التقريب بين السنة والشيعة
يكثر الحديث في المنتديات والمؤتمرات ومجامع المفكرين والمثقفين عن مسألة التقريب بين السنة والشيعة، وينقسم الناس بين مؤيد ومعارض. ومستند المعارضين أن الشيعة لهم عقائد مخالفة في قضية الصحابة رضي الله عنهم وعدالتهم جميعاً، وقضية عصمة الأئمة، وعدد من القضايا الأخرى، ومستند المؤيدين غالباً عاطفي يتلخص في وجوب اجتماع كلمة الأمة الإسلامية خاصة في هذه الأيام، وأننا إخوة يجمعنا الإسلام إلى آخر ما هو معروف معلوم من تلك القائمة.
والحق أن القضية بلغت في الأهمية مبلغاً لا ينبغي معه أن تعالج معالجة أولية سطحية، إنما ينبغي أن ينظر فيها نظراً موضوعياً من عدة جوانب منها:
أولاً: قضية التقارب السياسي:
لا ينبغي التردد في الاستفادة من إمكانات الشيعة، خاصة أن لهم دولة قوية اليوم نسيباً في مواجهة مخططات أعداء الإسلام الظاهرين كاليهود والصليبيين، والتنسيق معهم لمواجهة الهجمة على ديار الإسلام أمر لا بأس به، ولا ينبغي أن يتردد فيه.
أقول هذا وأنا على قناعة تامة بأن الشيعة لم يقدموا لسبب أو لآخر شيئاً يذكر لقضايا الأمة الأساسية مثل فلسطين، والعراق، وكشمير، والشيشان، وأفغانستان، والفلبين، بل كل تلك الأماكن جهادها جهاد سني صرف، حتى الأماكن التي يكثر فيها وجود الشيعة مثل العراق لا نرى فيها لهم جهاداً يذكر، وهذا غريب، ويذكرني بقول مساعد مفتي البوسنة عندما سألته عن موقف إيران من قضيتكم؟ فقال: موقفهم إعلامياً رائع لكن لم يصلنا منهم شيء!!
فالشيعة صوتهم الإعلامي ضخم، لكن الواقع غير ذلك، والعطاء يكاد يكون معدوماً؛ "أسمع جعجعة ولا أرى طحناً".
ولعل قائلاً أن يقول: وما تقول في حزب الله؟
فأقول: إن عملهم موسميّ، وتمر عليهم السنوات الطويلة ولا نكاد نسمع عنهم شيئاً، بل جاءت الأخبار من لبنان لتقول إنهم يؤسسون لأنفسهم، ويعملون لتمكين وضعهم، والله أعلم بنياتهم وأحوالهم.
ثم هل يستقيم أن يكون جهاد الشيعة في العالم الإسلامي ودفاعهم عن الإسلام والمسلمين محصوراً في جنوب لبنان، والشيعة يمثلون قرابة 10% من المسلمين في العالم؟! وأين التضحيات والفكر الثوري من قضايا المسلمين الكثيرة؟!
الأمر الثاني: قضية التقارب المنهجي والفكري:
وهذه أخطر وأهم قضية على الإطلاق، ويكثر الحديث حولها، وللأسف فإن مثقفينا ومفكرينا من أهل السنة يكتفون بالقول عند مناقشة هذه القضية: إن هذه أمور قديمة، وأنتم تثيرون المكنون، وتنبشون الماضي، هذا قولهم، وهذا التسطيح لا يخدم القضية أبداً، كيف وأهل السنة يشاهدون بأم أعينهم القنوات العراقية الشيعية التي هي بتمويل إيراني بلا شك، يشاهدونها وهي تصب جامّ غضبها على السنة، وتلمز وتغمز في عقيدتهم، وتوري حيناً وتصرح أخرى؟!
كيف وأهل السنة يشاهدون عمليات التهجير الجماعي بسبب العقيدة من مناطق الجنوب في العراق، ويشاهدون كيف يعذب السنة في مخافر وزارة داخلية الشيعة في العراق؟!
كيف وأهل السنة يشاهدون عمليات توزيع الكتب والنشرات الشيعية في أمريكا وأروبا وأفريقيا مجاناً وكلها مليئة بالتشكيك في السنة وعقيدتهم؟!
الحاصل: أن قضية التقارب العقدي حتى نكون إخوة حقاً لا بد أن نرتكز على أصول ثابتة لا مجال للتنازل عنها أبداً، ولا بد للشيعة أن يعلنوها بكل وضوح:
1- عدالة الصحابة جميعاً، وطي صفحة الفتن التي حدثت بينهم رضي الله عنهم؛ لأن هؤلاء نقلوا لنا الإسلام، فإن كان هؤلاء مطعوناً فيهم فالإسلام كله صار عرضة للتشكيك والاتهام عقيدة وأحكاماً.
2- امتناع القول بعصمة الأئمة ورفعهم إلى مقام الأنبياء والرسل، فهذا أمر يناقض الشرع والعقل السليم، ولا عصمة إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وباقي البشر عرضة للخطأ.
3- الكف عن نبش الماضي، وإثارة الأحقاد والأحزان باسم الحسين رضي الله عنه، وجعل ذلك فاصلاً في العلاقة بين السنة والشيعة، فالحسين منا أهل السنة والجماعة، وكفى تشويهاً وإثارة فتن وقلاقل بسبب هذه القضية، وليكن شعارنا جميعاً: وعند الله تجتمع الخصوم، و: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [البقرة:134].
بهذا وأمثاله يصح لنا الحديث عن التقارب الكامل مع الشيعة، ويصح أن نقول: إننا إخوان فعلاً، أما بدون إصلاح النوايا، وبدون تعديل المنهج من قبل الشيعة، نُطالب نحن أهل السنة بالتقارب ونسيان الماضي فهذا غير مقبول ولا معقول، ومثله كمثل من يطلب من المضروب أن يتسامح مع الضارب ولم يطلب ذلك الضارب نفسه.