إيـــاكم والغلو
قال الله عز وجل: ﴿يَآ أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ﴾ .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إياكم والغُـلو؛ فإنَّما أهلك مَن كان قبلكم الغـلو}. رواه النسائي.
والغلو هو: المبالغة في الشيء ورفعه فوق قدره.
سبب الشرك في بني آدم الغلـو
قال ابن عباس رضي الله عنه في قوله سبحانه وتعالى: ﴿وَقَالُواْ لَا تَذَرُنَّ آِلهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلَا سُوَاعاً وَلَا يَغُوثَ وَيَـعُوقَ وَنَسْرًا﴾
قال: (هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصاباً وسمُّوها بأسمائهم، ففعلـوا، ولم تُـعبد، حتى إذا هلك أولئك ونُسِي العلم عُبدت) رواه البخاري.
يسـتفـاد مـن تفسـير ابن عـباس رضي الله عنه:
أنَّ فتنة بني آدم ودخولهم الشرك كان من طريق الغلو.
أنَّ الشيطان يدخل بالحيلة فيوقعهم في الوسائل الموصلة إلى الشرك؛ فهو أمرَهم أن يُصوروا صوَر أولئك الصالحين ولم يأمرهم بعبادتهم أولاً، ثم أوقعهم في الشرك بالغلو.
ما هـو الـشـرك ؟
الشرك هو: مساواة غير الله بالله، بأن يصرِف نوعاً من أنواع العبادة لغير الله، كالدعاء والذبح والنذر والتوكل والطواف.
فإذا دعا غير الله في ما لا يقدر عليه إلا الله فقد ساوى غير الله بالله وجعله شريكاً ونداً لله، وقد أخبر الله عز وجل أن دعاء غيره شركٌ به، قال الله عز وجل: ﴿إِن تَدْعُوهُـمْ لَا يَـسْمـعُواْ دُعَآئَكُمْ وَلَوْ سَـمـِعُواْ مَا اسْتَجَابُواْ لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ﴾.
والشرك بالله أعظم الذنوب: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم:أيُّ الذنب أعظم؟ قال: {أن تجعلَ لله نِداً وهو خلَقك} متفق عليه.
وهو أكبر الكبائر؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟! الإشراك بالله} متفق عليه.
مـن الغلو البناء على قبور الصـالحـين
لما ثبت عن جابر رضي الله عنه: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُجصَّص القبر، وأن يُقعد عليه، وأن يُبنى عليه). رواه مسلم.
فالنبي صلى الله عليه وسلم نهانا أن نبني على القبور؛ سداً لذريعة الغلو فيها.
لكننا نجد من يخالف نهي النبي صلى الله عليه وسلم، فيبني على القبور، بل ويبني القباب عليها !!.
أما قبر قدوتنا صلى الله عليه وسلم فكان نـحْـوَ شبر؛ لما ثبت عن جابر رضي الله عنه: (ورُفِـع قبرهمن الأرض نحواً من شبر) رواه ابن حبان.
ومـن الغـلو فيهـم دعائهـم مـن دون الله
قال الله عز وجل:﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُواْ مِن دُونِ اللهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ اْلقِيَامَةِ وَهُـمْ عَن دُعَـآئِهمْ غَافِلُونَ﴾.
و﴿مِن دُونِ اللهِ﴾ أي: غير الله، ويشمل كل غير الله، من نبي، أو ولي، أو ملك أو جن... كلهم عبيدٌ لله، لا يستحقـون أن يُدعَـوْن من دونه، فالدعاء عبادة، وصرفه لغير الله شرك.
مـن دعائهم سؤالِهـم جـلب النفع ودفع الضـر
كمن يسألهم شفاء المرض، ومن تسألهم جلب الولد...!
ويا أسفـاً! لمن يترك سؤال المالك الـرزاق، ويسأل من لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً !!.
قال الله عز وجل: ﴿وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَـمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ﴾.
والقِطْمير: هو اللفافة الرقيقة على النواة.
فإذا كانوا لا يملكون قطميراً فكيف يُسألون من دون الله!
قال الله سبحانه وتعالى: ﴿وَلَا تَدْعُ مِن دُونِ اللهِ مَا لَا يَنفَعُكَ وَلَا يَضُـرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إَذاً مِّنَ الظَّالِـمِينَ﴾.
بل إن أعظـم الأوليـاء صلى الله عليه وسلم لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضرا؛ قال الله عز وجل: ﴿قُل لَّاَ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَـفْعاً وَلَا ضَرّاً﴾.
فالله وحده النافع الضار؛ قال سبحانه وتعالى: ﴿وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَآدَّ لِفَضْلِهِ﴾.
كذلك الذبح لهـم! مـن الغلو فيهـم
الذبح نوعان: ذبح عادة: كأن تذبح شاةً للأكل والإكرام.
وذبح عبادة: تقـرُباً إلى المذبوح له، فهذا لا يكون إلا لله.
كذبح الأضحية والعقيقة.
ومنه ما يفعله البعض - هـداهم الله- ممن إذا أراد جلب نفع أو دفع ضر ذهب يذبح للأولياء!! .
وما علم أن هذا الذبح - بهذه النية - لا يجوز إلا لله وحده.
والدليـل قول الله عز وجل: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾ .
فكما أن الصلاة لا تكون إلا لله، كذلك الذبح لا يكون إلا لله.
فالذبح عبادة، وصرف هذه العبادة لغير الله شرك.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : {لعن الله من ذبح لغير الله} رواه مسلم.
أو الـنـذر لـهـم
النذر هو: إلزام الإنسان نفسه بعبادة، لم يُـلزِمه الشرعُ بها.
والنذر يكون طاعةً لله: إذا كان خالصاً لوجه الله، لا يريد به التقرب لأحدٍ غير الله.
ويكون شركاً: إذا كان يقصد به التقرب لأحد غير الله.
كأن ينذر نخلةً للشيخ تحفظ له النخل ببركة الشيخ !.
أو ينذر له بقرة تحفظ له البقر!
أو يلزم نفسه بنذر المال للولي دفعاً للضر أو حفظاً للمال!...
النذر لغير الله باطل، سواءٌ كان للنبي صلى الله عليه وسلم، أو للسيدة زينب، أو للشيخ عبد القادر... النـذر عبـادة، لا تجوز إلا لله وحـده.
كذا التوسل والاسـتشـفاع بهـم
فلمَّا جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال يا رسول الله: جهِدت الأنفس وضاعت العيال ونهكت الأموال وهلكت الأنعام، فاستسقِ الله لنا، فإنا نَستشفِـع بك على الله، ونستشفع بالله عليك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {ويـحك! أتدري ما تقول!!}
وسبحَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما زال يسبح حتى عُرف ذلك في وجوه أصحابه، ثم قال: {ويـحك! إنه لا يُـستشفع بالله على أحد من خلقه؛ شأن الله أعظم من ذلك} رواه أبو داود