بما أن عنوان الموضوع (ما حكم المظاهرات) فإن حديثي سيكون على المظاهرات ومشروعيتها:
-01-
بالنسبة للحديث عن كون الحكام الظلمة عقوبة يسلطهم الله على الظالمين؛ بسبب ذنوب المحكومين..إلى غير ذلك، هذا كلام صحيح
لكن أليست هذه المظاهرات هي شكل من أشكال التغيير نحو الأفضل؟ أليست محاولة للعودة نحو المسار الصحيح؟
-2-
اقتباس
أقول: تبين مما سبق أن المظاهرات إنما هي اجتماع لإقامة عبادة اسمها(إنكار المنكر)
هل يمكنك أن توضح لنا هذه النقطة أكثر، لأن تغيير المنكر يكون بوسائل مختلفة، وحديثنا هنا عن الوسيلة المتبعة في إنكار المنكر
-3-
* (الكلام المقتبس هنا عن الخروج في مظاهرات في البلاد الغربية تضامنا مع الشعب الفلسطيني)
لكن فيه بعض الفوائد:
"وإن كانت الوسيلة مباحة ، فهذه مسألة اختلفت فيها أنظار أهل العلم بين مجيز ومانع .
ومستمسك المانعين أنهم جعلوا الوسائل تعبدية ، فلا يتجاوز فيها المنصوص أو المقيس عليه .
والصوابإن شاء الله تعالى أن الوسائل ، وهي الطرق إلى المقاصد غير منحصرة ، وأنهاتأخذ حكم مقاصدها ، وأن النظر في الوسائل يكون من جهة : هل هي ممنوعة أولا . وليس : هل هي مأمور بها أو لا.
أي أننا في باب الوسائل ننظر : هلنهى الشارع عن هذه الوسيلة أو لا ، ولا نحتاج إلى البحث في : هل أمر بهاالشارع أو لا. بل يكفي في الوسائل أن يكون الشارع قد أباحها أو سكت عنها .
الثانية : من جهة المقاصد ، وذلك أننا لا نحكم للوسائل ـ على التفصيل السابقـبحكم منفصل عن الغاية المقصودة من ورائها ، لأنه قد تقرر أن الوسائل لهاأحكام المقاصد. فإذا كان القصد مطلوبا شرعا ، والغاية مأمورا بها من حيث هي، فإنه يشرع التوصل والتوسل إليها بكل وسيلة غير ممنوعة شرعا .. فنصرةالمسلم المظلوم مطلوبة شرعا . قال تعالى : ( وإن استنصروكم في الدين فعليكمالنصر ) وقال عليه الصلاة والسلام : ( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهممثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر ) متفق عليه. فكل وسيلة قديمة أو مستحدثة غير ممنوعة شرعا ، يغلب على الظنأنها تحقق المقصود ، وهو النصرة ورفع الظلم أو تخفيفه ، فإنها جائزة ، بلمأمور بها ، بحسب مالها من أثر ."
فمن خلال ما سبق ربما يتبين لنا أن المظاهرات هي وسيلة جائزة لرفع الظلم
ومن جهة أخرى ألا يتفق معي البعض أن أدلة تحريم المظاهرات التي يستشهد بها السادة الأفاضل إنما تنطبق على حالات الخروج عن الحاكم؟
فالخروج عن الحاكم شيء، والتعبير عن وجود الظلم شيء آخر
فإذا كانت المظاهرات سلمية وليس مقصودها إسقاط الحكم أو الخروج عنه، إنما من أجل الضغط على الحكومة كي تقوم بإصلاحات أكثر، ولتهتم بشعبها وتعطيه مزيدا من حقوقه الشرعية.. إذا كانت المظاهرات بهذا الشكل ألا نحكم بجوازها؟
حتى ولو وقع فيها دماء، ألا يمكننا أن نستشهد في هذه النقطة بحديث النبي صلى الله عليه وسلم (من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتلدون أهله فهو شهيد، مون قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون عرضه فهو شهيد)
-4-
* قال السيوطي في 'الأشباه والنظائر': 'قَاعِدَة: الأَصْلُ فِي الأَشْيَاءِالإِبَاحَةُ حَتَّى يَدُلُّ الدَّلِيلُ عَلَى التَّحْرِيمِ' [الأشباهوالنظائر [ص/60].
ويقول ابن القيم رحمه الله (لَمَّا كَانَتِ الْمَقَاصِدُ لا يُتَوَصَّلُ إلَيْهَا إلاَّ بِأَسْبَابٍوَطُرُقٍ تُفْضِي إلَيْهَا كَانَتْ طُرُقُهَا وَأَسْبَابُهَا تَابِعَةًلَهَا مُعْتَبَرَةً بِهَا, فَوَسَائِلُ الْمُحَرَّمَاتِ وَالْمَعَاصِي فِيكَرَاهَتِهَا وَالْمَنْعِ مِنْهَا بِحَسَبِ إفْضَائِهَا إلَى غَايَاتِهَاوَارْتِبَاطَاتِهَا بِهَا, وَوَسَائِلُ الطَّاعَاتِ وَالْقُرُبَاتِ فِيمَحَبَّتِهَا وَالإِذْنِ فِيهَا بِحَسَبِ إفْضَائِهَا إلَى غَايَتِهَا)إعلام الموقعين 2/148
قال ابن تيمية:
إن تصرفات العباد من الأقوال والأفعال نوعان: عباداتيصلح بها دينهم وعادات يحتاجون إليها في دنياهم فباستقراء أصول الشريعة نعلم أنالعبادات التي أوجبها الله أو أحبها لا يثبت الأمر بها إلا بالشرع. وأما العاداتفهي ما اعتاده الناس فيدنياهم مما يحتاجون إليه. والأصل فيه عدم الحظر، فلا يحظر منه إلا ما حظره الله سبحانه وتعالى، وذلك لأن الأمر والنهي هما شرع الله ،والعبادة لا بد أن تكون مأمورا بها، فما لم يثبت أنه مأمور به – أي من العادات – كيفيحكم عليه بأنه محظور؟
من خلال ما نقل فإن المظاهرات ينطبق عليها هذا الحكم وهي أنها من باب الوسائل التي يتوصل بها إلى تحقيق المنفعة والخير الكثير والحصول على الحقوق والكرامة وإيقاف الظلم وإنكار المنكر..
* هل هناك دليل صريح على حرمة المظاهرات؟ (أقول المظاهرات وليس الخروج عن الحاكم)
* في 'الصحيحين' عن أبي سعيد الخدري مرفوعًا (مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًافَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْلَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَان)
فتغيير المنكر إذا واجب وهذا بحسب ما يتيسر لكل واحد منا، والمظاهرات السلمية هي وسيلة لتغيير المنكر..
* يقول النبي صلى الله عليه وسلم (انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً)
وفي المظاهرات نصرة للحاكم الظالم بتنبيهه وإيقافه عن الاستمرار في أحكامه الجائرة
* قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الناس إذا رأوا منكرا فلم يغيروه، يوشك أنيعمهم الله بعقابه " ، وفي رواية لأبي داود: " إذا رأوا الظالم فلم يأخذواعلى يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب " وقال صلى الله عليه وسلم: " ما من قوميُعمل فيهم بالمعاصي يقدرون أن يُغَيِّروا عليهم ولا يغيروا، إلا أصابهمالله بعقاب قبل أن يموتوا " .وعن حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " والذي نفسي بيده لتأمرنبالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عذابا من عنده ثملتدعنَّه ولا يستجاب لكم " .وقال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث السفينة: " فإن أخذوا على يديه أنجوه ونجُّوا أنفسهم، وإن تركوه أهلكوه وأهلكوا أنفسهم " .
من خلال هذه الأحاديث فإن تغيير المنكر أمر لابد منه
*(إذا اعتبرنا جدلا أن المظاهرات لم يشهد لها الشرع بإبطال ولا باعتبار معين؛فهي داخلة في المصالح المرسلة؛ حيث تجلب النفع، وتدفع الضر عن المسلمين؛فالأصل في تكاليف الشريعة أنها ترجع إلى حفظ مقاصدها في الخلق؛ ضرورية كانتأم حاجية، أم تحسينية.
والمطالبة بحقوق المسلمين المغتصبة، ورفع الأذى الواقع عليهم، ورد العدوانعنهم، وتذكيرهم بحقوقهم، وتنبيه الحكام إلى حقوق المواطنين، ودعوتهمللإصلاح، ومحاربة مظاهر الفساد؛ لا شك أن ذلك كله جلب للمنافع ودفعللمضرات، فهو داخل في المصالح المرسلة التي اعتمدها الإمام مالك كثيرا فيمذهبه.)
* (لا تتحقق النصيحة أو النصرة أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتغييرإلى الأفضل إلا بوسائل، والوسائل من قبيل العادات، تختلف من زمان لآخر، ومنمكان لآخر، وللوسائل حكم المقاصد، ولم ينص الشرع على وسائل بعينها في كلالأمور، ولا حرم سواها من الوسائل المستحدثة.
كما أن الوسائل المستحدثة وإن كانت بدعا بالمعنى اللغوي العام، إلا أنهاليست بدعا شرعا ما دامت فرضتها الحاجة ولم تخرج عن مقاصد الشريعة؛ بل هيالوعاء الذي به يُظهر الناسُ التزامهم بأوامر الشرع ونواهيه. كما سيأتي كيف اعتمد السلف الصالح التواعد على التجمع ضد الخلفاء الفاسدينالظالمين، دون إنكار من أئمة الأمة، بل استحسنوا فعلهم وسردوه في مناقبهم.
وعليه فليست المظاهرات تقليدا أعمى للغرب، فهي ليست في حد ذاتها عبادة،ولكنها أصبحت واجبة لأنها الوسيلة الأقوى لتغيير المنكر ونصرة المظلومين)
* بعض ما ورد عن السلف:
وقال ابن قدامة في المغني 1/161 : " لأن الأصل الإباحة، وترك النبي صلىالله عليه وسلم لا يدل على الكراهة، فإنه صلى الله عليه وسلم قد يتركالمباح كما يفعله " .
* ومن ذلك ما ذكره ابن الجوزي في المنتظم قال في حوادث سنة 464هـ؛ حيث اجتمعالحنابلة في جامع القصر، فأقاموا فيه مستغيثين، وأدخلوا معهم الشيخ أباإسحاق الشيرازي وأصحابه، وطلبوا قلع المواخير وتتبع المفسدات ومن يبيعالنبيذ، وضرب عملة جديدة للتعامل فيما بينهم، حتى استجاب لهم أميرالمؤمنين، ووعد بقلع المواخير ومكاتبة عضد الدولة برفعها، والتقدم بضربدراهم يتعامل بها، فلم يقتنع أقوام منهم بالوعد، وأظهر أبو إسحاق الخروج منالبلد فروسل برسالة سكتته .
* ومنه ما ذكره ابن الجوزي في المنتظم من اجتماع الناس في يوم الخميس رابععشر المحرم من سنة ( ) خلق كثير، بعد أن أغلقوا دكاكينهم – يعني: إضراب - وقصـدوا دار الخلافة، وبين أيديهم الدعاة والقراء وهم يلعنون أهل الكرخ – أي منكرين لبدعة إظهار شتم الصحابة التي وقعت من أهل الكرخ – واجتمعواوازدحموا على باب الغربة، وتكلموا من غير تحفظ في القول فراسلهم الخليفةببعض الخدم أننا قد أنكرنا ما أنكرتم ، وتقدمنا بأن لا يقع معاودة،فانصرفوا .
* في سنة إحدى وثلاثين ومائتين قتل الواثقُ الخليفةُ العباسيُ الإمامَ أحمدَ بن نصر الخزاعي.
و كان أحمد بن نصر هذا من أهل العلم والديانة والعمل الصالح والاجتهاد فيالخير، وكان من أئمة السنة الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، وكانالواثق من أشد الناس في القول بخلق القرآن، يدعو إليه ليلاً ونهاراً سراًوجهاراً. فقام أحمد بن نصر هذا يدعو إلى الله و إلى الأمر بالمعروف و النهيعن المنكر والقول بأن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق، في أشياء كثيرةدعا الناس إليها. فاجتمع عليه من الخلائق ألوف كثيرة، وجماعات غزيرة، فلماكان شهر شعبان من هذه السنة انتظمت البيعة لأحمد بن نصر الخزاعي في السِّرعلى القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والخروج على السلطان لبدعتهودعوته إلى القول بخلق القرآن، ولما هو عليه وأمراؤه و حاشيته من المعاصيوالفواحش وغيرها، فتواعدوا على أنهم في الليلة الثالثة من شعبان وهي ليلةالجمعة يضرب طبل في الليل فيجتمع الذين بايعوا في مكان اتفقوا عليه، ولكنلخطأ بعض أتباعه انكشف أمرهم جميعا، وقطعت رأس أحمد بن نصر .
وأحمد بن نصر هذا إمام من أئمة أهل السنة والجماعة، وكان من أهل العلموالعمل، وهو تلميذ: الإمام مالك، وحماد بن زيد، وسفيان بن عيينة، وهشيم،ومن تلامذته: أحمد بن إبراهيم الدورقي، وأخوه يعقوب، ويحيى بن معين، ومحمدبن يوسف الطباع.
ولما ضربت عنقه قالت رأسه: ( لا إله إلا الله ) كما قرأت رأسه وهي معلقة: " الم* أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون " .
ذكره الإمام أحمد بن حنبل يوما فقال: رحمه الله، ما كان أسخاه بنفسه لله، لقد جاد بنفسه له. كما أحسن يحيى بن معين عليه الثناء جدا.
وفي قصة أحمد بن نصر هذه مسألتان:
الأولى: جواز العمل السري والبيعة عليه لأجل إزالة المنكر والتصدي لبدعوظلم الإمام ولو كان خليفة المسلمين. وقد تم منه ذلك دون إنكار أحد منالأئمة الأعلام الذين بايعوه أو عاصروه كأحمد بن حنبل ويحيى بن معين، بلأثنوا عليه وبجلوه، وتُرجم له في كتب الرجال والتاريخ بإمام أهل السنة.
الثانية: جواز التجمع والتواعد عليه لمحاربة المنكر وإزالته والتصدي للظلم، دون إذن الإمام أو الحاكم.
وخبر اتفاقه للخروج والتظاهر ضد الظلم والفساد أورده العلماء في مناقبه رضي الله عنه وأرضاه.
تأصيل آخر لجواز المظاهرات:
ولمسلم في رواية ، قال : قيل لأسامة : « لو أَتيتَ عثمانَ فَكلَّمْتَهُ ،فقال : إنكم لَتَرَوْنَ أَنِّي لا أُكَلِّمُهُ إِلا أُسْمِعُكم ، وإني أُكلِّمُهُ في السِّرِّ ، دونَ أَن أَفْتَح بابا لا أكونُ أوَّلَ مَنْفَتحَهُ ، ولا أَقول لرجلٍ إن كان عليَّ أَميرا : إِنَّهُ خيرُ الناس : بعدَ شيء سمعتُه من رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- ، قالوا : وما هو ؟قال : سمعتُه يقول : يُجَاءُ بالرجل يوم القيامة فيُلْقى في النار ،فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُهُ، فيدور كما يَدُور الحمار بِرَحَاهُ ، فَيجتَمِعُ أَهل النار عليه، فيقولون : يا فلان ، ما شأنك ؟ أَليس كنتَ تأمُرُنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟ فيقول : كنت آمُرُكم بالمعروف ولا آتيه،وأنهاكم عن الشر وآتيه».
قال الحافظ النووي في " شرح مسلم "18 / 118 :
" قوله ( أفتتح أمرا لاأحب أن أكون أول من افتتحه ) يعنى المجاهرة بالإنكارعلى الأمراء فى الملأ كما جرى لقتلة عثمان رضى الله عنه ، وفيه الأدب مع الأمراء ، واللطف بهم ، ووعظهم سرا ، وتبليغهم ما يقول الناس فيهم لينكفواعنه ، وهذا كله اذا أمكن ذلك ، فإن لم يمكن الوعظ سرا والإنكار ، فليفعله علانية لئلا يضيع أصل الحق "
وقال العيني في " عمدة القاري " 23/34:
" فيه الأدب مع الأمراء واللطف بهم ووعظهم سرا وتبليغهم قول الناس فيهم ليكفوا عنه هذا كله إذا أمكن فإن لم يمكن الوعظ سرا فليجعله علانية لئلا يضيع الحق لما روى طارق بن شهاب قال قال رسول الله أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر وأخرجه الترمذي من حديث أبي سعيد بإسناد حسن "
قال الطبري : معناه : إذا أمن على نفسه ، أو أن يلحقه من البلاء ما لا قبل له به ، روي ذلك عن ابن مسعود وحذيفة وهو مذهب أسامة .
وقال آخرون الواجب على من رأى منكرا من ذي سلطان أن ينكره علانية كيف أمكنه ، روي ذلك عن عمر وأبي بن كعب رضي الله تعالى عنهما"
والمظاهرات نوع من تغيير المنكر والتبليغ عنه
****************