الله يحدث عباده عن نفسه - الصفحة 2 - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم الكتاب و السنة

قسم الكتاب و السنة تعرض فيه جميع ما يتعلق بعلوم الوحيين من أصول التفسير و مصطلح الحديث ..

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

الله يحدث عباده عن نفسه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2014-12-21, 10:22   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
seifellah
عضو متألق
 
الصورة الرمزية seifellah
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز مميزي الأقسام 
إحصائية العضو










افتراضي

الموضع القرآني 13

شهد الله أنه لا إله إلا هو




قال جلَّ جلَّاله: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعزَّيزُ الْحَكِيم} [آل عمران: 18].


عرَّفنا ربُّنا- تبارك وتعالى- أنَّه شهد لنفسه بالوحدانية، وأنه هو المعبود الذي لا يستحقُّ العبادة أحدٌ غيره، والشهادة تقوم على العلم، وهو سبحانه هو الأعلم بنفسه، فلا أحد أعلم منه بذاته ولا بأفعاله وصفاته، وقرن الله بشهادته لنفسهه بالوحدانية شهادة ملائكته وشهادة أولي العلم {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعزَّيزُ الْحَكِيم} [آل عمران: 18].


والملائكة أعلم الخلق بالله تعالى، فهم أعظم اطلاعًا على آيات الله من البشر، وإيمانهم بالله أعظم من إيمان كثير من الناس، والراسخون في العلم الذين يعلمون آيات الله عندهم من المعرفة والعلم ما استحقوا به أن يقرن الله شهادتهم بشهادته، وتلك منقبةٌ عظيمةٌ وميزةٌ فاضلةٌ.


وقد شهد الله لنفسه بالتوحيد في حال قيامه بالقسط، أي: بالعدل، والقسط وضع الشيء موضعه، وأعظم العدل التوحيد، كما أن أعظم الظلم الشرك، {قَائِمًا بِالْقِسْطِ} [آل عمران: 18].


وقد أكد التوحيد الذي شهد لنفسه به بقوله: {لَا إِلَهَ إِلَّا هُو} [آل عمران: 18]، وختم الآية باسمين عظيمين هما {الْعزَّيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران: 18]، والعزَّيز القوي الغالب، و{الْحَكِيم} في أقواله وأفعاله سبحانه.


وشهادة الله تعالى لنفسه بالوحدانية دل عليها القرآن الكريم، في آيات كثيرة، وقد صرف الله تعالى القول في هذا الموضع تفصيلًا لا مزيد عليه، وأقام على بيان هذه الحقيقة من الآيات في الأرض والسموات الكثير الكثير، وقد تقدم العلم اليوم، فكشف من العلم الذي تجلَّى في آيات القرآن ما حارت به العقول، وأعجز الألباب، بل أقام الله تعالى في مخلوقاته عجائب لم يزل البشر يرونها ويشاهدونها، وفيها دلائل تدلُّ على شهادة الله لنفسه بالوحدانية، سبحانه وتعالى.









 


رد مع اقتباس
قديم 2014-12-21, 10:34   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
seifellah
عضو متألق
 
الصورة الرمزية seifellah
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز مميزي الأقسام 
إحصائية العضو










افتراضي

الموضع القرآني 14

الله تعالى مالك الملك يؤتي الملك من يشاء




أولًا: تقديم


عرَّفنا ربُّنا نفسه في هاتين الآيتين في صورة دعاءٍ أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يدعو به، وهو دعاء لطيف موفق معجب، لا يمل المرء من الدعاء به، وترديد عباراته، والتأمل في معانيه.




وهو يُعرِّفنا بربِّنا سبحانه، فيرينا إيَّاه ويده تعمل في المجتمع الإنساني على مرِّ الدهور والأزمان، يذلُّ أقوامًا، ويقهرهم، ويعلي شأن آخرين ويعزَّهم، وكما يصرف الله أمور عباده على هذا النحو، يصرف أمر هذا الكون الواسع العريض، فيولج الليل في النهار، ويولج النهار في الليل، ويخرج الحيَّ من الميت ويخرج الميت من الحيِّ ويرزق من يشاء بغير حساب، إنه الله سبحانه.




ثانيًا: آيات هذا الموضع من القرآن من سورة آل عمران


{قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعزَّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [آل عمران: 26- 27].




ثالثًا: تفسير آيات هذا الموضع من القرآن


اللهم: يا الله.
تنزع، أي: تقبضه وتخلعه.
تُعِزُّ من تشاء: ترفعه وتعلي شأنه.






رابعًا: شرح آيات هذا الموضوع من كتاب الله تعالى



عرَّفنا ربُّنا- تبارك وتعالى- بنفسه في هاتين الآيتين في هذا الموضع، فهو الذي يصرف الملك في عباده، وكما يصرف الملك في عباده فهو الذي يصرف الأمر في كونه تبارك وتعالى.




قال تعالى معرفًا عباده أنه يصرف الملك فيهم: {تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعزَّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} أي: أن الملك بيده سبحانه في الدنيا، يصرفه في عباده كيف يشاء، فيؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعزَّ من يشاء، ويذل من يشاء، ومن تصفح كتب التاريخ في القديم والحديث رأى مصداق ما حدَّثنا الله به في هذه الآية، فالدول كالأفراد، تنشأ وليدةً، ثم ترتقي شيئًا فشئيًا، ثم تصبح في غاية القوة والعنفوان، ثم تتلاشى وتزول، وقد جاء الله بالإسلام، فأزال المسلمون عروش الأكاسرة والقياصرة، وامتدت الدولة الإسلامية، وانهارت عروشٌ كثيرة، وحكم الخلفاء الراشدون، ثم جاء الأمويون والعباسيون، وأخيرًا جاء العثمانيون، وزال العثمانيون، وجرت بعد ذلك خطوب وأهوال، وقدر الله ماضٍ في عباده.




وكما يصرف الله الملك في عباده، فهو وحده مصرف الأمر في كونه، {تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [آل عمران: 27].






ومن تصريف الله كونه بإرادته أنه يولج الليل في النهار، ويولج النهار في الليل، فهما من جهة متعاقبان، ومن جهة أخرى متقارضان يأخذ الليل من النهار، ثم يأخذ النهار من الليل، وقد يتعادلان.




وهو سبحانه يخرج الحيَّ من الميت، ويخرج الميت من الحي، فهو سبحانه ينزل الماء من السماء، فيحيي الأرض بعد موتها {فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} [فاطر: 9] ونحن نشاهد الماء ينزل على الحب والنوى في باطن الأرض، فتتشقَّق الأرض، وينبت الحبُّ، ويورق، ويخضرُّ ويثمر {إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} [الأنعام: 95] وهذا النبات الحيُّ يخرج من الحبِّ الميت، وصور الإحياء والإماتة في الأرض كثيرةٌ، فمن النطفة والبويضة يخلق الإنسان، ومن البيضة الميتة تتكون الطيور، ومن الطيور الحية تكون البيضة.




ومن ألوان التصريف في الخلق أنه سبحانه يرزق من يشاء بغير حساب، فيمدُّ بعض عباده بالمال الكثير، الذي لا يعدُّ، ولا يحصى، وقد يضيِّق على آخرين، كل ذلك وفق مشيئته وحكمته وتقديره.




خامساً: كيف عرَّفنا ربُّنا تبارك وتعالى بنفسه



عرَّفنا ربُّنا- عزَّ وجلَّ- في هاتين الآيتين بنفسه فذكر:




1- أنَّه يؤتي الملك من يشاء إيتاءه إيَّاه، ويقبضه وينزعه ممن يشاء نزعه منه، وقد رأينا في أيامنا التي عشناها مثل هذا، رأينا الدول القويَّة تسنَّمت قمة الملك في أيامنا، ورأيناها وقد زالت وضعفت، ورأينا من الأفراد من آتاه الله الملك، ورأينا من الأفراد والأسر من زال عرشه وزال ملكه.




2- وكما يصرِّف الله- تعالى- الملك في عباده، فإنه يصرف الأمر في كونه، فإنه هو سبحانه الذي يدخل الليل في النهار، ويدخل النهار في الليل، فهما يتعاقبان ويتقارضان.




3- الله تعالى يخرج الحيَّ من الميت، ويخرج الميت من الحيِّ، فمن الحبَّة الصماء تخرج النبتة الخضراء، ومن البيضة الجامدة يخرج العصفور المغرِّد، ويخرج من النبتة الخضراء الحبوب الميتة، ويخرج من الدجاجة الحية البيضة الميتة.




4- الله تبارك وتعالى يرزق من يشاء رزقه بغير حساب، فينزل على أقوام المطر، فينبت لهم النبات، ويخرج لهم الأشجار، ويرزق أقوامًا المال حتى تفيض به خزائنهم.




* * *













رد مع اقتباس
قديم 2014-12-21, 10:37   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
seifellah
عضو متألق
 
الصورة الرمزية seifellah
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز مميزي الأقسام 
إحصائية العضو










افتراضي

الموضع القرآني 15

نصرُ الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم وأصحابه في غزوة بدر




أولًا: تقديم


عرَّفنا الله ربُّنا في هذه الآيات الكريمات عن فعله في نصرة عباده في غزوة بدر الكبرى، وقد كانوا قليلي العدد، وقليلي الخيول والسلاح، فأنزل عليهم الملائكة من عنده، ونصرهم وأعلى كلمتهم، وكبت الكافرين وأذَّلهم وشردهم.




ثانيًا: أيات هذا الموضع من سورة آل عمران


{وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ * بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعزَّيزِ الْحَكِيمِ * لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ * لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ * وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيم} [آل عمران: 123- 129].




ثالثًا: تفسير مفردات هذا الموضع من الآيات


بدرٌ: هي اليوم مدينة على ساحل البحر الأحمر بين مكة والمدينة، وكانت قديمًا بئرًا يستقى منها الماء.
اتقوا الله، أي: خافوه، واعملوا بطاعته بفعل أمره واجتناب نهيه.
منزلين، أي: منزلين من عند الله تعالى.
مسوِّمين، أي: معلمين، أي: أعلموا أنفسهم وخيولهم بعلامات واضحات.
ليقطع طرفًا: جزءًا أو جانبًا منهم، والقطع القتل أو الأسر.
يكبتهم، أي: يهزمهم، ويغلبهم، ويصرعهم.






رابعًا: شرح الآيات التي عرَّفنا فيها ربُّنا بنفسه


هذه الآيات الكريمات عرَّفنا ربُّنا- تبارك وتعالى- فيها بنصره لرسوله صلى الله عليه وسلم ولأصحابه في غزوة بدر، وكيف أمدهم بالملائكة، وقد جعل الله تعالى إمدادهم بالملائكة بشرى للمؤمنين، ولتطمئن قلوبهم به، وإلا فإنه سبحانه قادر على نصر المؤمنين بكلمة واحدة منه، فهو على كل شيءٍ قدير.





وقد أعلمنا ربُّنا أنَّ رسوله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه في أول المعركة أن الله سيمدهم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين من عند الله تعالى وعقَّب الله- تعالى- على ذلك بأنهم إن صبروا في ميدان القتال، واتقوا الله ربهم فإنه سيمدهم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين، ولا شك أن الله قد أمدهم بما وعدهم به، فإن الله لا يخلف الميعاد.




وعرَّفنا ربُّنا في آيات هذا الموضع أنَّ له سبحانه ما في السموات وما في الأرض، وأنه يغفر ذنوب من يشاء من عباده، ويعذِّب من يشاء منهم، فالله يملكهم، وهو يتصرف فيهم كما يشاء، بما شاء سبحانه.




خامساً: كيف عرَّفنا ربُّنا بنفسه في هذا الموضع من الآيات




عرَّفنا ربُّنا- عزَّ وجلَّ- في هذه الآيات بنفسه، وعرَّفنا أنَّه سبحانه:
1. نصر رسوله صلى الله عليه وسلم وصحابته- رضوان الله عليهم- في غزوة بدر، وكان عددهم قليلًا، وركابهم وسلاحهم قليلًا أيضًا.
2. أمد الله تعالى المؤمنين في غزوة بدر بالملائكة، فجبر كسرهم، وكثر جمعهم، وأدالهم على عدوهم، وجعلهم من المنصورين.
3. الله- تبارك وتعالى- له ملك السموات والأرض، وهو غفار الذنوب، يغفر لمن يشاء، ويعذب من يشاء.




* * *











رد مع اقتباس
قديم 2014-12-21, 22:30   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
amirs
محظور
 
إحصائية العضو










افتراضي

بارك الله فيك









رد مع اقتباس
قديم 2014-12-22, 12:47   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
seifellah
عضو متألق
 
الصورة الرمزية seifellah
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز مميزي الأقسام 
إحصائية العضو










افتراضي

الموضع القرآني 16

لله ملك السموات والأرض




أولًا: تقديم


هاتان الآيتان من آخر سورة آل عمران اللتان عرَّفنا فيهما ربُّنا بنفسه، كانتا محلَّ عناية الرسول صلى الله عليه وسلم، فإنه كان إذا قام يتهجدُ من الليل أخذ يمسح وجهه من النوم، وهو يقرأ العشر الآيات الأخيرة من خاتمة آل عمران وهاتان الآيتان فيهما [البخاري: 4570. ومسلم: 763].




ثانيًا: الموضع القرآني الذي عرَّفنا فيه ربُّنا بنفسه
في سورة آل عمران


{وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ربُّنا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران: 189- 191].




ثالثًا: تفسير المفردات في هذا الموضع من الآيات


اختلاف الليل والنهار: تعاقب الليل والنهار.
الآيات: العلامات الدالاّت على الله.
أولي الألباب: أصحاب العقول.




رابعًا: شرح آيات هذا الموضع


عرَّفنا ربُّنا تبارك وتعالى في هذه الآيات بنفسه، وعرَّفنا- سبحانه- بأنَّ له وحده ملك السموات ولأرض لا يشركه في ذلك أحد {وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} وأعلمنا ربُّنا أنه سبحانه على كل شيء قدير {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير}.


وأخبرنا ربُّنا العزيزُ العليمُ سبحانه وتعالى أنَّه أبدع السموات والأرض على غير مثال سابق، وأحكم خلقهما، وخلق ما فيهما على نحو بديع لا مثيل له، انظر إلى ما حدَّثنا الله به عن السموات في قوتها وارتفاعها واتساعها، وجعلها سبعًا طباقًا، وزينها بالنجوم النيرات، وانظر إلى ما حدَّثنا به عن الأرض، وسهولها وجبالها، وبحارها وأنهارها، وحيواناتها وأشجارها ونباتها، وانظر كيف يتعاور عليها الليل والنهار، وكيف يأخذ كلُّ واحد منهما من الآخر، فهما يتعاقبان، ويتقارضان، وقال في هذا الموضع: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [آل عمران: 190].


وما من شيءٍ تقعُ عليه العينُ في هذا الوجود إلا وفيه آيةٌ تشهد لخالقه بالإبداع.


وفي كلِّ شيءٍ لَهُ آيةٌ




تدلُّ على أنَّه واحدُ


وقد أخبرنا أنَّ الذي يدركُ هذه الآياتِ الدالةِ على بديعِ صنع الله هم أولو الألباب، أي: أصحابُ العقول الزاكية الوافية، أمَّا الكفرة الفجرة فإنهم يمرون على هذه الآيات، ولا يعتبرون بها، ولا يتعظون {وَكَأَيِّنْ مِنْ آَيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ} [يوسف: 105].


وأخبرنا ربُّنا- سبحانه- أنَّ أولي الألباب هم {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} ويقولون: {ربُّنا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّار} [آل عمران: 191].


فأصحاب العقول الزاكية الوافية يدركون آيات الله التي بثَّها في الكون، ويشغلون ألسنتهم بذكر الله من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير في كل أحوالهم، فالإنسان في دنياه إمَّا أن يكون قائمًا أو قاعدًا أو مضطجعًا، وهم يذكرون الله في هذه الأحوال الثلاث، كما قال تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ} [النساء: 103].


ومع إدراك أولي الألباب لآيات الكون، وذكرهم لله بألسنتهم، يتفكرون في خلق السموات والأرض فينظرونَ {إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} [الغاشية: 17- 20]. وانظر إلى ما أمرنا الله سبحانه بالنظر إلى السموات والأرض لنتعرف على آياته في قوله: {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ * وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ * وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ * وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ} [ق: 6- 10].


وهذا التفكيرُ في خلق السموات والأرض الذي هدى الله إليه أُولي الألباب، أوصلهم إلى نتيجةٍ عظيمة، فهذا الخلقُ للسموات والأرض المبدَع المحكم لابدَّ أن يكون لغايةٍ محمودةٍ، ولا يمكن أن يكون الله قد خلقهما عبثًا، ولهوًا ولعبًا، وقد أبان الله في أكثر من آيةٍ أنَّه خلقهما لتكون الأرض معبداً لله وحدَه، فإياه نعبدُ، وله نُصلِّي ونسجدُ، ولذلك فإن أولي الألباب يقولون: سبحانَك، أي: ننزهك، ونقدِّسك عن كلِّ سوء يا ربَّنا، فقنا عذابَ النار، أي: جنبنا عذاب النار، وإنَّما يكون ذلك بعبادةِ الله وطاعته.


خامساً: كيف عرَّفنا ربُّنا بنفسه في هذه الآيات



عرَّفنا ربُّنا تبارك وتعالى بنفسه في هذه الآيات، وأعلمنا أنَّه سبحانه:


1- له ملك السمواتِ والأرض، فليس لأحدٍ من ملكهما شيءٌ، وما يدَّعيه المشركون أنَّه آلهةٌ من دون الله تعالى هو في الحقيقة مخلوقٌ مملوك لله من الأصنام والأوثان والشمس والقمر وغيرها.


2- الله- تعالى- على كلِّ شيءٍ قدير، لا يعجزه شيءٌ في الأرض ولا في السماء، ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، قولُه القولُ، وأمره الأمر.
3- وأعلمنا ربُّنا- تبارك وتعالى- أنَّ في خلق السموات والأرض آياتٌ لا تعدُّ ولا تحصى وكلها تدل على ربِّ العزَّة.


4- وأعلمنا ربُّنا- تبارك وتعالى- أنَّ أصحاب العقول، وهم أولو الألباب هم الذين يهتدون من خلال تفكرهم في السموات والأرض إلى أنَّ هذا الكون حقٌّ، وأن الله لم يخلق هذا الكون باطلًا، بل خلقه ربٌّ العباد لنعبده فيه، ولذلك يتوجهون إلى ربِّهم قائلين: {سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}.


* * *









رد مع اقتباس
قديم 2014-12-22, 12:50   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
seifellah
عضو متألق
 
الصورة الرمزية seifellah
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز مميزي الأقسام 
إحصائية العضو










افتراضي

الموضع القرآني 17

اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة





نادى ربُّ العزَّة- تبارك وتعالى- الناس جميعًا في الآية الأولى من سورة النساء آمرًا إياهم أن يتقوا ربَّهم- تبارك وتعالى- وذلك بمخافته، وفعل ما أمرهم به، وترك ما نهاهم عنه {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ} [النساء: 1].




ثم عرَّف الله- سبحانه- عباده بنفسِهِ، فقال: {الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً} [النساء: 1] قال الله تبارك وتعالى: الربُّ الذي أمرتكم بعبادته، هو الذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ هي آدمُ عليه السَّلام، وخلق من آدم زوجه حواء، وبثَّ من آدم وحواء كلَّ البشر الذين خلقهم.




وقد بيَّن لنا رسولنا صلى الله عليه وسلم كيف خلقت حواء من آدم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «استوصوا بالنساء خيرًا، فإنَّ المرأة خُلِقت من ضِلَع، وإنَّ أعوجَ شيءٍ في الضِّلَعِ أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنِّساء» [البخاري: 3331. ومسلم: 1468].




وقوله تعالى: {وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً} أعلمنا الله تعالى في هذه الآية أن جميع من خلقهم من الرجال والنساء المبثوثين في هذه الأرض هم من آدم وحواء.


* * *









رد مع اقتباس
قديم 2014-12-22, 12:52   رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
seifellah
عضو متألق
 
الصورة الرمزية seifellah
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز مميزي الأقسام 
إحصائية العضو










افتراضي

الموضع القرآني 18

الله تعالى لا يغفر أن يشرك به




عرَّفنا ربُّنا- تبارك وتعالى- أنَّه لا يغفر أن يشرك به، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء، فقال: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48، 116] وهذا النصُّ ورد في آيتين من سورة واحدةٍ هي سورة النساء.


والشركُ أن يعتقدَ الإنسانُ وجود آلهةٍ أخرى تستحقُّ العبادة مع الله، كالذين يعبدون الشمس والقمر والنجوم، أو يعبدون معه الأصنام والأوثان، أو يعبدون القبور من دون الله، أو الذين عبدوا عيسى أو العزَّيز، كلُّ هؤلاء ضالُّون مشركون، فالعبادة لله وحده، لا يستحقُّها أحدٌ من دون الله، وقد جاءت أحاديث كثيرةٌ تدلُّ على أنَّ مصير من مات على التوحيد الجنَّة، وإن لم يتب من الكبائر التي ارتكبها فمن ذلك:


1. ما رواه أبو ذرٍّ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من عبد قال: لا إله إلاَّ الله، ثمَّ مات على ذلك إلاَّ دخل الجنة» قال أبو ذرٍّ: وإن زنى وإن سرق؟ قال: «وإن زنى وإن سرق» قلت: وإن زنى وأن سرق؟ قال: «وإن زنى وإن سرق». قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: «وإن زنى وإن سرق على رغم أنف أبي ذرٍّ»[البخاري: 5827، ومسلم: 94].




2. وعن أبي ذرٍّ أيضًا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتاني جبريل، فقال: «من مات من أمتك لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنَّة» [البخاري: 2388، مسلم: 94].




3. وفي رواية عن أبي ذرٍّ قال: قال رسول الله: صلى الله عليه وسلم: «ذلك جبريل عليه السَّلام عرض لي في جانب الحرَّة، قال: بشر أمَّتك أنه من مات لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنَّة. قلت: يا جبريل، وإن سرق، وإن زنى؟ قال: نعم. قال: قلت: وإن سرق وإن زنى؟ قال: نعم، وإن شرب الخمر» [البخاري: 6443، ومسلم: 94].




4. وعن جابر بن عبد الله، قال: أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم رجلٌ، فقال: يا رسول الله، ما الموجبتان؟ قال: «من مات لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنَّة، ومن مات يشرك بالله شيئًا دخل النَّار» [مسلم: 93]. وهذه الآيةٌ صريحةٌ في أنَّ الذي لا يقبل الغفران هو الشرك، أما ما دونه من الزنا والسرقة والربا، إن لم يستحلَّها فهي إلى الله تعالى إن شاء عفا عن الذنب، وإن شاء عذب به، ثمَّ أخرجه من النَّار.




وختم الله- تعالى- الآية رقم (48) بقوله: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا} أي: من أشرك بالله تعالى فقد افترى على الله إثمًا عظيمًا، والافتراء أعظم الكذب، ولا أعظم كذبًا على الله من دعوى من ادَّعى أنَّ الله- سبحانه- شريك.




وقد أخبر الله- تبارك وتعالى- في خاتمةِ هذه الآية- الآية رقم (116)- أنَّ {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا} [النساء: 116] وإنِّما كان ضلال المشرك بعيدًا، لأنَّ الشِّرك أعظم أنواع الضلال، وأبعده عن الاستقامة والصلاح.




* * *










رد مع اقتباس
قديم 2014-12-22, 12:55   رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
seifellah
عضو متألق
 
الصورة الرمزية seifellah
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز مميزي الأقسام 
إحصائية العضو










افتراضي

الموضع القرآني 19

جعل الكعبة البيت الحرام قيامًا للناس




أولًا: تقديم


كان الله تعالى قد شرع فيما مضى على لسان نبيه إبراهيم وابنه النبيِّ إسماعيل تشريعات بقيت قائمة في الجزيرة العربية إلى بعثة نبينا محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وقد أقامت هذه التشريعات كثيرًا من مصالح العباد، وحفظت لهم نسبةً عاليةً من الأمن في الوقت الذي لم يكن للعرب فيه مَلِكٌ يقيم لهم الأمن كما هو الحال عند الأمم الأخرى، وهذا يدل على أنَّ الله- تعالى- عليمٌ بكل شيءٍ، ويشرِّع من التشريع ما يقيم به مصالح العباد، وكلُّ ما شرعه الله لرسولنا صلى الله عليه وسلم داخل في هذا الباب.




ثانيًا: آيات هذا الموضع من سورة المائدة


{جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (97) اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (98) مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ} [ المائدة: 97- 99].

ثالثًا: تفسير مفردات هذا الموضع من الآيات


الكعبة: هي البنية التي بناها نبيُّ الله إبراهيم وابنه إسماعيل، والتي يحجُّ الناس إليها في مكَّة، سمِّيت بذلك لأنها مربَّعة، وكلُّ بناءٍ مربعٍ عند العرب فهو كعبةٌ.


البيت الحرام: البيت الحرام الكعبة، سمِّيت بيتًا لأنَّ لها سقفًا وجدرًا.
وجعل الله الكعبة حرمًا، لأنه لا يجوز الاقتتال والعدوان عندها، ويحرم أن يصاد في الحرم، كما يحرم قطع شجره.


قيامًا للناس، أي: جعل الكعبة بما تحفظه من أمنٍ وما تقيمه من أمورهم الدينية مقيمةً لمصالحهم الدنيوية.


الشهر الحرام: المراد به جنس الشهر الحرام، والأشهر التي حرَّم الله تعالى القتال فيها أربعةٌ: رجب الذي بين جمادى وشعبان، وذو الحجة ذو القعدة، وشهر الله المحرم.


والهدي: ما يُهدى إلى الحرم من إبلٍ وبقرٍ وغنمٍ.
والقلائد: الأكاليل التي كانت العرب تحيط به أنفسها أو أنعامها إذا ما أرادت حجَّة أو عمرة.




رابعًا: شرح هذا الموضع من الآيات


أنزل الله ربُّنا من التشريع على رسله وأنبيائه في مختلف الأزمنة والعصور ما يقيم مصالح العباد في هذه الحياة، وهذه التشريعات التي أنزلها سبحانه قائمة على العلم الذي يتصف به ربُّنا، فعلمه سبحانه محيطٌ بكلِّ شيءٍ في السموات وفي الأرض. وقد شرَّع الله تعالى للناس في الجزيرة العربية على لسان رسوله وخليله إبراهيم وابنه إسماعيل تشريعاتٍ تقيم مصالحهم الدينية والدنيوية.




وقد ذكر الله تعالى في قوله: {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ ...} الآية أنه شرع لهم أربعة أمور تقيم مصالحهم في الجزيرة العربية، فقال: {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ} [المائدة: 97].




وسميت الكعبة بهذا الاسم، لأنها مربعةٌ، فكل بيتٍ مربَّع فهو كعبةٌ، وسمَّاها بيتًا، لأنَّ لها سقفًا وجدرًا، والمراد بالكعبة هنا الحرم، وجعل الله الكعبة حرمًا، لأنه حرَّم أن يعتدي الإنسان أو يَقتصَّ من غيره في الحرم، وحرَّم أن تُصاد الطيور والحيوانات في الحرم، وحرَّم أن يُخْتَلى خلاه، أو يُعْضد شوكه.




{وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ} المرادُ به جنس الشهر الحرام، والأشهر الحرم أربعةٌ، وهي: رجبٌ، الذي بين جمادى وشعبان، وذو القعدة، وذو الحجة، وشهر الله المحرم، واحد فرد وثلاثة سردٌ، وهذه الأشهر الأربعة لا يجوز أن يبدأ المسلمون فيها الحرب والقتال.




{وَالْهَدْيَ} ما يُهدي للحرم من بهيمة الأنعام، وهي الإبل، والبقر، والغنم، {وَالْقَلَائِدَ} جمع قلادةٍ، والمراد بها ما كان يتقلَّده العُمَّار والحجَّاج من قلائد مصنوعةٍ من ورق الشَّجر أو غيره.




وقد جعل الله تعالى الأربعة المذكورة في الآية، وهي البيت الحرام، والشهر الحرام، والهدي، والقلائد، قياماً للناس، أي جعلها مصالح تقيمُ لهم أمورهم الدينية والدنيوية في الجزيرة العربية منذ عهد إبراهيم عليه السَّلام حتى مجيء رسولنا صلى الله عليه وسلم، فأبقى الأمر على ما كان مشروعًا من عهد إبراهيم. ووجه كونها قيامًا للناس أنَّ العرب في الجزيرة العربية لم يكن لديها ملكٌ أو حاكمٌ يحجز قويَّهم عن ضعيفهم، ومسيئهم عن محسنهم، وظالمهم عن مظلومهم، فصيَّر الله الكعبة، والشهر الحرام، والهدي والقلائد بمثابة الحاكم أو الملك الذي يطيعه الناس، ويلتزمون بأمره، فالعرب في جاهليتها كانت تعظِّم الحرم، ومن ذلك أنَّ الرجل كان يلقى قاتل أبيه في الحرم، فلا يهيِّجه، ولا يؤذيه، قال الطبريُّ بعد أن نقل كلام أهل العلم في تفسير الآية الكريمة: «وهذه الأقوال وإن اختلفت من قائليها وألفاظها، فإنَّ معانيها آيلة إلى ما قلنا في ذلك من أنَّ القوام للشيء هو الذي به صلاحه، كما الملك الأعظم قوام رعيته ومن في سلطانه، لأنه مدبِّر أمرهم وحاجز ظالمهم عن مظلومهم، والدافع عنهم مكروه من بغاهم وعاداهم.




وكذلك كانت الكعبة والشهر الحرام والهدي والقلائد قوام أمر العرب الذي كان به صلاحهم في الجاهلية، وهي في الإسلام لأهله معالم حجهم ومناسكهم ومتوجَّهِهِم لصلاتهم وقبلتهم التي باستقبالها يتم فرضهم».




ونقل عن قتادة أنه قال: «{جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ} حواجز أبقاها الله بين الناس في الجاهلية: فكان الرجلُ لو جرَّ كلَّ جريرةٍ ثم لجأ إلى الحرام لم يتناول ولم يقرب، وكان الرجلُ، لو لقي قاتل أبيه في الشهر الحرام لم يعرض له ولم يقربه، وكان الرجلُ إذا أراد البيت تقلد قلادةٍ من شعر، فأحمته ومنعته من الناس، وكان إذا نفر تقلَّد قلادةً من الإذخر أو من لحاء السَّمر، فمنعته من الناس حتى يأتي أهله، حواجز أبقاها الله بين الناس في الجاهلية».




وعن ابن زيد قال: «{جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ} قال: كان الناس كلهم فيهم ملوكٌ تدفع بعضهم عن بعضٍ، قال: ولم يكن في العرب ملوكٌ تدفع بعضهم عن بعضٍ، فجعل الله تعالى ذكره لهم البيت الحرام قيامًا يدفع بعضهم عن بعضٍ به، والشهر الحرام كذلك، يدفع الله بعضهم عن بعض بالأشهر الحرم والقلائد، قال: ويلقى الرجلُ قاتل أبيه أو ابن عمه فلا يعرض له» [الطبري: 4/ 3056].




وأخبرنا ربُّنا- تبارك وتعالى- أنَّه تعالى إنما شرَّع هذه الشريعة في جعله هذه الأربعة قواماً للناس ليعلم الناس أنَّ الله تعالى يعلم ما في السموات وما في الأرض، وأنَّه بكلِّ شيءٍ عليم.




إنَّ الذين ينظرون في أسرار التشريع ويعلمون بدائعه وحكمه، يعلمون موقنين أنَّ الذي شَرَعَ هذه التشريعات عليم بكلِّ شيءٍ، ولو لم يكن عليمًا لم يستطع أن يُشرِّع مثل هذا التشريع.




وقال ابن جرير الطبريُّ في قوله تعالى: {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة: 98] «اعلموا أيها الناس أنَّ ربكم يعلم ما في السموات وما في الأرض، ولا يخفى عليه شيءٌ من سرائر أعمالكم وعلانيتها، وهو يحصيها عليكم ليجازيكم بها، شديدٌ عقابه من عصاه، وتمرَّد عليه، على معصيته إيَّاه. {وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة: 98] وهو غفور لذنوب من أطاعه وأناب إليه، فساترٌ عليه، وتاركٌ فضيحته بها، رحيمٌ به أن يعاقبه على ما سلف من ذنوبه بعد إنابته وتوبته منها» [الطبري: 4/ 3057].






وهذه الآية تدلُّ على أنَّه يجب على كلِّ عبدٍ مؤمنٍ أن يعلم يقينًا أنَّ الله شديد العقاب وأنه غفورٌ رحيمٌ سبحانه.




خامساً: كيف عرَّفنا ربُّنا- عزَّ وجلَّ- بنفسه في هذه الآيات


عرَّفنا ربُّنا العزيزُ الكريم أنَّه سبحانه وتعالى:
1- جعل الكعبة والأشهر الحرم والهدي والقلائد لتقيم مصالح الناس في الجزيرة العربية، شرعها على لسان نبيه إبراهيم وابنه إسماعيل، وبقي العرب ملتزمين بها عبر تاريخهم إلى أن بُعث رسولنا صلى الله عليه وسلم، فقامت هذه التشريعات مقام المَلِك الضائع المفقود في الجزيرة العربية.




2- هذا التشريع ومثله جميع التشريعات التي شرعها ربُّ العزَّة سبحانه قائمةٌ على علم الله الواسع الكبير، فالجاهل لا يستطيع أن يُشرِّع التشريعات المحكمة الصحيحة.




3- أمرنا ربُّنا- تبارك وتعالى- أن نعلم أنَّه شديد العقاب لمن أشرك وكفر به، وأنَّه غفورٌ رحيم لمن أطاعه وآمن به وتاب إليه.




4- عرَّفنا ربُّنا- سبحانه- أنه يعلم بما نظهره ونبديه، كما يعلم ما نبطنه ونخفيه، كلُّ ذلك في علمه سواء.
* * *










رد مع اقتباس
قديم 2014-12-22, 12:58   رقم المشاركة : 9
معلومات العضو
seifellah
عضو متألق
 
الصورة الرمزية seifellah
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز مميزي الأقسام 
إحصائية العضو










افتراضي

الموضع القرآني 20

الحمد لله الذي خلق السموات والأرض




أولًا: تقديم


حَمِدَ ربُّنا- تبارك وتعالى- نفسه على خلقه السموات والأرض، وجعله الظلمات والنور، وذمَّ الكفَّار الذين عدلوا آلهتهم بالله ربِّ العالمين، ومعنى يعدلون، أي: يُسوُّون.




وعرَّفنا ربُّنا بالأصل الأوَّل الذي خلقنا سبحانه وتعالى منه، فقد خلقنا بخلق أبينا آدم عليه السَّلام من طين، وأخبرنا ربُّنا- تبارك وتعالى- أنه جعل لنا أجلاً تنتهي حياتنا بانقضائه، وجعل لنا أجلاً آخر ينتهي فيه بقاؤنا في الأرض التي سيغيبنا فيها، ونقوم بعد الأجل الثاني المسمّى عند الله لله ربِّ العالمين، وأخبرنا ربُّنا- عزَّ وجلَّ- في آيات هذا النصِّ أنَّه المعبودُ الحقُّ لأهل السموات وأهل الأرض، وأعلمنا أنَّه يعلم بأسرارنا التي نخفيها، وأعمالنا التي نبديها، ويعلم كلَّ ما نقوم به.


ثانيًا: آيات هذا الموضع من سورة الأنعام


{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ * هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجلَّا وَأَجلَّ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ * وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ} [الأنعام: 1- 3].


ثالثًا: تفسير مفردات هذه الآيات في هذا الموضع


جعل الظلمات والنور: ظلمات الليل ونور النهار.
يعدلون: أي يسوُّون آلهتهم الباطلة المفتراة بالله ربِّ العالمين.
من طين: خلقنا من طينٍ بخلق أبينا آدم عليه السَّلام.
قضى أجلاً وأجلٌ مسمَّى عنده: الأجل ُالأولُ يتحقق بموت الواحد منَّا في هذه الحياة الدنيا، والأجل الثاني يتحقق عندما يبعثنا الله تعالى يوم القيامة.
تمترون: تشكّون.
تكسبون، أي: ما تعملون من خير أو شرٍّ.




رابعًا: شرح آيات هذا الموضع من سورة الأنعام


عرَّفنا ربُّنا- تبارك وتعالى- في هذه الآيات البينات بنفسه عبر ثلاث نقاط:




1- الحمد لله خالق السموات والأرض وجاعل الظلمات والنور:


حمد العليُّ الأعلى- تبارك وتعالى- نفسه على خلقه السموات والأرض، وجعله الظلمات والنور، والسموات والأرض مخلوقان عظيمان، والأرض موطننا الذي نعيش فيه، وقد جعل الله تعالى فيها الآيات البينات والحجج الظاهرات، ففيها الجبال والسهول والأنهار والبحار، وجعل الله فيها الحيوان والطيور والنبات، والسماء مخلوقٌ أعظم من الأرض، ونحن نشاهد شمسها وقمرها ونجومها، وحدَّثنا ربُّنا أنها سبعٌ، وهي مسكن الملائكة، {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} [الأنعام:1].


وذهب أكثر المفسرين إلى أن المراد بالظلمات ظلمات الليل، والمراد بالنور نور النهار.


وقد ذمَّ الله تبارك وتعالى في خاتمة الآية الأولى الكفار بكونهم يعدلون أصنامهم وأوثانهم وآلهتهم بالله ربِّ العالمين، {الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ}. وهؤلاء الكفرة ضالُّون جاهلون إذ يسوُّون آلهتهم المخلوقة المربوبة الآفلة الضعيفة بالله ربِّ العالمين الذي خلق السموات والأرضين، وجعل الظلمات والنور، ومعنى {يَعْدِلُونَ} أي: يسوُّون آلهتهم بالله تعالى.


وقد نبهنا الإمام مجاهدٌ رحمه الله تعالى إلى أنَّ الآية الأولى من سورة الأنعام تردٌّ على ثلاثة أديانٍ، فقد أخرج أبو الشيخ من طرق عن مجاهد، قال: «في هذه الآية ردٌّ على ثلاثة أديان: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} فيها ردٌّ على الدهرية، {وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّور} ردٌّ على المجوس الذين زعموا أنَّ النور والظلمة هما المدبِّران {ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} فيه ردٌّ على مشركي العرب ومن دعا من دون الله إلهًا» [الإكليل، للسيوطي: ص 117].


2- خلقنا ربُّنا تبارك وتعالى من طين:


بعد أن أخبرنا تبارك وتعالى بأنَّه وحده الذي خلق السموات والأرض، وجعل الظلمات والنور، أتبع ذلك بإخبارنا بالأصل الذي منه خلقنا، فالله خلقنا بخلق أبينا آدم عليه السَّلام من طينٍ {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ} [الأنعام: 2].


وقد أخبرنا رسولنا صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه عنه أبو موسى الأشعريُّ قال: «إنَّ الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض، فجاء منهم الأحمر، والأبيض، والأسود، وبين ذلك، والسَّهل، والحزن، والخبيث، والطيب» [صحيح سنن الترمذي: 2355. وأخرجه الألباني في المشكاة: 100، وسلسلة الصحيحة: 1630].


وإذا علمنا أنَّ الله خلقنا من طينٍ، فإنَّه يجب علينا أن نعبد الله ونوحده ونثني عليه، ونمجِّده سبحانه على ما أنعم به علينا في خلقه السموات والأرض، وخلقنا من طينٍ، وقوله تعالى: {ثُمَّ قَضَى أَجلَّا وَأَجلَّ مُسَمًّى عِنْدَهُ} [الأنعام: 2] فالأجلُ الأول يتحقق بموت الواحد منا في الحياة الدنيا، أو يكون بموت الجميع عندما تقوم السَّاعة، والأجلُ الثاني يتحقق بالبعث والنشور، وقيام النَّاس لله ربِّ العالمين.


وقوله: {وَأَجلَّ مُسَمًّى عِنْدَهُ} أي: مخفيٌّ عنده، لا يطلع عليه نبيًا مرسلًا، ولا ملكاً مُقرَّباً، فإنَّ الله تعالى قال في السَّاعة: {إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجلَّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ} [الأعراف: 187] وقال سبحانه: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا * فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا * فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا * إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا} [النازعات: 42- 44].
وقوله سبحانه: {ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ} [الأنعام: 2] أي: تشُكُّون: وفي هذا توبيخٌ للكفرة الذين يشكٌّون فيما أخبرنا به العليم الحكيم من وقوع الساعة، وأنَّ ذلك حتم لازم لا شكَّ فيه.


3- الله- تعالى- هو المعبود الواحد في السموات والأرض:


عرَّفنا ربُّنا- سبحانه وتعالى- أنه هو المعبود وحده في السموات وفي الأرض {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ} [الأنعام: 3] أي: هو معبود أهل السماء ومعبود أهل الأرض، وهذه الآية كقولة تعالى: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ} [الزخرف: 84] وهو كقولنا: كان عمر بن عبد العزيز حاكم بلاد الشام، وحاكم الجزيرة العربية، وحاكم مصر، وحاكم العراق.


ومع أنَّ الله سبحانه هو معبود أهل السماء ومعبود أهل الأرض، فهو يعلم سرَّنا وجهرنا، لا يخفى عليه خافيةٌ من أمرنا، ويعلم سعينا وكسبنا {يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ} [الأنعام: 3]، وإذا أيقنَّا أن الله يعلم سرَّنا وجهرنا، ويعلم كسبنا راقبناه، وأطعناه، بفعل ما أمرنا به، وترك ما نهانا عنه.


خامساً: كيف عرَّفنا ربُّنا- عزَّ وجلَّ- بنفسه

عرَّفنا ربُّنا- عزَّ وجلَّ- بنفسه في هذه الآية وفق ما يأتي:


1- الله وحده خالق السموات والأرض، لم يشركه في ذلك أحدٌ سبحانه، وهو الذي جعل لنا الظلمات والنور.
2- هو الذي خلقنا من طينٍ، وذلك بخلقه أبينا آدم من طين.


3- جعل الله تعالى لنا فوق ظهر هذه الأرض أجلاً، ثم نموت، وجعل لنا أجلاً في باطن الأرض بعد موتنا، ثمَّ نبعث.
4- الله تعالى هو المعبود الواحد في السموات وفي الأرض، ليس للعباد معبودٌ سواه سبحانه، وكل ما يعبد غيره فهو باطلٌ لا يستحقُّ أن يعبد.


5- الله- تعالى- يعلم سرَّنا وجهرنا، ويعلم كلَّ ما نكسبه من خيرٍ وشرٍّ.


* * *

















رد مع اقتباس
قديم 2014-12-23, 10:09   رقم المشاركة : 10
معلومات العضو
seifellah
عضو متألق
 
الصورة الرمزية seifellah
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز مميزي الأقسام 
إحصائية العضو










افتراضي

الموضع القرآني 21

الله تعالى له ما سكن في الليل والنهار





أولًا: تقديم


عرَّفنا العليُّ العظيم- سبحانه وتعالى- في هذه الآيات بنفسه، فهو المالك للسموات والأرض، ورحمته سبقت غضبه، وسيجمع العباد في يوم الدين، وله- سبحانه- ما سكن في الليل والنهار، وهو فاطر السموات والأرض، أي: خالقهما على غير مثالٍ سابقٍ، وهو الذي يُطعِم ولا يُطعَم، وهو-سبحانه- الضارُّ النافع، وهو القاهر فوق عباده.




ثانيًا: آيات هذا النص من سورة الأنعام


{قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ * وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [الأنعام: 12- 14].




ثالثًا: تفسير مفردات هذا الموضع من الآيات


كتب على نفسه الرحمة، أي: أوجبها على نفسه.
وله ما سكن في الليل والنهار: السكون ثبوت الشيء واستقراره بعد تحركه.
فاطر السموات والأرض: خالقهما ومبدعهما على غير مثالٍ سابقٍ.






رابعًا: شرح آيات هذا الموضع


عرَّف الله تعالى عباده بنفسه في هذه الآيات الكريمات عبر النقاط التالية:




1- الله- تعالى- له ما في السموات والأرض:




أمر الله- تعالى- رسوله صلى الله عليه وسلم أن يوجِّه السؤال إلى المشركين الذين يعبدون الأوثان والأصنام قائلًا لهم: {قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الأنعام: 12] ثم أجاب سبحانه نفسَه بنفسِه قائلًا: {قُلْ لِلَّهِ} [الأنعام: 12].


والعرب الذين كانوا يعبدون الأوثان كانوا يقرون بأنَّ الله تعالى هو وحده الخالق للسموات والأرض دون غيره، قال تعالى: {قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ * قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ * قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ} [المؤمنون: 84- 89] والكفار عندما يقرُّون بأن الله هو الخالق للسموات والأرض ومالكهما يتناقضون عندما يعبدون غيره، ولا يفردونه بالعبادة.


2- الله- تعالى- كتب على نفسِهِ الرحمة:




أخبرنا ربُّنا- تبارك وتعالى- أنه كتب على نفسه الرحمة، فقال: {كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [الأنعام: 12] أي: أوجب وفرض على نفسِهِ- سبحانه- الرحمة، روي أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لمَّا قضى الله الخلق كتب كتابه، فهو عنده فوق العرش: إنَّ رحمتي غلبت غضبي» [البخاري: 3194. ومسلم: 2751]. وعن أبي هريرة أيضًا، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «جعل الله الرحمة مائة جزءٍ، فأمسك عند تسعةً وتسعين جزءًا، وأنزل في الأرض جزءاً واحدًا، فمن ذلك الجزء يتراحم الخلق، حتى ترفع الفرس حافرها عن ولدها، خشية أن تصيبه» [البخاري: 6000. ومسلم: 2752].




3- سيجمع الله- تعالى- عباده يوم القيامة:




أقسم ربُّ العزَّة- تبارك وتعالى- بنفسه الكريمة أنَّه سيجمع عباده يوم القيامة، لا يتخلَّف منهم أحد، ولا يُفلت منهم أحد {لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} [الأنعام: 12] وهذا اليوم أمرٌ مستيقنٌ لا ريب فيه، ولا شكَّ فيه، والمؤمنون يصدِّقون بذلك من غير شكٍّ، ولذلك فإنَّ رب العزَّة قال: {لَا رَيْبَ فِيهِ} [الأنعام: 12] أما الذين يخسرون أنفسهم في ذلك اليوم بإدخال الله لهم النار فهؤلاء لا يؤمنون {الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} [الأنعام: 12] وهذا الخسران هو الخسران الأعظم.




4- الله- تعالى- له ما سكن في الليل والنهار:




أخبرنا ربُّنا- سبحانه وتعالى- أنَّ {وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَار} [الأنعام: 13]. أي: ما استقرَّ في الليل والنهار، وأصل السكون: ثبوت الشيء بعد تحركه.


وختم سبحانه وتعالى الآية بقوله: {وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [الأنعام: 13] فالله- تبارك وتعالى- سميعٌ لأقوال عباده، لا يخفى عليه منها خافيةٌ، وعليم بأعمالهم وحركاتهم وما انطوت عليه قلوبهم.




5- الله – تعالى- وحده المعبود الذي يستحق العبادة:


أمر ربُّ العزَّة- تبارك وتعالى- رسوله صلى الله عليه وسلم أن يوجِّه للمشركين سؤال إنكار، فيقول لهم: أغير الله أتخذ إلهًا ومعبودًا، وهو فاطر السموات والأرض، أي: خالقهما على غير مثالٍ سابقٍ، وهو سبحانه الذي يُطعِم ولا يُطعَم،{قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ} [الأنعام: 14].




والمراد بقوله تعالى: {وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ} أي: هو الذي يرزق عباده، ولا يحتاج إلى من يرزقه ويطعمه، وهذه الآية كقوله سبحانه: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات: 56- 57] وقوله: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى} [الحج: 37] وقد كان رسولنا صلى الله عليه وسلم يثني على ربه تعالى بأنه يُطعِم ولا يُطعَم ، فعن أبي هريرة قال: دعا رجلَّ من الأنصار من أهل قباء النبي صلى الله عليه وسلم قال: فانطلقنا معه، فلما طعم النبي صلى الله عليه وسلم وغسل يديه: قال: «الحمد لله الذي يُطعِم ولا يُطعَم ، ومن علينا فهدانا، وأطعمنا وسقانا، وكلَّ بلاءٍ حسن أبلانا، الحمد لله غير مودَّعٍ ربي ولا مكافأٍ ولا مكفورٍ ولا مستغنى عنه، الحمد لله الذي أطعمنا من الطَّعام، وسقانا من الشَّراب، وكسانا من العري، وهدانا من الضَّلال، وبصَّرنا من العمى، وفضَّلنا على كثير ممن خلق تفضيلًا، الحمد لله رب العالمين» [قال فيه محقق ابن كثير (1013): صحيح، أخرجه النسائي في عمل اليوم والليلة (ص 315)، وابن أبي الدنيا في الشكر (ص: 15) وابن السني (ص: 485) وصححه ابن حبان: (5219). والحاكم: 1/ 546. على شرط مسلمٍ، ووافقه الذهبي].




والمعنى المراد بـ {فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} أنه سبحانه خالقهما ومبدعهما، روى ابن جرير عن مجاهد، قال: سمعت ابن عباس يقول: «كنت ما أدري ما فاطر السماوات والأرض، حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر، فقال أحدهما لصاحبه: أنا فطرتها، يقول: أنا ابتدأتها» [جامع البيان: 4/ 4143].




خامساً: كيف عرَّفنا رب العزَّة تبارك وتعالى بنفسه


عرَّفنا ربُّنا- تبارك وتعالى- في هذه الآيات أنَّه سبحانه وتعالى:
1- له السماوات والأرض وما فيهما، لا يشركه في ذلك أحدٌ.
2- كتب على نفسه الرحمة، أي: أوجبها وفرضها، والله- تعالى- لا يجب عليه إلاَّ ما أوجبه على نفسه.
3- سيجمع الله عباده يوم الدين جميعًا، لا ينسى أحدًا، ولا يتخلف أحدٌ.
4- له ما سكن في الليل والنهار، فهناك من المخلوقات ما يسكن في الليل كالإنسان. وكثير من الحيوانات والطيور، وبعضها يكون سكونه في النهار.
5- الله تعالى وليُّ عباده، يتولى أمرهم، ويرعى شأنهم، ويرزقهم.
6- الله تعالى خالق السموات والأرض، وما فيهما وما بينهما.
7- الله تعالى هو الذي يطعم عباده وما خلقه من حيوانٍ وطيورٍ، وهو غنيُّ عن عباده، فليس بحاجةٍ إلى من يطعمه.




* * *










رد مع اقتباس
قديم 2014-12-23, 10:23   رقم المشاركة : 11
معلومات العضو
seifellah
عضو متألق
 
الصورة الرمزية seifellah
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز مميزي الأقسام 
إحصائية العضو










افتراضي

الموضع القرآني 22

الله الذي يتوفانا بالليل ويعلم ما جرحنا بالنهار





أولًا: تقديم


بيَّن الله تعالى لنا في آيات هذا النصِّ ما اختصِّ به نفسه، فعنده مفاتح الغيب لا يعلمها غيره، وهو العالم في البرِّ والبحر، وهو الذي يتوفانا بالليل ويعلم ما جرحنا بالنار، وهو القاهر فوقنا، ويرسل علينا من الملائكة من يحفظنا، ويحفظ أعمالنا، وغير ذلك مما سيأتي بيانه.




ثانياً: آيات هذا الموضع من سورة الأنعام


{وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ * وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجلَّ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ * ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ * قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ * قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجلَّكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ} [الأنعام: 59- 65].






ثالثًا: تفسير مفردات هذا الموضع من الآيات


مفاتيح الغيب: جمع مفتح، وهو المفتاح أو مخازن الغيب.
يتوفاكم بالليل، أي: بالنوم.
ويعلم ما جرحتم: ما جرحتم، أي: ما كسبتموه بجوارحكم من خير وشرٍّ.
القاهر فوق عباده: الغالب لخلقه الذي يقهرهم بقوته وجبروته.
حفظةً: الملائكة الذين يرسلهم الله علينا يحفظون أعمالنا.
توفته رسلنا، أي: قبضت روحه ملائكة الموت.
تضرعاً، أي: مظهرًا الضراعة، وهي الفقر والحاجة.
كرب: الكرب الآفة والمصاب.
أو يلبسكم شيعاً، أي: يبث فيكم الأهواء المختلفة.




رابعًا: شرح آيات هذا الموضع


عرَّفنا ربُّنا- عزَّ وجلَّ- بنفسه في آيات هذا النص عبر النقاط التالية:




1- سعة علم الله تعالى وما اختصَّ الله بعلمه سبحانه:




عرَّفنا ربُّنا تبارك وتعالى ما اختصَّ بعمله دون سائر خلقه، فقال: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ} [الأنعام: 59].


ومفاتح الغيب خمسةٌ تضمَّنتها آية سورة لقمان، ففي الحديث عن عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «مفاتح الغيب خمسٌ، ثم قرأ {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [لقمان: 34]» [البخاري: 4778]. وسيأتي بيانها بحول الله وقوَّته في سورة لقمان.


والمفاتح: جمع مفتح، وهو المفتاح، أو مخازن الغيب. والله سبحانه علمه واسعٌ لا يخفى عليه شيءٌ {وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [الأنعام: 59] أي: علمه محيطٌ بجميع الكائنات برِّيِّها وبحريِّها.


فلا يخفى عليه الذَّرُّ إما



تَراءَى للنَّواظِرِ أو تَوَارَى


وأعلمنا ربُّنا بأنَّه لا يخفى عليه شيءٌ، ولا يغيب عنه شيءٌ فقال: {وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [الأنعام: 59] أي ما تسقط من ورقةٍ في الصحاري والبراري والأمصار والقرى إلا ويعلمها الله، وانظر إلى الأرض كم فيها من أشجارٍ، وكم على كلِّ شجرةٍ من أوراقٍ، وما من ورقةٍ في البراري والقفار، والحقول والحدائق والجبال تسقط إلا وعلم الله تعالى محيطٌ بها، وما ممن حبَّةٍ تندثر في تراب الأرض فتنبتُ، أو نبتةٌ تصفرُّ وتذوي وتموت إلا وعلم الله محيطٌ بها، وكلُّ ذلك مدوَّنٌ في كتابٍ مبينٍ، وهو اللوح المحفوظ.




2- الله تعالى يتوفانا بالليل ويعلم ما جرحنا في النهار:


أخبرنا ربُّنا- تبارك وتعالى- أنَّه يتوفانا بالليل، ويعلم ما جرحنا بالنَّهار، قال سبحانه: {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَار} [الأنعام: 60] وتوفِّيه لنا في الليل، أي: بالنوم، لأنَّه يقبض سبحانه أرواحنا عن التصرف بالنوم، وهذا التوفي هو التوفي الأصغر، قال تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجلَّ مُسَمًّى} [الزمر: 42].


وقوله تعالى: {وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَار} أي: ما كسبتموه بجوارحكم من الخير والشر. وقوله تعالى: {ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ} أي: يوقظكم في النهار من منامكم. وقوله: {لِيُقْضَى أَجلَّ مُسَمًّى} أي: ليقضي الله الأجل الذي سمَّاه لحياتكم، وذلك بالموت. وقوله: {ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ} أي: إلى الله مصيركم ومعادكم، {ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} أي: يخبركم في يوم الدين بما عملتموه في الحياة الدنيا، ثم يحاسبكم، ويجزيكم عمَّا عملتموه.


وهذا الذي تضمنته الآية وإن كان خبرًا من الله عن قدرته وعلمه إلا أنَّ فيه احتجاجًا على المشركين الذين كانوا ينكروه قدرته على إحيائهم بعد مماتهم وبعثهم بعد فنائهم، فالذي يقبض أرواحهم بالليل، ويبعثهم في النار، ليبلغوا أجلاً مسمَّى، قادرٌ على إحيائهم بعد الموت [الطبري: 4/ 3202].


3- الله هو القاهر فوق عباده:




أعلمنا ربُّنا- عزَّ وجلَّ- أنَّه القاهر فوق عباده {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} [الأنعام: 61] أي: هو الغالب خلقه، العالي عليهم بذاته وقدرته، {وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً} [الأنعام: 61]. والحفظة الذين يرسلهم الله علينا الملائكة الذين يحفظون أجسادنا وأعمالنا، قال السُّدي في الحفظة: «هي المعقِّبات من الملائكة، يحفظونه، ويحفظون عمله» [الطبري: 4/ 3204].




وقد ذكر الله تعالى الملائكة الذين يحفظون العباد في قوله: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} [الرعد: 11]. وفي قوله: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ} [الانفطار: 10- 11] وفي قوله: {إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 17- 18].




«وقوله تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} [الأنعام: 61] أي: إذا احتضر وَحانَ أجلُهُ {تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا} أي: ملائكةٌ موكلون بذلك، قال ابن عباس وغير واحدٍ: لملك الموت أعوانٌ من الملائكة، يخرجون الروح من الجسد، فيقبضها ملك الموت إذا انتهت إلى الحلقوم {وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ} أي: في حفظ روح الموتى، بل يحفظونها، وينزلونها حيث شاء الله- عزَّ وجلَّ- إن كان من الأبرار ففي عليين، وإن كان من الفجَّار ففي سجِّين عياذًا بالله من ذلك» [ابن كثير: 3/ 29].




وقوله تعالى: {ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ} [الأنعام: 62]. أي: ردَّ الله الخلائق من الملائكة والجنِّ والإنس بالموت إليه، فالله مولاهم الذي يملكهم ويتولى أمورهم سبحانه، وهو أسرع الحاسبين، فيحكم فيهم- سبحانه- بعدله.




4- الله- تعالى- الذي ينجي عباده من ظلمات البر والبحر:




أمر الله- تعالى- رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول للمشركين سائلًا إياهم عن الذي ينجيهم من ظلمات البرِّ والبحر إذا أحاطت بهم {قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ} [الأنعام: 63].




والمراد بالظلمات في الآية الشدائد والأهوال والكربات التي تحيق بالإنسان في البرِّ والبحر، والعرب تقول: عامٌ أسود، ويومٌ مظلمٌ، وقد اعتاد الإنسان حتى لو كان مشركًا إذا أحاطت به ظلمات البرِّ والبحر أن يدعو ربَّه تضرُّعًا وخفية، أي: يدعوه مظهرًا الضَّراعة، وهي شدَّة الفقر والحاجة إلى ربِّه، ويدعوه خفيةً، أي: سرّاً، وأعلمنا ربُّنا أنَّه يقول في مناجاته ربَّه {لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ}.




والإنسان عندما تحيط به المصائب العظام والكوارث التي لا يستطيع لها دفعًا يتوجَّه إلى ربه مخلصًا له الدين، لأنَّه في حالة الاضطرار يعلم أنه لا ملجأ من الله إلا إليه، وأنَّه لا ينجيه مما حلَّ به إلا الحيُّ القيوم، {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} [يونس: 22- 23].




وقد تحدَّث بعض ركَّاب الطائرات عن حال الركاب عندما وقع خللٌ في طائرتهم، وهي تطير بهم في الفضاء، وتكاد تسقط بهم، وبيَّن كيف تضرَّعوا إلى ربِّهم مخلصين له الدين، لا فرق بين الفاسق والعالم بالله.




وأخبرنا ربُّنا- سبحانه- أنه وحده القادر على إنجاء عباده من الكوارث والكروب التي تحيط بهم، ولكنَّ هؤلاء بعد أن ينجيهم ربُّهم مما أصابهم يعودون إلى شركهم وكفرهم {قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ} [الأنعام: 64].






5- الله تعالى قادر على أن يأخذ عباده بعذابٍ يحيط بهم:




أمر الله- تعالى- رسوله صلى الله عليه وسلم أن يخوِّف الناس عذابه وانتقامه {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجلَّكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ} [الأنعام: 65].




والعذاب الذي تهدَّد الله به عباده قد يكون آتيًا من فوقهم كعذاب قوم لوط، وعذاب أصحاب الفيل، وقد يكون بالصيحة أو الغرق أو الريح أو الحجارة، وقد يكون من تحتهم كالخسف والزلازل، وقد يكون بتسليط بعضهم على بعضٍ.




قال الربيع بن أنسٍ: «{أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا} يعني: يبث فيكم الأهواء المختلفة، فتصيرون فرقاً، يقاتل بعضكم بعضاً، ويخالف بعضكم بعضاً» [التفسير البسيط: 8/ 204].




ومن يقرأ التاريخ بعد عهد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى اليوم يجد سجلاً حافلاً بما أصاب البشرية من خسفٍ وزلازل وبراكين وصواعق، وما ثار بين الناس من حروبٍ ذاق فيها بعضهم بأس بعضٍ، وقد وقع في هذه الأيام التي أكتب فيها تفسير هذه الآية [يوم الجمعة، الثامن من ربيع الأول عام 1432هـ الذي يوافقه الحادي عشر من شباط (مارس) 2011] زلزالٌ عظيم في اليابان، لم تصب بمثله تلك الديار منذ مائة وخمسين عاماً، وقد امتدَّت آثاره إلى دول كثيرة مجاورةٍ، وارتفعت أمواج البحر في بعض مدن اليابان إلى عشرة أمتار، ودخلت مياه البحر إلى العمران، وسقط ألوف القتلى، وانهارت العمارات، وخربت الأسواق، وثارت الحرائق، وأصبحت بعض المحطات الكهربائية النووية في خطر.




وقد دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته أن لا يصيبها بالعذاب، فأعطاه اثنتين، ومنعه واحدة، ففي صحيح مسلم عن عامر بن سعد، عن أبيه، أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم أقبل ذات يومٍ من العالية، حتى إذا مرَّ بمسجد بني معاوية، دخل فركع فيه ركعتين، وصلَّينا معه، ودعا ربَّه طويلًا، ثم انصرف إلينا، فقال: «سألت ربي ثلاثًا، فأعطاني ثنتين، ومنعني واحدةً، سألت ربِّي أن لا يهلك أمَّتي بالسَّنة، فأعطانيها، وسألته أن لا يهلك أمَّتي بالغرق فأعطانيها، وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم، فمنعنيها» [مسلم: 2890].




والذي أعطاه الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم أن لا يهلك أمَّته بعذاب عامٍّ أو بغرقٍ عامٍّ، أما أن يعذب طائفةً منهم بالعذاب، أو يهلك بعضهم بالغرق، فهذا قد وقع، ولا يزال مستمراً.




وعن ثوبان، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ الله زوى لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وإنَّ أمَّتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها، وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض، وإنِّي سألت ربِّي لأمَّتي أن لا يهلكها بسنةٍ عامَّةٍ، وأن لا يسلط عليهم عدوًا من سوى أنفسهم، فيستبيح بيضتهم، وإنَّ ربِّي قال: يا محمد! إنِّي إذا قضيت قضاءً فإنَّه لا يردُّ، وإنِّي أعطيتك لأمَّتك أن لا أهلكهم بسنةٍ عامَّةٍ، وأن لا أسلِّط عليهم عدوًا من سوى أنفسهم، يستبيح بيضتهم، ولو اجتمع عليهم من بأقطارها- أو قال: من بين أقطارها- حتى يكون بعضهم يهلك بعضًا، ويسبي بعضهم بعضًا» [مسلم: 2889].




وعن جابر بن عبد الله قال: لما نزلت هذه الآية: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ} [الأنعام: 65] قال النبي صلى الله عليه وسلم «أعوذ بوجهك». فقال: {أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجلَّكُمْ} فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أعوذ بوجهك» قال: {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا} قال النبي صلى الله عليه وسلم: «هذا أيسر» [البخاري: 7406. وانظر الحديث رقم 4628].




وقوله تعالى: {انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ} [الأنعام: 65]، أي: كيف نبيِّن لهم آيات القرآن، {لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ} أي: يعلمون.






خامساً: كيف عرَّفنا ربُّنا- تبارك وتعالى- بنفسه في هذه الآيات




عرَّفنا ربُّ العزَّة سبحانه وتعالى بنفسه في آيات هذا الموضع بما يأتي:
1- الله- تعالى- عنده مفاتح الغيب، وهي مفاتيحه وخزائنه، وقد بيَّن ربُّنا في سورة لقمان أنَّ مفاتح الغيب خمسٌ.




2- الله- تعالى- يعلم ما في البحر، وما في البحر من الأسماك والحيتان كثير، وكذلك ما في البرِّ من بني الإنسان والحيوان والطيور والنبات والأشجار لا يحصيه إلا الله، وعلم الله محيط به، لا يغيب عنه منه شيءٌ.




3- علم الله محيطٌ بالكبير والصغير، فكما علمه محيط بالأرض والسموات، فهو محيطٌ بأوراق الأشجار، ومحيطٌ بالحبِّ والنوى، فما تسقط من ورقةٍ من شجرة إلا يعلمها، ولا تسقط حبَّةٌ في ظلمات الأرض، ولا تنبت حبَّة، أو تذوي نبتةٌ إلا يعلمها، بل كتبها عنده في اللوح المحفوظ.






4- الله- تبارك وتعالى- الذي يتوفى أرواحنا بالليل، ويعلم ما اكتسبناه بجوارحنا بالنهار، وبعد انقضاء الليل يبعثنا في النهار، فنقوم فيه لأعمالنا , وتمضي أيام عمرنا، حتى ينقضي الأجل الذي حدَّده الله لنا في هذه الحياة، فيقبض أرواحنا ونعود إليه سبحانه.




5- الله- تبارك وتعالى- القاهر فوق عباده، فهو قهرهم بقدرته، وقهرهم عزَّةً وحكمًا، وهو سبحانه فوق عباده، مستو على عرشه، بائنٌ من خلقه، وعرشه سقف مخلوقاته.






6- الله- تعالى- يرسل علينا حفظةً من الملائكة يحفظوننا من أمر الله، ويرسل علينا حفظةً آخرين يدونون علينا أعمالنا وأقوالنا.






7- إذا جاء الموعد الذي حدَّده ربُّ العزَّة سبحانه لحياتنا، أرسل الله ملائكته المختصون بالموت، فقبضت أرواحنا.




8- الله- سبحانه وتعالى- هو الذي ينجينا من شدائد البرِّ والبحر.




9- الله- تبارك وتعالى- قادرٌ على أن يبعث علينا عذابًا من فوقنا، أو من تحت أرجلنا، أو يلبسنا شيعًا، ويذيق بعضنا بأس بعض.




***









رد مع اقتباس
قديم 2014-12-23, 10:27   رقم المشاركة : 12
معلومات العضو
seifellah
عضو متألق
 
الصورة الرمزية seifellah
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز مميزي الأقسام 
إحصائية العضو










افتراضي

الموضوع القرآني 23

إن الله فالق الحب والنوى






أولًا: تقديم



هذه الآيات الكريمات من سورة الأنعام ثاني مقطعٍ يواجهنا في الآيات التي يعرفنا الله – تبارك وتعالى – عن نفسه، ويسوق لنا ربنا – تبارك وتعالى – مشاهد كثيرة تعرفنا به، وتدلُّنا عليه، فهو خالق السموات والأرض، وهو الذي له الملك يوم القيامة وهو فالق الحبِّ والنوى، وهو الذي يخرج الحيَّ من الميت، ويخرج الميت من الحي، وهو فالق الإصباح، وهو الذي جعل لنا الليل سكنًا والشمس والقمر حسبانًا، وهو الذي جعل لنا النجوم لنهتدي بها في ظلمات البرِّ والبحر إلى غير ذلك مما حدثنا الله به في هذا المقطع الطويل من الآيات.






ثانيًا: آيات هذا الموضع من سورة الأنعام



{وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ * وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ *وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ * فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ *فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ *فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْم إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ *وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِي وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ * وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ *الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ *وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ *وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ *وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ *وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ *ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ *أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ *أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ *وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ *وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ *وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ*وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ *إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ *فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعزَّيزِ الْعَلِيمِ *وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ *وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ * وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}[الأنعام: 73 - 99 ].




ثالثًا: تفسير مفردات هذه الآيات



الحقُّ: ضد الباطل, وخلق السموات والأرض بالحقِّ, خلقهما لمقصد صحيح, فقد خلقهما ربُّ العزَّة ليعبد.


الصور: بوق عظيم, ينفخ فيه إسرافيل عليه السَّلام, فتقوم الساعة, ثمَّ ينفخ فيه أخرى, فيقوم الناس لربِّ العالمين.


فالق الحبِّ والنوى, أي: شاقُّهما بالإنبات.
مخرج الحيَّ من الميت ومخرج الميت من الحيِّ: يخرج النبتة الحيَّة من الحبَّة الميتة, ويخرج الحبَّة الميتة من النبتة الحيَّة.
أنَّى تؤفكون, أي: كيف تصرفون عن الحقِّ.
فالق الإصباح: فالق ظلام الليل عن غُرة الصبح.
جعل الليل سكناً, أي: جعله ليسكن فيه للراحة.
والشمس والقمر حسباناً, أي: يجريان بحسابٍ مقدَّرٍ مُقنَّن.
فمستقرٌّ ومستودع: المستقرٌّ: الأرحام, والمستودع: أصلاب الرجال.
خضرًا : الخضرة التي تكون بالنبات.
متراكبًا, أي: بعضه فوق بعض.
طلعها: الطلع أول ما يرى من عِذق النخلة.
قنوانٌ دانيةٌ: قطوف قريبة.




رابعًا: شرح آيات هذا الموضع

هذه الآيات الكريمات تعرفنا بربِّنا- تبارك وتعالى- على النحو التالي:


1- الله تعالى هو خالق السموات والأرض:


الله وحده الذي خلق السموات والأرض, لا يشركه في ذلك أحد, وهما من أعظم المخلوقات, وفيهما ما لا يحصى من الآيات, وكان أهل الجاهلية يقرِّون بتفرد الله بخلق السموات والأرض وحده, ولا يجادلون في ذلك, {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْض}.


2- يوم يقول كن فيكون:


في يوم القامة يقول ربُّ العزَّة: {كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقّ} أي: يقول ليوم البعث والنشور: {كُنْ فَيَكُونُ} أي: يكون كما يريده الله و{قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْك} أي: قوله تبارك وتعالى الحق الذي لا باطل فيه, وله الملك الذي لا نقص فيه, وفي ذلك اليوم {يُنْفَخُ فِي الصُّور} البوق العظيم الذي ينفخ فيه إسرافيل عليه السَّلام, فتقوم الساعة, ثم ينفخ فيه مرَّة أخرى, فإذا هم قيام ينظرون.




3- عالم الغيب والشهادة وهو الحكيم الخبير:


عرَّفنا ربنا في خاتمة هذه الآية الكريمة بثلاث من صفاته الكريمة, فقال:{عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِير} فهو سبحانه وتعالى عالم الغيب, وهو ما غاب عنَّا من أمره تعالى وأمر هذا الكون, وأمر ما فيه من مخلوقات, وعالم ما نشاهده من هذه الحياة, وهو الحكيم سبحانه في تشريعه, والحكيم في أفعاله, وهو سبحانه الخبير بكلِّ شيءٍ, لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.




4- الله- سبحانه- فالق الحبِّ والنوى:


أخبرنا الله- تعالى- عن نفسه أنَّه{فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُون} ]الأنعام: 95[ أعلمنا- عزَّ وجلَّ- أنَّه يفلق حبَّ القمح والشعير والذرة ونحوها, ويفلق نوى التَّمر والخوخ والدراق ونحوها عندما تندثر في التراب, وينزل عليها الماء, فيخرج من الحبوب النبات, ومن النَّوى الأشجار, وقد فسَّر الله تعالى فلقه للحبِّ والنَّوى بقوله: {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ} فمن الحبِّ والنوى الميت تخرج النَّبتة الحيَّة والشجرة الحيَّة, ومن النَّبتة الحيَّة, والشجرة الحية تخرج الحبوب والثمار الصلدة القاسية, {ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} هذا هو ربُّنا- تبارك وتعالى- الذي يستحقُّ أن يعبد دون غيره, فكيف تصرفون عن الحقِّ بعد هذا البيان.


وفي هذا الذي أخبرنا به سبحانه- عن نفسه في هذه الآية حجَّة على المكذبين بالبعث والنشور, فالقادر على أن يفعل هذا بالنبات, قادرٌ على إحياء الناس بعد موتهم.




5- الله سبحانه فالقُ الإصباح:


عرَّفنا ربُّنا عزَّ وجلَّ على ثلاثة من أفعاله تدلُّنا عليه سبحانه {فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانً} ]الأنعام: 96[.


أخبرنا ربُّنا عزَّ وجلَّ أنه: «يفلق ظلام الليل عن غرَّة الصباح, فيضيء الوجود, ويستنير الأفق, ويذهب الليل بسواده وظلام رواقه, ويجيء النهار بضيائه وإشراقه» ]ابن كثير: 3/ 61[.


وقد بيَّن سيد قطب رحمه الله تعالى العلاقة بين فلق الله الإصباح وفلقه الحبَّ والنوى, فقال: «وانفلاق الإصباح من الظلام حركة تشبه في شكلها انفلاق الحبّة والنواة, وانبثاق النُّور في تلك الحركة, كانبثاق البرعم في هذه الحركة, وبينهما من مشابه الحركة والحيوية والبهاء والجمال سمات مشتركةٌ, ملحوظةٌ في التعبير عن الحقائق المشتركة في طبيعتهما وحقيقتهما كذلك.


وبين انفلاق الحبِّ والنوى وانفلاق الإصباح وسكون الليل صلةٌ أخرى, إنَّ الإصباح والإمساء, والحركة والسكون في هذا الكون أو في هذه الأرض ذات علاقةٍ مباشرة بالنبات والحياة» ]في ظلال القرآن: 2/1157[.


وقوله تعالى: {وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا} أي جعل الله الليل الذي يغشى الأرض بظلامه ليسكن فيه الناس سكون راحةٍ, كما قال تعالى:{هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ} ]يونس: 67[.


وقوله تعالى: {وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا} أي: يجريان بحساب مقدَّرٍ مقنَّنٍ, لا يتغيَّر, ولا يضطرب, بل كلُّ منهما له منازل يسلكها في الصيف والشتاء, فيترتَّب على ذلك اختلاف الليل والنهار طولاً وقصراً {لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} ]يس: 40[ والحسبان جمع حسابٍ, مثل ركبانٍ وركاب, وشهبان وشهاب, وقوله عزَّ وجلَّ {ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعزَّيزِ الْعَلِيمِ} ]الأنعام: 96[ أي: هذا الذي ذكره سبحانه من فلقه الإصباح, وجعله الليل سكناً, وجعله الشمس والقمر حسباناً هو تقدير الله سبحانه الذي لا يغالب ولا يمانع ولا يخالف, العليم بكلِّ شيءٍ فلا يخفى عنه شيءٌ في الأرض ولا في السماء.


6- جعل الله لنا النجوم لنهتدي بها في ظلمات البر والبحر:


أعلمنا الله- تعالى- أنه جعل لنا النجوم لنهتدي بها في ظلمات البرِّ والبحر {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} ]الأنعام: 97[ وهذا مما امتنَّ الله به علينا في خلقه النجوم لنا, فسالكو القفار وراكبو البحار يهتدون بها في ظلمة الليل.


وختم سبحانه الآية بقوله: {قَدْ فَصَّلْنَا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} ]الأنعام: 97[ أي: قد بيَّنا الآيات التي سبق ذكرها, لقوم يعلمون شرع الله, ليتدبروها ويعرفوا الحق ويتجنبوا الباطل.


7- أنشأ الله تعالى البشر كلَّهم من نفس واحدة:


امتنَّ الله علينا نحن البشر بخلقنا من نفسٍ واحدةٍ {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} ]الأنعام: 98[ والنفس الواحدة التي يعود البشر كلُّهم إليها هي آدم عليه السَّلام, فمنه خلق الله زوجه حواء, وخلق بقية البشر من ذكرٍ وأنثى, إلا عيسى ابن مريم, فإنَّه خلق من أنثى هي أمُّه مريم من غير أبٍ, قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً} ]النساء: 1[.


وقوله تعالى: {فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ} ]الأنعام: 98[ ذهب كثيرٌ من أئمة التفسير كابن مسعودٍ, وابن عباسٍ, وأبي عبد الرحمن السلميِّ, وقيس بن أبي حازمٍ, ومجاهدٍ, وعطاءٍ, وإبراهيم النخعيِّ, والضَّحاك, وقتادة, والسُّديِّ, وعطاءٍ الخراساني إلى أنَّ المستقرَّ: الأرحام, والمستودع: أصلابٌ الرجال ]ابن كثير: 3/62[.


وقد تقدَّم العلم اليوم واكتشف أنَّ الإنسان يوجد من الخليَّة الملقحة, يقول سيد قطب في تفسير قوله تعالى: {فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ} «إنَّها اللَّمسة المباشرة في هذه المرة..., اللمسة في ذات النفس البشرية, النفس البشرية الواحدة. تبدأ الحياة فيها خطوتها الأولى للتكاثر بالخلية الملقحة, فنفسٌ هي مستودعٌ لهذه الخلية في صلب الرجل, ونفسٌ هي مستقرٌ لها في رحم الأنثى..., ثم تأخذ الحياة في النمو والانتشار, فإذا أجناسٌ وألوان؛ وإذا شياتٌ ولغاتٌ؛ وإذا شعوبٌ وقبائل؛ وإذا النماذج التي لا تحصى, والأنماط التي ما تزال تتنوع ما دامت الحياة.


{قَدْ فَصَّلْنَا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ} فالفقه هنا ضروريٌّ لإدراك صنع الله في هذه النفس الواحدة, التي تنبثق منها النماذج والأنماط, ولإدراك الموافقات العجيبة الكامنة وراء اتخاذ التلاقح وسيلة للإكثار, وتوفير الأعداد المناسبة دائماً من الذكور والإناث- في عالم الإنسان- لتتم عملية التزاوج التي قدَّر الله أن تكون هي وسيلة الإخصاب والإكثار, ووسيلة تنشئة الأطفال في ظروفٍ تحفظ (إنسانيتهم) وتجعلهم أكفاء للحياة (الإنسانية)! » ]في ظلال القرآن: 2/1159 بشيء من الاختصار[.




8- إنزال الله- تعالى- الماء من السماء وإنبات النبات به:


حدَّثنا ربُّنا- تبارك وتعالى- عن إنزاله الماء من السماء وما يفعله هذا الماء عندما ترتوي به الأرض, فلو أنَّك مررت بأرضٍ يابسةٍ جرداء, جادها الغيث فروَّاها, ثم مررت به مرةً أخرى بعد فترةٍ ليست بالطويلة, فإنَّك ترى عجباً, ترى تلك الأرض الجرداء أصبحت مُعشوشِبةً خضراء, تراها تنبت, وتزهر, وتخرج حبَّها, وثمرها, ومن يحسن النظر إلى آثار المياه, ويحسن الوصف, يرينا منظراً رائعاً بديعاً, ولا أحد أحسن وصفاً من وصف ربِّ العباد, ومن تأمَّل في وصفه لآثار ما صنع المليك, يرى صورةً مبهجةٍ ذات زينةٍ ورونقٍ, يقول ربُّنا الحكيم العليم: {وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً} ]الأنعام: 99[ وكلُّ ما علاك فهو سماءٌ, ومن ذلك الغمام الذي ينزل منه الماء, فأخرج الله سبحانه به نبات كلِّ شيءٍ, أي أخرج به جميع أنواع النبات, فلو أنك نظرت في القطعة الواحدة من الأرض التي غذاها الغيث, فإنَّك تجد فيها ما لا يحصى من النبات على شتى أنواعه وألوانه, وأخرج سبحانه من ذلك النبات خضراً, عبَّر عن الخضرة التي اتَّصف بها النبات بقوله: {خَضِراً}, وخضراً أرقُّ وألطف من كلمة: أخضر.


وأخبرنا العليم الخبير سبحانه أنَّه أخرج من ذلك النبات الخضر حباً متراكباً, وهذا الحبُّ المتراكب تراه فيما ينبته القمح والشعير والذرة ونحوها من السنابل, ويخرج من النخيل من طلعها قنوان دانيةٌ, والطَّلع أول ما يرى من عذق النخلة, الواحدة طلعةٌ, ويخرج لنا ربُّنا من طلع النخل قنونًا دانيةً, والقنوان العذق الذي يحمل الثَّمر, والعذق في النَّخلة بمثابة القطف من العنب, وهذه القنوان دانيةٌ, أي قريبة المتناول, وعندما نقف ننظر إلى النَّخل وقد تدلَّت قطوفه, وتهدَّلت, نراها كما وصف ربُّنا: {قِنْوَانٌ دَانِيَة}.


هذا الذي سبق ذكره مشهد وصفه مليكنا سبحانه لأرضٍ أنبتت النبات, ومشهد آخر يريناه في قطعةٍ أخرى يتمثَّل في الجنَّات, وهي {وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ} والجنات البساتين, وهي بساتينٌ من أعنابٍ, وقد يكون الشجر زيتوناً أو رماناً, وما أنبته الله من النبات, وما أخرجه من أشجارٍ قد يكون مشتبهاً, وقد يكون غير متشابه, وقد يتشابه النبات, وقد تتشابه الأشجار, وقد يكون التشابه في الشجر, قد يكون التشابه في الثمر, وقد يكون في الطَّعم, وقد يختلف ذلك كله, فلا تشابه فيه.


إنَّ هذا الوصف الرائع المبهج الممتع يأسرك, ويملك عليك نفسك, ولذا دعانا ربُّنا إلى النظر إليه بأبصارنا, ننظر إلى ثماره من النخيل والأعناب والزيتون والرمان, وننظر إلى ينعه, أي إلى نضجه, وكمال النظر وغايته أن يحصل الاعتبار بما نراه ونشاهده, فإذا هو آياتٌ للمؤمنين, تدلُّهم على ربِّهم, وتهديهم إليه سبحانه.


أعد النظر في هذه الآية التي حدَّثتنا عن إنزال الماء من السماء, وفعل المليك سبحانه بالأرض التي ارتوت بالغيث {وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} ]الأنعام: 99[.




خامساً: كيف عرَّفنا ربُّنا تبارك وتعالى بنفسه في هذه الآيات:


عرَّفنا ربُّنا ربُّ العزَّة- سبحانه وتعالى- في هذه الآيات بنفسه على النحو التالي:
1- الله- تبارك وتعالى- هو خالق السموات خلقاً كائناً بالحقِّ, فقد خلقهما سبحانه وتعالى لغايةٍ عظيمةٍ هي أن يعبد ويطاع سبحانه.
2- الله تعالى له الملك التَّام في يوم القيامة, فلا يملك أحدٌ معه شيئًا.
3- في يوم القيامة يأمر ربُّ العباد بالنفخ في الصور, فتقوم القيامة, ثم ينفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون.
4- الله تعالى عالم الغيب والشهادة, وهو الحكيم في شرعه وفعله, وهو الخبير.
5- الله تعالى هو فالق الحبِّ والنوى, يخرج من الحبَّة الصماء النبتة الخضراء, ويخرج من النبتة الخضراء الحبَّة الصماء.
6- الله سبحانه هو فالق الإصباح, فبعد ظلمة الليل يثور الضياء, ولا يزال يتزايد, ويتوهجُّ حتى يملأ الضياء الكون.
7- جعل الله تعالى الليل لنا سكناً, ننقطع فيه عن الحركة, وتهدأ فيه أفعالنا, وقد جعل الله لنا النهار ننبعث فيه إلى العمل.
8- جعل الله سبحانه وتعالى لنا الشمس والقمر حسباناً, فبالشمس نعرف مقدار الليالي والأيام, وبالقمر نعرف مقدار الشهور والأعوام.
9- وجعل الله تعالى لنا النجوم لنهتدي بها في ظلمات البرِّ والبحر, ونعرف مسارنا فوق ظهر أرضنا في أسفارنا, فكثير من الناس يعرفون طرقاتهم في أسفارهم بالنظر في النجوم الثابتة في ظلمة الليل.
10- الله تعالى هو الذي خلقنا بخلق أبينا آدم من نفسٍ واحدةٍ, فقد خلق منه زوجه حوَّاء. وخلق منهما جميع الرجال والنساء.
11- الله تعالى الذي أنزل الماء من السماء, فأخرج بذلك المطر نبات الأرض, فأخرج من ذلك النبات القمح والشعير والذرة وغيرها, يخرج من نبتها وسنابلها حبّاً متراكباً, نشاهده في القمح والشعير والذرة ونحوها, وأخرج لنا من أشجار النخيل من طلعها قنواناً دانيةً. يخرج لنا منها قطوفاً قريبة المأخذ, وجعل لنا فيما ينبته من الأشجار جناتٍ من أعنابٍ والزيتون والرمان, يشبه بعضه بعضاً أحياناً, وقد يختلف فلا يتشابه.
* * *









رد مع اقتباس
قديم 2014-12-23, 10:42   رقم المشاركة : 13
معلومات العضو
بلقيس الخاتون
عضو مجتهـد
 
الصورة الرمزية بلقيس الخاتون
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

سبحانه جل شانه عظم جاهه وسلطانه.


شكرا لمجهوداتك وجعلها في ميزان حسناتك
.










رد مع اقتباس
قديم 2014-12-23, 10:43   رقم المشاركة : 14
معلومات العضو
seifellah
عضو متألق
 
الصورة الرمزية seifellah
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز مميزي الأقسام 
إحصائية العضو










افتراضي

الموضع القرآني 24

الله تعالى الذي أنشأ جنات وعروشات

وغير معروشات





أولًا: تقديم


عرَّفنا ربُّنا العليُّ الأعلى سبحانه وتعالى بنفسه, فأخبرنا أنه أنشأ لنا جناتٍ معروشاتٍ وأخرى غير معروشاتٍ, وأنشأ لنا بساتين النخيل والزيتون والرمان, وأنشأ لنا من الأنعام حمولةً تحملنا وأثقالنا, وفرشاً, وهي التي ننتفع بألبانها ولحومها.




ثانيًا: آيات هذا الموضع من سورة الأنعام


{وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآَتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ * وَمِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} ]الأنعام: 141-142[.

ثالثًا: تفسير مفردات هذه الآيات


الجنات: البساتين التي يحفها الشجر, مأخوذةٌ من جنَّ إذا ستر, لأنَّها تستر بأشجارها من يكون تحتها.
معروشات: بساتين الأعناب القائمة على العروش, وهي الأعمدة.
غير معروشاتٍ, أي: الملقاة على الأرض.
مختلفاً أُكلُه: مختلفاً طعمه, فقد يكون حلواً أو مُراً أو حامضاً.
متشابهاً وغير متشابه: في المنظر أو الطعم, وقد تختلف فيهما.
ولا تسرفوا, أي: لا تبالغوا في الإنفاق حتى يضرَّ بكم.
حمولة وفرشاً: الحمولة الكبار من الإبل التي تحمل الأحمال, وقد يستعمل في الفرس والبغل والحمار, وفرشاً الصغار من الإبل, والبقر والغنم.
خطوات الشيطان: خطوات جمع خطوة, وهي طرقه المضلَّة.




رابعًا: شرح آيات هذا الموضع


عرَّفنا ربُّنا- سبحانه وتعالى- بنفسه تبارك وتعالى ببيان ما يأتي:




1- الله- تعالى- هو الذي أبدع لنا ما في الأرض من جناتٍ:


أعلمنا ربُّنا- العليُّ العظيم- أنه {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ} ]الأنعام: 141[ أي: هو سبحانه الذي أنشأ لنا جنَّاتٍ معروشاتٍ وغير معروشاتٍ, والمراد بالمعروشات بساتين الأعناب المرفوعة على الأعمدة والعروش, وغير المعروشات ما لم يرفع, بل هو ملقى على الأرض.


والجنَّات: البساتين التي يحفُّها الشجر, مأخوذةٌ من جنَّ إذا ستر, لأنها تستر بأشجارها من يكون تحتها.


وقد تكون هذه الجنات من أشجار النخيل أو الزيتون أو الرمَّان, وقد يزرع بين الأشجار الحبوب من القمح والشعير والذُّرة, وقد يزرع فيها الرَّياحين وغيرها, وقوله: {مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ} أي: مختلفاً طعمه, فقد يكون حلواً, وقد يكون حامضاً, وقد يكون بين ذلك.


والزيتون أنواعٌ كثيرةٌ, متشابهةٌ فيما بينها, في منظرها وطعمها, وقد تختلف فيما بينها, ومثل ذلك يقال في الرُّمان, تتشابه في المنظر, وقد تختلف, وقد يكون من الرُّمان الحلو والحامض.


وقوله تعالى: {كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآَتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِين} ]الأنعام: 141[.


هذا الأمر الذي أمرنا به في الآية, وهو الأمر بالأكل من ثمار الأشجار من العنب والنَّخل والزيتون والرُّمان أمر إباحةٍ, وهو يأتي في مقابل ما حرَّمه أهل الجاهلية من الحرث, وأمرنا مع الأكل أن نؤتي حقَّه يوم حصاده, والحقُّ الذي أُمر المؤمنون بإيتائه حقٌّ غير مقدَّرٍ يخرجه صاحبه من ثمار الأعناب والنخيل والزيتون والرمان, وليس المراد به الزكاة, فهذه الآية مكَّيةٌ, ولم تكن الزكاة قد فرضت بعد, ولو كانت الآية في شأن الزكاة لما أمر فيها بإخراج نصيبٍ من بساتين الرُّمان, فإنَّ الرمَّان لا زكاة فيه, وكذا لا يصحُّ الاحتجاج بالآية على وجوب إخراج الزكاة من الزيتون, ومما يدل على أنَّ الآية ليست في الزكاة أن الزكاة لا تؤدَّى في يوم الحصاد.


وقوله: {وَلَا تُسْرِفُو} نهيٌ عن إخراج ربِّ المال ما يضرُّ به, وبمن يتولَّى الإنفاق عليه من الذُّريَّة والزوجة وغيرهم, وعلَّل النهي عن الإسراف بأنه {لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}.


2- امتنانُ الله علينا بما خلقه لنا من الأنعام:


أعلمنا ربُّنا- تبارك وتعالى- في الآية السابقة أنَّه أنشأ جناتٍ معروشاتٍ وغير معروشاتٍ, ثم عطف عليها الآية التالية وهي قوله سبحانه: {وَمِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} ]الأنعام: 142[. أي: وهو الذي أنشأ جناتٍ معروشاتٍ وغير معروشاتٍ, وأنشأ حمولةً وفرشاً من الأنعام, فالله- سبحانه- هو الذي رزقنا أنواع الحبوب والأشجار وأنواع الأنعام, والحمولة: الإبل الكبار التي يرُكب عليها, ويُحمل عليها, والفرش الصغار من الإبل, والبقر والضأن والمعز مما لا يُحمل عليه, سمَّى صغار الإبل والغنم والبقر فرشاً لقربها من الأرض, فهي كالفرش, وقيل: الفرش ما يفرش على الأرض حين الذبح, وقال ربُّ العزَّة في الحمولة من الإبل التي يحمل عليها الأثقال: {وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ} ]النحل: 7[ وقال {فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ} ]يس: 72[.


وقوله تعالي{كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ} أي كلوا مما رزقكم الله من الجنات, ومن الأنعام سواءً كانت حمولةً أو فرشاً, ولا تحرِّموا على أنفسكم شيئًا, ولا تجعلوا منه للأصنام شيئًا.


وقوله: {وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} نهانا عن اتباع خطوات الشيطان, فإننا إذا اتَّبعنا خطواته أضلَّنا وأدخلنا النَّار, فهو عدوُّنا الذي كاد أبانا آدم وأمَّنا حوَّاء, والخطوات: جمع خطوةٍ, وهي طرقه المضلِّة, ومنها تلك التشريعات التي يحلُّ بها ما حرَّم الله, ويحرِّم ما أحلَّ, كما بيَّن الله تعالى ذلك في آيات النصِّ السابق.


خامساً: كيف عرَّفنا ربُّنا العلي الأعلى سبحانه بنفسه




عرَّفنا ربُّنا وهو أكرم الأكرمين بنفسه في هذه الآيات الكريمات ببيان ما يأتي:
1- الله- تبارك وتعالى- هو الذي أنشأ في أرضه الواسعة لعباده جناتٍ من الأعناب, بعضها معروشة, وأخرى منها غير معروشة.
2- وأنشأ لهم جناتٍ من النخيل, والنخيل أنواع وأشكال, وقد يزرع في بساتين النخيل الزروع فيما بين الأشجار.
3- والله- تعالى- هو الذي أنشأ لنا الجنات من الزيتون والرمان, وبعض هذه قد تتشابه أشجارها, وبعضها تتشابه ثمارها في منظرها أو في طعمها, وقد لا تتشابه في شيءٍ من ذلك.
4- الله- تبارك وتعالى- هو الذي أنشأ لنا من الأنعام حمولةً وفرشاً, فالحمولة كبار الإبل التي تحملنا وتحمل أثقالنا, والفرش صغار الإبل والبقر والغنم التي جعلها الله لننتفع بلبنها ولحومها وأصوافها وجلودها.
* * *










رد مع اقتباس
قديم 2014-12-23, 10:47   رقم المشاركة : 15
معلومات العضو
seifellah
عضو متألق
 
الصورة الرمزية seifellah
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز مميزي الأقسام 
إحصائية العضو










افتراضي

الموضع القرآني 25

تمكين الله تعالى لنا في الأرض




امتنَّ الله- تبارك وتعالى- على الناس في هاتين الآيتين بأن مكَّن لهم في الأرض, فعليها نبني مساكننا, ونتَّخذ من سهولها جنات وبساتين, ونستفيد من نباتها وحيواناتها وأسماكها وطيورها, ونتَّخذ من ذلك كله معايش, أي: ما يمكننا من المعيشة... في الحياة الدنيا, {وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ} ]الأعراف: 10[.


وتمكين الله تعالى لنا في الأرض بأن جعل الأرض صالحةً لحياتنا, وأوجد فيها ما يقيم حياتنا, وأقدرنا على السَّعي فيها, والاستفادة من خيراتها, وقوله تعالى: {قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ} أي: قليلاً ما تشكرونه على ما أنعم به عليكم.


وامتنَّ الله علينا بأنَّه خلقنا بخلق أبينا آدم عليه السَّلام من تراب, ثمَّ صوره بعد ذلك, وبعد أن خلق آدم وصوَّره نفخ فيه من روحه, وأسجد له ملائكته, {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ} ]الأعراف: 11[ وخلق الله تعالى سبحانه كلَّ واحد منَّا في رحم أمه, ثمَّ صوَّره فيه, ولذا فإنَّ من أسمائه سبحانه المصور.


* * *









رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
الله, جيدة, عباده, نفسه


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 22:43

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc