أصول اعتقاد السّلف. بناء العقيدة على النّقول الثّابتة - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم العقيدة و التوحيد

قسم العقيدة و التوحيد تعرض فيه مواضيع الإيمان و التوحيد على منهج أهل السنة و الجماعة ...

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

أصول اعتقاد السّلف. بناء العقيدة على النّقول الثّابتة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2013-06-07, 01:56   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
الاخ رضا
بائع مسجل (ب)
 
الصورة الرمزية الاخ رضا
 

 

 
الأوسمة
وسام التميز سنة 2012 المرتبة الثالثة 
إحصائية العضو










افتراضي أصول اعتقاد السّلف. بناء العقيدة على النّقول الثّابتة

https://ww.nebrasselhaq.com/2010-06-1...A8%D8%AA%D8%A9

- أصول اعتقاد السّلف (2) بناء العقيدة على النّقول الثّابتة

الكاتب: عبد الحليم توميات

أصول الاستدلال والتلقّي
هذا هو النّوع الأوّل من أصول الاعتقاد، وهو الأصول الّتي تُبنَى عليها العقيدة، وقد يحتوي الأصل بنفسه على قواعد فرعيّة، ومباحث ضروريّة، وذلك بُغية التّفصيل والزّيادة في الإيضاح والبيان.
الأصل الأوّل: ( تُبنى العقيدة على النّقول الثّابتة ).
والمقصود بالنّقول الثّابتة هي: الكتاب، والسنّة الصّحيحة، والإجماع الصّحيح.


ذلك لأنّ هذه الأمور الثّلاثة هي العِصمة، فلا تُبنَى العقيدة إلاّ على الوحي الّذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
قال ابن تيمية رحمه الله - كما في " مجموع الفتاوى " (20/164)-:

"فدين المسلمين مبنيّ على اتّباع كتاب الله،وسنّة نبيّهصلّى الله عليه وسلّم، وما اتّفقت عليه الأمّة، فهذه الثّلاثة هي أصول معصومة، وما تنازعت فيه الأمّة ردّوه إلى الله والرّسول صلّى الله عليه وسلّم. وليس لأحد أن يُنصِّب للأمّة شخصا يدعو إلى طريقته ويوالي ويعادي عليها غير النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ولا ينصّب لهم كلاما يوالي عليه ويعادي عليه غيرَ كلام الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم وما اجتمعت عليه الأمّة، بل هذا من فعل أهل البدع الّذين ينصبون لهم شخصا أو كلاما يفرّقون به بين الأمّة يوالون به على ذلك الكلام أو تلك النّسبة " اهـ.
فأهل السنّة يُعظّمون الوحي، ويعتقدون اعتقادا جازما أنّه بقدر ما يبتعد المرء عن الوحي بقدر ما يبتعد عن الحقّ لا محالة.
قال الله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال:64]، أي: حسبُك وحسْبُ من اتّبعك. قال شيخ الإسلام ابن تيمية في " منهاج السنّة " (8/487): " ولهذا كلّ من كان متّبعا للرّسول صلّى الله عليه وسلّم كان الله معه بحسب هذا الاتّباع ".
ولقد قيل لعبد الرّحمن بن مهدي: إنّ فلانا صنّف كتابا يردّ فيه على المبتدعة. قال: بأيّ شيء ؟ بالكتاب والسنّة ؟ قال: لا، لكن بعلم المعقول والنّظر. فقال: أخطأ السنّة وردّ بدعة ببدعة.
من القواعد المتفرّعة عن هذا الأصل العظيم:
  • 1- لا يحتجّ بقول أحدٍ ولو كان من أئمّة السنّة على إثبات عقيدة ما.

ذلك؛ لأنّ كلامه ليس كتابا ولا سنّة، ولم يُجمع السّلف على قوله.
ومن ثمّ ضلّت الفرق الّتي جعلت اعتقادها تَبَعًا لمعيّن غيرِ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وما أجمع عليه السّلف:
فهذا يتّبع قول واصل بن عطاء، وذاك يتّبع قول الجهم بن صفوان، وثالث يتّبع قول نافع بن الأزرق، ورابع يتّبع قول أبي الحسن الأشعريّ، وآخر يقتفي أثر أبي منصور الماتوريدي، وهلمّ جرّا.
فهؤلاء انحرفوا عن أصل من أصول الاستدلال على العقائد، فانحرفوا في جلّ وأكثر المسائل.
تنبيه:
من جعل الكتاب والسنّة أصله وفصله، ثمّ غفل عن هذا الأصل في بعض المسائل، فإنّه سيخطئ - بلا شكّ - في مسألة أو مسألتين، وذلك لا يخرجه من دائرة أهل السنّة، لأنّه لم يجعل مخالفة النّقول أصلا له.
ومن الأمثلة على ذلك:
- إثبات بعض المحدّثين لصفة القعود والجلوس على العرش:
واعتمدوا في ذلك على أحاديث باطلة موضوعة، منها ما رواه الطّبراني في " المعجم الكبير " (1/137/2): (( يقول الله عزّ وجلّ للعلماء يوم القيامة إذا قعد على كرسيّه لقضاء عباده: إنّي لم أجعل علمي وحكمي فيكم إلا وأنا أريد أن أغفر لكم، على ما كان فيكم، ولا أبالي ".
ومنها حديث (( يُجْلِسُنِي عَلَى العَرْشِ ))[1].
قال الذّهبيّ في " العلوّ ": " وإنّما هذا شيء قاله مجاهد .. غلا بعض المحدّثين فقال: لو أنّ حالفا حلف بالطّلاق ثلاثا أن الله يقعد محمدا صلّى الله عليه وسلّم على العرش و استفتاني، لقلت له: صدقت وبررت !
قال الذّهبي رحمه الله معلّقا:" فأبصر – حفظك الله من الهوى – كيف آل الغلوّ بهذا المحدّث إلى وجوب الأخذ بأثر منكر ..".
- إثبات بعض الحنابلة لصفة الحدّ:
حتّى ألّف فيه أبو محمّد الدشتي كتابا سمّاه " إثبات الحد "، مع أنّ هذه الصّفة لم يأتِ بها كتاب ولا سنّة، ولم يتكلّم بها الصّحابة ولا من تبِعهم بإحسان، ولكنّهم أخذوها عن بعض الأئمّة، ويعزون إثبات الحدّ إلى الإمام أحمد رحمه الله، كما فعل الدّارميّ وأبو يعلى والخلاّل والهرويّ وأنّه قال:" له حدّ لا يعلمه إلاّ هو ".
وبعضهم يذكر أنّ لأحمد روايتين، ولقد بيّن شيخ الإسلام رحمه الله في " نقض التّأسيس " (1/423) أنّ القول الأسدّ أن لا يخوض المؤمن في هذه المسألة بإثباب ولا نفي، وإنّما مراد الإمام أحمد بالإثبات الردّ على الجهميّة الّذين كان قصدهم من وراء نفي الحدّ أنّه تعالى لا يُبايِن المخلوقات، ومقصوده في النّفي نفي الصّفة الّتي يعلمها الخلق.[2]
- ومثل ذلك ما ذكره أبو يعلى في " إبطال التّأويلات " من إثبات صفة الصّعود، أخذا بدليل اللّزوم من صفة النّزول !
2- الاحتجاج بالقراءة الشاذّة.

ذلك لأنّ القراءة الشاذّة من النّقول الثّابتة - كما هو مقرّر في علم الأصول-.
ومن ثمّ أثبت السّلف رحمهم الله صفة العزم لله تعالى استدلالا بقوله تعالى في قراءة: {فإذا عزمتُ فتوكّل على اللّه}- بضمّ آخر الفعل-.
وهي قراءة جابر بن زيد، وأبي نهيك، وعكرمة، وجعفر بن محمّد [انظر: " الدرّ المنثور " (2/360)، وتفسير ابن عطيّة (3/281)، و" مختصر في شواذّ القرآن " لابن خالويه (23)، و" البحر المحيط " لأبي حيّان، و" إعراب القرآن " للنحّاس (1/416) وغيرها].
ويؤيّد ذلك ما رواه مسلم عن أمّ سلمة قالت: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم يَقُولُ:
(( مَا مِنْ عَبْدٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ فَيَقُولُ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا، إِلَّا أَجَرَهُ اللَّهُ فِي مُصِيبَتِهِ وَأَخْلَفَ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا )). قَالَتْ: فَلَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو سَلَمَةَ قُلْتُ: مَنْ خَيْرٌ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم ؟ ثُمَّ عَزَمَ اللَّهُ لِي فَقُلْتُهَا، قَالَتْ: فَأَخْلَفَ اللَّهُ لِي خَيْرًا مِنْهُ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم.
وقد استعملها الإمام مسلم في خطبة كتابه (1/4) واستدلّ شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في " مجموع الفتاوى " (16/304) بالآية وبحديث أمّ سلمة وبفعل الإمام مسلم ليشير أنّ السّلف فعلوا ذلك.
وفي المقابل نفى هذه الصّفة الباقلاّنيّ وأبو يعلى، والنّوويّ في " شرح صحيح مسلم "(1/46)، و(6/221) وذكر أقوالا في تأويلها.
3- الاحتجاج بأحاديث الآحاد.
الأخبار من حيث وصولها إلينا لها طريقان: إمّا أن تكون أخبارا متواترةً، وإما أن تكون أخبار آحاد:


- فالأخبار المتواترة هي: الّتي رواها جمع عن جمعٍ، من مبدأ السّند إلى منتهاه، حيث يحيل العقلُ تواطأَهم على الكذب، وهذه تفيد العلم الضّروري، وهي القرآن الكريم ومتواتر السنّة.
- وأمّا أخبار الآحاد فهو ما فَقَد شرطَ التّواتر.
فأهل السنّة والجماعة - كما ذكرنا - يعتمدون في إثبات عقيدتهم على الكتاب والسنّة:
أمّا الكتاب فهو كلّه متواتر،والسنّة لا يشترطون فيها إلاّ صحّتها فحسب، فإذا صحّت فلا يسألون: هل هو خبر آحاد أو متواتر ؟
أمّا علماء الكلام فقد أشاعو أنّ حديث الآحاد يفيد العمل لا العلم، بمعنى أنّه يؤخذ به في الأحكام العمليّة، لا في الأحكام العقديّة، وقالوا: إنّ خبر الواحد يفيد الظنّ، والظنّ لا تُبنَى عليه عقيدة !
وهذا مردود من وجوه:
1- أنّه لا دليل على التّفريق بين الأحكام والعقائد، قال العلاّمة ابن القيم في " الصّواعق المرسلة " (3/412):
" وهذا التفريق باطل بإجماع الأمة فإنها لم تزل تحتج بهذه الأحاديث في الخبريات العلميات ( يعني العقيدة ) كما تحتج بها في الطلبيات العمليات، ولا سيما والأحكام العملية تتضمن الخبر عن الله بأنه شرع كذا وأوجبه ورضيه دينا فشرعه ودينه راجع إلى أسمائه وصفاته.
ولم تزل الصّحابة والتّابعون وتابعوهم وأهل الحديث والسنة يحتجون بهذه الأخبار في مسائل الصّفات والقدر والأسماء والأحكام، ولم ينقل عن أحد منهم ألبتّة أنّه جوّز الاحتجاج بها في مسائل الأحكام دون الأخبار عن الله وأسمائه وصفاته فأين سلف المفرِّقين بين البابين ؟
نعم، سلفهم بعض متأخّري المتكلّمين الّذين لا عناية لهم بما جاء عن الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه رضي الله عنهم، بل يصدّون القلوب عن الاهتداء في هذا الباب بالكتاب والسنّة وأقوال الصّحابة، ويُحِيلون على آراء المتكلّمين وقواعدِ المتكلِّفين، فهم الّذين يُعرف عنهم التّفريق بين الأمرين .."اهـ.
2- الدّليل قام على اعتبار حديث الثّقة حجّة، فقد كان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يُرسِل أصحابه مثنى وفرادى إلى المدن والقرى يعلّمون النّاس التّوحيد والأحكام.
قال الشّافعي رحمه الله تعالى في " الرّسالة " (ص 412): " وهو صلّى الله عليه وسلّم لا يبعث بأمره إلاّ والحجّة للمبعوث إليهم عليهم قائمة بقبول خبره عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقد كان قادرا على أن يبعث إليهم فيشافههم أو يبعث إليهم عددا، فبعث واحدا يعرفونه بالصّدق ".
ومقتضى كلامهم أنّه كان لا بدّ من أن يرسل عددا يبلغ حدّ التّواتر، بل مقتضى كلامهم أنّ إرسال الله للرّسول الواحد لا يفيد العلم.
3- أنّهم ما يلجأون إلى هذا التّفريق إلاّ عندما تورَد عليهم أحاديث الصّفات، بدليل تناقضهم من جهتين:
أ) أنّهم يحتجّون بأخبار الآحاد في كثير من مسائل الاعتقاد مثل معجزات المصطفى صلّى الله عليه وسلّم، والرّؤية، وعذاب القبر، والحساب، والميزان، والصّراط، والإمامة وغيرها.
ب) وأنّهم لم يأخذوا بنصوص القرآن - وهو متواتر - في مسائل الصّفات الّتي لا تتماشى مع أصولهم.
4- أنّ مذهب الجمهور: الاحتجاج بخبر الواحد إذا تلقّته الأمّة بالقبول: أي: صحّحه العلماء، أو كان في الصّحيحين مطلقا.
[انظر: " مجموع الفتاوى " (18-40)، و" الباعث الحثيث " (ص 33)، والبلقيني في " محاسن الاصطلاح " (101)، و" النّكت " لابن حجر (1/374)].
5- أنّ إجماع أهل الحديث على حجّيته في العقائد، والعبرة في الإجماع هو قول أهل الفنّ كما حقّقه ابن القيّم رحمه الله في "مختصر الصّواعق المرسلة"(2/375).
6- أمور أربعة إذا اجتمعت تجعل الخبر مفيدا اليقين:
- أمر يرجع إلى المخبِر، وهم ( أئمّة السّلف ).
- أمر يرجع إلى المخبر عنه ( النبيّ صلّى الله عليه وسلّم الصّادق المصدوق ).
- أمر يرجع إلى المخبر به ( فإنّ الحقّ عليه نور تدرك صحّته ).
- أمر يرجع إلى المخبَر ( وهو السّامع إذا كان سليم الفطرة، منقادا إلى الشِّرعة ).
فمتى اجتمعت هذه الأمور كان الخبر مفيدا لليقين، ومتى انعدمت فإنّها لا تفيده، وينقص من اليقين بمقدار ما يضعف منها.

  • 4- التوقّف في الألفاظ المجملة التي لم يرد إثباتها ولا نفيها

أي: ما لم يرد فيه دليل بعينه كالألفاظ والصّفات الّتي يتكلّم بها أهل التّعطيل فلأهل السنّة فيه نظرتان: نظرة من حيث لفظه، ونظرة من حيث معناه.
* فمن حيث لفظه: لا يثبتونه لعدم ورود الدّليل الخاص به ولم يتكلم به السّلف.
* وأمّا من ناحية معناه: فالواجب هو التوقف فيه والاستفصال عنه؛ لأنّ هذه الألفاظ فيها حقّ وفيها باطل فهي ألفـاظ مجملة، واللّفظ المجمـل يحتـاج إلى بيـان فيستفصل عنه، فإن أُريد به حقٌ قبلناه، وإن أُريد بـه باطلٌ رددنـاه. وحتّى تتّضح هـذه القاعدة نذكر بعض الأمثلة عليها:
- منها : لفظ( الجهة ) فإذا قيل: هل الله تعالى في جهة ؟ فيقال له: إنّ لفظ الجهة لا نثبته لعدم وروده في القرآن الكريم ولا السنّة ولا في كلام السّلف.
أمّا معناه فنتوقف فيه؛ لأنّ لفظ الجهة فيه حقّ وفيه باطل. فلا بدّ من معرفة: ما يريد بلفظ الجهة ؟ هل يريد به جهة سفلٍ ؟ أم جهة علو محيطة بالله تعالى ؟ أم جهة علو غير محيطةٍ بالله تعالى ؟
فإن أراد الأوّل فهو باطل؛ لأن جهة السفل نقص والله تعالى منزّه عن النّقص. وإن أراد الثاني فهو باطل أيضًا ؛ لأن الله تعالى لا يحيط به شيءٌ من مخلوقاته. وإن أراد الثالث فهو حق يجوز على الله تعالى، لكن لا نسميه بالجهة وإنّما نسميه بالعلـوّ.
فصار إذًا لفظ الجهة يحتمل الحق ويحتمل الباطل، فلو رددناه مطلقًا لأدّى ذلك إلى ردّ ما فيه من الحقّ، ولو قبلـناه مطلقًا لأدّى ذلك إلى قبـول ما فـيه من الباطل، لكن لما استفصلنا تميّز الحقّ من الباطل فقبلنا الحقّ؛ لأن الحق يجب قبوله، ورددنا الباطل؛ لأنّ الباطل يجب ردّه.
وبمثل ذلك يقال في المكان والحيّز، والجسم، وغير ذلك ممّا يرد على لسان المتكلّمين.
والله تعالى أعلى وأعلم.
[1]/ قال الشّيخ الألباني رحمه الله في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " (2/255): "باطل، ذكره الذّهبي في " العلوّ " وقال: " هذا حديث منكر لا يفرح به ..". [2]/ ومن عجيب ما حدث قديما ما حكاه الذّهبي في " السّير "(16/97) قال: " وقال أبو إسماعيل الأنصاريّ: سمعت يحيى بن عمّار الواعظ وقد سألته عن ابن حبّان فقال: نحن أخرجناه من سجستان، كان له علم كثير، ولم يكن له كبير دين، قدم علينا، فأنكر الحدّ لله، فأخرجناه.
قلت (أي: الذّهبيّ رحمه الله): إنكاركم عليه بدعة أيضا، والخوض في ذلك ممّا لم يأذن به الله، ولا أتى نصّ بإثبات ذلك ولا بنفيه، و(( مِنْ حُسْنِ إِسْلاَمِ المَرْءِ تَرْكُهُ مَا لاَ يَعْنِيهِ ))، وتعالى الله أن يُحدَّ أو يوصف إلاّ بما وصف به نفسه، أو علمه رسلُه بالمعنى الّذي أراد بلا مثل ولا كيف{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشّورى:11].
أخر تعديل في السبت 14 ذو الحجة 1431 هـ الموافق لـ: 20 نوفمبر 2010 14:02 تم قراءة الموضوع 593 مره
منشور في أصول اعتقاد السّلف

المزيد من مواضيع هذا القسم: « - أصول اعتقاد السّلف (3) فهم النُّقول الثّابتة بفهم سلف هذه الأمّة - أصول اعتقاد السّلف (1) مدخل وتعريف »
الذهاب للأعلي















 


قديم 2013-06-07, 02:00   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
الاخ رضا
بائع مسجل (ب)
 
الصورة الرمزية الاخ رضا
 

 

 
الأوسمة
وسام التميز سنة 2012 المرتبة الثالثة 
إحصائية العضو










افتراضي - أصول اعتقاد السّلف (3) فهم النُّقول الثّابتة بفهم سلف هذه الأمّة

- أصول اعتقاد السّلف (3) فهم النُّقول الثّابتة بفهم سلف هذه الأمّة

الكاتب: عبد الحليم توميات




فإنّ الأمّة الإسلاميّة قد أجمعت على ضرورة التّحاكم إلى الكتاب والسنّة، ولكنّ الفِرَق اختلفت، والطّوائف والجماعات عن هذا الصّراط انحرفت، عندما أعرضت عن ركن ثالث لا يمكن فهم الوحي إلاّ به، ألا وهو فهم سلف هذه الأمّة لكتاب الله وسنّة رسوله صلّى الله عليه وسلّم.
فإنّ الله حين أمرنا باتّباع صراطه المستقيم بيّن لنا أنّه صراط الّذين أنعم عليهم، ولم يكتف بمدح الصّراط دون بيان من سلكه.

قال ابن القيّم رحمه الله في " مدارج السّالكين " (1/13):
" فكلّ من كان أعرف للحقّ وأتبعَ له كان أولى بالصّراط المستقيم، ولا ريب أنّ أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ورضي الله عنهم هم أولى بهذه الصّفة .. ولهذا فسّر السّلف الصّراطَ المستقيم بأبي بكر وعمر وأصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم .." اهـ.
ذلك لأنّهم شهدوا التّنزيل، وشاهدوا من هدي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما جعلهم فقهاء بالتّأويل، وهم أبرّ النّاس قلوبا، وأصفاهم عقولا، وأصحّهم رأيا، وأنقاهم فطرة.
*أدلّة هذا الأصل.
  • - الدّليل الأول: قوله تعالى:{وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة:100].

فلا أحد يمكنه أن يَحْظى برضا الله تعالى إلاّ إذا اتّبع طريقهم وسلك سبيلهم، فهؤلاء جاء الدّليل على أنّهم وصلوا إلى رضى الرّحمن، فلا يُترك سبيلهم إلى سبيل من لا يُعلم في حقّه ذلك.
  • - الدّليل الثّاني: قوله تعالى:{وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً} [النساء:115].

فمشاقّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وحده كفيلة بهذا الوعيد الشّديد، ولكنّ الله أراد أن ينبّه على ضرورة فهم أصحابه الكرام، فضمّ إلى مشاقّة رسوله صلّى الله عليه وسلّم مجانبَةَ سبيل المؤمنين.
  • - الدّليل الثّالث: ما رواه البخاري ومسلم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ )).

والشّاهد: أنّه لا يُعقل أبدا تركُ من شهِد لهم النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بالخيريّة والرّكون إلى غيرهم.
  • - الدّليل الرّابع: ما رواه أبو داود والدّارميّ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ رضي الله عنه قَالَ: أَلَا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم قَامَ فِينَا فَقَالَ: (( أَلَا إِنَّ مَنْ قَبْلَكُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ افْتَرَقُوا عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً، وَإِنَّ هَذِهِ الْمِلَّةَ سَتَفْتَرِقُ عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ، ثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ وَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ، وَهِيَ الْجَمَاعَةُ )).

فانظر وتأمّل أنّه ما اكتفى بأن يصف الفرقة النّاجية باتّباع الكتاب والسنّة - مع أنّه لا يُتصوّر خروجها عنهما - ولكنّه وصفها بالجماعة، للتّنبيه على أنّه لا بدّ من فهم الجماعة للوحيين، والجماعة هم أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأمور ثلاثة:
1- الأوّل: أنّه لم يكن يومئذ جماعة غيرهم رضي اله عنهم.
2- الثّاني: أنّه لم يمرّ على هذه الأمّة عصر اجتمعت فيه كلمتها إلاّ في عصر الصّحابة رضي اله عنهم.
3- جاءت رواية الحاكم تفسّر الجماعة حيث قال صلّى الله عليه وسلّم: (( مَا أَنَا عَلَيْهِ اليَوْمَ وَأَصْحَابِي )).
  • - الدّليل الخامس: ما رواه أبو داود والتّرمذي وغيرهما عَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ رضي الله عنه قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم ذَاتَ يَوْمٍ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا، فَوَعَظَنَا مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ، وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ! كَأَنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ، فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا ؟ فَقَالَ:

(( أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَإِنْ عَبْدًا حَبَشِيًّا، فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ )).
قال الإمام الشّاطبيّ رحمه الله في " الاعتصام " (1/104):
" فقرن صلّى الله عليه وسلّم - كما ترى - سنّة الخلفاء الرّاشدين بسنّته، وأنّ من اتّباع سنّته اتّباع سنّتهم، وأنّ المحدثات خلاف ذلك، ليست منها في شيء، لأنّهم رضي اله عنهم فيما سَنُّوا:
إمّا متّبعون لسنّة نبيّهم صلّى الله عليه وسلّم نفسها.
وإمّا متّبعون لما فهموا من سنّته صلّى الله عليه وسلّم في الجملة والتّفصيل على وجه يخفى على غيرهم مثلُه "اهـ.
* ومن الآثار في ذلك:

  • * ما رواه ابن عبد البرّ في " جامع بيان العلم " (2/97) عن ابنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ:
( مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مُتَأَسِّياً فَلْيَتَأَسَّ بِأَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صلّى الله عليه وسلّم، فَإِنَّهُمْ كَانُوا أَبَرَّ هَذِهِ الأُمَّةِ قُلُوباً، وَأَعْمَقَهَا عِلْماً، وَأَقَلَّهَا تَكَلُّفاً، وَأَقْوَمَهَا هَدْياً، وَأَحْسَنَهَا حَالاً، قَوْماً اخْتَارَهُمْ اللهُ تَعَالَى لِصُحْبَةِ نَبِيِّهِ صلّى الله عليه وسلّم، فَاعْرِفُوا لَهُمْ فَضْلَهُمْ وَاتَّبِعُوهُمْ فِي آثَارِهِمْ؛ فَإِنَّهُمْ كَانُوا عَلَى الهُدَى المُسْتَقِيمِ ).
  • * وقد رواه أبو نعيم في الحلية عن ابن عمر رضي الله عنه.
  • * وروى الإمام أحمد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ:

( إِنَّ اللَّهَ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ فَوَجَدَ قَلْبَ مُحَمَّدٍ صلّى الله عليه وسلّم خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ فَاصْطَفَاهُ لِنَفْسِهِ فَابْتَعَثَهُ بِرِسَالَتِهِ، ثُمَّ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ بَعْدَ قَلْبِ مُحَمَّدٍ فَوَجَدَ قُلُوبَ أَصْحَابِهِ خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ، فَجَعَلَهُمْ وُزَرَاءَ نَبِيِّهِ يُقَاتِلُونَ عَلَى دِينِهِ، فَمَا رَأَى الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ، وَمَا رَأَوْا سَيِّئًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ سَيِّئٌ ).
والمقصود بقوله: ( المسلمون ) هم أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
لذلك:
  • * قال الإمام أحمد - كما في " شرح أصول اعتقاد أهل السنّة " لللاّلكائيّ (317)، و" مناقب الإمام أحمد "(ص230)-:
  • " أصول السنّة [أي: العقيدة ] عندنا التمسُّك بما كان عليه أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والاقتداء بهم ".
  • وقال الشّيخ عبد الحميد بن باديس رحمه الله-كما في " الآثار " (5/73)-:
  • " الإسلام إنّما هو في كتاب الله وسنّة رسوله صلّى الله عليه وسلّم وما كان عليه سلفنا من أهل القرون الثّلاثة المشهود لهم بالخيريّة على لسان الصّادق المصدوق ".

ومن ثمّ بُثّت قواعد فرعيّة لدى أهل العلم تندرج تحت هذا الأصل منها:
* القاعدة الأولى: لا يُرفع الخلاف إلاّ بفهم الأسلاف.
- مثال على ذلك: قوله تعالى:{وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ} [المائدة: من الآية37]:
هذه الآية تمسّك بها من يتّبع ما تشابه من القرآن الكريم، فأخذوا منها أنّ من دخل النّار فإنّه لا تنفعه شفاعة أحدٍ، فحملوها على عُصَاة الموحّدين، مع أنّها تخصّ الكافرين المشركين، وهذه الشّبهة كان قد أوردها أحد التّابعين المخلصين على جابر بن عبد الله رضي الله عنه.
روى مسلم عن يزيدَ الفقيرِ[1] قال:
كنت قد شغفني رأيٌ من رأي الخوارج، فخرجنا في عصابة ذوي عدد نريد أن نحجّ، ثمّ نخرج على النّاس! قال: فمررنا على المدينة، فإذا جابر بن عبد الله يحدّث القومَ جالسٌ إلى سارية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فإذا هو قد ذكر الجهنّميين، [يقصد ما رواه مسلم أيضا عن جَابِرِ بنِ عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (( إِنَّ قَوْمًا يُخْرَجُونَ مِنْ النَّارِ، يَحْتَرِقُونَ فِيهَا، إِلَّا دَارَاتِ[2] وُجُوهِهِمْ، حَتَّى يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ ))].
قال: فقلت له: يا صاحب رسول الله ! ما هذا الّذي تحدِّثون، والله يقول:{إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلْ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ}، وَ{كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا} ؟ فما هذا الّذي تقولون ؟
فقال: أتقرأُ القرْآن ؟ قلت: نعم.
قال: فهل سمعت بِمَقَامِ مُحَمَّدٍ صلّى الله عليه وسلّم - يَعْنِي الَّذِي يَبْعَثُهُ اللَّهُ فِيهِ - ؟. قلت: نعم.
قَالَ: فَإِنَّهُ مَقَامُ مُحَمَّدٍ صلّى الله عليه وسلّم الْمَحْمُودُ الَّذِي يُخْرِجُ اللَّهُ بِهِ مَنْ يُخْرِجُ، قَالَ: ثُمَّ نَعَتَ وَضْعَ الصِّرَاطِ، وَمَرَّ النَّاسِ عَلَيْهِ، وَأَنَّ قَوْمًا يَخْرُجُونَ مِنْ النَّارِ بَعْدَ أَنْ يَكُونُوا فِيهَا، فَيَخْرُجُونَ كَأَنَّهُمْ عِيدَانُ السَّمَاسِمِ، قَالَ: فَيَدْخُلُونَ نَهَرًا مِنْ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ فَيَغْتَسِلُونَ فِيهِ، فَيَخْرُجُونَ كَأَنَّهُمْ الْقَرَاطِيسُ.
قال يزيد: فرجعنا قلنا: ويحكم ! أترون الشّيخ يكذب على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ؟!
فرجعنا، فلا والله ما خرج منّا غير رجل واحد.
وفي رواية ابن مردويه أنّ جابرا رضي الله عنه قال له: اُتْلُ أَوَّلَ الآيَةِ:{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ} الآيةَ، أَلاَ إِنَّهُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا.
- مثال آخر: قال الإمام الآجرّي رحمه الله في " الشّريعة " (1/455):
" بلغني عن المهتدي رحمه الله أنّه قال: ما قطع أبي - يعني الواثقَ - إلاّ شيخٌ جيء به من المصيصة، فمكث في السّجن مدّةً، ثمّ إنّ أبي ذكره يوما، فقال: عليّ بالشّيخ، فأتي به مقيّدا، فلمّا أوقف بين يديه سلّم، فلم يردّ عليه السّلام.
فقال له الشّيخ: يا أمير المؤمنين، ما استعملت معي أدب الله تعالى، ولا أدب رسوله صلّى الله عليه وسلّم، قال الله تعالى:{وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء: من الآية86]، وأمر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بردّ السّلام.
فقال له: وعليك السّلام. ثمّ قال لابن أبي دؤاد: سَلْهٌ !.
فقال: يا أمير المؤمنين: أنا محبوس مقيّد، أصلّي في الحبس بتيمّم، مُنِعت الماء، فمرْ بقيودي تُحَلّ، ومُرْ لي بماء أتطهّر وأصلّي، ثمّ سلني.
فأمر، فحلّ قيده وأمر له بماء، فتوضّأ وصلّى، ثمّ قال لابن أبي دؤاد: سله.
فقال الشّيخ: المسألة لي، تأمره أن يجيبني. فقال: سل.
فأقبل الشّيخ على ابن أبي دؤاد فقال: أخبرني عن هذا الّذي تدعو النّاس إليه، أشيءٌ دعا إليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ؟ قال: لا.
قال: فشيء دعا إليه أبو بكر الصدّيق بعده ؟ قال: لا.
قال: فشيء دعا إليه عمر ابن الخطّاب بعدهما ؟ قال: لا.
قال: فشيء دعا إليه عثمان بن عفّان رضي الله عنه بعدهم ؟ قال: لا.
قال: فشيء دعا إليه عليّ بن أبي طالب بعدهم ؟ قال: لا.
قال: فشيء لم يدع إليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولا أبو بكر، ولا عمر، ولا عثمان، ولا عليّ رضي الله عنهم، تدعو أنت النّاس إليه ؟!
ليس يخلو أن تقول: علموه أو جهلوه، فإن قلت: علموه وسكتوا عنه، وسِعَنا وإيَّاك ما وسع القومَ من السّكوت، وإن قلت: جهلوه وعلمته أنا، فيا لكع بن لكع، يجهل النبيّ صلّى الله عليه وسلّم والخلفاءُ الرّاشدون رضي الله عنهم شيئا تعلمه أنت وأصحابك ؟
قال المهتدي: فرأيت أبي وثب قائما ودخل الحيرى[3]، وجعل ثوبه في فيه يضحك ؟ ثمّ جعل يقول: صدق ..." وجعل يردّد ما قاله الشّيخ.
زاد غير الآجري: " وسقط من عينه ابن أبي دؤاد، ولم يمتحِن بعدها أحدًا ".
وفي رواية قال المهتدي:" فرجعتُ عن هذه المقالة، وأظنّ أنّ أبي رجع عنها منذ ذلك الوقت "[4].
الشّاهد: أنّ ردّ النّاس إلى سيرة السّلف الصّالح يرفع الخلاف ويدفع الشّقاق والنّزاع، وصدق الإمام مالك رحمه الله حين قال: " لا يُصلح آخرَ هذه الأمّة إلاّ ما أصلح أوّله ".
* القاعدة الثّانية: علم السّلف أسلم وأعلم وأحكم.
طائفة خرست أمام الأدلّة الواضحة على ضرورة اتّباع سبيل ومنهج السّلف الصّالح، فما طعنوا في منهجهم بصراحة كما فعل كثير من أهل البدع، لكنّهم ستروا طعنهم بما ظاهره ثناء ومدح، فقالوا: منهج السّلف أسلم، ومنهج الخلف أعلم وأحكم.
وفي هذا الكلام مغالطتان:
الأولى: أنّهم يقصدون بمنهج السّلف منهج المفوّضة، وهو تعطيل المعاني الّتي دلّت عليها نصوص الصّفات.
الثّانية: ماذا يقصدون بالسّلامة ؟
فإن كان قصدهم أنّ التّسليم أسلم، وأنّهم رضُوا بأن لا يُخاض في نصوص الصّفات، فذاك واجب على كلّ مكلّف.
وإن كان قصدهم أنّهم ما فهموا معاني النّصوص الواردة في الصّفات! وأنّهم لا يُحسنون الاستدلال بالمعقول وغرائب الألفاظ ودقائق التّأويلات كما يفعله الخلف ! فذاك هو الطّعن بعينه في منهجهم.
وقائل هذه المقولة أحد رجلين:
- إمّا أن يكون جاهلاً بحقيقة مذهب السّلف - وهذا حُرم حسنُ الفهم-.
وإمّا أن يكون رجلَ سوءٍ - وهذا حُرم حسن القصد-.
فأمّا الأوّل فعلاجه أن يبيّن له منهج السّلف بأدلّته.
وأمّا الثّاني فلا علاج له إلاّ درّة عمر رضي الله عنه يضرب بها على رأسه صباح مساء حتّى تخرج الشّياطين من رأسه، ولا ينبّئك مثل صبيغ.
والحمد لله ربّ العالمين
[1] قال النّوويّ رحمه الله: " هو يزيد بن صهيب الكوفيّ ثمّ المكّي أبو عثمان قيل له: ( الفقير ) لأنّه أصيب في فقار ظهره، فكان يألم منه حتّى ينحني له ".
[2] هو ما يحيط بالوجه من جميع جوانبه، قال النّوويّ: " لكونها محلّ السّجود "، وفي حديث آخر: ( إلاّ موضع السّجود ).
[3] هكذا في بعض النّسخ، وهي مكان يشبه الحظيرة كما في " لسان العرب ".
[4] قال الذّهبي في " السّير " (11/313): " هذه القصّة مليحة، وإن كان في طريقها من يُجهل، ولها شاهد "، وممّن رواها مسندة من طرق ابن بطّة في " الإبانة " (452) والخطيب في " تاريخ بغداد " وابن الجوزيّ في " مناقب الإمام أحمد " (457) وعبد الغنيّ المقدسيّ في " المحنة " (169) وابن قدامة في " التوّابين " (210).

أخر تعديل في السبت 14 ذو الحجة 1431 هـ الموافق لـ: 20 نوفمبر 2010 12:10
تم قراءة الموضوع 489 مره
منشور في أصول اعتقاد السّلف

المزيد من مواضيع هذا القسم: « - أصول اعتقاد السّلف (4) العقل الصّريح لا يُخالف النّقل الصّحيح ج 1 - أصول اعتقاد السّلف (2) بناء العقيدة على النّقول الثّابتة »
الذهاب للأعلي
























قديم 2013-06-07, 07:00   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
نور العقل
عضو نشيط
 
إحصائية العضو










افتراضي

عقيدة المسلم،عقيدة اسلامية،عقيدتي عقيدتك،العقائد،عقيدة التوحيد ....الله يحاسبنا عن ماهي عقيدتنا،وليس ماهي عقيدة السلف؟وهل للسلف عقيدة اسلامية واحدة؟ومن هم السلف لغة واصطلاحا؟
الله انعمنا بالقرءان الكريم محفوظا متنا ،علينا أن نتدبر آياته نحن،وقد خاطبنا الله في القرءان وبالقرءان،من خلال خطابه للرسول محمد صلى الله عليه وسلم:إقرأ...وبلسانه:وقل رب زدني علما.لاواسطة بين العبد وربه،إن اردت أن يكلمك الله عليك بالقرءان الكريم،إن أردت الكلام مع الله عليك بالصلاة وخاصة في جوف الله..لنترك السلف وماأنتجوه تاريخا،نطلع عليه لنستفيد ،ولاندخل في معاركهم ومناقشاتهم واختلافاتهم ،هي لزمانهم وفقط.










قديم 2013-06-07, 08:59   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
الحضني28
محظور
 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الاخ رضا مشاهدة المشاركة
https://ww.nebrasselhaq.com/2010-06-1...a8%d8%aa%d8%a9

- أصول اعتقاد السّلف (2) بناء العقيدة على النّقول الثّابتة

الكاتب: عبد الحليم توميات

ليه وسلّم، وما اتّفقت عليه الأمّة، فهذه الثّلاثة هي أصول معصومة، وما تنازعت فيه الأمّة ردّوه إلى الله والرّسول صلّى الله عليه وسلّم. وليس لأحد أن يُنصِّب للأمّة شخصا يدعو إلى طريقته ويوالي ويعادي عليها غير النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ولا ينصّب لهم كلاما يوالي عليه ويعادي عليه غيرَ كلام الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم وما اجتمعت عليه الأمّة، بل هذا من فعل أهل البدع الّذين ينصبون لهم شخصا أو كلاما يفرّقون به بين الأمّة يوالون به على ذلك الكلام أو تلك النّسبة " اهـ.
فأهل السنّة يُعظّمون الوحي، ويعتقدون اعتقادا جازما أنّه بقدر ما يبتعد المرء عن الوحي بقدر ما يبتعد عن الحقّ لا محالة.
قال الله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال:64]، أي: حسبُك وحسْبُ من اتّبعك. قال شيخ الإسلام ابن تيمية في " منهاج السنّة " (8/487): " ولهذا كلّ من كان متّبعا للرّسول صلّى الله عليه وسلّم كان الله معه بحسب هذا الاتّباع ".
ولقد قيل لعبد الرّحمن بن مهدي: إنّ فلانا صنّف كتابا يردّ فيه على المبتدعة. قال: بأيّ شيء ؟ بالكتاب والسنّة ؟ قال: لا، لكن بعلم المعقول والنّظر. فقال: أخطأ السنّة وردّ بدعة ببدعة.
من القواعد المتفرّعة عن هذا الأصل العظيم:
  • 1- لا يحتجّ بقول أحدٍ ولو كان من أئمّة السنّة على إثبات عقيدة ما.

ذلك؛ لأنّ كلامه ليس كتابا ولا سنّة، ولم يُجمع السّلف على قوله.
ومن ثمّ ضلّت الفرق الّتي جعلت اعتقادها تَبَعًا لمعيّن غيرِ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وما أجمع عليه السّلف:
فهذا يتّبع قول واصل بن عطاء، وذاك يتّبع قول الجهم بن صفوان، وثالث يتّبع قول نافع بن الأزرق، ورابع يتّبع قول أبي الحسن الأشعريّ، وآخر يقتفي أثر أبي منصور الماتوريدي، وهلمّ جرّا.
فهؤلاء انحرفوا عن أصل من أصول الاستدلال على العقائد، فانحرفوا في جلّ وأكثر المسائل.
تنبيه:
من جعل الكتاب والسنّة أصله وفصله، ثمّ غفل عن هذا الأصل في بعض المسائل، فإنّه سيخطئ - بلا شكّ - في مسألة أو مسألتين، وذلك لا يخرجه من دائرة أهل السنّة، لأنّه لم يجعل مخالفة النّقول أصلا له.
ومن الأمثلة على ذلك:
- إثبات بعض المحدّثين لصفة القعود والجلوس على العرش:
واعتمدوا في ذلك على أحاديث باطلة موضوعة، منها ما رواه الطّبراني في " المعجم الكبير " (1/137/2): (( يقول الله عزّ وجلّ للعلماء يوم القيامة إذا قعد على كرسيّه لقضاء عباده: إنّي لم أجعل علمي وحكمي فيكم إلا وأنا أريد أن أغفر لكم، على ما كان فيكم، ولا أبالي ".
ومنها حديث (( يُجْلِسُنِي عَلَى العَرْشِ ))[1].
قال الذّهبيّ في " العلوّ ": " وإنّما هذا شيء قاله مجاهد .. غلا بعض المحدّثين فقال: لو أنّ حالفا حلف بالطّلاق ثلاثا أن الله يقعد محمدا صلّى الله عليه وسلّم على العرش و استفتاني، لقلت له: صدقت وبررت !
قال الذّهبي رحمه الله معلّقا:" فأبصر – حفظك الله من الهوى – كيف آل الغلوّ بهذا المحدّث إلى وجوب الأخذ بأثر منكر ..".
- إثبات بعض الحنابلة لصفة الحدّ:
حتّى ألّف فيه أبو محمّد الدشتي كتابا سمّاه " إثبات الحد "، مع أنّ هذه الصّفة لم يأتِ بها كتاب ولا سنّة، ولم يتكلّم بها الصّحابة ولا من تبِعهم بإحسان، ولكنّهم أخذوها عن بعض الأئمّة، ويعزون إثبات الحدّ إلى الإمام أحمد رحمه الله، كما فعل الدّارميّ وأبو يعلى والخلاّل والهرويّ وأنّه قال:" له حدّ لا يعلمه إلاّ هو ".
وبعضهم يذكر أنّ لأحمد روايتين، ولقد بيّن شيخ الإسلام رحمه الله في " نقض التّأسيس " (1/423) أنّ القول الأسدّ أن لا يخوض المؤمن في هذه المسألة بإثباب ولا نفي، وإنّما مراد الإمام أحمد بالإثبات الردّ على الجهميّة الّذين كان قصدهم من وراء نفي الحدّ أنّه تعالى لا يُبايِن المخلوقات، ومقصوده في النّفي نفي الصّفة الّتي يعلمها الخلق.[2]
- ومثل ذلك ما ذكره أبو يعلى في " إبطال التّأويلات " من إثبات صفة الصّعود، أخذا بدليل اللّزوم من صفة النّزول !
2- الاحتجاج بالقراءة الشاذّة.

ذلك لأنّ القراءة الشاذّة من النّقول الثّابتة - كما هو مقرّر في علم الأصول-.
ومن ثمّ أثبت السّلف رحمهم الله صفة العزم لله تعالى استدلالا بقوله تعالى في قراءة: {فإذا عزمتُ فتوكّل على اللّه}- بضمّ آخر الفعل-.
وهي قراءة جابر بن زيد، وأبي نهيك، وعكرمة، وجعفر بن محمّد [انظر: " الدرّ المنثور " (2/360)، وتفسير ابن عطيّة (3/281)، و" مختصر في شواذّ القرآن " لابن خالويه (23)، و" البحر المحيط " لأبي حيّان، و" إعراب القرآن " للنحّاس (1/416) وغيرها].
ويؤيّد ذلك ما رواه مسلم عن أمّ سلمة قالت: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم يَقُولُ:
(( مَا مِنْ عَبْدٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ فَيَقُولُ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا، إِلَّا أَجَرَهُ اللَّهُ فِي مُصِيبَتِهِ وَأَخْلَفَ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا )). قَالَتْ: فَلَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو سَلَمَةَ قُلْتُ: مَنْ خَيْرٌ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم ؟ ثُمَّ عَزَمَ اللَّهُ لِي فَقُلْتُهَا، قَالَتْ: فَأَخْلَفَ اللَّهُ لِي خَيْرًا مِنْهُ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم.
وقد استعملها الإمام مسلم في خطبة كتابه (1/4) واستدلّ شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في " مجموع الفتاوى " (16/304) بالآية وبحديث أمّ سلمة وبفعل الإمام مسلم ليشير أنّ السّلف فعلوا ذلك.
وفي المقابل نفى هذه الصّفة الباقلاّنيّ وأبو يعلى، والنّوويّ في " شرح صحيح مسلم "(1/46)، و(6/221) وذكر أقوالا في تأويلها.
3- الاحتجاج بأحاديث الآحاد.
الأخبار من حيث وصولها إلينا لها طريقان: إمّا أن تكون أخبارا متواترةً، وإما أن تكون أخبار آحاد:


- فالأخبار المتواترة هي: الّتي رواها جمع عن جمعٍ، من مبدأ السّند إلى منتهاه، حيث يحيل العقلُ تواطأَهم على الكذب، وهذه تفيد العلم الضّروري، وهي القرآن الكريم ومتواتر السنّة.
- وأمّا أخبار الآحاد فهو ما فَقَد شرطَ التّواتر.
فأهل السنّة والجماعة - كما ذكرنا - يعتمدون في إثبات عقيدتهم على الكتاب والسنّة:
أمّا الكتاب فهو كلّه متواتر،والسنّة لا يشترطون فيها إلاّ صحّتها فحسب، فإذا صحّت فلا يسألون: هل هو خبر آحاد أو متواتر ؟
أمّا علماء الكلام فقد أشاعو أنّ حديث الآحاد يفيد العمل لا العلم، بمعنى أنّه يؤخذ به في الأحكام العمليّة، لا في الأحكام العقديّة، وقالوا: إنّ خبر الواحد يفيد الظنّ، والظنّ لا تُبنَى عليه عقيدة !
وهذا مردود من وجوه:
1- أنّه لا دليل على التّفريق بين الأحكام والعقائد، قال العلاّمة ابن القيم في " الصّواعق المرسلة " (3/412):
" وهذا التفريق باطل بإجماع الأمة فإنها لم تزل تحتج بهذه الأحاديث في الخبريات العلميات ( يعني العقيدة ) كما تحتج بها في الطلبيات العمليات، ولا سيما والأحكام العملية تتضمن الخبر عن الله بأنه شرع كذا وأوجبه ورضيه دينا فشرعه ودينه راجع إلى أسمائه وصفاته.
ولم تزل الصّحابة والتّابعون وتابعوهم وأهل الحديث والسنة يحتجون بهذه الأخبار في مسائل الصّفات والقدر والأسماء والأحكام، ولم ينقل عن أحد منهم ألبتّة أنّه جوّز الاحتجاج بها في مسائل الأحكام دون الأخبار عن الله وأسمائه وصفاته فأين سلف المفرِّقين بين البابين ؟
نعم، سلفهم بعض متأخّري المتكلّمين الّذين لا عناية لهم بما جاء عن الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه رضي الله عنهم، بل يصدّون القلوب عن الاهتداء في هذا الباب بالكتاب والسنّة وأقوال الصّحابة، ويُحِيلون على آراء المتكلّمين وقواعدِ المتكلِّفين، فهم الّذين يُعرف عنهم التّفريق بين الأمرين .."اهـ.
2- الدّليل قام على اعتبار حديث الثّقة حجّة، فقد كان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يُرسِل أصحابه مثنى وفرادى إلى المدن والقرى يعلّمون النّاس التّوحيد والأحكام.
قال الشّافعي رحمه الله تعالى في " الرّسالة " (ص 412): " وهو صلّى الله عليه وسلّم لا يبعث بأمره إلاّ والحجّة للمبعوث إليهم عليهم قائمة بقبول خبره عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقد كان قادرا على أن يبعث إليهم فيشافههم أو يبعث إليهم عددا، فبعث واحدا يعرفونه بالصّدق ".
ومقتضى كلامهم أنّه كان لا بدّ من أن يرسل عددا يبلغ حدّ التّواتر، بل مقتضى كلامهم أنّ إرسال الله للرّسول الواحد لا يفيد العلم.
3- أنّهم ما يلجأون إلى هذا التّفريق إلاّ عندما تورَد عليهم أحاديث الصّفات، بدليل تناقضهم من جهتين:
أ) أنّهم يحتجّون بأخبار الآحاد في كثير من مسائل الاعتقاد مثل معجزات المصطفى صلّى الله عليه وسلّم، والرّؤية، وعذاب القبر، والحساب، والميزان، والصّراط، والإمامة وغيرها.
ب) وأنّهم لم يأخذوا بنصوص القرآن - وهو متواتر - في مسائل الصّفات الّتي لا تتماشى مع أصولهم.
4- أنّ مذهب الجمهور: الاحتجاج بخبر الواحد إذا تلقّته الأمّة بالقبول: أي: صحّحه العلماء، أو كان في الصّحيحين مطلقا.
[انظر: " مجموع الفتاوى " (18-40)، و" الباعث الحثيث " (ص 33)، والبلقيني في " محاسن الاصطلاح " (101)، و" النّكت " لابن حجر (1/374)].
5- أنّ إجماع أهل الحديث على حجّيته في العقائد، والعبرة في الإجماع هو قول أهل الفنّ كما حقّقه ابن القيّم رحمه الله في "مختصر الصّواعق المرسلة"(2/375).
6- أمور أربعة إذا اجتمعت تجعل الخبر مفيدا اليقين:
- أمر يرجع إلى المخبِر، وهم ( أئمّة السّلف ).
- أمر يرجع إلى المخبر عنه ( النبيّ صلّى الله عليه وسلّم الصّادق المصدوق ).
- أمر يرجع إلى المخبر به ( فإنّ الحقّ عليه نور تدرك صحّته ).
- أمر يرجع إلى المخبَر ( وهو السّامع إذا كان سليم الفطرة، منقادا إلى الشِّرعة ).
فمتى اجتمعت هذه الأمور كان الخبر مفيدا لليقين، ومتى انعدمت فإنّها لا تفيده، وينقص من اليقين بمقدار ما يضعف منها.

  • 4- التوقّف في الألفاظ المجملة التي لم يرد إثباتها ولا نفيها

أي: ما لم يرد فيه دليل بعينه كالألفاظ والصّفات الّتي يتكلّم بها أهل التّعطيل فلأهل السنّة فيه نظرتان: نظرة من حيث لفظه، ونظرة من حيث معناه.
* فمن حيث لفظه: لا يثبتونه لعدم ورود الدّليل الخاص به ولم يتكلم به السّلف.
* وأمّا من ناحية معناه: فالواجب هو التوقف فيه والاستفصال عنه؛ لأنّ هذه الألفاظ فيها حقّ وفيها باطل فهي ألفـاظ مجملة، واللّفظ المجمـل يحتـاج إلى بيـان فيستفصل عنه، فإن أُريد به حقٌ قبلناه، وإن أُريد بـه باطلٌ رددنـاه. وحتّى تتّضح هـذه القاعدة نذكر بعض الأمثلة عليها:
- منها : لفظ( الجهة ) فإذا قيل: هل الله تعالى في جهة ؟ فيقال له: إنّ لفظ الجهة لا نثبته لعدم وروده في القرآن الكريم ولا السنّة ولا في كلام السّلف.
أمّا معناه فنتوقف فيه؛ لأنّ لفظ الجهة فيه حقّ وفيه باطل. فلا بدّ من معرفة: ما يريد بلفظ الجهة ؟ هل يريد به جهة سفلٍ ؟ أم جهة علو محيطة بالله تعالى ؟ أم جهة علو غير محيطةٍ بالله تعالى ؟
فإن أراد الأوّل فهو باطل؛ لأن جهة السفل نقص والله تعالى منزّه عن النّقص. وإن أراد الثاني فهو باطل أيضًا ؛ لأن الله تعالى لا يحيط به شيءٌ من مخلوقاته. وإن أراد الثالث فهو حق يجوز على الله تعالى، لكن لا نسميه بالجهة وإنّما نسميه بالعلـوّ.
فصار إذًا لفظ الجهة يحتمل الحق ويحتمل الباطل، فلو رددناه مطلقًا لأدّى ذلك إلى ردّ ما فيه من الحقّ، ولو قبلـناه مطلقًا لأدّى ذلك إلى قبـول ما فـيه من الباطل، لكن لما استفصلنا تميّز الحقّ من الباطل فقبلنا الحقّ؛ لأن الحق يجب قبوله، ورددنا الباطل؛ لأنّ الباطل يجب ردّه.
وبمثل ذلك يقال في المكان والحيّز، والجسم، وغير ذلك ممّا يرد على لسان المتكلّمين.
والله تعالى أعلى وأعلم.
[1]/ قال الشّيخ الألباني رحمه الله في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " (2/255): "باطل، ذكره الذّهبي في " العلوّ " وقال: " هذا حديث منكر لا يفرح به ..". [2]/ ومن عجيب ما حدث قديما ما حكاه الذّهبي في " السّير "(16/97) قال: " وقال أبو إسماعيل الأنصاريّ: سمعت يحيى بن عمّار الواعظ وقد سألته عن ابن حبّان فقال: نحن أخرجناه من سجستان، كان له علم كثير، ولم يكن له كبير دين، قدم علينا، فأنكر الحدّ لله، فأخرجناه.
قلت (أي: الذّهبيّ رحمه الله): إنكاركم عليه بدعة أيضا، والخوض في ذلك ممّا لم يأذن به الله، ولا أتى نصّ بإثبات ذلك ولا بنفيه، و(( مِنْ حُسْنِ إِسْلاَمِ المَرْءِ تَرْكُهُ مَا لاَ يَعْنِيهِ ))، وتعالى الله أن يُحدَّ أو يوصف إلاّ بما وصف به نفسه، أو علمه رسلُه بالمعنى الّذي أراد بلا مثل ولا كيف{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشّورى:11].
أخر تعديل في السبت 14 ذو الحجة 1431 هـ الموافق لـ: 20 نوفمبر 2010 14:02 تم قراءة الموضوع 593 مره
منشور في أصول اعتقاد السّلف

المزيد من مواضيع هذا القسم: « - أصول اعتقاد السّلف (3) فهم النُّقول الثّابتة بفهم سلف هذه الأمّة - أصول اعتقاد السّلف (1) مدخل وتعريف »
الذهاب للأعلي







لماذا كل هذه النقولات التي اتعبتنا ؟ (الأعراب أشد كفرا ونفاقا) ألا تعرف هذا؟
المصدر الوحيد الصحيح هو القرآن والأدلة على صحته وافرة
كل قول أوحديث يجب إخضاعه للقرآن ماوافق يقبل وما صادم يزاح ...من أدراك بأن كل الأحاديث في الصحيحين صحيحة؟بل توجد أحاديث في الصحيحين مكذوبة
أما قضية اتباع السلف ، ففيم نتبعهم وكيف ؟ ألا تؤمن بأن سنة الله في الكون التغير والثبات؟الثابت واضح لكن المتغير كيف؟
مارأيك في الآية "ياأيها النبي لم تحرم ماأحل الله لك" هذا النبي صلى الله عليه وسلم...وقد لامه الله فما بالك بغيره
هل تميز أنت وشيوخ الفضائيات بين "ياأيها النبي " و "ياأيها الرسول"؟ أناس ألغوا العقل ويريدون الاعتماد على قيل وقال.









قديم 2013-06-07, 19:55   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
رمضان الجلفاوي
محظور
 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الاخ رضا مشاهدة المشاركة
https://ww.nebrasselhaq.com/2010-06-1...a8%d8%aa%d8%a9

- أصول اعتقاد السّلف (2) بناء العقيدة على النّقول الثّابتة

الكاتب: عبد الحليم توميات

ليه وسلّم، وما اتّفقت عليه الأمّة، فهذه الثّلاثة هي أصول معصومة، وما تنازعت فيه الأمّة ردّوه إلى الله والرّسول صلّى الله عليه وسلّم. وليس لأحد أن يُنصِّب للأمّة شخصا يدعو إلى طريقته ويوالي ويعادي عليها غير النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ولا ينصّب لهم كلاما يوالي عليه ويعادي عليه غيرَ كلام الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم وما اجتمعت عليه الأمّة، بل هذا من فعل أهل البدع الّذين ينصبون لهم شخصا أو كلاما يفرّقون به بين الأمّة يوالون به على ذلك الكلام أو تلك النّسبة " اهـ.
فأهل السنّة يُعظّمون الوحي، ويعتقدون اعتقادا جازما أنّه بقدر ما يبتعد المرء عن الوحي بقدر ما يبتعد عن الحقّ لا محالة.
قال الله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال:64]، أي: حسبُك وحسْبُ من اتّبعك. قال شيخ الإسلام ابن تيمية في " منهاج السنّة " (8/487): " ولهذا كلّ من كان متّبعا للرّسول صلّى الله عليه وسلّم كان الله معه بحسب هذا الاتّباع ".
ولقد قيل لعبد الرّحمن بن مهدي: إنّ فلانا صنّف كتابا يردّ فيه على المبتدعة. قال: بأيّ شيء ؟ بالكتاب والسنّة ؟ قال: لا، لكن بعلم المعقول والنّظر. فقال: أخطأ السنّة وردّ بدعة ببدعة.
من القواعد المتفرّعة عن هذا الأصل العظيم:
  • 1- لا يحتجّ بقول أحدٍ ولو كان من أئمّة السنّة على إثبات عقيدة ما.

ذلك؛ لأنّ كلامه ليس كتابا ولا سنّة، ولم يُجمع السّلف على قوله.
ومن ثمّ ضلّت الفرق الّتي جعلت اعتقادها تَبَعًا لمعيّن غيرِ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وما أجمع عليه السّلف:
فهذا يتّبع قول واصل بن عطاء، وذاك يتّبع قول الجهم بن صفوان، وثالث يتّبع قول نافع بن الأزرق، ورابع يتّبع قول أبي الحسن الأشعريّ، وآخر يقتفي أثر أبي منصور الماتوريدي، وهلمّ جرّا.
فهؤلاء انحرفوا عن أصل من أصول الاستدلال على العقائد، فانحرفوا في جلّ وأكثر المسائل.
تنبيه:
من جعل الكتاب والسنّة أصله وفصله، ثمّ غفل عن هذا الأصل في بعض المسائل، فإنّه سيخطئ - بلا شكّ - في مسألة أو مسألتين، وذلك لا يخرجه من دائرة أهل السنّة، لأنّه لم يجعل مخالفة النّقول أصلا له.
ومن الأمثلة على ذلك:
- إثبات بعض المحدّثين لصفة القعود والجلوس على العرش:
واعتمدوا في ذلك على أحاديث باطلة موضوعة، منها ما رواه الطّبراني في " المعجم الكبير " (1/137/2): (( يقول الله عزّ وجلّ للعلماء يوم القيامة إذا قعد على كرسيّه لقضاء عباده: إنّي لم أجعل علمي وحكمي فيكم إلا وأنا أريد أن أغفر لكم، على ما كان فيكم، ولا أبالي ".
ومنها حديث (( يُجْلِسُنِي عَلَى العَرْشِ ))[1].
قال الذّهبيّ في " العلوّ ": " وإنّما هذا شيء قاله مجاهد .. غلا بعض المحدّثين فقال: لو أنّ حالفا حلف بالطّلاق ثلاثا أن الله يقعد محمدا صلّى الله عليه وسلّم على العرش و استفتاني، لقلت له: صدقت وبررت !
قال الذّهبي رحمه الله معلّقا:" فأبصر – حفظك الله من الهوى – كيف آل الغلوّ بهذا المحدّث إلى وجوب الأخذ بأثر منكر ..".
- إثبات بعض الحنابلة لصفة الحدّ:
حتّى ألّف فيه أبو محمّد الدشتي كتابا سمّاه " إثبات الحد "، مع أنّ هذه الصّفة لم يأتِ بها كتاب ولا سنّة، ولم يتكلّم بها الصّحابة ولا من تبِعهم بإحسان، ولكنّهم أخذوها عن بعض الأئمّة، ويعزون إثبات الحدّ إلى الإمام أحمد رحمه الله، كما فعل الدّارميّ وأبو يعلى والخلاّل والهرويّ وأنّه قال:" له حدّ لا يعلمه إلاّ هو ".
وبعضهم يذكر أنّ لأحمد روايتين، ولقد بيّن شيخ الإسلام رحمه الله في " نقض التّأسيس " (1/423) أنّ القول الأسدّ أن لا يخوض المؤمن في هذه المسألة بإثباب ولا نفي، وإنّما مراد الإمام أحمد بالإثبات الردّ على الجهميّة الّذين كان قصدهم من وراء نفي الحدّ أنّه تعالى لا يُبايِن المخلوقات، ومقصوده في النّفي نفي الصّفة الّتي يعلمها الخلق.[2]
- ومثل ذلك ما ذكره أبو يعلى في " إبطال التّأويلات " من إثبات صفة الصّعود، أخذا بدليل اللّزوم من صفة النّزول !
2- الاحتجاج بالقراءة الشاذّة.

ذلك لأنّ القراءة الشاذّة من النّقول الثّابتة - كما هو مقرّر في علم الأصول-.
ومن ثمّ أثبت السّلف رحمهم الله صفة العزم لله تعالى استدلالا بقوله تعالى في قراءة: {فإذا عزمتُ فتوكّل على اللّه}- بضمّ آخر الفعل-.
وهي قراءة جابر بن زيد، وأبي نهيك، وعكرمة، وجعفر بن محمّد [انظر: " الدرّ المنثور " (2/360)، وتفسير ابن عطيّة (3/281)، و" مختصر في شواذّ القرآن " لابن خالويه (23)، و" البحر المحيط " لأبي حيّان، و" إعراب القرآن " للنحّاس (1/416) وغيرها].
ويؤيّد ذلك ما رواه مسلم عن أمّ سلمة قالت: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم يَقُولُ:
(( مَا مِنْ عَبْدٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ فَيَقُولُ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا، إِلَّا أَجَرَهُ اللَّهُ فِي مُصِيبَتِهِ وَأَخْلَفَ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا )). قَالَتْ: فَلَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو سَلَمَةَ قُلْتُ: مَنْ خَيْرٌ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم ؟ ثُمَّ عَزَمَ اللَّهُ لِي فَقُلْتُهَا، قَالَتْ: فَأَخْلَفَ اللَّهُ لِي خَيْرًا مِنْهُ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم.
وقد استعملها الإمام مسلم في خطبة كتابه (1/4) واستدلّ شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في " مجموع الفتاوى " (16/304) بالآية وبحديث أمّ سلمة وبفعل الإمام مسلم ليشير أنّ السّلف فعلوا ذلك.
وفي المقابل نفى هذه الصّفة الباقلاّنيّ وأبو يعلى، والنّوويّ في " شرح صحيح مسلم "(1/46)، و(6/221) وذكر أقوالا في تأويلها.
3- الاحتجاج بأحاديث الآحاد.
الأخبار من حيث وصولها إلينا لها طريقان: إمّا أن تكون أخبارا متواترةً، وإما أن تكون أخبار آحاد:


- فالأخبار المتواترة هي: الّتي رواها جمع عن جمعٍ، من مبدأ السّند إلى منتهاه، حيث يحيل العقلُ تواطأَهم على الكذب، وهذه تفيد العلم الضّروري، وهي القرآن الكريم ومتواتر السنّة.
- وأمّا أخبار الآحاد فهو ما فَقَد شرطَ التّواتر.
فأهل السنّة والجماعة - كما ذكرنا - يعتمدون في إثبات عقيدتهم على الكتاب والسنّة:
أمّا الكتاب فهو كلّه متواتر،والسنّة لا يشترطون فيها إلاّ صحّتها فحسب، فإذا صحّت فلا يسألون: هل هو خبر آحاد أو متواتر ؟
أمّا علماء الكلام فقد أشاعو أنّ حديث الآحاد يفيد العمل لا العلم، بمعنى أنّه يؤخذ به في الأحكام العمليّة، لا في الأحكام العقديّة، وقالوا: إنّ خبر الواحد يفيد الظنّ، والظنّ لا تُبنَى عليه عقيدة !
وهذا مردود من وجوه:
1- أنّه لا دليل على التّفريق بين الأحكام والعقائد، قال العلاّمة ابن القيم في " الصّواعق المرسلة " (3/412):
" وهذا التفريق باطل بإجماع الأمة فإنها لم تزل تحتج بهذه الأحاديث في الخبريات العلميات ( يعني العقيدة ) كما تحتج بها في الطلبيات العمليات، ولا سيما والأحكام العملية تتضمن الخبر عن الله بأنه شرع كذا وأوجبه ورضيه دينا فشرعه ودينه راجع إلى أسمائه وصفاته.
ولم تزل الصّحابة والتّابعون وتابعوهم وأهل الحديث والسنة يحتجون بهذه الأخبار في مسائل الصّفات والقدر والأسماء والأحكام، ولم ينقل عن أحد منهم ألبتّة أنّه جوّز الاحتجاج بها في مسائل الأحكام دون الأخبار عن الله وأسمائه وصفاته فأين سلف المفرِّقين بين البابين ؟
نعم، سلفهم بعض متأخّري المتكلّمين الّذين لا عناية لهم بما جاء عن الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه رضي الله عنهم، بل يصدّون القلوب عن الاهتداء في هذا الباب بالكتاب والسنّة وأقوال الصّحابة، ويُحِيلون على آراء المتكلّمين وقواعدِ المتكلِّفين، فهم الّذين يُعرف عنهم التّفريق بين الأمرين .."اهـ.
2- الدّليل قام على اعتبار حديث الثّقة حجّة، فقد كان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يُرسِل أصحابه مثنى وفرادى إلى المدن والقرى يعلّمون النّاس التّوحيد والأحكام.
قال الشّافعي رحمه الله تعالى في " الرّسالة " (ص 412): " وهو صلّى الله عليه وسلّم لا يبعث بأمره إلاّ والحجّة للمبعوث إليهم عليهم قائمة بقبول خبره عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقد كان قادرا على أن يبعث إليهم فيشافههم أو يبعث إليهم عددا، فبعث واحدا يعرفونه بالصّدق ".
ومقتضى كلامهم أنّه كان لا بدّ من أن يرسل عددا يبلغ حدّ التّواتر، بل مقتضى كلامهم أنّ إرسال الله للرّسول الواحد لا يفيد العلم.
3- أنّهم ما يلجأون إلى هذا التّفريق إلاّ عندما تورَد عليهم أحاديث الصّفات، بدليل تناقضهم من جهتين:
أ) أنّهم يحتجّون بأخبار الآحاد في كثير من مسائل الاعتقاد مثل معجزات المصطفى صلّى الله عليه وسلّم، والرّؤية، وعذاب القبر، والحساب، والميزان، والصّراط، والإمامة وغيرها.
ب) وأنّهم لم يأخذوا بنصوص القرآن - وهو متواتر - في مسائل الصّفات الّتي لا تتماشى مع أصولهم.
4- أنّ مذهب الجمهور: الاحتجاج بخبر الواحد إذا تلقّته الأمّة بالقبول: أي: صحّحه العلماء، أو كان في الصّحيحين مطلقا.
[انظر: " مجموع الفتاوى " (18-40)، و" الباعث الحثيث " (ص 33)، والبلقيني في " محاسن الاصطلاح " (101)، و" النّكت " لابن حجر (1/374)].
5- أنّ إجماع أهل الحديث على حجّيته في العقائد، والعبرة في الإجماع هو قول أهل الفنّ كما حقّقه ابن القيّم رحمه الله في "مختصر الصّواعق المرسلة"(2/375).
6- أمور أربعة إذا اجتمعت تجعل الخبر مفيدا اليقين:
- أمر يرجع إلى المخبِر، وهم ( أئمّة السّلف ).
- أمر يرجع إلى المخبر عنه ( النبيّ صلّى الله عليه وسلّم الصّادق المصدوق ).
- أمر يرجع إلى المخبر به ( فإنّ الحقّ عليه نور تدرك صحّته ).
- أمر يرجع إلى المخبَر ( وهو السّامع إذا كان سليم الفطرة، منقادا إلى الشِّرعة ).
فمتى اجتمعت هذه الأمور كان الخبر مفيدا لليقين، ومتى انعدمت فإنّها لا تفيده، وينقص من اليقين بمقدار ما يضعف منها.

  • 4- التوقّف في الألفاظ المجملة التي لم يرد إثباتها ولا نفيها

أي: ما لم يرد فيه دليل بعينه كالألفاظ والصّفات الّتي يتكلّم بها أهل التّعطيل فلأهل السنّة فيه نظرتان: نظرة من حيث لفظه، ونظرة من حيث معناه.
* فمن حيث لفظه: لا يثبتونه لعدم ورود الدّليل الخاص به ولم يتكلم به السّلف.
* وأمّا من ناحية معناه: فالواجب هو التوقف فيه والاستفصال عنه؛ لأنّ هذه الألفاظ فيها حقّ وفيها باطل فهي ألفـاظ مجملة، واللّفظ المجمـل يحتـاج إلى بيـان فيستفصل عنه، فإن أُريد به حقٌ قبلناه، وإن أُريد بـه باطلٌ رددنـاه. وحتّى تتّضح هـذه القاعدة نذكر بعض الأمثلة عليها:
- منها : لفظ( الجهة ) فإذا قيل: هل الله تعالى في جهة ؟ فيقال له: إنّ لفظ الجهة لا نثبته لعدم وروده في القرآن الكريم ولا السنّة ولا في كلام السّلف.
أمّا معناه فنتوقف فيه؛ لأنّ لفظ الجهة فيه حقّ وفيه باطل. فلا بدّ من معرفة: ما يريد بلفظ الجهة ؟ هل يريد به جهة سفلٍ ؟ أم جهة علو محيطة بالله تعالى ؟ أم جهة علو غير محيطةٍ بالله تعالى ؟
فإن أراد الأوّل فهو باطل؛ لأن جهة السفل نقص والله تعالى منزّه عن النّقص. وإن أراد الثاني فهو باطل أيضًا ؛ لأن الله تعالى لا يحيط به شيءٌ من مخلوقاته. وإن أراد الثالث فهو حق يجوز على الله تعالى، لكن لا نسميه بالجهة وإنّما نسميه بالعلـوّ.
فصار إذًا لفظ الجهة يحتمل الحق ويحتمل الباطل، فلو رددناه مطلقًا لأدّى ذلك إلى ردّ ما فيه من الحقّ، ولو قبلـناه مطلقًا لأدّى ذلك إلى قبـول ما فـيه من الباطل، لكن لما استفصلنا تميّز الحقّ من الباطل فقبلنا الحقّ؛ لأن الحق يجب قبوله، ورددنا الباطل؛ لأنّ الباطل يجب ردّه.
وبمثل ذلك يقال في المكان والحيّز، والجسم، وغير ذلك ممّا يرد على لسان المتكلّمين.
والله تعالى أعلى وأعلم.
[1]/ قال الشّيخ الألباني رحمه الله في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " (2/255): "باطل، ذكره الذّهبي في " العلوّ " وقال: " هذا حديث منكر لا يفرح به ..". [2]/ ومن عجيب ما حدث قديما ما حكاه الذّهبي في " السّير "(16/97) قال: " وقال أبو إسماعيل الأنصاريّ: سمعت يحيى بن عمّار الواعظ وقد سألته عن ابن حبّان فقال: نحن أخرجناه من سجستان، كان له علم كثير، ولم يكن له كبير دين، قدم علينا، فأنكر الحدّ لله، فأخرجناه.
قلت (أي: الذّهبيّ رحمه الله): إنكاركم عليه بدعة أيضا، والخوض في ذلك ممّا لم يأذن به الله، ولا أتى نصّ بإثبات ذلك ولا بنفيه، و(( مِنْ حُسْنِ إِسْلاَمِ المَرْءِ تَرْكُهُ مَا لاَ يَعْنِيهِ ))، وتعالى الله أن يُحدَّ أو يوصف إلاّ بما وصف به نفسه، أو علمه رسلُه بالمعنى الّذي أراد بلا مثل ولا كيف{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشّورى:11].
أخر تعديل في السبت 14 ذو الحجة 1431 هـ الموافق لـ: 20 نوفمبر 2010 14:02 تم قراءة الموضوع 593 مره
منشور في أصول اعتقاد السّلف

المزيد من مواضيع هذا القسم: « - أصول اعتقاد السّلف (3) فهم النُّقول الثّابتة بفهم سلف هذه الأمّة - أصول اعتقاد السّلف (1) مدخل وتعريف »
الذهاب للأعلي







اصول الاعتقاد عند المخالف ليس الكتاب والسنة ، بل الامام احمد كذلك اذا قال فهو قران اليس كذلك رضا









قديم 2013-06-07, 20:49   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
اسماعيل 03
مشرف منتديات الدين الإسلامي الحنيف
 
الصورة الرمزية اسماعيل 03
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز لسنة 2013 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة رمضان الجلفاوي مشاهدة المشاركة
اصول الاعتقاد عند المخالف ليس الكتاب والسنة ، بل الامام احمد كذلك اذا قال فهو قران اليس كذلك رضا
أجزم أنك لا تقرأ حرفا مما ينقل من كلام لعلمائنا ولو قرأت ثم فهمت لعقلت فكل الكلام من القرءان ومن الأحاديث التي يعضد بعضها بعضا









قديم 2013-06-07, 20:53   رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
رمضان الجلفاوي
محظور
 
إحصائية العضو










456ty

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة اسماعيل 03 مشاهدة المشاركة
أجزم أنك لا تقرأ حرفا مما ينقل من كلام لعلمائنا ولو قرأت ثم فهمت لعقلت فكل الكلام من القرءان ومن الأحاديث التي يعضد بعضها بعضا
الحد من القران والسنة واشبيك راك التغلط في او في نفسك ، اين قال الله قال رسوله









قديم 2013-06-07, 20:57   رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
اسماعيل 03
مشرف منتديات الدين الإسلامي الحنيف
 
الصورة الرمزية اسماعيل 03
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز لسنة 2013 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة رمضان الجلفاوي مشاهدة المشاركة
الحد من القران والسنة واشبيك راك التغلط في او في نفسك ، اين قال الله قال رسوله

لم أفهم قصدك!!









قديم 2013-06-07, 21:03   رقم المشاركة : 9
معلومات العضو
رمضان الجلفاوي
محظور
 
إحصائية العضو










456ty

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة اسماعيل 03 مشاهدة المشاركة
لم أفهم قصدك!!
اعد القراة للنص في اول الصفحة انه يذكر كلمة الحد لله









قديم 2013-06-07, 22:26   رقم المشاركة : 10
معلومات العضو
الاخ رضا
بائع مسجل (ب)
 
الصورة الرمزية الاخ رضا
 

 

 
الأوسمة
وسام التميز سنة 2012 المرتبة الثالثة 
إحصائية العضو










افتراضي

كنت أنوي الرد عليكم و لكن عدلت عن ذلك و قلت في نفسي
الجدال أبدا لا يفيد و لا فائدة ترجى من ورائه خاصة اذا كان الهوى قائده.
و قلت أيضا
كيف تضيع وقتك مع من ينكر هذا الاصل العظيم و هو


( تُبنى العقيدة على النّقول الثّابتة ).
والمقصود بالنّقول الثّابتة هي: الكتاب، والسنّة الصّحيحة، والإجماع الصّحيح.


و يزهد الناس في اتباع منهج السلف.


و ينكر الاحاديث الصحيحة السند و المتن و التي أجمعت عليها الامة
و خالفها عدمان و جماعته و شركاته و من هم على شاكلته و أذنابه هنا.


الله المستعان لا عقل و لا علم صحيح.
نسأل الله الهداية لاخواننا.


تنبيه مهم لمن قرأ و لم يفهم أو لم يرد أن يفهم.
كاتب الموضوع من المخطئين لمن قالوا بالحد
و لا دليل على ذلك لا من الكتاب و لا من السنة الصحيحة.
و قد ساق هذا القول و غيره كمثال و منكرا له تحت عنوان.


1- لا يحتجّ بقول أحدٍ ولو كان من أئمّة السنّة على إثبات عقيدة ما.


تنبيه:
من جعل الكتاب والسنّة أصله وفصله، ثمّ غفل عن هذا الأصل في بعض المسائل، فإنّه سيخطئ - بلا شكّ - في مسألة أو مسألتين، وذلك لا يخرجه من دائرة أهل السنّة، لأنّه لم يجعل مخالفة النّقول أصلا له.









قديم 2013-06-08, 10:44   رقم المشاركة : 11
معلومات العضو
سميرالجزائري
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية سميرالجزائري
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نور العقل مشاهدة المشاركة
عقيدة المسلم،عقيدة اسلامية،عقيدتي عقيدتك،العقائد،عقيدة التوحيد ....الله يحاسبنا عن ماهي عقيدتنا،وليس ماهي عقيدة السلف؟وهل للسلف عقيدة اسلامية واحدة؟ومن هم السلف لغة واصطلاحا؟
الله انعمنا بالقرءان الكريم محفوظا متنا ،علينا أن نتدبر آياته نحن،وقد خاطبنا الله في القرءان وبالقرءان،من خلال خطابه للرسول محمد صلى الله عليه وسلم:إقرأ...وبلسانه:وقل رب زدني علما.لاواسطة بين العبد وربه،إن اردت أن يكلمك الله عليك بالقرءان الكريم،إن أردت الكلام مع الله عليك بالصلاة وخاصة في جوف الله..لنترك السلف وماأنتجوه تاريخا،نطلع عليه لنستفيد ،ولاندخل في معاركهم ومناقشاتهم واختلافاتهم ،هي لزمانهم وفقط.

هذا استنتاجك واقتراحك ضعه في قرارات نفسك لسنا ملزمين به ياخو يقول (صلى الله عليه وسلم):ورواه عن الترمذي بلفظ عن زيد بن أرقم وحبيب بن أبي ثابت رضي الله عنهما - قال: إنّي تَارِكٌ فِيكُمْ مَا إِنْ تَمسّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلّوا بَعْدِي. ماذا هو هذا الذي تركه كتاب الله وسنة نبيه والسنة كيف تعرفها يا حذق ان لم تكن من رسول الله ثم صحابته اذا هم مؤسسين السنة لذا الاقتداء وتتبع السلف من اصل الدين لو تفقه ثم ارجع لكلام العلماء ورثة الانبياء بدل ان تفلسف علينا بمقترحات شاذة ..









قديم 2013-06-08, 11:00   رقم المشاركة : 12
معلومات العضو
توفيق43
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية توفيق43
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

الوهابيون لهم طريقة خاصة في الرد على المخالف
يأتي بأمر يخالف فيه الأشاعرة و لكي يستدل بأنه رأيه أصوب يستشهد ليس بأقوال الصحابة أو الأئمة الأربعة بل بكلام إبن القيم رحمه الله!!!!!!!!!










قديم 2013-06-08, 11:11   رقم المشاركة : 13
معلومات العضو
اسماعيل 03
مشرف منتديات الدين الإسلامي الحنيف
 
الصورة الرمزية اسماعيل 03
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز لسنة 2013 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة توفيق43 مشاهدة المشاركة
الوهابيون لهم طريقة خاصة في الرد على المخالف
يأتي بأمر يخالف فيه الأشاعرة و لكي يستدل بأنه رأيه أصوب يستشهد ليس بأقوال الصحابة أو الأئمة الأربعة بل بكلام إبن القيم رحمه الله!!!!!!!!!


؟؟؟؟؟!!!!!!!!!!
؟؟؟؟؟!!!!!!!!!!









 

الكلمات الدلالية (Tags)
أسوء, الثّابتة, السّلف., العقدية, النّقول, اعتقاد, بناء


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 09:43

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc