قال الله تعالى: و تمت كلمة ربك صدقا وعدلا، لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم
وقال عليه الصلاة والسلام : إقامة حد من حدود الله خير من مطر أربعين ليلة في بلاد الله عز وجل
قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (28/329-330): (فينبغي أن يُعرف أن إقامة الحدود رحمة من الله بعباده، فيكون الوالي شديداً في إقامة الحد لا تأخذه رأفة في دين الله فيعطله، ويكون قصده رحمة الخلق بكف الناس عن المنكرات لا شفاء غيظه وإرادة العلو على الخلق بمنزلة الوالد إذا أدب ولده، فإنه لو كف عن تأديب ولده كما تشير به الأم رقةً ورأفةً لفسد الولد، وإنما يؤدبه رحمةً به وإصلاحاً لحاله مع أنه يود ويؤثر أن لا يحوجه إلى تأديب، وبمنزلة الطبيب الذي يسقى المريض الدواء الكريه، وبمنزلة قطع العضو المتآكل، والحجم وقطع العروق بالفصاد ونحو ذلك، بل بمنزلة شرب الإنسان الدواء الكريه، وما يدخله على نفسه من المشقة لينال به الراحة، فهكذا شرعت الحدود وهكذا ينبغي أن تكون نية الوالي في إقامتها) أ.هـ
وقال ابن القيم في "إعلام الموقعين: (2/95): (فكان من بعض حكمته سبحانه ورحمته أن شرع العقوبات في الجنايات الواقعة بين الناس بعضهم على بعض، في النفوس والأبدان والأعراض والأموال،كالقتل والجراح والقذف والسرقة، فأحكم سبحانه وجوه الزجر الرادعة عن هذه الجنايات غاية الإحكام، وشرعها على أكمل الوجوه المتضمنة لمصلحة الردع والزجر مع عدم المجاوزة لما يستحقه الجاني من الردع، فلم يشرع في الكذب قطع اللسان ولا القتل، ولا في الزنا الخصاء، ولا في السرقة إعدام النفس، وإنما شرع لهم في ذلك ما هو موجب أسمائه وصفاته من حكمته ورحمته ولطفه وإحسانه وعدله، لتزول النوائب وتنقطع الأطماع عن التظالم والعدوان، ويقتنع كل إنسان بما آتاه مالكه وخالقه، فلا يطمع في استلاب غير حقه) أ.هـ
وقال : ومعلوم أن لهذه الجنايات الأربع مراتب متباينة في القلة والكثرة، ودرجات متفاوتة في شدة الضرر، وخفته كتفاوت سائر المعاصي في الكبر والصغر وما بين ذلك، ومن المعلوم أن النظرة المحرمة لا يصلح إلحاقها في العقوبة بعقوبة مرتكب الفاحشة، ولا الخدشة بالعود بالضربة بالسيف، ولا الشتم الخفيف بالقذف بالزنا والقدح في الأنساب، ولا سرقة اللقمة والفلس بسرقة المال الخطير العظيم، فلما تفاوتت مراتب الجنايات لم يكن بد من تفاوت مراتب العقوبات، وكان من المعلوم أن الناس لو وكلوا إلى عقولهم في معرفة ذلك وترتيب كل عقوبة على ما يناسبها من الجناية جنساً ووصفاً وقدراً لذهبت بهم الآراء كل مذهب، وتشعبت بهم الطرق كل مشعب، ولعظم الاختلاف واشتد الخطب، فكفاهم أرحم الراحمين وأحكم الحاكمين مؤنة ذلك وأزال عنهم كُلفته، وتولى بحكمته وعلمه ورحمته تقديره نوعاً وقدراً، ورتب على كل جناية ما يناسبها من العقوبة ويليق بها من النكال، ثم بلغ من سعة رحمته وجوده أن جعل تلك العقوبات كفاراتٍ لأهلها، وطهرة تزيل عنهم المؤاخذة بالجنايات إذا قدموا عليه، ولاسيما إذا كان منهم بعدها التوبة النصوح والإنابة، فرحمهم بهذه العقوبات أنواعاً من الرحمة في الدنيا والآخرة، وجعل هذه العقوبات دائرة على ستة أصول قتل وقطع وجلد ونفي تغريم مال وتعزير) أ.هـ "إعلام الموقعين": (2/95-96)