السّلامُ عليكم؛
شكرا لكم يا إخوة؛ أستحسن تأويل الكوفيين؛ ثمّ الأوّلَ فالثّاني؛
الفاعل إمّا أن يكون الفاعل حقيقةً أو مجازاً؛ فقولك " مات زيدٌ " ليس كقولك " قام زيدٌ "؛ فكلاهما فاعلٌ؛ بيد أنّ الفاعل حقيقةً في الأولى هو للهُ؛ جلّ وعلا؛ فهو للّذي يتوفّى الأنفُس حين موتها؛ و زيدٌ ههنا فاعلٌ مجازاً كأنّهُ مُرغمٌ؛ وفي الثّاني هو للّذي قام حقيقةً؛ هذا من جهة؛
من جهةٍ أخرى؛ لا يخفى أنّ البراغيث هي الآكلة؛ و الإعراب هنا في رأيى هو إيجاد حلّ للمُشكلة؛ بين الواو في " أكلو " من ؟ إنّهم " هم " أي الواو؛ وبين الفاعل الحقيقي " البراغيث "؛
فالأوّل رفعها فاعلاً؛ فجعل البراغيث بدلاً؛ كمن استبدل تفّاحة بتفّاحة؛ فصارت البراغيث فاعلاً للفعل بطريقة غير رسميّة؛
الثّاني؛ جعل الواو في حكم المعدوم؛ وأعاد للبراغيث شأنها؛ وهذا في رأيى تخريجٌ ضعيف؛ فأنت عندما تقول " أكلو*** ني " فأنت في قرارة نفسك تعلم أنّ الواوَ الدّالة عليهم هي السّبب؛ فأنت تُثبتُها؛ فكيف نجعلها " لا محلّ لها من الإعراب " !
أمّا الثّالث فهو ما أستحسنه؛ فكأنّك تأتي أخاك فتخبره قائلاً " أكلوني " فيسأل " من "؛ فتجيب مُبتدأ بالفاعل " البراغيث " فهي مُبتدأ؛ وقد ابتدأت بها الكلام؛ أوأنّك تبتدأ مرعوبا " البراغيث " فيسألك " وما شأنها " فتخبره " أكلوني "؛
السؤال المطروح؛ كيف جاء بالخبر وقد أُكل؛ أم ذهب الكلّ إلا ّ لسانه؛ أظنُّ أنّ تقدّم الخبر على مُبتدأه ههنا هو المُجيب؛ فكأنّ صاحبنا أتى بالخبر قبل المبتدأ؛ لشدّة النّازلة؛ فخاف أن يذهب لسانه؛ فقدّم الخبر على المبتدأ؛ ولو ابتدأ به لقضت على لسانه؛ فصار الخبر أقلّ وطأً خافتا؛ حتّى ذهاب صوته؛
أزيدكم؛ من قدّم البراغيث فقد ظلم أخانا؛ فأنت ترفع ظالم بقولك " البراغيث أكلوني "؛ أمّا قولك " أكلوني البراغيث " فأنت تؤخّره؛ ترفع شأن أخيك؛ فأنت تدافعُ عن قضيّته؛
هذا ما رأته الآن بصيرتي؛ وهو محاولة لتأويل ما ذكر الأخ ولد الحبيب؛ ولو رجعنا إلى كتب الأكابر؛ لفتح لله علينا غير هذا؛ فالمراجعة على المراجعة مفتاحُ المعرفة؛
السّلامُ عليكم. 
ولله أعلم.