نظرة الإسلام إلى ذوي الاحتياجات الخاصة
يتواجد في المجتمعات البشرية فئات لها وضع صحي خاص، مما يتوجب معه نوع خاص من التعامل من قبَل المجتمع تجاه هذه الفئات، وآخر من التكيف من قبلهم تجاه الخلل الذي يعانونه... هذا الخلل الجسدي أو النفسي أو الذهني تختلف درجات العجز فيه، وبالتالي تختلف نوعية التعامل معه ومدى الاستفادة من الشخص العاجز أو المعاق عن أداء واجباته، أو الحياة بشكل طبيعي كبقية أفراد المجتمع الأصحاء .
وفي حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم تبدو الإعاقة قدراً ابتليت به ذرية آدم؛ لحكمة قدَّرها الله تعالى، يقول صلى الله عليه وسلم:
(لما خلق الله آدم مسح ظهره، فسقط من ظهره كل نسمة تكون إلى يوم القيامة، فعرضهم على آدم فرأى فيهم القوي والضعيف والغني والفقير والمبتلى، قال: يا رب ألا سوّيتَ بينهم؟ قال: أردتُ أن أُشكَر) وفي رواية أخرى (ثم عرضهم على آدم فقال: يا آدم هؤلاء ذريتك. وإذا فيهم الأجذم والأبرص والأعمى وأنواع السقام، فقال آدم: يا رب لمَ فعلت هذا بذريتي؟ قال : كي تُشكَر نعمتي).
لقد اقتضت حكمة المولى -جل في علاه- أن يكون من بين أبناء آدم معاقون، والغاية الحكيمة أن يدرك الأصحاء تمام نعمة الله عليهم باكتمال خلقتهم؛ فيشكرونه تعالى، لذا كان من هديه عليه السلام
(من رأى مبتلى فقال: "الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به وفضّلني على كثير ممن خلق تفضيلا" إلا عُوفيَ من ذلك البلاء، كائنا ما كان ما عاش). إنه إدراك متكامل لما أنعم الله عليه من تمام العافية، يتبعه امتلاء بالشكر والعرفان، يترجمه شكر بالقول بشرط الهمس مع النفس بذلك، مراعاة لإحساس المعاق وحفاظا على شعوره. وفي المقابل فإن الإسلام يدعو المبتلى بالحمد على القضاء والصبر عليه، فمن ابتلي في حبيبتيه (عينيْه) فصبر واحتسب كان جزاؤه الجنة.
وقد ورد في القرآن الكريم والسنة الشريفة صور مختلفة للإعاقة الشائعة بين الناس، قال تعالى
{صُمٌّ بكمٌ عميٌ فهم لا يرجعون} [البقرة: 18]. كما ورد حديث الأعمى والأبرص والأقرع، وكيف نظر كل واحد منهم إلى نعمة العافية. على أنه قد تكون الإعاقة الحسية موجودةً ويعوض الله عنها بنعمة أخرى، فالأعمى تزداد رهافة سمعه حتى يشعر بكل صغيرة مهما دقَّت، وقد يعوِّضه عن حاسة البصر برشد البصيرة واستنارتها، ألم يستبصر ابن أم مكتوم ويعمى المبصرون.. حتى عاتب فيه رب العزة نبيه الكريم (صلى الله عليه وسلم) في عبس وتولى، ألم يقسم عمرو بن الجموح أن يطأ بعرجته الجنة؟ تلك مفارقة الصحة والإعاقة والعجز والصَّمَم تقود إلى مجد دنيوي وأخروي،
والسؤال كيف نظر الإسلام إلى المعاقين من حيث حقوقهم وواجباتهم؟
أولاً: حقوقهم
1- رفع الحرج عنهم في ترك الجهاد
{ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار ومن يتول يعذبه عذاباً أليما} [الفتح: 17]، إذن فالأمر لهم بالخيار بين قبول عذر وترغيب بعظيم الثواب.
2- تقديم المعوقين في الذكر عند رفع الحرج عن الجميع، مما يدل على أهمية المقدم، فلقد أصاب المؤمنين الحرج من دخول بيوت أقاربهم والإصابة مما فيها من طعام، فامتنعوا عن ذلك وقد كانوا يصحبون معهم ذوي الاحتياجات الخاصة، فأنزل الله الآية وقدمهم.
{ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم أو بيوت أمهاتكم...} [النور: 61].
3- حفظ أموال السفهاء من الإتلاف والضياع، لأن المال مال الله استخلف فيه من يستطيع استغلاله مع حفظ حق الرعاية لمن لا يصلح لذلك
{ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا} [النساء: 5].
4 - العدالة الإلهية في رفع المسؤولية والتكاليف كاملة عن المعاقين ذهنيا، قال صلى الله عليه وسلم:
(رفع القلم عن ثلاث.. وذكر عن المجنون حتى يفيق).
5- احترام الكفاءات منهم، وتوكيلهم ببعض المهام متى استطاعوا القيام بها، فلقد استخلف الرسول صلى الله عليه وسلم ابن أم مكتوم على المدينة في إحدى غزواته، كما حمل لواء الإسلام في معركة القادسية حيث الضرب والطعان من حوله .
ثانيا: واجباتهم
1- بقاء المسؤولية عليهم وعدم إسقاطها، كالديْن الذي نقل الشرع إلى القيِّم على المعاق إملاؤه
{يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله فليكتب وليملل الذي عليه الحق وليتق الله ربه ولا يبخس منه شيئا فإن كان الذي عليه الحق سفيهاً أو ضعيفاً أو لا يستطيع أن يُملَّ هو فليُملل وليُّه بالعدل} [البقرة: 282].
2- عدم سقوط العقوبة عن المُعَاق وإن روعيت حاله، كما لا تسقط عنه التكاليف التعبدية، فعليه تأديتها على قدر استطاعته، فالأعمى لا تسقط عنه صلاة الجماعة في المسجد، ومن يعجز عن الصلاة قائماً يصلي قاعداً أو مستلقيًا، وكذا في شتى العبادات كلٌّ بحسب حالته، ولقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن إطالة الإمام في الصلاة لأن فيهم الضعيف وصاحب الحاجة.
ولعل في النهي الرباني عن التنابز بالألقاب واتخاذ العيوب الخُلقية مدعاة للتندّر والانتقاص من أصحابها، ما يؤكد عِظَم المسؤولية الملقاة على جميع أفراد المجتمع تجاه هذه الفئة؛ التي إذا ما أحسِن استغلال إمكانياتها ووضع قدراتها في المكان المناسب ما يجعل هذا المجتمع يستفيد من طاقاتها أعظم فائدة، بدلا من إلقائها في مجهول السؤال والشحاذة والمتاجرة بالعاهات، ونقطة أخرى تهم أفراد عائلة المعاق وهي الإسقاط السلبي الذي يصابون به بشكل غير مباشر، بحيث يرون نقصًا فيهم لارتباطهم بأفراد معاقين .
منقول....