدوا الشامَ: أنَّ الدائرة والهزيمة عليهم، وأنَّ الظفر والنصر للمسلمين، وأقسم على ذلك أكثرَ مِن سبعين يمينًا، فيقال له: «قل: إن شاء الله»، فيقول: «إن شاء الله تحقيقًا لا تعليقًا»، وسمعتُه يقول ذلك، قال: «فلمَّا أكثروا عليَّ قلت: لا تُكْثِروا، كتب الله ـ تعالى ـ في اللوح المحفوظ أنهم مهزومون في هذه الكرَّة وأنَّ النصر لجيوش الإسلام. قال: وأطمعَتْ بعضَ الأمراء والعسكر حلاوةُ النصر قبل خروجهم إلى لقاء العدو». وكانت فراستُه الجزئية في خلال هاتين الواقعتين مثل المطر، ولمَّا طُلِب إلى الديار المصرية وأريد قتلُه ـ بعدما أُنضجت له القدورُ، وقُلِّبت له الأمورُ ـ اجتمع أصحابُه لوداعه وقالوا: «قد تواترت الكتبُ بأنَّ القوم عاملون على قتلك»، فقال: «واللهِ لا يَصِلُون إلى ذلك أبدًا»، قالوا: «أفتُحْبَس؟» قال: «نعم، ويطول حبسي، ثمَّ أُخْرَج وأتكلَّم بالسنَّة على رءوس الناس»، سمعتُه يقول ذلك. ولمَّا تولَّى عدوُّه الملقَّب بالجاشنكير المُلْكَ أخبروه بذلك وقالوا: «الآن بلغ مرادَه منك»، فسجد لله شكرًا وأطال، فقيل له: «ما سبب هذه السجدة؟» فقال: «هذا بداية ذلِّه ومفارقةِ عزِّه مِن الآن، وقربُ زوال أمره»، فقيل: «متى هذا؟» فقال: «لا تُرْبَط خيولُ الجند على القرط حتى تُغْلَب دولتُه»، فوقع الأمرُ مثل ما أخبر به، سمعتُ ذلك منه. وقال مرَّةً: «يدخل عليَّ أصحابي وغيرُهم، فأرى في وجوههم وأَعْيُنِهم أمورًا لا أذكرها لهم»، فقلت له ـ أو غيري ـ: «لو أخبرتَهم؟» فقال: «أتريدون أن أكون معرِّفًا كمعرِّف الولاة؟» وقلت له يومًا: «لو عامَلْتَنا بذلك لَكان أدعى إلى الاستقامة والصلاح»، فقال: «لا تصبرون معي على ذلك جمعةً، أو قال: شهرًا». وأخبرَني غيرَ مرَّةٍ بأمورٍ باطنةٍ تختصُّ بي ممَّا عزمتُ عليه ولم ينطق به لساني، وأخبرَني ببعض حوادثَ كبارٍ تجري في المستقبل ولم يعيِّن أوقاتَها، وقد رأيتُ بعضَها وأنا أنتظر بقيَّتَها، وما شاهده كبارُ أصحابه مِن ذلك أضعافُ أضعافِ ما شاهدتُه. والله أعلمُ»(٢).
إخبارُ ابن تيمية ـ رحمه الله ـ عن بعض وقائع الحرب مع التتار هو مِن باب الإلهام الذي يخصُّ به اللهُ ـ سبحانه ـ مَن يشاء مِن خَلْقه، وقد جاء في الحديث قولُه صلَّى الله عليه وسلَّم: «إِنَّهُ قَدْ كَانَ فِيمَا مَضَى قَبْلَكُمْ مِنَ الأُمَمِ مُحَدَّثُونَ، وَإِنَّهُ إِنْ كَانَ فِي أُمَّتِي هَذِهِ مِنْهُمْ فَإِنَّهُ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ»(٣)، قال سفيان: «المُحَدَّثُ أَعْلَمُهُمْ بِالصَّوَابِ الَّذِي يُلْقَى عَلَى فِيهِ»(٤)، وقال ابن الأثير: «أراد بقوله: محدَّثون: أقوامًا يصيبون إذا ظنُّوا وحدَسُوا، فكأنهم قد حُدِّثوه بما قالوا، وقد جاء في الحديث تفسيرُه: «أنهم مُلْهَمُون» والمُلْهَم: الذي يُلْقَى في نفسه الشيءُ، فيُخْبِر به حَدْسًا وظَنًّا وفراسةً، وهو نوعٌ يختصُّ اللهُ به مَن يشاء مِن عباده الذين اصطفى، مثل عمر رضي الله عنه»(٥).
وجزمُه ـ رحمه الله ـ بالنصر لجيش المسلمين والكسرِ للأعداء بناءً على وعد الله ـ سبحانه ـ لعباده المتَّقين حين تحقيقهم شروطَ النصر وطرحِهم موانعَه بالظفر والنصر، قال ابنُ كثيرٍ ـ رحمه الله ـ: «وكان يَتأوَّلُ في ذلك أشياءَ مِن كتاب الله منها قولُه ـ تعالى ـ: ومَن ﴿بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللهُ﴾ [الحج: ٦٠]»(٦)، ذلك لأنَّ المسلمين إنما يستمدُّون قوَّتَهم مِن الله ـ سبحانه ـ، فعند الْتجائهم إلى الله توكُّلًا ورغبةً واستعانةً وقطعِهم الطمعَ فيمن سواه ونصرِهم دينَه بامتثال أوامره والكفِّ عن زواجره يصيرون أهلًا لنصرِ الله لهم، قال ـ تعالى ـ: ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الروم: ٤٧]، والمؤمنون هم: ﴿الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ [الأنفال: ٢]، وقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ [محمَّد: ٧]، وقال: ﴿قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ للهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [الأعراف: ١٢٨]، وقال: ﴿إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ﴾ [النحل: ١٢٨]، وقال: ﴿وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ﴾ [آل عمران: ١٢٠]، وقال: ﴿بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ. وَمَا جَعَلَهُ اللهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾ [آل عمران: ١٢٥ ـ ١٢٦]، وقال: ﴿وَقَالَ اللهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللهَ قَرْضًا حَسَنًا﴾ [المائدة: ١٢]، وقال: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ. وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ﴾ [إبراهيم: ١٣ ـ ١٤]، تلك هي شروطُ النصر التي رآها ابن تيمية ـ رحمه الله ـ متمثِّلةً في جيش المسلمين فجزم بهزيمة عدوِّهم، وقد كانوا مِن قبلُ قد تلبَّسوا بما يمنعهم مِن أن يُكْرِمهم الله بإحدى الحسنيين. ويزيد هذا وضوحًا قولُ ابن تيمية ـ رحمه الله ـ واصفًا الحالَ التي كان عليها المقاتلون للتتار وسببَ تخلُّف النصر عنهم وكيف غيَّر اللهُ حالَهم حين بدَّلوا ما بأنفسهم: «حتَّى إنَّ العدوَّ الخارج عن شريعة الإسلام لمَّا قَدِم دمشق خرجوا يستغيثون بالموتى عند القبور التي يرجون عندها كَشْفَ ضرِّهم، وقال بعضُ الشعراء:
يَا خَائِفِينَ مِنَ التَّتَرْ * لُوذُوا بِقَبْرِ أَبِي عُمَرْ
أو قال:
عُوذُوا بِقَبْرِ أَبِي عُمَرْ * يُنْجِيكُمُ مِنَ الضَّرَرْ
فقلت لهم: هؤلاء الذين تستغيثون بهم لو كانوا معكم في القتال لَانهزموا كما انهزم مَن انهزم مِن المسلمين يوم أُحُدٍ؛ فإنه كان قد قُضي أنَّ العسكر ينكسر لأسبابٍ اقتضت ذلك ولحكمةِ الله ـ عزَّ وجلَّ ـ في ذلك. ولهذا كان أهل المعرفة بالدين والمكاشفة لم يقاتلوا في تلك المرَّة لعدم القتال الشرعيِّ الذي أَمَر اللهُ به ورسولُه، ولِما يحصل في ذلك مِن الشرِّ والفساد، وانتفاءِ النصرة المطلوبة مِن القتال، فلا يكون فيه ثوابُ الدنيا ولا ثوابُ الآخرة لمن عرف هذا وهذا، وإن كان كثيرٌ مِن المقاتلين الذين اعتقدوا هذا قتالًا شرعيًّا أُجِروا على نيَّاتهم.
فلمَّا كان بعد ذلك جعَلْنا نأمر الناسَ بإخلاص الدين لله ـ عزَّ وجلَّ ـ والاستغاثةِ به، وأنهم لا يستغيثون إلَّا إيَّاه، لا يستغيثون بملَكٍ مقرَّبٍ ولا نبيٍّ مرسلٍ؛ كما قال ـ تعالى ـ يوم بدرٍ: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ﴾ [الأنفال: ٩]، ورُوِي أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم كان يوم بدرٍ يقول: «يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ»(٧)، وفي لفظٍ: «أَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ، وَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَلَا إِلَى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِكَ»(٨)، فلمَّا أصلح الناسُ أمورَهم وصدقوا في الاستغاثة بربِّهم نَصَرهم على عدوِّهم نصرًا عزيزًا، ولم تُهزم التتارُ مثلَ هذه الهزيمة قبل ذلك أصلًا؛ لِما صحَّ مِن تحقيق توحيد الله ـ تعالى ـ وطاعةِ رسوله ما لم يكن قبل ذلك؛ فإنَّ الله ـ تعالى ـ ينصر رسولَه والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهادُ»(٩)
فظهر مِن هذا أنَّ ابن القيِّم ـ عليه رحمةُ الله ـ لم يدَّعِ في شيخه معرفةَ الغيب، وأنَّ ابن تيمية حين جزم بالنصر استدلَّ بأحوال المسلمين وصلاحِ عقائدهم وأعمالهم في تحقيق موعود الله الذي لا يُخْلِف وَعْدَه.
وأمَّا قول ابن القيِّم ـ رحمه الله ـ: «وقال مرَّةً: «يدخل عليَّ أصحابي وغيرُهم فأرى في وجوههم وأعينهم أمورًا لا أذكرها لهم»، فقلت له ـ أو غيري ـ: «لو أخبرتَهم؟» فقال: «أتريدون أن أكون معرِّفًا كمعرِّف الولاة؟» وقلت له يومًا: «لو عامَلْتَنا بذلك لَكان أدعى إلى الاستقامة والصلاح»، فقال: «لا تصبرون معي على ذلك جمعةً، أو قال: شهرًا»، وأخبرني غيرَ مرَّةٍ بأمورٍ باطنةٍ تختصُّ بي ممَّا عزمتُ عليه ولم ينطق به لساني» فهو مِن باب الفراسة وهي على نوعين: الأوَّل: وهو ما يُوقِعه اللهُ ـ تعالى ـ في قلوب أوليائه، فيعلمون أحوالَ بعض الناس بنوعٍ مِن الكرامات وإصابة الظنِّ والحدس، والثاني: نوعٌ يُتعلَّم بالدلائل والتجارب والخلق والأخلاق، فتُعرف به أحوالُ الناس(١٠).
فعلى النوع الأوَّل: هي ضربٌ مِن ضروبِ الإلهام يهجم على القلب، ويَثِبُ عليه كوثوبِ الأسد على الفريسة يَرِدُ على حسب قوَّة الإيمان، فمَن كان أقوى إيمانًا فهو أحدُّ فراسةً، وعلى النوع الثاني: فَطُولُ مصاحبةِ تلامذة ابن تيمية ـ رحمه الله ـ له، ومعرفتُه بسلوكياتهم الظاهرة وخبرتُه بهم، مع ما يحدث غالبًا مِن تحديثهم لشيخهم عن بعض أسرارهم قَصْدَ الاستنصاح، أثمر له حدسًا وظنًّا بما في بواطنهم استدلالًا بما يظهر على تقاسيم وجوههم، وحركاتِ أجسامهم، وخطفاتِ نظراتهم، وليس هذا مِن قبيل ادِّعاء علمِ الغيب ألبتَّةَ(١١)، بل حدسٌ وظنٌّ مبنيٌّ على القرائن وشواهدِ الأحوال وقضايا العادات، شأنُه شأنُ توقُّعات الأحوال الجوِّيَّة القائمة على دراساتٍ معيَّنةٍ واستدلالٍ بالنظائر والتجارب، لا مدخل له في ادِّعاء علم الغيب.
تفنيد فرية اطِّلاع ابن تيمية على اللوح المحفوظ:

وأمَّا زعمُ المُحاضِر أنَّ ابن تيمية ـ رحمه الله ـ يدَّعي اطِّلاعَه على اللوح المحفوظ بناءً على ما قاله ابن القيِّم ـ رحمه الله ـ: «وسمِعْتُه يقول ذلك. قال: فلمَّا أكثروا عليَّ قلت: لا تُكْثِرُوا، كتب اللهُ ـ تعالى ـ في اللَّوح المحفوظ أنَّهم مهزومون في هذه الكرَّة وأنَّ النَّصر لجيوش الإسلام».
فليس في هذا الكلام أدنى مسكةٍ لاتِّهام ابن تيمية بادِّعاء اطِّلاعه على اللوح المحفوظ؛ لأنَّ ثمَّةَ فرقًا واضحًا بين قول: «أطَّلِعُ على اللوح المحفوظ» أو «أعلمُ ما في اللوح المحفوظ» وبين قول: «كتب اللهُ ـ تعالى ـ في اللَّوح المحفوظ كذا» لاسيَّما وأنَّ ابن تيمية ـ رحمه الله ـ قد صرَّح في أكثرَ مِن موضعٍ مِن كُتُبه ومصنَّفاته بعباراتٍ وجملٍ لا تحتمل التأويلَ بأنَّ معتقَدَه الذي يَدين الله به أنْ لا أحدَ يطَّلع على اللوح المحفوظ إلَّا اللهُ ـ سبحانه ـ، ومِن ذلك قولُه ـ رحمه الله ـ: «فإن قيل: هم يذكرون لمعرفة النبيِّ بالغيب سببًا آخَرَ وهو أنهم يقولون: إنَّ الحوادث التي في الأرض تعلمها النفسُ الفلكية ويسمِّيها مَن أراد الجمعَ بين الفلسفة والشريعة باللوح المحفوظ كما يوجد في كلام أبي حامدٍ ونحوِه، وهذا فاسدٌ فإنَّ اللوح المحفوظ الذي وردت به الشريعةُ «كَتَبَ اللهُ فِيهِ مَقَادِيرَ الخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ» كما ثبت ذلك في الصحيح عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، واللوحُ المحفوظ لا يطَّلع عليه غيرُ الله»(١٢).
وأمَّا ما جزم به ـ رحمه الله ـ مِن أنَّ الله كتب في اللوح المحفوظ أنهم منصورون فبناءً على ما مضى مِن دلائل الحال مستمَدَّةً مِن نصوصٍ قرآنيةٍ سبق ذكرُ جملةٍ منها.
إثبات أنَّ الصوفية يدَّعون الاطِّلاعَ على اللوح المحفوظ:

ما اتَّهم به المُحاضِرُ ابنَ تيمية ـ رحمه الله ـ والسلفيةَ هو ـ في حقيقة الأمر ـ واقعُ الصوفية، ويصدق عليه المثلُ القائل: «رَمَتْني بدائها وانسلَّتْ»، وهذه بعضُ النقول مِن كتبهم تبيِّن أنَّ جملةً كبيرةً مِن مشايخهم يدَّعون الاطِّلاعَ على اللوح المحفوظ:
ـ يقول الشعراني ـ ذاكرًا أولياءَ الصوفية ـ: «ومنهم الشيخ جاكير رضي الله تعالى عنه هو مِن أكابر المشايخ، وأعيانِ العارفين المقرَّبين، وأئمَّة المحقِّقين، وهو أحد أركان هذه الطريقة ... وكان يقول: ما أخذتُ العهدَ قطُّ على مريدٍ حتى رأيتُ اسمَه مكتوبًا في اللوح المحفوظ وأنه مِن أولادي»(١٣).
ـ ويقول أيضًا: «الشيخ العارف بالله ـ تعالى ـ سيدي إبراهيم المسوقي القرشي رضي الله عنه هو مِن أجلَّاء مشايخ الفقراء أصحابِ الخِرَق، وكان مِن صدور المقرَّبين، وكان صاحبَ كراماتٍ ظاهرةٍ ومقاماتٍ فاخرةٍ، ومآثرَ ظاهرةٍ، وبصائرَ باهرةٍ، وأحوالٍ خارقةٍ، وأنفاسٍ صادقةٍ، وهممٍ عاليةٍ... وكان رضي الله عنه يقول: أَشْهَدني اللهُ ـ تعالى ـ ما في العلى وأنا ابنُ ستِّ سنين، ونظرتُ في اللوح المحفوظ وأنا ابن ثمان سنين، وفككتُ طلسم السماء وأنا ابن تسع سنين، ورأيتُ في السبع المثاني حرفًا معجمًا حار فيه الجنُّ والإنسُ ففهمتُه وحمدتُ اللهَ ـ تعالى ـ على معرفته، وحرَّكتُ ما سُكِّن، وسكَّنتُ ما تحرَّك بإذن الله ـ تعالى ـ وأنا ابن أربع عشرة سنةً، والحمد لله ربِّ العالمين»(١٤).
ـ ويقول ـ أيضًا ـ: «وأجرى الله على يدَيْ سيدي إسماعيل الكراماتِ، وكلَّمته البهائمُ، وكان يخبر أنه يرى اللوحَ المحفوظ، ويقول: يقع كذا وكذا لفلانٍ فيجيء الأمرُ كما قال، فأنكر عليه شخصٌ مِن علماء المالكية وأفتى بتعزيره، فبلغ ذلك سيدي إسماعيل فقال: «وممَّا رأيتُه في اللوح المحفوظ أنَّ هذا القاضيَ يغرق في بحر الفرات»، فأرسله ملكُ مصر إلى ملك الإفرنج ليجادل القسِّيسين عندهم، فإنه وَعَد بإسلامه إن قطعهم عالمُ المسلمين بالحجَّة، فلم يجدوا في مصر أَكْثَرَ كلامًا ولا جدلًا مِن هذا القاضي فأرسلوه فغرق في بحر الفرات»(١٥).
ـ ويقول ـ أيضًا ـ عن شيخه شمس الدين الحنفي: «وكان إذا سأله أحدٌ مِن المنكرين عن مسألةٍ أجابه، فإن سأله عن أخرى أجابه حتى يكون المنكر هو التاركَ للسؤال، فيقول الشيخ رضي الله عنه لذلك الشخص: «أمَا تسأل؟ فلو سألتَني شيئًا لم يكن عندي أجبتُك مِن اللوح المحفوظ»»(١٦).
ـ ويقول ـ أيضًا ـ: «ومنهم شيخي وأستاذي سيدي علي الخواص البرلسي رضي الله تعالى عنه ورحمه كان رضي الله عنه أمِّيًّا لا يكتب ولا يقرأ، وكان رضي الله عنه يتكلَّم على معاني القرآن العظيم والسنَّةِ المشرَّفة كلامًا نفيسًا تحيَّر فيه العلماءُ، وكان محلُّ كشفه اللوحَ المحفوظ عن المحو والإثبات، فكان إذا قال قولًا لا بدَّ أن يقع على الصفة التي قال، وكنتُ أُرْسِل له الناسَ يشاورونه عن أحوالهم، فما كان قطُّ يُحْوِجهم إلى كلامٍ، بل كان يخبر الشخصَ بواقعته التي أتى لأجلها قبل أن يتكلَّم فيقول: طَلِّق مثلًا أو شارِكْ أو فارِقْ أو اصبِرْ أو سافِرْ أو لا تسافِرْ، فيتحيَّر الشخص ويقول: مَن أَعْلَمَ هذا بأمري»(١٧).
وأمَّا قول المُحاضِر: «يُنكرون على رسول الله أن يُطلعه على بعض غيبه» فمِن تماديه في الباطل وتوزيعه البهتانَ على الدعوة السلفية جزافًا، فمِن أين له هذا الحكمُ الجائر؟ ويكفي لكشفِ تطاوُله وبيانِ حرمانه مِن العدل المأمورِ به شرعًا خلوُّ كلامه مِن مصادرَ تُثْبِت صحَّتَه ومراجعَ تسند حجَّتَه، ولكن كما قيل:
قَدْ تُنْكِرُ العَيْنُ ضَوْءَ الشَّمْسِ مِنْ رَمَدٍ * وَيُنْكِرُ الفَمُ طَعْمَ المَاءِ مِنْ سَقَمِ
فالرسول صلَّى الله عليه وسلَّم لا يعلم الغيبَ إلَّا ما علَّمه الله، كما قال ـ تعالى ـ: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا. إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا﴾ [الجن: ٢٦ ـ ٢٧]، فقد يُطلع الله أنبياءَه على شيءٍ مِن الغيب مِن أجل إقامة الحجَّة على الخَلْق، وتكون معجزةً لهذا الرَّسول(١٨).
وغيرُ خافٍ على اللبيب تناقُضُ المُحاضِر الحقود، إذ كان قد وجَّه سهامَ النقد مِن قبلُ للسلفية فيما زَعَمه مِن عدم تعميمهم حُسْنَ الظنِّ على كبراء الصوفية وعظمائها، وشدَّد لومَه عليهم حينَ قَصَروه على مَن هُو أهلٌ له، ومنعُوه ممَّن لا يستحقُّه ـ وهو منهم سدٌّ لِبَابِ هدم الدين وأُسُسه بغطاء جيِّد الأدبِ وحسنِه ـ ثمَّ ها هو ذَا يقعُ في شرور صنائعه ـ ولا يحيق المكرُ السيِّئُ إلَّا بأهله ـ فيستثني ـ لشدَّة حنقه ـ ابنَ تيمية وابنَ القيِّم ـ رحمهما الله ـ وجميعَ أعلام السنَّة ممَّا استحسَنه مِن قبلُ ودَعَا إليه مِن تعميم حسن الظنِّ كفًّا للقتال وطرحًا للنزال. وإذِ الحالُ كذلكَ فيُوجَّهُ له السؤالُ نفسُه، ماذا لو قال ابنُ عربيٍّ الكلامَ نفسَه أو البسطاميُّ أو ابنُ الفارض أو العفيف التلمساني؟ فلِمَ لم يُعامِلِ ابنَ تيمية ـ رحمه الله ـ كتعامله مع البوصيري في «بُرْدته» لمَّا لوَّى كلامَه الكفريَّ الباطل وكساهُ ثوبَ الحقِّ بتعسُّفٍ ظاهرٍ وتكلُّفٍ مصطَنعٍ، ولله درُّ القائل:
لَا تَلُمِ المَرْءَ عَلَى فِعْلِهِ * وَأَنْتَ مَنْسُوبٌ إِلَى مِثْلِهِ
مَنْ ذَمَّ شَيْئًا وَأَتَى مِثْلَهُ * فَإِنَّمَا يُزْرِي عَلَى عَقْلِهِ
وآخر دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.


(١) انظر: «الصواعق المرسلة» لابن القيِّم (٤/ ١٢١٦).

(٢) «مدارج السالكين» لابن القيِّم (٢/ ٤٥٨).

(٣) أخرجه البخاري (٣٤٦٩)، ومسلم (٢٣٩٨)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(٤) «شرح أصول اعتقاد أهل السنَّة والجماعة» (٧/ ١٣٩١).

(٥) «جامع الأصول» (٨/ ٦٠٩).

(٦) «البداية والنهاية» (١٤/ ٢٨).

(٧) أخرجه الترمذي (٣٥٢٤) من حديث أنسٍ رضي الله عنه. وليس فيه جملة: «لا إله إلا أنت». وحسَّنه الألباني في «السلسلة الصحيحة» (١/ ٤٤٩).

(٨) أخرجه أبو داود (٥٠٩٠) من حديث أبي بكرة رضي الله عنه. وليس فيه جملة: «ولا إلى أحدٍ مِن خَلْقِك». وحسَّنه الألباني في «صحيح الجامع» (٣٣٨٨).

(٩) «الاستغاثة» (٦٣١).

(١٠) انظر: «النهاية» لابن الأثير (٣/ ٤٢٨).

(١١) يُنقل عن عثمان بن عفَّان رضي الله عنه أنه دخل عليه رجلٌ مِن الصَّحابة وقد رأى امرأةً في الطَّريق، فتأمَّل محاسنَها، فقال له عثمان: «يدخل عليَّ أحدُكم وأثرُ الزِّنا ظاهرٌ على عينيه؟!» فقلت: «أوحيٌ بعد رسول الله؟!» فقال: «لا، ولكن تَبْصِرةٌ وبرهانٌ، وفِرَاسَةٌ صادقةٌ» [«الروح» لابن القيِّم (٢٤٠)].

(١٢) «الردُّ على الفلاسفة» (٤٧٥).

(١٣) «الطبقات الكبرى» للشعراني (١/ ١٢٧).

(١٤) المصدر السابق (١/ ١٥٥)

(١٥) المصدر السابق (١/ ١٥٧).

(١٦) المصدر السابق (٢/ ٨٦).

(١٧) المصدر السابق (٢/ ١٣٠).

(١٨) انظر: «تحفة الأنيس شرح عقيدة التوحيد للإمام ابن باديس ـ رحمه الله ـ» للشيخ أبي عبد المعزِّ محمَّد علي فركوس ـ حفظه الله ـ (١٢٥).











رد مع اقتباس
قديم 2015-01-05, 20:56   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
miramer
عضو محترف
 
الصورة الرمزية miramer
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

كشف الحجاب عن فتيا شمس الدين بوروبي في الإنتخاب

الحمد لله رب العالمين,والصلاة والسلام على أشرف المرسلين,نبينا محمد الأمين ,وعلى آله وصحابته أجمعين,ومن سار على نهجهم إلى يوم الدين,أمابعد:
لقد ظهر على قناة النهار المدعو شمس الدين بوروبي,وقد تقيأ كلاما مفاده جواز الإنتخابات,ولما رأيت بعض العوام الذين لا يعرفون الرجل,قد افتتنوا بكلامه,وانخدعوا بزخرفه,أحببت أن أكشف زيف ما جاء به على وجه تزول به الشبهة-إن شاء الله-,وينقشع به الباطل,وبالله التوفيق,وعليه التكلان.
شمس الدين ليس أهلا للفتيـــــــــــــا

1- أن شمس الدين ليس أهلا لأن يستفتى,لفتاويه المنحرفة التي كان يبثها في الجرائد,وبخاصة جريدة العربي.
منها تجويزه لبناء الأضرحة والقباب على القبور,مقلدا في ذلك الغماري وأضرابه .
ومنها أنه طعن في أناس من أهل السنة لم يسبق إلى الطعن فيهم,كالإمامين:ابن بطة العكبري,والبربهاري,وسماهما مجسمين,وبالرجوع إلى ترجمتهما لم أر أحدا من أهل العلم إلا ويثني عليهما,والعبرة بكتب التراجم,لا بما يسطره الحاقدون.
وطعن أيضا في العلامة الألباني ,واتهمه بأنه يجوز على زوجات النبي-صلى الله عليه وسلم الزنا-كبرت كلمة تخرج من فيه- ويرمي شيخ الإسلام بالتجسيم.ويرمي أهل السنة بالحشوية.فلا بارك الله فيه.ومن سمة أهل البدع الوقيعة في أهل الأثر.
ومنها أنه لم يترك شيئا مما يقول عنه السلفيون:سنة,إلا وزعم أنه بدعة وضلالة,ولا شيئا يقولون عنه بدعة إلا وزعم أنه سنة أو مشروع.
فالرجل ساقط الفتيا,مجروح العدالة,من زمرة أهل الأهواء والنذالة.
2- تفنيد كلامه حول الإنتخابات:

أ‌- قال بأن الإنتخابات شهادة,والله أمرنا بعدم كتمان الشهادة.
النقد:الإنتخابات من حيث الواقع اختيار وليست شهادة,والإختيار يكون بين متسابقَيْن أو متسابقِين بخلاف الشهادة فقد تكون لواحد أو لجماعة على سبيل الإجمال.
زد أن الشهادة تبنى على واقع صحيح,لا على واقع فاسد,فالإنتخابات أصل نظامها ليس إسلاميا بل هو قائم على حكم الأغلبية.
قال العلامة الألباني:: المشاركة في الانتخابات هو ركون إلى الذين ظلموا ذلك بأن نظام البرلمانات ونظام الانتخابات يعتقد ـ حسب ما أعلم ـ كل مسلم عنده شيء من الثقافة الإسلامية الصحيحة أن نظام الانتخابات ونظام البرلمانات ليس نظاما إسلاميا.} وقال: {أما البرلمان فيشترك فيه ما هبّ ودبّ من المسلمين، بل ومن المشركين ومن الملحدين، لأن البرلمان قائم على الانتخابات، والانتخابات يرشح فيها من شاء نفسه من الرجال بل وأخيرا من النساء أيضا من المسلمين من الكافرين من المسلمات الكافرات، فشتان بين مجلس الشورى في الإسلام، وبين ما يسمى اليوم بالبرلمان } سلسلة الهدى والنور – 660: (من الفتوى 1 إلى 5): [حكم الإنتخابات ودخول البرلمان]

وقال العلامة الفوزان:{ وليست البيعة في الإسلام بالطريقة الفوضوية المسمّاة بالانتخابات، التي عليها دول الكفر، ومن قلّدهم من الدول العربية، والتي تقوم على المساومة، والدعايات الكاذبة، وكثيراً ما يذهب ضحيّتها نفوس بريئة.} الاجوبة المفيدة عن اسئلة المناهج الجديدة" للشيخ الفوزان.
فكيف يبني شمس الدين الشهادة على واقع غير صحيح. وهذا من تخبطاته.
ب‌- قال إن الجزائر تمر بمرحلة استثنائية,والعالم العربي كذلك يمر بهذه المرحلة.
النقد:مادخل المرحلة الإستثنائية في تجويز الإنتخابات,لعله يرمي إلى ما تفوه به,من أن الكفار يفرحون إذا لم ينتخب الجزائريون ,والمسلمون سيحزنون!!!.
وهذا لا يغير من الحكم شيئا إلا في نظر شمس الضلالات.


ج- قال الذي يقول بعدم جواز الإنتخابات عليه أن يقنعنا بأنه لا توجد دوائر استعمارية وأن اليهود والنصارى يحبوننا ما شاء الله .هذا كلامه.
والذي يتأمل كلامه,يعلم أن الرجل ينطلق من وهم,يريد أن يقول لنا بأننا إذا لم ننتخب فسيدخل علينا حلف الناتو
الرد عليه من وجوهين:
1- هذا وهم أراد كثير من البرلمانيين أن يقنعوا به المسلمين. ولا يوجد إلا في مخيلة من اتخذ الإنتخابات رزقا يتكسب بها.
2- أن هذا ضرب من الكهانة,ينافي التوكل على الله-سبحانه-,ما أدراك ياشمش الضلالات؟.

3- استدل شمس الضلالات بواقع ليبيا,على جواز الإنتخابات.
النقد ماعلاقة واقع ليبيا بجواز الإنتخابات؟
وكأن أهل ليبيا لما لم ينتخبوا جرى لهم ماجرى,وهذا خلط وخبط.
لم لاتقول :إن أهل ليبيا لما خرجوا على حاكمهم ذاقوا عسيلة خروجهم.
وهذا الخروج الذي درجوا عليه,سبب لهم ماهم فيه ,وإلى اليوم ولم تستقرَّ لهم حال.
نسأل الله أن يصلح حالنا وحالهم.
قال شيخ الإسلام بن تيمية-رحمه الله-{ولا يكاد يعرف عن طائفة خرجت على سلطان إلا وكان في خروجها من الفساد ما هو أعظم من الفساد الذي أزالته.}منهاج السنة النبوية[3/395]. صدق رحمه الله.كيف وهو من أهل الإستقراء البالع في تتبع التواريخ.
فيا أيها المسلمون لاتصغوا إلى هذا المخرف المنحرف,فإنه لو لم يكن من انحرافاته إلا تجويزه البناء على القبور-كما نشر ذلك في جريدة العربي جوابا لأناس استفتوه في بناء قبه هدمها الإرهابيون,فأفتى لهم بجواز بنائها بل حثهم على التعاون على تكاليف الإسمنت والحديد.نسأل الله السلامة والعافية.
ولولا ما رأيت من انخداع كثير من العوام به,ما كتبت عنه لأنه أقل من أن يرد عليه.
هذا ما أردت تحذير إخواني منه,أسأل الله –عزوجل – أن يوفقنا والمسلمين للعلم النافع والعمل الصالح,وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

وكتبه أبو العباس محمد رحيل جائرا إلى الله من انحرافات هذا الرجل يوم 03/جمادى الثانية/1433هـ الموافق ل:25/أفريل/2012م.بوادي التاغية -حرسها الله-معسكر.الجزائر.











رد مع اقتباس
قديم 2015-01-05, 20:57   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
miramer
عضو محترف
 
الصورة الرمزية miramer
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

لفظ الدعي بين الشيخ عبد الخالق ماضي وشمس الدين الجزائري
لأبي عبد السلام عبد الصمد المغنوي



بسم الله الرحمن الرحيم




الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، المنحرفين عن سنة النبي الأمين، والعادلين عن الصراط المستقيم صراط النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وبعد:
لقد أحسن من قال: عش رجبا ترى عجبا، ووالله لقد أصبحنا نرى في هذا الزمن الغرائب والعجائب، وما لم يخطر على بال أكثر الناس خبرة وأعظمهم تجارب.
وإن من عجائب هذا الزمن وغرائبه، بل قُل: من بلاياه ومصائبه، تطاول كثير من المتعالمين الجاهلين، على أهل الفضل والاستقامة على الدين، ومن أمثلة ذلك في بلدنا الجزائر طعن الرجل المغمور المسمى بشمس الدين هداه الله، في الشيخ الدكتور عبد الخالق ماضي حفظه الله، وذلك في حصة بثت في قناة النهار الجزائرية خلال هذه الأيام القليلة الماضية، ولقد احتوت هذه الحصة والتي خصصها للطعن في الشيخ على العديد من المغالطات، والكثير من التلبيسات، ولذلك أردت أنبه عليها، وأبين الزلل والخطأ الذي ورد فيها، والله المستعان وعليه التكلان:
وقبل أن أبدأ فيما نويته وقصدت بيانه أقول منبها: في الحقيقة إن الرد على مثل هذا المسمى بشمس الدين، لا ينبغي أن يكون من المشايخ المتمكنين، ولا طلبة العلم المُمَيَّزين، وإنما ينبغي أن يتكلف به واحد من الإخوة السلفيين العاديين، ممن يحسن الرد بالأدلة والبراهين[1]، وذلك لأمور هي:
1- أولا: حتى لا ينصرف المشايخُ وطلبةُ العلم عمَّا هم منشغلون به من الدعوة إلى الله وتعليم الناس الخير وإرشادهم إلى ما ينفعهم في دنياهم وآخرتهم.
2- ثانيا: إننا لا نحتاج أصلا أن نرد عليه، ونبين أخطائه وزلاته ومعايبه، لأن ظهوره على التلفاز قد أظهر حاله، وبيّن مستواه، وجلى للناس حقيقته، ألم تر أن الرجل لا يمكنه أن يقيم لسانه، ولا أن يُبِينَ عن مكنونات نفسه، ولا أن يُفهم غيره مراده، فكلامه خليط من كلمات فصيحة، وأخرى من عامية كالحة، وثالثة من إفرنجية قبيحة، ثم أما رأيت نزق الرجل وطيشه، وسرعة انفعاله وغضبه، وانقلابه على مستمعيه وباعثي الأسئلة إليه، فمرة يسب هذا ومرة يعنف ذا، ويخفي تارة عجزه عن الإجابة بمعاتبة السائل، وتارة يُغَلِّطُهُ وعليه يتحامل، فوالله لقد بلغني من بعض عموم المسلمين أن الأطفال يضحكون عندما يشاهدونه، وكثيرا من الكبار يتفكهون بالنظر إلى برنامجه.
3- ثالثا: إن رد المشايخ عليه يرفع من قدره النازل، ويعلي من شأنه السافل، ويصيره كالقرين والند، وهو أهون من أن يرد عليه بجد[2].
ولأجل هذه الأمور بأكملها، وغيرها مما لا يحسن ذكرها، استعنت الله عز وجل على كتابة هذا الذي بين أيديكم، فإن أصبت فمن الله، وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان وأستغفر الله منه، وبعد:
1- من مغالطاته وتلبيساته: أنه قال أن الشيخ عبد الخالق ماضي حفظه الله وصفه بالدعي، وزعم أن الدعي هو ابن الزنا وبالتالي اتهم الشيخ بأنه يقذفه في عرضه، ثم راح يسوق للناس نسبه الذي زعمه شريفا، وأنه يتصل بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى آخر ما قال.
والجواب على هذه المغالطة هو: أن هذا التقول إنما حصل منه بسبب جهله بلغة العرب، والمصطلحات الشائعة بين المتكلمين بها، فإن كلمة الدعي لها عدة معان في لغة العرب هي:
1- ذكر معاني كلمة الدعي في اللغة العربية:
- الدعي: بمعنى المتبنى[3].
- وبمعنى المدعي شيئا بحق أو بباطل أي سواء كان له أو لم يكن له[4].
- وبمعنى المتهم في نسبه[5].
- وبمعنى المنسوب لغير أبيه[6].
- وبمعنى المنتسب لغير أبيه[7]. والفرق بين هذا والذي قبله أن الأول فيمن نُسب لغير أبيه من غيره، وهذا فمن انتسب هو نفسه لغير أبيه.
- وبمعنى المدعو إلى الطعام[8].
وأصل الكلمة كما قال ابن فارس في معجم مقاييس اللغة: (دعو) الدال والعين والحرف المعتل أصلٌ واحد، وهو أن تميل الشيءَ إليك بصوت وكلام يكون منك[9]" اهـ.
- فالمتبنى أماله مُتبنيه إليه لَمَّا ادعاه ابنا له.
- والمدعي شيئا بحق أو بباطل أماله إليه بادعائه أنه له.
- والمتهم في نسبه أماله غيره عن أن يكون له أب ينتسب إليه.
- والمنسوب لغير أبيه أماله غيره بنسبته إلى غير أبيه.
- والمنتسب لغير أبيه أمال نفسه بانتسابه لغير أبيه إلى نسب لا صلة له به.
- والمدعو إلى الطعام أماله داعيه إلى طعامه بدعوته له.
2- تعيين المعنى المقصود بكلمة الدعي في كلام الشيخ عبد الخالق ماضي حفظه الله:
وتعيين المعنى المراد بالكلمة التي لها عدة معان في كلام أي متكلم إلى معنى من معانيها دون غيره يكون بطرق معلومة، ووسائل محكمة، ليس بالتخرص والادعاء، والزعم والافتراء، وبالنسبة للكلمة التي يجري البحث فيها، لا يمكننا تعيين المعنى الذي أراده الشيخ عبد الخالق بها إلا بوجه من وجوه الآتية وهي:
1- الوجه الأول: بمعرفة قصده وهذا لا يتم إلا بسؤال المتكلم نفسه.
2- الوجه الثاني: بمعرفة الاستعمال السائد من الناس لتلك الكلمة في زمنه.
3- الوجه الثالث: بالنظر في سياق كلامه وسباقه ولحاقه.
وكلمة الدعي التي وصف بها الشيخ عبد الخالق حفظه الله المسمى بشمس الدين هداه الله معناها: المدعي ما ليس له، والمتزي بزي لا يليق به، ومقصود الشيخ حفظه الله إدعاء الرجل أنه من أهل العلم وليس منهم، وزعمه أنه من أهل الفقه وهو من أبعد الناس عنهم.
وهذا المعنى هو المتبادر من السياق والسباق، وهو المستعمل السائد عند المتكلمين اليوم باللغة العربية، وهو الذي لا يمكن بل يستحيل أن يقصد الشيخ عبد الخالق حفظه الله غيره وإليك البيان:
أ- دليل السياق والسباق: مما يدل على أن الشيخ قصد بكلمة دعي أنه يدعي العلم وهو ليس من أهله، سياق كلام الشيخ وسباقه ولحاقه، حيث أن الشيخ كان بصدد الكلام عن تصدر هذا الرجل لدعوة الناس وإرشادهم ووعظهم والإجابة على أسئلتهم وهو ليس بأهل لذلك كله، وإليك السياق والسباق بالاقتصار على الشواهد:
قال الشيخ: (يقول السائل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. هناك داعية ( علق الشيخ قائلا: ووالله إنه ليس بداعية هذا الذي سماه ) قال هناك داعية يأتي في قناة النهار يسمى شمس الدين وهو يطعن في السنة وعندما نحذر الناس منه يقول الناس لماذا لا يحذر منه المشايخ؟ )
فأجاب الشيخ بكلام إلى أن قال:"... لكن مع ذلك أرجوا أن أقول كلمة في هذا الدعي، هذا الشخص دعي: لا علاقة له بالشريعة[10]، وهو: مهرج ..." إلى أن قال:"... وقد ابتلينا بمثل هؤلاء المهرجين الذين اعتلوا منابر القنوات وصاروا يفتون وليس لهم في الفتيا شيء، بل ليس لهم في العلم شيء، فأنا أقول لا يجوز للمسلمين أن يستمعوا لهذا الرجل الدعي الذي لا ناقة له في العلم ولا جمل[11]...".
ب- دليل الاستعمال السائد: إن كلمة دعي في الاستعمال السائد اليوم يُقصد بها، ويُعنى بلفظها: الذي يدعي في نفسه أمورا ليست فيه. وأطلب من المسمى بشمس الدين أو غيره، ممن قد يتعصب له، أو يتعاطف معه، أو يدافع عنه، أن يسأل المتخصصين من أهل اللغة في بلدنا أو غيرها، ما هو المتبادر اليوم من استعمال كلمة دعي؟ هذا أولا، وثانيا: يُطلب منه عرض جواب الشيخ عبد الخالق بأكمله، من أوله إلى آخره، على أهل الاختصاص أيضا وينظر في حكمهم فإنا راضون بذلك إن شاء الله تعالى.
ت- دليل التصريح والإبانة عن المقصد والغرض: وهذا لا حاجة لنا إليه، لوضوح السياق الذي يدل عليه.
3- ذكر دليل الرجل على المعنى الذي فسر به كلمة الدعي الموصوف بها وتفنيده:
استدل الرجل على أن المقصود بكلمة الدعي في كلام الشيخ عبد الخالق حفظه الله ابن الزنا بكلام نسبه للإمام ابن كثير بأنه قال رحمه الله: أن الدعي هو ابن الزنا. والجواب على استدلاله من وجوه:
1- الأول: أين قال الإمام ابن كثير رحمه الله هذا الذي تنسبه إليه وتدعي أنه قاله وصرح به.
2- الثاني: هل نفى الإمام ابن كثير رحمه الله المعاني الأخرى لكلمة الدعي والتي جاءت بها لغة العرب.
3- الثالث: إذا وجد كلام الإمام ابن كثير رحمه الله على ما نقلت، فهل تفسيره لهذه الكلمة بهذا المعنى هو تفسير منه لكلام الشيخ عبد الخالق حفظه الله وحُكم منه عليه، أم أن التفسير والحكم منك لا منه؟، أظن الجواب واضح لكل منصف والله المستعان. يوضحه الوجه الآتي.
4- الرابع: يستحيل أن يقصر الإمام ابن كثير رحمه الله معنى كلمة الدعي على ابن الزنا وهو نفسه قد استعملها في بعض معانيها العربية الأخرى وإليك البيان:
- قال الإمام ابن كثير رحمه الله عند تفسير الآية الرابعة من سورة الأحزاب: يقول تعالى موطئا قبل المقصود المعنوي أمرا حسيا معروفا، وهو أنه كما لا يكون للشخص الواحد قلبان في جوفه، ولا تصير زوجته التي يظاهر منها بقوله: أنت عَلَيَّ كظهر أمي أمًا له، كذلك لا يصير الدَّعيّ ولدًا للرجل إذا تبنَّاه فدعاه ابنا له، فقال: { مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ }، كقوله: { مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلا اللائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا }.[المجادلة:3].
وقوله: { وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ }: هذا هو المقصود بالنفي؛ فإنها نزلت في شأن زيد بن حارثة مولى النبي صلى الله عليه وسلم، كان النبي صلى الله عليه وسلم قد تبناه قبل النبوة، وكان يقال له:"زيد بن محمد" فأراد الله تعالى أن يقطع هذا الإلحاق وهذه النسبة بقوله: { وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ } كما قال في أثناء السورة: { مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا } [الأحزاب:40] وقال هاهنا: { ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ } يعني: تبنيكم لهم قول لا يقتضي أن يكون ابنا حقيقيا، فإنه مخلوق من صلب رجل آخر، فما يمكن أن يكون له أبوان، كما لا يمكن أن يكون للبشر الواحد قلبان......." إلى أن قال رحمه الله:"... وقوله: { ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ }: هذا أمر ناسخ لما كان في ابتداء الإسلام من جواز ادعاء الأبناء الأجانب، وهم الأدعياء، فأمر الله تعالى برد نسبهم إلى آبائهم في الحقيقة، وأن هذا هو العدل والقسط.
قال البخاري، رحمه الله: حدثنا مُعَلى بن أسد، حدثنا عبد العزيز بن المختار، حدثنا موسى بن عقبة قال: حدثني سالم عن عبد الله بن عمر؛ أن زيدًا بن حارثة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما كنا ندعوه إلا زيد بن محمد، حتى نزل القرآن: { ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ } . وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي، من طرق، عن موسى بن عقبة، به......" إلى أن قال رحمه الله:"... ولهذا لما نسخ هذا الحكم، أباح تعالى زوجة الدعي، وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش زوجة زيد بن حارثة، وقال: { لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا } [الأحزاب:37]، وقال في آية التحريم: { وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ } [النساء:23]، احترازا عن زوجة الدعيّ، فإنه ليس من الصلب، فأما الابن من الرضاعة، فمنزل منزلة ابن الصلب شرعا، بقوله عليه السلام في الصحيحين: "حرموا من الرضاعة ما يحرم من النسب"......" إلى أن قال رحمه الله:".... وقوله: { فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ } : أمر الله تعالى برد أنساب الأدعياء إلى آبائهم، إن عرفوا، فإن لم يعرفوا آباءهم، فهم إخوانهم في الدين ومواليهم، أي: عوضًا عما فاتهم من النسب....".
- قال الإمام ابن كثير رحمه الله عند تفسيره للآية 37 من سورة الأحزاب: وقوله: { لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا } أي: إنما أبحنا لك تزويجها وفعلنا ذلك؛ لئلا يبقى حرج على المؤمنين في تزويج مطلقات الأدعياء، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قبل النبوة قد تبنى زيد بن حارثة، فكان يقال له: "زيد بن محمد"، فلما قطع الله هذه النسبة بقوله تعالى: { وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ } ، ثم زاد ذلك بيانا وتأكيدا بوقوع تزويج رسول الله صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش لما طلقها زيد بن حارثة؛ ولهذا قال في آية التحريم: { وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُم } [النساء:23] ليحترز من الابن الدَّعِي؛ فإن ذلك كان كثيرًا فيهم" اهـ.
- فهل يمكن أن تكون كلمة الدعي في كلام ابن كثير رحمه الله المتقدم نقله بمعنى ابن الزنا؟ أقول: نعوذ بالله من ذلك لأمرين اثنين:
1- الأول: أن كلام ابن كثير رحمه الله واضح في أن المقصود بالدعي فيه هو المتبنى.
2- الثاني: أن الزعم بأن ابن كثير رحمه الله إنما عنى بكلمة الدعي في كلامه المتقدم ابن الزنا يلزم منه لوازم باطلة كثيرة منها:
1- يلزم منه رمي زيد بن حارثة صاحب رسول الله وحبه رضي الله عنه بهذه الفرية وهي ابن الزنا والطعن في نسبه.
2- ثم يلزم منه أن ابن كثير رحمه الله طعن في أحد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا ما لا يمكن بحال من الأحوال لأنه إمام من أئمة أهل السنة وهم يعظمون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ويجلونهم ويثنون عليهم فكيف يطعنون فيهم.
3- وكذلك يلزم منه أن الأدعياء وهم جمع دعي في قول الله تعالى:"وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ" وفي قوله تعالى:" لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ" معناها أبناء الزنا وهذا لا يستقيم أولا، وينتج عنه معنى قبيح ثانيا، أي: لو أردنا أن نجعل المُفَسِرَ في مكان المُفَسَرِ أي أن نجعل كلمة أبناء الزنا مكان أدعياءكم في الآية الأولى[12] أو مكان أدعيائهم في الآية الثانية[13] فتدبره وتمعن فيه.
وهناك لوازم باطلة أخرى نكتفي بالذي تقدم.
4- سؤال ينبغي الجواب عليه: هل وصف الشيخ عبد الخالق حفظه الله للرجل بالدعي ينطبق عليه ويتحقق فيه أم أنه بريء منه لا ينبغي أن يوصف به؟.
- والجواب: إن وصف الدعي الذي أطلقه الشيخ عبد الخالق حفظه الله، على المسمى بشمس الدين هداه الله، وصف دقيق أصاب الشيخ حفظه الله في إطلاقه، لأنه منطبق على من وُصف به، وعلى هذا أدلة كثيرة نذكر منها:
1- مما يدل على أن الرجل المسمى بشمس الدين دعي[14] يدعي في نفسه ما هو من أبعد الناس عنه، شهادته على نفسه بأنه عامي في الحصة نفسها التي رد فيها على الشيخ عبد الخالق ماضي حفظه الله، حيث وصف نفسه بأنه عامي من العوام، ولا شك أن العامي مأخوذ من العمى وهو الجهل فكيف يجوز لجاهل أن يتصدر لإفتاء الناس وتوجيههم وإرشادهم فيما يتعلق بأديانهم؟، ثم أسألكم بالله جاهل يتصدر لإفتاء الناس وتدريسهم ووعظهم وإرشادهم ألا ينطبق عليه اسم الدعي وهو من يدعي في نفسه ما لا يوجد فيه.
2- ومما يدل على أن الرجل دعي[15] جهله بمعاني كلمة الدعي في لغة العرب وقد تقدم نقلها، ثم جهله بالمعنى السائد في استعمال الناس لهذه الكلمة، وأرجع وأقول: أَنَّى لرجل لا يستطيع أن يقيم لسانه، ولا هو يحسن النطق بلغته، أن يعرف معاني كلمة لعله لم يستعملها ولو مرة واحدة في حياته؟.
3- ومما يدل على أنه دعي[16]، يدعي في نفسه ما هو من أبعد الناس عنه، وما لا يمكنه إثباته: ادعاؤه في الحصة نفسها وهو بصدد الدفاع عن نفسه، والذب عن حياضه، أنه ذو نسب شريف يتصل برسول الله صلى الله عليه وسلم[17]، وهذا ادعاء كبير، وزعم خطير، يجب عليه أن يثبته بالأدلة والبراهين، وإلا عُدَّ من المفترين الكَذَّابِين، وأعتقد أن مثل هذا الادعاء يصعب إثباته بالخصوص في بلدنا وفي مثل زمننا لوجوه هي:
أ- الوجه الأول: أن هذا لا يمكن أن يثبته إلا أهل الاختصاص وهم المعروفون بالنسابين، فإما أن يكون هذا الرجل نسابة هو نفسه فليطلعنا على أدلته التي اعتمد عليها في إثبات شرف نسبه، وإما أنه أخذ هذا عن نسابة معروف فليخبرنا به لنتأكد من صحة ادعائه.
ب- الوجه الثاني: المعروف عن أهل الجزائر أنهم أمازيغ عربهم الإسلام، والآن يبلغ تعدادهم أكثر من ثلاثين مليون نسمة، والذين ينطقون فيهم باللهجات الغير العربية[18] نسبة قليلة جدا، فهل يمكن أن يكون العربي الوافد من المشرق أكثر من الساكن الأمازيغي الأصلي؟ ولذلك فاليقين أن أهل الجزائر في أغلبهم أمازيغ، ولو كانوا ينطقون باللغة العربية، ويعجزون على النطق بالأمازيغية وغيرها من اللهجات الجزائرية، وبالتالي فإثبات الرجل أن نسبه عربي يصعب إلا في النادر، فما بالكم بإثبات النسب الشريف المتصل برسول الله صلى الله عليه وسلم فإن هذا دونه خرط القتاد.
ثم اعلموا رحمكم الله أن النسب الشريف المتصل برسول الله صلى الله عليه وسلم أو بعض قرابته ادعاه أقوام لا يثبت نسبهم إليه، بل هم يقينا من المفترين عليه، كالفاطميين وغيرهم ولذلك أُطلق على كثير من حكامهم اسم الدعي واقرؤوا كتب التاريخ لتتأكدوا من ذلك والله المستعان.
بل من غرائب هذا الرجل وعجائبه، ومما يدل على سفه فيه، وضعف في عقله: أنه في الحصة نفسها والتي انتسب فيها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، نفى أن يكون أصله من المشرق حيث قال بلغته الركيكة، والتي أنقل معناها باللغة الفصيحة: نحن هكذا جزائريون تربينا على الإسلام أبا عن جد نبتسم، نحن ماذا؟ جئتم بنا من المشرق؟. فأقول له: إذا كنت جزائريا أبا عن جد فلماذا تدعي الانتساب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو من المشرق قطعا، وإذا كنت جزائريا من أحفاد رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ادعيت فلماذا تتنكر للمشرق؟ وتطعن في أهله من طرف خفي؟.
فإن لم يكن هذا سفه وضعف عقل فلا أدري ما هو السفه وضعف العقل نعوذ بالله من الخذلان.
والخلاصة: أن هذا الرجل دعي كما وصفه الشيخ عبد الخالق ماضي حفظه الله ورعاه، وهو دعي من وجوه عدة تقدم ذكرها، فبارك الله في شيخنا وحفظه، ورد كيد الكائدين له، وجعل ما قال في ميزان حسناته، ونسأل الله عز وجل أن يهدي هذا الدعي، ويرده إلى الجادة، والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله وحسبنا الله ونعم الوكيل.
هذا وإلى كلمة أخرى مع مغالطة من مغالطاته، وتلبيس من تلبيساته، إن شاء الله ويَسَّر.
وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.


كتبه
أبو عبد السلام
عبد الصمد بن الحسين سليمان
غفر الله له ولوالديه وللمسلمين


مدينة مغنية
يوم الثلاثاء
12 من صفر 1434 هـ

25 من ديسمبر 2012 م

https://www.tasfiatarbia.org/vb/showthread.php?t=9743









رد مع اقتباس
قديم 2015-01-05, 23:40   رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
نسييم الجزائر
عضو جديد
 
إحصائية العضو










افتراضي

... والقافلة تسير.

...///...









رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
الدين


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 19:42

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc