سم الله ،والحمد لله،والصلاة والسلام على رسول الله ،وبعد:
نظرت الشريعة إلى بر الوالدين وخاصة الأم نظرة خاصة ،وليس من الحكمة أن يقدم الرجل أمه على زوجته،ولا أن يظلم زوجته،ولكن على الزوج أن يقنع زوجته أن تكون بارة بأمه ،وأن تكسبها ،وعلى الزوج الحصيف أن يجمع بين بر أمه،ولا يحول بينه وبينه حائل مهما كان ،وأن يجمع أيضًا بين كسب زوجته،فإن كان هناك نزاع ،فمن البر أن يقدم أمه على زوجته ،مع عدم ظلمها.
يقول الدكتور محمد بكر إسماعيل الأستاذ بجامعة الأزهر:
ليس مِن البرِّ أن تبعد أمك عنك مهما كانت الظروف، فالْزَمْ سَريرَها وكُنْ تحتَ قَدَمَيْهَا، فالجنة تحت أقدام الأمَّهات، فقد خابَ وخسِرَ مَن أدرَكَ أبوَيْه أو أحدَهما فلم يُدخلاه الجنة، متِّعْ نَاظرَيْكَ بالنظَر إليها ومتِّعْها بالنظَر إليك، فأنت منها بمَنزلة الرُّوح مِن الجسد، أنت فلذةُ كبِدِها ونبضات قلْبها، فلا تُشعرها أبدًا بأنك قد تَخلَّيتَ عنها وفضَّلتَ زوجتَكَ عليها، ولا تَكُنْ سببًا في ازدياد مرَضها، ولا تَنْصُرْ زوجتك عليها، وكُنْ حازمًا معها ولا تُمكِّنْها مِن الإساءة إلى أمِّك بأيِّ حال، واعلمْ أن البرَّ كلَّ البرِّ في قُربها منك وقُربك منها، كما أشار بذلك ربُّ العِزَّة في قوله جل وعلا: (إمَّا يَبْلُغَنَّ عِندكَ الكِبَرَ أحدُهُمَا أو كلاهمَا فلا تَقُلْ لهمَا أُفٍّ ولا تَنْهَرْهُمَا وقُلْ لهمَا قولًا كَريمًا. واخْفِضْ لهمَا جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وقُلْ رَبِّ ارْحَمْهمَا كما رَبَّيَانِي صَغِيرًا) فقوله: (إمَّا يَبْلُغَنَّ عِندكَ الكِبَرَ) يُفيد أنهما في حال الكِبَرِ لا بدَّ أن يكونَا عندك في بيتك وتحت رِعايتك، فهذا هو الإحسانُ في أسمَى صُوره وأبهَى مَعانيه، فهما لا يَسعدانِ بشيء مهما عظُم قدْرُه مِثلمَا يَسعدانِ بالنظر إليك والتحدُّث معك والعيش في ظلِّك وهما في أواخر العُمر.
دمت...