الحمد لله رب العالمين؛ والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعد:
فإن الحديث عن بعض الظواهرِ السلبيةِ المتفشيةِ في مجتمعاتنا ، لهو نوع من السباحة ضد التيار، وما ذلك إلا لبروز تلك الآفاتِ بين صفوفنا حتى أصبحت واقعاً مقرراً، جعل الفارق كبيراً بين ما نحن فيه، والواقعِ الذي نأمل أن نكون متصفين به .
ويعظم المصاب ويتفاقم حين تحاول أن تعالجَ الأخطاءَ في وقت عظمت فيه الشبهات، وتتابعَ الناس في الشهوات؛ حتى وقعوا بها من حيث لا يشعرون . ولكن حسبك أن تأمُرَ بمعروفٍ وتنهى عن منكرٍ ، ولابد من محاربةِ تلكِ الأخطار التي تهدد المجتمعاتِ الإسلامية ، وإنما الأجرُ على قدرِ المشقة ؛ لا سيما في زمَنٍ اشتدت فيه غربةُ الإسلامِ ، وانفلت كثيرٌ من الناس من تعاليمِ دينهِم ، فباتوا يتخبطون على غيرِ هدى ، ويمشون على غير بصيرةٍ..
إن من الحسرةِ والغبنِ أن يزجَّ المرءُ بزوجته أو محارِمهِ إلى هذه الأماكن المختَلَطةِ التي تجني بعدها المرأة كلَّ همٍّ وكمد ، فتبدأ تُحِسُّ بتغير شخصِها الذي كانت تعهده ، ولكن لا سبيل إلى عودته كما كان وهي لا تزال تعيش في هذه الأمكنةِ المليئة بالفوضى .
وإن من أعظم ما دعا الناسَ إلى هذا الإسفاف والتهاونِ تساهلُ الكثيرِ بأمر الفضيلَة ، وذهابُ الغَيْرة والحياءِ من القلوب ، والنظرُ إلى المجتمع أنه فَعَل ذلك فنفعل نحو فعله.
تقليدٌ حتى في الأخطاءْ!
كما أنه قاد بعضَ الناس إلى ذلك الفعلِ المشين ضعفُ الثقةِ بالله؛وكأنَّ الأرزاق
بيدِ البشر، وأن الوظائفَ هي التي تؤمّن الرزقَ ونسوا:
(إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) .
والأدهى من ذلك أن يكون القائدُ إلى زجِّ النساء في الأعمالِ المختلطةِ الجشَعُ واستثمارُ راتبِ المرأة ، ولو كان على حسابِ الرجولةِ والكرامة.
فيبدأ يرى تغيُّرَ أحوالِ زوجتهِ ونسائهِ ، ولا يتكلمُ لأنه حريصٌ على المال .
بل والأدهى أنه لو أراد أن يُجلسَها في البيتِ بعد عملِها فبعداً له حينذاك؛ فليس الأمر كما لو لم تختلطِ المرأةُ وتكسرُ قيودَ الجرأة.
فيا أسفا من واقعٍ مخز لا ندري كيف نعالجهُ ، إذا لم يكن ثمَّ رجالٌ يشعرون بالمسؤولية .
إن الاختلاطَ يولِّد أخلاقَ السوء ، ويجعل المرأةَ مسترجلةً جريئةً ؛ مهما كان عندها من الحياءِ ، لأن انعكاسَ الطبع في عملِها سيكون أثرُه في المنزل.
تدخل المرأةُ إلى مكانِها المختلطِ أول مرةٍ هادئةً ساكنةً ثم بعد أن تخالط الرجال فإذا بك وقد رأيت امرأةً ترفعُ صوتَها كما يفعل الرجال ؛ ثم يأتي الزوجُ يشتكي ذلك وأنه يعاني من عدمِ الاحترام ؛ ونسي أنه هو الذي فتَحَ البابَ على نفسه.
وأخرى تترفع على زوجِها.
وثالثة تتعامل مع زوجِها بالألفاظ البذيئة.
وفي مكان يتجملُ فيه الشباب تجملَ النساء ؛ لك أن تتصور ما يحدث من الهرْجِ والمرج وانفلاتِ الأخلاق من قبلِ النساء سواء كان ذلك بالضحكاتِ العالية أو العطور النفاثة أو الملابس الوقحة.
أو أعظم من ذلك وأبعد ؛ فيا لِـمَوْتِ الفضيلة.!
لا نقولُ مقولَةَ السفهاء : أنا ابنتي ثقة .. أنا زوجتي ثقة ؛ فكل الناسِ يقولون ذلك حتى الفجرة .
وما انتشارُ الفاحشةِ والفسادِ إلا بسبب هذا التساهلِ المشِين.
كيف يسمحُ رجلٌ يعدُّ نفسَه رجلاً لمحارمهِ أن تدرسَ أو تعملَ مع رجالٍ ذكورٍ يتفننون في طُرِق الاصطياد؟!
وَأكثرُ ما يكون الشوق يوماً إذا دنت الديــــارُ من الديارِ
قيل لامرأةٍ من أشراف العرب : ما حملك على الزنا ؟
قالت : قربُ الوِسادِ وطولُ السواد.
أي : قربُ وسادةِ الرجلِ من وِسادتي ، وطولُ السواد بيْننا .
المرأةُ يجب أن تكونَ بعيدةً عن الرجالِ حتى تبقى مصونة ، قال تعالى :
( وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ).
ألا يظن من زجَّ بنسائه في هذه الأماكنِ أنه يعرضهن للفتن؟!
فترى أصنافاً من الرجال ، وأشكالاً من الفتن..
جمالُ خلقة .. حلاوةُ أسلوب .. تفنُنٌ في اللباس.
ثم أَلا يظن أنه حين يرسلها إلى هذه الأماكنِ أنها ستكتشف نقصه من خلال رؤيةِ غيره.
لقد اعتنى الإسلامُ بالوقايةِ من أسباب الاختلاط وتعاطيه لما ينتج عن ذلك من الخلل وانهيار الأخلاق ، بل إنه منع منه حتى في الشعائرِ العظيمة فكيف بالكماليات فقال r في الصلاة :« خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها ، وخير صفوف النساء آخرُها وشرها أولها» ؛ وقال: « خيرُ مساجد النساء قعر بيوتهن »؛ وقال تعالى وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى
ومن المعلوم أن المرأة إذا نزلت إلى ميدان الرجال فلا بد أن تكلمهم ويكلموها ؛ ولابد أن ترقق لهم الكلام وأن يرققوا لها الكلام ، والشيطان من وراء ذلك يزين ويحسن ، ويدعو إلى الفاحشة ، حتى يقعوا فريسة له ، والله حكيمٌ عليم حيث أمر المرأة بالحجابِ ؛ وما ذاك إلا لأن الناس فيهم البرُّ والفاجرُ ، والطاهرُ والعاهرُ ، فالحجاب يمنع بإذن الله من الفتنةِ ، ويحجِزُ دواعيها ، وتحصل به طهارةُ قلوبِ الرجالِ والنساءِ ، والبعدِ عن مظانِ التهمة.
قال تعالى ( وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) وخيرُ حجابٍ للمرأةِ بعد حجاب وجهها وجسمها باللباس هو بيتُها .
ويا عباد الله !!
هل نستطيع أن نتصور لحظة أن من اختلطت نساؤه لا يرى مواقع الخلل؟!
ألمْ يكن قد ابتلي بزيارةِ أماكنِ الاختلاط لإنهاء عمل؟
أو كان هو يعملُ في عمل مُختَلط؟
ألا يرى ما في هذه الأماكن – مهما تحفظ أصحابها - من الإسفاف وسقوطِ الحياء والهيبة؟
فكيف يزجُّ بأهله في أماكنَ ما سُنَّتْ قوانينُ الاختلاط فيها ، إلا من أجلِ إشاعةِ الفاحشة والرذائلِ؟
عجباً لمن يرى العِبَرَ فيزج بنسائهِ إلى هذه الأماكنِ المظلمةِ المنتنةِ ، وَيدفَعُهُنَّ نحو الفتنة بشدّه!!
الغيرةَ الغيرةَ يا عباد الله ..
قال r : « أتعجبون من غيرة سعد؟ لأنا أغير من سعد ، والله أغير مني » ، وقال عليٌّ t :« لا خير فيمن لا يغار » .
أخبروني ..
كيف يرضى رجلٌ أن يكونَ هاتفُ زوجتهِ النقال مليئاً بأرقام زُملاءِ العمل ؟ أين الرجولة ؟!
هل وصلنا إلى هذه الحالة من الضياع ؟!
هل تستغرب مثلَ هذا ..؟!
هو الذي أوصلها إلى هذه الحال .
الاختلاط ُ أبو الرذيلة وحاميها ، وفي هذه الأماكنِ يختلِس الفجرةُ ما شاءوا دونَ رقيب .
ولنكن واقعيين..
المرأةُ حين تجلِسُ مع زميل العملِ ساعاتٍ طوال ؛ ألا يجعل ذلك نوعاً من الألفةِ.
هل يقولون هو مثلُ أخيها!!
تباً لهم ناقصو الرجولة.
وإذا كان كذلك ؛ فلنسأل سؤالا صريحاً.
لماذا إذا جلس الرجل في مجلسه أغلق الأبواب على أهل بيته ؛ ولو قال له أصحابُه: نادِ زوجَتك لتجلسَ معنا غضب وربما قتَلَ وظهرت الرجولةُ الدفينة ؛ رغم أن هؤلاءِ أصحابُهُ وربما أقاربُه ؛ فلماذا لم يمنعه هذا الحياءُ المزيفُ من إرسال زوجته إلى الأعمال المختلطةِ التي ترى فيها أفواجاً من الشباب المتزين المتأنق .
أليس لسانُ حالِ هذا البائسِ كأنه يقول: مادام أن الخفةَ والطيشَ والضحكاتِ العاليةِ والتحرشَ البهيمي ليس أمامي فلا أغار ..
أليست هذه هي النتيجة ؟! إننا في زمن المتناقضات .
استمعوا شكايةَ الرجال من نسائِهم ، وانصرافَ قلوبهن عنهم ، وتأملوا الجرأة والبذاءةَ والشتائمَ والصراخ من قِبَلِ نساءٍ لرجالهن .
كل هذا وليدُ الاختلاط ..
ولربما تعلق القلبُ بما يعرض له من الأهواء فكيف يعالج حينئذٍ .؟!
عباد الله :
من أراد صلاح نسائه فليلزمهن بالجلوس في البيت .
اتق الله يا أيها الوالد : قال الله تعالى
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ) .ولا تتبعِ العاطفةَ أو رأيَ الأمِّ ضعيفةِ العقل ، وأنت قد رأيتَ ما يهولك من أمورِ الاختلاط ، بل وربما تتَندر في روايتها في المجالس .
لا تتبعوا رأيَ النساء الضعيفات قال r : « ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن » ؛ واستفيدوا من عبر الزمان وتجارب الحياة .
وأنت أيها الزوج :
لا تسمح لمن ارتبطْتَ بها أن تلج هذه الأبوابِ المظلمة فتأتيك بوجهٍ غير ما كنت تطمع به .
ما هي الغنيمة حين تعملُ الزوجةُ براتبٍ ما - لتساعدك على تكاليفِ الحياة كما تزعم- وأنت تعيش مع رجلٍ وليس أنثى .. جريئة .. سليطة .. متبرجة .. تناقشُ كالرجال – طويلةُ اللسان ، أو ممن امتلأ هاتفُها بأرقامِ الزملاء لريبةِ أو لغير ريبة!!
فإن لم يكن دينٌ يمنعْ ، ألم يبق أثرٌ من رجولة يردع؟!
إذا المـــرءُ لم يدنَسْ من اللؤمِ عرضُــه
فكــــــــــل رداءٍ يرتديــــه جــميــــــــلُ
وإن أنت لم تحملْ على النفس ضيمها
فلــــيس إلى حســـنِ الثنــــاءِ سبيلُ
.
خطبة للشيخ سالم العجمي.