هذه الاطروحة تناولها العديد من الاشخاص في المعارضة (خاصة خارج البلد) . و مفادها ان العديد من قيادت البلد النافذة والتي تتحكم في اهم مراكز صناعة القرار هم عملاء غرستهم فرنسا قبل الاستقلال . و الاطروحة من حيث طبيعتها تتشابه و تتقاطع في العديد من النقاط مع نظريات المؤامرة و الكثير من عناصرها قائمة على الظن فقط . و لا اعتقد أنه من الممكن ان تكون الجزائر جيشا و دولة و مخابرات و مؤسسات مجرد دمية في يد فرنسا . مثل هذا التصور هو تصور ساذج جدا و لا يستحق المناقشة في الاصل . و من الاشخاص الذين روجوا لهذه الاطروحة الكاتب هشام عبود الذي يقول انه كان ظابطا سابقا في المخابرات . و هشام عبود الذي الف كتابا بعنوان "مافيا الجنرالات" يذكر ايضا بعض محاسن من انتقدهم مثل الجنرال العربي بلخير بعد وفاة هذا الاخير . و حسب شهادة الطاهر الزبيري إذا لم تخنني الذاكرة (أو ربما شخص اخر) فإن دخول هؤلاء لمؤسسة الجيش كان محل خلاف بين الرئيس الراحل هواري بومدين وبعض القادة , و بومدين رأى انه لابد من الاستعانة بهم لبناء جيش حديث خاصة بعد ما حدث في حرب الرمال حيث كان الجيش المشارك في تلك الحرب غير منظم على الاطلاق و غير مهيأ لخوض حرب تقليدية (جيش مقابل جيش) لذلك إستعان بهم بومدين في بناء الجيش الشعبي الوطني لانه رفض الاستعانة بخبراء اجانب في بناء و قيادة الجيش . في فترة الثمانينات ترقى معظمهم لمراتب حساسة في اجهزة الامن و الجيش . اما العشرية السوداء فالجميع يتحمل مسؤوليتها بدون استثناء .
و من الطبيعي ان تكون لهم توجهات سياسية و ثقافية معينة و هذا امر طبيعي و ليس دليلا على عمالتهم أو خيانتهم . و ليس من المعقول ان نتصورهم كجماعة من العملاء السريين لطرف اجنبي . و لكنهم يبقون مسؤولين اما التاريخ عن قراراتهم و مواقفهم . و الراي العام يرى ان الكثير منهم مسؤول عن الفساد في الجزائر . لكن الحقيقة ان هؤلاء لا يشكلون إلا نسبة صغيرة من المسؤولين في البلد و الفساد يمارسه الجميع بدء ممن يختبؤون وراء الشرعية الثورية , نهاية بالمواطنين و الجيل الأول من ابناء الاستقلال . لذلك فانا استبعد تماما فكرة ان هناك طابورا خامسا عميلا لفرنسا في الجزائر يعمل تحت الاشراف المباشر للمخابرات الفرنسية . العالم لا يسير بهذا الشكل , لكن هناك نخب مثقفة ثقافة فرنسية و بصورة أصح ثقافة غربية . و هؤلاء شئنا ام ابينا لهم مشاركتهم الايجابية في بناء الدولة الجزائرية . و كونهم يتبنون تصورات معيتة حول الثقافة و اللغة و الدولة فهذا لا يعني إطلاقا العمالة إذا اردنا ان نكون موضوعيين و منصفين . كما انه لابد من اخذ مسالة أن بناء الدولة وفقا لايديولوجية ثورية يؤدي غالبا لانظمة تحكمها نخب غير ديوموقراطية مثلما هو حال العديد من الانظمة العربية . و التحول نحو المجتمع و الدولة الديموقراطية لا يكون إلا بتغير ثقافة المجتمع و لا يكون إلا من خلال ثقافة المؤسسات و ثقافة الدولة و هو الامر الذي يجب علينا كجيل جديد نتحمل مسؤولية اكمال مشروع الدولة فهمه بشكل جيد .
الجزائر إنطلقت من الصفر تقريبا و ما تحقق من انجازات إلى الساعة هو نتيجة رجال عملوا من اجل بناء الدولة بغض النظر عن توجهاتهم المختلفة . و النقائص و العيوب الكبيرة في النظام و الإدارة هي نتيجة طبيعية للظروف التي رافقت مسار بناء المؤسسات سواء كانت عوامل سوسيواقتصادية (نقص الكفاءات . النمو السكاني . تضخم الجهاز البيروقراطي في غياب ثقافة الدولة ...الخ) او عوامل تاريخية . لذلك من المهم أن نفهم ماهية الدولة الحديثة قبل ان نستكمل بناءها و نصحح عيوبها . على الجيل الجديد ان يستوعب أهمية مفاهيم مثل المواطنة و الدستور و المؤسسات و ثقافة القانون و ثقافة الدولة و المجتمع المدني كذلك العديد من المفاهيم المتعلقة باقتصاد الدولة كالضرائب قضايا الاستثمار و التشغيل و غيرها من المفاهيم التي ستسمح لنا ببناء مجتمع و جزائر الغد .