- ففي العراق دفع أهل السنة ثمن التعويل على السلطة السعودية، والانطباع التي قدمتْه لهم ولغيرهم عن استعدادها لمواجهة التمدد الإيراني، وحربها الكلامية الجوفاء مع الشيعة، فكانت النتيجة مفزعة: تقتيلا وتنكيلا وتهجيرا، وإبعادا عن مواطن التأثير والقرار، في دولة كانوا يحكمونها طيلة التاريخ الإسلامي، باستثناء قرن واحد من الحكم البويهي.
- وفي سوريا كان الثوار على بُعد بضعة كيلومترات من قصر السفّاح بشار الأسد في دمشق، فضغطت السلطة السعودية من أجل الاستئثار بملف الثورة السورية، وتهميش الداعمين الآخرين، خصوصا من القطريين والأتراك، فكانت النتيجة تمَزُّق الثورة السورية على جبهتها السياسية، وتضعضعها على جبهتها العسكرية. وذهبت عنتريات عادل الجبير عن إسقاط الأسد بقوة السلاح أدراج الرياح.
- وفي اليمن تستحق تقلبات السياسة السعودية أن تُدرَّس في كليات العلوم السياسية مثالا على التخبط والتناقض والارتجال. فقد أنقذت السلطة السعودية علي عبد الله صالح من ثورة شعبه، بل وأنقذت حياته لما هوجم هجوما قاتلا في صنعاء، وأعادته إلى اليمن معززا مكرَّما ليعبث بمصائر الثورة، ودعمت الحوثيين من أجل استئصال التجمع اليمني للإصلاح، القوة السياسية السنية الكبرى في اليمن. ثم انتهى المطاف بالسلطة السعودية إلى محاربة علي صالح وتدمير اليمن من أجل التخلص منه ومن الحوثيين.
- وفي تركيا كانت السلطة السعودية داعمة للانقلاب العسكري الغاشم، الذي كانت غايتُه تعطيل مسيرة تركيا، من خلال تنصيب قائد عسكري من نمط عبد الفتاح السيسي، قاهرٍ لشعبه، مقهورٍ أمام الغرب، ليعيد تركيا إلى حالة التبعية، والعداوة الصريحة للإسلام وللعرب، والارتماء في أحضاء إسرائيل، والتخلي عن الآمال العراض التي تعلقها جماهير المسلمين في أرجاء العالم على تركيا الجديدة، كدولة إسلامية قوية، متصالحة مع محيطها الإسلامي.
- وقبل ذلك في مصر كانت السلطة السعودية الداعم الأكبر للانقلاب العسكري الغاشم الذي وأد أجمل الثورات العربية وأعظمها أثرا في المعادلات الإستراتيجية في المنطقة، وسعت السلطة السعودية بذلك إلى استئصال جماعة الإخوان المسلمين، أكبر القوى السياسية الإسلامية في العالم، وأوسعها انتشارا، وأكثرها اعتدالا ومصداقية. ويكفي أنها القوة السياسية التي حازت على أصوات الغالبية، في أول انتخابات رئاسية نزيهة في تاريخ مصر، أكبر الدول العربية.
- ثم جاء حصار قطر خاتمة سيئة لحرب السلطة السعودية على أي قوة سنية صاعدة، حتى ولو كانت أقرب الناس إليها ثقافيا وجغرافيا وديمغرافيا. فهدمت السلطة السعودية آخر خطوط دفاعها، ومزقت مجلس التعاون الخليجي، وهو القوة الإقليمية التي شكلتها السعودية بيديها عام 1981 من أجل احتواء الثورة الإيرانية، ودرء خطرها عن الأنظمة الحاكمة على الضفة الغربية من الخليج.
- ولعل أهل السنة في لبنان سيكونون آخر جماعة سنّية تغدر بها السلطة السعودية، وتسعى الآن إلى رميها في أتون حرب طائفية غير متكافئة، ثم تطعنها في الظهر، تحقيقا لمطامح الرجل المتحفز إلى عرش السعودية اليوم، وخدمة منه لحلفائه الصهاينة الذين ارتمى في أحضانهم بسذاجة، ظانا أنهم المتحكمون في مصائر الكون