[align=center]
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أقدم لك أخي القارئ هذه القبسات من كتاب إلى" أين أيها الحبيب الجفري ( وقفات هامة وتنبيهات مهمة على كتاب معالم السلوك للجفري)" للدكتور خلدون مكي الحسني ـ حفظه الله وسدد خطاه ـ لتضيء دربك بنورها المستمد من المذاهب الأربعة وأقوال أكابر علماء الأمة الإسلامية ، وأسأل الله أن يجعل فيها الفائدة و الهداية..:
يقول الجفري ص50 : وجاء في بعض الأحاديث القدسية : (عبدي أنا أريد وأنت تريد وتتعب نفسك فيما تريد ولا يكون إلا ما أريد فكن لي كما أريد أكن لك كما تريد). ويعلّق عليه فيقول : (هذا المعنى هو باب حقيقة العبودية . .) !!! انتهى .
أقول : أولاً ، لماذا لا يذكر الجفري المرجع الذي وَرَدَ فيه هذا الحديث ؟
إنّ هذا الحديث ليس بحديث قدسي ولا نبوي كما قال العلماء ، وإنّما هو مِنَ الإسرائيليات !
ثانياً ، ما معنى قول الجفري : (هذا المعنى هو باب حقيقة العبودية) ؟! مع أننا لا نجده في كل كتب العقيدة وكتب الفقه والسنّة !
والإشكال فيه هو قوله ( أكن لك كما تريد) أي أن يكون الله جل جلاله تابعاً لإرادة العبد عند تحقق شروط معيّنة وفيه من سوء الأدب ما فيه ، ومعلومٌ أن لفظ الإرادة لله جل جلاله ليس مرادفاً لمفهوم الرضا ، قال تعالى : ( ولا يرضى لعباده الكُفْرَ وإن تشكروا يَرْضَهُ لكم ) [ الزمر : 7 ]
ولا يقع في ملكوته سبحانه شيء إلاّ بإرادته ، فما شاء كان وإلاّ لم يكن ، فالشرط (كن لي كما أريد) متحقق على كل حال سواء أطاع العبد أم عصى ، وحاشا لله عند تحقق هذا الشرط أن يتحقق جوابه بأن يكون تابعاً لإرادة العبيد طائعين أو عاصين ، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً .
والإنسان المؤمن ، ولو كان قريباً من الكمال ، فإنه يبقى مخلوقاً يعتريه النقص ، وقد يُريد أموراً لا تليق بجلال الله تعالى ! فإذا لم يصدر هذا الكلام عن الله جل جلاله أو عن رسوله صلى الله عليه وسلم فلا يمكن قبوله ولا داعي للتكلّف في تأويله . وقد قال الإمام شهاب الدين القرافي في كتابه (الفروق) عند الفرق 272 بين قاعدة ما هو من الدعاء كفر وقاعدة ما ليس بكفر : (( . . . الثاني : أن تَعْظُمَ حَمَاقَةُ الدَّاعي وتجرُّؤه ، فيسأل الله تعالى أن يُفوض إليه من أمور العالم ما هو مختص بالقدرة القديمة والإرادة الربانية ، من الإيجاد والإعدام والقضاء النافذ المحتم ، وقد دلَّ القاطع العقلي على استحالة ثبوت ذلك لغير الله تعالى ، فيكون طلب ذلك طلباً للشركة مع الله تعالى في المُلك وهو كفرٌ ، وقد وقع ذلك لجماعة من جهال الصوفية فيقولون : فلان أُعطي كلمة (كن) ويسألون أن يُعْطَو كلمة كن التي في قوله تعالى ( إنَّما قولُنا لشيء إذا أردناه أن نقول لهُ كنْ فيكون ) [النحل:40] وما يعلمون معنى هذه الكلمة في كلام الله تعالى ، ولا يعلمون ما معنى إعطائها إن صحّ أنها أُعطيت ، وهذه أغوارٌ بعيدة الرَّوْم على العلماء المحصّلين ، فضلاً عن الصوفية المتخرّصين ، فيهلكون من حيث لا يشعرون ، ويعتقدون أنهم إلى الله تعالى متقرِّبون وهم عنه متباعدون ، عصمنا الله تعالى من الفتن وأسبابها والجهالات وشبهها)) . انتهى من كتاب الفروق (4 / 1406) .
وتبقى المشكلة الكبرى في نِسبَة هذا الكلام لله سبحانه وتعالى أو لرسوله صلى الله عليه وسلم ، والزّعم أنّه حديثٌ قدسيّ ، والأمرُ خلاف ذلك !
--------[/align]