اردت ان ادرج هذه القصة التي اثرت في كثيرا التي تنم عن ثقة الشيخ في الله
تخرج الشيخ "أحمد ياسين"- يرحمه الله- في مدرسة فلسطين الثانوية عام 1958م، وتطلعت نفسه إلى العمل، وكان ميدان العمل الذي يغري الشباب في ذلك الوقت التدريس، فتقدم الشاب بطلبه لمدير التعليم في القطاع، وعُرض طلبه على اللجنة المشكلة لذلك، وفي صبيحة يوم مقابلة اللجنة قابله أحد أصحابه في الصباح الباكر وهو ذاهب إلى اللجنة قبل الموعد بساعتين تقريبًا، وهو يغوص برجليه في الرمل فيسقط حينًا على الأرض، ويساعده أحد المارة حينًا آخر في الطريق الصلبة.
فقال له: إلى أين يا أخي "أحمد"؟ فأجابه الشيخ بكل ثقة: "لمقابلة اللجنة، فقد دعتني لمقابلتها"، فقال صاحبه مترفقًا به: "وهل تتصور أن اللجنة ستوافق عليك؟ وأنت تعرف سمعتها، يا أخى الكريم أرى أن توفر على نفسك شقاء الرحلة، وتعود من حيث أتيت"، فابتسم الشيخ وهو واقف يترنح يمينًا وشمالاً على أصابع قدميه، وقال: "يا أخي، هل تتصور أنني ذاهب إلى اللجنة لكي أستعطفها؟! لا والله، فأنا مسلمٌ واثقٌ أن الله إذا أراد لي التعيين، فلن يتمكن بشر من قطع رزقي؛ ألم تقرأ قوله تعالى: ﴿وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ* فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ﴾ (الذاريات: 22-23)، وهل فاتك حديث الرسول- عليه السلام- لابن عباس: "واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء ما نفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيءٍ قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف"؟! والله لإني واثق من أن الله تعالى لن يخيبني، فأنا متوكل على الله، وماضٍ في سبيله.
فماذا من أمر اللجنة؟
لقد رأت اللجنة شابًّا متفوقًا لبقًا ذكيًّا، قادرًا على العطاء؛ لكنه أعرج! وأرادت أن تبرهن على نزاهتها، وكان الناس يشكُّون في تلك النزاهة، فأدرجت اسم الشيخ "أحمد" في الكشف المرفوع إلى الحاكم الإداري العام ليبدي الرأي فيها، وكتب أمام اسمه: "قدراته ممتازة، درجاته مرتفعة ومتفوق؛ لكنه أعرج"، وتركت هذه العبارة في نفس الحاكم الإداري العام أثرًا لا يُمحى؛ إذ كان ولده الصغير قد وُلِد أعرج! فصاح معلقًا باللهجة المصرية: "وإيه يعنى أعرج! يعنى ما يشتغلش، يعنى يموت من الجوع"، وأشَّر بقلمه الأحمر أمام اسم "أحمد ياسين" بعبارة: "يُعَيَّن"، وكان دائم القول: "إن الأرواح بيد الله والأرزاق مكتوبة عند الإله، فعلام الخوف والفرار؟!".