فوائد وأسرار الصيام - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم النوازل و المناسبات الاسلامية .. > أرشيف قسم النوازل و المناسبات الاسلامية ..

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

فوائد وأسرار الصيام

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2007-09-07, 13:39   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
عزالدين
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية عزالدين
 

 

 
إحصائية العضو










New1 فوائد وأسرار الصيام

فوائد وأسرار الصيام



مقدمة :
إن من طبيعة النفوس أن تفتر وتمل ، وأن تتعب وتكل ، سيما مع طول الزمان ، ومغريات الحياة ، كثرة متع الدنيا ، وصد الشيطان . وحينئذ تضعف النفس عن أداء الواجبات ، والقيام بالطاعات ، كما يقل تأثّرها بها ، واستفادتها منها .
ومن حكمة الله ورحمته أن جعل لها ما يقوي ضعفها ، ويشحذ عزمها ، ويزيد من إيمانها ؛ وذلك من خلال التفضيل الذي خصّ به بعض الأزمنة والأمكنة ..( بادحدح رمضان نفحات ولفحات ص6)
ومن الأزمنة الفاضلة : عشر ذي الحجة ، وعاشوراء ، ورمضان ..
ودرسنا هو عن فوائد و أسرار الصيام ، تلك العبادة العظيمة التي جعلها الله ركنا من أركان الإسلام ، وفرضها الله على المسلمين ليس يوما واحد ؛ بل 30 يوما ، وكل عام .
[ وقد كتب الله الصيام فرضا محتوما في دينه الحنيف في قديم الزمان من الأمم السابقة ، فلذلك قال : { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }183 ، فهو ليس إيجابا مختصا بهذه الأمة ؛ بل هو فريضة دينية قديمة ، وذلك لأهميته ، وعظيم أثره على النفوس " ( بتصرف /الدوسري صفوة المفاهيم ص8)
لقد تكلم العلماء والمربون عن الفوائد التربوية من الصوم ، حتى أنه أطلق عليه مدرسة الصيام ، لما قيه من الفوائد الكثيرة التي تعتبر مصدرا من مصادر التربية .
وعبادة بهذه الأهمية والفائدة ؛ يجب علينا أن نتلمس الفوائد التي فيها ، ونحاول الاستفادة منها ، إننا نرى أصحاب الدورات التربوية أو الإدارية ..، قبل الدخول في دورة من الدورات ؛ يقوم المقدمون بعرض مزايا هذه الدورة ، وما فيها من فوائد ، ونحن مقبلون على عبادة ؛ أشبه بدورة ، ومدرسة ، يتربى فيها المسلم على مجموعة من الفضائل ، ويتخلى عن مجموعة من الرذائل . فينبغي علينا أن نتعرف على هذه الفوائد و الأسرار.

(1) التقوى:
وهي المقصد الأسمى من فرضية الصوم ، كما نطق بذلك الحق سبحانه :{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون } ( البقرة183)
وهذه الغاية المرادة بالصوم هي الغاية من العبادات جميعا : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } ( البقرة 20) .
والتقوى هي الخشية ، قال تعلى : { يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ } ( النساء 1) ، وقال تعالى : { إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ } (106الشعراء ) يعني : ألا تخشون الله .
والتقوى وإن كانت بمعنى الخشية ، إلا إنها وردت في القران على معاني ؛ منها :
الإيمان والشهادة ، كما قال تعالى :{ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا } (الفتح 26)
ومنها : التوبة ، قال عز وجل : { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى ءَامَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } (الأعراف96 )
ومنها : الإخلاص ، قال تعالى: { ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} (32الحج ) (الرازي ، تفسير فتح الغيب ج2ص20)

وحقيقة التقوى أن يعرف العبد ربه بأسمائه وصفاته ، يعرف عظمته وقهره وجبروته وقدرته فيخاف منه ويفزع ، فيحذر أن يقع في معصيته ، ويعرف رحمته ومغفرته ونعمه التي لا تُحصى ، وما أعد لعباده المؤمنين ؛ فإذا به يسارع إلى رضاه ، ولا ينال العبد التقوى إلا بالمداومة على الطاعة ، وإقامة الفرائض ، والزيادة من النوافل . ( الأشقر الصوم في ضوء الكتاب والسنة ص6)
فالتقوى إذاً حذر وتوقي لأسباب العذاب ، وعند خواص المؤمنين : حذر وتوقي لأسباب البعد عن الله ؛ كالذي يسير في طريق فيه شوك ؟ يحذر أن يقع فيه . سأل عمر أبي بن كعب : ماهي التقوى ؟ قال إبي : يا أمير المؤمنين : أما سلكت طريقا ذات شوك ؟ قال : بلى . قال : فماذا صنعت ؟ قال : شمرت واجتهدت . قال : فذلك التقوى ( تفسير ابن كثير )
فالمتقي يحذر من شوك الطريق ؛ الذنوب والمعاصي أو حتى المباحات ؛ التي تحول بينه وبين ربه ، فدائما هو في حذر ، إن خطى خطوة قال: ما أردت بهذه الخطوة ؟ إذا رأى امرأة خاف من ربه ، وصرف بصره ، .. فهو دائما يستشعر رقابة الله عليه ويخافه ويتقيه ؛ في فعله وتركه ، وقيامه وقعوده ، حتى في أكله وشربه ، هذا غلام لأبي بكر مملوك ، يأتيه بكسبه ، فجاء يوما بشيء فأكل منه أبو بكر ، فقال له الغلام : تدري ما هذا ؟ فقال أبو بكر : ما هو ؟ قال : كنت تكهّنت لإنسان في الجاهلية ، وما أحسن الكِهانة ، إلا أني خدعته ، فلقيني فأعطاني بذلك ، فهذا الذي أكلتَ منه !!
فأخل أبو بكر يده فقاء كل شيء في بطنه !! فقيل له : يرحمك الله ، كل هذا من أجل هذه اللقمة ؟ فقال : لو لم تخرج إلا مع نفسي لأخرجتها ؛ سمعت رسول الله يقول : كل جسد نبت من سُحت فالنار أولى به . فخشيت أن ينبت شيء من جسدي من هذه اللقمة ؟ ( سير إسلامية لعبد الستار الشيخ ص54)
انظر إلى هذا المثل الرائع لتقوى هذا الصحابي لربه ، رغم مكانته في الإسلام والجهاد والدعوة وجمعه لخصال الخير ؛ إلا أنه لم يغتر بذلك كله ، وكانت لديه تلك الخشية ، وذلك الحذر !!
فالتقوى هي زاد الروح ، الذي به ؛ أي هذا الزاد ؛ يسير إلى ربه ، ويصل سالما ، وأمل قول الله تعالى : { وتزودوا فإن خير الزاد التقوى } ، يقول ابن القيم : أمر الحجيج بأن يتزودوا لسفرهم ، ولا يسافروا بغير زاد . ثم نبههم على زاد سفر الآخرة ، وهو التقوى . ( بدائع التفسير ج1ص388)
قال ابن القيم : كما أن البدن لا يكون صحيحا إلا بغذاء يحفظ قوته ، واستفراغ يستفرغ المواد الفاسدة والأخلاط الرديئة التي متى غلبت عليه أفسدته ، وحمية يمتنع بها مما يؤذيه وخشى ضرره ، فكذلك القلب لا تتم حياته إلا بغذاء من الإيمان والأعمال الصالحة تحفظ قوته ، واستفراغ بالتوبة النصوح تستفرغ بها المواد الفاسدة والأخلاق الرديئة منه ، وحمية توجب له حفظ الصحة ، والتقوى : اسم متناول لهذه الأمور الثلاثة ، فما فات منها فات التقوى بقدره . ( في ظلال التقوى لوهبي ص 11)
الذي يسير في هذه الحياة بغير تقوى لله ؛ ما أكثر ما تزل قدمه !! وما أقرب الشيطان منه ؟

ربما يسأل سائل : ما علاقة الصوم بالتقوى ؟ **
وسر ختام آية الصيام بالتقوى : أن إعداد نفوس الصائمين لتقوى الله يظهر من وجوه متعددة ؛ "أعظمها شأنا : أن الصيام أمره موكول إلى نفس الصائم وضميره ، لا رقيب عليه إلا الله ، فهو سر بين العبد وربه لا يطلع عليه أحد سواه ، لأنه يستطيع أن يفطر سرا مختفيا عن أقرب قريب ، ولكنه يلتزم الأمانة في حفظ الصيام ؛ مهما سنح له ما يشتهي أو يغري . فمواصلة ذلك شهرا كاملا فيه تربية على هذه الخصلة العظيمة ". ( الدوسري ص 15)
والصيام بما فيه من استجابة لأوامر الله ، وترك لمحبوبات النفوس ومطلوباتها بدون رقابة سوى الله ، ينشيء التقوى في القلوب ( أشقر ص7)
فالصوم يعد نفس المسلم لتقوى الله ومراقبته طوال السنة ؛ الذي جعلك تراقبه في هذا الشهر فراقبه في بقيته ، فإن رب الشهور واحد ، وهو مطلع وشاهد .فما أعظمها من فائدة : تربية التقوى والمراقبة الدائمة في النفوس ، في كل مكان ، وفي أي زمان ، فأي قانون هذا الذي يربي هذه الحساسية ،
ولهذا قال أحد الفضلاء : إن الدساتير والقوانين واللوائح مهما تكن من الضبط والإحكام لا تستطيع أن تصنع الإنسان من داخله ، ولا تستطيع أن تصنع ضميره وقلبه ووجدانه وعواطفه ، وإنما تتحكم فقط قي الظاهر .
إن عبادة الصوم منهج إلهي يوقظ الضمير ، ويحيى الشعور ، وينبه الإحساس ، وبذلك تتطهر الحياة من البغي والظلم والفساد ."
لذلك تجد الناس في رمضان تزداد عندهم هذه الحساسية ؛ التي هي التقوى ؛ والتحرج ، فتكثر الأسئلة عن بلع الريق ، ومضغ الطعام ، وفرشاة الأسنان ، وليت هذه الحساسية تستمر بعد رمضان .
فإذا كان النهار اشتغلت المراقبة ، وإذا جاء الليل انطفأت ! لماذا ؟ فربنا الذي صمنا له بالنهار موجود وشاهد بالليل !! { سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ(10الرعد ) )
وما أحوجنا إلى التقوى التي تنمي المراقبة : أن يتقي العبد ربه ويراقبه خاصة في خلوته ، حيث لا يراه أحد .

وإذا خلوت بريبة في ظلمةٍٍ *** والنفس داعية إلى العصيان
فاستحي من نظر الإله وقل لها *** إن الذي خلق الظلام يراني

وقال الآخر :

إذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل *** خلوت ولكن قل علي رقيب
ولا تحسبن الله يغفل ساعة *** ولا أن ما يخفى عليه يغيب


فالصيام يربي في النفس التقوى والمراقبة ، وكيف نغض أبصارنا إذا رأينا محرما أو فتنة ؟ كيف نمتنع عن الحرام إن لم نتربَّ على مبدأ المراقبة وخشية الله في السر والعلن ؟ وهذا ما يعلمنا إياه شهر رمضان .
تجد المرأة في مطبخها أمام أصناف الأطعمة والأشربة ، فلا تأكل منه شيئا ، أو تشرب منه كأسا ! من الذي منعها ، ومن الذي يراقبها ؛ إنه الله .
المتوضيء وهو صائم يتمضمض والماء في فمه ولو ابتلعه لما شعر به أحد ، من الذي يمنعه أن يبتلع منه قطرة . إنه مبدأ المراقبة والخوف من الله العليم الخبير . ( بتصرف العمر 33/34)
فعلى المسلم أن يراقب الله في صيامه وصلاته ، و أولاده ، يخاف الله فيهم ، ويراقب الله في عمله ، على المرأة أن تراقب الله في لباسها الذي تلبسه أمام محارمها .

وهذا يقودنا لثمرة من ثمار التقوى ؛ وهي أيضا فائدة من فوائد الصوم :

(2) تحقيق الإخلاص ، والبعد عن الرياء :
فالصائم إنما يمتنع عن هذه الشهوات المباحة والمحببة للنفوس ؛ إنما يمتنع عنها لله وحده ، في الوقت الذي لا يراه فيه أحد ؛ إخلاصا لله ، وهذا هو المطلوب في جميع العبادات الظاهرة والباطنة ، قال تعالى : وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ (5البينة أي : كون حالهم مخلصين فيه لله ، لم يُؤمروا بالعبادة فقط ، بل بالإخلاص فيها . )
روى البخاري في صحيحة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الله في الحديث القدسي : " يترك طعامه وشرابه من أجلي ، الصيام لي وأنا أجزي به " .
إذاً فهذه العبادة الجليلة التي قال الله عنها :" يترك طعامه وشرابه من أجلي" تنمّي في الإنسان العمل لله وحده ، وتربي فيه مبدأ عدم الرياء والإخلاص لله في جميع الأعمال الظاهرة والباطنة ، لذلك ورد في الأثر : " ليس في الصيام رياء " ، قال الحافظ ابن حجر : معنى النفي أنه لا يدخله الرياء بفعله وإن كان يدخله الرياء بقوله ؛ كمن يخبر أنه صائم . ( العمر ص 31/32)
هذا معنى من معاني : " الصوم لي " أنه سر بين العبد وربه ، ولا يدخله الرياء .
والمعنى الثاني : أنه لا تدخله المقاصة يوم القيامة ، كما ورد في البخاري : " كل عمل كفارة ، الصوم لي ، ووأنا أجزي به " ، وعند أحمد : " كل عمل ابن آدم له كفارة إلا الصوم .." ، ومن أحسن ما قيل في معنى ذلك ، ما قاله سفيان ابن عيينة ، قال : " هذا من أجود الأحاديث وأحكمها ، إذا كان يوم القيامة يحاسب الله عبده ، ويؤدي ما عليه من المظالم من سائر عمله ، حتى لا يبقى إلا الصوم ، فيتحمل الله ما بقي عليه من المظالم ، ويدخله بالصوم الجنة " خرجه البيهقي في الشعب . قال ابن رجب : وعلى هذا فيكون المعنى أن الصيام لله ، فلا سبيل لأحد إلى أخذ أجره من الصيام ، بل أجره مدخر لصاحبه عند الله ( ابن رجب لطائف المعارف ص286)
وعموما الصوم تربة على الإخلاص لله في جميع الأعمال ؛

والذي ينظر إلى حياة سلفنا الصالح يرى العجب من شدة إخلاصهم رحمهم الله :
• تقول امرأة حسان بن سنان : كان حسان يجيء فيدخل في فراشي ؛ أي: عند النوم ؛ فيُخادعني كما تُخادع المرأة صبيها ، فإذا علم أني نمت سلّ نفسه فخرج ، ثم يقوم يصلي .
• وعن محمد بن اسحاق قال : كان ناس من أهل المدينة يعيشون ، لا يدرون من أين كان معاشهم ، فلما مات علي بن الحسن ؛ زين العابدين ؛ فقدوا ما كانوا يُؤتون به في الليل . ووجدوا في ظهره عند غسله آثار مما كان يحمل بالليل من الجراب إلى المساكين .
• هذا داود بن أبي هند صام أربعين سنة ؛ لا يدري عنه أهله ولا أهل السوق ، كان خزتزا ،يحمل غداءه معه فيتصدق به ، فيظن أهله أنه أكل في السوق ، ويظن أهل السوق أنه أكل عند أهله .
• قال الحسن البصري : إن كان الرجل ليجلس في المجلس ، فتجيئه عبرته فيردّها ، فإذا خشي أن تسبقه قام .
• وهذا أبو وائل إذا صلى في بيته ينشج نشيجا ، ولو جُعلت له الدنيا على أن يفعله وأحد يراه ما فعله .
يقول سفيان الثوري : البكاء عشرة أجزاء ، تسعة لغير الله ، وواحد لله .
وقال سفيان بن عيينة : أصابتني ذات يوم رِقة فبكيت ، فقلت في نفسي : لو كان بعض أصحابنا لرقًّ معي ، ثم غفوت ، فأتاني آت في منامي فرفسني ؛ وقال : يا سفيان ! خُذ أجرك ممن أحببت أن يراك !!
وفي مجال العلم : قال الشافعي إمام المذهب ، ومؤصّل علم الأصول : وددت أن الخلق تعلموا هذا ، على أن لا يُنسب إليّ حرف منه .
صَدقوا مع الله ، فنَفَع الله بكلامهم الخلق الكثير ، لذلك كلمات قلائل من السلف تُحيي أُمما ؛ لأنها خرجت من مُخلص ومن القلب :
قيل لحمدون بن أحمد : ما بال كلام السلف أنفع من كلامنا ؟ قال : لأنهم تكلّموا لعزّ الإسلام ، ونجاة النفوس ، ورضا الرحمن . ونحن نتكلّم لعز النفوس ، وطلب الدنيا ، ورضا الخلق !!
( العفاني صلاح الأمة ج1 ص105)
تنبيه : وهذا لا يعني أن يترك الإنسان العمل بالكلية أمام الناس خوف الرياء ،
قال الفضيل بن عياض : ترك العمل من أجل الناس رياء ، والعمل من إجل الناس سرك ، والإخلاص أن يُعافيك الله منهما .
قال الحافظ النووي في معنى كلام الفضيل : أن من أراد أن يعمل عملا صالحا ثم تركه خوف الرياء من الناس فإنه يكون مرائيا بهذا الترك ؛ لأن الترك حصل من أجل الناس .إهـ (العليوي مباحث في النية ص27)
والأعمال تتفاوت ؛ فمنها ما شُرع جماعة ؛ كالجُمع والجماعات والإمامة والأذان وغيرها ، فهذا لا بد من إظهارها لأنها من شعائر الدين الظاهرة .
وهناك أعمال يعملها العبد سرا ؛ فالأفضل أن تكون سرا حتى لا يدخلها الرياء ، إلا إذا كان هناك مصلحة في عملها أمام الناس .
وإذا عملت العمل في السر ؛ وأنت مستشعرا الإخلاص فيه لله ، و أتاك الشيطان يقول : فلان يراك ، اترك العمل ! فلا تترك العمل ، واستمر فيه ، ولا تلتفت لوسوسة الشيطان .

(3) اعتياد النظام ودقة المواعيد :
نرى حياة كثير منا فوضى ، وعدم التزام بالمواعيد والأوقات ، فإذا جاء رمضان أعطانا هذا الدرس العجيب في دقة المواعيد ، والنظام والمحافظة عليه ، ولو وقفنا أمام مثال واحد نرى كيف أن رمضان يعلم الناس النظام والدقة : قال النبي :" إذا أذن بلال فلا تمسكوا ، ولكن أمسكوا إذا أذن ابن أم مكتوم " خ/م
كم الفرق بين أذان ابن أم مكتوم وأذان بلال ؟ قال الراوي : ما بينهما إلا أن ينزل هذا ويصعد هذا " إذاً هي بضع دقائق .
انظر كيف كان النبي يعلم أصحابه أهمية الوقت والدقة في المواعيد ؛ فالصيام في وقت ، والإفطار في وقت ..
والأدق من هذا لو أن صائما لم يتقيد بالمواعيد ؛ وتناول طعاما قبل الغروب بدقيقتين ..عامدا فإن صيامه يبطل . (العمر ص 50)
أرأيت كيف يربينا الصيام على الدقة في المواعيد ؛ حتى نحافظ على أوقتنا ؛ التي هي أعمارنا .
وكم نرى من الصائمين من تأثّر بهذا الدرس ؛ إذا دخلت على الموظف في مكتبه في وقت فراغه تجده يقرأ القران ، وكذلك المُدرِّسة بين الحصص ..، حتى الطلاب في المدارس.. ؛ تجد الجميع لديه الحرص للاستفادة من الوقت و هو صائم . ولكن كم نتمنى أن يستمر منا هذا الحرص في ليل رمضان !! وأن يمتد أيضا هذا الحرص والمسابقة إلى الخير ما بعد رمضان ؛ فإن المسارعة إلى الخير مطلوبة من المسلم كل وقت ، قال الحق سبحانه :{ فاستبقوا الخيرات } ( البقرة 148/ المائدة 48) يعني : بادروا إلى فعل الخيرات ، كُن من السابقين في الدنيا إلى الخير ؛ حتى تكون منهم في الآخرة .
والأمر بالاستباق إلى الخيرات قدر زائد على الأمر بفعل الخيرات ؛ فإن الاستباق إليها يتضمن : فعلها ، و تكميلها ، و إيقاعها على أكمل الأحوال ، والمبادرة إليها . فمن سبق في الدنيا إلى الخيرات ؛ فهو السابق في الآخرة إلى الجنات . ( تفسير السعدي ج1ص186)
إن الصيام لا يربينا فقط على الحفاظ على الوقت ؛ بل وعلى الدقة فيه ، والإستفادة منه ؛ فقال الله عز وجل :{ أَيَّامًا مَعْدُودَات } (لبقرة 184) يُذكّرنا ربنا أن رمضان أياما قلائل عزيزة و نفيسة ؛ لا تلبث أن ترحل .
فمن المؤسف أن ترى بعض الناس في رمضان ؛ يقضون أوقاتهم فيما لا فائدة فيه ، بل ربما فيما يعود عليهم بالإثم ، يفعلون ذلك في هذه الأيام الفاضلة ؛ التي تُفتّح فيها أبواب الجنان ، وتُغلّق فيها أبواب النيران !! فأي خير حُرم هؤلاء ؛ قال النبي.. : أتاني جبريل فقال : يا محمد ! من أدرك رمضان فلم يُغفر له ؛ فأبعده الله . فقلت : آمين . ( أخرجه ابن حبان وهو حديث صحيح )
فعلى المسلم أن يغتنم وقته في رمضان ؛ فيما يُقرّبه من ربه ، ويُبعده عن سخطه ، ومن ذلك أن يضع لنفسه جدولا بالأعمال التي يُريد إنجازها في هذا الشهر ؛ من قراءة للقران ، أو كتاب نافع ، أو زيارة لقريب أو أحد الجيران ، أو تفطير لصائمين ، أو توزيع شريط أو مطوية على الأهل والجيران . كل ذلك إذا كان عن تخطيط وتفكير مسبق ؛ كان أنفع .

(

يتبـــــــــــــع.............









 


 


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 20:20

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc