جزاك الله خيرا
قال – تعالى - : {وأنه هو أضحك وأبكى} [سورة النجم : 43].
البكـــــــــاءُ فطرةٌ بشريّةٌ كما ذكر المفسرون ، فقد قال القرطبي في تفسير قول الله - تعالى - {وأنّه هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى} [سورة النجم : 43].
أي : قضى أسباب الضحك والبكـــــــــاء.
وقال عطاء بن أبي مسلم يعني : [أفرح وأحزن، لأن الفرح يجلب الضحك، والحزن يجلب البكـــــــــاء ...] انظر : [تفسير القرطبي 17 / 116].
وقد يعتقد البعض الآخر أن البكـــــــــاء لرقة القلب أو الحزن والألم خاصــة من الرجال يدل على ضعف الشخصية وضعف الإيمان بالله – تعالى -.
وهذا اعتقاد خاطئ لأن البكـــــــــاء وخشوع القلب، وتأثره عند سماع القرآن الكريم، أو موعظـــــــةً من هدي المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، أو عند التفكر والتدبر في آلاء الله - تعالى - ومعجزاته وعظيم قدرته - سبحانه - هو من صميم الإيمان بالله - تبارك وتعالى -.
يقول الحق - سبحانه وتعالى - : {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِين أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِين قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ ۞ وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} [سورة المائدة 82 ــ 83].
وقال - تعالى - : {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ۞ وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ ۞ إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [التوبة 91 ــ 93].
وقال - تعالى - : {أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا} [سورة مريم 58].
البكـــــــــاء نعمة عظيمة امتنّ الله – تعالى - بها على عباده ، ارتبطت بمشاعر الإنسان، لأنه استجابة طبيعية لانفعالاتنا الداخلية، فيهِ متنفّس من هموم الحياة ومتاعبها، ومواساة للمحزون، وتسلية للمصاب.
ولعل من الأخطاء الشائعة أن يعتبر البعض البكـــــــــاء دليلاً على الخَوَر والضعف فيستحيى منه، بل هو ردّ فعل غريزي في الإنسان لا يملك في الغالب دَفْعَه، وهو مباحٌ بشرط ألاّ يصاحبه ما يدلُّ على التسخُّط من قضاء الله وقدره.
فقد بكى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مواضع ومناسبات كثيرة، منها عند وفاة ولده إبراهيم وقال : (إنَّ اللهَ لا يُعذِّبُ بدمعِ العينِ ولا بحزنِ القلبِ، ولكن يُعَذِّبُ بهذا - وأشار إلى لسانه - أو يرحمُ) رواه : [البخاري (1242) ومسلم (924)].
وهو شائع في مختلف الأعمار والأجناس والبيئات، وينصح العلمــــــــاء بعدم كبته، والتعبير والإفصاح عما يختلج في النفس به عند الحاجة، حيث وجد العلماء أن البكـــــــــاء يريح الإنسان من الضغوط التي يتعرض لها، ويُخلِّص الجسم من الكيماويات السامة التى تكونت نتيجة الضغوط والانفعالات.
فقد أكدت بعض التجارب أن الدموع تخلص الإنسان من مواد سامة يفرزها الجسم كله في حالة التوتر … وأنه يجب أن يُنظر للبكاء على أنه عملية تنظيف مثل التبول والعرق.
وكشفت الدراسة أن تركيب الدموع يختلف تبعاً لمسبباته وللأشخاص الباكين أيضاً.
فقد تبين أن دموع الفرح مثلاً تحتوى على نسبة كبيرة من الزلال تزيد بحوالى 25% عن الدموع الأخرى.
أما كبت الدموع وعدم إظهار الانفعالات فإنها تؤدى إلى الكثير من الأمراض مثل الطفح الجلدي، أو إصابة الجهاز التنفسي، أو الجهاز المعوي، أو المعدي مثل قرحة المعدة، أو إصابة القولون.
فالدموع تغسل العين وتنظفها من كل جسم غريب وضار بها، وتعمل كأحد أنظمة طرح النفايات خارج الجسم. - والله تعالى أعلم -.
من محاضرات اللجنة النسائية بمركز الإمام الألباني رحمه الله – تعالى -.
__________________