المبحث الخامس : منزلة الهجر من الاعتقاد
يؤصل علماء الإسلام (هجر المبتدع ديانة) تحت القاعدة العقدية الكبرى (قاعدة الولاء والبراء)(1)
ومفهوم هذه القاعدة الشريفة لدى أهل السنة والجماعة هو: الحب والبغض في الله، فهم يوالون أولياء الرحمن، ويعادون أولياء الشيطان، وكلٍ بحسب ما فيه من الخير والشر.
وفي حديث أنس رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال : ( ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره المرء أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار) متفق عليه(2).
وعن أبي إمامة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال : ( من أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله، فقد استكمل الإيمان ) رواه أبو داود والضياء(3)
يحيى بن معاذ : (حقيقة الحب في الله أن لا يزيد بالبر، ولا ينقص بالجفاء)(4)
وهذه القاعدة من مسلمات الاعتقاد في الإسلام، لكثرة النصوص عليها من الكتاب والسنة والأثر(5) ومن أولى مقتضياتها التي يثاب فاعلها ويعاقب تاركها البراءة من أهل البدع والأهواء، ومعاداتهم، وزجرهم بالهجر ونحوه، على التأبيد حتى يفيئوا، وهذا موفور في عامة كتب اعتقاد أهل السنة والجماعة(6)
وأكتفي بما أصله الإمام أبو إسماعيل الصابوني م سنة 449 هـ رحمه الله تعالى إذ قال : (ويبغضون أهل البدع الذين أحدثوا في الدين ما ليس منه، ولا يحبونهم ولا يصحبونهم، ولا يسمعون كلامهم، ولا يجالسونهم ولا يجادلونهم في الديني، ولا يناظرونهم، ويرون صون آذانهم عن سماع أباطيلهم التي إذا مرت بالآذان قَرّت بالآذان وقرت بالقلوب ضرّت وجرّت إليها من الوساوس والخطرات الفاسدة ما جَرَّت، وفيه أنزل الله عز وجل قوله: ﴿وإذَا رَأَيْتَ الَذِينَ يَخُوضُونَ في آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا في حَدِيثٍ غَيْرِهِ﴾.
ثم ذكر علامات أهل البدع، وعلامات أهل السنة، ثم قال: (واتفقوا مع ذلك على القول بقهر أهل البدع وإذلالهم وإخزائهم وإبعادهم وإقصائهم، والتباعد منهم ومن مصاحبتهم ومعاشرتهم والتقرب إلى الله عز وجل بمجانبتهم ومهاجرتهم…) ا هـ(7)
والعقوبة بالهجر للمبتدع إحدى العقوبات الشرعية التي ينزلها أهل السنة بالمبتدعة، حسب البدع والأهواء التي يتلبسون، بها، ومنها ما تقدمت الإشارة إليه والله أعلم.
(1) تنبيه مهم : هذه القاعة مشتركة لفظا بين أهل السنة والجماعة وحقيقتها لديهم كما علمت، وبين الخوارج (لا ولاء إلا ببراء) أي لا موالاة لأبي بكر وعمر رض الله عنهما إلا بالبراءة من أميري المؤمنين عثمان وعلي رض الله عنهما وبين الشيعة (لا ولاء إلا ببراء) إي لا ولاء لعلي وآل البيت إلا بالبراءة من أبي بكر وعمر وعثمان وسائر الصحابة رضي الله عنهم ومعتقد أهل السنة والجماعة موالاة جميع الصحابة رضى الله عنهم بتزكية الله لهم تنبيه آخر: ولدى أهل السنة والجماعة كذلك (بدعية الولاء والبراء) من وجه: بمعنى أن يتبرأ من قوم هم على دين الإسلام والسنة، ويتولى من ليسوا كذلك، كما ذكره ابن بطة رحمه الله تعالى في الشرح و الإبانة، ص (341) رقم /472.
(2) فتح الباري 1/606.
(3) السلسلة الصحيحة ٢/380.
(4)فتح الباري 1/62.
(5) الدرر السنية 4/208 216، تحفة الإخوان/431.
(6) كما في: العقيدة للصابوني م سنة 449 هـ رحمه الله تعالى/100 2 0 1 , وشرح أصول اعتقاد أهل السنة لللالكائي 1/114150 ,وفي كتاب السنة للخلال: باب مجانبة من قال القرآن مخلوق كما في الفتاوى 28 /210 213، والاعتقاد للبيهقي: باب النهي عن مجالسة أهل البدع ومكالمتهم /145، والشرح والإبانة لابن بطة/54 1، 275276، 282.
(7) رسالته في العقيدة /100، 112.
يتبع ...