اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابوزيدالجزائري
أخي الكريم لقد قلت في مشاركتي أن السياسة من اختصاص أهلها و لم أقل أنها من اختصاص رجال الدين ، و لكن لا بد أن تكون وفق ضوابط و أطر يجمعها ضرورة التحاكم الى الشرع ، و أما عن كيفية ذلك فهذا بحث آخر يجرنا الى الكلام عن تقنيين الفقه و آليات تطبيق الشريعة و...و ما الى ذلك ، و هذا ما لا أستطيع أن أتكلم فيه لأنه يحتاج الى تصور جيد للواقع بمختلف تعقيداته مع فقه للشريعة و مقاصدها ، و هذه في رأيي وظيفة يجب أن تنهض بها المجامع الفقهية فهي تملك الامكانات اللازمة لذلك و تضم علماء في مختلف التخصصات الدينية و الدنيوية .
لكن لا يمكن لهذه المجامع أن تجسد ما تصل اليه على أرض الواقع ان لم يتجاوب معهم الساسة ، لأن المشكلة أن كثيرا منهم ليس لديه قناعة بأن الشريعة كفيلة بالنهوض بالأمة ، بل لديه تصور أنها مثل النصرانية تعيق العقل و تكبله .
|
أخي قناعتي أن النهوض السياسي و الحكم الراشد لا يستلزمان تطبيق الشريعة لأن من الدول الكافرة من حققت ذلك . لذا فالتقدم السياسي و الصناعي و الإقتصادي و الثقافي و العلمي تحكمه قولنين و نواميس و سنن كونية عامة لا علاقة لها بالدين , و نحن نرى ذلك رأي العين . مثلا لو تناقشنا في سبل تحقيق نهضة صناعية فما دخل الشريعة في هذا النقاش . و امامنا تجارب امم مسلمة حققت نهضة صناعية بدون أن تاصيل فقهي و كل هذا الكلام . ما أعتقده يا اخي أن التقدم و التخلف مرتبط بسنن إنسانية عامة و الكفيل بنهوض هذه الامة هو فهم و تمثل تلك السنن .
إذا كان التقدم ممكن بدون شريعة فدعونا نتقدم اولا ثم لنرى كيف يمكن تطبيق هذه الشريعة . لنضع الحصان امام العربة و لنتحرك . لكن الخطاب الديني يقول لنا لا يجب التحرك حتى نفصل في كل شيء , و بهذه الطريقة سنضل في نقاشات عقيمة نتراشق بالنصوص و الفتاوى و غيرنا يتطور . و عندما يتغلب انصار تطبيق الشريعة لا نحصل إلا على كوارث كما في الصومال و أفغانستان . لهذا إعذرني إن كنت لا أجد من جدوى في الكلام عن تطبيق الشريعة في هذه الوقت و هذه الظروف .
و البعض يعتقد انه سيكون اكثر إيمانا و إسلاما إذا نادى بضرورة تطبيق الشريعة فورا و في أسرع وقت . اما انا فرى أنه كلما تأخر ذلك كان افضل للمسلمين . الحديث عن تطبيق الشريعة بالنسبة لي هو كالحديث عن تأثيث البيت قبل بنائه . و هي في كثير من الاحيان مجرد مزايدة من البعض ليبدو اكثر تدينا و تقوى و غيرة على الإسلام , بل تجد في بعض الاحيان مزايدة على الشريعة و الدين نفسه . و المزايدة من صفات المتشددين و المنافقين و لا احسبك منهم .