لاجيء............ وإليكم قصة معاناتي بدار الغربة.. عرفت الدنيا منذ ولادتي، وظننت أن هذه بلدتي، أنها موطني ورمز عزتي، وبها سأسعد طول حياتي، ونسيت أني لاجئ.. ورحت ألهث وراء ملذّاتها، وانسقت وراء شهواتها، وعماني سحرها وجمالها عن حقيقتها، ونسيت أني لاجئ.. حاربت الجميع لأجلها، وصمّت آذاني عن كل قول يشينها، وأدرت ظهري ورحت أخطب ودّها، ونسيت أنّي لاجئ.. لم أجن منها إلا الأرق والملل، ولم تعلمني إلا الخنوع والكسل، ولم تجلب لي إلا الهموم والعلل، حينها أدركت أمرا جلل، أنني حقا لاجئ.. لكن.. أين هي بلادي؟، أين وطني؟ وأين تكون داري؟ قيل لي: أن أبحث عنها في كتاب ربّي، وأنّها قد ذكرت في سنّة نبيي، أسرعت والشوق يسبقني، والفرح يكاد يقتلني، أني سأجد أخيرا من يرشدني، ويخرجني ممّا كان يأسرني، فهذي هي حال اللاجئ... علمت أنّ ماكنت فيها كانت دار فناء ، وأنّ مكاني في دار البقاء، دار نعيم وأمان ونقاء، فيها من الجمال ما لم تر عين إنسان، ومن الألحان ما لم تسمع مثله آذان، فيها اللؤلؤ والمرجان، فيها الخيرات الحسان، ومن الثمار عنب ورمّان، الكلّ فيها بين سعيد وفرحان، فقد وجد فيها العيشة الراضية، هناك في الجنّة العالية، ذات القطوف الدانية، والأنهار الجارية، هي دار الخلد الأبدية، قلت لنفسي: لقد سئمت كوني لاجئ، واتخذت القرار الفصل: سأعود إلى الوطن الأصل، فشمرت عن ساعدي ونفضت غبار الكسل، وبدأت العمل، وتزوّدت بالصبر وطول الأمل، فلقد علمت أن لي ربّا لا يملّ حتّى أملّ، وهكذا حتى يأتي الأجل... "واعبد ربّك حتى يأتيك اليقين" كما قال عز وجلّ..