سهام إبليس وقوسه - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم الكتاب و السنة

قسم الكتاب و السنة تعرض فيه جميع ما يتعلق بعلوم الوحيين من أصول التفسير و مصطلح الحديث ..

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

سهام إبليس وقوسه

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2014-10-07, 18:27   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
seifellah
عضو متألق
 
الصورة الرمزية seifellah
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز مميزي الأقسام 
إحصائية العضو










افتراضي سهام إبليس وقوسه

مدخل


لقد أسبغ الله جل وعلا علينا نعما ظاهرة وباطنة لا تعد ولا تحصى ومن أعظم وأشرف تلك النعم نعمة البصر، قال تعالى: }قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ{[الملك: 23].


ومن عظيم قدرها أن أبدل الله من سلب منه عينيه فصبر الجنة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه ثم صبر، عوضته منها الجنة"([1]).


ونعمة الصبر من أعظم النعم إذا استخدمها العبد في طاعة الله سبحانه، أما إذا كان خلاف ذلك، فإنها تكون سببا للحسرة في الدنيا، والعذاب في الآخرة، ولذا جاء الأمر الإلهي للمؤمنين كافة بغض البصر وحفظه قال الله جل وعلا }قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ{
[النور: 30، 31].



قال ابن كثير: وهذا أمر من الله تعالى لعباده المؤمنين أن يغضوا من أبصارهم عما حرم عليهم، فلا ينظروا إلا إلى ما أباح لهم النظر إليه وأن يغضوا أبصارهم عن المحارم، فإن اتفق أن وقع البصر على محرَّم من غير قصد فليصرف بصره عنه سريعًا([2]).


قال ابن كثير في تفسير قوله تعالى: }ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ{ أي أطهر لقلوبهم وأتقى لدينهم كما قيل: من حفظ بصره أورثه الله نورًا في بصيرته، ويروى في قلبه([3]).


وقال رحمه الله في تفسير قوله تعالى: }وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ....{.


هذا أمر من الله تعالى للنساء المؤمنات وغيرة منه لأزواجهن عباده المؤمنين، وتمييز لهن عن صفة نساء الجاهلية وفعال المشركات([4]).


وقال الشوكاني رحمه الله أيضا حول هذه الآية:


خص الإناث بهذا الخطاب على طريق التأكيد لدخولهن تحت خطاب المؤمنين تغليبا كما في سائر الخطابات القرآنية([5]).


ومن في قوله تعالى:}قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ{ للتبعيض فكأنه خص بالحظر والتحريم نوعا من النظر وأطلق بعض النظر إلى ذوي المحارم، وما تدعو الحاجة إليه، ثم عطف على ذكر النساء مفردا لهن بالذكر مع أنهن يدخلن في عموم خطاب الشرع تبعا للرجال فقال: }وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ{ تأكيدا لزمن النظر، واحتياطا لصيانة الفرج عن الزنى والخطر، ولئلا يتوهم متوهم أن الأمر يختص بالرجال([6]).


قال ابن القيم رحمه الله تعالى: وأمر الله تعالى نبيه أن يأمر المؤمنين بغض أبصارهم وحفظ فروجهم، وأن يعلمهم أنه مشاهد لأعمالهم مطلع عليها: }يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ{ ولما كان مبدأ ذلك من قبل البصر جعل الأمر بغضه مقدما على حفظ الفرج، فإن الحوادث مبدؤها من البصر كما أن معظم النار من مستصغر الشرر تكون نظرة، ثم خطرة، ثم خطوة، ثم خطيئة، ولهذا قيل: من حفظ هذه الأربعة أحرز دينه: اللحظات والخطرات واللقطات والخطوات.


فينبغي للعبد أن يكون بواب نفسه على هذه الأبواب الأربعة، ويلازم الرباط على ثغورها فمنها يدخل عليه العدو فيجوس خلال الديار فيتبر ما علا تتبيرًا([7]).


وقد جعل الله سبحانه العين مرآة القلب فإذا غض العبد بصره غض القلب شهوته وإرادته، وإذا أطلق بصره أطلق القلب شهوته.


ولما كان إطلاق البصر سببًا لوقوع الهوى في القلب، أمر الشرع بغض البصر عما يخاف عواقبه، قال ابن القيم معلقًا على حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: "كتب على ابن آدم حظه من الزنا.."([8]) الحديث فبدأ بزنا العين لأنه أصل زنا اليد والرجل والقلب والفروج.


ثم قال أيضا: وهذا الحديث من أبين الأشياء على أن العين تعصي بالنظر وأن ذلك زناها ففيه رد على من أباح النظر مطلقًا وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يا علي لا تتبع النظرة النظرة فإن لك الأولى وليست لك الثانية"([9]).


فاحذر يا أخي وفقك الله من شر النظر فكم قد أهلك من عابد، وفسخ عزم زاهد، فاتعظ بذلك وتلمح معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: "النظرة سهم مسموم"([10]) لأن السم يسري إلى القلب فيعمل في الباطن قبل أن يرى عمله في الظاهر، فاحذر من النظر فإنه سبب الآفات إلا أن علاجه في بدايته قريب فإذا كرر تمكن الشر فصعب علاجه.
وأضرب لك في ذلك مثلاً: إذا رأيت فرسًا قد مالت براكبها، إلى درب ضيق فدخلت فيه ببعض بدنها، ولضيق المكان لا يمكن دخولها، فإن قبل وردها خطوة إلى ورائها، سهل الأمر، وإن توانى حتى ولجت، ثم قام بجذبها بذنبها طال تعبه وربما لم يتهيأ له.
وكذلك النظرة إذا كثرت في القلب، فإن عجل الحازم بغضها وحسم المادة من أولها سهل علاجه، وإن كرر النظر نقب عن محاسن الصورة ونقلها إلى قلب متفرغ فنقشها فيه فكلما تواصلت النظرات كانت كالمياه تسقي بها الشجرة، فلا تزال تنمى فيفسد القلب ويعرض عن الفكر فيما أمر به ويخرج بصاحبه إلى المحن ويوجب ارتكاب المحظورات ويلقى في التلف، والسبب في هذا الهلاك: أن الناظر أول نظرة التذ بها فكررها يطلب الالتذاذ بالنظر مستهينًا بذلك فأعقبه ما استهان به التلف، ولو أنه غض عند أول نظرة لسلم في باقي عمره([11]).


أخي الحبيب:

إن فتنة النظر إلى ما حرم الله أصل كل فتنة، ومنجم كل شهوة فالنظر هو رائد الشهوة ورسولها، وحفظه أصل حفظ الفرج فمن أطلق نظره أورد نفسه موارد الهلاك، وقد جعل الله سبحانه وتعالى العين مرآة القلب فإذا غض العبد بصره غض القلب شهوته وإرادته وإذا أطلق بصره أطلق القلب شهوته.


لذلك لما أمر الله عز وجل في سورة النور بحفظ الفرج قدم الأمر بغض البصر لأنه هو بريد الزنى وبابه حيث قال عز وجل: }قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ{[النور: 30، 31].
فمن سرح ناضرة أتعب خاطره، من كثرت نظراته ضاعت أوقاته ودامت حسراته، فيا من يريد السلامة، ويطلب الخلاص، غض من بصرك، وأقصر عن محارم الله طرفك، ولا تقلل من شأن النظر وتستصغره فإن كل الحوادث مبدؤها من النظر، كما أن معظم النار مبدؤها من مستصغر الشرر، تكون نظرة، ثم خطرة، ثم خطوة، ثم خطيئة.


أخي المسلم:


إن الذي أجمعت عليه الأمة واتفق على تحريمه علماء السلف والخلف من الفقهاء والأئمة هو نظر الأجانب من الرجال والنساء بعضهم إلى بعض، وهم من ليس بينهم رحم من النسب، ولا محرم من سبب، كالرضاع وغيره، فهؤلاء حرام نظر بعضهم إلى بعض، وهم كل من حرم الشرع تزويج بعض منهم ببعض على التأبيد، فالنظر والخلوة محرم على هؤلاء عند كافة المسلمين، لا يباح بدعوى زهد وصلاح، ولا توهم عدم آفة ترفع عنهم الجناح، إلا في أحوال نادرة من ضرورة أو حاجة، فما سوى ذلك محرم، سواء كان عن شهوة، أو عن غيرها، وكذلك لا يجوز النظر إلى الأمرد([12]). بشهوة وغيرها من غير حاجة كل ذلك لخوف الفتنة والوقوع في الهلكة.


ففي غض البصر: زكاة وطهارة لقلوب المؤمنين، وحفظ لفروجهم وقد قدم الله سبحانه الأمر بغض البصر على الأمر بحفظ الفرج ، لأن مبدأ المعاصي من النظر، وهو بريد الزنا، والنظرة تفعل في القلب ما يفعل السهم في الرمية، فإن لم تقتله جرحته، وهي بمنزلة الشرارة من النار ترمى في الحشيش اليابس، فإن لم تحرقه كله، أحرقت بعضه، كما قيل:


كل الحوادث مبدؤها من النظر

ومعظم النار من مستصغر الشرر
كم نظرة فتكت في قلب صاحبها

فتك السهام بلا قوس ولا وتر
والمرء ما دام ذا عين يقلبها

في أعين الغيد موقوف على خطر
يسر مقلته ما ضر مهجته

لا مرحبا بسرور عاد بالضرر([13])
.


والله سبحانه مطلع على أعمالنا سرها وعلانيتها ألا ترى أنه سبحانه وتعالى عقب على الأمر بغض البصر وحفظ الفرج بقوله: }إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ{ وهو سبحانه: }يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ{([14]).


عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ما رأيت شيئا أشبه باللمم مما قال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة: فزنا العين النظر، وزنا اللسان النطق، والنفس تتمنى وتشتهي، والفرج يصدق ذلك كله ويكذبه" متفق عليه.


قال الشنقيطي رحمه الله: محل الشاهد منه قوله صلى الله عليه وسلم "فزنا العين النظر" فإطلاق اسم الزنا على نظر العين إلى ما لا يحل دليل واضح على تحريمه والتحذير منه.


ومعلوم أن النظر سبب الزنا، فإن من أكثر من النظر إلى جمال امرأة مثلا قد يتمكن بسببه حبها من قلبه تمكنا يكون سبب هلاكه والعياذ بالله، فالنظر بريد الزنا([15]).
قال البخاري: قال سعيد بن أبي الحسن للحسن: إن نساء العجم يكشفن صدورهن ورءوسهن قال: اصرف بصرك عنهن يقول الله عزوجل }قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ{ قال قتادة : عما لا يحل لهم }وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ{.


يقول الشنقيطي في تلك الآيات: وبه تعلم أن قوله تعالى: }يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ{ فيه الوعيد بمن يخون بعينه بالنظر إلى ما لا يحل له، وهذا الذي دلت عليه الآيتان من الزجر عن النظر إلى ما لا يحل جاء موضحًا في أحاديث كثيرة([16]).


قال أطباء القلوب: بين العين والقلب منفذ وطريق فإذا خربت العين وفسدت خرب القلب وفسد وصار كالمزبلة التي هي محل النجاسات والقاذورات والأوساخ، فلا يصلح لسكن معرفة الله ومحبته والإنابة إليه والأنس به، والسرور بقربه، وإنما يسكن فيه أضداد ذلك([17]).


وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم أردف الفضل بن عباس خلفه في الحج، فجاءت جارية من خثعم تستفتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فلوى النبي صلى الله عليه وسلم عنق الفضل لئلا ينظر إليها، فقال له عمه العباس: لم لويت عنق ابن عمك يا رسول الله، فقال عليه السلام: "رأيت شابًا وشابة، فلم آمن الشيطان عليهما"([18]) يعني: أن يشغل قلب أحدهما بصاحبه إذا نظر إليه.


فانظر كيف فعل بابن عمه وهو في حضرته متلبس بأسباب حجه، ولم يأمن الطباع من الفتنة، والشيطان من الوسوسة والمحنة.


وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال يومًا لعلي بن أبي طالب: "يا علي، إن لك كنـزًا في الجنة، فلا تتبع النظرة النظرة، فإن لك الأولى، وليست لك الآخرة"([19]) يعني أن النظرة الأولى نظرة الفجأة من غير قصد يمنح لك عفو بلا إثم، وليست لك الثانية إذا اتبعتها نظرة تمتع.


هذا خطابه لعلي رضي الله عنه، مع علمه بكمال زهده وورعه، وعفة باطنه وصيانة ظاهره يحذره من النظر، ويؤمنه من الخطر لئلا يدعي الأمن كل بطال، ويغتر بالعصمة والأمن من الفتنة }فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ{[الأعراف: 99].
وعن جرير بن عبد الله البجلي، قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة، فقال لي: "اصرف بصرك"([20]) يعني: عن النظر الثاني، لأنك لا تأمن فيه الشهوة والفتنة .


ولا شك أن حفظ البصر أشد من حفظ اللسان، فإن العين مبدأ الزنا فحفظها مهم، وهو عسر من حيث إنه قد يستهان به ولا يعظم الخوف منه والآفات كلها منه تنشأ.


والنظرة الأولى إذا لم تقصد لا يؤاخذ بها والمعاودة يؤاخذ بها.


قال مجاهد: إذا أقبلت المرأة جلس الشيطان على رأسها فزينها لمن ينظر وإذا أدبرت جلس على عجزها فزينها لمن ينظر([21]).


قال العلاء بن زياد: لا تتبع بصرك رداء المرأة فإن النظر يزرع في القلب شهوة، وقلما يخلو الإنسان في ترداده عن وقوع البصر على النساء والصبيان فمهما تخايل إليه الحسن تقاضى الطبع المعاودة وعنده ينبغي أن يقرر في نفسه أن هذه المعاودة عين الجهل فإنه إن حقق النظر فاستحسن ثارت الشهوة وعجز عن الوصول فلا يحصل له إلا التحسر، وإن استقبح لم يلتذ لأنه قصد الالتذاذ فقد فعل ما آلمه، فلا يخلو في كلتا حالتيه، عن معصية وعن تألم وعن تحسر، ومهما حفظ العين بهذا الطريق اندفع عن قلبه كثير من الآفات، فإن أخطأت عينه وحفظ الفرج مع التمكن فذلك يستدعي غاية القوة ونهاية التوفيق([22]).


وفي الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم: "لا يحل دم امرئ مسلم، إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة" وهذا الحديث في اقتران الزنى بالكفر وقتل النفس نظير الآية التي في الفرقان، ونظير حديث ابن مسعود.


فقد بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأكثر وقوعًا والذي يليه، فالزنا أكثر وقوعًا من الردة، وأيضا فإنه انتقل من الأكبر إلى ما هو أكبر منه، ومفسدة الزنى مناقضة لصلاح العالم، فإن المرأة إذا زنت أدخلت العار على أهلها وزوجها وأقاربها، ونكست رءوسهم بين الناس وإن حملت من الزنى، فإن قتلت ولدها جمعت بين الزنى والقتل، وإن حملته على الزوج أدخلت على أهله وأهلها أجنبيا ليس منهم، فورثهم وليس منهم، ورآهم وخلا بهم وانتسب إليهم وليس منهم، إلى غير ذلك من مفاسد زناها، وأما زنى الرجل فإنه يوجب اختلاط الأنساب أيضا، وإفساد المرأة المصونة، وتعريضها للتلف والفساد، وفي هذه الكبيرة خراب الدنيا والدين، وإن عمرت القبور في البرزخ والنار في الآخرة، فكم في الزنى من استحلال لحرمات، وفوات حقوق، ووقوع مظالم.


ومن خاصيته: أنه يوجب الفقر ، ويقصر العمر، ويكسو صاحبه سواد الوجه وثوب المقت بين الناس.


ومن خاصيته أيضًا: أنه يشتت القلب ويمرضه إن لم يمته ويجلب الهم والحزن والخوف، ويباعد صاحبه من الملك ويقربه من الشيطان، فليس بعد مفسدة القتل أعظم من مفسدته ، ولهذا شرع فيه القتل على أشنع الوجوه وأفحشها وأصعبها، ولو بلغ العبد أن امرأته أو حرمته قتلت كان أسهل عليه من أن يبلغه أنها زنت.


قال سعد بن عبادة رضي الله عنه: "لو رأيت رجلاً مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح"([23]) فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "تعجبون من غيرة سعد؟ والله لأنا أغير منه، والله أغير مني، ومن أجل غيرة الله حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن"([24])
متفق عليه.



أخي المسلم:

خل الذنوب صغيرها

وكبيرها ذاك التقى
واصنع كماش فوق أر

ض الشوك يحذر ما يرى
لا تحقرن صغيرة

إن الجبال من الحصى
قال محمد بن عبد العزيز: جلسنا إلى أحمد بن رزين من غدوة إلى العصر فما التفت يمنة ولا يسرة، فقيل له في ذلك فقال: إن الله عز وجل خلق العينين لينظر بهما العبد إلى عظمة الله تعالى، فكل من نظر بغير اعتبار كتبت له خطيئة.


الله أكبر.. أين من يطلق بصره ليل نهار؟ بل أين هذا الذي يقصد الأسواق وغيرها للنظر في ما لا يحل له؟ بل أين من يبقى ساعات طوال ليشاهد القنوات والمحطات؟ الرجل ينظر إلى النساء والمرأة تنظر إلى الرجال.. أين غض البصر وحفظه عن تلك المحرمات؟


قال سعيد بن المسيب: ما يئس الشيطان من شيء إلا أتاه من قبل النساء.
وقال سعيد وهو ابن أربع وثمانين سنة وقد ذهبت إحدى عينيه وهو يعثو بالأخرى: وما من شيء أخوف عندي من النساء([25]).


أخي: اختلت الموازين واختلفت المعايير، وإلا فأين من يطلق بصره من قول عمرو بن مرة؟ نظرت إلى امرأة فأعجبتني فكف بصري، فأرجو أن يكون ذلك كفارة.


وانظر إلى ما يتواصون به ويحرصون عليه، ونحن أحق به وأولى خاصة في هذا الزمن الذي انتشرت فيه الفتن وعمت به المحن.


قال وكيع: خرجنا مع سفيان الثوري في يوم عيد، فقال: إن أول ما نبدأ به في يومنا غض أبصارنا([26]).


قال سفيان الثوري: عليك بالمراقبة لمن لا تخفى عليه خافية ، وعليك بالرجاء ممن يملك الوفاء، وعليك بالحذر ممن يملك العقوبة.


أين أنت أيها المسلم من الثواب العظيم إذا صرفت بصرك وأطعت ربك، ألا فأبشر بوعد من لا يخلف الوعد.


}وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى{[النازعات: 40، 41].


أخي الحبيب: أين نحن من هؤلاء؟

قال ابن سيرين: إني أرى المرأة في المنام فأعرف أنها لا تحل لي فأصرف بصري عنها.


الله أكبر... في المنام ويصرف بصره.. لأنه يعلم أنها لا تحل له، ومن صرف بصره في النهار لم يرض بغير ذلك في المنام..


وأما من زلت به العين فماذا يرى كفارة ذلك.. أهي المعاودة وتكرار النظر أم التوبة إلى الله.


قال عمرو بن مرة: ما أحب أني بصير أني أذكر أني نظرت نظرة وأنا شاب([27]).
وحين خرج حسان بن أبي سنان يوم العيد فلما رجع قالت له امرأته: كم من امرأة حسنة قد نظرت اليوم إليها؟ فلما أكثرت عليه، قال: ويحك، ما نظرت إلا في إبهامي منذ خرجت حتى رجعت إليك([28]).

([1]) رواه البخاري.

([2]) تفسير ابن كثير (6/43).

([3]) تفسير ابن كثير (6/ 44).

([4]) تفسير ابن كثير (6/46).

([5]) فتح القدير (4/ 22).

([6]) أحكام النظر (18).

([7]) الجواب الكافي (179).

([8]) رواه البخاري ومسلم.

([9]) روضة المحبين (93، 94). والحديث رواه أحمد وأبو داود والترمذي.

([10]) رواه أحمد والحاكم.

([11]) ذم الهوى (82).

([12]) الأمرد: الشاب طر شاربه ولم تنبت لحيته.

([13]) الجواب الكافي (224).

([14]) أحكام النظر لابن القيم (9).

([15]) أضواء البيان (6/ 91)

([16]) أضواء البيان (6/ 919).

([17]) تزكية النفوس (38).

([18]) رواه الترمذي.

([19]) رواه أحمد وابن حبان. تقدم تخريجه دون قوله: إن لك كنزا في الجنة فالله أعلم.

([20]) رواه مسلم.

([21]) الجامع لأحكام القرآن (12/ 227).

([22]) الإحياء (3/ 114).

([23]) بضم الميم وفتح الفاء، يقال: أصفحه بالسيف، أي ضربه بعرضه دون حده.

([24]) الجواب الكافي (147).

([25]) صفة الصفوة (2/ 80)، السير (2374).

([26]) الورع لابن أبي الدنيا (63).

([27]) صفة الصفوة (3/ 106).

([28]) الورع لابن أبي الدنيا (64).








 


رد مع اقتباس
 

الكلمات الدلالية (Tags)
سهام, إبليس, وقوسه


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 21:31

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc