وقفة أمام التخلف العربي
كثيرا ما طرح السؤال: كيف تقدم الغرب والشرق وتأخرالعرب ؟ فرغم أن السؤال أصبح تقليديا لكثرة ما طرح طيلة المدة التي أثبتت فيها دول الغرب والشرق تفوقا شمل مختلف مناحي الحياة , إلا انه -و يجب أن نعترف بذالك- لا زال سؤالا لم يعرف إجابة شافية , خصوصا أن العرب و المسلمين في زمن ما كانوا من رواد أسباب التقدم , أي أنهم ابلوا البلاء الحسن في سبيل البحث العلمي, في الطب والفيزياء و الرياضيات و الكيمياء إلى غير ذلك لكن ظاهرة الجزر التي عرفها العرب تضع أمامنا أكثر من علامة استفهام .
لا نرى أن نخوض هنا في ما قيل عن التخلف العربي و أسبابه وما ينتظر أن يقال , لان ذلك يستلزم بحثا جادا يتناول كل الجوانب , السياسية و الاجتماعية و الاديولوجية...حتى تكون خلاصة التحليل شافية لهذا السؤال العملاق.
لا أنكر إنني كلما نظرت إلى الأضواء الساطعة التي يتمتع بها الغرب بوصفه مصدر التكنولوجيا التي تحيطنا من كل النواحي أينما ولينا وجوهنا , في البيت, في المدرسة, في العمل, في الشوارع , أقف وقفة تفكير طويلة , لا تعيدني إلا إلى نفس السؤال , لماذا لم نساهم مع هذا العالم في التقدم ؟ هل الأمر يتعلق بالجينات ؟ فربما جينات الإنسان الغربي وكذلك الشرقي الذي وصل إلى كل ما نستهلك الآن من منتجات تكنولوجية, ليست هي الجينات التي تدخل في تركيبة الإنسان العربي , انه لمن المضحك حقا أن نكون بشرا من نفس النوع فننقسم إلى قسمين , قسم ينتج ويبدع و القسم الأخر يستهلك و ربما لا يحسن حتى الاستهلاك, هل العقول الغربية نمت و تطورت حتى وصلت إلى ما هي عليها اليوم , وعقولنا ظلت جامدة و مستقرة على حالها ؟
إن التخلف العربي الإسلامي عن قطار التقدم الذي يقوده الغرب اليوم يرتبط في رأيي بالعرب أنفسهم, لا يعني ذلك أننا لا نملك في وسطنا أناس يفكرون ويبدعون ويخترعون, بل هناك العديد من العباقرة ترعرعوا على ارض عربية, فأهملتهم سياسة بلدانهم و أشاحت عنهم, ليهاجروا إلى أوروبا أو أمريكا باحثين عن جو الإبداع الذي يحتاجون إليه, ومنهم علماء يحملون في رؤوسهم ما هو كفيل بتغيير الوضع البائس بوطنهم , لذلك نتأسف كثيرا عندما نرى الولايات المتحدة أو بعض دول أوربا الغربية تستقطب العقول من مختلف بلدان العالم, فهم يعلمون أن امتلاك العقول هو الضامن الأساسي للرقي و القوة والنماء , وهذا بالضبط ما لا تفعله البلدان العربية و المسلمة , فبينما هم يشجعون الإبداع و المبدعين ويحترمون العلماء , البلدان العربية و أنظمتها تجعل الإنسان العربي محط احتقار وإهمال , وتجبر العقول بسياساتها المتبجحة الفاسدة على الرحيل بعيدا بحثا عن الكرامة و التقدير التي لا يستمر بدو نهما إنسان .
لا يحتاج التخلف العربي إلى أمثلة,فمظاهره تكاد تملأ كل زوايا البلدان العربية , و من المؤكد إنها مظاهر يطرب لها الحكام العرب و يصفقون,لأنها تخدم مصالحهم , فلا ضير أن يتمرغ 99 في المائة من الشعب في أوحال الفقر و التخلف , كي تعيش 1 في المائة التي تمثل الحكام وأعوانهم في رفاهية وبذخ كبير.
منقول