بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة و السلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين .. وبعد ..
عندما عزمت على أن أتوجه بحديث خاص لتلك الأخت الغالية التي مرت بتجربة قاسية عاشت فيما مضى حياة ملئت بالحب الصادق تحفها عواطف مهدرة لا حدود لها في كنف بيت هو مملكتها .. ثم فجعت بأقسى كلمة وأشنع عبارة وأبشع موقف .. إنه الطلاق .. حتما هو الطلاق .. لتتحول حياتها بعده إلى هموم وأحزان .. شرود ذهني .. شتات فكري .. إحترقت معه العواطف .. واغتيلت الأحاسيس .. عندما عزمت على هذا الحديث الخاص والحوار الذي أردته أن يكون هادئ وجدت أمامي بحراً من الهموم والأحزان الخوض فيه ليس بالأمر السهل !! وأيقنت تماماً أن خلف الجدران هموم وآهات وزفرات وأحزان ، فاستعنت بالله وسألته التوفيق ورجوته التسديد فكانت هذه الكلمات من قلبٍ يعلم الله بحاله إلى قلبك الذي اريده أن يكون رحباً مقبلاً يتسع لحوارٍ هادئ لا أريد أن أنكأ لك به جرحا أو اقلب لك به الأحزان إنما أريد من وراءه مشاركتك أحزانك والتخفيف من آهاتك . لن يكون حديثي فيه عن لماذا ؟ وكيف ؟ .. ومتى ؟ وأين ؟ فلكل حادثة حديث ولكل مقام مقال ولكل جوادٍ كبوه إنما حواري فسيكون عن .. ثم ماذا ؟؟
فهيا أيتها العزيزة المكرمة قلّبي هذه الأسطر وأنتي رائقة المزاج هادئة البال فلعل أن تجدي فيها أنيساً لك في وحشتك وحادياً يحدوك على الطريق .. وهذا الذي أرجوه .
اخوك ابو اسامه
( حقيقة أمر الطلاق وكيف الاستفادة منه )
نعم اخيتي الغالية إنه الفراق والألم الذي لا يطاق .. إنه واقع مرير وغربة إحساس وفتور في المشاعر .. ولكن اختي هو ليس شراً محض ولا مصيبة مجرده .. له جوانب مظلمة .. ولكن أيضا له جوانب مشرقة وزوايا مضيئة .
أختاه .. الأمر قد وقع .. وكان ما كان فلا تعيري الأمر اهتماما أكبر من حجمه الحقيقي وتجعليه كابوساً يطفئ ما تبقى من الأنوار ويظلم عليك باقي الطريق عليك أن تعلمي أنه أمر من الله لم يكن ليخطأك أبدا فاجعلي من هذا الطلاق بداية لحياة جديدة يملؤها التفاؤل الأكبر في النجاح .. اياك ثم اياك أن تقف الحياة عندك عند هذه الكلمة ( مطلقة ) وحتى تستفيدي من هذا الطلاق أضع بين يديك أربع وصايا تستعيني بها بعد الله على الوقوف في وجه هذا الخطب العظيم وتلك الحادثة الأليمة وتعينك بإذن الله على التعايش الصحيح معها .
الوصية الأولى :-
يجب عليك اختي المباركة أن تكوني راضية الرضى الحقيقي بالله وبقضائه وقدره .. ولتعلمي أنه ابتلاء من الله لك .. والله جل جلاله لا يظلم أحد بل حرم الظلم على نفسه سبحانه .. وقد جعل سبحانه الابتلاء يصيب به من شاء من عباده ليختبر وليمحص إيمانه ويبين لنا هذا في قوله الكريم
الم{1} أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ{2} وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ{3} العنكبوت .. إنه الابتلاء فلا تضعفي أمامه أرغمي نفسك على تقبله والرضا به .. يجب عليك أيتها الموفقة أن تتذكري أنك بصبرك على البلاء ورضاءك به تظفري بحب الله .. تظفري بمحبة ملك الملوك علاّم الغيوب الذي بيده مفاتيح الخير .. كل الخير .. والقلوب بين أصبعين من أصابعه يقلبها كيف شاء يقول تبارك وتعالى {وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ } آل عمران146..
اخيتي إن أكرمك المولى جل جلاله ونلتي هذه المنزلة العظيمة وهذا الشرف الكبير اعني محبة الله .. فما ظنك بحال من أحبها الله وكيف تكون حياتها كيف ..؟؟
دع المقادير تجري في أعنتهـا ** ولا تبيتن الا خالي البـال
ما بين غمضة عين وانتباهتها ** يغير الله من حال إلى حال
ثم اختي الموفقة أسعدك الله حتى تتقبلي هذا الابتلاء وترضي به يجب عليك أن تلتفتي عن يمينك وشمالك لتنظري أوحيدة على هذا الطريق أم أن غيرك الكثيرات ممن وقع عليهن البلاء نفسه فتعايشن معه بالطريقة الصحيحة .
تقول ( م . ع ) (( نعم عشت حياة سعيدة ملأتها الضحكات الصادقة .. كنت أشعر في بداياتها أنني في حال من السرور والبهجة مالم تشعر به غيري من النساء نعم كنت مشغولة جدا فوقتي ليس لي وهمي وتفكيري ايضا ليس لي .. لأن كل وقتي وجهدي وتفكيري كان في زوجي وبيتي فقط .. مرت السنين ووقع أمر الله الذي كلي إيمانٌ أنه مقدر وبحكمة يعلمها سبحانه أعني به الطلاق .. تقول .. تطلقت من زوجي بعد ثلاث سنوات قضيتها معه لم نرزق بمولود ، رجعت إلى بيت أهلي الذي خرجت منه وعدت وأنا راضية بما قسمه الله وقدره .. لن أكذب وأقول كان الأمر عادي جدا بل تجرعت حينها غصص والحمد لله ولكني أجبرت نفسي وأرغمتها على الرضا بما ماضٍ بلا شك .. أكملت دراستي وعدت لممارسة هواياتي التي كنت احبها ( الرسم والخياطه ) وأصبحت عضوة في إحدى الجمعيات الخيرية وأخذت على نفسي عهداً أن لا أكدر حياتي بذكريات الماضي التي ليس لها حدود ، أما الناس .. فمن أراد تذكيري بالماضي وسؤالي عن ما حدث او تقليب صفحات قديمه فكنت أجدني ارد عليه بطريقة آلية لم يوفقني الله واحب أن احتفظ بالأسباب لنفسي )) والأخت ( س . س ) تقول بدأت طريقي بعد الطلاق بأول معاناة واجهتني وهي معاناة تربية الاولاد الذي رفض والدهم أخذهم .. ومن هنا بدأت بتحقيق أول هدف لي عندما القيت اول محاضرة للأمهات في كيفية التغلب على معاناة التربية ثم توسع هدفي لأصبح مدربة ادرب الامهات وبدأت بفضل الله اخرّج المدربات ثم قلت لماذا لا أؤسس مدرسة ؟
تحقق حلمي بحمد الله وأنا الآن افكر في سلسلة من المدارس لهذا الغرض .
أما ( ن . غ ) تقول وقع طلاقي وأنا حامل وكان عمري وقتها لم يزد على العشرين سنه ثم رزقت بمولود ذكر .. كافحت كثيرا في تربيته التربية الحسنة حتى حفظ القران وهو في في المتوسط .. وعملت أنا إدارية في مدرسة خاصة لأتمكن من تأمين متطلبات الحياة لي ولوالدي المسن ولولدي الذي أصبح يؤم المصلين في المسجد وهو في الصف الأول ثانوي ..والفضل والشكر لله وحده
وتقول الاخت ( س . م ) كان لطلاقي الأثر الكبير في اكتشاف شخصيتي ..!!
تقول .. بدأت صفحة جديدة مع نفسي اكتشفت فيها صفات حميدة عندي لم أكن الحظها من قبل وهكذا بدأت الأمور تتحول من السلب إلى الايجاب بمجرد تغير نظرتي لنفسي . وهنا أدركت أن الخير كل الخير بالنسبة لي كان في الانفصال _ على حد قولها _ لأنه أدى إلى زواج آخر كان أكثر توفيقاً ونجاحاً كما أوصلني هذا الإنفصال إلى إكتشاف ذاتي .
أنا لست نادمةً على عمـرٍ مضـى** شكراً فقد أيقظتنـي مـن غفلتـي
اخيتي الغالية .. الجوانب المضيئة من حياة المطلقات كثيرة أكثر من أن احصرها هنا .. إذاً انظري للحياة من وجهها المشرق .. واحذري حماك الله احذري من أن تسخطي او تجزعي أو حتى تتأففي من قضاء الله وحكمته يقول عبيد بن عمير ( ليس الجزع أن تدمع العين ويحزن القلب ولكن الجزع القول السيئ والظن السيئ ) وهذا من رحمة الله لأن حزن القلب ودمع العين خارجٌ عن الإرادة .. فكوني ايتها المباركة راضية الرضا الحقيقي بما قدره الله ولا تجمعي على نفسك أمرين كلاهما مُر لا تجمعي على نفسك مرارة الابتلاء ووقعة المصاب مع عقوبة التسخط والجزع وعدم الرضا .. وتذكري دوماً ما جاء في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم حين قال ( عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذاك لأحد إلا لمؤمن إن أصابته سراء شكر وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له ) مختصر مسلم 2092
بل امزجي تلك المرارة وتلك الأحزان بحلاوة الرضا ولذة الاحتساب .. عندها اقسم لك بالله ستطغى الحلاوة على المرارة وتهنئي بحياة سعيدة .