وانطلق التتار يذبحون في الجيش المسلم حتى قتلوا معظمهم و اسروا الباقي ولم يسلم إلا القليل و نهبت الأموال و الأسلحة و الدواب من الجيش.. و يعلق ابن الأثير في أسى و إحباط على هذه الموقعة فيقول: "فلما وصل التتر إليهم التقوا واقتتلوا فصبر المسلمون و أما التتر فلا يعرفون الهزيمة" .
و تخيل جندا يقاتلون عدوهم وهم يعتقدون أن هذا العدو لا يهزم كيف تكون نفسيتهم؟ وكيف تكون معنوياتهم؟
وقعت الهزيمة المرة بالجيش المسلم و فتح الطريق لمدينة مرو ذات الأسوار العظيمة وكان بها من السكان ما يزيد عن سبعمائة ألف مسلم من الرجال و النساء و الأطفال..
وحاصر التتار المدينة الكبيرة وقد دب الرعب في قلوب أهلها بعد أن فني جيشهم أمام عيونهم ولم يفتحوا الأبواب للتتار مدة أربعة أيام وفي اليوم الخامس أرسل قائد جيش التتار (ابن جنكيز خان) رسالة إلى قائد مدينة مرو يقول فيها: "لا تهلك نفسك و أهل البلد و اخرج إلينا نجعلك أمير هذه البلدة و نرحل عنك.."
فصدق أمير البلاد ما قاله زعيم التتر و أوهم نفسه بالتصديق و خرج إلى قائد التتار فاستقبله قائد التتار استقبالا حافلا و احترمه و قربه ثم قال له في خبث: " أخرج لي أصحابك و مقربيك ورؤساء القوم حتى ننظر من يصلح لخدمتنا فنعطيه العطايا و نقطع له الإقطاعات و يكون معنا " فأرسل الأمير المخدوع إلى معاونيه و كبار وزرائه و جنده لحضور الاجتماع الهام مع ابن جنكيزخان شخصيا .. وخرج الوفد الكبير إلى التتار ولما تمكن منهم التتار قبضوا عليهم جميعا وقيدوهم بالحبال.."
ثم طلبوا منهم أن يكتبوا قائمتين طويلتين:
-أما القائمة الأولى: فتضم أسماء كبار التجار و أصحاب الأموال في مدينة مرو..
-و أما القائمة الثانية: فتضم أسماء أصحاب الحرف و الصناع المهرة..ثم أمر ابن جنكيز خان أن يأتي التتار بأهل البلد أجمعين فخرجوا جميعا من البلد حتى لم يبق فيها واحد ثم جاءوا بكرسي من ذهب قعد عليه ابن جنكيز خان ثم أصدر الأوامر الآتية:
الأمر الأول: أن يأتوا بأمير البلاد و بكبار القادة و الرؤساء فيقتلوا جميعا أمام عامة أهل البلد !! وبالفعل جاءوا بالوفد الكبير و بدءوا في قتله واحدا واحدا بالسيف و الناس ينظرون و يبكون..
الأمر الثاني: إخراج أصحاب الحرف و الصناع المهرة و إرسالهم إلى منغوليا للاستفادة من خبراتهم الصناعية هناك..
الأمر الثاني: إخراج أصحاب الأموال و تعذيبهم حتى يخبروا عن كل أموالهم ففعلوا ذلك ومنهم من كان يموت من شدة الضرب ولا يجد ما يكفي لافتداء نفسه...
الأمر الرابع: دخول المدينة و تفتيش البيوت بحثا عن المال و المتاع النفيس حتى إنهم نبشوا قبر السلطان "سنجر" أملا في وجود أموال أو ذهب معه في قبره..
و استمر هذا البحث ثلاثة أيام..
ثم الأمر الخامس الرهيب: أمر ابن جنكيز خان –لعنه الله ولعن أباه- أن يقتل أهل البلاد أجمعون..!!
وبدأ التتار يقتلون كل سكان مرو .. يقتلون الرجال..والنساء.. و الأطفال..!!
قالوا: إن المدينة عصت علينا وقاومت ومن قاوم فهذا مصيره..
يقول ابن الأثير رحمه الله:" و أمر ابن جنكيزخان بعد أن قتلوا جميعا أن يقوم التتار بإحصاء القتلى فكانوا نحو سبعمائة ألف قتيل فإنا لله و إنا إليه راجعون..!!
قتل من مدينة مرو سبعمائة ألف مسلم و مسلمة وهذا ما لا يتخيل و حقا فإنه لم تمر على البشرية منذ خلق آدم ما يشبه هذه الأفعال من قريب ولا بعيد ولا حول ولا قوة إلا بالله..
وفنيت مدينة مرو واختفى ذكرها من التاريخ..!!
4-اجتياح نيسابور:
و هي مدينة كبيرة أخرى من مدن إقليم خراسان (وهي تقع الآن في الشمال الشرقي لدولة إيران..) واتجه إليها التتار بعد أن تركوا خلفهم مدينة مرو وقد خربت تماما وهناك حاصروا مدينة نيسابور لمدة خمسة أيام ومع أنه كان بالمدينة جمع لا بأس به من الجنود المسلمين إلا أن أخبار مرو كانت قد وصلت إلى نيسابور فدب الرعب و الهلع في أوصال المسلمين و ما استطاعوا أن يقاوموا التتار ودخل التتار المدينة و خرجوا كل أهلها إلى الصحراء وجاء من أخبر ابن جنكيز خان أن بعضا من سكان مدينة مرو قد سلم من القتل و ذلك أنهم ضربوا بالسيف ضربات غير قاتلة و ظنهم التتار قد ماتوا فتركوهم و لذا فقد أمر ابن جنكيز خان في مدينة نيسابور أن يقتل كل رجال البلدة بلا استثناء و أن تقطع رؤوسهم لكي يتأكدوا من قتلهم ثم قام اللعين بسبي كل نساء المسلمين في مدينة نيسابور و أقاموا في المدينة خمسة عشر يوما يفتشون الديار عن الأموال و النفائس ..ثم تركوا نيسابور بعد ذلك أثرا بعد عين، ولا حول ولا قوة إلا بالله..
5-اجتياح هراة:
وهي من أحصن البلاد الإسلامية وكانت مدينة كبيرة جدا كذلك و تقع في الشمال الغربي لأفغانستان وتوجه إليها ابن جنكيز خان بقواته البشعة ولم تسلم المدينة من المصير الذي قابلته مدينتا مرو و نيسابور فقتل فيها كل الرجال و سبى كل النساء و خربت المدينة كلها و أحرقت..و إن كان أميرها – وكان يدعى "ملك خان" – قد استطاع الهروب بفرقة من جيشه في اتجاه غزنة في جنوب أفغانستان !!! وهكذا كان الملوك و الرؤساء في ذلك الزمن يوفقون إلى الهروب بينما تسقط شعوبهم في براثن التتار !!
وبسقوط هراة يكون إقليم خراسان قد سقط بكامله في أيدي التتار ولم يبقوا فيه على مدينة واحدة وتمت كل هذه الأحداث في عام واحد وهو العام السابع عشر بعد ستمائة من الهجرة ... وهذا من أعجب الأمور التي مرت بالأرض على الإطلاق..!
اجتياح خوارزم :
و خوارزم هي مركز عائلة خوارزم شاه و بها تجمع ضخم جدا من المسلمين بأسا و قوة وهي تقع الآن على حدود بين أوزبكستان و تركمنستان و تقع مباشرة على نهر جيحون و كانت تمثل للمسلمين قيمة اقتصادية و إستراتيجية و سياسية كبيرة...
و لأهمية هذه البلدة فقد وجه إليها جنكيزخان أعظم جيوشه و أكبرها و قد قام هذا الجيش بحصار المدينة لمدة خمسة أشهر كاملة دون أن يستطيع فتحها فطلبوا المدد من جنكيز خان فأمدهم بخلق كثير وزحفوا على البلد زحفا متتابعا وضغطوا عليه من أكثر من موضع حتى استطاعوا أن يحدثوا ثغرة في الأسوار ثم دخلوا إلى المدينة ودار قتال رهيب بين التتار و المسلمين وفني من الفريقين عدد كبير جدا إلا السيطرة الميدانية كانت للتتار ثم تدفقت جموع جديدة من التتار على المدينة و حلت الهزيمة الساحقة بالمسلمين و دار القتل على أشده فيهم وبدأ المسلمون في الهروب و الاختفاء في السراديب و الخنادق و الديار فقام التتار بعمل بشع إذ قاموا بهدم سد ضخم كان مبنيا على نهر جيحون و كان يمنع الماء عن المدينة و بذلك أطلقوا الماء الغزير على خوارزم فأغرق المدينة بكاملها.. ودخل الماء في كل السراديب و الخنادق و الديار و تهدمت ديار المدينة بفعل الطوفان الهائل ولم يسلم من المدينة أحد البتة !!
فمن نجت من القتل قتل تحت الهدم أو أغرق بالماء و أصبحت المدينة العظيمة خرابا و تركها التتار وقد اختفت من على وجه الأرض و أصبح مكانها ماء نهر جيحون ومن مر على المدينة الضخمة بعد ذلك لا يستطيع أن يرى أثرا لحياة سابقة وهذا لم يسمع بمثله في قديم الزمان و حديثه ، اللهم مع حدث مع قوم نوح و نعوذ بالله من الخذلان بعد النصر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله..
وكانت هذه الأحداث الدامية أيضا في عام 617 من الهجرة...!!