![]() |
|
في حال وجود أي مواضيع أو ردود
مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة
( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .
آخر المواضيع |
|
طلباتكم اوامر لأي بحث تريدونه بقدر المستطاع
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
![]() |
رقم المشاركة : 1 | ||||
|
![]() بليز بحث حول الدولة العباسية في اقرب وقت
|
||||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 2 | |||
|
![]()
حث الدولة العباسية
أخبار الشيعة أولا بأول أدخل عنوان البريد الالكتروني ليصلك جديد الاخبار فوراً : FeedBurner الدولة العباسية تسلم العباسيون الخلافة سنة (132هـ ـ 750م) واستمروا فيها حتى (656هـ ـ 1258م) وحكم فيها سبعة وثلاثون خليفة بدءاً بابي العباس عبدالله بن محمد بن علي بن عبدالله بن عباس حتى آخر الخلفاء العباسيين المستعصم بالله أبي احمد عبدالله بن المستنصر. ومن أبرز خلفاء بني العباس أبو جعفر المنصور ثاني الخلفاء (136 ـ 158هـ /754 ـ 775م) الذي عرف بأدارته الحازمة والناجحة، وبناء مدينة بغداد .. الذي باشر فيه سنة 145هـ وقد تألق المهندسون العراقيون في أحكام قواعدها وتنظيم امكنتها وتشييد بنائها، وقد روعيت فيها أكثر أساليب بناء المدن تحضراً وتحقيقاً لوظيفة اجتماعية وسياسية وعسكرية وثقافية واقتصادية للمدينة. وقد عرفت بمدينة المنصور والمدينة المدورة ودار السلام وأنشئت في الجانب الغربي من دجلة. وازدهرت بغداد في عهد الخليفة الخامس هارون الرشيد (170هـ/781-809م) الذي عرف عصره بأزدهاره الثقافي والاقتصادي والاجتماعي فسمي بالعصر الذهبي إذ بلغت فيه بغداد قمة فخامتها عمرانياً وظهر الجانب الشرقي من المدينة حافلاً بقصوره وحماماته وأسواقه ومدارسه ومساجده غير أن ازدهارها الحقيقي تمثل بازدهار العلم والمعرفة والأدب وانتقال الثقافة العربية إلى آفاق عالمية وأكبت تعاظم الدور الاجتماعي والاقتصادي لبغداد. فلم تكن بغداد محض ظاهرة عمرانية أو سياسية على اهمية ذلك إنما بداية لعصر من الابداع الحضاري إذ انتقل إليها العلماء من المدينة المنورة والكوفة والبصرة واصبحت رمزاً لمدرسة فكرية موحدة وقبلة للعلم يقصدها طلابه من مختلف الأنحاء فأزدهرت فيها الترجمة وقاد بيت الحكمة حركة اطلاع واسعة على التراث العالمي. شهدت الخلافة العباسية تنافس عناصر السكان الذين حوتهم وفي الفترة التي حكم فيها المعتصم بالله بن هارون الرشيد (1218 هـ ـ 833م) ظهر دور الجند الأتراك الذين تزايدوا فيما بعد وأخذوا يتدخلون في سياسة الدولة فاضطربت أحوال الخلافة واستمر تردي الإدارة فيها إلى دخول البويهيين. البويهيـون ينتمي البويهيون إلى بويه، وهو رجل من الديلم الذين يسكنون جنوب غربي بحر قزوين. استطاع الاستيلاء على أقليم الديلم ثم على الهضبة الإيرانية وفي عهد أبنه معز الدولة تقدم البويهيون في 334هـ ـ 940م بجيش إلى العراق ودخلوا بغداد وبسطوا نفوذهم على العراق ولم يبقوا للخلافة غير نفوذها الأسمي وكانت الدولة البويهية تدار من شيراز قاعدة أمير الأمراء البويهي في حين يتمتع سلطان بغداد بالاستقلال، وتميزت السيطرة البويهية بنظامها الاقطاعي في الحياة الاقتصادية وحتى في الجيش وقد شجع البويهيون الطائفية في بغداد وأشاعوا الفتن والاضطرابات ليشقوا الوحدة الاجتماعية ويضمنوا استمرار احتلالهم ، كما فرضوا الرقابة على الحياة الفكرية . وقد اضطربت أحوال العراق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية ولم تنفع محاولات الخلفاء استعادة السلطة حتى ظهر السلاجقة الأتراك. السلاجقـة ظهر السلاجقة في الاقسام الشرقية من الدولة العباسية وتوسعوا على حساب الدولة الغزنوية في خراسان حيث أعلن طغرلبك الولاء والطاعة للخليفة العباسي طالباً اعترافاً به في وقت ازداد الصراع بين الأمراء البويهيين وبينهم أمراء القبائل المحلية مثل (خفاجة). وقد وجد الخليفة العباسي ظهور السلاجقة فرصة للتحرر من السيطرة البويهية، فأمر بالخطبة لطغرلبك بجوامع بغداد. وفي سنة 447هـ ـ 1055م دخل طغرلبك بغداد، غير أن موقف السلاجقة من الخلافة لم يختلف عن الموقف البويهي، فهم أيضاً كانوا مجرد سلطة اقطاعية ولم يشعر السكان بالأطمئنان إليها فثاروا عليها. الحق السلاجقة العراق بدولتهم واستعملوا عليه نائباً عنهم وتركوا لهم جيشاً في بغداد، وشجعوا الانقسامات القبلية واضطهدوا السكان ونهبوا موارد البلاد وقد رفض السكان السيطرة السلجوقية وتجمعوا حول الخليفة وشهدت الفترة المتأخرة من عهد السيطرة السلجوقية محاولات الخلافة المتعددة للتحرر منها وكانت أكثرها عمقاً وتعبيراً محاولة الخليفة المسترشد (512 ـ529هـ/ 1118 ـ 1135م) الثورة التي انتهت بقتل الخليفة، غير أن ثورات العراقيين استمرت حتى اثمرت في سنة 566هـ ـ 1170م إذ شهدت الخلافة يقظة استمرت حتى دخول المغول مدينة بغداد (656هـ ـ 1258م) ومن أشهر خلفاء هذه الفترة الناصر لدين الله (575 ـ 622هـ ـ 1180 ـ 1225م) الذي استمر في الحكم 16 عاماً عالج فيها الأوضاع الداخلية بحزم مركزاً في الوحدة الاجتماعية فترك لخلفائه وضعاً مستقراً أفاد منه المستنصر بالله الذي ارتبط عصره بنشأة المدرسة المستنصرية وهي، بنظامها واهدافها وطبيعة عملها ، تعد أول جامعة من نوعها في العالم، عنيت بدراسة علوم القرآن والسنة النبوية والمذاهب الفقهية الأربعة وعلوم العربية والرياضيات وقسم الفرائض والتركات ومنافع الحيوان وعلم الطب وحفظ قوام الصحة وتقويم الأبدان. واشتهر عهده بالعمارة، وتعود معظم العمائر العباسية الباقية في العراق إلى فترة حكمه كما ازدهرت الفنون وشهد العصر أحد ابرز الرسامين (يحيى بن محمود الواسطي). وازدهرت حركة التأليف في النحو والشعر والبلاغة وأدى انتشار المدارس إلى إزدهار علوم التربية والتعليم، وتطور الفكر الجغرافي لكي يستجيب لاحتياجات الإدارة أولاً ثم للأغراض العلمية البحت، وتطور الفكر التأريخي ليعزز العلوم الدينية وأغراض علم التأريخ. وظهرت مدرسة بغداد التأريخية في القرن الثالث الهجري متكاملة في المنهج والفلسفة وتنوع الكتب التأريخية كما ازدهر علم الكلام وتطورت العلوم الصرف سواء في منهج البحث العلمي أم في نحو العلوم وتفرعها كالعلوم الرياضية والفلكية والعلوم الطبيعية والطب والصيدلة. لقد قادت هذا التطور مؤسسات أبرزها بيت الحكمة الذي أسسه هارون الرشيد، وقاده علماء ومفكرون عظام حققوا انجازات كبيرة في مجال الفكر والعلوم. رافق هذا الازدهار ازدهار الحياة الاجتماعية والاقتصادية وحدث كله بقيادة بغداد التي اصبحت أم الدنيا وقبلة الناس وموئل التجارة فتغنى بها الشعراء والف فيها الكتاب وسطر الأدباء حياتها فنقشت في قلوب البشرية مكانة العراق واحتلت في التأريخ حيزه الكبير. الاحتلال المغولي ظهر المغول في أواسط آسيا وأقاموا امبراطوريتهم الواسعة بقيادة جنكيز خان (1154 ـ 1227م) وشملت جزءاً كبيراً من الصين واواسط آسيا وإيران وشرقي اوربا. وفي سنة 656هـ ـ 1258م تقدم هولاكو على رأس جيش إلى بغداد فأحتلها ووضع السيف في رقاب أهلها وقتل الخليفة وأبقي على الوزير مؤيد الدين بن العلقمي وبعض موظفي الإدارة ممن واطؤو المغول على إدارة العراق الذي اصبح جزءاً من الأمبراطورية بعد ان قسموه ثلاث ولايات. 1 ـ العراق وهو القسم الأهم من أراضي الخلافة ويشمل الأراضي الممتدة من الزاب الأعلى شمالاً إلى عبادان جنوباً ومن القادسية عند حافة الصحراء غرباً إلى حلوان شرقاً. 2 ـ الجزيرة الفراتية وتشمل الموصل وسنجار والعمادية وأربيل. 3 ـ بلاد الجبل وبضمنها منطقة شهرزور وسمي العراق مملكة ودعي حكامها بالملوك. نظام الحكم في العهد العباسي: أولاً الوزير: والوزارة لم تكن معروفة بهذا الاسم في عهد الدولة الأموية وأول من سمي بها لعهد أبي العباس السفاح أبو سلمة الخلال شيخ الدعوة بالكوفة فقد كان يعرف بوزير آل محمد وأصله مولى لبني الحارث بن كعب وكان سمحاً كريماً مطعاماً كثير البذل مشغوفاً بالتنوف في السلاح والدواب فصيحاً عالماً بالأخبار والأشعار والسير والجدل والتفسير حاضر الحجة ذا يسار ومروءة ظاهرة. ثانياً الحاجب: وهو موظف كبير لا يَمْثُل أحد بين يدي الخليفة إلا بإذنه وقد وجد الحاجب في عهد بني أمية وقد أحدثوه لما خشوا على أنفسهم من الفتاكين بعد حادثة الخوارج مع علي وعمرو بن العاص ومعاوية بن أبي سفيان. ثالثاً الكاتب: وهو الذي يتولى مخاطبة من بعد عن الحضرة من الملوك والأمراء وغيرهم وكثيراً ما كان يتولى الخليفة نفسه تلك الكتابة. رابعاً صاحب الشرط: وهو المحافظ على الأمن وكان المنصور يختار صاحب الشرط آمن الرجال وأشدهم وكان له سلطان عظيم على المريبين والجناة. خامساً القاضي: وكان ينظر في قضايا مدينة المنصور وحدها ولم يكن له سلطان على قضاة الأقاليم لأن منصب قاضي القضاة لم يكن أنشىء بعد. الجيش: أهم ما تظهر به الدولة جيشها الذي يذود عن حياضها ويحمي بيضتها وقد كان الجيش لعهد الدولة الأموية عربياً محضاً جنوده وقواده فلما جاءت الدولة العباسية كان ظهور نجمها على يد أهل خراسان الذين يرجع إليهم أكبر الفضل في ثل عرش الدولة الأموية وبالضرورة يكون لهم حظ وافر من الدولة وحمايتها لذلك كان جيش الديوان في أول عهد العباسيين مؤلفاً من فريقين. الأول: الجيوش الخراسانية الثاني: الجيوش العربية. وقوادهم من الفريقين بعضهم من العرب وبعضهم من الموالي. وكان أكبر القواد المعروفين في أول عهد الدولة أبو مسلم الخراساني لجيوش المشرق الخراسانية. وعبد اللَّه بن علي لجيوش المغرب وأعظمها عربي من الجزيرة والشام. ومن مشهوري قواده العرب معن بن زائدة الشيباني وهو قائد شجاع كان في أيام بني أمية متنقلاً في الولايات. حاضرة الخلافة: (مدينة السلام- بغداد) وللمدينة أربعة أبواب كل اثنين منها متقابلان ولكل منها باب دون باب بينهم دهليز ورحبة تدخل إلى الفصيل الدائر بين السورين فالأول باب الفصيل والثاني باب المدينة فإذا دخل من باب خراسان عطف على يساره في دهليز معقود بالآجر والجص عرضه عشرون ذراعاً وطوله ثلاثون المدخل إليه في عرضه والمخرج منه وطوله يخرج إلى رحبة مادة إلى الباب الثاني طولها60 ذراعاً وعرضها40 ولها في جنبتيها حائطان من الباب الأول إلى الباب الثاني في صدر هذه الرحبة في طولها الباب الثاني وهو باب المدينة وعن يمينه وشماله في جنبتي بابان إلى الفصيلين. والأبواب الأربعة على صورة واحدة في الأبواب والفصيلان والرحاب والطاقات. ثم الباب الثاني وهو باب المدينة وعليه السور الكبير فيدخل من الباب الكبير إلى دهليز أزج معقود بالآجر والجص طوله20 ذراعاً وعرضه12 وعلى كل أزج من آراج هذه الأبواب مجلس له درجة على السور يرتقى إليه منها، على هذا المجلس قبة عظيمة ذاهبة في السماء سمكها50 ذراعاً مزخرفة وعلى رأس كل قبة منها تمثال تديره الريح لا يشبه نظائره. وعلى كل باب من أبواب المدينة الأوائل والثواني باب حديد عظيم جليل المقدار كل باب منها فردان. |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 3 | |||
|
![]() |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 4 | |||
|
![]()
" الدولة العباسية " بحث كامـل..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته مقدمة شغلت الخلافة العباسية حيزًا كبيرًا من الزمن طال عدة قرون، وقد توسعت هذه الدولة توسعًا كبير، وضمت في أرجائها أعراقا وأجناسا شتى من البشر، ولكن الباحث في تاريخ هذه الدولة يواجه صعوبات كثيرة في دراسته، ولهذا أسباب، يجدر بنا الإطلاع عليها: أسباب صعوبة دراسة التاريخ العباسي: 1ـ دولة مترامية الأطراف فيها أقاليم عدة: وصف المملكة الإسلامية حين استيلاء بني العباس: كانت المملكة الإسلامية تمتد من أقصى المشرق عند كاشغر إلى السوس الأقصى على شاطئ بحر الظلمات.. وتمتد عرضًا من شاطئ بحر قزوين إلى أواخر بلاد النوبة، وهي مقسمة إلى أقسام كبرى، وكل قسم يشتمل على عدة ولايات، وها نحن أولاء نذكر هذه الأقسام وما فيها من الولايات: 1ـ جزيرة العرب: وتشتمل على أربع كور جليلة: ـ الحجاز. ـ اليمن. ـ عمان. ـ هجر. وبهذه الجزيرة مكة وبها بيت الله الحرام والكعبة المقدسة التي جعلها الله قيامًا لناس وهي قبلة المسلمين كافة في صلاتهم، وبها طيبة: وهي مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم ومبعث النور الإسلامي.. أمة هذا القسم عربية محضة، تتكلم اللسان العربي إلا بصحار ـ قصبة عمان على شاطئ بحر الهند ـ فإن نداءهم وكلامهم بالفارسية وأكثر أهل عدن وجدة فرس إلا أن لغتهم عربية، ومذاهبهم السياسية: التشيع ببلاد اليمن، والخوارج بعمان وهجر، والسنة فيما عداهما.. 2ـ إقليم العراق وبه ست كور: ـ الكوفة. ـ البصرة. ـ واسط. ـ المدائن. ـ حلوان. ـ سامراء. وهذا الإقليم كان يسمى في القديم: إقليم بابل، وهكذا كان اسمه في التقويم الأول عهد العباسيين، ولقد كان زهرة ملك العباسيين وأجمل بلدان الدنيا وأثراها وروافده الدجلة والفرات من أحسن أنهار الدنيا.. وأمة هذا الإقليم نبطية، دخل عليها العرب في بلادها، فزاحموها وصارت كأنها لهم، ولذلك صارت لغة هذا إقليم عربية، وأصبح لغاتهم الكوفية لقربها من البادية وبعدهم عن النبط وأما البطائح فنبط، والذين نزلوا بهذا الإقليم من العرب أكثر من الذين نزلوا منهم بأي إقليم آخر ما عدا الشام والجزيرة، وقد كانوا بهذه الأقاليم الثلاثة قبل الإسلام، وكان بها منهم ملوك المناذرة بالعراق، والغساسنة بالشام، إلا أنهم لم يكونوا مستقلين بالملك، بل كانوا تحت رعاية الفرس والروم، فلما جاء الإسلام اتسق لهم الملك بالإقليمين، وكان الشام مهد الدولة الأموية، كما كان العراق مهد الدولة العباسية.. 3ـ إقليم الجزيرة: جزيرة أقور أو أثور أو أشور وهي ما بين دجلة والفرات، بها ثلاث كور: ـ ديار ربيعة. ـ ديار مضر. ـ ديار بكر. وقد نزل العرب قبل الإسلام بهذا الإقليم،وكانت به قبائل شتى من جميع العدنانيين حتى سميت كورة بأسمائهم، ولذلك يعتبر إقليمًا عربيًا محضًا، لأن من كان به من الآشوريين وغيرهم درست آثارهم، وينتهي هذا الإقليم إلى حدود الروم وأرمينية.. 4ـ إقليم الشام وبه ست كور: ـ قنسرين. ـ حمص. ـ دمشق. ـ الأردن. ـ فلسطين. ـ الشراة. وهذا الإقليم دخله العرب قبل الإسلام، وملكوا به، وزاحموا من كان به من الأمم القديمة.. ولما جاء الإسلام، كان مهدًا عظيمًا من مهود الحضارة العربية الإسلامية، ولغة أهله عربية.. وبهذا الإقليم: بيت المقدس، وهو ثالث المساجد المقدسة، بناه سليمان بن داود عليهما السلام حينما كان ملكًا على بني إسرائيل، ويعظمه جميع الأديان السماوية.. 5ـ إقليم مصر، وبه سبع كور على حسب التقويم القديم: ـ الجفار. ـ الحوف. ـ الريف. ـ إسكندرية. ـ مقدونيا. ـ الصعيد. ـ الواحات. وأمة هذا الإقليم كانت في القديم مصرية قبطية، ساكنها كثير من الأمم التي ملكتها كاليونان والرومان وغيرهم، وكان بالحوف بعض قبائل عربية تقيم فيها.. وعندما جاء الإسلام جاءها كثير من العرب الفاتحين، فأقاموا في مدنها الكبرى، ثم جاءت قبائل كثيرة من قيس في عهد الدولة الأموية، وأقامت بالحوف (الشرقية)، ثم اختلطت هذه الأمة الفاتحة، بالمصريين تمام الاختلاط، فتزاوجوا حتى غلب على الجمهور اللسان العربي والدين الإسلامي وذلك بعد تملك الدولة العباسية.. أما أول عهدها: فكان أكثر الفلاحين بالقرى أقباطًا لا يزالون على دينهم.. 6ـ إقليم المغرب، وهو سبع كور: ـ برقة.. ـ إفريقية. ـ تاهرت. ـ سلجماسة. ـ فاس (السوس الأدنى). ـ السوس الأقصى. ـ الأندلس. وهذا الإقليم كان يسكنه قبل الإسلام البربر، وساكنهم فيه كثير من الرومان والويز الذين ملكوا المغرب قبل الإسلام، فلما جاء الإسلام دخله العرب الفاتحون وزاحموا البربر، إلا أنهم لم يكثروهم لقتلهم، ولم يكثر العنصر العربي بها إلا بعد ذلك في منتصف القرن الخامس، فأمة هذا الإقليم الغالبة عليه لهذا العهد بربرية، واللسان الغالب هو اللسان البربري.. 7ـ إقليم المشرق، وهو إقليم ذو جانبين: ـ في الشرق، ويسمى جيحون أو أموداريا، ويسمى بما وراء النهر أو هيطل. ـ في الغرب، وهو ما كان غربي جيحون ويسمى خراسان. أولاً: ما وراء النهر: قال البشاري: "هذا الجانب أخصب بلاد الله تعالى وأكثرها خيرًا وفقهًا وعمرة، ورغبة في العلم، واستقامة في الدين، وأشد بأسً، وأغلظ معروفًا وضيافةً وتعظيمًا لمن يفهم".. وبهذا القسم ست كور: ـ فرغانة. ـ أسبيجاب. ـ الشاش. ـ أشروسنة. ـ الصغد. ـ بخارى. ثانيًا: خراسان، وبها تسع كور: ـ بلخ. ـ غزنين. ـ بست. ـ سجستان. ـ هراة. ـ جوزجانان. ـ مرو الشاهجان. ـ نيسابور. ـ قهستان. وهذا الإقليم من أعمر الأقاليم الإسلامية، وأهل خراسان منه هم الذين أقاموا الدولة العباسية وشيدوا صرحها، ومعظمهم كان شيعة لهم، أما أهل ما وراء النهر فجلهم من التركمان ولم يكن الإسلام قد شملهم لأول عهد العباسيين، وقد دخل العرب هذا الإقليم ولم يتجاوزوا النهر إلا في عهد الدولة الأموية، وقد كثرت فتوحاتهم فيما وراء النهر في عهد قتيبة بن مسلم الباهلي العامل من قبل الحجاج بن يوسف ولم تتغلب اللغة العربية على هذا الإقليم وما يأتي بعد من الأقاليم الفارسية، ولكن الدين الإسلامي شملهم فصار منهم أمة إسلامية قادرة، عمَّها العلم ـ ولا سيما الديني ـ ووجد منهم أفاضل الفقهاء من الشافعية والحنفية والمحدثين والعلماء في العلوم كافة.. 8ـ إقليم الديلم، وبه خمس كور: ـ قومس. ـ جرجان. ـ طبرستان. ـ الديلمان. ـ الخزر. وهذا الإقليم لم يفشُ الإسلام به إلا في عهد الدولة العباسية، ولم يتأثر كثيرًا باللغة العربية.. 9ـ إقليم الرحاب، وهو ثلاث كور: ـ أران. ـ أرمينية. ـ أذربيجان. وهذا الإقليم به كثير من الأجناس والألسنة، فيه الكرد والأرمن والفرس وغيرهم، ولم يفش الإسلام بهذه البلاد إلا في عهد الدولة العباسية، واللغة العربية به قليلة.. 10ـ إقليم الجبال وبه ثلاث كور: ـ الري. ـ همذان. ـ أصفهان. 11ـ إقليم خوزستان، ويعرف بالأهواز وبه سبع كور، وهي: ـ السوس، وهي تتاخم العراق والجبال. ـ جنديسابور. ـ تستر. ـ عسكر مكرم. ـ الأهواز. ـ الدورق. ـ رامهرمز. ولهذا الإقليم لسان خاص به يعرف باللسان الخوزي.. 12ـ إقليم فارس وبه ست كور: ـ أرجان. ـ أردشيرخرة. ـ درابجراد. ـ شيراز. ـ سابور. ـ أصطخر. وبهذا الإقليم عدد عظيم من الأكراد وباسمه سميت البلاد الفارسية كلها.. 13ـ إقليم كرمان، وبه خمس كور: ـ بردسير. ـ نرماسير. ـ السيرجان. ـ بم. ـ جيرفت. 14ـ إقليم السند وبه خمس كور: ـ مكران. ـ طوران. ـ السند. ـ ويهند. ـ قنوج. فهذه أربعة عشر إقليمًا منها ستة عربية وثمانية أعجمية، والمراد بكونها عربية: تغلب اللسان العربي على أهلها، وإلا فأصل إقليم العرب هو جزيرتهم فحسب.. وتشتمل هذه الأقاليم على ثلاث وثمانين كورة يجبي منها جميعها الخراج إلى حاضرة الدولة حيث يحمل منها ما بقي عن مصروفها، وذلك شيء عظيم.. هذا هو الملك الطويل العريض الذي ورثه العباسيون بهمة شيعتهم من أهل خراسان، وليس عدد ولاة هذه الدولة بعدد الأقاليم التي بيناها، بل كان بعض الأقاليم فيه الواليان والثلاثة، وبعضها قد يضم إلى إقليم آخر حسب الأحوال.(1) الأحداث المعقدة والمتشابكة في التاريخ العباسي : في الواقع إن أحداث تاريخ دولة الخلافة العباسية معقدة، ومتشعبة ومتشابكة، وذات تكوينات سياسية متعددة، وقد شكلت دولة إسلامية مترامية الأطراف، تُعَدُّ امتدادًا لدولة الخلافة الأموية، تفاعلت عليها عناصر متعددة عربية وفارسية وتركية، وشهدت بنى اجتماعية وعنصرية متباينة، وتطورات سياسية واقتصادية واجتماعية مهمة، حددت مسيرتها ونهجها، وظل العامل الأبرز في صنع هذه الأحداث والتفاعلات العقيدة الإسلامية بفعل تأثيرها الجذري في المجتمع الإسلامي. (2) وترجع هذه الأحداث المعقدة والمتشابكة إلى: (أ)ـ العرقيات المؤثرة سواء عربية أو تركية أو فارسية بالإضافة إلى عرقيات أخرى.. (ب)ـ المذاهب المختلفة سواء سنية أو شيعية، والشيعة مذاهب كثيرة متنوعة، وأحيانًا كان هناك خلاف بين المذاهب السنية.. أولاً: العرقيات المؤثرة: بعد أن توقفت الفتوحات الإسلامية منذ أواخر العصر الأموي، انصرف الناس إلى الصراع الداخلي، حتى إذا نهض العباسيون بالأمر، واستقر لهم وخلد الناس إلى الراحة قليلاً استغل هذا الوضع كل من كان يخفي في نفسه شيئًا، وكان معظم هؤلاء المستغلين من المجوس حيث أظهروا التشيع وساروا مع أبناء جلدتهم من المسلمين الفرس وراء العباسيين حتى إذا نهضوا بالحكم تسلم بعض الفرس سلطات واسعة، فاستفاد المستغلون من العصبية، وعملوا على تهديم الإسلام، وظهرت بينهم حركات سنباذ والمسيلمة والرواندية والمقنعية والبابكية، بل وأصابع الاتهام تشير إلى داعية بني العباس الأول، أبي مسلم الخرساني، إذ نسبت بعض هذه الفرق نفسها له، أو طالبت بدمه، وإن كان هذا يبدو استغلالاً وإفادة من وضعه، ومن هنا بدأت العصبية تبزغ بقرونه.. وكانت أرجاء الدولة الإسلامية متسعة وعدد السكان كبيرًا وخاصة في العاصمة، وقواعد الولايات، التي تضم أشتاتًا من الناس، وهذا يستدعي جندًا كثيرًا يوطِّد أركان السلطة، ويحفظ الأمن، ولما كان أهل البلاد يعيشون في حالة من الرخاء والرفاه فهم بعيدون عن حياة الجندية، وما دامت الفتوح الإسلامية قد توقفت، ولم يعد الجهاد على نطاق واسع كما كان، وإنما في أوقات محددة تقضيه الظروف ولهذا فإن السكان لا يرون ضرورة للانخراط في الحياة العسكرية، وكان الخليفة عندها مضطرًا لاستقدام جنود من مناطق لا تزال غير مترفة بعد، أو قد دانت بالإسلام منذ وقت قصير، أو يأتي بالأسرى والمماليك وينشئهم تنشئة عسكرية بعد أن يدخلوا في الإسلام، وقد جِيء بجند من الترك، وترقوا في الرتب حتى غدوا قادة ثم أصبح الأمر بيدهم يخلعون الخليفة إن شاءوا، ويعينون من أرادوا فضعفت هيبة الخلافة، وانخفضت مهابة السلطة. (3) ـ وقد تأثرت دولة الخلافة العباسية بذلك الصراع على النفوذ بين العرب والفرس والترك، وقوى نفوذ الفرس بفعل عدم قدرة الخلفاء المحافظة طويلاً على التوازن بين هذه الشعوب، فسيطروا على معظم المرافق، فكان منهم الوزراء والقادة المتسلطون بدءًا من عهد المنصور، حتى اضطر هارون الرشيد إلى نكبة وزرائه البرامكة، ثم رجحت كفتهم بعد انتصار المأمون على أخيه الأمين، وبلغ بنو سهل، وهم فرس، منزلة كبيرة في عهده، ورأى المعتصم أن يصطنع لنفسه عنصرًا جديدًا يعتمد عليه، فاتخذ من الأتراك بطانة وأداة، ووزراء، وقادة فقضى بذلك على النفوذ الفارسي.. وبوفاة الواثق في عام (232هـ/ 847 م) ينتهي العصر العباسي الأول.. وفقدت دولة الخلافة العباسية فعاليتها في العصر العباسي الثاني الذي ابتدأ في نفس العام، وذلك نتيجة لضعف لهيئة الحاكمة، مما أدى إلى إضعاف السلطة المركزية للدولة سياسيًا وإداريًا وماليًا وبالتالي أخذت الولايات تنفصل عنها.. لكن المباديء التي نادت بها الثورة، ظلت تؤتي ثمارها على الرغم من ضعف الخلافة وانتقلت الدولة من المركزية إلى اللامركزية في نظام الحكم، وقامت في الأطراف دول انفصالية ودخلت شعوب جديدة في المجتمع الإسلامي، تمكنت من الوصول إلى الحكم، ووقع الخلفاء تحت نفوذهم، مما أدى إلى تحجيم دورهم السياسي الفاعل، فبرز الأتراك على الساحة السياسية وقد حملوا عبء إدارة الدولة وتوارى الخليفة في الظل.. وتحول مسار التاريخ السياسي، الذي لم يعد تأريخًا للخلافة، وإنما أضحت الشعوب الإسلامية هي التي تصنع هذا التاريخ وتوجهه، فقد برزت العنصريات في ظل شعار المساواة بروزًا للامركزية، و من الطبيعي في هذا الوضع الشاذ، أن تتجه جهود المؤرخين إلى تأريخ سياسات الشعوب الإسلامية كجماعات إقليمية تسعى إلى تنمية شخصيتها ومصالحها، وتقوية قبضتها على ما تسيطر عليه، بدلاً من الاتجاه إلى تأريخ أعمال الخلفاء.. وتلاشت في هذا العصر، فكرة جمع العالم الإسلامي تحت قيادة سياسة واحدة، وتأرجحت علاقات الخلافة مع الدول الإقليمية بين العداء السافر حينًا والتعاون المثمر أحيانًا أخرى.. وشكل العصر العباسي الثالث الذي ابتدأ في عام (334هـ/ 945م) ردَّه فعل مناهضة للنفوذ التركي الذي سيطر على مقدرات الخلافة في العصر العباسي الثاني، ومثل حركة فارسية ـ شيعية تزعمها بنو بويه الذين أسسوا دولاً انفصالية في فارس والأهواز وكرمان والري وأصفهان وهمذان، وتمكنوا من فرض هيمنتهم الفعلية وبسط سلطتهم على العراق حتى عظم نفوذ هذه الأسرة وسمي باسمها العصر العباسي الثالث.. وقد حافظ البويهيون بعد تردد، على منصب الخلافة، لكنهم سيطروا على مقاليد الأمور، وتصرفوا بشكل مطلق، واستمرت مظاهر ضعف الخلفاء، وفقدان هيبتهم مسيطرة طيلة هذا العصر.. وشكل العصر العباسي الرابع، الذي ابتدأ في عام (447هـ/ 1055م) ردَّه فعل مناهضة للنفوذ الشيعي، ويتشابه هذا العصر مع العصر السابق من حيث تركيز السلاجقة الذين حلوا محل البويهيين، على المشرق الإسلامي فبسطوا هيمنة فعلية على مقدرات الخلافة مع احترام شخص الخليفة ومركز الخلافة، ويختلفان من حيث المذهب الديني بفعل اعتناق السلاجقة المذهب السني الذي يعتبر الخليفة العباسي رئيسه الروحي.. وتأرجحت علاقة الخلافة بهؤلاء السلاجقة بين التعاون المثمر والعداء السافر، خاصة في فترة تفكك وحدة السلاجقة، فمال الخلفاء إلى الانعتاق من الطوق السلجوقي، لكن الخلافة رأت نفسها عاجزة عن وضع حد للاضطرابات الناجمة عن تنازع الأسرة السلجوقية مما دفعها إلى الاستعانة بالخوارزميين للقضاء على السلاجقة، وأوقعها ذلك في نزاع مع القادمين الجدد أيضًا بفعل طمعهم في الهيمنة على اختصاصاتها.. وحتى تتخلص من سيطرة الخوارزميين عمدت الخلافة إلى الاستعانة بعنصر جديد هو العنصر المغولي الذي تميز بقسوته ووحشيته وقد سقطت تحت ضرباته الموجعة في عام (656هـ/ 1258م). (4) ثانيًا: المذاهب المختلفة: كان لتعدد المذاهب واختلاف الفرق أثر سيئ وخطير على الإسلام والمسلمين، فالإسلام الموسوم بالسماحة، الداعي إلى السلام قد تخضبت أيدي أبنائه بدماء بعض نتيجة للخلافات المذهبية، وضيق الأفق الذي حَلَّ بهؤلاء المتعصبين لمذاهبهم، وانتهى الأمر في كثير من الأحيان ـ ولفترات طويلة من الزمان ـ إلى القتال الدامي الذي ترك رواسب كثيرة في نفوس المسلمين من أبناء الطوائف المختلفة.. وقد بدأت دماء المسلمين تسيل أول الأمر على يد الخوارج، الذين رأوا أن الإسلام لا يتم إلا بالجهاد وقتل باقي المسلمين ممن لا يعتنقون مذهبهم، ومن بعد الخوارج قام القرامطة الذين قضوا مضجع العالم الإسلامي، وحل شرهم في كل بلد، وأسالوا الدماء في كل صعيد ووادٍ.. هذه الآلآف من أرواح المسلمين التي أزهقت بسيوف الخوارج والقرامطة لم يكن سبب إزهاقها إلا الأفق الضيق والتعصب الأعمى، والإسلام من كل ذلك براء.. ومع عجلة الزمان أخذ الخطر ينتشر من مكامنه وأخذ الصراع بين المذاهب المختلفة ـ بخاصة الشيعة والسنة ـ يحتال مكانًا ظاهرًا في حياة المسلمين، والغلبة للقوى صاحب السلطان من الطرفين، وهكذا نجد الشيعة حينًا معتدين غالبين، ثم ينتقل الأمر لم يكن مقصورًا على معسكري الشيعة والسنة بل كثيرًا ما وقع الخلاف بين أحزاب السنة أنفسهم.. وإذا ما تتبعنا المصادمات والخلافات التي وقعت بين الشيعة والسنة، سواء أكان المعتدون هؤلاء أم أولئك، فإننا سنجد صفحات دامية سوداء لوثت أفق الحياة الإسلامية لبضعة قرون من الزمان.. فرجل فاضل مثل أبي عبد الرحمن النسائي ـ وكان متشيعًا ـ يُسأَل في دمشق عن معاوية رضي الله عنه وفضائله فيرد ردًا به مساس بالخليفة الأموي، فإذا بالناس يدفعونه ويخرجونه من المسجد، ويدوسونه حتى يموت بسبب ذلك.. وينشب في مصر في يوم عاشوراء سنة 350هـ خلاف بين الجنود السنة من أتراك وسوادنيين من جانب، والشيعة من جانب آخر، ويسير الجنود في الشوارع يسألون من يجدونه في الطريق: من خالك؟! فإذا لم يقل: معاوية يلقي من الضرب والأذى ما لا طاقة له به.. وتقع فتن دامية أعوام 408هـ، 444هـ، 445هـ، 449هـ، ويجري قتال رهيب بين كل من الشيعة والسنة وتسيل الدماء أنهارًا، وتخرج نساء الشيعة ناشرات شعورهن حزنًا على من ماتوا من أزواجهن، ويلهبن عواطف العامة، فيشتد الأمر، وتشتعل الحرائق إلى أن تأتي على الأخضر واليابس لغير ما سبب إلا أن فريقًَا من المسلمين يخالف فريقًا آخر في الرأي.. وفي مصر نقرأ في أحداث سنة 353هـ أن أحد كبار الشيعة يحبس لغير سبب فيموت في الحبس، فيحمل إلى قبره، ولكن يأبى التعصب الكريه أن يترك جثة الرجل تمر في أمان، بل يلتحم الجند بأصحاب الشيخ، وتقع بين الفريقين معارك دامية.. على أن بعض الشيعة أنفسهم كانوا مسئولين عما يصيبهم من الأذى في بعض الأحيان لإظهار تعصبهم ضد الصحابة الكرام، ولعنهم جهارًا، الأمر الذي كان يثير عليهم جمهور المسلمين، ففي أحداث سنة 345هـ قامت فتنة كبيرة في أصبهان ـ وكان سكانها سنيين ـ لأن رجلاً من أهالي قم ـ وهم شيعة غلاة ـ قد سبَّ صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فوقع كثيرٌ من القتلى، ونهبت أموال التجار من أهل "قم". (5) ويقال إن "قم" هذه كان يسكنها قوم من الغلاة هم "الغرابية" ومذهبهم أن المال كله للبنت، فلم ولى أمرهم قاض حكم للبنت بالنصف فهددوه دون قتل، وإنما يحكمون للبنت بكل المال تكريمًا للسيدة فاطمة الزهراء.. على أن الشيعة لم يكونوا المعتدى عليهم بصفة دائمة فكثيرًا ما كانوا المعتدين، خصوصًا إذا كانت الأمور في يد دولة شيعية كالبويهيين أو الفاطميين، أو حيث يكثر تجمعهم فلم يكن إنسان يستطيع أن يذكر الصحابة بالخير في بعض الأزمنة في الكوفة، لأن مصيره يكون القتل السريع، ولذلك قيل: من أراد الشهادة فليدخل دار البطيخ بالكوفة وليقل: رحم الله عثمان.. وكان في القيروان قاضٍ سنيٍّ اسمه أبو سعيد، فاستدعاه داعي الدعاة الفاطمي وطلب إليه أن يعتنق المذهب الشيعي فرفض القاضي قائلاً: لو نشرتني إلى اثنين ما فارقت مذهب مالك، فأمر به داعي الدعاة فقطع لسانه.. وكان البويهيين لتعصبهم للتشيع يكرهون أهل السنة، وكثير ما أوقع معز الدولة البويهي الأذى بالخلفاء من قتل أو سمل عيونهم لا لشئ إلا أنهم سنيون.. على أن أكثر ما حل بأهل السنة، من أذى كان على يد الشيعة من الفاطميين، فقد ضرب رجل من مصر وطيف به القاهرة لأنهم وجدوا عنده "الموطأ" للإمام مالك، وأمر الحاكم بأمر الله نائبه بدمشق بعقاب رجل مغربي ضرب وطيف به على حماره ونودي هذا جزاء من أحب أبا بكر وعمر، وبعد انتهاء الطواف ضربت عنقه.. وقد بالغ الفاطميون في إيذاء أهل السنة، فعزلوا كل السنيين من المناصب الحكومية، وحبسوا قاضي القضاة لأنه رفض أن يعترف بإمامة على، وسبوا الصحابة والخلفاء الراشدين بكتابات منقوشة على جدران المساجد وفي الشوارع، ولعنوا أهل السنة على المنابر، إلى غير ذلك من أصناف الأذى التي أريق بسببها الدماء حينً، و حلَّ الأذى والتحقير مكان الدماء حينًا آخر.. ولم يقف أمر الخلاف الدامي بين المسلمين على السنة والشيعة وحدهم، بل إنه جرى بين المعتزلة بمساعده بعض أهل السنة ممن رفضوا القول بخلق القرآن.. ولعل أياديَ خفية كانت حريصة على إذكاء نار الفتنة بين المسلمين حتى بين أبناء الطائفة الواحدة، فقد جرت خلافات ومصادمات بين أهل السنة أنفسهم، ولقد كان الحنابلة (أنصار أحمد بن حنبل) على رأس المعتدين دائمًا، واشتهروا بالعنف في معاملة خصومهم من أبناء المذهب الشافعي، فقد ثاروا عليهم، وألحقوا بهم الاعتداء وأرادوا أن يجعلوا لأنفسهم مركزًا حصينًا ينقضون منه على خصومهم، فبنوا مسجدًا في بغداد جعلوا منه وكرًا للمشاغبة، واستعانوا بفريق من العميان مسلحين بالهروات كانوا يطلقونهم على الشوافع فيوسعونهم ضربًا حتى شارفوا على الموت.. وبلغ الأمر بالحنابلة وعنف خصومتهم أن منعوا دفن ابن جرير الطبري، فاضطر أصحابه أن يدفنوه في داره ليلاً، فقد استعانوا بالعامة في ذلك، لا لشئ إلا أن الطبري لم يعترف بابن حنبل كفقيه واعتبره محدثًا ليس غير. (6) 3ـ الدول الانفصالية الكبرى: طال عهد العباسيين (132 ـ 656هـ) فوصل إلى ما يقرب من خمسة قرون وربع القرن، وضعفت أيامهم في آخرها إذ زاد ظهور العصبيات فقامت دول على أساسها، ولم يكن ثمة داعٍ لقيامها لولا فكرة العصبية التي حملتها، واللغة التي أحيتها من جديد؛ فظهرت الدولة السامانية، والغزنوية، والخوارزمية، ولا شك فإن الطموح السياسي كان أساسًا في نشأتها، ثم نما باسم العصبية لداومه، ودعم الشعب لها.. كما انفصلت أجزاء عن الدولة رسميًا، وأعلنت عن قيام خلافة مستقلة فيها، فكانت الخلافة الأموية في الأندلس، والفاطمية في مصر وأجزاء من إفريقية، ولم تكن هذه الدول الإسلامية على تفاهم فيما بينها، بل على العكس كانت معاديةً بعضها لبعض، وكل منها على صلة بأعداء الثانية، فالعباسيون في بغداد يصادقون حكام الفرنجة خصوم الأمويين في الأندلس، هذا مع العلم أنه لا يوجد في دار الإسلام سوى خليفة واحد، والمسلمون جميعًا تضمهم دولة واحدة، وهذا يدل على ضعف الروح الإسلامية لدى المسلمين في ذلك العهد بالنسبة إلى ما كان عليه المسلمون الأوائل في الصدر الأول. (7) 4-ظهور المدارس الفكرية المختلفة والمتباينة: نتيجة الترجمة، واختلاط المسلمين ببيئات متنوعة، وثقافات مختلفة، نتجت تحليلات كثيرة مختلفة لنفس الحدث، مما أدى إلى بلبلة فكرية كبيرة فهذا يمدح في شخصية، وآخر يذم في نفس الشخصية، وهذا يصف رجلاً بالفكر المتنور المتحرر وآخر يصف نفس الرجل بالإلحاد والزندقة وهكذا.. فإذا نظرنا إلى أفكار المعتزلة بصفة عامة وجدناهم أكثر الفرق الإسلامية أخذًا بلباب الفلسفة اليونانية والانتفاع بها، فلا نكاد نقرأ لواحد من أئمتهم حتى نلمس ظلال الفلسفة اليونانية متمشية في جنبات أفكاره، لعل هذه الفلسفة كانت أوضح ما تكون عند أبي الهذيل العلاف، وإبراهيم النظام، والجاحظ.. ومن أهم المسائل التي نادى بها المعتزلة "مسألة الاختيار" مما دفع كثير من المسلمين إلى مناصبتهم العداء، فنسبوا إليهم أنهم متأثرون فيها بمذهب زرادشت، وذهب البعض إلى تسميتهم "بمجوس الأمة الإسلامية".. وظهر على أيدي المعتزلة بعض القضايا الخطيرة مثل "قضية خلق القرآن"، وتبني بعض الخلفاء العباسيين هذه القضية وعملوا على نشرها بين الأمة الإسلامية أمثال الخليفة المأمون، والمعتصم، والواثق. (8) فلذلك نظر المعتزلة إلى هؤلاء الخلفاء باعتبارهم أصحاب فكر متنور ومتحرر، أما أهل السنة فقد وصفوهم بالإلحاد والزندقة.. 5ـ تشويه التاريخ العباسي عن طريق: ـ الشيعة (الطالبيين). ـ المستشرقين. ـ المستغربين. (أ)ـ الشيعة (الطالبيون): لقد لعب الشيعة في تشويه تاريخ بني العباس الدور نفسه الذي لعبوه في تشويه صفحات بني أمية بالاشتراك مع العباسيين خصوم بني أمية السياسيين، وحكام العصر الذي دُوِّنَ فيه التاريخ، ذلك أن آل البيت الذين كانت الدعوة باسمهم، وعلى أساسها انفرط عقد بني أمية قد انفرد من بينهم بنو العباس الذين استأثروا وحدهم بالسلطة دون بني عمومتهم من أبناء أبي طالب، وأزاحوهم من وجهم، بل ومن جانبهم...الأمر الذي جعل أبناء أبي طالب يحقدون على بني العباس، وينازعونهم الأمر، ويعملون على تشويه سمعتهم وبالتالي تاريخهم. (9) ينظر المسلمون إلى آل البيت رسول الله صلى الله عليه وسلم نظرة احترام وتقدير، وكان لهذه النظرة أثر كبير في الحياة السياسية عامة، وينحصر آل البيت في أبناء أبي طالب عمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين أسلموا وهم: علي، وجعفر، وعقيل، رضي الله عنهم، وفي آل العباس عمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي أسلم مع أخيه الحمزة رضي الله عنهما من بين أعمام رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن حمزة سيد الشهداء لم يعقب، ولم يشمل آل البيت في أبناء أعمام رسول الله صلى الله عليه وسلم من الزبير، والحارث، وأبي لهب، حيث جاء الإسلام هؤلاء الأبناء متأخرًا، وربما انحصر آل البيت في أبناء علي رضي الله عنه، من زوجه فاطمة ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث انقطع عقب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا منها، هذا إضافة إلى قرابة علي، وسابقته في الإسلام، وجهاده أعداء الله، وإصهاره لرسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى رأى بعض المسلمين في هذا سببًا في أحقيته بالخلافة، وأحقية أبنائه من بعده، رغم ما في هذا القول من مجانبة عن تعاليم الإسلام، لأن الخلافة ليست وراثية، وإنما لها شروط يفرضها الصلاح والتقوى والقوة في الحق، وتحق لأي مسلم تتوفر فيه الشروط... وعندما قامت الدعوة العباسية على "الرضا من آل محمد" ظن أبناء علي رضي الله عنه أن لهم في الدعوة نصيبًا، فلما قام العباسيون بالأمر، واستأثروا بالحكم، وقف شيعة أبناء علي موقفًا معاديًا للعباسيين وقاموا يعملون ضدهم، فمن جانب ثاروا ضدهم، واستمرت حركاتهم، ومن جانب آخر اتهموهم بالظلم، ورموهم بالمفاسد، وأشاعوا الدعايات ضدهم، والسخرية منهم ومن تصرفاتهم، وبالمقابل فقد لاحق العباسيون خصومهم السياسيين من شيعة أبناء علي رضي الله عنه وشددوا عليهم، واضطهدوهم، ونكَّلوا بزعماء ثوراتهم كي يلقوا بينهم الرعب، وأحيانًا حاولوا استرضاء بعضهم اتقاءً وخوفًا من حركاتهم، فتقوقع الشيعة على أنفسهم، بعد أن أصابهم ما أصابهم؛ وجعلوا لأنفسهم عقيدة خاصة بهم اختلفت عن الإسلام إذ جعلوا لأئمتهم العصمة، وعَدُّوهم مخصصين من عند الله، ونسبوا لهم التأويل والمعرفة دون سواهم، وطعنوا في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونسبوا هذا كله إلى أعلام المسلمين من آل البيت فدوَّنوا كتبًا ونسبوها لسابقين مثل: نهج البلاغة الذي نُسِبَ لسيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه، كما أوجدوا فقهًا خاصًا ونسبوه لجعفر الصادق رحمه الله وهكذا.. وأشاعوا الكذب على الخلفاء العباسيين وخاصة الأقوياء منهم والصالحين أمثال: هارون الرشيد الذي كان قويًا، ولننظر إلى بعض هذه الافتراءات التي يبدو فيها الاختراع مباشرة، أخرج السلفي في الطيوريات بسنده عن ابن المبارك قال: لما أفضت الخلافة إلى الرشيد وقعت في نفسه جارية من جواري المهدي، فراودها عن نفسها، فقالت: لا أصلح لك، إن أباك قد طاف بي، فشُغِفَ بها، فأرسل إلى أبي يوسف، فسأله: أعندك في هذا شئ؟ فقال: يا أمير المؤمنين أو كلما ادَّعت أَمَةٌ شيئًا ينبغي أن تصدق، لا تصدقها فإنها ليست مأمونة، قال ابن المبارك: فلم أدرِ ممن أعجب من هذا الذي وضع يده في دماء المسلمين وأموالهم يتحرج على حرم أبيه، أم بهذه الأمة التي رغبت بنفسها عن أمير المؤمنين، أم من هذا فقيه الأرض وقاضيه! قال: اهتك حرمة أبيك، واقصد شهوك، وصيِّرْه في رقبتي، وذكروا أشياء عن الرشيد وأبي نواس يندَي لها الجبين، وأبو نواس لم يَرَ الرشيد، ولم يدخل عليه، وذكروا أشياء أكثر من ذلك عن صلة أبي نواس بزوج الرشيد زبيدة بنت جعفر بن المنصور، فقالوا: إن أبا نواس دخل مرة قصر الخليفة فرأى الرشيد نائمًا مغطى فاستلقى فوقه، فرفع الرشيد رأسه ونهره، وقال: ما هذا يا أبا نواس؟ فقال: معذرة يا أمير المؤمنين فقط ظننتك السيدة زبيدة ـ والله .. ويتهمون الأمين بكثرة شربه الخمر، ثم نراهم يصفونه بأنه أراد قتل أبي نواس عندما انتهى إليه أنه يشربها.. (10) إلى غير ذلك من هذه القصص المكذوبة التي ألفوها وملأوا بها كتب التاريخ.. فإذا كان الخلفاء بهذا اللهو المفرط، وهذا المجون الواسع فمن الذي كان يسوس أمور البلاد، ويذود عنها، ويرسل الجيوش، وينطلق أمامها أحيانًا، وأحيانًا أخرى ينطلق الأمراء من أبناء الخليفة، وإخوته وأبناء عمومته، والذين من المفروض حسب هذه الروايات أن يكونوا مثل إمامهم.. وإذا كان الخلفاء على هذه الصورة المدونة في التاريخ فمن الذي شاد هذه الحضارة لعظيمة التي نفتخر بها بين أمم الأرض، وهي في أعلى مستو مما شادته الأمم الأخرى.. أهكذا جاءت ودون تعب، ومن غير جهد، أم أقامها غير أسلافنا ثم نسبت إليهم.. حقيقة إن الذين شادوا حضارتنا رجال عظماء، ولكن التاريخ الذي دُوِّنَ بأيدٍ مغرضةٍ قد حَطَّ من شأنهم كثيرًا.. وإن توارِي كثيرٍ من الطالبيين واختفائهم قد سهل ادعاء كثير من الرجالات النسب الهاشمي، وبسبب حب المسلمين لآل البيت فإن كثيرًا من الطماعين في السلطة نسبوا أنفسهم لآل البيت حتى يلتف الناس حولهم ثم يقوموا بحركات ضد الدولة، ومن هذه الحركات كانت فتنة الزنج، ودعوة العُبَيْدِيين الفاطميين وبعض القرامطة، والفرق الباطنية، حتى اختلط الأمر على كثير من المؤرخين. (11) (ب)ـ المستشرقون: إذا نظرنا في كتب المستشرقين التي تبحث في العصر العباسي الأول وجدناها تعطي أبشع صورة لذلك العصر، بل إن أغلب التشويه الذي نراه عند الباحثين العرب والمسلمين مقتبس عنهم، وما هو إلا ترديد ونشر ونقل لآراء المستشرقين الذين تتلمذوا لهم ولمصادرهم وكتبهم ومناهجهم، وصدقوا ما شاع من موضوعية المستشرقين.. وقد دخل النقص والخطأ على تلك الدراسات الغربية من عدة وجوه منها: ـ أولاً: الاستجابة الناقصة للحادثة التاريخية وتفسيرها، وعن ذلك يحدثنا الأستاذ / سيد قطب ويقرر على الإنسان الذي يريد فهم حادثة أو تفسيرها: "أن يفتح روحه وفكره وحسه للحادثة، أو يستجيب لوقوعها في مداركه ولا يرفض شيئًا من استجاباته لها إلا بعد تحرج وتمحيص ونقد، فأما إذا كان يتلقاها بادئ ذي بدء وهو معطل الروح أو الفكر أو الحس ـ عن عمد أو غير عمد ـ فإن هذا التعطيل المتعمد أو غير المتعمد، يحرمه استجابة معينة للحادثة التاريخية هذه الاستجابة الناقصة هي أول ظاهرة تتسم بها البحوث الغربية عن الموضوعات الإسلامية، وذلك أن هناك عنصرًا ينقص الطبيعة الغربية ـ بصفة عامة ـ لإدراك الحياة الشرقية بصفة عامة والحياة الإسلامية على وجه الخصوص.. عنصر الروحية الغيبية وبخاصة في العصور الحديثة بعد غلبة النظريات المادية، والطريقة التجريبية على وجه أخص وكلمات كانت هذه الموضوعات الإسلامية ذات صلة وثيقة بالفترة الأولى من حياة الإسلام كان نقص الاستجابة إليها أكبر في العقلية الغربية الحديثة.. هذا النقص يُعَدُّ عيبًا في منهج العمل التاريخي ذاته، وليس مجرد خطأ جزئي في تفسير حادثة أو تصوير حالة، ومن ثم فالمنهج الأوروبي في البحث يسبب تعطيل أحد عناصر الاستجابة سواء كان ذلك ناشئًا عن الطبيعة الغربية ذاتها وملابسات حياتها البيئية التاريخية، أو ناشئًا عن تعمد المؤرخ الأوروبي تعطيل هذا العنصر، استجابة لمنهج معين في الدراسة، هذا المنهج غير صالح لتناول الحياة الإسلامية بل لتناول الحياة الشرقية على وجه العموم، ولكن عدم الصلاحية يتجلى في جانب الدراسات الإسلامية أوضح وأقوى.. ومن هنا ندرك الخطأ الذي وقع فيه الأستاذ/ ريسلر عند تفسيره للفتوحات حيث يقول: "إذا كانت هذه الغزوات الحربية قد استجابت للغرائز العريقة في القدم لرجال تعودوا أن يقاتل بعضهم بعضً، وإذا كان هؤلاء الرجال قد كفوا عن القيام بهذه اللعبة على أرضهم الخاصة، فإن هذا يفسر لنا أسباب انتشار فتوحاتهم كما يبرر كذلك وفرة هجماتهم وعنفه...."، وهذا ينافي واقع الفتوحات التي اشتهرت بسموها ورفعتها وغايتها النبيلة، فما انطلقت تلك الفتوحات إلا تنفيذًا لغرض الجهاد، وتوطيدًا للدعوة إلى الإسلام، وأما الاستجابة للغرائز، وتنفيذ الرغبات والشهوات فأمور حاربها الإسلام وأمر بكبح جماحها. (12) ـ ثانيًا: ومما أدخل النقص في الدراسات الغربية تلك النظرة إلى الأحداث والوقائع من زاوية رؤية معينة، صبغوا ولونوا بها تاريخنا وحضارتنا وعن ذلك يقول الأستاذ/ سيد قطب: "إنه لا يخفي أن كل امريء يختلف شكله باختلاف زاوية الرؤية، وكذلك الشأن في الأحداث والوقائع، والأوروبي بطبيعته، ميال إلى اعتبار أوروبا هي محور العالم، فهي نقطة الرصد في نظرة، ومن هذه الزاوية ينظر إلى الحياة والناس والأحداث ومن هنا تتخذ في نظره أشكالاً معينة ليس هومن يملك الجزم بأنها أصح الأشكال، وهو يدركها في هذه الأوضاع ويفسرها ويحكم عليها كما يراها، وإذا كان بديهيًا أن أوروبا لم تكن هي محور العالم في كل عصور التاريخ، وكان الأوربي لا يملك اليوم أن يتخلص من وهم وضعها الحاضر حين ينظر الى الماضي.. أدركنا مدى انحراف الزاوية التي ينظر بها الأوروبي للحياة الإسلامية التاريخية، ومدى أخطاء الرؤية التي يُضطر إليها اضطراراً، ومدى أخطاء التفسير والحكم الناشئة من هذه الرؤية المعينة". فالأوروبي ـ مثلاً ـ ينظر إلى الفتاة المسلمة بنفس نظرته إلى الفتاة الأوروبية فيقول أحدهم عن تعليم البنات المسلمات: "يقوم تعليم البنات على تلقينهن تربية دينية قويمة، وعلى تعويدهن الصلاة وجعلهن في وقت مبكر صالحات للأعمال المنزلية، وبعد سنوات أيضًا، يعلمن قرض الشعر، والفنون الزخرفية والموسيقى والرقص في المدارس المخصصة لذوي اليسار في المجتمع الإسلامي.."، فكما أن الفتاة الأوروبية تتعلم الرقص والموسيقى ـ ولا يثلب ذلك فيها ـ فكذلك الفتاة المسلمة في نظره بالرغم من الخلاف الكبير بين الحالتين: فالرقص والموسيقى محرمان في الإسلام ويثلبان في شرف الفتاة المسلمة.. ـ ثالثًا: التعمد في تشويه الأخبار، وافتعال الأكاذيب، ووضع الافتراءات ومسخ التاريخ والحضارة الإسلامية مسخًا، وهذا التعمد بسبب العداء الموجود بين الصليبية والإسلام، والصراع بين الاستعماروالشرق، وبسبب نوايا الاستعمار الخبيثة ، ولأن هذه الطريقة في الدراسة ترسخ في أذهان الجيل المعاصر أنه ليس له أمجاد، وليس له تاريخ مشرف، وأنها تساعد على نشأة جيل لا يكن لأمته سوى البغض والاحتقار، ولا شك أن مثل هذا الجيل يملك الاستعداد التام لتغريب شخصيته.. وهذا ما حصل فعلاً لأننا نحن الأمة الإسلامية إنما ننظر الآن إلى أنفسنا وإلى سوانا بعدسة صنعتها أيد أجنبية عنا، أجنبية عن عقيدتنا وتاريخنا، أجنبية عن مشاعرنا وإدراكنا، أجنبية عن فهمنا للأمور وإحساسنا بالحياة وتقديرنا للأشياء ثم هي بعد ذلك كله ـ مغرضة في الغالب ـ تبغي لنا الشر لا الخير؛ لأن مطامحها ومطامعها ومصالحها الخاصة وأهدافها القومية كلها تدفع بها دفعًالأن تبغي لنا الشر؛ لأن خيرنا لا يتفق مع خيره، ولأن مصالحنا تعطل مصالحها.. ولذا فقد أصبحنا ندرس في مدارسنا ومعاهدنا على وجه الخصوص تاريخًا إسلاميًا مشوهًا وتاريخًا أوروبيًا مضخمًا، لا عن مجرد خطأ غير مقصود، ولكن عن نية مبيتة من الاستعمار الغربي الذي يهمه ألا نجد في تاريخنا ما نعتز به، وأن نرى أوروبا على العكس هي صاحبة الدور الأول في التاريخ الإنساني فإذا يئسنا من ماضينا واستعرضنا دورنا في الحياة البشرية، وامتلأت نفوسنا مع ذلك إعجابًا بالدور الذي قامت به أوروب، وإكبارًا للرجل الأبيض.. سَهُلَ قيادتنا على الاستعمار.. وذلت رقابنا للمستعمرين.. وما أكثر الحوادث المفتعلة، والحقائق المزيفة، والأخبار الكاذبة الموضوعة التي نجدها في كتب المستشرقين التي لا تحصى، والأمثلة على ذلك كثيرة فعلى سبيل المثال ما كتبه "جاك. س.ريسلر" في كتابه "الحضارة العربية" تحت عنوان "البغاء" حيث يقول: "الدين من حيث المبدأ يحرم البغاء، لكن الدولة كانت تأذن به وتنظر إليه على أنه مصدر للدخل...".. فهو لم يُشِرْ إلى المصدر الذي أخذ عنه هذا الخبر، وهذا يثبت الوضع والدس لأنه كان يتكلم عن الدولة الإسلامية في القرون الأولى، وحالها معلوم، ولم يقل أحد بوجود مثل هذا، بل إن الحدود بقيت مطبقة إلى قرننا الحاضر، فكيف تبيح تلك الدولة البغاء بالحجة الواهية التي ذكرها ومع الأسف الشديد وبالرغم من كل هذا يقول المترجم في تقديمه الكتاب: "ولا ريب أن المؤلف قد أنصف الحضارة العربية وأبرز مكانتها ودروها الكبير في تاريخ الإنسانية، وكيف تأثرت شتى الحضارات بها؛ نظرًا لأصالتها وعمقها وشموله، وسعة آفاقها الرحبة وذلك كله بطريقة موضوعية، وتحليل دقيق، وتركيز رائع على الجوانب المضيئة فيها..".. وهكذا نرى البلاء الذي حل بأهل الإسلام متمثلاً في الاقتداء بالغربيين والثقة المتناهية بهم، ومدحهم وإطرائهم حتى في المواطن التي يستحقون فيها كل الذم. (13) (ج)ـ المستغربون: المستغربون هم أحد عناصر الهدم والتشويه في التاريخ الإسلامي، فقد كان الاستعمار حريصًا على طمس معالم التاريخ الإسلامي بتشويه صفحاته، ومحو الصورة لناصعة من أذهان المسلمين.. فالجامعات الأوروبية وجهت تيار السياسة إلى خدمة الرغبات الاستعمارية، ثم انتقلت العدوى الفكرية إلى البلاد الإسلامية عن طريق المبعوثين الشرقيين إلى جامعات أوروبا، وصارت البرامج التعليمية وسيلة لإبعاد الشباب الإسلامي عن تاريخه وماضيه، وستارًا سميكًا على كل ما يرفع من شأن الإسلام، سواء في رجاله أو في تعاليمه.. ثم دعموا أساليبهم الاستعمارية الموصلة إلى أهدافهم، فلجأ العلماء المستشرقون إلى تحريف الحقائق، وتزييف الوقائع الإسلامية وانتهزوا فرصة إقبال الشباب الإسلامي على مُؤَلَّفاتهم وجامعاتهم فسمموا أفكارهم، وهونوا عليهم عزة دينهم، وطعنوا في الإسلام ورجالاته وصوروهم لهؤلاء الطلاب في صورة تافهة.. وما زالوا بكثير منهم، حتى انخدع بما سُمَّ، وآمن بما قرأ، فكانوا أبواقًا تنعق بما سمعت من خصوم دينهم ووطنهم، وأسندت إليهم مراكز التوجيه العلمي في دور التعليم الإسلامي، فنشروا السموم التي شربوها هناك من أوروبا، واستهانوا بأمجاد أسلافهم العرب، وحفظوا لكل شخصية مثالية ما يحط من قدرها،ويسقطها في نظر كل دارس لها.. وأخذ كُتَّابهم ـ وصنائعُ الاستعمار الذين تخرجوا في مدارسهم وجامعاتهم ينشرون ويكتبون ما انطوت عليه صدورهم من الحقد على هذا الإسلام وأصحابه.. وهكذا يعاني الإسلام من خصومه إلى الآن، أساليب جديدة تمليها الكراهية، ويدفع إليها الخوف من أن يصبح الإسلام قوة تعيد أيامه الأولى، فلا تستطيع قوة في الأرض أن تقف في سبيله.(14) الشيعة والسلطة: لقد استغل كل طامح للسلطة حب آل البيت بل محبة أبناء أبي طالب خاصة فأظهر التشيع لهم، وحاول تحقيق مآربه من وراء ذلك؛ لذلك ظهرت فرق كثيرة حملت المظهر الشيعي، وسلكت مسلكًا فيه كل بعد عن الإسلام، وتحت هذا المظهر قامت حركة الزنج في جنوبي العراق، وعليه قامت القرامطة، والنصيرية والإسماعيلية والحمدانيون، ثم قامت الدولة العبيدية (الفاطمية) ومنها نشأ الدروز، هذا بالإضافة إلى الفرقة الإمامية (الاثنا عشرية) التي بدأت تصوغ أفكارًا لها، وتبلورها، ثم تنسبها للعصور التي خلت، وللرجال الذين مضوا، وما هم كذلك، واختلط الأمر على المؤرِّخين المحدَثين، وظنوا أن هذه الأفكار قد نشأت منذ صدر الإسلام، وحمّلوها عظماء رجال ذلك العهد أمثال علي زين العابدين بن الحسين وابنه زيد وحفيده جعفر الصادق، وشاع ذلك، وما جاء القرن الرابع الهجري إلا ومُدَّعُو التشيع يسيطرون على أكثر أرجاء الدولة الإسلامية ولم يعملوا على وحدة صفوفهم؛ ذلك لأنهم لم يكونوا فرقة واحدة، ولم يحملوا فكرًا واحدً، بل ولا هدفًا واحدًا، وإنما لكل إمارة أو دولة رقعة من الأرض تحكمها، الأمر الذي يدل على أنهم رجال طامعون، وأصحاب مصالح وغايات اتخذوا من التشيع وسيلة لهم للسيطرة على الحكم،وتحقيق أغراضهم من وراء ذلك؛ فقد سيطر القرامطة على الجزيرة العربية كلها باستثناء منطقة عسير، ووصلوا إلى الشام، وطرقوا أبواب مصر، وحكم الفاطميون شمالي إفريقية، ثم أخضعوا مصر وجعلوها قاعدة ملكهم، وأخضع الحمدانيون شمالي بلاد الشام، وسيطر البويهيون على الدولة العباسية، ومع ادعائهم جميعًا للشيعة إلا أن دولهم بقيت متفرقة، بل كثيرًا ما اقتتلت وتناحرت، فقد وقف الفاطميون في وجه القرامطة، وصدُّوهم عن مصر، وقاتل البويهيون الحمدانيين. (15) حركة الزنج: (255 ـ 270هـ/ 869 ـ 883م): ـ طبيعة الحركة وأهدافها: قامت حركة الزنج في عام 255 هـ، وأنهكت دولة الخلافة العباسية قبل أن تقضي عليها، وكان عماد هذه الحركة في باديء الأمر بعض العرب المغامرين من المهالبة والهمدانيين وغيرهم، أما الفئات التي شاركت فيها فهي متنوعة: الزنج، أهل القرى، العرب الضعفاء، عشائر عربية ثائرة على السلطة.. أما فيما يتعلق بالشخصية التي قادت هذا الجمع، فهو علي بن محمد الفارسي الأصل، وهو شخصية محيرة فعلاً حيث يلاقي الباحث صعوبات جمة في معرفة نسبه، وذلك بفعل تقلباته السريعة، تبعًا للظروف التي كان يمر بها، واتصف بأنه رجل طموح وموهوب.. ويبدو أن حياته كانت غير طبيعية فقد بدأها كشاعر في بلاط الخليفة بسامراء، ثم حاول القيام بحركة ضد النظام في البحرين للوصول إلى الحكم، إلا أنه أخفق في تحقيق مبتغاه، فسلك نهجًا جديدًا، وظهر كقائد ديني ومتنبيء، فادعى نسبًا علويًا (16) محاولاً أن يستثمر ما للشيعة من عطف وتأييد بين الناس، وقد أحلَّه أتباعه من أنفسهم محل النبي حتى جُبِي له الخراج.. ويبدو أن جماعة كثيرة العدد في البحرين قد تنكرت له، مما دفعه إلى مغادرتها إلى البادية ليستقطب الأعراب، وادعى فيها النسب الشيعي على أنه يحيى بن عمر أبو الحسين، فالتف حوله بعض الأعراب استغلهم بإعادة السيطرة على البحرين، إلا أنه هزم وفر إلى البصرة.. ووقف أثناء إقامته القصيرة فيها على أوضاعها الداخلية السياسية والاجتماعية حيث كان المجتمع البصري منقسمًا على نفسه، فحاول أن يستغل هذه الخلافات لصالحه إلا أنه فشل، وفي الوقت نفسه رأى في حياة العبيد فيها الذين يعملون في المستنقعات المجاورة فرصة لتحقيق طموحاته لكنه طُرِدَ منها فذهب إلى بغداد، وفي بغداد استنبط نسبًا علويًا جديدًا فانتسب إلى أحمد بن عيسى بن زيد، ثم حاول الوثوب إلى السلطة مستغلاً الأوضاع المضطربة في حاضرة الخلافة، ولكنه لم يتمكن من ذلك بفعل إحكام الأتراك قبضتهم على الوضع، فعاد إلى البصرة في عام 255هـ ليتزعم حركة ثورية مدعيًا أن الله أرسله لتحرير العبيد وإنقاذهم مما كانوا يعانونه من بؤس كما ادعى العلم بالغيب، وانتحل النبوة.. والواقع أن فكرة المهدي المنتظر رافقت علي بن محمد في جميع مراحل حياته السياسية؛ فاستغلها بذكاء، وهو بادعائه المهدية، كان يضرب على وتر حساس في نفوذ جماعة العلويين الذين برح بهم الشقاء، فكانوا يأملون في ظهور مهدي منقذ يزيل عنهم الغمة، ويفرج عن أيامهم كربتها، وركز كثيرًا على عراقة أصله وكتبها على نقوده وسمي نفسه "المهدي علي بن محمد" المنقذ.. وجهر علي بن محمد في إحدى مراحل حياته بمذهب الخوارج الذين يلائم مبدأهم ميل أصحابه الشورية، فحارب من أجل العدالة الاجتماعية والمساواة، وكتب شعاراته على الرايات باللونين الأخضر والأحمر وهما لون العلويين ولون الخوارج.. لقد تعارضت أفكار علي بن محمد عن الخلافة مع مفهوم الشيعة لها التي تؤكد على الوراثة، وتبنى رأي الخوارج القائم على الشورى، مما نفَّر منه الأعراب البسطاء، وعرب البصرة والأهواز وواسط والمناطق المحيطة بها، كما رفض قرمط أن يرتبط معه بعوامل دينية، أما شدته وقسوته تجاه أعدائه فقد جعلته خارجيًا متطرفً، يُضَاف إلى ذلك أنه عامل أسرى الحرب معاملة الرقيق، ووعد أتباعه بأنه سيملكهم المنازل والعبيد، وهذا يعني تحويل حياة الزنج من أرقاء إلى ملاك للعبيد. والواضح أن هذا التناقض في عقيدة الحركة يفرغها من أي صبغة عقائدية، ويجعلها حركة مسلحة ضد النظام ليس إل، كما يجعل من قائدها رجلاً مغامرًا طموحًا إلى السلطة..(17) دوافع الاستجابة لهذه الحركة: تعددت دوافع الاستجابة لهذه الحركة ما بين سياسية، واقتصادية واجتماعية: الدوافع السياسية: بسبب تردي أوضاع الخلافة، نتيجة تصاعد نفوذ الأتراك إلى جانب صراع خفي بين المترفين والعبيد وجد متنفسًا له في دعوة علي بن محمد.. الدوافع الاقتصادية: نتيجة الأوضاع المالية المتدهورة وظاهرة التكوين الطبقي داخل المجتمع الإسلامي من طبقة ثرية إلى طبقة تجار فالطبقة العامة العاملة.. واتسعت الهوة مع مرور الزمن بين هؤلاء وبين الطبقة الإقطاعية، وبلغ التناقض الاجتماعي مداه، مما كان دافعًا للاستجابة لنداء الثورة الذي أطلقه علي بن محمد.. الدوافع الاجتماعية: بفعل نمط حياة فئات العبيد التي كانت تعيش في ظروف قاسية وسيئة من خلال عملها في تجفيف المستنقعات وإزالة السباخ (18) عن الأراضي، ثم نقل الملح إلى حيث يعرض ويباع، لقاء وجبة طعام، فأرادت هذه الفئات التخلص من هذا العمل الشاق ومن ضنك العيش.. وقد سيطر علي بن محمد خلال عشرة أعوام (255 ـ 265هـ) على رقعة واسعة تمتد بين الأهواز وواسط، وهدد بغداد، عندئذ عهد الخليفة المعتمد إلى أخيه أبي أحمد الموفق طلحة بمحاربته؛ فاصطدم بمجموع الزنج وقتل علي بن محمد، واستسلم من بقى من أتباعه.. وبإخماد الثورة، أُسْدِلَ الستار على هذه الحركة التي قضَّت مضاجع الخلافة لعباسية، وكلفتها الكثير من الجهد والأموال والأرواح والتي دامت أكثر من أربعة عشر عامًا (255ـ 270هـ) (19) حركة الزنج في الميزان: لقد انطلقت حركة الزنج من واقع الألم والاضطهاد الاجتماعي والاقتصادي بين مستنقعات البصرة وسهولها، وكانت بدايتها ناجحة انسجمت فيها أهدافها مع أفعالها لكن النزعة الفوضوية التي طبعتها وهي في قمة مواجهتها أدت إلى تقلص أبعادها الاجتماعية، وقد زاد من تلك النزعة افتقارها إلى برنامج ثوري يصوغ تطلعات وأهداف القائمين بها، ويوضح العلاقة بين القيادة والأتباع، كما يلاحظ أن رجالها استهدفوا الانتقام لا الإصلاح، والانقلاب الاجتماعي لا التقويم، وأن قائدها لم يستطع أن يحرر ذاته من مسألة فكرة الزعامة القرشية، بالإضافة إلى أن أطرها الثورية كانت محلية ومحدودة ولم تكن لديها تطلعات شاملة، وندرك من هنا عدم نجاح علي بن محمد في اكتساب قطاعات كبيرة من المجتمع العراقي كالفلاحين وكبار الملاك والتجار والحرفيين، وحتى القرامطة، فأصبح العبيد بمفردهم ضعفاء رغم عددهم الكبير.. ومن جهة ثانية فإن سرعة الأحداث، وتصميم العباسيين على القضاء عليها، لم يعطيا قائدها مهلة لتنظيم صفوف قواته،وتمكنه من بناء مجتمع مستقر ذي أنظمة خاصة لذلك كان من الطبيعي أن تفقد هذه الحركة طابعها الإنساني والثوري مما دفعها إلى نهايتها المحتومة،لكن قاعدتها الثورية التي تشتت استطاعت أن تكون إحدى الدعائم الأساسية التي دفعت الحركة القرمطية إلى الظهور فيما بعد(20) الزيدية: حفل العصر العباسي بكثير من الحركات السياسية والدينية التي كان لها أثر بعيد في تاريخ هذا العصر، والعصور اللاحقة، فقد قام الشيعة بحركات تمخض عنها انفصال كثير من أجزاء الدولة، وانتشار المبادئ الشيعية، خاصة الإسماعيلية والقرامطة، وتكللت جهود الإسماعيلية بقيام الدولة الفاطمية في بلاد المغرب إلى جانب قيام الدولة العلوية الزيدية في طبرستان.. والواقع أن عهد المتوكل تميز بالتضييق على الشيعة عامة، وقد تأثر هذا الخليفة بآراء وزيره عبيد الله بن خاقان الذي اشتهر بكراهيته لهذه الفئة.. وقام الزيدية في عهد المستعين بعدة حركات ضد السلطة المركزية لعل أبرزها خروج يحيى بن عمر بن يحيى بن حسين بن زيد في الكوفة ويبدو أن لخروجه علاقة مباشرة بتحسين أوضاعه المادية.. وجمع يحيى حوله عددًا من الأعراب وجماعة من سكان الكوفة ودخل هذه المدينة بعد أن هاجمها ودعا فيها إلى الرضا من آل محمد لكن حركته لم يكتب لها النجاح، إذا اصطدم به القائد العباسي الحسين بن إسماعيل بن إبراهيم بن مصعب، وتغلب عليه، وقُتِلَ يحيى في المعركة.. أما الحركة الزيدية الأخرى التي تركت أثرًا فكانت خروج الحسن بن زيد بن محمد بن إسماعيل في نواحي طبرستان عام (250هـ/ 846م) وكان سوء تصرف الولاة العباسيين في تلك المنطقة، السبب الأبرز لخروجه، مما دفع السكان إلى الارتماء في أحضان الطالبيين، وبايعوه كما بايعه رؤساء الديلم، ولقب نفسه "داعي الخلق إلى الحق"، أو "الداعي الكبير" وتمكن خلال ثلاثة أعوام من الاستيلاء على جميع طبرستان وقسمًا مهمًا من الديلم والري، وأخذ الطالبيون يتقاطرون عليه من الحجاز والشام والعراق، بعد أن ذاع صيته واشتدت شوكته..(21) الإسماعيلية: في الوقت الذي كانت حركة الزنج تُحْتَضَر ظهرت دعوة الإسماعيلية التي يعود تاريخ حضورها على المسرح السياسي إلى أواخر عهد الدولة الأموية عندما انضم عدد كبير من الزيدية إلى طائفة الإمامية من أنصار جعفر الصادق، وبعد وفاته انقسمت الشيعة الإمامية إلى قسمين بفعل اختلاف الرأي في كيفية تحديد الحق الوراثي لاختيار الإمام: وهما الإمامية الموسوية، وقد أُطلق عليها فيما بعد:الاثنا عشرية، اعتقدوا بإمامة إسماعيل بن جعفر الصادق وهو عندهم الإمام السابع، والإمامية الإسماعيلية الذين اعتقدوا بإمامة إسماعيل بن جعفر الصادق وهو أكبر أولاد أبيه، ومع أن وفاته حصلت في حياة والده، فقد حول أتباعه الإمامة إلى ابنه محمد المستور، وهو عندهم الإمام السابع، ومن ثم أطلق على هذه الطائفة اسم السبعية لتميزهم عن الاثنى عشرية.. ومن أشهر نواب الأئمة الإسماعيلية الذين عملوا على نشر المذهب وترأسوا الدعوة ميمون القداح (22) الذي وضع أسس المذهب الإسماعيلي ممهدًا السبيل لابنه عبد الله الذي أقام في سلمية من أعمال حماة في بلاد الشام، وانتشر دعاته في المناطق المضطربة لاستغلال تذمر بعض قطاعات من الناس من الإدارة العباسية.. انتظمت الدعوة منذ الثلث الأخير من القرن التاسع الميلادي في بلاد اليمن والعراق، والراجح أن الدعوة إلى هذا المذهب ظهرت عقب وفاة الحسن العسكري وهو الحادي عشر من أئمة الشيعة الاثني عشرية في عام (260هـ/ 874م).. تعرض الإسماعيليون للاضطهاد على أيدي السلطة؛ فاضطروا إلى الاعتصام في مواطن نائية ومنيعة يصعب على العباسيين اقتحامها، كما نشروا دعوتهم سرًا، واجتهدوا لاستقطاب الأتباع منطلقين من سلمية إلى كافة البقاع الإسلامية، لكن ركون الحركة الإسماعيلية في تلك الفترة إلى العمل السري، لم يمنعها من ممارسة العمل السياسي، فقد كانت تترجم أفكارها السرية في مضايقة الدولة كلما سمحت لها الظروف.. (23) القرامطة: توجهت الدعوة الإسماعيلية إلى كافة طبقات المجتمع، لكن التجاوب كان متفاوتًا في حين وجد الفرس فيها أسلوبًا للتعبير عن كراهيتهم للعرب، وهكذا أصبحت الدعوة الإسماعيلية، حركة ثورية كبيرة، تضم اتجاهات مختلفة لعل أبرزها: ـ الاتجاه الاجتماعي: لإقامة العدالة الاجتماعية.. ـ الاتجاه الشيعي: الذي شكلت المباديء الشيعية هدفه الأسمى. ـ الاتجاه العنصري الفارسي: الذي أدرك مناصروه أهمية تحقيق المباديء المزدكية.. لكن جمعت هذه الاتجاهات غاية واحدة هي حُلْمُ الخلافة، وقد نتج عن اختلاف الأهداف استحالة اندماج الميول المتعددة بشكل كامل، وهذا يفسر لنا السبب في تطور مراحل هذه الدعوة التي اتخذت طابعًا مختلفًا أو حتى متناقضًا، فقد نشأت عن المذهب الإسماعيلي قوتان كبيرتان هددتا دولة الخلافة العباسية، إحداهما الحركة القرمطية التي ضايقت العباسيين، وهددتهم في عقر دارهم، والأخرى هي الدولة العبيدية، التي انطلقت من سلمية وقامت في بلاد المغرب.. ظهرت الحركة القرمطية في النصف الثاني من القرن الثالث الهجري وهي استمرار للدعوة الإسماعيلية رغم الأطوار العصبية التي مرت بها العلاقة بين الحركة الأم (الإسماعيلية) والحركة الناشئة (القرمطية) ووصولها إلى حد المواجهة المسلحة، ولدى العودة إلى المصادر الإسماعيلية، نراها تنظر إلى القرامطة نظرة فئة تمردت على قيادتها وانشقت عنها.. نشأت الحركة في سواد العراق في عام (261هـ/ 875م) في عهد الخليفة المعتمد، ثم انتقلت إلى بلاد الشام والبحرين واليمن وذلك لظروف سياسية واقتصادية واجتماعية هي نفسها التي قامت في ظلها حركة الزنج، والراجح أن الاتجاه الاجتماعي ـ الاقتصادي قد غلب على اتجاهها الديني بالرغم من أن دعاتها كانوا متطرفين في آرائهم الدينية المتعلقة بالشريعة الإسلامية.. (24) ويعتبر حمدان بن الأشعث المعروف بقُرْمُط، وهو من أهل الكوفة أحد دعاة القرامطة الأوائل، وقامت دعوته في أعقاب القضاء على حركة الزنج، واتجهت إلى أولئك الذين نجوا في المناطق التي عمت فيها الحركة المذكورة، فصادفت رواجًا كبيرًا في صفوف الأعراب -الذين يتوقون للغنائم- وفلاحي السواد والطبقات الفقيرة، وسمي أتباعه بـ "القرامطة" نسبه إليه.. ثم حدث أن خبت الحركة في العراق بفعل الاختلاف الذي حصل بين قيادتها والقيادة الإسماعيلية، وآلت قيادتها إلى زكرويه بن مهرويه الفارسي وهو أحد تلاميذ حمدان، الذي نقل نشاطه إلى بلاد الشام، وامتد إلى بادية السماوة.. وأخذ ابناه يحيى بن زكرويه الملقب بصاحب الناقة، وحسين بن زكرويه الملقب بذي الشامة أو صاحب الخال، على التوالي مهمة نشرها، وتلقب كل منهما بأمير المؤمنين، فهاجما المدن والقرى وأثارا القلق والهلع في بلاد الشام قبل أن تقضي الدولة عليهما في عامي (290و 291هـ/ 903 ـ 904م).. وقام زكرويه لينتقم لمقتل ابنيه، لكنه قتل في عام (294هـ/ 907م) وانتهى بمقتله أمر القرامطة في بلاد الشام.. وتقترن الحركة القرمطية في البحرين باسم أبي سعيد الجنَّابي الفارسي وابنه أبي طاهر، وقد بسط الأول هيمنة فعلية على هجر والأحساء والقطيف وسائر البحرين وأنشأ دولة مستقلة عاصمتها المؤمنية، وقُتِلَ في عام (301هـ/ 914م)، فتسلم ابنه أبو طاهر سليمان رئاسة الدعوة، وتابع سياسة العنف بأساليب بالغة الخطورة؛ فعانت البصرة والكوفة من غاراته الوحشية، كما أغار على قوافل الحجاج، وهاجم مكة في عام (317هـ/ 929م)، فنهب أموال الحجاج وقتلهم في المسجد الحرام، واقتلع الحجر الأسود من الكعبة، واحتجزه لعدة أعوام (25) مع ما يمثل ذلك من تحد كبير لشعور المسلمين وقد ندَّد خصومه من أهل السنة، وحلفاؤه من الإسماعيليين والعبيديين بأعماله.. ويبدو أن هناك عاملين دفعا بالقرامطة إلى انتحاء هذا المنحى الديني والاقتصادي.. فمن الناحية الدينية حاول القائمون على الحركة باعتبارهم يمثلون فرقة باطنية غالية، إيجاد عقيدة جديدة توفق بين الإسلام والعقائد القديمة، فهم لم يعترفوا بالإسلام كدين، رغم تظاهرهم بذلك، بل أدخلوا عليه عقائد الحلول والتناسخ وقدسية الأئمة.. أما من الناحية الاقتصادية، فيبدو أن القرامطة أرادوا إيقاف الحج ومهاجمة القوافل التجارية نظرًا للمنافع المادية الناتجة عنه، كما أن هجماتهم التي نفذوها على البصرة كانت تهدف إلى بَثِّ الفوضى وعدم الاستقرار فيها لتحويل تجارتها إلى موانيء الخليج التي يسيطرون عليها بعد أن رفض الخليفة طلبًا لأبي طاهر أن يتنازل عن الأهواز والبصرة، بالإضافة إلى الهيمنة على تجارة الهند البحرية وصناعة خوزستان.. ومهما يكن من أمر فقد فقدت الحركة القرمطية في البحرين، تماسكها بعد وفاة أبي طاهر في عام (332هـ/ 942م) بفعل الصراع على الزعامة، بالرغم من أن الدولة القرمطية استمرت حتى عام (469هـ/ 1076م) وسط تيارات معادية أوجدها تعصبهم الديني المتطرف..(26) قيام الدولة العبيدية الفاطمية: أرسل الحسين بن حوشب، داعي الإسماعيلية في اليمن أبا عبد الله الشيعي إلى بلاد المغرب في عام (288هـ/ 901م) لنشر الدعوة في هذه البلاد، بعد وفاة داعييِّ الإسماعيلية فيها وهما: الحلواني وأبو سفيان، ونجح أبو عبد الله هذا في استقطاب جماعة من حجاج كتامة، وصحبهم إلى بلاد المغرب حيث بثَّ دعوته بين الناس، وقوى أمره بما التف حوله من الأتباع واستولى على القيروان في عام (296هـ/ 909م) وأزال دولة الأغالبة، ثم أرسل إلى عبيد الله المهدي في سلمية يدعوه للحضر إلى إفريقية لتسلم الأمر، رحب عبيد الله بالدعوة، فترك سليمة وتوجه إلى المغرب.. فوصل إليها في عام (297هـ/ 910م) حيث بويع له بالخلافة، وتلقب بالمهدي أمير المؤمنين واضعًا بذلك الأساس الذي قامت عليه دولة الخلافة العبيدية..(27) التاريخ العباسي مظلوم: التاريخ العباسي مظلوم ليس فقط بسبب التشويه، ولكن لأن التركيز كان على الجانب السياسي فقط، وأهمل الحديث عن جوانب الحياة الأخرى، والتي كانت حضارية في كثير من الأوقات كالجوانب العلمية والاجتماعية والاقتصادية.. وهذا الإهمال لهذه الجوانب كان عن عمد أحيانًا، وكان عن جهل أحيانًا أخرى، وكان للاعتماد على مصادر المشوهين للتاريخ في أحيان ثالثة.. |
|||
![]() |
![]() |
الكلمات الدلالية (Tags) |
المستطاع, اوامر, تريدونه, تقدر, طلباتكم |
|
|
المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية
Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc