بسم الله الرحمن الرحيم
علمنا الإسلام كلشيء ، كيف نأكل وكيف نلبس ، فهل هناك سنة تبين للمسلم آداب الجماع ؟
الحمد للهنعم أحسنت في قولك علمنا الإسلام كل شيء ، فالإسلام أتى للناس بكل خير في أمورمعاشهم ودينهم ومحياهم ومماتهم لأنه دين الله عز وجل .
والجماع من الأمورالحياتية المهمة التي أتى ديننا بتبيينها وشرع لها من الآداب والأحكام ما يرقى بهاعن مجرد أن تكون لذّة بهيمية وقضاء عابرا للوطر بل قرنها بأمور من النيّة الصالحةوالأذكار والآداب الشرعية ما يرقى بها إلى مستوى العبادة التي يُثاب عليها المسلم . وجاء في السنّة النبوية تبيان لذلك ، قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى فيكتابه زاد المعاد : ( وأما الجماع أو الباه ، فكان هديه فيه - صلى الله عليه و سلم - أكمل هدي ، يحفظ به الصحة ، وتتم به اللذة وسرور النفس ، ويحصل به مقاصده التيوضع لأجلها ، فإن الجماع وضع في الأصل لثلاثة أمور هي مقاصده الأصلية :
أحدها : حفظ النسل ، ودوام النوع إلى أن تتكامل العدة التي قدر الله بروزها إلى هذا العالم .
الثاني : إخراج الماء الذي يضر احتباسه واحتقانه بجملة البدن .
الثالث : قضاء الوطر ، ونيل اللذة ، والتمتع بالنعمة ، وهذه وحدها هي الفائدة التي في الجنة، إذ لا تناسل هناك ، ولا احتقان يستفرغه الإنزال .
وفضلاء الأطباء يرون أنالجماع من أحد أسباب حفظ الصحة ) . الطب النبوي ص249 .
و قال رحمه الله تعالى : ( ومن منافعه - أي الجماع - : غض البصر ، وكف النفس ، والقدرة على العفة عن الحرام، وتحصيل ذلك للمرأة ، فهو ينفع نفسه في دنياه وأخراه ، وينفع المرأة ، ولذلك كانالنبي صلى الله عليه وسلم يتعاهده ويحبه ، ويقول : ( حبب إلي من دنياكم : النساءوالطيب ) رواه أحمد 3/128 والنسائي 7/61 وصححه الحاكم .
وقال صلى الله عليهوسلم : ( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ، فإنه أغض للبصر وأحفظللفرج ، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء ) رواه البخاري 9/92 و مسلم 1400 ) . الطب النبوي 251 .
ومن الأمور المهمة التي ينبغي مراعاتها عند الجماع :
1 - إخلاص النية لله عز وجل في هذا الأمر ، وأن ينوي بفعله حفظ نفسه وأهله عن الحراموتكثير نسل الأمة الإسلامية ليرتفع شأنها فإنّ الكثرة عزّ ، وليعلم أنه مأجور علىعمله هذا وإن كان يجد فيه من اللذة والسرور العاجل ما يجد ، فعن أبي ذر رضي اللهعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( وفي بُضع أحدكم صدقة ) - أي في جماعهلأهله - فقالوا : يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر ؟ قال عليهالصلاة والسلام : ( أرأيتم لو وضعها في الحرام ، أكان عليه وزر ؟ فكذلك إذا وضعهافي الحلال كان له أجر ) رواه مسلم 720 .
وهذا من فضل الله العظيم على هذه الأمةالمباركة ، فالحمد لله الذي جعلنا منها .
2 - أن يقدِّم بين يدي الجماعبالملاطفة والمداعبة والملاعبة والتقبيل ، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يلاعبأهله ويقبلها .
3 - أن يقول حين يأتي أهله ( بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنبالشيطان ما رزقتنا ) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (فإن قضى الله بينهما ولدا، لم يضره الشيطان أبدا ) رواه البخاري 9/187 .
4 - يجوز له إتيان المرأة فيقبلها من أي جهة شاء ، من الخلف أو الأمام شريطة أن يكون ذلك في قُبُلها وهو موضعخروج الولد ، لقول الله تبارك و تعالى : ( نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ) . وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : كانت اليهود تقول : إذا أتى الرجلامرأته من دبرها في قبلها كان الولد أحول ! فنزلت : ( نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكمأنى شئتم ) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( مقبلة ومدبرة إذا كان ذلك فيالفرج ) رواه البخاري 8/154 ومسلم 4/156 .
5 - لا يجوز له بحال من الأحوال أنيأتي امرأته في الدبر ، قال الله عز وجل : ( نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ) ومعلوم أن مكان الحرث هو الفرج وهو ما يبتغى به الولد ، قال النبي صلى الله عليهوسلم : ( ملعون من يأتي النساء في محاشِّهن : أي أدبارهن ) رواه ابن عدي 211/1 وصححه الألباني في آداب الزفاف ص105 . وذلك لما فيه من مخالفة للفطرة ومقارفة لماتأباه طبائع النفوس السوية ، كما أن فيه تفويتا لحظ المرأة من اللذة ، كما أن الدبرهو محل القذر ، إلى غير ذلك مما يؤكد حرمة هذا الأمر . للمزيد يراجع سؤال رقم ( 1103 )
6 - إذا جامع الرجل أهله ثم أراد أن يعود إليها فليتوضأ ، لقوله صلىالله عليه وسلم : ( إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعود فليتوضأ بينهما وضوءا ،فإنه أنشط في العَوْد ) رواه مسلم 1/171 . وهو على الاستحباب لا على الوجوب . وإنتمكن من الغسل بين الجماعين فهو أفضل ، لحديث أبي رافع أن النبي صلى الله عله وسلمطاف ذات يوم على نسائه ، يغتسل عند هذه وعند هذه ، قال فقلت له : يا رسول الله ألاتجعله غسلا واحدا ؟ قال : ( هذا أزكى وأطيب وأطهر ) رواه أبو داود والنسائي 79/1 .
7 - يجب الغسل من الجنابة على الزوجين أو أحدهما في الحالات التالية :
- التقاء الختانين : لقوله صلى الله عليه وسلم : "إِذَا جَاوَزَ الْخِتَانُالْخِتَانَ ( وفي رواية : مسّ الختان الختان ) فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْل . " رواهأحمد ومسلم رقم 526 وهذا الغسل واجب أنزل أو لم يُنزل . ومسّ الختان الختان هوإيلاج حشفة الذّكر في الفرج وليس مجرّد الملاصقة .
- خروج المني و لو لم يلتقالختانان : لقوله صلى الله عليه وسلم : " إنما الماء من الماء " رواه مسلم رقم 1/269 .
قال البغوي في شرح السنة (2/9) : ( غسل الجنابة وجوبه بأحد الأمرين : أما بإدخال الحشفة في الفرج أو خروج الماء الدافق من الرجل أو المرأة ) . و لمعرفةصفة الغسل الشرعية انظر السؤال رقم ( 415 ) .
ويجوز للزوجين الاغتسال معا فيمكان واحد ولو رأى منها ورأت منه ، لحديث عائشة رضي الله عنها قالت : كنت أغتسل أناوالنبي صلى الله عليه وسلم من إناء بيني وبينه واحد تختلف أيدينا فيه فيبادرني حتىأقول : دع لي ، دع لي قالت : وهما جنبان . رواه البخاري ومسلم .
8 - يجوز لمنوجب عليه الغسل أن ينام ويؤخر الغسل إلى قبل وقت الصلاة ، لكن يستحب له أن يتوضأقبل نومه استحبابا مؤكدا لحديث عمر أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم : أينام أحدناوهو جنب ؟ فقال عليه الصلاة والسلام : ( نعم ، ويتوضأ إن شاء ) رواه ابن حبان 232 .
9 - ويحرم إتيان الحائض حال حيضها لقول الله عز وجل : ( ويسألونك عن المحيض قلهو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيثأمركم الله إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين ) ، وعلى من أتى زوجته وهي حائض أنيتصدق بدينار أو نصف دينار كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أجابالسائل الذي أتاه فسأله عن ذلك . أخرجه أصحاب السنن وصححه الألباني آداب الزفافص122. لكن يجوز له أن يتمتع من الحائض بما دون الفرج لحديث عائشة رضي الله عنهاقالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر إحدانا إذا كانت حائضا أن تتزر ثميضاجعها زوجها ) متفق عليه.
10 - يجوز للزوج العزل إذا لم يرد الولد ويجوز لهكذلك استخدام الواقي ، إذا أذنت الزوجة لأنّ لها حقّا في الاستمتاع وفي الولد ،ودليل ذلك حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال : كنا نعزل على عهد رسولالله صلى الله عليه وسلم فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ينهنا . رواهالبخاري 9/250 ومسلم 4/160 .
ولكن الأولى ترك ذلك كله لأمور منها : أن فيهتفويتا للذة المرأة أو إنقاصا لها . ومنها أن فيه تفويت بعض مقاصد النكاح وهو تكثيرالنسل والولد كما ذكرنا سابقا .
11 - يحرم على كل من الزوجين أن ينشر الأسرارالمتعلقة بما يجري بينهما من أمور المعاشرة الزوجية ، بل هو من شر الأمور ، يقولالنبي صلى الله عليه وسلم : ( إن من شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة الرجليفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها ) رواه مسلم 4/157 .وعن أسماء بنت يزيدأنها كانت عند النبي صلى الله عليه وسلم والرجال والنساء قعود ، فقال : ( لعل رجلايقول ما يفعل بأهله ، ولعل امرأة تخبر بما فعلت مع زوجها ؟! ) فأرّم القوم - أيسكتوا ولم يجيبوا - ، فقلت : إي والله يا رسول الله ! إنهن ليفعلن ، وإنهم ليفعلون . قال : ( فلا تفعلوا ، فإنما ذلك مثل شيطان لقي شيطانة في طريق فغشيها والناسينظرون ) رواه أبوداود برقم 1/339 ، وصححه الألباني في آداب الزفاف ص143 .
هذا ما تيسر ذكره من جملة من آداب الجماع ، فالحمد لله الذي هدانا لهذاالدين العظيم ذي الآداب العالية والحمد لله الذي دلّنا على خير الدنيا والآخرة . وصلى الله على نبينا محمد