حمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أ
نفسنا ومن سيئات أعمالنا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،
شرع لنا ديناً قويماً، وهدانا إليه صراطاً مستقيماً، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله،
أرسله هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة،
ونصح لهذه الأمة، فجزاه الله عن أمته خير ما جزى نبياً عن قومه، صلى الله عليه وعلى آله
وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
عباد الله ! اتقوا الله تبارك وتعالى واشكروه على ما هداكم للإسلام وجعلكم
من أمة خير الأنام عليه الصلاة والسلام.
ألَا إنَّ تـقوَى الله أكْــرمُ نِــسْـــبـةٍ يُسَــــامـــي بهــا عنْد الفَخارِ كرِيمُ
إذَا أنْت نافَسْتَ الرِّجالَ على التُّقى خَرجتَ مِنَ الدُّنيا وأنْتَ سلِيم
عباد الله! نعم الله على عباده تترى , فأعظم ما انعم الله بع علينا أن هدنا للإسلام و
جعلنا من أمه محمد صلى الله عليه وسلم , فنسأل الله تعالى كما جعلنا من أمته أ
ن يحشرنا يوم القيامة تحت لوائه وان نشرب من حوضه شربة هنيه لا نظمأ بعدها أبدا .
عباد الله لقد جاء الاسلام لتهذيب نفوسنا وتقويم أخلاقنا ونشر الخير والفضيلة بيننا ، و
محاربة الشر والرذيلة وإطفائها عن بيئاتنا، وسد منافذ الفساد أن تتسلل إلى صفوفنا؛
لذلك فقد كانت مكارم الأخلاق ومحاسن الآداب من أسمى ما دعا إليه الإسلام، الأخلاق
في كل أمة عنوان مجدها، ورمز سعادتها، وتاج كرامتها، وشعار عزها وسيادتها :
وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هُمُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا
وإذا أصيب القوم في أخلاقهم فأقم عليهم مأتمــاً وعويــــلاً
في هذا الزمن ضاقت النفوس واسودت القلوب وفسدت الاخلاق , فلا الابن يحتمل والديه
و لا الزوج ذو خلق مع زوجته , ولا الموظف في دائرته ذو خلق مع المراجعين , حتى أصبح
من يتصف بالخلق و السماحة عملة نادرة , وهذا و الله عيب فينا , إذ ان رسول الله صلى الله عليه وسلم
حصر مهمة بعثته وغاية دعوته بكلمة عظيمة جامعة، فقال فيما رواه البخاري في الأدب المفرد
وغيره: {إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق } ، وحسبنا في ذلك ثناء ربه عليه في
قوله سبحانه: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ، فكان عليه الصلاة والسلام أحسن الناس خلقاً،
وقد وصفته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بوصف جامع فقالت فيما رواه مسلم وغيره
: {كان خلقه القرآن }، وعن أنس رضي الله عنه، قال: { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
أحسن الناس خلقاً، والله ما مسست ديباجاً ولا حريراً ألين من كف رسول الله صلى الله
عليه وسلم، ولا شممت رائحة قط أطيب من رائحة رسول الله صلى الله عليه وسلم،
ولقد خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لي: أف قط، ولا قال
لشيء فعلته لم فعلته، ولا لشيء لم أفعله ألا فعلت كذا } رواه مسلم .
وعنه رضي الله عنه قال: {إن كانت الأمة لتأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنطلق به
حيث شاءت، فكان إذا استقبله الرجل فصافحه لا ينـزع يده من يده حتى يكون الرجل هو الذي
ينـزع يده، ولا يصرف وجهه عن وجهه حتى يكون الرجل هو الذي يصرفه،
ولم ير مقدم ركبتيه بين يدي جليس له } رواه الترمذي .
وعن عبد الله بن الحارث رضي الله عنه، قال: {ما رأيت أحداً أكثر من تبسماً من
رسول الله صلى الله عليه وسلم }رواه الترمذي .
وتقول خديجة رضي الله عنها في كلامها التاريخي له صلى الله عليه وسلم :
{كلا والله لا يخزيك الله أبداً إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم،
وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق }.
ألا يجدر بنا عباد الله : ان نسلك سبيله صلى الله عليه وسلم ونترسم خطاه
ونتمسك بسنته , وإليكم الادلة من اقواله صلى الله عليه وسلم الثابتة في
الصحاح و السنن , ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: {البر حسن الخلق } رواه مسلم ،
{إن من خياركم أحسنكم أخلاقاً } متفق عليه، {ما من شيء أثقل في ميزان المسلم
يوم القيامة من حسن الخلق } رواه الترمذي ، {إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة
الصائم القائم } رواه أبو داود ، {أنا زعيم ببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه }
رواه أبو داود ، {إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً }.
ولما سُئل صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الناس الجنة، قال:
{تقوى الله وحسن الخلق } رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
اللهم اهدنا لأحسن الأعمال والأخلاق والأقوال لا يهدي لأحسنها إلا أنت،
واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت، اللهم أعذنا من منكرات الأخلاق و
الأقوال والأعمال والأهواء والأدواء يا سميع الدعاء.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية :
الحمد لله على نعمائه، والشكر له على فضله وآلائه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،
وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، الذي عبد ربه في سرائه وضرائه، صلى الله وسلم
وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه.
أما بعد:
يقول الحسن البصري رحمه الله: [[حسن الخلق بسط الوجه، وبذل الندى، وكف الأذى ]]
ويقول عبد الله بن المبارك رضي الله عنه ورحمه الله: [[حسن الخلق في ثلاث خصال:
اجتناب المحارم، وطلب الحلال، والتوسعة على العيال ]]، حتى قال بعضهم:
لأن يصحبني عاصٍ حسن الخلق أحب إلي من عابد سيئ الخلق.
هذا وصلوا وسلموا رحمكم الله على الرحمة المهداة و النعمة المسداة كما
أمركم ربكم بذلك