ارجوا ان يفيدكي الموضوع اختي فضيلة
تعريف الربا وأقسامه
لا يوجد تعريف اصطلاحي محدد للربا متفق عليهبين العلماء والباحثين وإنما هناك مجموعة من التعاريف وقد خرجنا منها بالتعريفالتالي :
" الربا هو الزيادة على قيمة الدين قلت أم كثرت، سواء كانت تلكالزيادة لأجل الدين ذاته أم لزيادة مدته "
وينقسم الربا إلى قسمين أساسيين هما: ربا النسيئة وربا الفضل. وهذا التقسيم هو الذي سار عليه كثير من علماء وفقهاء السلفواستقر عليه العلماء والباحثون في العصر الحاضر
وموضوعنا في هذه الدراسة هوربا النسيئة فهذا القسم من الربا: هو المعروف في الأمم القديمة ولا يزال سائدا إلىاليوم وهو دعامة النظام الاستعماري الغربي. (7)
وسمي هذا القسم من الربابهذا الاسم لأن الزيادة تشترط فيه مقابل أنساء الدفع أي تأخير الدفع وفي القرآنالكريم ( أنما النسيء زيادة في الكفر ) (8) إشارة إلى ما كان يفعله العرب من تأخيربعض الأشهر الحرم إلى غيرها من الشهور. (9)
هذا هو الاسم الشائع الذي اشتهربه هذا القسم من الربا في كتب السلف ولا تزال هذه التسمية قائمة إلى اليوم وهناكتسميات أخرى كثيرة أطلقت عليه نتيجة لكثرة البحث في هذا الموضوع ومن التسمياتالأخرى لربا النسيئة ما يلي:
- ربا الجاهلية: وسمي كذلك على أساس أنه هوالذي كأن منتشرا ومتداولا في الجاهلية على نطاق واسع ولم يكن هناك ربا غيره و هذهالتسمية مأخوذة من خطبة الرسول صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع التي أبطل فيهاالربا - وكثيرا من عادات الجاهلية البغيضة - بقوله ( وربا الجاهلية موضوع وأول رباأضع ربانا ربا عباس بن عبد المطلب فأنه موضوع كله) (10)
- ربا القرآن: وسميكذلك على أساس أنه هو المقصود بالتحريم المقترن بالتهديد والزجر والوعيد في القرآنالكريم مثل قوله تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا مابقي من الربا أنكنتم مؤمنين, فأن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وأن تبتم فلكم رءوس أموالكملا تظلمون ولا تظلمون ((11)
- ربا الديون: وسمي كذلك على أساس أن هذا القسممن الربا يقع في الديون سواء كانت هذه الديون ناشئة عن القرض أو عن البيع أو غيرهمامن المعاملات التي يترتب عليها دين مستحق في الذمة.والدليل على ذلك قوله تعالى: (وأن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون)(12) وقوله تعإلى: (وإن كأن ذوعسرة فنظرة إلى ميسرة)(13) فهاتان الآيتان تفيد أن الربا الذي كأن سائدا فيالجاهلية هو ربا الديون.
- ربا التجارة: وسمي كذلك على أساس أن ربا النسيئةكأن معظمه لإغراض تجارية - أو إنتاجية أو استثمارية بمفاهيم العصر الحاضر - وقليلمنه كان لأغرض استهلاكية. وهذه التسمية تهدف إلى إبراز حقيقة الربا الذي كان معروفاومتداولا في الجاهلية والذي حرم بنص القرآن وأنه كأن أساسا ربا تجارة ولم يكن ربااستهلاك كما ذهب إلى ذلك بعض الباحثين المعاصرين – بهدف تسويغ الربا -
- ربا الأجل: وسمي كذلك على أساس أن الزيادة التي يشترطها الداين على المدين أنماتكون مقابل الأجل الممنوح لسداد هذا الدين وانتظار الدائن طوال المدة المتفق عليهاوليس مقابل أي عوض آخر سواء اشترطت الزيادة عند منح ذلك الدين أم عند حلول اجلهالأول والاتفاق على التجديد لفتـرة أخرى
- الربا الجلي: وسمي كذلك على أساسأن هذا القسم من الربا محرم لذاته تحريما قاطعا - دون استثناء - بالنصوص الصريحةالواضحة والتي لا لبس فيها ولا غموض ، وهو المقصود بالتهديد والوعيد الذي ورد بشأنالربا في القرآن الكريم وفي الحديث الشريف وذلك لما فيه من الضرر العظيم والجرمالفظيع والاستغلال البغيض .
- الربا الأصلي أو الحقيقي: وهي أحدث التسمياتلربا النسيئة ، وسمي كذلك على أساس أنه: مثل في السحت واكل المال بالباطل.(14) وبالتالي فهو الأغلظ في التحريم لأنه الأشد خطرا والأكثر ضررا حيث يقود إلى خرابالبيوت وإفساد العمران. و هذا القسم من الربا هو الذي شاع التعامل به في مختلفالأمكنة والأزمنة والذي يعرفه الناس جميعا حيث أنه واضح وضوح الشمس في رابعةالنهار.
الآثار الضارة للربا
تترتب على الربا آثار ضارة ونتائجخطيرة مادية ومعنوية وفي مختلف المجالات الأخلاقية والروحية والاجتماعيةوالاقتصادية والسياسية وسوف نتناول هذه الآثار في المباحث التالية:
الآثارالأخلاقية والروحية
من أضرار الربا في المجال الأخلاقي والروحي مايلي:
1- اخذ مال الغير بدون مقابل:
لمال الإنسان حرمة عظيمة- كحرمة دمهوعرضه- وبالتالي لا يجوز المساس بهذا المال إلا بطيب نفس من صاحبه. ولهذا يعتبرالربا إنتهاك لحرمة مال الغير وأخذه منهم بدون مقابل. وذلك أن الزيادة أو الفائدةالتي يأخذها المقرض من المقترض أنما تكون بسبب تأخير سداد قيمة القرض وليس مقابل أيعوض آخر فهي بالتالي غنم من دون غرم وكسب من دون جهد. وهذه الزيادة أو الفائدةيدفعها المقترض مرغما تحت إلحاح الحاجة إلى المال دون أن يكون له خيار في ذلك أييدفعها من غير طيب نفس منه بدفعها إذ كيف تطيب نفسه بدفع هذا المقدار الإضافي منالمال وهو ينتزع منه أنتزاعا على حساب جهده وعرقه ويستولي عليه المقرض لمجرد كونهرب المال وقد تكون الحاجة التي دفعت هذا المقترض للقرض هي: حاجة الطعام للحياةوحاجة الدواء للعلاج وحاجة النفقة للعلم ولغير العلم فإما أن يتعطل هذا كله وإما أنيتحكم صاحب المال في المحتاج إلى المال فيمنحه القليل ويسترد منه الكثير ويظلمهبذلك جهده فيكد ويعمل ليؤدي للمرابي رباه أو يتضاعف الدين عاما بعدعام.(1)
ومن هنا فقد حرم الإسلام الربا للتأكيد والتشديد على حرمة مال الغيروالحفاظ عليه وصيأنته من أي أنتهاك أو عدوأن أو اخذ بالباطل وبهذا يأمن كل أنسأنعلى ماله ويقنع بما عنده فيعيش الناس آمنين مطمئنين ويحصل التكافل المطلوببينهم.
2- التجرد من المروءة والإنسانية:
أن الربا يؤدي إلى استغلال حاجةالفقير والمحتاج بفرض الزيادة عليه وهذا ضد المروءة والإنسانية لأن الأولى والأحرىبصاحب المال في مثل هذه الحالة مساعدة هذا المحتاج وإسعافه بالصدقة أو مد يد العونله من خلال القرض الحسن للتنفيس عن كربته وسد حاجته التي دفعته لطلب المال من دوناشتراط أي زيادة عليه حيث أن اشتراط أي زيادة في هذه الحالة يعتبر قسوة شديدة علىهذا المحتاج وظلم كبير له وهذا بعيد كل البعد عن المروءة والإنسانية وحسن الجواروآداب الاجتماع. وذلك أن كل واحد منا يستنكف من أن يطالب بتعويض مالي عن ماعونيعيره لمن يحتاج أليه أو مساعدة أدبية- كائنة ما كانت- يقدمها لغيره عملا بقواعدحسن الجوار وأدب الاجتماع ولا يختلف النظر في الأمر حينما تكون المعاونة على وجهالقرض للأشياء التي يمكن أن ترد أمثالها لأن المقصود في القرض كما في الإعارة هواسترداد المال نفسه أما بعينه أو بمال مماثل له تماما من جنسه وبالتالي ليس منالمروءة والأنسأنية أن يطالب المقرض بزيادة على مقدار ما أقرضه من مال.(2) ولأنالقرض أساسا عقد إرفاق وقربه فالهدف منه هو إعانة الفقير والمحتاج والتنفيس عنالمكروب وهذه الزيادة تخرجه عن موضوعه ولهذا لم تجز الزيادة فيه بمقاييس المروءةوالأنسانية فضلا عن الشرع والدين.
3_تنمية الشح والأنانية والجشع المالي فيشخصية الأنسان:
إن التعامل بالربا يجعل الإنسان يتخذ من المال هدفا في حد ذاتهبحيث يصير عبدا لهذا المال يصبح ويمسي وهو يفكر فيه وفي كيفية الاستزادة منهوتكثيره بأي وسيلة من الوسائل ولو كان ذلك على حساب الإضرار بالناس وابتزازهموامتصاص عرقهم ودمائهم وأكل أموالهم بالباطل دون وجه حق ، ولهذا يكون آكل الربامنبوذا ومحتقرا عند الناس لما للربا من دور في إبراز عيوبه النفسية والخلقيةوإظهارها لدى كل الناس ولهذا فقد حرمه الإسلام ونفر منه لتطهير نفس الإنسان من الشحوالأنانية والجشع وغير ذلك من الصفات الأخلاقية الممقوتة وهو في نفس الوقت قد شرعالقرض والصدقة ورغب فيهما لمالهما من اثر في نشر الرحمة والمحبة بين الناس وتنميةالجود والسخاء والإيثار في شخصية الإنسان وستر وتغطية ما به من عيوب بحيث يرتفعقدره ويزيد قربا من الله ومن الناس.
4- القلق والاضطراب النفسي والروحي:
أن الزيادة أو الفائدة إنما يدفعها المدين تحت إلحاح حاجته للمال بغير طيب مننفسه- كما سبق ذكر ذلك- والشيء الذي يدفع بغير طيب نفس من صاحبه تزول منه البركةوتنعدم منه الجدوى ولن يستفيد آخذه منه شيئا ولن يهنأ بأكله لأن نفس صاحبه تظلمعلقة به ومشدودة أليه وبالتالي قد يكون نذير شؤم لمن أخذه ومصدر بلاء وقلق وإزعاجله وقد تصيبه الأمراض والعاهات بسببه. وكذلك فإن: الحرام في داخل النفس يرهقهاويؤرقها ولو لم يبد ذلك على السطح أنه إحساس عميق بالذنب يهزها بعنف مهما حاولت أنتبدو سعيدة أما الحلال فأنه يجعل النفس مستريحة تعيش آمنة مطمئنة مهما كانتمواردها.. يكفي أنها تحس أنها لم تفعل حراما.(3) وفوق ذلك يكون المرابي مضطربانفسيا وفي قلق مستمر لتفكيره الدائم في الربا ومشاكله الاقتصادية الكثيرة. ولهذاقرر بعض الأطباء أن الربا هو السبب في كثرة أمراض القلب ولو استبدل بذلك النظامالاقتصادي- الذي يجعل المقرض آكلا غانما دائما والمقترض مأكولا غارما في أكثرالأحوال – نظام اقتصادي أساسه التعاون بين المقرض والمقترض في المغنم والمغرم معالكان اجلب للاطمئنان واعدل أقوم أهدى سبيلا.(4) وقد اتفق الفقهاء على أن كل ربح أوفائدة يحصل بطريق الربا فهو مال حرام لا يبارك الله فيه لأن الإسلام أمر بالسعيوالعمل وبارك في الربح الذي يحصل نتيجة لذلك لأنه ربح حلال اكتسبه صاحبه بجهدهوتعبه.(5)
الآثار الاجتماعية
للربا آثاره الضارة بالغة الخطورة على صعيدالعلاقات الاجتماعية ومن تلك الآثار الضارة مايلي:
1- أنقطاع المودةوالتعارف بين الجماعة:
يقيم الإسلام العلاقة بين الجماعة الإسلامية على أساسالتعاون والتراحم والإخوة والإيثار والتسامح وغير ذلك من القيم التي تؤدي إلىاستقرار حياة الجماعة وتقوية أواصر المحبة والمودة والتعارف بين أعضائها واجتثاثبذور الحقد والكراهية من قلوبهم وبذلك يحصل الرقي المطلوب والتقدم المنشودللجماعة.والربا ضد ذلك كله لأنه يقوم على استغلال حاجة المحتاجين واغتصاب عرقهموجهدهم بدون مقابل وعلى ذلك: فأن الربا شح وأنأنية وفردية ودنس وهدم لروابط المجتمعلذلك لم يبلغ السلام في تفضيع أمر أراد إبطاله ما بلغ في جريمة الربا التي لم يتوعدالله أحدا بحرب إلا مرتكبها حيث يقول تعإلىيا أيها الذينآمنوا اتقوا الله وذروا مابقي من الربا أن كنتم مؤمنين. فأن لم تفعلوا فأذنوا بحربمن الله ورسوله وأن تبتم فلكم رءوس أموالكم لاتَظْلِمُون ولاتُظْلَمُون.)(6)
3- تضخيم الثروات وتفريق الطبقات:
ذلك أن الربا وسيلةلتضخيم الأموال تضخيما شديدا لا يقوم على الجهد ولا ينشأ من العمل مما يجعل طائفةمن القاعدين يعتمدون على هذه الوسيلة وحدها في تنمية أمولهم وتضخيمها فيشيع بينهمالترهل والبطالة والترف على حساب الكادحين الذين يحتاجون للمال فيأخذونه بالربا فيساعة العسرة وينشأ عن ذلك مرضأن اجتماعيأن خطيرأن: تضخيم الثروات إلى غير حد وتفريقالطبقات علوا وسفلا بغير قيد ثم وجود طبقة متعطلة مترهلة مترفة لا تعمل شيئا وتحصلعلى كل شيء وكأنما المال الذي في يديها فخاخ لصيد المال دون أن تتكلف حتى الطعملهذه الفخاخ أنما يقع فيها المحتاجون عفوا ويساقون أليها بإقدامهم تدفعهم الضروراتذلك أن آكل الربا يخالف القاعدة الأساسية للتصور الإسلامي وهي أن المال لله جعلالناس فيه خلفاء وفق شرط المُستَخْلِف- وهو الله سبحأنه –لاكما شاءالناس.(7)
3- فتح أبواب الرذيلة والشر:
من مظاهر ذلك أن الكثير منالمرابين يذهبون إلى نوادي القمار ويجلسون بجانب المتقامرين ليمدوهم بما يلزمهم منالمال للاستمرار في قمارهم فيكون المرابي قد اكتسب إثم الفائدة وإثم التشجيع علىالقمار وهو محرم لأن ما أتى من حرام ضاع أيضا في الحرام (8) بل أن الذين دخلوا عالمالربا دخلوا أيضا عالم الخمر وعالم الدعارة والميسر لأن أبواب الشر أوان مستطرقةوابسط مظاهر ذلك أنك تجد جميع أولئك الذين جمعوا الأموال من غير وجهها في أيامناهذه ينشئون في بيوتهم البارات ويقيمون حفلات الرقص ويطلقون الحبل على الغاربلزوجاتهم وبناتهم والله سبحانه وتعالى عندما حرم الربا رسم للمسلمين شرعة تعاملمالي سليم من شأنه أن يبارك كل مالهم ويجعل مكاسبهم تطيب بإخراج الزكاة ولله جلجلاله يمحق الربا ويربي الصدقات.(9)وفوق ذلك فأن الربا: يعد الدافع الأول لتوجيهراس المال إلى أحط وجوه الاستثمار كي يستطيع رأس المال المسَتدَان أن يربح ربحامضمونا فيؤدي الفائدة الربوية ويفضل منه شيء للمستدين ومن ثم فهو الدافع المباشرلاستثمار المال في الأفلام الخليعة والصحافة القذرة والمراقص والملاهي والرقيقالأبيض وسائر الحرف والاتجاهات التي تحطم أخلاق البشرية والمال المسَتدَان بالرباليس همه أن ينشئ أنفع المشروعات للبشرية بل همه أن ينشئ أكثرها ولو كان الربح أنمايجيء من استثماره أحط الغرائز واقذر الميول وهو المشاهد اليوم في أنحاء الأرض وسببهالأول هو التعامل الربوي.(10)
4- الارتفاع المستمر في الأسعار وتدهور القوةالشرائية للنقود:
فكما هو معروف أن الفوائد المصرفية على القروض الاستثماريةوالإنتاجية لا يتحملها التجار وأصحاب الأموال أساسا وإنما يتحملها المستهلك بطريةغير مباشرة فهذه الفوائد أساسا قد تضاف على تكلفة المنتج أو المنتجات وبالتالي تظهرتكلفة هذه المنتجات متضخمة بقيمة تلك الفوائد وقد يتم اعتبار هذه الفوائد كمصروفتمويلي أو إداري غير مرتبط بالتكلفة المباشرة للمنتج ولكن في كل الأحوال فأن ذلكيؤثر على زيادة التكاليف العامة للشركة أو المؤسسة الأمر الذي ينعكس على السعر ممايجعل الجمهور الكادح هو الذي يتحمل عبء هذه الفوائد المصرفية الربوية ويدفع ثمنهامن جهده وعرقه. ولا يخفى ما أصبحت تعاني منه المجتمعات الإنسانية من جور الغلاءالفاحش فقد اصبح كابوسا مرعبا وهما ثقيلا جاثما على صدور الفقراء والكادحين في معظمالمجتمعات.
وكما هو معروف أيضا أن ارتفاع الأسعار يؤدي إلى تدهور القوة الشرائيةللنقود وهذا مرض اجتماعي خطير في حد ذاته لأن تدهور القوة الشرائية للنقود يُفقِدالنقود وظائفها الأساسية حيث يؤدي إلى أنهيار دورها كمخزن للقيمة وأداة للادخارووسيلة للتبادل وبالتالي تفقد هذه النقود ثقة الجمهور بها أي تفقد أهم الميزات التيتتمتع بها وهي ميزة القبول العام وهذا من جهة يؤدي إلى فساد أمر الناس وتعقيد عمليةالتبادل بينهم وهو من جهة أخرى قد يؤدي إلى فقدأن الدولة لمظهر من مظاهر سيادتهاالوطنية وهو استخدام عملتها المحلية في عملية التبادل في نطاق أراضيها حيث سيلجأمواطنو هذه الدولة وبصفة خاصة التجار ورجال الأعمال إلى استخدام عملة أخرى غيرعملتهم المحلية في مبادلتهم وتسوية معاملاتهم وديونهم- كما هو المشاهد في عالماليوم فقد حل الدولار الأمريكي محل الكثير من العملات الوطنية في كثير من الدولالنامية ومنها للأسف الشديد مجموعة الدول الإسلامية ويعزو بعض الاقتصاديين هذهالظاهرة إلى التضخم الذي تعاني منه اقتصاديات هذه الدول و الصحيح أن الربا هو السببالرئيسي لهذه الظاهرة فليس التضخم سوى نتيجة من نتائج التعامل بالربا ومن ثم فأنتحريم الربا يعتبر وسيلة فعالة لمحاربة التضخم.
الآثار الاقتصادية
يقومالنظام الاقتصادي الإسلامي على ثلاثة عوامل من عوامل الإنتاج هي:العمل ورأس المالوالأرض. هذه العوامل الثلاثة هي مركز القوى في النشاط الاقتصادي التي يعترف بهاالإسلام بحيث تحرك الإنتاج ثم تستحق نصيبا أو جزءا من الناتج.(11) ومن الواضح أنالعمل يأتي على راس هذه العوامل فله الدور الأكبر في النشاط الاقتصادي ويستحقالنصيب الأوفر من الناتج وذلك لأن الإسلام دين يعلي من شأن العمل ويحترمه فالإسلامدين عبادة وعمل بل أن العمل في الإسلام عبادة في حد ذاته حيث يؤجر الإنسان عليه كمايؤجر على سائر العبادات والطاعات شريطة أن يكون هذا العمل مشروعا ونافعا.
والربايتعارض مع النظام الاقتصادي الإسلامي لأنه يحابي رأس المال ويميزه ويجعله في أعلىدرجة بالنسبة لعوامل الإنتاج الأخرى وذلك: أن الربا يضمن دخلا لصاحب رأس المالعندما يشارك مع عوامل الإنتاج الأخرى في أي نشاط اقتصادي ويمكن هنا أن نميز بينطرفين: يمثل الطرف الأول صاحب المال ولا يختلف اثنان على أن تحديد دخل محدد لصاحبالمال بصرف النظر عن النشاط الاقتصادي يحابي ويميز ولا يكون لمصلحة هذا المالك أماالطرف الثاني فأنه يتمثل في ملاك عوامل الأنتاج و أيضا لا يختلف اثنأن هنا على أنتحديد دخل محدد مقدما لصاحب راس المال يحابي ولا يكون لصالح ملاك عوامل الإنتاجالأخرى. ويكون الموقف اكثر محاباة لصاحب رأس المال إذا ما حقق النشاط الاقتصاديخسارة ولم يحقق أرباحا لأنتا بهذا نكون قد ضمنا دخلا لصاحب رأس المال على حسابعوامل الإنتاج الأخرى.(12)
فالإسلام ينشد إقامة نظام اقتصادي تنمحي منه كلضروب الاستغلال فمن الظلم أن يكون للمول (المقرض) ضمان الحصول على مردود إيجابي دونأي عمل ولا اشتراك في المخاطرة في حين لا يكون لرب العمل (المنظم) المقترض مع تحملهإدارة العمل ضمان الحصول على مثل هذا المردود الإيجابي. أن الإسلام ينشد إقامةالعدل بين الطرفين: رب المال ورب العمل. ولذا فأن البديل للقرض الربوي يتمثل فيالتمويل بالمشاركة في رأس المال والتي تتم عن طريق إسهام الممول في أرباح وخسا يرالمشروع المستفيد من التمويل. وفي هذا النوع من التمويل يوَزع المردود توزيعا عادلاعلى الاستثمار الكلي بين الممول وصاحب المشروع ويحمَل الممول أيضا نصيبا من مخاطرالاستثمار بدلا من تحميل رب العمل عبء هذه المخاطر كلها (13)
ويمكن القول بعبارةأخري أن الإسلام قد أشترط لتحقيق عائد لرأس المال في النشاط الاقتصادي أن يتزاوجويتظافر مع عناصر الإنتاج الأخرى عن طريق شركة تقوم على أساس اقتسام ا الربحوالخسارة طبقا للقاعدة الفقهية (الغُنم بالغُرم) وليس عن طريق قرض بفائدة محددمقدما لأن هذا ربا حراما. فالقاعدة العامة في الإسلام هي أن النقود لا تلد النقودوالعمل سبب أساسي للربح وأي كسب لا يقوم على جهد ولا ينشا عن عمل فهو حرام ولماكانت الفائدة كذلك فهي أيضا حرام(14) وسبب تحريمها واضح من الناحية الاقتصادية: وهوأنه بمجرد عقد القرض أصبح العمل ورأس المال في يد شخص واحد ولم يبق للمقرض علاقة مابذلك المال بل صار المقترض هو الذي يتولى تدبيره تحت مسئوليته التامة لربحه أولخسره حتى أن المال إذا هلك أو تلف فإنما يهلك أو يتلف على ملكه فإذا أصررنا علىإشراك المقرض في الربح الناشئ وجب علينا في الوقت نفسه أن نشركه في الخسارة النازلةإذ كل حق يقابله واجب أو كما تقول الحكمة النبوية ( الخراج بالضمان) أما أن نجعلالميزان يتحرك من جانب واحد فذلك معاندة للطبيعة.(14)
هكذا إذا سرنا وفقاللأصول والمبادئ الاقتصادية في أدق حدودها كانت لنا الخيرة بين نظامين اثنين لاثالث لهما. فأما نظام يتضامن فيه رب المال والعامل في الربح والخسر. وأما نظام لايشترك فيه المال في ربح ولا خسر ولا ثالث لهما إلا أن يكون تلفيقا من الجوروالمحاباة. (15)
علنا بأن تحريم القرض بفائدة وتشريع المشاركة وجعلها شرطاضروريا لكي يحصل رأس المال على عائد يقتضي بالضرورة توجيه استغلال المال واستثمارهفي المشاريع الإنتاجية سواء أكانت صناعية أم زراعية أم تجارية والتي يترتب عليهااستثمار موارد الطبيعة وطاقاتها و فتح وتسهيل أبواب الرزق للناس لكي يعملوا وينتجواوبالتالي تحقيق التنمية المنشودة ولهذا فقد اشترط الإسلام أن يكون أسلوب المشاركةهو أساس التعاقد: وبهذا الشرط يكون الإسلام قد ضمن أن توجه رءوس الأموال السائلةوأن تتحول إلى نشاط اقتصادي منتج حقيقة بالمعنى الذي نقصده (…) ويكون الإسلام بهذاقد خلص المجتمع الإسلامي من داء حصر النشاط الاقتصادي لأصحاب رءوس الأموال فيالاتجار بالنقد: شراء وسمسرة إلى آخر صور التعامل في النقد والتي نعرفها فيالمجتمعات المعاصرة من خلال دراسة نشاط البورصات ونشاط المصارف. (16)
وهكذا يكوناشتراط المشاركة في المعاملات الإسلامية. وهو الاشتراط الذي يستلزم توجيه رأس المالالسائل إلى النشاط الإنتاجي الحقيقي وعدم توجيهه إلى الاستهلاك المباشر. هذاالاشتراط يستهدف الإنتاج وبالتالي يستخدم لتحقيق التنمية. (17)