- (والدليل قوله تعالى: (بسم الله الرحمن الرحيم - والعصر - إن الإنسان لفي خسر - إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر)).
- (والدليل) أي: على المسائل الأربع السابقة.
- (قوله تعالى: (بسم الله الرحمن الرحيم))، كذا في النسخة التي أحفظها، وهي كذلك في كثير من النسخ التي قُرئت على أهل العلم، بالبدء بالسملة أولَ هذه السورة، والخلاف في البسملة شهير، وأما معناها فتقدم أولَ المتن.
- (والعصر) هذا قسَمٌ من الله تعالى بالعصر، والله له أن يُقْسِم بما شاء من مخلوقاته الدالة على عظمته، وليس لنا أن نقسِم بما شئنا، بل لا يجوز لنا أن نقسم إلا بالله تعالى,
وبعض أهل العلم -كما حكاه الشوكاني عنهم في تفسيره فتح القدير- يرى أن أقسام القرآن فيها إيجاز بالحذف، فقوله تعالى/ (والعصر) أي: ورب العصر، وقوله تعالى: (والضحى) أي: ورب الضحى.
ولا حاجة إلى هذا التقدير، لأن الله تعالى له أن يقسم بما شاءَ، (لا يُسأل عما يفعل).
ثم إن مثل هذا التقدير، يفتح بابَ شرٍّ على الناس، فيستبيح الناسُ الحلفَ بغير الله، فإذا أُنكِر عليهم قالوا: هذا على تقدير مضاف!!!!!
- والعصر في الآية، اختلف أهل التفسير في معناه، فمما قيل:
1- أنه الوقت المعروف الذي في آخر النهار، وهو وقت فاضلٌ، وقد ثبت في صحيح مسلم التغليظ فيمن باع سلعةً وحلف بعد العصر على أنه اشتراها بكذا، وهو كاذبٌ في ذلك.
وذكر بعض أهل العلم في قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ..... تحبسونهما من بعد الصلاة) قالوا: بعد صلاة العصر,
2- وقيل: إنه عصر النبي صلى الله عليه وسلم.
3- وقيل: هو الدهر كله، والتعبير بالعصر عن الدهر هو من باب التعبير بالجزء عن الكل، كقوله تعالى مثلا: (فتحرير رقبة) أي: عبدٍ كاملٍ.
وهذا القول أولى؛ لأنه يدخل فيه جميع ما تقدم.
- (إن الإنسان) أي: كل إنسانٍ، فـ (أل) فيه للاستغراق، فتفيد العموم.
ويدل لذلك الاستثناء الوارد بعدُ؛ فإن القاعدة عند الأصوليين: أن الاستثناءَ معيارُ العمومِ.
- (لفي خسر) أي: لفي خسارة.
- (إلا) أداة استثناء، وسيأتي الكلام على مسألة الإخراج بـ (إلا) عند الكلام على الأصل الثاني إن شاء الله تعالى,
- (إلا الذين آمنوا......) استثنى اللهُ تعالى ممن يخسَرُ ويهلَك من اتصف بأربع صفاتٍ:
1- (الذين آمنوا) ويدخل فيه العلم، لأن الإيمان تابع للعلم؛ إذْ لا يؤمن الإنسان بشيء يجهله، ففيه شاهد على المسألة الأولى,
2- (وعملوا الصالحات) والعمل الصالح هو ما تحقق فيه شرطان: الإخلاص لله، والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأدلةُ كُلٍّ منهما معروفة، وفي هذا شاهد على المسألة الثانية.
- تنبيه: ذكر الثعالبي في الجواهر الحسان -عند تفسير الآيات التي فيها الإيمان والعمل الصالح- أن في هذه دليلا على أن العمل لا يدخل في مسمى الإيمان، احتجاجا بالعطف، والأصل في العطف: أنه للمغايرة!!!!
وكلامه باطل، فإننا عندنا أدلة صريحة مستفيضة من الشرع على أن العمل من مسمى الإيمان، وعليه إجماع أهل السنة والجماعة، والآيات المذكورة محمولة على أنها من باب عطف الخاص على العام.
3- (وتواصوا بالحق) أي: وصَّى بعضهم بعضا بالحق، وهذا شاهد على المسألة الثالثة,
4- (وتواصوا بالصبر) أي: وصى بعضهم بعضا بالصبر، وهذا شاهد على المسألة الرابعة.
والعلم عند الله تعالى,
يُتبع...............