بسم الله الرحمن الرحيم.
ا
العربية لغة القرآن الكريم، وهو مهيمن على ما سواه من الكتب الأخرى, وهذا يقتضي أن تكون لغته مهيمنة على ما سواها من اللغات الأخرى. وهي لغة خاتم الأنبياء والمرسلين واختيارها لغة للدين والوحي يعني صلاحيتها لأن تكون لغة البشرية جمعاء.
وبين الأمازيغ والعربية صلة وثيقة والعلاقة بينهما متينة؛ يعز على مريد الفصل أن يفصل بينهما.
«واللغة العربية بين الأمازيغ ليست غريبة ولا دخيلة، بل هي في دارها وبين حماتها وأنصارها، دخلت هذا الوطن مع الإسلام على ألسنة الفاتحين، فلما أقام الإسلام بهذا الشمال الإفريقي إقامة الأبد وضرب بجدرانه فيه؛ أقامت معه العربية لا تريم ولا تبرح؛ ما دام الإسلام فيها مقيما لا يتزحزح، يزيدها طيبا وعذوبة: أن القرآن بها يتلى، وأن الصلوات بها تبدأ وتختم».
ومذ دخل الإسلام المغرب اعتنقه الأمازيغ واهتموا به، واجتهدوا في مختلف العلوم الشرعية من فقه وحديث، وكان فيهم الأدباء الذين أتقنوا العربية وألفوا فيها وترجموا علوما من العربية إلى الأمازيغية، ولقنوا الدروس باللسانين العربي والأمازيغي.
ففي القرن الرابع الهجري -على سبيل المثال- كان كثير من الامازيغ ينافسون العرب في علوم اللغة العربية، بل وناظر علماء الامازيغ فقهاء العرب في كثير من العلوم كالفقه والأصول.
وفي القرن الخامس والسادس الهجري تطور الأمر وهيمنت اللغة العربية على مختلف نواحي الحياة حتى غدت هي اللسان في البيوت وفي العلوم، ولم تكن الأمازيغية أبدا حائلا بينهم وبين لغة الضاد ومعرفة أحكام الدين.
ففي مختلف أطوار التاريخ العربي الأمازيغي كانت هناك أجواء من التنافس الثقافي، بين بلدان المشرق والمغرب والأندلس وعواصمها المختلفة كفاس، وسبتة، وتلمسان، والقاهرة وبغداد والمدينة المنورة، وغيرها.
فبرزت كل مدينة من هذه المدن بلون خاص من العلوم أو الآداب غلب عليها، واشتهرت به.
وأنجبت القبائل الأمازيغية أعلاما في اللغة والفكر والأدب والفقه، والحديث، وغيرها من العلوم الإسلامية.
ويورد لنا الباحثون مجموعة من النقول تؤكد ما ذهبنا إليه؛ من ذلك ما أورده:
- أحمد بن المقري التلمساني صاحب "نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب" حيث أورد نحوا من مائتين وخمسين ترجمة لمن رحلوا عن الأندلس إلى المشرق من العلماء والأدباء والفقهاء، ويورد لنا أيضا قريبا من خمس وسبعين ترجمة لمن رحلوا من المشرق إلى الأندلس.
- وفي كتاب "الصلة" لأبي القاسم خلف بن عبد الملك الشهير بـ" ابن بشكوال" المتوفى سنة 578هـ، أغلب المترجم لهم رحلوا إلى المشرق، وكثير من المشارقة زاروا الأندلس.