تفضلو مقالة اصل المعرفة العقل ام التجربة
خاصة ب: تقني رياضي ..
لعل تفيدكم وراح نكملها حالما نصيب الوقت ..
المقدمة :
أهم مايميز الانسان رغبته في اكتشاف المجهول فهو دائم التطلع وهو مفطور على البحث عن الحقيقة وبالتالي التوصل إلى المعرفة بمختلف أنواعها سواء كانت فلسفية أم علمية ... وقد اهتمت الفلسفة منذ القديم بدراسة موضوعات وهي الوجود والقيم والمعرفة على اعتباار انها خاصية إنسانية . وقد ثار نزاع فكري بين الفلاسفة والمفكرين حول موضوع أصل المعرفة . حيث انقسموا الى فريقين . فريق اول يرى ان أصلها عقلي وفريق ثاني يصر ان اصلها تجريبي . وفي ظل هذا النزاع الفكري نطرح السؤال التالي : هل أصل معارفنا العقل أم التجربة الحسية ؟
العرض :
يرى أنصار الموقف الأول أن أصل المعرفة يعود إلى العقل بإعتباره أنه يحتوي على مبادئ فطرية سابقة للتجربة الحسية تتميز بالدقةوالبداهة والوضوح فكل مايصدر عن العقل من معاني ومفاهيم يعتبر ضروريا وكليا ومطلقا إذا فالمعرفة جملة من المفاهيم المجردة التي أنشأها الذهن دون اللجوء إلى الواقع الحسي التجريبي ويمثل هذا الموقف كل من إفلاطون ديكارت آلان ... ومن بين الحجج والبراهين التي اعتمد عليها هؤلاء نذكر مايلي : يرى أفلاطون أن النفس الانسانية كانت تعيش في عالم المثل العقلي الذي يحوي جميع معارفنا الحقيقية واليقينية قبل أن تشرب من بحر النسيان وتسقط في الجسد وتختلط بالعالم الحسي الذي هو مجرد ظلال لعالم المثل وبالتالي حتى تتذكر النفس جميع المعارف ماعليها سواء استخدام العقل فيقول في ذلك : " المعرفة تذكر " ومن هنا كانت المعرفة عقلية خالصة موجودة في عالم المثل يرى الفيلسوف الفلرنسي ديكارت فيري ان معارفنا كلها ترجع إلى العقل بإعتبار أن العقل اعدل الاشياء قسمة بين الناس فهو يرى أن الواس خداعة في معظم من المرات فنحن نرى العصا منكسرة في الماء بينما في الحقيقة فهي مستقيمة سليمة ونرى اايضا ان السماء ملتصقة بالبحر لما ننظر في الافق فيقول : " ان الحواس تخدعنا في الكثير من الاحيان وانه ليس من الحكمة ان نطمئن لمن خدعنا ولو لمرة واحدة " . يرى آلان ان من مميزات الحقائق التي يحكم بها العقل أنها كلية وصادقة لايتطرق اليها شك وسابقة عن كل تجربة حسية وفي صدد هذا يقول "الشي يعقل ولا يحس "..
النقد :
لقد وفق اصحاب هذا الطرح وخاصة انه مبينو لنا دور العقل واهميته في ادراك وتجريد المعارف لكن مايعاب عنهم انعم بالغو كثيرا في تمجيدهم لدور العقل حتى انهم اهملوا دور التجربة في إنشاء المعارف فلو كانت المعرفة عقلية لكانت واحدة عند جميع الناس باعتبار قول ديكارت " العقل اعدل الاشياء قسمة بين الناس" لكن الناس تختلف في درجة المعرفة هذا وقد اثبتت الدراسات التاريخية للمعارف الانسانية ان التجربة هي التي قدمت المواد الاولية للفكر بصفة عامة ..
وفي المقابل يرى انصار الموقف الثاني التجربيون ان التجربة الحسية هي المصدر الاول والاساسي لكل انواع المعارف وان المعرفة مكتسبة من الواقع الحسي وليس فطرية ويمثل هذا كل من فرنسيس بيكون . جون لوك . جون سيتوارت ميل . دافيد هيوم .وقد برروا موقفهم بالحجج التالية : يرى دافيد هيوم ان من يولد وهو فاقد لحاسة ما لا يمكنه ان يعرف مايترتب من انطباعات حسية على تلك الحاسة المفقودة مثلا لو اعطينا برتقالة لشخص اعمى لأدرك شكلها باللمس وطعمها بحاسة الذوق لكن لن يدرك لونها .. فيقول : " من فقد حاسة فقد معرفة " ويرى ايضا ان افكارنا عن العالم الخارجي ماهي إلا نسخة من انطباعات حسية حيث يقول : "إن علمنا بأنفسنا وعقولنا يصلنا عن طريق الحواس وما العقل إلا مجرد أثر من آثار العادة " بمعنى ان العقل اداة منظمة للمعرفة فقط ففكرتنا عن الدائرة اخذناها عن الشمس والمثلث عن الجبال ...المعرفة تكتسب بالتدرج عن طريق الاحتكاك بالعالم الخارجي وماتحدثه الوقائع من آثار حسية هكذا تكون فكرتنا عن الصلب واللين الابيض والاسود يقول جون لوك : " يولد العقل وهو صفحة بيضاء والتجربة هي التي تخط عليها سطورها " يبين جون ستوارت ميل ان الحواس هي التي تنقل الى الذهب الانطباعات الحسية المستمدة من الاشياء الخارجية وهذا يعني ان ادراكنا للاشياء الخارجية متوقف على صفاتها وكيفياتها الحسية حيث يقول : "ان ادراكنا للموضوعا الحسية يتم بناء على الصفات الحسية الموجودة في حواسنا وبالرغم من وجود هذه المحسوسات منفصلة وغير مترابطة " ويقول ايضا : "لا يوجد شيء في العقل مالم يوجد في التجربة ."
لقد وفق اصحاب هذا الطرح وخاصة انهم بينوا ان للحواس دورا مهما في نقل المعطيات الحسية إلى العقل وان كل معارفنا مستمدة من العالم الخارجي إلا انهم اهملو دور العقل وقيمته في تنظيم المعارف وربطها مع بعضها فثلا كومة الحجارة لا تبني بيتا ايضا مجموع الانطباعات الحسية لا تبني معرفة حقيقية لذلك فقد بالغ التجربيون في تقديس الحواس واهمال دور العقل يقول وليم جيمس " لا يحس الراشد بالاشياء التي يدركها "
بعد عرضنا للموقفين السابقين الاول القائل بالاصل العقلي للمعرفة والثاني القائل بالاصل التجريبي للمعرفة يمكننا الخروج بالموقف التركيبي التالي : وهو الذي يجمع بين الموقفين السابقين وهو : لا وجود لمعاني مثالية خالصة دون اللجون إلى العالم الخارجي والواقع الحسي ولاوجود للاشياء الحسية في غياب الوعي الانساني والمعارف مرتبطة بالعقل والحواس معا وهذا ما اراد قوله الفيلسوف الالماني ايمانويل كانط واعتبر ان المعرفة نتاج لاجتماع العقل والحواس حيث قال : " على الانسان ان يهتم بالمعرفة كموضوع وليس البحث في اصلها الذي لا ينتج معرفة جديدة "
حسب اعتقادي الشخصي ارى انه بالفعل المعارف لا يمكن ان تكون محسوسات تجريبية ولا مفاهيم مجردة عقلية والرأي الامثل يكمن في تكامل كلا الجانبين في موقف واحد وهو تكامل كل من التجربة الحسية والقدرات العقلية في نشأة المعاني المعرفية وليس هنالك ادل من قول كانت على التكامل بين العقل والتجربة حيث يقول : " ان المفاهيم الخالية من الحواس عمياء والحواس الخالية من المفاهيم جوفاء "
في ختام هذا المقال نخلص القول بان المعارف الانسانية تعود الى اصول تجريبية وعقلية معا لانه لا يمكن الفصل بين دور العقل والحواس فما نراه بالحواس ندركه بالعقل ومنراه بالعقل ندركه بالحواس وعليه فالمعارف جانبين واحد عقلي والاخر تجريبي حيث يقول هيجل في هذا الصدد : "ان كل ماهو عقلي فهو واقعي وماهو واقعي فهو عقلي" ..وكلاهما ساهم بشكل كبير في تطور ونشأة العارف الانسانية الجوهرية ..