السعودية و الخطر القادم.
موقع الدكتورة مضاوي الرشيد.
............
اصبح القضاء الممثل لاجهزة الدولة و الحل الامني و سيلتين بيد السلطة السعودية لمواجهة ازمتها الوجودية الحالية.
تبدو القيادة السعودية عاجزة عن ابتكار حلول جديدة لمواجهة هذا الاحتقان، رغم مبادرات تحسين الوضع الاقتصادي و الخدمات و الاعانات و استيعاب البطالة و ترديد مقولات تربط المطالب الاصلاحية الداخلية باجندات خارجية، و رغم ان الاقتصاد السعودي يظل اقوى اقتصاديات المنطقة الا انه ليس البديل عن الاصلاح السياسي الفعلي و ليس الشكلي.
و فشلت مقولات النظام انه النظام الوحيد السلفي السني و ان دستوره القرآن و انه الوحيد الذي يطبق الشريعة في امتصاص المطالبة بالاصلاح، حيث ان اكبر المشككين في هذه المقولات جاءوا من العمق السعودي المعروف بسنيته و سلفيته و ليس من الطرف الآخر الشيعي المنادي بتفعيل مفاهيم حق المواطنة للجميع و المساواة في الفرص و الحقوق و الواجبات.
تحت ضغط هذه المطالب السنية و الشيعية رغم اختلاف منطلقاتها و مطالبها الا انها تشير الى تآكل شرعية الخطاب التسلطي السياسي ـ الديني الذي يفرضه النظام كسردية تضمن بقاءه على حاله من دون التجديد و التغيير في الممارسة السياسية.
انطلاق الخطاب المضاد للسلفية الرسمية المشرعنة لنظام الاستبداد و تبلور مصطلحاته التي تستحضر مفاهيم جديدة و معاني دفنت في السابق تتعلق بالامة و دورها و استقلال القضاء عن السياسة و متطلباتها كضمان للعدل و ربط الشورى بمجلس امة منتخب قد تبدو مصطلحات جديدة على الساحة السعودية، الا انها تروج اليوم و تبرز بشدة و قوة لن يستطيع خطاب المؤسسة الدينية الرسمية ان ينافسها او يحتويها مهما خرجت فتاوى و خطب ضدها، و يبدو ان هذا الخطاب الجديد هو ما تخافه السلطة السياسية، حيث ليس من السهل وصمه بالتغريب او العمالة للخارج او التبعية لاجندات همها تمزيق الوحدة الوطنية، كذلك هي لن تستطيع ان تفنده مستعينة بوصمة الخوارج، التي دأب النظام على استحضارها ضد من ينتقده، رغم ان انتقاده قد يكون سلميا بحتا.
..............
و لم يعد احد يصدق وصمة الخوارج و الذين خرجوا على خلفاء راشدين و ليس اسرة ابتعدت عن نهج السابقين و تصدت لمطالب الاصلاح بقضاء تبعيته للنظام و ليس لشرع، و المفروض ان يكون فوق النظام و مصالحه الآنية، او بالحل الامني في مواجهات مظاهرات تبدأ سلمية و تنتهي بسفك الدماء و مزيد من القتل و التشكيك بالولاء.
و ان كان النظام في السابق استغل المعضلة الشيعية لكسب ولاء الاكثرية الا ان مثل هذه الاساليب القديمة قد لا تنجح في المستقبل مع تبلور رؤية مغايرة تعتبر المعضلة جزءا لا يتجزأ من تبعيات الحكم التسلطي و الاستئثار بالسلطة.
و اكثر ما يخيف النظام الخطاب الوطني الذي يتجاوز حدود الطائفة و القبيلة و الهوية الضيقة ليصيغ رؤية شاملة للاصلاح السياسي تتجاوز نظرة النظام للمعضلة بشقيها السني و الشيعي. و ان كان الخطاب الطائفي الموجه ضد الشيعة قد نجح الى حد ما في تأجيل المواجهة مع الاكثرية السنية، خاصة تلك المتطلعة لاصلاح سياسي و نقلة نوعية للحكم نجد ان محاكمة مجموعة جدة قد فتحت الباب على مصراعيه لتأجيج المطالب الاصلاحية بدلا من تأجيلها.
و لم تصمت الاصوات الاصلاحية مقابل التلويح بالخطر الخارجي و تهديد الامن التي اصبحت فارغة من معناها و طالما ظل النظام متمسكا بمفهوم ضيق للامن يحصره في امنه هو و ليس امن المجتمع ككل، سترتفع هذه الاصوات و تصعد من مطالبها، خاصة انها مهددة اما بالرصاص الحي او احكام بالسجن في قاعات المحاكم السعودية.
..............
المرحلة القادمة.
ربما تبرهن المرحلة القادمة استفاقة المجتمع من عقود طمست و حاربت حراكه و طموحاته و لن يستطيع النظام ان يبقى متحجرا يعتقد ان توزيع الشيء البسيط من الثروة سيكفل الصمت الى الابد و يمتص المطلب السياسي المشروع، حيث خرجت مطالب الاصلاح ليس من المعدومين و المهمشين و العاطلين عن العمل، بل من شخصيات تعيش حالة اقتصادية مقبولة لكن طموحاتها تتجاوز المأكل و الملبس الى المطالب الحقوقية المدنية و السياسية و هي لا تعتمد في مرجعيتها على خطاب مستورد من السهل وصفه بالخطاب الذي لا يصلح لمجتمع مسلم محافظ، بل هي تنهل من نفس التراث الديني و تستنبط منه تفسيرات تغاير تلك التي تحتضنها السلطة السياسية تحت سقف مؤسساتها الدينية و التربوية.
و قد وصل هؤلاء الى نتيجة حسمت الموقف من السلطة التعسفية و ربيبتها الدينية و اصبح انتقاد الاثنتين جزءا مهما في فضح الاستبداد تحت مظلة شرعية لا يستفيد منها الا اقلية لا زالت تردد خطاب الطاعة خوفا على مصالحها المرتبطة بالنظام و اخرى تستفيد من الحلف السياسي الديني الذي يوفر لها فرصا انتهازية و حظوة اقتصادية قائمة على علاقات زبونية مع رموز النظام.
............
تبدو السعودية مقبلة على مرحلة مفصلية و مفترق طرق لا يصعد في خطورتها الا ممارسات النظام التعسفية ضد النشاط والحراك السياسي و قد تصبح خياراته محدودة تنحصر في احكام قضائية جائرة و مواجهات امنية دامية تزيد من الاحتقان في المستقبل، و من الصعب تبني نظرة متفائلة تجاه النظام، خاصة انه اثبت مرارا عدم استجابته للاصلاح السياسي و تمسكه باساليب القمع المعروفة و سيجد نفسه يتحول الى نظام فئوي صاحب قاعدة شعبية ضيقة، خاصة ان شرعيته تتآكل في شرق البلاد و غربها مما سيفتح الباب على مصراعيه لحركات أكثر فتكا بالوحدة الوطنية و اللحمة الاجتماعية.
و ان لم يتدارك النظام السعودي هذه الفرضية فسيكون المسؤول الاول و الاخير عن حالة فوضى يصعب امتصاصها في المستقبل مهما تصاعدت وتيرة الحلول الامنية و تسارعت محاكم النظام في ادانة المصلحين، مستعينة بسرديات لم تعد مقنعة لشريحة كبيرة في المجتمع.
و سيكون تعنت النظام من جدة الى القطيف متسببا في مأساة وطن.
.......................
* كاتبة و اكاديمية من الجزيرة العربية.
www.madawialrasheed.org