بسم الله الرحمن الرحيم
إنَّ الحمد الله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، واشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
أما بعد:
أخي الكريم: تأمَّل في إنعام الله عليك وإحسانه بك، وآلائه وفضله عليك؛ فقد أوجدك من العدم وأحياك، وخلقك وأحسن منظرك، ونفخ فيك من رُوحه فشرَّفك، وأطعمك فأشبعك، وآواك فأسكنك، وسقاك فرواك، وكان فضله عليك كبيرًا، }وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ{.
وهذا الإحسان الذي غمرك الله به، وزاد عليه أعظم إحسان وأجزل نعمة بأن هداك إلى دينه وأخرجك من ظلمات الشرك إلى نور الإيمان؛ جدير بك أن تجتهد في شكره، فإنما جزاء النعمة شكرها.
ومن معاني شكرها أن تُحسِن إلى غيرك كما أحسن الله إليك، فإنه سبحانه مُحسِنٌ يُحِبُّ المحسنين، ويجزي على الإحسان إحسانًا.. قال تعالى: }هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ{.
وقال سبحانه: }وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ{.
وقال سبحانه: }لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ{.
أحسن عملك
مقام الإحسان هو أعلى مقامات الدين وأرفع مراتبه، وهو أن تعبد الله جلَّ وعلا كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك.. فمن بلغ به إيمانه إلى هذه المرتبة فقد بلغ مرتبة عظيمة هي مفتاح الخير أجمع.
أخي الكريم:
وإذا تأمَّلت في نفسك وحياتك وجدتَ أنَّ غاية الله من خلقهما هو ابتلاؤك بالعمل؛ فهو خلقك ليرى منك هل ستُحسِن عملك فيُحسِن إليك أم ستُسِيئه فينالك العقاب!
قال تعالى: }تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ{.
والعمل الحسن هو العمل الصالح وهو، ما كان خالصًا وصوابًا.
فأمَّا إخلاصه فهو أن يكون لله فيُراد به وجهه وثوابه من غير سمعة ولا رياء.
وأمَّا صوابه فهو أن يكون على سُنة النبي r وطريقته.
ومتى أحسن المؤمن عمله لله، وتعبد له واتَّقاه بما شرعه وقضاه وسنَّهُ لنبيه r وارتضاه، أحسن الله إليه في الدنيا، وكفاه سائر همومه وأموره كما قال تعالى: }أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ{.
فبحسب إحسان المسلم لعبادة الله واتقائه له وانصياعه لأوامره سبحانه يكون إحسان الله به وكفايته وعونه له.
فمن ارتقى به عمله الحسن وتوحيده إلى مرتبة الإسلام أحسن الله إليه بحسب ذلك، ومن ارتقى به عمله الحسن واجتهاده في خشية الله إلى مرتبة الإيمان أحسن الله إليه بحسب ذلك، ومن ارتقى به عمله الحسن وعبدَ اللهَ كأنه يراه واستحى منه حقَّ الحياء فذاك أفضل المراتب وهي مرتبة الإحسان، وذاك الذي لا يخطئه الخير أبدًا.
فأحسن عملك يُحسن الله إليك ويصلح أحوالك، ويسعدك في الدنيا والآخرة، قال سبحانه: }مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ{.
أحسن إلى والديك
فقد أوصاك الله بذلك، وجعلها وصيةً مقرونةً بأعظم الوصايا وأوثقها، وهي عبادته سبحانه.
قال الله تعالى: }وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا{.
وقال سبحانه: }وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ{.
أخي: أحسن إلى والديك، كما أحسنا إليك، فقد ولداك فربياك، وآوياك فأسكناك، وأسقياك فأروياك، وأطعماك فأشبعاك، وحمياك فحفظاك، وعلَّماك فوعياك. ولم يزل برُّهما وفضلهما عليك منذ وُلدت وإلى أن تموت، ومهما أحسنتَ إليهما وصاحبتهما بالمعروف والإحسان والبر. فلن تردَّ حقهما ولن تبلغ شكرهما، فعن أبي هريرة t قال:
قال رسول الله r: «لا يُجزي ولد والده إلاَّ أن يجده مملوكًا فيشتريه فيعتقه» رواه مسلم.
فجاهد فيهما بالإحسان وألوان البر، فإنَّ الإحسان إليهما جهاد ثابت أجره، عظيم ثوابه؛ فقد جاء رجل إلى رسول الله r يستأذنه في الجهاد، فقال له الرسول r: أحيٌّ والدك؟ قال: نعم. قال: ففيهما فجاهد.
وعن عبد الله بن مسعود t قال:
سألت رسول الله r: أيُّ العمل أحبِّ إلى الله؟ قال: «الصلاة على وقتها». قلت: ثم أي؟ قال: «بر الوالدين». قلت: ثم أي؟ قال: «الجهاد في سبيل الله» رواه البخاري ومسلم.
ومن صور الإحسان إليهما أن تُحسن معاشرتهما؛ فلا تقل لهما أفٍ ولا تنهرهما وقول لهما قولاً كريمًا، واحرص على برِّهما بالكلمة الطيبة والرحمة والحبِّ والحنان والتقدير والاحترام، واجعل شأنهما في نفسك كبيرًا؛ فإنك بإذن الله مأجورٌ أجرًا عظيمًا على ذلك، وكذلك بالإنفاق عليهما ولو كانا غنيَّين، وبذل الخير لهما، والدعاء لهما بالخير والرحمن والهدى والسداد }وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا{.
وتذكَّر أنك مغمورٌ بأفضالهما، ومهما قدَّمت لهما من برٍّ فلن تُحسن إليهما كما أحسنا إليك ولو بلغ برُّك بهما أقصاه.
وقد رأى ابن عمر رضي الله عنهما رجلاً قد حَمَل أمَّه على رقبته وهو يطوف بها حول الكعبة. فقال: يا ابن عمر، أتراني جازيتها؟ قال: ولا طلقة واحدة من طلقاتها، ولكن أحسنت، والله يُثيبك على القليل كثيرًا.
أحسِن إلى أرحامك
فهم الأولى بالإحسان من الأباعد، وقد وصَّى الله جلَّ وعلا بالإحسان بالأرحام وجعله مُقدَّمًا على الإحسان إلى غيرهم، قال تعالى: }وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ{ الآية.
والإحسان إلى ذوي الأرحام له صور:
1- صِلتهم بما يُرضي الله جلَّ وعلا،وبما جرى عليه العُرف، فإنَّ صلة الرحم مُوجِبة لصلة الله وإحسانه، قال r: «الرحم شُجنة من الرحمن، فمن وصلها وصله الله، ومن قطعها قطعه الله»؟
انظر: السلسلة الصحيحة برقم: 935.
ومن الإحسان الذي تُثمره صلة الرحم: الزيادة في العمر، وكثرة المال والولد،
فعن عمر بن سهل t قال: قال رسول الله r: «صلة القرابة مثراة في المال، محبة في الأهل، منسأة في الأجل» رواه الطبراني.
وصلة الرحم إحسان، ولذلك فهي لا تستلزم المكافأة، وإنَّما يؤدِّي حقَّها المؤمن الصادق وينتظر من الله ثوابها وأجرها، فيصل وإن قاطعه أهله، وقد قال r: «ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها» رواه البخاري.
وجاء رجل يشتكي إلى رسول الله من أهله؛ إذ يحسن إليه، ويسيئون إليه، ويصلهم ويقاطعونه، فبشَّره الرسول r، وقال: «لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك» رواه مسلم.
2- النفقة عليهم: فهي من أعظم الإحسان، وأجود صور الصلة، وهي من أعجل الثواب، وأوسع أبواب الرزق وزيادة البركة، وجاء في الحديث: «إنَّ الصدقة على المسكين صدقة، وإنها على ذي الرحم اثنتان صدقة وصلة» رواه ابن حبان.
وقال رسول الله r: «أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح» رواه أحمد.
والكاشح: هو المنازع المخاصم الكاره.
فأحسن إلى أهلك وأقربائك بالصلة وحُسن الخلق؛ يحسن الله إليك بسعة الرزق العاجل، ونعيم الجنة الآجل، ويُعمِّر دارك بالخير، ويُزد في عمرك.
قال r: «صلة الرحم، وحسن الخلق، وحسن الجوار، يعمران الديار، ويزدن في الأعمار» رواه أحمد.
أحسن إلى الضعفاء
قال رسول الله r: «قال الله تعالى: ابغوني في ضعفائكم، فإنَّما ترزقون وتنصرون بضعفائكم» رواه أبو داود.
فمن أحسن الله إليه بمال ونحوه، وأحب أن يزيده الله إحسانًا فليكن رحيمًا بالضعفاء، وليبتغِ نصر الله وفتحه في رعايتهم وقضاء حاجاتهم وإغاثة لهفاتهم، وتطييب نفوسهم.
أخــي..
وإذا رأيت في الناس من هم أضعف منك، فتذكَّر أنَّ ضعفك قائمٌ لولا ستر الله عليك ولُطفه ورحمته، }وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا{، فأنت فقير، }يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ * إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ{، ولولا أنَّ الله يسد فقرك لظهر ضعفك للعيان.
وتذكَّر أنك هالك مغلوب لولا أنَّ الله يحفظك بحفظه، وقد وكَّل بك ملائكة تحرسك بالليل والنهار، }لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ{.
أي: يحفظون الإنسان من الشرور بأمر الله لهم وتوكيله إياهم ذلك.
وتذكر أنَّ رميك لا يصيب إلاَّ بإذن الله وأمره، }وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى{..
وأنَّ حرثك لا ينبت إلا بإذن الله، }أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ * أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ{.
فإذا تأمَّلت ذلك ونظائره وجدت نفسك ضعيفًا مغمورًا بستر الله وإحسانه عليك، وأنه لا حول ولا قوة لك إلاَّ بالله العليِّ العظيم!
فأحسن إذن إلى الضعفاء كما أحسن الله إليك وأنت ضعيف، واجبر كسرهم كما جبر الله كسرك، وأشبع جوعتهم كما أشبع الله جوعتك، واقضِ حوائجهم كما قضى الله حوائجك.
واحذر أخي أن تستكبر على الضعيف، أو تنهر السائل، فلربما أوجبت لك نهرة استكبار أو صولة على ضعيف أو سخرية بمسكين أو استهزاء بفقير تحويل النعمة وزوالها.. قال رسول الله r: «إنَّ لله أقوامًا اختصَّهم بالنعم لمنافع العباد، يقرّهم فيها ما بذلوها، فإذا منعوها نزعها منهم، فحوَّلها إلى غيرهم» رواه ابن أبي الدنيا والطبراني بلفظ نحوه وحسنه الألباني.
أحسن إلى عموم الناس
وصُوَر الإحسان إلى عموم الناس تجمعها خصلة واحدة هي: «الخُلق الحسن»، ولذلك قال رسول الله r في وصيته الجامعة لمعاذ: «اتقِ الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخُلق حسن».
ومخالقة الناس بالخلق الحسن يطول فيها الكلام، ولكنَّ أسسها تنحصر في الآتي:
1- الرحمة بالناس: فإنَّ المسلم الرحيم قلبه لا تجده إلاَّ محسنًا في خُلُقِهِ، حنونًا على إخوانه، يرحم الضعيف، ويوثر الكبير، ويغيث الملهوف وذا الحاجة، ويعين على نوائب الدهر، ويرفق بالمخالف، ويحرص على دعوته وردِّه إلى الله بالحكمة والحسنى خوفًا من أن ينفضَّ ولا يستجيب، وحتى إذا لم يجد كيف يُعين المحتاج، ولا كيف يردُّ الضال إلى الحقِّ تجده يتحسَّر ويتألَّم ويضرع إلى الله بالدعاء يسأله سؤال المضطرِّ الفزع القلق، وكأنما المصيبة مصيبته، والفاجعة فاجعته، والحاجة حاجته، وما ذاك إلاَّ فيض رحمة من الله في قلبه تجعله يُحسن إلى الناس ويتفانى في رحمتهم،
وذاك، ذاك هو أهل رحمة الله، وأهل إحسانه وعونه وكفايته، وهذا رسول الله r يُقرِّر ذلك ويقول: «والذي نفسي بيده لا يضع الله رحمته إلا على رحيم» قالوا: كلنا يرحم، قال: «ليس برحمة أحدكم صاحبه، يرحم النَّاس كافة» السلسلة الصحيحة: 167.
فأحسن إلى الناس يحسن الله إليك، «ولا تحقرن من المعروف شيئًا، ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق» رواه مسلم مرفوعًا.
2- مقابلة الإساءة بالإحسان: وفي ذلك قال الله جلَّ وعلا: }خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ{ [الأعراف: 199].
قال عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما في هذه الآية: «أمر الله نبيَّه أن يأخذ العفو من أخلاق الناس».
وقال مجاهد رحمه الله: «يعني خذ العفو من أخلاق الناس وأعمالهم من غير تخسيس مثل قبول الأعذار، والعفو، والمساهلة وترك الاستقصاء من البحث والتفتيش عن حقائق بواطنهم».
وقد قال r: «من لا يرحم لا يُرحم، ومن لا يغفر لا يُغفر له، ومن لا يتب لا يُتب عليه» السلسلة الصحيحة: 483.
بذل المعروف:
ومن صور الإحسان إلى الخلق بذل المعروف وصناعته، كالإنفاق والصدقة، والسعي على الأرملة والمسكين، وإغاثة الملهوف، وكفالة اليتيم، وقضاء الحوائج، وإقالة المعسر، ونحو ذلك من صور البر والخير. قال تعالى: }إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ{ [الحديد: 18].
فالمال مال الله، وهو سبحانه من أنفق عليك، ورزقك إياه، وجعلك مُستخلَفًا فيه، ويسَّر لك أسبابه، وفتح لك أبوابه، ليبلوك هل ستشكر أم تكفر؟! فاحذر أن يراك مُمتنِعًا عن الإحسان بما أحسن إليك!
قال رسول الله r:
«ما من يوم يصبح العباد فيه إلاَّ ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعطِ منفقًا خلفًا، ويقول ألآخر: اللهم أعطِ ممسكًا تلفًا» رواه البخاري ومسلم.
وقال تعالى: }لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ{ [آل عمران: 92].
فأحسن يحسن الله إليك؛ فإنَّ الصدقة وقاية من غضب الله وعقابه، تدفع ميتة السوء وتوجب انشراح الصدر وطمأنينة النفس، وتستر العيب، وتُحِطُّ الخطيئة والذنب، قال رسول الله r:
«صنائع المعروف تقي مصارع السوء والآفات والهلكات، وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة» رواه الحاكم وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم 1908.
وتذكَّر أنَّ إحسانك إلى الناس بمالك هو مفتاح رزق تنزل به البركة من السماء؛ فقد قال الله جلَّ وعلا في الحديث القدسي: «أنفق يا ابن آدم أُنفق عليك».
فسبحان من أحسن وأغنى، وجعل جزاء الإحسان زيادة الإحسان والغنى!
يقول ابن القيم رحمه الله:
«والله سبحانه وتعالى رحيم يحب الرحماء، وإنما يرحم من عباده الرحماء، وهو ستير يحب من يستر على عباده، فمن غفر غُفر له، ومن سامح سامحه، ومن حاقق حاققه، ومن رفق بعباده رفق به، ومن رحم خلقه رحمه، ومن أحسن إليهم أحسن إليه، فأحسِنْ كما أحسن الله إليك، ولا تخشَ من ذي العرش إقلالاً».
خاتمة
أخي، عملك مردودٌ عليك، إنْ خيرًا فخير، وإنْ شرًا فشر، وقد علمت أنَّ الله جلَّ وعلا قد وعد المحسنين بالإحسان فقال: }هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ{، وقد علمتَ أيضًا أنه سبحانه لا يُخلف الميعاد، }وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ{.
فمهما يكن ما تبذله من إحسان فإنك مُجزًى بمثله، بل إنَّ الله سبحانه وتعالى – وهو أكرم الأكرمين – يُضاعفه لك ويَجزيك بها مضاعفًا في الدنيا والآخرة، ألستَ ترى أنه يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، وأنه أجزى الصابرين بغير حساب، فأحسن كما أحسن الله إليك، فأنت أول من يجني ثمار الإحسان، وأول من ينعم بجزائه العاجل في الدنيا وثوابه العظيم في الآخرة.
عن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: «من أحب أن يُزحزح عن النَّار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليؤت الناس مثل الذي يحب أن يؤتى إليه» رواه مسلم.
فإن كنت تحب النجاة من النار والفوز بالجنة فأحسن إلى الناس كما تحب أن يُحسَن إليك، وعاملهم كما تُحب أن يعاملوك، فإن كنت تحب أن يَبَرَّك أبناؤك فبرّ والديك، وإن كنت تحب أن يوسع الله في رزقك فكن مفتاح رزق على أرحامك، وإن كنت تحبّ أن يرحم الله في الآخرة ضعفك فأحسن إلى الضعفاء، وإن كنت تحبُّ أن يستر الله عورتك فاستر عورات المسلمين، وإن كنت تحب أن تنال الجنة ونعيمها فأحسن عملك وأصلح نيتك.
وتذكَّر أنَّ ثمار الإحسان لا يعلم قدرها ووزنها إلاَّ الله جلَّ وعلا، فلو لم يكن من ثمارها إلاَّ محبة الله جلَّ وعلا لكان جديرًا بكلِّ مؤمن أن يُوطِّن نفسه لاكتسابها؛ فمحبة الله سبحانه هي مفتاح الخير أجمع، من ظفر بها أشرقت في وجهه البركات، ونزلت عليه الرحمات، وكان الله له بكلِّ خير أشرع، فأحسن }إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ{.
وصلَّى الله وسلَّم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.