![]() |
|
في حال وجود أي مواضيع أو ردود
مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة
( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .
آخر المواضيع |
|
سلسة الرد على شبهات دعاة التكفير
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
![]() |
رقم المشاركة : 1 | ||||
|
![]() الشبهة السابعة عشر:إستدلالهم بقوله تعالى({أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ} : ومما يلبس به الخوارج ما قالوا: إن الحكم بغير ما أنزل الله تشريع لم يأذن الله به فهو كفر أكبر والله يقول: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ}([1]) . فالجواب على هذه الشبهة: أن الآية نصت على أن هؤلاء الشركاء شرعوا لهم من الدين أي جعلوا شريعتهم ديناً يتدينون به ، ويتقربون به إلى الله .. قال ابن جرير -رحمهُ اللهُ- : "يقول تعالى ذكره: أم لهؤلاء المشركين بالله {شركاء} في شركهم وضلالتهم ، {شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله} يقول: ابتدعوا لهم من الدين ما لم يبح الله لهم ابتداعه"([2]). وقال ابن كثير -رحمهُ اللهُ- : "وقوله جل وعلا : {أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله} أي : هم لا يتبعون ما شرع الله لك من الدين القويم ، بل يتبعون ما شرع لهم شياطينهم من الجن والإنس من تحريم ما حرموا عليهم من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام، وتحليل أكل الميتة والدم والقمار إلى نحو ذلك من الضلالات والجهالة الباطلة ، التي كانوا قد اخترعوها في جاهليتهم، من التحليل، والتحريم، والعبادات الباطلة، والأقوال الفاسدة"([3]) لذا درج جماعةٌ من العلماء [4]على ذكر الآية من الأدلة على تحريم البدع – التي هي تشريع أمور جديدة يزعم صاحبها أنها من الدين ليُتعبد الله بها - ومن هذا يتبين خطأ المستدلين بالآية على تكفير من شرع أحكاماً غير حكم الله ووجه خطأ استدلالهم أن الآية كفرت من جمع بين وصف التشريع والزعم أنه من الدين وهذا هو المسمى بالتبديل - كما تبين سابقا- أما التشريع وحده دون زعم أنه من الدين فلم تحكِ الآية كفره فتنبه . [4] كما فعله ابن تيمية في مواضع منها في أوائل كتاب الاستقامة (1/5) والاقتضاء (2/582) . جمعته من كتاب دفع الشبه الغوية السابق ومن كتاب تبديد كواشف العنيد للشيخ عبد العزيز الريس مع تصرف يسير ([1]) سورة الشورى(آية/21). ([2])تفسير الطبري(25/21) ([3])تفسير ابن كثير(4/112)
|
||||
![]() |
رقم المشاركة : 2 | |||
|
![]() الشبهة الثامنة العشر:إستدلالهم بقوله تعالى{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً} ومما يلبس به الخوارج ما قالوا: إن الله -عزَّ وجلَّ- وجل يقول: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً}([1]) ، وسبب نزول الآية يدل على أن مجرد التحاكم إلى غير الشريعة كفر أكبر. وقد وردت روايات في سبب نزولها أصحها ما ورد عن ابن عباس أنَّه قال: كان أبو برزة الأسلمي كاهناً يقضي بين اليهود فيما يتنافرون فيه، فتنافر إليه ناس من المسلمين ، فأنزل الله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ} - إلى قوله:- {إِحْسًاناً وَتَوْفِيقاً}"([2]) والجواب على هذه الشبهة: أولاً: هذه الآية عاريةُ الدلالة عن تكفير الواقعِ في الحكم بغير ما أنزل الله ، وذلك يتضح من أوجه : الوجه الأول : أن الآية محتملةٌ لأمرين : 1- أن إيمانهم صار مزعوماً لكونهم أرادوا الحكم بالطاغوت وهذا ما تمسكت به . 2-أن من صفات أهل الإيمان المزعوم – المنافقين – كونهم يريدون التحاكم للطاغوت ومشابهة المنافقين في صفةٍ من صفاتهم لا توجب الكفر[3] ، فعلى هذا من حكم بغير ما أنزل الله فقد شابه المنافقين في صفةٍ من صفاتهم وهذا لا يوجب الكفر إلا بدليل آخر كمن شابه المنافقين في الكذب لم يكن كافراً فمن ثمَّ إذا توارد الاحتمال في أمرٍ بين كونه مكفِّراً أو غير مكفِّر لم يكفر بهذا الأمر لكون الأصل هو الإسلام فالنـتيجة أنه لا يصح تمسكك بالآية في التكفير لكونها من المحتمل . الوجه الثاني : أن هؤلاء يريدون الحكم بالطاغوت وليست إرادتهم هذه إرادةً مطلقةً بل هي إرادةٌ تنافي الكفر به الكفر الاعتقادي ومن لم يعتقد وجوب الكفر بالطاغوت فلا شك في كفره الكفر الأكبر قال تعالى )فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى( قال ابن جرير :" يريدون أن يتحاكموا في خصومتهم إلى الطاغوت يعني إلى من يعظمونه ويصدرون عن قوله ويرضون بحكمه من دون حكم الله وقد أمروا أن يكفروا به يقول وقد أمرهم أن يكذبوا بما جاءهم به الطاغوت الذي يتحاكمون إليه فتركوا أمر الله واتبعوا أمر الشيطان" ا. هـ[4] فإن أبوإلا أن يحملوها على مطلق الإرادة فيُقال إن الإرادة هنا محتملةٌ لما قلنا وقالوا والكفر لا يكون في الأمور المحتملة - كما سبق - ثانيا: أن هذه الآية واردة في المنافقين ، وقد وضَّح ذلك ما بعدها من الآيات قال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُوداً}والآيات بعدها ، وعلى أن الآية في المنافقين عامة المفسرين. فالمنافقون لا يؤمنون بالله ولا يوحدونه ، بل هم مشركون حالهم في الحقيقة كحال اليهود الذين يحكمون بغير ما أنزل الله جاحدين حكم الله ، مستحلين للحكم بغير ما أنزله -عزَّ وجلَّ- . ثالثا: أن المنافقين طلبوا التحاكم إلى الطاغوت وهو الكاهن لأنهم يؤمنون بالجبت والطاغوت ، ففعلوا ذلك عن اعتقاد واستحلال. رابعا: أنَّ من طلب التحاكم إلى الطاغوت فقد فعل كفعل المنافقين واليهود والمشركين في الجاهلية ، ويكون قد شابههم في ذلك ، كمشابهة الجاهلية في الطعن في الأنساب، والنياحة على الميت والفخر بالأحساب، والتَّبَرُّجَِ، ونحو ذلك من خصال الجاهلية. ولا يكون كافراً إلا بقرينة كاستحلال أو استكبار أو عناد للشريعة الإسلامية. جاء في فتوى اللجنة الدائمة: "والتحاكم يكون إلى كتاب الله وإلى سنة الرسول -صلى الله عليه وسلم- فإن لم يتحاكم إليهما مستحلاً التحاكم إلى غيرهما من القوانين الوضعية بدافع طمع في مال أو جاه أو منصب فهو مرتكب معصية وفاسق فسقاً دون فسق ولا يخرج من دائرة الإيمان"([5]) . خامسا: أن التحاكم إلى غير الشريعة الإسلامية هو طلب للحكم بغير ما أنزل الله بالقول ، وحكم القاضي ونحوه بغير ما أنزل الله هو طلب للحكم بغير ما أنزل الله بالفعل وكلاهما حرام ، ويكون كفراً أكبر بالاستحلال والاستكبار ونحو ذلك لا بمجرد الحكم. ([1]) سورة النساء(آية/60). ([2])رواه ابن أبي حاتم في تفسيره(3/991رقم5547)، والطبراني في المعجم الكبير (11/373رقم 120045) ، وفي مسند الشاميين(2/119رقم1027)، والواحدي في أسباب النّزول(ص/160-161) وسنده صحيح. [3] انظر جامع البيان في تفسير القرآن ( 5/99) . [4] ( 5/96 ) . ([5]) فتاوى اللجنة(1/781-782) |
|||
![]() |
رقم المشاركة : 3 | |||
|
![]() الشبهة التاسعة عشر: إستدلالهم بقوله تعالى(ولا يشرك في حكمه أحدا). ومما يلبس به الخوارج ما قالوا:إن الله -عزَّ وجلَّ- قد خصَّ نفسه بالتشريع ، فهو حق من حقوق الله لا يشاركه فيها أحد ، فمن حكم بغير ما أنزل الله فهو مشرك كافر والله يقول: {ولا يشرك في حكمه أحداً}([1]) ، وقال تعالى: {إن الحكم إلا لله}([2]). والجواب على هذه الشبهة من وجهين: الوجه الأول: نقول هل هؤلاء الذين يحكمون بغير ما أنزل الله يقولون هذا حكم الله حتى يكونوا مشاركين له في وضع حكمه سبحانه وتعالى ؟ إن كانوا كذلك فقد سبق أن هذا كفرٌ لا شك فيه وإن لم يكونوا كذلك فلا يصح الاستدلال عليهم بالآية . فتأمل! قال الشيخ عبد الرحمن السعدي:" هذا يشمل الحكم الكوني القدري والحكم الشرعي الديني فإنه الحاكم في خلقه قضاءً وقدراً وخلقاً وتدبيراً والحاكم فيهم بأمره ونهيه وثوابه وعقابه …ا. هـ [3]. وقال الشاطبي :" ويمكن أن يكون من خفيِّ هذا الباب مذهب الخوارج في زعمهم أن لا تحكيم استدلالاً بقوله تعالى )إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ(فإنه مبنيٌّ على أن اللفظ ورد بصيغة العموم فلا يلحقه تخصيصٌ فلذلك أعرضوا عن قوله تعالى )فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا( وقوله )يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ… ( وإلا فلو علموا تحقيقاً قاعدة العرب في أن العموم يُراد به الخصوص لم يسرعوا إلى الإنكار ولقالوا في أنفسهم : لعلَّ هذا العام مخصوصٌ فيتأولون … ا. هـ فحكم الله الكوني واقع سواءً كان الله سبحانه محباً له أو غير محبٍ كالإرادة الكونية وهذا بلا شك لا أحد يشاركه فيه ومن اعتقد أن أحداً يشارك الله في هذا فقد وقع في الشرك الأكبر إذ إنه سوى غير الله بالله في أمرٍ خاصٍ بالله وهو شرك في الربوبيَّة أما الحكم الشرعي ، فإن أريد به التحليل والتحريم فهذا لاشك كفرٌ كما سبق ، وإن أريد مخالفة أمر الله مع الاعتراف بالخطأ فهذا لاشك أنه ليس كفراً كما هو الحال في باقي الذنوب ، وإلا كنا كالخوراج مكفرين بالذنوب فلأجل هذا لا يصح لكم الاستدلال بهذه الآية. الوجه الثاني: منازعة الله -سبحانه- ببعض ما اختص به نفسه دون عباده ليس كفراً مخرجاً من الملة بإطلاق، بل هو على نوعين: الأول: ما يكون كفراً مخرجاً من الملة بإطلاق ودون تفصيل، كادعاء استحقاق العبادة، أو القدرة على الإحياء والإماتة ونحو ذلك. الثاني: ما يكون فيه التفصيل والتفريق بين المستحل وغيره؛ فالخلق والتصوير من خصائصه -سبحانه وتعالى- ومنازعته في هذه الصفة ليس كفراً أكبر باتفاق السلف الصالح. أخرج الشيخان عن أبي هريرة - رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « قال الله - عز وجل- : ومن أظلم ممن ذهب يخلق خلقاً كخلقي؟ فليخلقوا ذرة ، أو ليخلقوا حبة، أو ليخلقوا شعيرة». قال القرطبي في «المفهم» (5/432): « وقد دل هذا الحديث على أن الذم والوعيد إنما علق من حيث تشبهوا بالله -تعالى- في خلقه ، وتعاطوا مشاركته فيما انفرد الله -تعالى- به من الخلق والاختراع». والتصوير مضاهاة لله في خلقه؛ فالمصورون ينازعون الله ما انفرد به، ومع ذلك فأهل السنة لم يكفِّروا منهم إلا من استحله أو قصد العبادة والمضاهاة له -سبحانه- أما من لم يستحل ذلك، فهو من أصحاب الكبائر وليس بكافر. قال الإمام النووي في«شرح صحيح مسلم» (13/81): « تصوير صورة الحيوان حرام شديد التحريم، وهو من الكبائر ؛ لأنه متوعد عليه بهذا الوعيد الشديد المذكور في الأحاديث، وسواء صنعته بما يمتهن أو بغيره، فصنعته حرام بكل حال؛ لأن فيه مضاهاة لخلق الله -تعالى-». وكذلك العز والكبرياء والعظمة من أوصاف الله -تعالى- التي لا تنبغي لأحد سواه؛ ففي الحديث الذي أخرجه مسلم من حديث أبي سعيد وأبي هريرة- رضي الله عنهما- قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «العز إزاري، والكبرياء ردائي؛ من ينازعني عذبته». ومع ذلك؛ فلا يكفّر أهل السنة والجماعة أتباع السلف الصالح من يتكبَّر، ويحتقر غيره ويزدريه، ويستعظم نفسه بغير استحلال. فكذلك الحكم والتشريع لا يكفّر من نازع الله فيها إلا من الجاحد المستحل -أو ما في معنى ذلك-، والله أعلم. والخلاصة: 1. أن الذي يحكم بغير ما أنزل الله ويقول (هذا حكم الله) أو يعتقد لنفسهالجواز؛ يكون مشاركاً لله في حكمه سبحانه وتعالى الذي هو من خصائصه؛ فإنكان كذلك فقد سبق أن هذا كفرٌ لا شك فيه وأنه خارج محل البحث؛ لأنه إمامبدَّل أو مستحِلّ، 2. وإن لم يكن كذلك بأن كان يرى أنه مخطيء وأنه لايجوز له ذلك فلا يصح الاستدلال على كفره بالآية لأنه ليس مشاركاً للهتعالى في حكمه كسائر أهل المعاصي. --------------- ([1]) سورة الكهف(آية/26). ([2]) سورة يوسف(آية/40) [3]كتاب تيسير الكريم الرحمن . |
|||
![]() |
رقم المشاركة : 4 | |||
|
![]() الشبهة العشرون:إستدلالهم بقوله تعالى( وما اختلفتم فيه من شيءٍ فحكمه إلى الله) وقد إستدلوا بها على كفر من لم يحكم بما أنزل الله . والجواب: لسنا مختلفين معكم ولو بقيد أنملة أن هؤلاء الحاكمين بغير ما أنزل الله آثمون وواقعون في ذنبٍ عظيمٍ وأنهم من أسباب هزيمة أمتنا وضعفها لكن ليس لي أن أحكم عليهم بكفرٍ إلا بدليلٍ ؛ لأن التكفير حقٌ لله سبحانه – كما هو متقرِّرٌ - وغاية ما في هذا الدليل أنه يجب عليهم الرجوع إلى كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس فيه الحكم بكفرهم مطلقاً عند ترك ذلك .فليس في الآية دلالة على مسألة البحث –في تكفير من حكم بغير ما أنزل الله على غير وجه الاستحلال. |
|||
![]() |
رقم المشاركة : 5 | |||
|
![]() الشبهة الواحدة و العشرون :إستدلالهم بقوله تعالى(أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقومٍ يوقنون) ومما يلبس به الخوارج ما قالوا: إن من حكم بغير ما أنْزل اللهُ فقد ابتغى حكم الجاهلية ، والله يقول: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ}([1]) والجاهليون كفار ، فمن فعل مثلهم فهو كافر. والجواب على هذه الشبهة من: إضافةُ الشيء إلى الجاهلية أو وصفه به لا يدل على الكفر فمن ثم لا يكون كفراً إلا بدليلٍ خارجي دالٍ على الكفر ويوضح ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلَّم لأبي ذر " إنك امرؤٌ فيك جاهلية " متفق عليه وقال في حديث أبي مالك الأشعري عند مسلم( أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن ...) قوله: ((ثلاثة من أمر الجاهلية الطعن في الأنساب والنياحة والأنواء))(104). ومثله الحديث الذي يُرْوَى عن جرير وأبي البختري الطائي: ((ثلاثة من سنة الجاهلية النياحة وصنعة الطعام، وأن تبيت المرأة في أهل الميت من غيرهم))(105) وكذلك الحديث " آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب، وإذا أوعد أخلف وإذا ائتمن خان " (106) وقول عبد الله " الغناء ينبت النفاق في القلب "(107) ليس وجوه هذه الآثار كلها من الذنوب أن راكبها يكون جاهلاً، ولا كافراً، ولا منافقاً، وهو مؤمن بالله وما جاء من عنده، ومؤد لفرائضه، ولكن معناها أنها تتبين من أفعال الكفار، مُحَرَّمَةٌ مَنْهِيٌّ(108) عنها في الكتاب وفي السنة ليتحاماها المسلمون ويتجنبوها، فلا يتشبهوا بشيء من أخلاقهم ولا شرائعهم. ولقد روي في بعض الحديث: ((إنَّ السواد خضاب الكفار))(109) فهل يكون لأحد أن يقول: إنَّه يكفر من أجل الخضاب ؟! وكذلك حديثه في المرأة إذا استعطرت ثم مرت بقوم يوجد ريحها: ((أنها زانية))(110) فهل يكون هذا على الزنا الذي تجب فيه الحدود؟ ومثله قوله: ((المستبان شيطانان يتهاتران ويتكاذبان))(111). أفيتهم عليه أنه أراد الشيطانين الذين هم أولاد إبليس ؟! إنما هذا كله على ما أعلمتك من الأفعال والأخلاق والسنن. وكذلك كل ما كان فيه ذكر كفر أو شرك لأهل القبلة فهو عندنا على هذا، ولا يجب اسم الكفر والشرك الذي تزول به أحكام الإسلام ويلحق صاحبه للردة إلا بكلمة الكفر خاصة دون غيرها وبذلك جاءت الآثار مفسرة"([2]) . قال الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام -رحمهُ اللهُ- : " فقد أخبرك أن في الذنوب أنواعاً كثيرة تسمى بهذا الاسم، وهي غير الإشراك التي يتخذ لها (100) مع الله إله غيره، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، فليس لهذه الأبواب عندنا وجوه إلا أنها(101) أخلاق المشركين وتسميتهم وسننهم وألفاظهم وأحكامهم ونحو ذلك من أمورهم. وأما الفرقان الشاهد عليه في التَّنْزيل فقول الله جل وعز: ]وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُون[ ( المائدة /44) وقال ابن عباس: " ليس بكفر ينقل عن الملة " (102) وقال عطاء بن أبي رباح: " كفر دون كفر " فقد تبين لنا أنه (103) كان ليس بناقل عن ملة الإسلام أن الدين باق على حاله وإن خالطه ذنوب، فلا معنى له إلا خلاف الكفار وسنتهم، على ما أعلمتك من الشرك سواء، لأن من سنن الكفار الحكم بغير ما أنزل الله. ألا تسمع قوله ] أفحكم الجاهية يبغون[ ( المائدة /50). تأويله عند أهل التفسير أن من حكم بغير ما أنزل الله وهو على ملة الإسلام كان بذلك الحكم كأهل الجاهلية إنما هو أن أهل الجاهلية كذلك كانوا يحكمون.)) الإيمان ص 45 . -------------------------------------------------------------------------------- ([1]) سورة المائدة(آية/50). (104) حديث صحيح، رواه البخاري في " التاريخ " والطبراني في " الكبير " (1/105/2) عن جنادة بن مالك، والبزار عن عمرو بن عوف، وابن جرير عن أبي هريرة وعن أنس بن مالك، وعنه أبو يعلي أيضا باختصار بإسناد قوي كما في " الفتح " (37/12) وهو في البخاري عن ابن عباس موقوفا عليه. (105) أما حديث جرير وهو ابن عبد الله البجلي، فقد أخرجه ابن ماجه (1612) عن إ سماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن جرير قال: " كنا نرى الاجتماع الى أهل الميت، وصنعة الطعام من النياحة " وإسناده صحيح وأما حديث أبي البحتري واسمه سعيد بن فيروز تابعي ثقة – فلم أره. (106) متفق عليه من حديث أبي هريرة. (107) رواه أبو داود (4927) عن عبد الله وهو ابن مسعود مرفوعا، وإسناده ضعيف. يقول أبو عمر العتيبي: وصح موقوفاً على ابن مسعود -رضي الله عنه-. رواه محمد بن نصر في تعظيم قدر الصلاة(2/629) ، والبيهقي في السنن الكبرى(10/223) ، وفي شعب الإيمان(4/278) وسنده حسن. (108) كذا الأصل، ولا يخلو من شيء (109) حديث ضعيف أخرجه الطبراني والحاكم وقال الذهبي وغيره: " حديث منكر ". (110) حديث صحيح، أخرجه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم في " صحاحهم " عن أبي موسى الأشعري مرفوعا بلفظ: " أيما امرأة استعطرت، فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية، وكل عين زانية " وأخرجه بنحوه أبو داود والترمذي وصححه. ([2]) كتاب الإيمان ومعالمه وسننه واستكماله ودرجاته لأبي عبيد(ص/44-46) ، والتعليقات لمحققه الشيخ الألباني -رحمهُ اللهُ- . (100) كذا الأصل ولعل الصواب (فيها ) (101) الأصل (أنا ) ولعل الصواب ما أثبتنا (102) الأصل (ملة ) والتصويب من ( مستدرك الحاكم )، وقد أخرجه (2/313) من طريق طاوس عن ابن عباس وصححه هو والذهبي (103) كذا الأصل، ولعل الصواب (إذ) |
|||
![]() |
رقم المشاركة : 6 | |||
|
![]() الشبهة الثانية والعشرون :إستدلالهم بسبب نزول قوله تعالى ) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ ( ومما يلبس به الخوارج ما قالوا: سبب نزول قوله تعالى ) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ ( قال الشعبي: كان بين رجل من المنافقين ورجل من اليهود خصومة فقال اليهودي نتحاكم إلى محمد – صلى الله عليه وسلم – لأنه عرف أنه لا يأخذ الرشوة وقال المنافق نتحاكم إلى اليهود لعلَّمه أنهم يأخذون الرشوة ، فاتفقا أن يأتيا كاهناً في جهينة فيتحاكما إليه فنزلت الآية ) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ… ([1]. والجواب على هذه الشبهة: هذا الأثر منقطع لأن الشعبي من التابعين فهو ضعيف، 2. ثم الآية –لو صح الحديث- في منافقٍ ويهوديّ، وتحقق صفةٍ من صفات المنافقين في مسلمٍ لا يستلزم منه وصفه بالنفاق الأكبر، 3. ثم ليس هناك ما يدلّ –صراحةً- على أن وصف النفاق تحقق في الرجل بسبب هذا التحاكم وقد فصلت حول هذه المسألة في ردي على الشبهة رقم.... وقالو كذلك : هناك سبب نزول آخر وهو أن رجلين اختصما فقال أحدهما: نترافع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال الآخر إلى كعب بن الأشرف ثم ترافعا إلى عمر فذكر له أحدهما القصة فقال للذي لم يرض برسول الله صلى الله عليه وسلَّم أكذلك قال نعم فضربه بالسيف فقتله " قلنا : إن هذا الأثر لا يصح أيضاً بل هو أشد ضعفاً من الذي قبله إذ هو من طريق الكلبي عن أبي صالح باذام عن ابن عباس به[2] فقد جمع هذا السند بين كذاب ومتروك وانقطاع . وقالوا كذلك: : هناك سبب نزول[3] عن ابن عباس قال كان أبو بردة الأسلمي كاهناً يقضي بين اليهود فيما يتنافرون إليه فتنافر إليه أناسٌ من المسلمين فأنزل الله تعالى ) .. أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ (الآية . قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح[4]. وقال الحافظ : إسناده جيد[5]. وقال الشيخ مقبل الوادعي[6]: شيخ الطبراني ما وجدت ترجمته لكنه قد تابعه إبراهيم بن سعيد الجوهري عند الواحدي ا . هـ فبهذا يتبين صحة إسناده فما قولك فيه ؟ قلنا: : قد سلمنا لكم بصحة هذا الأثر لكن لم نسلِّم بدلالته على ما نحن فيه وذلك لما يلي: 1/ أن هؤلاء الذين أتوا أبا بردة منافقون كما يدل عليه سياق الآيات فمن ثم تكون الآية ذاكرة صفة من صفاتهم وليس تحاكمهم هو السَّبب في كونهم يزعمون بل هم يزعمون الإيمان من قبل التحاكم فعليه من شابه المنافقين في صفةٍ لم يكن منافقاً إلا بإثبات أن هذه الصفة مكفرةٌ بنص خارجيٍّ آخر فأين هو ؟ 2/ أن هؤلاء النفر يريدون التحاكم إلى غير ما أنزل الله وإرادتهم هذه ليست مطلقةً بل إرادةٌ تنافي الكفر بالطاغوت الذي يعد الكفر به ركناً من أركان الإيمان ، ولا شك أن من لم يَرَ وجوب الكفر بالطاغوت فهو كافر – كما سبق- . 3/ أن استدلالك بهذا الأثر يلزم منه لازمٌ لا تقول به أنت وهو أن تكفِّر من لم يحكم بما أنزل الله ولو في مسالةٍ واحدةٍ . -------------------------------------------------------------------------------- [1] أخرجه الطبري ( 5/97 ) . [2] كما علقه الواحدي في أسباب النزول ص 107 – 108 والبغوي في معالم التنـزيل ( 2/242 ) . [3] رواه الطبراني في الكبير ( 124/5 ) والواحدي في أسباب النزول ص106- 107 . [4] مجمع الزوائد ( 7/6 ) . [5] الإصابة ( 7/18 ) . [6] بعد أن أورده في الصحيح من أسباب النزول ص 69 . |
|||
![]() |
رقم المشاركة : 7 | |||
|
![]() الشبهة الثالثة والعشرون:استدلالهم بقوله تعالى(ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولائك هم الكافرون) ومما يلبس به الخوارج ما قالوا: أن الله حكم على الذي لم يحكم بما أنزل الله بأنه الكافر فرتَّب وصفه بالكافر على مجرد الحكم بغير ما أنزل الله دون نظرٍ لاعتقاد فدلَّ على أن علَّة هذا الحكم كونه لم يحكم بما أنزل فحسب ولا يصحُّ لكم أن تحملوا وصف الكافر هنا على الكفر الأصغر لأن الحافظ الإمام ابن تيمية حكى بعد الاستقراء لنصوص الشريعة أن الكفر المعرَّف لا ينصرف إلا إلى الأكبر[1]، ثم ذكر هو وغيره أن الأصل في الكفر إذا أطلق انصرف إلى الأكبر إلا بدليل إذ الأصل في اللفظ إذا أُطلق في الكتاب والسنة انصرف إلى مسماه المطلق وحقيقته المطلقة وكماله. والجواب على الشبهة: : لقد ذكرتم في ثنايا كلامكم حججاً ثلاثاً : 1- أن الشارع علَّق الحكم بمجرد التحكيم دون النظر للاعتقاد . 2- أن اللفظ إذا أُطلق في الشريعة انصرف إلى كماله إلا بدليل . 3- أن ابن تيمية استقرأ لفظ الكفر في الشريعة وتبين له أنها لا تنصرف إلا إلى الأكبر دون الأصغر . والجواب على الحجة الأولى يكون بما يلي : أ- لا نخالفكم في أن الشارع علّق الحكم بوصف( الكافر ) على مجرد التحكيم بغير ما أنزل الله لكنني أقول بأن الكفر هنا أصغر لا أكبر للأدلة التالية: 1- أن الأخذ بعموم الآية يلزم منه تكفير المسلمين في أي حادثةٍ لم يعدلوا فيها بين اثنين حتى الأب مع أبنائه بل والرجل في نفسه إذا عصى ربه ؛ لأن واقعه أنه لما عصى ربه لم يحكم بما أنزل الله في نفسه[2] ووجه هذا اللازم أن لفظة ( مَنْ ) عامةٌ تشمل كل عالم[3] ( وما ) عامة تشمل كل ما ليس بعالم ومن لم يعدل بين بنيه داخلٌ في عموم (من ) ومسألته التي لم يعدل فيها داخلةٌ في عموم ( ما) . فالنصوص الدالة على عدم كفر مثل هذا وكل عاصٍ تكون صارفةً للآية من الأكبر إلى الأصغر لأجل هذا أجمع العلماء على عدم الأخذ بعموم هذه الآية، إذ الخوارج هم المتمسكون بعمومها في تكفير أهل المعاصي والذنوب ولم يلتفتوا إلى الصوارف من الأدلة الأخرى . قال ابن عبد البر : وقد ضلَّت جماعة من أهل البدع من الخوارج والمعتزلة في هذا الباب فاحتجوا بآيات من كتاب الله ليست على ظاهرها مثل قوله تعالى ) وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (. ا . هـ [4]. وقال :أجمع العلماء على أن الجور في الحكم من الكبائر لمن تعمَّد ذلك عالماً به … ا . هـ[5] وقال محمد رشيد رضا :" أما ظاهر الآية لم يقل به أحدٌ من أئمة الفقه المشهورين . بل لم يقل به أحدٌ قط " ا . هـ[6] فلعلَّه لا يرى الخوارج أيضاً متمسكين بظاهر الآية لكونهم لا يكفِّرون بالصغائر وظاهر الآية تشمل حتى الصغائر . وقال الآجري: ومما يتبع الحرورية من المتشابه قول الله عز وجل ) وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ( ويقرءون معها ) ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ( فإذا رأوا الإمام الحاكم يحكم بغير الحق قالوا: قد كفر ، ومن كفر عدل بربه فقد أشرك، فهؤلاء الأئمة مشركون ، فيخرجون فيفعلون ما رأيت ؛ لأنهم يتأولون هذه الآية ا.هـ[7] . وقال الجصاص :" وقد تأولت الخوارج هذه الآية على تكفير من ترك الحكم بما أنزل الله من غير جحود . ا هـ[8] وقال أبو حيان :" واحتجت الخوارج بهذه الآية على أن كل من عصى الله تعالى فهو كافرٌ وقالوا هي نص في كل من حكم بغير ما أنزل الله فهو كافر ا.هـ[9] انظروا – يا رعاكم الله – توارد كلمات علماء الأمة في ذم الأخذ بعموم الآية وأنه مذهب الخوارج ، فكنوا حذرين. 2-- أنه ثبت عن ترجمان القرآن تفسير الآية بالكفر الأصغر دون الأكبر وليس لنا أن نخالفه فعن عبد الله بن عباس- رضي الله عنهما-في قوله - عز وجل-:{ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} [المائدة:44] قال: «ليس بالكفر الذي تذهبون إليه». وفي رواية: « إنه ليس بالكفر الذي يذهبون إليه، إنه ليس كفراً ينقل عن الملة {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} كفر دون كفر». أخرجه سعيد بن منصور في «سننه» (4/1482/749-تكملة) ، وأحمد في «الإيمان»([11]) (4/160/1419) -ومن طريقه ابن بطة في «الإبانة» (2/736/1010)-، ومحمد بن نصر المروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (2/521/569) ، وابن أبي حاتم في «تفسيره» (4/1143/6434-ط الباز)، وابن عبد البر في «التمهيد» (4/237) ، والحاكم (2/313)- وعنه البيهقي (8/20)- عن سفيان بن عيينة عن هشام بن حجير عن طاووس عن ابن عباس به. قال الحاكم : «هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه»، ووافقه الذهبي. قال شيخنا أسد السنة العلامة الألباني- رحمه الله- في «الصحيحة» (6/113): «وحقِّهما أن يقولا : على شرط الشيخين؛ فإنَّ إسناده كذلك. ثم رأيت الحافظ ابن كثير نقل في «تفسيره» (6/163) عن الحاكم أنه قال: «صحيح على شرط الشيخين» ، فالظاهر أن في نسخة «المستدرك» المطبوعة سقطاً ، وعزاه ابن كثير لابن أبي حاتم- أيضاً- ببعض اختصار». قلت: وهو كذلك ؛ إلا أن هشام بن حجير راويه عن طاووس فيه كلام لا ينزل حديثه عن رتبة الحسن. قال ابن شبرمة: «ليس بمكة مثله» ، وقال العجلي :«ثقة صاحب سنة»، وقال ابن معين: «صالح» ، وقال أبو حاتم الرازي: «يكتب حديثه»، وقال ابن سعد: «ثقة له أحاديث» ، وقال ابن شاهين: «ثقة» ، ووثقه ابن حبان، وقال الساجي: «صدوق»، وقال الذهبي: «ثقة» ، ولخصه الحافظ بقوله: «صدوق له أوهام». وضعفه يحيى القطان، والإمام أحمد، وابن معين - في رواية-([12]). قلت : فرجل حاله هكذا ؛ لا ينزل حديثه عن رتبة الحسن ما لم يخالف، وقد روى الشيخان له واحتجا به، ومع ذلك لم يتفرد به بل توبع.وإن أبيتم إلا تضعيف الأثر فقد صح عن اثنين من أصحاب ابن عباس وهما: 1. طاووس، 2. وعطاء؛ صرَّحا بأن المراد بالكفر في الآية الكفر الذي لا ينقل عن الملة، (انظر ما رواه المروزي 574، وابن جرير في تفسيره)، كما لم يفهم أحدٌ من العلماء من كلام ابن عباس -رضي الله عنه- أنه يريد بهذه الرواية الكفر الأكبر. فهذا يغلِّب إرادة الأصغر فإن أقوال أصحاب الرجل توضِّح قوله، ومذهب الصحابيِّ يؤخذ من مذهب أصحابه. وثمَّ أمر آخر وهو: أن ابن عباس -رضي الله عنه- أورد كلامه في مقابل قول الخوارج الذين يكفِّرون بالآية الكفر الأكبر؛ فلا وجه لكلام ابن عباس إلا أن يكون المراد عنده الكفر الأصغر. أما الجواب على الحجة الثانية نقول: إنكم جعلتم الأصل في الكفر أنه للأكبر إلا بدليل يصرفه عن ذلك ، وقد ذكرتُ لكم الدليل الصارف من الأكبر إلى الأصغر وهو فهم الصحابي أولاً . وثانياً كل دليل يدل على عدم كفر من ظلم بين اثنين ولم يعدل بل ومن ظلم مطلقاً غيره وأيضاً ما ذكر ابن عبد البر من الإجماع على أن الجور في الحكم ليس كفراً بل كبيرةٌ من كبائر الذنوب . والجواب على الحجة الثالثة نقول: أولاً: هذا لا يصح ، لورود أحاديث صحيحة جاء "الكفر" فيها معرفاً بأل ، ويراد به الكفر الأصغر إجماعاً. عن مسروق -رحمهُ اللهُ- قال: سألت ابن مسعود -t- عن الرشا في الحكم؟ قال: ذلك الكفر([10]). ومعلوم أن الرشوة في الحكم من الكبائر إجماعاً. عن ابن عباس -رضي اللهُ عنهما-: أنَّ امرأة ثابت بن قيس أتت النبي -- فقالت: يا رسول الله ، ثابت بن قيس ما أعتب عليه في خلق ولا دين، ولكني أكره الكفر في الإسلام.. الحديث ([11]). وقد قال ابن عباس -t- عن الرجل الذي يأتي المرأة في دبرها : ((ذلك الكفر)) ([12]). قال محمد بن إسحاق حدثني أبان بن صالح عن طاوس وسعيد ومجاهد وعطاء: أنهم كانوا ينكرون إتيان النساء في أدبارهن، ويقولون هو الكفر([13]) . ثانياً: إن الآية ليس فيها كلمة (الكفر) فهذه مصدر، وإنما في الآية (الكافر) وهو اسم فاعل وفرق بين المصدر المعرف بأل ، وبين اسم الفاعل المعرف بأل .. فكلام شيخ الإسلام -رحمهُ اللهُ- على المصدر لا على اسم الفاعل. قال شيخنا العلامة محمد بن صالح بن عثيمين -رحمهُ اللهُ- : "من سوء الفهم أيضاً قول من نَسَبَ لشيخ الإسلام ابن تيميَّة أنَّه قال: "إذا أطْلِق الكفر فإنما يراد به كفر أكبر" مستدلاً بهذا القول على التَّكفير بآية : {فأولئك هم الكافرون} ، مع أنَّه ليس في الآية أن هذا هو (الكفر). وأما القول الصحيح عن شيخ الإسلام فهو تفريقه -رحمهُ اللهُ- بين (الكفر) المعرف بـ(ال)، وبين (كفر) منَكَّراً([14]). فأما الوصف؛ فيصلح أن نقول فيه : "هؤلاء كافرون" أو "هؤلاء الكافرون" ؛ بناء على ما اتصفوا به من الكفر الذي لا يخرج من الملة، فَفَرْقٌ بين أن يوصف الفعل وأن يوصف الفاعل. وعليه؛ فإنه بتأويلنا لهذه الآية على ما ذكر: نحكم بأن الحكم بغير ما أنزل الله ليس بكفر مخرج من الملة، لكنه كفر عملي، لأن الحاكم بذلك خرج عن الطريق الصحيح"([15]) . قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمهُ اللهُ- : "وإذا كان من قول السلف أن الإنسان يكون فيه إيمان ونفاق، فكذلك في قولهم: إنه يكون فيه إيمان وكفر، ليس هو الكفر الذي ينقل عن الملة كما قال ابن عباس وأصحابه في قوله تعالى: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} قالوا: كفروا كفراً لا ينقل عن الملة ، وقد اتبعهم على ذلك أحمد بن حنبل وغيره من أئمة السنة"([16]) . -------------------------------------------------------------------------------- [1] انظر الاقتضاء ( 1/211 ) وشرح العمدة قسم الصلاة (82) . [2] قال ابن حزم في الفصل ( 3/ 234): فإن الله عز وجل قال : ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ، ومن لم يحكم بما أنز الله فأولئك هم الفاسقون ، ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون . فليلزم المعتزلة أن يصرحوا بكفر كل عاص وظالم وفاسق لأن كل عامل بالمعصية فلم يحكم بما أنزل الله ا.هـ [3] درج كثير من العلماء أن يعبر بكلمة (عاقل ) بدل (عالم)لكن عالم أدق لأن (مَنْ ) أطلقت على الله ، فالله يوصف بالعلم ولا يوصف بالعقل .قال الخطابي في كتاب شأن الدعاء ص113 :وفي أسمائه العليم ومن صفته العلم ، فلا يجوز قياساً عليه أن يسمى عارفاً لما تقتضيه المعرفة من تقديم الأسباب التي بها يتوصل إلى علم الشيء وكذلك لا يوصف بالعاقل ..ا.هـ . [4] التمهيد (17/16) . [5] التمهيد (5/74-75 ) . [6] تفسير المنار (6/406) . [7] الشريعة ص27. [8] أحكام القرآن ( 2/534 ) . [9] البحر المحيط ( 3/493 ) . ([10]) رواه مسدد في مسنده -كما في المطالب العالية(10/197)- ، وأبو يعلى(9/173-174) ، وابن جرير في تفسيره(6/240) والطبراني في المعجم الكبير(9/225-226) ، والبيهقي في السنن الكبرى(10/139) وهو صحيح. ([11]) رواه البخاري في صحيحه(6/505رقم5273) . ([12]) رواه معمر في جامعه(11/442رقم20953) ، والنسائي في السنن الكبرى(8/197رقم 8955-الرسالة) وسنده صحيح. ([13]) رواه الدارمي في سننه(1/277) وسنده حسن. ([14]) بينت عدم صحة هذا أيضاً فيما سبق. ([15]) التحذير من فتنة التكفير(ص/77-78). ([16]) مجموع الفتاوى(7/312). |
|||
الكلمات الدلالية (Tags) |
دعاة التكفير |
|
|
المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية
Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc