صيام المودعين

[ابن العروب]

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وحده والصلاة والسلام علي من لانبي بعده .. وبعد ,,
فإن استشعار الوداع يعطي دافعاً للمرء ليزيد من عمله .
وهذا الشعور يضاعف في نفسه ضرورة إغتنام الأوقات التي قد لاتعود , ومن ذلك قول الصحابة الأبرار للنبي عندما وعظهم موعظة بليغة ذرفت منها العيون , وخشعت لها القلوب كأنها موعظة مودع , وكذا في حجة الوداع قال لهم :
" لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا " .
وهذا الشعور بالوداع ولَّد عندهم دافعاً للإستماع و الإنصات يفوقة في وقت آخر , ومن هنا ندرك قول النبي لأحد أصحابة :
" إذا قمت في صلاتك فصلِّ صلاة مودع " .
بهذه النظرة يجب أن نستقبل شهر رمضان استقبال المودعين , وهذا لا ينافي استقباله بالفرح والبشري , بشري الشوق لبركاته ورحماته في كل ساعاته وأوقاته , وقد كان يبشر أصحابه بقدوم هذا الضيف الكريم بقوله :
" قد جاءكم رمضان – شهر مبارك كتب الله عليكم صيامه , فيه تفتح الجنان , وتغلق أبواب النيران " .
أليس من الحرمان عدم اغتنام الأوقات في شهر هذه صفاته وتلك نفحاته .


*********************
لقد كان سلفنا الصالح يترقبون هذا الشهر ويدعون الله عز وجل أن يسلمهم رمضان , فإذا وُفقوا لطاعة الله وُهدوا إلي عبادته دعوا الله أن يتقبل منهم .
وحول هذا المعني يقول ابن رجب – رحمه الله : " إن بلوغ شهر رمضان وصيامه نعمة عظيمة علي من أقدره الله عليه , ويدل عليه حديث الثلاثة الذين استشهد اثنان منهم , ثم مات الثالث علي فراشه بعدهما , فرئي في النوم سابقاً لهما فقال النبي:
" أليس صلي بعدهما كذا وكذا صلاة , وأدرك رمضان فصامه , فوالذي نفسي بيده إن بينهما لأبعد مما بين السماء والأرض" ( أخرجة أحمد في مسنده وصححه الألباني ) .



أتي رمضـــان مزرعة العبــاد ............. لتطهير القلوب من الفساد
فأد حقـــــوقه قولاً وفعــــــــلاً ............. وزادك فاتخـــذه للميــــعاد
فمن زرع الحبوب وما سقاها .............. تأوه نادمــاً يوم الحصــاد


*****************
فهيا بنا أخي المسلم نستحضر شعور صيام المودعين , هيا نخص الشهر الكريم بمزيد من الإعتناء ويتحقق هذا عن طريق :
- الحرص علي عدم تضييع صلاة الجماعة , وإدراك تكبيرة الإحرام للفروض الخمسة . والحرص علي تلاوة القرآن بتدبر وتأمل , التلاوة من أجل العمل وإقامة الحدود قبل سرد الحروف .


- إدخال السرور علي الفقراء والمساكين واليتامي بالتوسعة عليهم وبذل المعروف لهم .


- الحرص علي اغتنام الأوقات في الطاعات من تسبيح وتهليل واستغفار وعدم التفريط في الأوراد .


- الحرص علي صلاة القيام فهي شرف المؤمن كما أخبر النبي حيث اخبر أن جبريل قد اوحي إليه فقال :
" يا محمد عشت ما شئت فإنك ميت , واحبب ما شئت فإنك مفارقه , واعمل ما شئت فإنك مجزي به , واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل وعزة استغناؤه عن الناس " .
وقيام رمضان يختلف عن قيام غيره لشرف الزمان فضلاً عن انه له خاصية قال فيها :
" من قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه " .


- الإكثار من الصدقة حيث كان أجود الناس , وكان أجود ما يكون في رمضان .


- الحرص علي أداء العمرة في هذا الشهر الكريم , فعمرة فيه تعدل حجة فيما سواه لشرف الزمان , فحرمته الزمانية تعدل حرمة مكة المكانية .


- الحرص علي اعتكاف العشر الأواخر منه والإنقطاع للعبادة , وترك الدنيا بفتنتها وشهواتها .


- الحرص علي غض البصر عن المحرمات في هذا الشهر الكريم حتي يألف العبد الطاعة بقية العام , وحفظ البصر واللسان يضمنان للمؤمن الجنة كما قال :
" من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة " رواه البخاري .
وفي قوله لعلي رضي الله عنه :
" يا علي , لا تُتبع النظرة النظرة فإن لك الأولي وليست لك الأخرة " رواه الترمذي


- الحرص علي حفظ اللسان من الغيبة والنميمة والكذب والهمز واللمز والزور , وقد قال
" من لم يدع قول الزور و العمل به فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه " رواه البخاري
و قال
" الصيام جُنة , فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب , فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني إمرؤ صائم " أخرجة مسلم .
ورمضان فرصة لتعويد اللسان علي الصمت والعبودية , وعبودية اللسان قسمها ابن القيم إلي واجب ومستحب ومحرم ومكروه .


- الحرص علي تعاهد الدعاء في هذا الشهر الكريم فليس شئ أكرم علي الله من الدعاء , ورب العالمين يحب من عبده أن يسأله وهو جل شانه حيي كريم ستير يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفراً , وللصائم عند فطره دعوة لا ترد , وكذا كان عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما إذا أفطر دعا أهله وولده عند الفطر ودعا الله .

أسأل الله أن يتقبل منا الصيام والقيام , وأن يُحسن ختامنا , وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل والسر والعلن , إنه ولي ذلك والقادر عليه .