![]() |
|
قسم الكتاب و السنة تعرض فيه جميع ما يتعلق بعلوم الوحيين من أصول التفسير و مصطلح الحديث .. |
في حال وجود أي مواضيع أو ردود
مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة
( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .
آخر المواضيع |
|
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
![]() |
رقم المشاركة : 1 | ||||
|
![]()
|
||||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 2 | |||
|
![]() الموضع القرآني 26 أولًا: تقديم ثانيًا: آيات هذه الموضع من سورة الأعراف ثالثًا: تفسير مفردات هذه الآيات يغشى الليل النهار, أي: يغطيه, ويستره. يطلبه حثيثاً, أي: يطلب الليل النهار في غاية السُّرعة. أقلَّت: حملت. الثقال: ثقلها بسبب ما تحمله من المياه. الميِّت: القاحل الممحل. رابعًا: شرح آيات هذا الموضع وقد عرَّفنا ربُّنا بنفسه تبارك وتعالى من خمسة أوجه, هي: 1- خلقه سبحانه السموات والأرض في ستة أيام: أخبرنا ربُّنا- سبحانه- أنه وحده الذي خلق السموات والأرض وما فيهما وما بينهما في ستة أيام, وهذه الأيام تبدأ من يوم الأحد, وتنتهي في يوم الجمعة, وهذه الأيام من أيام الله تعالى, ولا ندري طولها, وقد أعلمنا ربُّنا تبارك وتعالى أنَّ يوماً عنده كألف سنةٍ من سنواتنا, وأعلمنا ربُّنا أنَّ مقدار يوم القيامة خمسون ألف سنةٍ من سنوات الدنيا {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} ]الأعراف: 54[. 2- استواء ربِّنا جلَّ جلَّاله على العرش: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} ]الأعراف: 54[ العرش في لغة العرب سرير الملك, قال تعالى في كرسي ملكة سبأ {وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ} ]النمل: 23[ وقال نبي الله سليمان: {أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} ]النمل: 38[ وقال الله تعالى في عرش نبيِّ الله يوسف {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ} ]يوسف: 100[ والعرش أعظم مخلوقات الله تعالى, وهو لله تعالى سرير ملكه وقد وصفه الله تعالى بأنَّه عظيم {وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} ]التوبة: 129[ ووصفه بأنَّه مجيدٌ في قوله {ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ} ]البروج: 15[. وكان عرش الله في الأزل علي الماء {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} ]هود: 7[. ويحمل عرش ربِّنا في يوم القيامة ثمانيةٌ من الملائكة {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} ]الحاقة: 17[. وهؤلاء الملائكة الذين يحملون العرش في يوم القيامة يسبِّحون بحمد ربِّهم {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} ]غافر: 7[. وفي يوم القيامة ترى الملائكة حافِّين من حول العرش يسبحون بحمد الله {وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} ]الزمر: 75[ وقد ضلَّ قومٌ كثيرون في تعريف عرش الرحمن, والنصوص التي سقناها تدلُّ على أنَّ عرش الرحمن سريرٌ عظيمٌ كريمٌ مجيدٌ, استوى عليه الرحمن ومعنى استوى في اللغة العرب: ارتفع, واستقرَّ وعلا. 3- يغشي الله تعالى الليل النهار يطلبه حثيثاً: عرَّفنا ربُّنا- تبارك وتعالى- أنه {يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا} ]الأعراف: 54[ أي: يجعل الليل غشاءً وساتراً للنهار ومغطياً له, وفي الآية محذوفٌ دلَّ عليه المقام, أي: يغشي النهار الليل أيضًا, فيأتي ضوء النهار ويغشى ظلام الليل, فيذهبه, ويحلُّ محلَّه, كما قال: {وَآَيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ * وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعزَّيزِ الْعَلِيمِ} ]يس: 37-38[. وقوله تعالى: {يَطْلُبُهُ حَثِيثًا} أي: يطلبه طلباً حثيثاً مسرعاً غاية الإسراع فلا يمهله لحظةً ]العذب النمير: 3/381[. 4- جعل الله الشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره: وقوله تعالى: {وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ} أي: أنَّ الله خلق السموات والأرض, وخلق الشمس والقمر والنجوم, وجعلهن مسخراتٍ بأمره, أي: في طلوعهنَّ وغروبهنَّ وحركاتهنَّ, كلُّ ذلك مقدَّرٌ وفق ما يريده الله ويحدِّده. والله تعالى {لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} فالخلق له كلُّه وحده, والأمر له كلُّه وحده. وقوله: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} أي: تبارك وتقدَّس, وأصل تبارك تفاعل إذا كثرت بركاته وخيراته. وبعد أن عرَّفنا ربُّنا- تبارك وتعالى- بنفسه أمرنا أن ندعوه تضرعاً وخفية, وأمرنا أن ندعوه خوفاً وطمعاً, فالدعاء هو العبادة كما صحَّ في الحديث, والله هو الذي يستحقُّ أن يعبد. وقد أمرنا ربُّنا- عزَّ وجلَّ- أن ندعوه تضرُّعاً وخفيةً في قوله: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} ]الأعراف: 55[ ومعنى {تَضَرُّعًا} أي: متذللين بخشوعٍ واستكانةٍ, ومعنى {وَخُفْيَةً } أي: سراً وهمساً, ندعوه راجين رحمته خائفين عذابه. والدعاء الذي أمرنا الله به هو العبادة, وقد كان دعاء الصالحين خفيةً, فزكريا عليه السَّلام {نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا} ]مريم: 3[. وقوله تعالى: {إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} فالله لا يحبُّ المعتدين, لا في الدعاء ولا في غيره, ومن الاعتداء في الدعاء رفع الصوت بالدعاء, أو الدعاء بأن يؤتى الداعي مقام الملائكة ومقام الرُّسل والأنبياء, ومن ذلك ما رواه أبو داود أنَّ عبد الله بن مغفل سمع ابنه يقول: «اللهم إنِّي أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنة إذا دخلتها» فقال: أي بنيَّ, سل الله الجنَّة, وتعوذ به من النَّار, فإنِّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنَّه سيكون في هذه الأمَّة قومٌ يعتدون في الطهور والدُّعاء» ]صحيح سنن أبي داود: 87[. وأمرنا ربُّنا أن ندعوه سبحانه خوفاً وطمعاً {وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} ]الأعراف: 56[. أمرنا ربُّنا- تبارك وتعالى- أن ندعوه جامعين بين الخوف منه والطَّمع في ثوابه. وجمع الله- تعالى- بين الخوف والطَّمع, ليكون العبد خائفاً راجياً, كما قال تعالى: {وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ} ]الإسراء: 57[ فإنَّ موجب الخوف معرفة سطوة لله وشدَّة عقابه, وموجب الرجاء معرفة رحمة الله وعظيم ثوابه, قال تعالى: {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ} ]الحجر: 49-50[. ومن عرف فضل الله رجاه, ومن عرف عذابه خافه. ويستحب أن يكون العبد طول عمره يغلب عليه الخوف, ليقوده إلى فعل الطاعات وترك السيئات, وأن يغلب عليه الرجاء عند حضور الموت, لقوله صلى الله عليه وسلم : «لا يموتنَّ أحدكم إلاَّ وهو يحسن الظَّن بربِّه» ]التسهيل, لابن جزي: 2/35[. 5- إرسال الله- تعالى الرياح بشرًا بين يدي رحمته: ذكر الله تعالى في الآية التالية وجهًا خامساً عرَّفنا فيه بنفسه, فقال: {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} ]الأعراف: 57[. أعلمنا سبحانه أنَّه هو الذي يرسل الرياح بشرًا بين يدي رحمته, فترى بعض الناس يكونون في جوٍّ صافٍ, فتهبُّ عليهم الرياح نديَّةً رطبةً, فيقولون لك: هذه الرياح تبشِّر برحمة الله, أي: بالمطر, فلا يمضي طويل وقتٍ, حتى ترى السحاب الثقال آتٍ من بعيدٍ, تسوقه الرياح, فتهطل الأمطار, فيحيي الله بذلك المطر بلادًا ميتة, يحييها بالنبات, ومثل هذا الإحياء للأرض الميتة بالمطر, يحيي يوم القيامة العباد, فإذا شاء الله إحياء الخلق في يوم القيامة أنزل عليهم مطرًا كمنيِّ الرجال, فينبت الناس من الأرض,حتى إذا تمَّ خلقهم نفخ في الصور, فعادت أرواح الناس إلى أجسادهم, فقاموا لربِّ العالمين. خامساً: كيف عرَّفنا ربُّنا بنفسه في هذه الآيات 1- خلق الله ربُّنا تبارك وتعالى السموات والأرض في ستة أيام, ولولا أنَّ الله تعالى أعلمنا بهذا العلم ما علمناه, ونحن لا ندري بمدَّة كلِّ يوم من هذه الأيام, فلم يصحَّ فيه آيةٌ ولا حديثٌ, فربنا أعلم به. 2- استوى ربُّنا- تبارك وتعالى- على عرشه استواءً يليق بجلاله سبحانه وتعالى, وعرشه سبحانه سرير ملكه, وهو أعظم مخلوقاته, والاستواء معلومٌ والكيف مجهولٌ, والإيمان به واجبٌ, والسؤال عن الكيف بدعةٌ. 3- الله تعالى يغشي الليل النهار, فبعد ضياء النهار يأتي الليل الذي يكسو الأرض بظلامه. 4- سخَّر ربُّ العزَّة لعباده الشمس والقمر والنجوم بأمره, ولو لم يخلق الله تبارك وتعالى لنا هذه المخوقات لما صلحت حياتنا فوق ظهر هذه الأرض. 5- الله- تبارك وتعالى- له الخلق والأمر, فالله تعالى هو الذي أنشأ هذا الوجود من العدم, وكما له الخلق له الأمر بنوعيه الديني الذي يحوي الشرائع, والقدري الذي يكون به الخلق. 6- الله- تبارك وتعالى- الذي يرسل الرياح الرَّطبة الندية بين يدي السحاب الثقال الممتلئ بالمطر, ويسوق الله تلك الرياح تبشِّر بقرب رحمة الله بنزول المطر, ويرسل الله تعالى السحب المحمَّلة بالمطر إلى بلد أمحلت أرضه, وجفت مياهه, ومات نباته, وذوت أشجاره, فأحياه الله, فنما زرعه, واخضرَّ شجره, وخرجت ثماره, وكما أحيا الله الأرض بالماء الهاطل من السماء, يحيي العباد في يوم المعاد. * * * |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 3 | |||
|
![]() الموضع القرآني 27 أولًا: تقديم ثانيًا: آيات هذا الموضع من سورة الاعراف الآية الأولى قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} ]الأعراف: 180[. الآية الثانية قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجلَّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} ]الأعراف: 187[. الآية الثالثة قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا} ]الأعراف: 189[. ثالثًا: تفسير مفردات هذه الآيات ذروا: اتركوا ودعوا. يلحدون: الذين يميلون عن القصد ويجورون عنه. ملكوت: ملك. الساعة: يوم القيامة. مرساها: وقت وقوعها. لا يجلِّيها, أي: لا يوجدها, ولا يظهرها لوقتها إلا الله. ثقلت: عظمت. بغتةً, أي: فجأة. كأنك حفيٌّ عنها, أي: كأنك عالم بها, أو كأنك استقصيت أخبارها. من نفس واحدة: نفس آدم عليه السَّلام. رابعًا: شرح آيات هذا الموضع 1- الله- تعالى- له الأسماء الحسنى: عرَّفنا ربُّنا- عزَّ وجلَّ- أنَّ له الأسماء الحسنى {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} ]الأعراف: 180[. والحسنى: تأنيث الأحسن, وهي صيغة تفضيلٍ, وأسماء الله تعالى أحسن شيءٍ, وهي أفضل من كلِّ شيءٍ في الحسن والجمال, وأسماء الله تدلُّ على صفات كماله وجلاله تبارك وتعالى. وأسماء الله التي أنزلها ربُّنا في كتابه وسنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم تسعةٌ وتسعون اسماً, فعن أبي هريرة رضي الله عنه, أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّ لله تسعةً وتسعين اسماً, مائةً إلا واحداً, من أحصاها دخل الجنَّة» ]البخاري: 2736. مسلم: 2677[. وفي رواية: «لله تسعةٌ وتسعون اسماً من حفظها دخل الجنَّة, وإن الله وترٌ يحبُّ الوتر» ]البخاري: 6410. مسلم: 2677, واللفظ لمسلم[. وأسماء الله- تعالى- التي علَّمها بعض خلقه, أو استأثر بها في علم الغيب عنده أكثر من ذلك, فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما أصاب أحداً قطُّ همٌّ ولا حزنٌ فقال: اللهمَّ, إنِّي عبدك, ابن عبدك, ابن أمتك, ناصيتي بيدك, ماضٍ فيَّ حكمك, عدلٌ فيَّ قضاؤك, أسألك بكلِّ اسمٍ سمَّيت به نفسك, أو أنزلته في كتابك, أو علَّمته أحداً من خلقك, أو استأثرت به في علم الغيب عندك, أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي, ونور صدري, وجلاء حزني, وذهاب همِّي- إلا أذهب الله همَّه وحزنه, وأبدله مكانه فرحاً, فقيل: يا رسول الله, أفلا نتعلَّمها؟ فقال: «بلي, ينبغي لمن سمعها أن يتعلَّمها» ]قال محقق تفسير ابن كثير: جيد. أخرجه أحمد (2/391 و452) وأبو يعلى (5297) والحاكم (1/509) وابن حبان (972) من طرق عن فضيل بن مرزوق به, وإسناده صحيح[. وقوله تعالى: {فادْعُوهُ بِهَا} ]الأعراف: 180[ أي: فادعوه بهذه الأسماء, فيدعو المرء بالأسماء التي تناسب حاله, فيقول: يا الله, يا رحمن, يا رحيم, يا أحد, يا فرد, يا صمد, يا قويُّ, ولا يدعو الله بغير أسمائه, فلا يقول: يا سخيُّ, يا شيء, يا فاهم, يا جلد. وقوله تعالى: {وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} ]الأعراف: 180[, وقوله {وَذَرُوا} معناه: اتركوا, وصيغة الأمر هنا للتهديد, وأصل اللَّحد: الميل عن القصد والجور عنه. والذين يلحدون في أسماء تعالى الذين يميلون فيها عن الحقِّ, فمن أسماء الله تعالى: الواحد, {إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ} ]الصافات: 4[. وقد ألحد المشركون في هذا الاسم: فقالوا: {أَجَعَلَ الْآَلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} ]ص:5[. ومن إلحادهم اشتقاقهم اسم اللات لصنم من أصنامهم من اسم: الله, واشتقاقهم العُزَّى من اسم العزيز, واشتقاقهم مناة من المنان. وقوله: {سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} أي: سيجزيهم ربُّ العزة تبارك وتعالى يوم القيامة جزاء ما كانوا يعملونه في الدنيا, ويدخل في ذلك إلحادهم في أسمائه. 2- لا يعلم وقت وقوع الساعة إلا الله تعالى: سأل كفار قريشٍ رسولنا صلى الله عليه وسلم عن الوقت الذي تقع فيه الساعة, فأمر الله تعالى رسوله أن يخبر النَّاس أنَّه لا يعلم وقت وقوعها إلا الله سبحانه: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجلَّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} ]الأعراف: 187[. والساعة التي سأل كفار قريشٍ الرسول عن وقت وقوعها هي يوم القيامة, والساعة في الأصل تطلق على كلِّ وقتٍ من الزَّمن, وغلب إطلاقها على يوم القيامة, وكان كفار قريشٍ يسألون عنها إنكاراً لها, كما قال تعالى: {يَسْتَعْجلَّ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا} ]الشورى: 18[, وقال: {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} ]الملك: 25[ وقوله: {أَيَّانَ مُرْسَاهَا} أي: متى يكون وقوعها. وقد أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول للسائلين {قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجلَّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ} ]الأعراف: 187[. أي: قل لهم: إنَّما علمها عند الله, و {إِنَّمَا} أداة حصرٍ, أي: علمها عند الله, فلا يعلمها لا ملكٌ مقربٌ, ولا نبيٌّ مرسلٌ, وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم لجبريل عندما جاءه وهو في جمع من الصحابة, فسأله عن الإيمان والإسلام والإحسان, ثم سأله عن الساعة, قال في الجواب: «ما المسئول عنها بأعلم من السائل» فالمسئول وهو أفضل الأنبياء والرسل لا يعلم متى تقع والسائل وهو جبريل وهو أفضل الملائكة لا يعلم أيضًا متى تكون, وقوله: {لَا يُجلَّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ} أي: لا يوجدها ويظهرها في وقتها أحدٌ غيره وقوله تعالى: {ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} ]الأعراف: 187[. أي: عظمت على أهل السموات والأرض, لأنَّ ما فيها من الأهوال لا تطيقه السموات والأرض, ولا أحد ممن فيهما, فمن ذلك انشقاق السماء , وانتشار النجوم, وتكوير الشمس, وتسيير الجبال. وقوله تعالي: {لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً} ]الأعراف: 187[ أي: لا تقوم الساعة على الناس إلا فجأةً, وقد أخبرنا رسولنا صلى الله عليه وسلم أنَّ الساعة تقوم والناس في أعمالهم وأشغالهم, فتأخذهم من غير إمهال, فعن أبي هريرة رضي الله عنه, أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقوم الساعة حتَّى تطلع الشمس من مغربها, فإذا طلعت فرآها الناس آمنوا أجمعون, فذلك حين {لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آَمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا}]الأنعام: 158[ ولتقومنَّ الساعة وقد نشر الرَّجلان ثوبهما بينهما, فلا يتبايعانه ولا يطويانه, ولتقومنَّ الساعة وقد انصرف الرَّجل بلبن لقحته فلا يطعمه, ولتقومنَّ الساعة وهو يليط حوضه فلا يسقي فيه, ولتقومنَّ الساعة وقد رفع أكلته إلى فيه فلا يطعمها» ]البخاري: 6506. مسلم: 2954. واللفظ للبخاري[. وقوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا} ]الأعراف: 187[ أي: يسألونك عن الساعة, كأنَّك استحفيت عنها, أي: علمت وقتها, أو كأنَّك عالم بها, قد عرفت بها, واستقصيت أخبارها. وقوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} ]الأعراف: 187[, أمر الله تعالى عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم أن يقول للنَّاس السائلين عن وقت الساعة مؤكِّداً ما سبق أن أخبرهم به أنَّ علم وقت الساعة استأثر الله بعلمه, كما قال ربُّ العزَّة: {يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ} ]الأحزاب: 63[. ولذا فإنَّ الذين حدَّدوا وقتاً لوقوعها من أهل العلم خالفوا الآيات والأحاديث الصحيحة المبيِّنة أنَّ وقت الساعة أمره إلى الله عزَّ وجلَّ, لا يعلمه غيره. 3- خلق الله تعالى الناس جميعاً من آدم, وخلق من آدم زوجه حواء: أعلمنا ربُّنا- تبارك وتعالى- أنَّه خلقنا من نفس واحدة, وجعل من هذه النفس الواحدة زوجها, ليسكن إليها {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا} ]الأعراف: 189[. والنفس الواحدة التي خلق الناس جميعا منها آدم عليه السَّلام, والزوج الذي جعله الله من آدم حواء, ومعنى: {وَجَعَلَ} خلق. وقوله: {لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا} أي: ليسكن الرجل إلى زوجته, ويطمئنَّ إليها, كما قال تعالى: {وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} ]الروم: 21[. وقد جعل الله- تعالى- من هذين الزوجين: آدم وحواء الرجال والنساء جميعاً{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً} ]النساء: 1[. خامساً: كيف عرَّفنا ربُّنا بنفسه في هذه الآيات: 1- الله تعالى له الأسماء الحسنى التي لا أحسن منها, وأمرنا ربُّنا أن ندعوه بهذه الأسماء. 2- الله تعالى استأثر بعلم وقوع الساعة, فلا يعلم بوقت وقوعها ملكٌ مقربٌ ولا نبيٌّ مرسل. 3- الله تعالى الذي خلق الناس جميعاً من نفسٍ واحدةٍ, وخلق من هذه النفس الواحدة زوجها حواء ليسكن إليها. * * * |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 4 | |||
|
![]() الموضع القرآني 28 * * * |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 5 | |||
|
![]() الموضع القرآني 29 أولًا: التقديم وعرَّفنا ربُّنا- سبحانه- أنَّ مرجع جميع العباد يوم الدين إليه, فهو- سبحانه- وحده الذي يبدأ الخلق في الدنيا, ثم يعيده في الآخرة, ليحاسب العباد عما قدَّموه, وأعلمنا سبحانه أنه هو الذي جعل الشمس ضياءً والقمر نوراً, وقدَّر القمر منازل لنعلم عدد السنين والحساب, وهو الذي قدَّر اختلاف الليل والنهار, وما خلق في السموات والأرض من مخلوقات لآياتٍ لقومٍ يتقون. ثانيًا: آيات هذا الموضع من سورة يونس ثالثًا: تفسير مفردات هذا الموضع ما من شفيعٍ إلا من بعد إذنه, أي: لا يشفع عنده أحد إلا بعد أن يأذن الله له. بالقسط: بالعدل. جعل الشمس ضياءً والقمر نوراً: جعل الله الشعاع الصادر عن الشمس ضياءً, لأنَّ الشمس مشتعلةٌ, وجعل الشعاع الصادر عن القمر نوراً, فالقمر ليس مشتعلاً, ونوره انعكاسٌ لضوء الشمس عليه. اختلاف الليل والنهار: تعاقبهم, إذ هب أحدهما جاء الآخر رابعًا: شرح آيات هذا الموضع 1- الله- تبارك وتعالى- خلق السموات والأرض في ستة أيام: عرَّفنا ربُّ العزَّة بنفسه تبارك وتعالى فقال: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} ]يونس: 3[. وعرَّفنا الله تعالى في هذه الآية والآيات التالية لها بنفسه سبحانه, حتَّى لو أنَّ واحداً سألك: من ربُّك؟ صح أن تجعل هذه الآيات جواباً. وأوَّل أمر عرَّفنا تبارك وتعالى أنَّه فعله سبحانه خلقه السموات والأرض في ستَّة أيام, وهذه الحقيقة مبثوثةٌ كثيراً في كتاب الله الكريم, فقد خلق سبع أرضين, وخلق سبع سمواتٍ, وخلقهما في ستة أيامٍ, والله تعالى أعلم بمدَّة كلِّ يوم من هذه الأيام, والسموات والأرض من أعظم آيات الله, وفيهما من المخلوقات والدلائل والآيات ما يبهر العقول, ويشغل القلوب. 2- استواء ربُّنا على عرشه وتدبيره الأمر: وقوله: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} العرش أعظم مخلوقات الرحمن, وقد استوى الرحمن عليه سبحانه, استواءً يليق بجلاله, ليس كمثله شيء, وهو السميع البصير, وقوله {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ} أخبر ربُّ العباد سبحانه وتعالى أنه سبحانه يدِّبر الأمر في كونه, فهو قائمٌ سبحانه وتعالى على كلِّ شيءٍ, لا فرق بين الصغير والكبير, كما قال سبحانه: {لَا يَعزَّبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ} ]سبأ: 3[ وقال: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} ]هود:6[, وقال: {وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} ]الأنعام: 59[. 3- لا يشفع أحدٌ عند الله إلا بإذنه: وقوله: {مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ} أي: لا يشفع عنده ملكٌ مقربٌ ولا نبيٌّ مرسلٌ إلا من بعد أن يأذن الله تعالى له, كما قال ربُّ العزَّة سبحانه وتعالى: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى} ]النجم: 26[. وقال: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} ]البقرة: 255[, وشفعاء المشركين آلهة المشركين التي كانوا يعبدونها من دون الله تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ} ]يونس: 18[. وقوله تعالى: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} أشار ربُّ العزَّة سبحانه إلى نفسه بقوله: {ذَلِكُمُ} وأمرنا بعبادته وحده لا شريك له, قائلاً: {أَفَلَا تَذَكَّرُونَ}. 4- مرجع الناس جميعاً إلى الله تعالى: عرَّفنا ربُّنا- عزَّ وجلَّ- أنَّ مرجع الناس جميعاً إليه {إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ} ]يونس: 4[. أخبرنا ربُّنا- تبارك وتعالى- أنَّ مرجعنا جميعاً إليه, وهذا وعد حق لا يتخلَّف بحالٍ من الأحوال, كما قال سبحانه: {لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) وَكُلُّهُمْ آَتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا} ]مريم: 94-95[. وقوله: {إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} أي: يبدأ خلق العباد في الحياة الدنيا, ثم يعيد خلقهم في الحياة الآخرة. {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ} أي: يثيب المؤمنين الذين عملوا الأعمال الصالحة بالعدل والجزاء الأوفى, {وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُون} أي: ويجزي الذين كفروا بالله ورسوله, بإسقائهم شراباً تناهى حرُّه, ويذيقهم العذاب الأليم في النار بسبب كفرهم وضلالهم. 5- الله تعالى الذي خلق لنا الشمس ضياء والقمر نورا: عرَّفنا ربُّنا- تبارك وتعالى- أنه هو الذي جعل الشمس ضياءً والقمر نوراً, فقال: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} ]يونس: 5[. يخبرنا ربُّنا- عزَّ وجلَّ- أنه جعل الشعاع الصادر عن الشمس ضياءً, وشعاع القمر نوراً, ففاوت بينهما لئلا يشتبها, وجعل للشمس سلطاناً بالنهار, وسلطان القمر بالليل, وقدَّر القمر منازل {وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ} فأول ما يبدو صغيراً, ثم يتزايد نوره وجرمه, حتى يكتمل, ويصبح بدراً, ثمَّ يشرع في النقص حتى يرجع إلى حاله الأوَّل في تمام الشهر, وبالشمس تعرف الأيام, وبسير القمر تعرف الشهور والأعوام, قال تعالى: {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ * لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} ]يس: 39-40[. وقال: {الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعزَّيزِ الْعَلِيمِ} ]الأنعام: 96[. وقوله تعالى: {مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ} لم يخلق ربُّ العزَّة ذلك عبثاً, بل لحكمةٍ عظيمةٍ, وحجَّةٍ بالغةٍ, كقوله تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ} ]ص: 27[. وقوله تعالى: {يُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} ]يونس: 5[ أي: نُبيِّن الحجج والأدِّلة {لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}. 6- من الآيات الدالة على الله- تعالى- اختلاف الليل والنهار: آخر ما عرضه ربُّنا علينا في تعريفنا بنفسه قوله تعالى: {إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ} ]يونس: 6[. والمراد باختلاف الليل والنهار, أي: تعاقبهما إذا ذهب هذا جاء هذا, وهذا كقوله تعالى: {لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ} ]يس: 40[, وقال: {يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ} ]الأعراف: 54[. وقوله تعالى:{وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}: أي: من الآيات الدالة على عظمته تعالى, وهذا كقوله تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ آَيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} ]يوسف: 105[ وقوله: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآَيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ} ]يونس: 101[, وقوله: {يَتَّقُونَ} أي: يخافون الله تعالى. خامساً: كيف عرَّفنا ربُّنا بنفسه 1- الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام. 2- الله استوى على العرش بعد خلقه السموات والأرض, والعرش سرير ملكه. 3- الله قائم على الكون يدبر أموره, ويصرِّف شؤونه. 4- لا يشفع عند الله أحدٌ يوم القيامة إلا بعد أن يأذن له. 5- مرجع العباد جميعاً إلى ربِّ العزة في يوم القيامة. 6- الله الذي ابتدأ خلق عباده في الحياة الدنيا, ثم يعيد إحياءهم بعد موتهم يوم القيامة. 7- الله تعالى يحاسب عباده يوم القيامة, والذين كفروا لهم عذاب أليم. 8- الله هو الذي جعل لنا الشمس ضياء, لأنه منبعث عن اشتعال الشمس, وجعل لنا القمر نوراً, لأنه انعكاسٌ لنور الشمس, وقدَّر القمر منازل, لنعلم عدد الشهور والأعوام. 9- الله الذي خلق الليل والنهار, وجعلهما يتعاقبان, يذهب هذا ويأتي هذا, وخلق في السموات والأرض كثيراً من الآيات. * * * |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 6 | |||
|
![]() الموضع القرآني 30 |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 7 | |||
|
![]() الموضع القرآني 31 * * * |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 8 | |||
|
![]() الموضع القرآني 32 * * * |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 9 | |||
|
![]() الموضع القرآني 33 أولًا: التقديم(1) ثانيًا: آيات هذا الموضع من سورة الرعد ثالثًا: تفسير مفردات هذه الآيات استوي على العرش، أي: علا وارتفع واستقرَّ، وعرش الرحمن سرير ملكه. مدَّ الأرض: وسَّعها وبسطها. رواسي: الرواسي الجبال. الزوجان: الزوج الواحد، والزوجان الاثنان. يغشى، أي: يغطي. قطع متجاورات: أراضٍ يجاور بعضها بعضًا. نخيل صنوان وغير صنوان: الصنوان جمع صنو، وهنَّ النخلات يجمعهن أصل واحد، وغير صنوان، أي: متفرقات. رابعًا: شرح آيات هذا الموضع أعلمنا ربُّنا -عزَّ وجلَّ- أنَّه وحده الذي رفع السموات بغير عمدٍ، والسموات كما أخبرنا -سبحانه- في غير موضع في كتابه سبعٌ بعضها فوق بعض، وقد أخبرنا ربُّنا في هذه الآية أنه {رَفَعَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} أي: رفعها بغير عمدٍ، أي بغير أساطين نراها، وقيل: رفعها بأعمدة لا نراها. والسماء الدنيا محيطةٌ بالأرض من جميع جهاتها، والسماء الثانية محيطة بالسماء الأولى، {ثُمَّ اسْتَوَي عَلَى العَرْشِ} [الرعد:2] أي: استوى -سبحانه- على عرشه استواءً يليق بجلاله وعظمته، ومعنى استوي علا واستقرَّ وارتفع، ومعنى الاستواء معلومٌ، ولكن كيفية الاستواء مجهولةٌ. وقوله: {وسَخَّرَ الشَّمْسَ والْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجلَّ مُّسَمًّى} [الرعد: 2] أي: ذلَّل سبحانه الشمس والقمر، وجعلهما يجريان إلى قيام الساعة، والشمس والقمر أظهر الكواكب السيارة، وإذا جاء يوم القيامة، فإن الشمس تكوُّر ويذهب ضوؤها، والقمر يخسف ويزول، وقوله:{يُدَبِّرُ الأَمْر} يدبر أمور الآخرة والدنيا وحده سبحانه، بغير شريك، ولا ظهير، ولا معين، وقوله:{يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ} [الرعد: 2] أي: يبين الآيات الدالة على وحدانية الله وقدرة الله، لعلكم توقنون بلقاء ربكم إذا فصَّل لكم الآيات. وكما أعلمنا ربُّنا عزَّ وجلَّ بما سبق بيانه في السموات والأرض والشمس والقمر أعلمنا سبحانه بأنه {وهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ وجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وأَنْهَارًا} [الرعد: 3] أخبرنا سبحانه أنَّه مدَّ الأرض، أي: جعلها متسعةً ممتدةً في الطول والعرض، {وجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وأَنْهَارًا} [الرعد: 3] أي: أرسى الأرض وثبَّتها بالجبال {ومِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ} [الرعد: 3] والزوج يطلق على الاثنين وعلى الواحد المزاوج للآخر، والمراد بالزوج الواحد، ولهذا أكَّد الزوجين بالاثنين لدفع توهم أنه أريد بالزوج هنا الواحد، فالثمرات زوجان منها الحلو والحامض، والأبيض والأسود، {يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ} [الرعد: 3] أي: جعل كلاً منهما يطلب الآخر طلبًا حثيثًا، فإذا ذهب هذا غشية هذا، وإذا انقضى هذا جاء الآخر، {إنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} أي: يتفكرون في آيات الله، أي: في مدِّ الأرض، وإرسائها بالجبال، وما جعله فيها من الثمار، وتعاقب النور والظلمة. وأخبرنا ربُّنا العليُّ الأعلى سبحانه أنَّ {وفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وزَرْعٌ ونَخِيلٌ صِنْوَانٌ وغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ واحِدٍ ونُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ إنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [الرعد: 4]. أخبرنا ربُّنا - عزَّ وجلَّ - أنَّه جعل في الأرض قطعًا متجاوراتٍ، أي: أراضي يجاور بعضها بعضًا، وفاوت بين هذه الأراضي، فجعل بعضها أرضًا طيبةً تنبت العشب، وتحفظ الماء، وجعل قطعةً مجاورة سبخةً مالحةً لا تنبت، وجعل قطعةً ثالثةً صخريةً صلدةً قاسية، وقد تتفاوت الأرض في ألوانها، وهي متجاورة، فتكون هذه بيضاء، وهذه سوداء، وهذه حمراء، وقد تكون الأرض جنانًا متنوعةً، أي: بساتين متنوعة، فتكون جناتٌ من أعنابٍ وزرعٍ، ونخيل صنوانٍ وغير صنوان، يسقى بماء واحد، أي: تكون الأرض الواحدة تنبت أشجاراً شتى، فيها الخوخ والكمثرى والتفاح والبرتقال، ويحمل بعضها أكثر من بعضٍ، ويكون بعضها حلواً، وبعضها حامضاً. وقوله: {ونَخِيلٌ صِنْوَانٌ وغَيْرُ صِنْوَانٍ} والصنوان جمع صنو، وهنَّ النخلات يجمعهن أصل واحد، {وغَيْرُ صِنْوَانٍ} أي: نخلًا متفرقًا، كلُّ واحدة على حدة، يسقيها ماءٌ واحدٌ، {ونُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ} أي: وتختلف طعومها فيما بينها، فهذا حلو، وذاك حامض، وهذا مِزٌّ{إنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} أي: أن ما يُحدِّث عنه ربُّ العزَّة من هذه الجنات والزروع آياتٌ لقومٍ يعقلون أي: ما يُتحدَّث عنه، وما يرونه بأبصارهم. خامساً: كيف عرَّفنا ربُّنا بنفسه تبارك وتعالى 1- خلق السموات الهائلة الكبيرة الواسعة بغير أعمدة نراها، وكذلك الأرض جعلها سابحة في الفضاء. 2- استوي سبحانه تبارك وتعالى على عرشه، وهو سرير ملكه استواءً يليق بجلاله، لا يشبهه استواء المخلوقين، وليس كمثله شيء. 3- سخَّر الله تعالى لنا الشمس والقمر، وجعل كلاً منهما يجري إلى أجلٍ محدَّدٍ. 4- الله - تبارك وتعالى - هو الذي مدَّ الأرض وبسطها، وجعل فيها جبالًا رواسي تثبتها، وجعل فيها الأنهار التي تسقي العباد والزروع. 5- الله - تعالى - الذي أنشأ ما لا يعدُّ من الأشجار في بقاع الأرض، تخرج أنواع الثمار. 6- الله تعالى يغشي الليل النهار، أي: يغطيه بظلامه، وذلك عندما ينقضي النهار، ويأتي الليل. 7- الله تعالى هو الذي جعل في أرضنا قطعًا من الأراضي متفاوتة فيما بينها، فبعضها ذو خصوبة، وبعضها لا خصوبة فيه، وقد يكون غنيًا بالمعادن، وبعضها من ترابٍ وأخرى من صخورٍ. 8- الله - سبحانه وتعالى - جعل لنا في أرضنا جناتٍ من أعناب، والأعناب أنواع شتَّى تختلف في طعومها وألوانها، وتختلف في زمن نضجها، وجعل لنا ما لا يحصى من الزرع من القمح والشعير والذرة والعدس وغيرها، والله تعالى جعل لنا النخيل صنوانًا متشابهةً فيما بينها، وغير صنوانٍ، أي: مختلفة فيما بينها، وهي مع ذلك كله تسقى بماء واحد. * * * ([1]) لم تتم كتابة هذا التقديم وترك مكانه بياضًا، بسبب وفاة المؤلف. |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 10 | |||
|
![]() الموضع القرآني 34 أولًا: تقديم وعرَّفنا ربُّنا سبحانه أنَّ له الدعوة الصحيحة الوافية، وهي دعوة الحقِّ دعوة التوحيد، ودعوة الكفار التي تتجه إلى الأصنام دعوة باطلة ضائعة. وضرب الله المثل للكفار الذين يدعون غيره بطالب الماء الذي يوجِّه يديه إلى الماء فلا يبلغ الماء فاه. ويعلمنا ربُّنا - عزَّ وجلَّ سبحانه - أنَّ كلَّ من في الكون خاضع لله ساجدٌ له طوعًا وكرهًا، وهو سبحانه ربُّ السموات والأرض، فكيف اتخذوا من دونه آلهة لم يَشْرَكوا الله في خلق الأرض والسماء، فالله هو الخالق لكلِّ شيءٍ وهو الواحد القهار. وضرب ربُّ العباد مثلًا للحقِّ والباطل، فالباطل هو الغثاء الذي يحمله السيل عندما تهطل الأمطار في الوديان والشعاب، ومثله مثل الزبد الذي يظهر على صهارة المعادن التي تذاب ليصاغ منها الحلي كالذهب والفضة، والحقُّ هو الماء الهاطل من السماء الذي يسير في الوديان والشعاب، وهو الذهب والفضة الذين يوقدون عليه النار. ثانيًا آيات هذا النص من سورة الرعد ثالثًا: تفسير مفردات هذه الآيات وما تزداد، أي: تنمو الأرحام وتكبر في أثناء فترة الحمل. مستخف بالليل، أي: مستتر به على وجه الخفاء. سارب: ظاهر بارز. الثقال: السحاب الممتلئ بالماء. دعوة الحق: الدعوة الصحيحة القائمة على التوحيد. بقدرها، أي: سالت الأودية بحسب ما تتسع له. رابعًا: شرح هذا الموضع من الآيات 1- الله يعلم ما تحمل كل أنثى: أعلمنا ربُّنا عزَّ وجلَّ أنه {يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى ومَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ ومَا تَزْدَادُ وكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ} [الرعد:8] وكم في الأرض من أنثى من النياق والبقر والغنم والخيل والحمير والغزلان وغيرها مبثوثةٌ في هذه الأرض الواسعة العريضة بعضها يقوم بأعماله في ظلمة الليل، وبعضها ينشط في وضح النهار لا يستخفي من أحد، وعلم الله يحيط بها، وبما تحمله في بطونها، فما تغيض الأرحام، أي: تنقصه فإن الله يعلمه، وما تزداد أرحامها فإنه يعلمه، وكلُّ شيءٍ عنده بمقدارٍ. ومن جملة أنثى الحيوان الذي يدخل في الآية، ويحيط به علم الله أنثى الإنسان. وقوله تعالى: {عَالِمُ الغَيْبِ والشَّهَادَةِ الكَبِيرُ المُتَعَالِ} [الرعد:9] والغيب ما غاب عنا في هذا الكون الواسع العريض، وهو لا يُحصى كثرة، والشهادة ما نشاهده من البشر والبحار والأنهار والحيوان والشمس والقمر والنجوم وغيرها، وهو قليلٌ بالنسبة لما غاب عنا، ويستوي في علم الله تعالى علمُ ما غاب عنَّا، وما نشاهده، فهما في علمه سواء، والله تعالى هو {الكَبِيرُ المُتَعَالِ} والله هو الكبير، فلا أحد أكبر منه، وهو المتعالي، أي: العالي على كلِّ شيء، فلا شيء أعلى منه. وأعلمنا ربُّنا سبحانه وتعالى أنَّه يستوي في علمه الجهر والعلانية {سَوَاءٌ مِّنكُم مَّنْ أَسَرَّ القَوْلَ ومَن جَهَرَ بِهِ ومَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وسَارِبٌ بِالنَّهَارِ} [الرعد:10] أعلمنا ربُّنا أنه يستوي في علمه الذي يسر قوله ويخفيه، ومن يجهر به ويبديه، كما يستوي عنده سبحانه المُستخفي في ظلمة الليل، والساربُ الظاهرُ في وضح النهار، كلاهما في علمه سواء. 2- له معقباتٌ من بين يديه ومن خلفه: أعلمنا ربُّنا - عزَّ وجلَّ - أنَّ لكلِّ واحدٍ منَّا {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّنْ بَيْنِ يَدَيْهِ ومِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} [الرعد:11]، والمعقبات ملائكةٌ وضعهم رب العزة على كلِّ واحدٍ من البشر يحفظونه من أمر الله تعالى، فلا يصل إليه سوء لا يريد الله أن يصل إليه، فإذا جاء العبد ما قدَّر الله أن يصل إليه خلُّوا بينه وبين قدر الله، وهذه الملائكة غير الملائكة الذين يحفظون على العبد أعماله صالحها وطالحها. وقوله تعالى: {إنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الرعد:11] أي: لا يزيل الله النعم التي أنعم بها على عباده في أنفسهم وفيما حولهم حتى يعملوا بمعاصيه، ويهجموا على ما حرَّمه عليهم، عند ذلك يسلبهم الله نِعَمه، ويحلُّ بهم نِقَمه، وتتبدَّل أحوالهم. وقوله تعالى: {وإذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍسُوءًا فَلا مَرَدَّ لَهُ ومَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن والٍ} [الرعد:11] أي إذا أراد الله سبحانه وتعالى أن يحل بقومٍ نِقَمه، فلا يستطيع أن يردَّ عليه أحدٌ مراده، لا من الأنس ولا من الجنِّ ولا من الملائكة، وليس لمن حلَّ بهم العذاب والٍ يتولاهم، ولا حامٍ يحميهم، ويمنع عنهم العذاب. 3- الرعد يسبح بحمد الله والملائكة يسبحون من خيفته: أعلمنا ربُّنا - تبارك وتعالى أنَّه {هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ البَرْقَ خَوْفًا وطَمَعًا ويُنشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ} [الرعد:12] أعلمنا ربُّنا -تبارك وتعالى -أنَّه هو الذي يرينا البرق خوفًا وطمعًا، والبرق اللمعان الذي يظهر في السحاب، والله تعالى يرينا البرق فنخافه، لأنه قد يتحول إلى صاعقةٍ، وقد يكون نذيرًا بسيل مدمر، {وطَمَعًا} لأنه قد يأتي بالخير، فقد يأتي بالمطر الذي يحيي الأرض بعد موتها، وقد يجري الأنهار، ويغذو العيون، ويجعلها تتدفق. والله - تبارك وتعالى - ينشئ السحاب والثقال، ينشئ السحاب الممتلئ بالماء ويصرفه إلى مختلف بقاع الأرض، فتحمل السحابة الماء فتسقي العباد والدواب والأرض، وأخبرنا ربُّنا - عزَّ وجلَّ - أن الرعد يسبح بحمده والملائكة من خيفته {ويُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ والْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ} [الرعد:13] فهذا الصوت المدوِّي الذي يأتي من الرعد هو تسبيح بحمد الله، وتسبح {الْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ} وأخبرنا ربُّنا عزَّ وجلَّ أنه {يُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاءُ} أي أن الله تعالى يرسل الصواعق على من يشاء أن يصيبه بها {وهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وهُوَ شَدِيدُ المِحَالِ} [الرعد: 13] والذين يجادلون في الله أهل الشرك، يجادلون في وحدانيته، وفي استحقاقه العبادة. 4- الله -تبارك وتعالى - له دعوة الحق: أخبرنا -ربُّنا -تبارك وتعالى - أنَّ {لَهُ دَعْوَةُ الحَقِّ والَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إلَى المَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ ومَا هُوَ بِبَالِغِهِ ومَا دُعَاءُ الكَافِرِينَ إلاَّ فِي ضَلالٍ} [الرعد:14]. أخبرنا الله - عزَّ وجلَّ - أن له دعوة الحقِّ، ودعوة الحقِّ دعوة التوحيد القائمة على: لا إله إلا الله، والذين يدعون من دون الله الآلهة من الأصنام والأوثان وغيرهم لا تستجيب هذه الأصنام لدعوتهم {إلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إلَى المَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ ومَا هُوَ بِبَالِغِهِ} إلا كالذي يقف في أعلى البئر أو النهر ويبسط كفيه إلى الماء، يريد أن يصعد الماء إلى فمه، وليس في الماء خاصية أن يصعد إلى أعلى، ويستجيب إلى ما يريده الإنسان، ولذلك قال: {ومَا هُوَ بِبَالِغِهِ} أي: لن يصعد الماء إلى فمه، وكذلك هذه الآلهة التي يدعونها من دون الله تعالى، لا تسمع دعاءهم، ولا تجيب نداءهم، {ومَا دُعَاءُ الكَافِرِينَ إلاَّ فِي ضَلالٍ} أي: وما دعاء الكافرين إلا في ضياع، فالآلهة التي يدعونها لا تسمع ولا تجيب، ودعاء الكافرين بذلك يكون ضائعًا. وأخبرنا ربُّنا - تبارك وتعالى - أنه {ولِلَّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَوَاتِ والأَرْضِ طَوْعًا وكَرْهًا وظِلالُهُم بِالْغُدُوِّ والآصَالِ} [الرعد:15] أخبرنا ربُّنا - عزَّ وجلَّ - أنَّه يسجد له من في السموات والأرض طوعًا، وهؤلاء هم الملائكة ومؤمنو الأنس والجنِّ، {وكَرْهًا} وهم الكفار والمنافقون في حالات الخوف والاضطرار، والله أعلم بطريقة سجودهم كرهًا، وهذا كقوله تعالى: {ولَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَوَاتِ والأَرْضِ طَوْعًا وكَرْهًا} [آل عمران: 83]، أي: وله يسجد ظلال الناس بالغدوِّ في الصباح وبالآصال، والآصال جمع أصيل، أي : في آخر النهار عند انكسار الأشعة وامتداد الظلال. 5- الله تعالى رب السموات والأرض ورب كل شيء وخالق كل شيء: أمر الله - تبارك وتعالى - أن يسأل المشركين، ويقول لهم: {مَن رَّبُّ السَّمَوَاتِ والأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لا يَمْلِكُونَ لأَنفُسِهِمْ نَفْعًا ولا ضَرًا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى والْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ والنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وهُوَ الوَاحِدُ القَهَّارُ} [الرعد:16]. أمر ربُّ العزَّة سبحانه ورسوله صلى الله عليه وسلم أن يسأل المشركين، ويقول لهم: من ربُّ السموات والأرض صلى الله عليه وسلم وأمره أن لا ينتظر إجابتهم، بل يسارع بالإجابة ويقول: {اللَّهُ} ثم أمره أن يتبع السؤال الأول بسؤال ثانٍ، ويقول{أَفَاتَّخَذْتُم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لا يَمْلِكُونَ لأَنفُسِهِمْ نَفْعًا ولا ضَرًا} يقول لهم: إذا كان الله تعالى هو خالق السموات والأرض، فكيف تتخذون من دون الله أولياء، أي : شركاء، وهؤلاء الشركاء لا يملكون لأنفسهم نفعًا ولا ضرًا، فالآلهة التي يعبدونها من دون الله أصنامٌ لا تنفع ولا تضر، ثم أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يتبع السؤالين السابقين بثلاثة أسئلة أخرى، {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى والْبَصِيرُ} يريد بالأعمى المشرك الكافر، والبصير المؤمن الموحِّد، والجواب: أنهم لا يستويان، وقوله: {أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ}أي: هل تستوي الظلمات والنور، والجواب أنهم لا يستويان، والسؤال الأخير {أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِه}أي: جعلوا أنداداً يعبدونهم معه، وقوله: {خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ} والجواب: أنَّ هذه الآلهة الباطلة التي جعلوها شركاء لله تعالى في عبادته، لم تشركه في الخلق، ولذلك قال ربُّ العزة:{قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ}قل لهم: إنَّ الله تعالى هو وحده خالق كلِّ شيء فهو خالق ما في السموات والأرض وما فيهما، وما بينهما، وهو خالق آلهتهم التي يعبدونها من دون الله، وهو الواحد، أي: في ربوبيته وألوهيته وفي أسمائه وصفاته، وهو الذي قهر عباده ومخلوقاته بعزَّته وجبروته. 6- مثل ضربه الله للحق والباطل والإيمان والكفر: قال ربُّ العزَّة تبارك وتعالى:{أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ} [الرعد: 17]، قال ابن جرير الطبري في تفسير هذه الآية الكريمة. «وهذا مثلٌ ضربه الله للحقِّ والباطل والإيمان به والكفر، يقول تعالى ذكره: مثل الحقِّ في ثباته والباطل في اضمحلاله مثل ماء أنزله الله من السماء إلى الأرض{فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا}يقول: فاحتملته الأدوية بمثلها، الكبير بكبره، والصغير بصغره، {فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا}يقول: فاحتمل السيل الذي حدث عن ذلك الماء الذي أنزله الله من السماء زبدًا عاليًا فوق السيل، فهذا أحد مثلي الحقِّ والباطل، فالحقُّ هو الماء الباقي الذي أنزله الله من السماء، والزبد الذي لا ينتفع به هو الباطل. والمثل الأخر: {وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ} يقول جلَّ ثناؤه: ومثل آخرٌ للحق والباطل، مثل فضَّةٍ أو ذهبٍ يوقد عليها الناس في النَّار طلب حليةٍ يتخذوها أو متاع، وذلك من النحاس والرصاص والحديد، يوقد عليه ليتَّخذ منه متاع ينتفع به {زَبَدٌ مِثْلُهُ}يقول تعالى ذكره: ومما يوقدون عليه من هذه الأشياء زبدٌ مثله، بمعنى: مثل زبد السيل لا يُنتفع به ويذهب باطلًا، كما لا يُنتفع بزبد السيل، ويذهب باطلًا، ورفع «الزبد» بقوله: {وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ} ومعنى الكلام: ومما يوقدون عليه في النار زبدٌ مثل زبد السيل في بُطولِ زبدِهِ، وبقاء خالص الذهب والفضة. يقول الله تعالى:{كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ} يقول: كما مثَّل الله الإيمان والكفر في بُطولِ الكفر وخيبة صاحبه عند مجازاة الله بالباقي النافع من ماء السيل وخالص الذهب والفضة، كذلك يُمثِّلُ الله الحقَّ والباطل. {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً} يقول: فأما الزبد الذي علا السيل، والذهب والفضة والنحاس والرصاص عند الوقود عليها، فيذهب بدفع الرياح وقذف الماء به، وتعلُّقه بالأشجار وجوانب الوادي. {وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ}من الماء والذهب والفضة والرصاص والنحاس، فالماء يمكث في الأرض فتشربه، والذهب والفضة تمكث للناس {كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ} يقول: كما مثَّل هذا المثل للإيمان والكفر، كذلك يُمثِّل الأمثال» [تفسير ابن جرير الطبري: 6/4720]. خامساً: كيف عرَّفنا ربُّنا تعالى بنفسه في هذه الآيات 1- علم الله تعالى محيطٌ بكلِّ أنثى في هذه الأرض، فهو يعلم ما تحمل كلُّ أنثى في رحمها، ويعلم ما تنقصه الأرحام، كما يعلم نمو الرحم وزيادته. 2- علم الله محيطٌ بما غاب عنَّا وما نشاهده والله تعالى الكبير المتعالي. 3- يستوي في علم الله ما أسررنا به وأخفيناه، وما أظهرناه وأبديناه، كما يستوي في علم الله الساتر لنفسه في ظلمة الليل، والمظهر لنفسه في وضح النهار. 4- وكَّل الله تعالى بنا ملائكة يحفظوننا، فلا يصل إلينا إلاَّ ما قدَّر الله أن يصل إلينا. 5- الله تعالى هو الذي خلق البرق، فنراه خائفين طامعين، وهو الذي ينشئ السحاب الثقال. 6- الرعد يسبِّح بحمد الله، والملائكة تسبح من خيفة الله تعالى، وقد يرسل الله تعالى الصواعق، فيصيب بها من شاء إصابته بها. 7- الله تعالى له دعوة الحقِّ القائمة على التوحيد، والذين يدعون من دون الله من الأصنام دعوتهم باطلة. 8- كل من في السموات والأرض يعبدون الله، ويسجدون له، طائعين أو كارهين، وكما يسجدون له تسجد له ظلالهم في الصباح والمساء. 9- الله تعالى المتفرد سبحانه بخلق السموات والأرض، وكفار قريش كانوا يقرون بذلك، ولذا فإنهم يتناقضون عندما يتخذون من دون الله أولياء. 10- ضرب الله تعالى مثلًا للحقِّ والباطل، بالماء الهاطل من السماء، فسالت الأودية والشعاب كلُّ بقدره، فاحتمل السيل الذي سالت به الوديان زبدًا رابيًا، ومثل ذلك الزبد الزبدُ الذي يظهر على صهارة الخامات المعدنية مثل خامات الذهب والفضة وغيرها التي يوقدون عليها النار، فالزبدُ الذي يحمله السيل والزبدُ الذي يعلو الصهارة يذهبُ ويزولُ، أما ما ينفع الناس، وهو الماء فيمكث في الأرض. * * * |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 11 | |||
|
![]() الموضع القرآني 35 * * * |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 12 | |||
|
![]() الموضع القرآني 36 أولًا: تقديم وخلق لنا ربُّنا الخيل والبغال والحمير لنركبها، ونتجمل بها، وأنزل لنا الماء من السماء لنشرب منه، ونسقي منه دوابَّنا، ونروي زروعنا، وسخَّر لنا الليل والنهار، والشمس والقمر والنجوم، وبثَّ لنا في الأرض ما نحتاج إليه من المنافع والمصالح , وسخَّر لنا البحر لنأكل منه اللحم الطريَّ، ونلبس مما يخرج منه من حليِّ، ونسيِّر فيه سفننا لتحملنا وتحمل تجاراتنا، وثبَّت الله العظيم الكريم سبحانه أرضنا بالجبال الرواسي، وسيَّر لنا فيها الأنهار، وجعل لنا فيها الممرات والطرقات نسير فيها مشرِّقين ومغربين، وجعل لنا فيها العلامات التي تهدينا في أسفارنا، وهدانا بالنجوم في ظلمات الليل، وهو ربُّنا تبارك وتعالى الذي لا يعدُّ ولا يحصى خلقه، ولا تعدُّ نعمه، وهو العالم بنا لا يخفى عليه شيءٌ مما نسرُّ به ونخفيه، ولا ما نعلنه ونبديه سبحانه. ثانيًا: آيات هذا الموضع من سورة النحل ثالثًا: تفسير مفردات هذه الآيات النطفة: الحيوان المنوي الذي يخلق منه الإنسان. تريحون وتسرحون: تريحون بالعودة إلى منازلكم، وتسرحون عندما تنطلقون إلى المرعى. جائر: ظالمٌ ضالٌّ. تسيمون: ترعون أنعامكم. ذرأ: بثَّ ونشر. مواخر: تشقُّ عباب الماء. تميد: تميل وتضطرب. لا جرم: حقّاً. رابعًا: شرح هذه الآيات 1- خلق الله - تبارك وتعالى السموات والأرض بالحق: عرَّفنا ربُّنا –عزَّ وجلَّ– أنَّه {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [النحل:3] وعرَّفنا سبحانه وتعالى أنَّه خلق السموات والأرض خلقًا كائنًا بالحقِّ متصفًا به، وقد سبق أن بيَّنت فيما مضى في سورة الحجر أنَّ الحق هو الذي جعل السموات والأرض معبدًا تتجاوب أرجاؤه بالتقديس والتسبيح والتحميد، ويتردَّد فيه الدعاء، وتقام فيه الصلاة، وقد نزَّه الله تعالى نفسه عمَّا يشركون، أي ما يشركونه به من الأوثان والأصنام. وأخبرنا سبحانه وتعالى أنه {خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ} [النحل:4] أي خلقه، من حيوانٍ منويٍّ ضعيفٍ، فلما نما وكبر وأصبح إنسانًا خاصم ربَّه الذي خلقه، وكذَّبه، وحارب رسله، كما قال عزَّ وجلَّ {أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ * وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} [يس:77-79]. وقد روى بسر بن جحاشٍ قال: بصق رسول الله صلى الله عليه وسلم في كفه، ثمَّ قال: «يقول الله تعالى: ابن آدم، أنَّى تعجزني، وقد خلقتك من مثل هذه؟ حتَّى إذا سوَّيتك, فعدلتُك مشيت بين بُرديك, وللأرض منك وئيدٌ, فجمعت ومنعت, حتَّى إذا بلغت الحلقوم, قلت: أتصدَّق؛ وأنَّى أوان الصدقة» ]قال محقق ابن كثير (3114): أخرجه ابن ماجه وأحمد وصحح البوصيري إسناده في الزوائد, وانظر «الصحيحة» (1099)[. وأعلمنا سبحانه وتعالى أنَّه خلق لنا الأنعام, لمصالح كثيرةٍ حدَّثنا ربُّنا عنها {وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ * وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ * وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} ]النحل: 5-8[.والأنعام هي الإبل والبقر والغنم, وقد جعل الله تعالى لنا فيها الدفء, فالبشر يصنعون من أصوافها وأوبارها وأشعارها ملابس يتجملون بها, ويصنعون ملابسهم التي تقيهم البرد, ويصنعون منها خيامهم التي تؤويهم في الحرِّ والقرِّ, وجعل لنا فيها منافع كثيرةً, وجعل لحمها طعاماً لنا, وجعل لنا فيها جمالاً حين نريح وحين نسرح, أي حين نرجع بها من المرعى عشياً, {وَحِينَ تَسْرَحُونَ} أي: غدوة حين نبعثها إلى المرعى, {وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ} والأثقال تتمثل بالأمتعة وأنواع البضائع والأثاث التي يرغب الناس بنقلها من مكانٍ إلى مكان, تحملها الإبل إلى بلادٍ بعيدة, لم نكن بالغيها إلا بشقِّ الأنفس, نسافر بها إلى الحجِّ والعمرة, أو ننتقل للتجارة أو الزيارة أو السياحة, وعقَّب ربُّنا- تبارك وتعالى- على ذلك بقوله: {إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} لرؤوف رحيم بكم, ومن أجل ذك سخر لكم هذه الأنعام. ثم أخبرنا ربُّنا- عزَّ وجلَّ- أنَّه سخَّر لنا {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} ]النحل: 8[. فالخيل والبغال والحمير تستعمل لأمرين: الأول: ركوب بني آدم لها. والثاني: أنَّ في اقتنائها وركوبها زينةً يستمتع بها أصحابها, وقوله تعالى: {وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} أي: من الوسائل التي يركبها العباد, ويتخذونها زينة, وقد يسَّر الله للبشر اختراع السيارات والطيارات (والقطارات), وطوروا السفن, وسيخترع البشر أنواعاً أخرى لمزيد من الانتفاع بها. وقوله تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ} ]النحل: 9]. ذكر الله تعالى الحيوانات من الإبل والبقر والغنم والخيل والبغال والحمير, وذكر ما فيها من المنافع, ثمَّ ذكر الطرق التي يسلكها الناس إليه, فبيَّن أنَّ منها السبيل القاصدة, وهي الطريق الموصلة إليه, وهي طريق الحقِّ, وهي متمثلة في دين الإسلام الذي سلكه أنبياؤه ورسله وأتباعهم, {وَمِنْهَا جَآئِرٌ} وهذا شامل للطرق الضالة كلها, وهي اليهودية والنصرانية والبوذية والهندوسية والمجوسية والشيوعية, وغيرها من طرق الضلال والغواية, وأعلمنا ربُّنا في خاتمة الآية أنه لو شاء لهدانا أجمعين, ولكنَّه قضى بتدبيره وحكمته أن نكون مختلفين. 2- إنزال الله- تبارك وتعالى- الماء من السماء لينبت به الزرع: أعلمنا ربُّنا- تبارك وتعالى- أنه {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ * يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} ]النحل: 10-11[. ذكر الله- تعالى- نعمته على عباده في إنزاله الماء من السماء, والمراد به إنزاله من السحاب, وقد جعل من هذا الماء النازل من السماء شراباً يشرب منه العباد ودوابُّهم ومواشيهم, ومنه تتغذى الآبار وتتدفق العيون, ومنه ما يسقي الزرع والشجر الذي فيه تسيمون أنعامكم, أي: ترعونها فيه, تقول العرب: الإبل السائمة. وبهذا الماء الواحد ينبت لنا ربُّنا الزرع والزيتون والنخيل والأعناب, ثم قال: {مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ} أي: ويخرج لكم غيرها من الثمرات, كالتفاح والبرتقال والخوخ وأنواع الفواكه, {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} أي: فيما حدثنا الله من سقينا بالماء النازل من السماء, وما ينبت به من الزروع والثمار, لآيات دالة على الله تعالى, ولكن لقوم يحسنون التدبر والتفكر والاتعاظ بهذه الآيات. 3- سخَّر الله- تبارك وتعالى- لعباده الليل والنهار والشمس والقمر: عرَّفنا ربُّنا- تبارك وتعالى- أنه سخَّر لنا ما شاء من مخلوقاته {وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ * وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ} ]النحل: 12-13[. ذكر الله- تبارك وتعالى- النعم التي لا تقوم حياتنا من غيرها, ذكر أنَّه سخَّر لنا الليل والنهار, يتعاقبان, ويتقارضان, والشمس والقمر يدوران, وسخر لنا النجوم وبثَّها في أرجاء الفضاء, وجعلها لنا نوراً وضياء, وجعلها لنا علاماتٍ نهتدي بها في ظلمات الليل, وقد حدَّثنا في غير هذا الموضع عن مساراتها ومنازلها. وقوله تعالى : {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} ]النحل: 12[ أي: في ذلك آيات لقوم يعقلون دين الله- تبارك وتعالى- ويفقهون حججه, وقوله: {وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ} أخبرنا ربَّنا عمَّا ذرأه في أرضنا من الأمور العجيبة والأشياء المختلفة من الحيوانات المختلفة والنبات والمعادن والجمادات على اختلاف أشكالها وألوانها {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ} أي: آياتٌ دالةٌ على الله سبحانه لقومٍ يذَّكرون آلاءه ونعمه, فيشكرونها. 4- الله- تبارك وتعالى- الذي سخر لعباده البحر: الله تبارك وتعالى:{وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون}. حدَّثنا ربُّنا- تبارك وتعالى- عن تسخيره البحر لنا, والبحر في هذه الأرض أكثر من اليابسة, وقد سخَّر لنا هذا البحر الشاسع الواسع المتلاطم بالأمواج, وجعل فيه الأسماك والحيتان, وأحلَّها لعباده, ولحمها طريٌّ صالحٌ للأكل, وجعل فيها الحليَّ التي نستخرجها من البحار, كما قال ربُّ العزَّة: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} ]الرحمن: 22[. ومن الآيات البحرية مسير الفلك في البحر, وهي السفن التي تمخر بصدرها عباب البحر,وقوله:{وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} أي: لتركبوا الفلك, وتسيروا فيها, متنقلين من قطرٍ إلى قطر, ومن بلادٍ إلى بلاد, لطلب الرزق, وزيارة الأصحاب والأقارب والأحباب, {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} أي: تشكرونه على نعمة وإحسانه وفضله. 5- ألقى ربُّ العزَّة الجبال في الأرض ليثبتها وأجرى فيها الأنهار: أعلمنا ربُّنا- عزَّ وجلَّ- أنَّه {وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} ]النحل: 15-16[ خلق الله تعالى الأرض فمادت, فأرساها وثبَّتها بالجبال, وسيَّر فيها الأنهار تسقي العباد والبلاد, وجعل فيها الطرق والممرات تخترق الجبال, وينتقل الناس فيها في أسفارهم, كما قال تعالى:{وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا} ]الأنبياء: 31[. وجعل ربُّنا في الأرض علاماتٍ يستدلُّ بها المسافرون على ما يقصدونه في أسفارهم, وتكون العلامة جبلاً شامخاً, أو رابيةً مدببة, أو صخرةً مفلطحةً, أو هوةً سحيقةً, أو غير ذلك. وكما جعل لنا علاماتٍ نهتدي بها في جنبات الأرض, جعل لنا النجوم لنهتدي بها في ظلمة الليل, {وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} فكثيرٌ من الناس يستطيعون تحديد مشارق الأرض ومغاربها في الليل بالتعرف على مواقع النجوم. 6- استحقاق الله تعالى العبادة وحده: أعلما ربُّنا- تبارك وتعالى- أنَّه وحده الخالق دون غيره بقوله: {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} ]النحل: 17[ فالله الذي خلق الخلق في الأرض وفي السماء هو الذي يستحقُّ أن يعبد وحده, فغيره لا يخلق شيئًا. وعقَّب الله- تبارك وتعالى- على هذا السيل الذي ساقه من النعم الكثيرة الوافرة بقوله:{وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} ]النحل: 18[ أي أنَّ العباد لا يستطيعون عدَّ نعم الله على عباده, وقد تكون في النعمة الواحدة نعمٌ كثيرة, ولذلك لا يستطيع العباد الوفاء بنعم الله كلِّها, فمن فضل الله- تبارك وتعالى- علينا أنَّه يرضى عنَّا, وإن لم نستطع أن نفيه حقَّ النعم كلِّها, و{إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} ولذلك يغفر لنا ما وقع منا من تقصير في شكر نعمه. {وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} ]النحل: 19[. أخبرنا ربُّنا- عزَّ وجلَّ- في خاتمة هذا النصِّ أنه يعلم ما نسره ونخفيه, وما نعلنه ونبديه, فعلمه بنا محيط, لا تخفى عليه خافية من أعمالنا وأقوالنا وخطرات قلوبنا. خامساً: كيف عرَّفنا ربُّنا على نفسه في هذه الآيات 2- الله- تبارك وتعالى- خلق الإنسان من نطفةٍ ضعيفة, ثم أصبح لله خصيماً. 3- خلق الله- تبارك وتعالى- لنا الأنعام, نصنع من أوبارها وأصوافها ملابسنا, التي تدفئنا, ولنا في لحومها وألبانها منافع كثيرةٌ, ومنها نأكل, ولنا فيها جمالٌ حين نذهب للراحة في المساء, وحين نغدو بها في الصباح, وتحملنا وتحمل أثقالنا إلى بلدٍ لم نكن بالغيه إلا بشقِّ الأنفس. 4- الله تعالى هو الذي خلق لنا الخيل والبغال والحمير لنركب فوق ظهورها, وجعل لنا فيه زينةً وجمالاً. 5- الله تعالى الذي أنزل لنا من السماء ماءً نشرب منه, ونسقي منه دوابنا, ويخرج به الشجر الذي نطلق فيه أنعامنا لتأكل منه. 6- ينبت الله بالغيث الذي ينزله من السماء الزرع والزيتون والنخيل والأعناب, ويخرج لنا به من كلِّ أنواع الثمار. 7- الله- سبحانه- الذي سخَّر الليل والنهار, وجعلهما يتعاقبان ويتقارضان, وخلق لنا الشمس والقمر, لنعلم عدد الأيام, ونعلم الشهور والأعوام. 8- أخرج الله تعالى لنا من الأرض شتى أنواع الفواكه والخضراوات, وجعلها مختلفة الألوان فذا ذهبيٌّ, وهذا فضيٌّ, وهذا أسود, وهذا أخضر , وهذا أصفر. 9- خلق الله تعالى البحر وسخَّره لنا, وخلق لنا فيه الأسماك والحيتان, لنأكل منه اللحم الطريَّ, وجعل فيه اللؤلؤ والمرجان, لنستخرجها من البحر, ونجعلها حليةً نتحلى بها. 10- خلق لنا ربُّنا السفن, لتسير بنا في البحار, وتحمل أثقالنا فيه, ولنسافر فيه لتجارتنا إلى مختلف بقاع الأرض 11- ألقى الله تعالى الجبال في الأرض كي لا تميد بنا, وكي تثبت وتستقرّ. 12- خلق الله لنا الأنهار تسير في الأرض مشرقةً ومغربةً, تسقينا وتسقي الدوابَّ والحقول والأشجار. 13- جعل الله تعالى ممراتٍ بين الجبال, وفي الهضاب والآكام, كي نعبُر عَبرَها عندما نتحرك من مكان إلى مكان. 14- الله يعلم ما نسرُّه ونخفيه في قلوبنا وضمائرنا, وما نظهره ونبديه من أقوالنا. 15- الآلهة التي يعبدها المشركون آلهةٌ باطلةٌ, فهي مخلوقةٌ مربوبةٌ, تُخْلَقُ ولا تَخْلُقُ, وهي ميتةٌ ليس فيها حياةٌ, وما تدري متى البعث والنشور. 16- الله- تعالى- هو الإله الواحد الذي يستحقُّ أن يعبد وحده دون غيره. * * * |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 13 | |||
|
![]() بارك الله فيك |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 14 | |||
|
![]() الموضع القرآني 37 * * * |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 15 | |||
|
![]() الموضع القرآني 38 أولًا: تقديم وكفار العرب كانوا يجعلون لمن يعبدون نصيباً من رزقهم الله, وتلك جريمةٌ سيسألهم الله عنها يوم القيامة, وكفار العرب كانوا يجعلون لله البنات, فيقولون: الملائكة بنات الله, ويكرهون أن يرزقوا البنات, فإذا رزق أحدهم بالأنثى إما أن يبقيها حيَّةً على هون, أو يقتلها بأن يدسَّها في التراب. ثانيًا: آيات هذا الموضع ثالثًا: غريب الآيات فارهبون: فخافون. تجأرون: ترفعون أصواتكم متضرعين إلى الله, لعلَّه يرفع الضرَّ عنكم. واصباً: دائماً. تفترون: تكذبون وتختلقون. يشتهون: يختارون. كظيم: الكظيم الذي امتلأ غيظاً وحنقاً, فلا يتكلم. يتوارى من القوم: يتغيب عن قومه. أيمسكه على هونٍ, أي: يبقيه حياً وهو يشعر بالذلة والهوان. مثل السوء: صفة السوء. المثل الأعلى: الصفة العليا التي لا نقص فيها. رابعًا: تفسير هذه الآيات الكريمات 1- أمر الله تعالى عباده أن ينظروا إلى ما خلق من شيء: وجَّه الله- تبارك وتعالى- أنظار عباده إلى النظر إلى ما خلق من شيءٍ يُتفيَّؤ ظلاله عن اليمين والشمائل سجَّداً لله, فقال: {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ * وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ * يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} ]النحل: 48-50[. قال ابن جريرٍ في تفسيره: «أو لم ير هؤلاء الذين مكروا السيئات إلى ما خلق الله من جسمٍ قائمٍ شجرٍ أو جبلٍ أو غير ذلك يتفيأ ظلاله عن اليمين والشمائل, يقول: يرجع من موضع إلى موضع, فهو في أوَّل النهار على حال, ثم يتقلَّص, ثم يعود إلى حالٍ أخرى في آخر النهار» ]تفسير الطبري: 6/4988[. وقال ابن الجوزي: «قوله تعالى:{إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ} أراد من شيء له ظلٌّ, من جبلٍ, أو شجرٍ, أو جسمٍ قائمٍ {يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ} وهو جمع ظل, وإنما جمع وهو مضاف إلى واحد, لأنه واحدٌ يراد به الكثرة. قال ابن قتيبة: ومعنى يتفيَّأ ظلاله: يدور ويرجع من جانبٍ إلى جانب, والفيء: الرجوع, ومنه قيل للظل بالعشيِّ: فيئٌ لأنه فاء عن المغرب إلى المشرق. قال المفسرون: إذا طلعت الشمس وأنت متوجه إلى القبلة, كان الظلُّ قُدَّامك, فإذا ارتفعت كان عن يمينك, فإذا كان بعد ذلك كان خلفك, وإذا دنت للغروب كان على يسارك, وإنما وحّد اليمين, والمراد به: الجمع, إيجازاً في اللفظ, كقوله تعالى: {وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} ]القمر: 45[, ودلّت «الشمائل» على أن المراد به الجميع, وقال الفراء: إنما وحَّد اليمين, وجمع الشمائل, ولم يقل: الشمال, لأنَّ كل ذلك جائز في اللغة» ]زاد المسير: 4/452[. وقوله تعالى:{سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ} أي: يسجدون لله رب العالمين, وهم داخرون, أي: صاغرون. ثم أخبر ربُّ العزَّة- سبحانه- عن سجود الدواب والملائكة لله تعالى {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} ]النحل: 49[. وهذا الكون كل ما فيه يسجد لله ربِّ العالمين, كما قال تعالى:{وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا} ]الرعد: 15[, وقال: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} ]الحج: 18[, ونحن نعلم أن المخلوقات التي عدَّها ربُّنا وغيرها تسجد له حقيقةً, ولكننا لا نعرف كيف تسجد, كما قال الله تعالى في تسبيح الكائنات {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} ]الإسراء: 44[. وقد كانت الجبال والطير يسبحن مع نبي الله داود عليه السَّلام {وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ} ]الأنبياء: 79[ وأخبرنا ربُّنا- عزَّ وجلَّ- أنَّ الرعد يسبح بحمده {وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ} ]الرعد: 13[. وأخبرنا ربُّنا العليم الحكيم سبحانه أنَّ الملائكة تسبح بحمده وهم لا يستكبرون, وأنهم {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} ]النحل: 50[. فالملائكة الكرام مع ما أعطاهم من قوى وقدراتٍ, لا يملك مثلها أحد من أهل الأرض يخافون ربَّهم من فوقهم, وهم يديمون طاعة ربِّهم, وكلُّ ما أمرهم به فعلوه من غير تقصير. 2- نَهْيُ الله عباده عن اتخاذ إلهين اثنين: نهى الله- تعالى- عباده أن يتخذوا إلهين اثنين, وقرَّر سبحانه وتعالى أنَّ الإله الذي يستحقُّ العبادة إلهٌ واحدٌ {وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} ]النحل: 51[. نهى الله تبارك وتعالى عن اتخاذ إلهين اثنين, ثم أثبت أنَّ الإلهية منحصرة في إلهٍ واحدٍ, وهو الله سبحانه, ثمَّ أمر الله سبحانه بالخوف منه وحده {فإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} أي: ولا تخافوا المعبودات الباطلة التي كان يعبدها المشركون. وقوله تعالى: {وَلَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} ]النحل: 52[ أي: هو مالكهما وخالقهما سبحانه, {وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا} ]النحل: 52[ أي: الدينونةُ لله ربِّ العالمين, وقوله: {وَاصِبًا}, أي: دائماً, ومنه قوله تعالى: {وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ} ]الصافات: 9[ أي: دائمٌ. وقوله تعالى:{أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ} ]النحل: 52[ أغير الله تتقون عذابه وعقابه؟ ثم قرر ربُّ العزَّة في خطابه عباده أنَّ كلَّ النعم التي تحيط بنا هي من ربِّنا وحده سبحانه, {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} ]النحل: 53[. والنعم قد تكون دينية, وهي معرفة الحقِّ والعمل به, وإما دنيوية نفسانية أو بدنية, أو هي خارجية وهي تتمثل في الأولاد والأزواج والزروع والحرث ومتاع الدنيا, ونعم الله تعالى تحتاج إلى شكر. وقوله:{ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ} ]النحل: 53[, أي: إذا أصابتنا المصائب, ونزلت بنا الدوائر, فإلى الله تعالى نجأر, أي: ترفعون أصواتكم مستغيثين به سبحانه متضرعين له, لعلمكم أنَّه وحده الذي يستطيع رفع الضرِّ عنكم. وأخبرنا عن حال الكفار إذا رفع الضر عنهم, فقال:{ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ} ]النحل: 54[. أي: إذا رفع ربُّ العزَّة الضرَّ الذي نزل بعباده سبحانه {إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ} أي: إذا جماعةٌ من العباد الذين أخلصوا دينهم في حال نزول الضرِّ بهم يشركون في حال رفعه الضرَّ عنهم, وهذا الذي فعله هؤلاء أمر مستغربٌ منه, متعجبٌ منه, فهؤلاء بعد أن وحّدوا كفروا {لِيَكْفُرُوا بِمَا آَتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} ]النحل: 55[ أي: ليكفروا بما آتاهم الله تعالى من كشف الضرِّ, وقوله: {فَتَمَتَّعُوا}أي: بدنياكم, فإنَّها قليلةٌ فانيةٌ و {فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} عندما تصيرون إلى يوم الدين, وينزل بكم العذاب. 3- كفار أهل مكة يجعلون لأصنامهم نصيباً مما رزقهم الله تعالى: أخبرنا ربُّنا العليم الحكيم أنَّ مشركي أهل مكَّة {يَجْعَلُونَ لِمَا لَا يَعْلَمُونَ نَصِيبًا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ تَاللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ} ]النحل: 56[. أخبرنا ربُّنا تبارك وتعالى أنَّ هؤلاء الكفار يجعلون للأصنام والأوثان التي لا تعقل, ولا تعلم, ولا تضر, ولا تنفع, يجعلون لها نصيباً من أموالهم وأنعامهم التي رزقهم الله تعالى إياها,{تَاللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ} أقسم ربُّ العزَّة سبحانه وتعالى بذاته الكريمة, على أنَّهم سيسألون يوم القيامة عما كانوا يفترونه, وهذا السؤال سؤال توبيخ وتقريع, والمراد به أن يعترفوا على أنفسهم في ذلك اليوم, لأنَّ سؤال التوبيخ هو الذي لا جواب لصاحبه إلا ما يظهر فيه فضيحته. وقوله: {تَفْتَرُونَ} أي: تقوَّلونه على الله تبارك وتعالى. 4- كان أهل الجاهلية ينسبون لله سبحانه البنات وينسبون لأنفسهم الذكور: أخبرنا ربُّنا- عزَّ وجلَّ- أنَّ قبائل من عرب الجاهلية كانوا يجعلون البنات لله, ويجعلون لأنفسهم ما يشتهونه:{وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ} ]النحل: 57[. وهذا من إفكهم وضلالهم, فقد كانوا يزعمون أنَّ الملائكة بناتُ الله تعالى الله عما يقولون {أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ * وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} ]الصافات: 151-154[. وقوله تعالى{وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ} أي: يختارون لأنفسهم الذكور, ويأنفون من البنات, وأخبرنا ربُّنا- عزَّ وجلَّ- أنه {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} ]النحل: 58-59[. أخبرنا ربُّنا- عزَّ وجلَّ- أن الواحد من أهل الجاهلية إذا رزقه الله تعالى بالأنثى, وبُشِّر بها, امتلأ قلبه غيظاً, وأصابه النكد والهمُّ, وتغيَّرت ملامح وجهه, وتعكَّرت, وظهرت عليه علامات الاكتئاب, وأصبح كظيماً, والكظيم الذي امتلأ غيظاً وحنقاً, فلا يتكلم. وتراه {يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِه} أي: تراه يتغيَّب عن قومه, ويختفي منهم, من سوء العار الذي بشِّر به, وأصبح الواحد منهم بين حالين تجاه هذه الوليدة, الأولى: أن يمسكها على هونٍ, أي: على هوانٍ, والثانية: أن يدسَّ هذه الوليدة في التراب, وهذا الذي كان يعرف عند أهل الجاهلية بالوأد, يقتلون الصغيرة بدفنها حيَّةً. وقال ربُّ العزَّة سبحانه معقباً {أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} والحكم الذي حكموا به, وذمَّهم الله تعالى به هو نسبتهم البنات اللواتي يكرهونهن إلى ربِّ العزَّة, ألا بئس الحكم الذي حكموه. من جعل البنات لله ولهم الذكور. وقرَّر ربُّ العزَّة- سبحانه وتعالى- أنَّ {لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعزَّيزُ الْحَكِيمُ} ]النحل: 60[. قرر- سبحانه- أنَّ هؤلاء القوم الذين نسبوا إلى الله- تعالى- البنات, وهم لا يؤمنون بالآخرة لهم مثل السوء, أي: صفة السوء, ومن أمثلة السوء التي يستحقها هؤلاء ما ضربه الله من الأمثال للأصنام وعبدتها, والله تعالى له المثل الأعلى, أي: الصفة العليا, فالله تعالى كمالٌ لا نقص فيه, فالله تعالى واحدٌ أحدٌ, فرد صمدٌ, لم يلد ولم يولد, ولم يكن له كفواً أحد, والله واحد في ذاته, واحد في صفاته, لا يشبهه شيءٌ, ولا يماثله شيءٌ, سبحانه. خامساً: كيف عرَّفنا ربُّنا بنفسه في هذه الآيات الكريمات 1- الظلال تسجد لله تعالى, ظلال الناس والأشجار والجبال وغيرها. 2- الله تعالى هو الإله الذي لا يستحقُّ العبادة غيره, فلا يجوز للبشر أن يعبدوا غيره. 3- الله تعالى له ما في السموات وما في الأرض, لا يَشركُه معه فيهما غيره, وله سبحانه الدين وحده, فلا يجوز الدينونةُ لغيره. 4- كلُّ النعم التي في الإنسان, والنعم التي تحيط بالإنسان في الأرض وفي السماء من الله تعالى وحده. 5- المشركون يفردون الله بالالتجاء إليه إذا أصابهم الضرُّ, فإذا رفع الله عنهم ما أصابهم من الضرِّ أشركوا. 6- يجعل المشركون مما رزقهم ربُّهم تبارك وتعالى من الحبوب والثمار والأنعام نصيباً لآلهتهم, يتقربون إليهم بها, وليسألنَّهم الله تعالى يوم القيامة عمَّا يفترونه ويختلقونه. 7- يزعم كفار العرب أنَّ الملائكة بنات الله, في الوقت الذي يكرهون نسبة البنات إليهم, فإذا بشِّر أحدهم بالأنثى ظلَّ وجهه مسوداً وهو كظيم. * * * |
|||
![]() |
![]() |
الكلمات الدلالية (Tags) |
الله, جيدة, عباده, نفسه |
|
|
المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية
Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc