2-2- لويس كوزر والصراع الوظيفي: Lewis coser.
يعتبر لويس كوزر أحد رواد الماركسية المحدثة أو نظرية الصراع. الذين امتزجت كتاباتهم بخبراتهم المهنية كأساتذة لعلم الاجتماع في العديد من الجامعات الاوربية والأمريكية، ولد بألمانيا ودرّس بأمريكا، وكان من تلامذة روبرت ميرتون، اهتم بالنظرية السوسيولوجية وعلم الاجتماع المعرفة وعلم الاجتماع العلم، ومن أهم أعماله وظائف الصراع الاجتماعي الذي صدر عام 1956.(1) جاءت اهتماماته السوسيولوجية والتي اصطبغت بتحليلات الصراع من خلال تبنيه للعديد من الاتجاهات اليسارية (الحزب الشيوعي الامريكي)، واسهاماته في نظرية الصراع ارتبطت ايصاً بالكثير من التحليلات الطروحات البنائية الوظيفية الكلاسيكية والمعاصرة، والتحليلات السيكوسوسيولوجية ونظرية التفاعل لجورج سيمل، وقضايا الماركسية وخاصة أفكار كارل ماركس. الا أنه شن حملة نقد للاتجاهات السابقة عليه وفي عصره، بحيث قدّم انتقادات كثيرة للبنائية الوظيفية وتصوراتها لقضايا النظام والتوازن التام وخاصة انتقاداته لبارسونز الذي أوضح أنه قلّل من دور الصراع في اعماله التحليلية معبراً الصراع بمثابة مرض، وانتقد أيضاً وبشدة رالف دهرندوف لضعف تأكيده على الوظائف الايجابية للصراع في صيانة الاجهزة والتنظيمات الاجتماعية، هذه الانتقادات ذات الجانبين سمحت لكوزر بصياغة منهج نظري يمكن له أن يكمّل صورتي التنظير الوظيفي والصراعي الجدلي وذلك بوضع نسق للتصورات والمفاهيم التي توضح كيف أن العملية المؤسسية تحل مشكلة النظام، ويركز فيه على عملية الصراع الاجتماعي، وعلى وظاف الصراع الاجتماعي بدلاً من الوظائف السلبية للصراع. واعتقد ان الوظائف الايجابية للصراع تؤدي الى تزايد التكيف او توافق مجموعة من العلاقات الاجتماعية الخاصة بدلاً من التفكك والانحلال الذي نادى به ماركس. وهكذا فالصراع عنده يعني النظال في سبيل قيم محددة، والصراع على مراكز ومكانات معينة في سبيل بلوغ السلطة والاستيلاء على الموارد النادرة التي تستمد منها القوة، وتكمن أهداف المتصارعين في تحقيق التعادل والتوازن بين المتنافسين أو الاضرار بهم.
وعلى غرار رواد الماركسية المحدثة ودراساتهم لاصل واسباب الصراع وانواعه ونتائجه (الجذور النظامية للصراع) نجد كوزر قد سعى في طروحاته حول الصراع الى التركيز على النتائج المترتبة عن الصراع والتي توجد في كل الابنية الاجتماعية المسيطرة، بالاضافة الى ذلك النوع من البنى القابلة للتغير والاستمرارية.
أصل الصراع الاجتماعي عند كوزر:
حاول كوزر في دراسته عن الصراع الاجتماعي ان يولي اهتماماً أكثر من غيره من منظري الصراع كماركس ودهرندروف ودافيد لوكود وجورج سيمل، وخاصة الدور الذي تلعبه عواطف الناس في توّلد الصر اع الاجتماعي، والفكرة هاته استمدها من جورج سيمل واليت تدور حول مدى تأثيرا عواطف الناس على ظهور الصراع العدائي وخاصة بين الافراد الذين تجمعهم علاقات اجتماعية قوية حيث تظهر مظاهر الحب والكراهية بصورة واضحة في اطار هذه العلاقة والتي تنتج عن طبيعة هذه العواطف وتأثيرها على طبيعة العلاقات الاجتماعية.
ويرى كوزر أن الصراع الاجتماعي في المجتمعات الحديثة ليس الصراع على الملكية كما زعم كارل ماركس :" بل صراع على القيم وطلب المكانة والموارد النادرة، بحيث لا تكون بوسع هذه الجماعات المتصارعة تحقيق القيم المرغوبة فحسب، بل تحييد وايذاء أو حتى اقصاء الجماعات المتنافسة ".(3)
وعمّا يؤخذ على هذا التعريف أنه يتضمن المواقف التي يمكن أن توقف فيها المصالح المتعارضة والخلافات حول القيم دون ايذاء الخصوم.
2-2-3- أنواع الصراع عند كوزر: يصنف كوزر الصراع وفقاً لدرجة انتظامه المعياري داخل النسق الاجتماعي، وفي هذا يميز بين نوعين من الصراع، الاول مصاغ صوغاً نظامياً، يتمثله النسق ويوزعه بين مكوناته، وهو الصراع الواقعي. والثاني غير مصاغ صوغاً نظامياً، وهو ذلك الصراع الذي يقوّق النسق عن آداء وظائفه الاجتماعية وهو الصراع غير الواقعي. وفي هذا نجده متأراً بالتصور البارسوني عن الصراع، وراى ان التغير الذي يحدث كنتيجة مصاحبة للصراع يساهم في اعادة التكييف الاجتماعي للاعضاء واعادة انتاج النسق من جديد وضبط توازنه.
- الصراع الواقعي: يحدث هذا النوع من الصراع داخل اطار من القواعد النظامية والمؤسسات التنظيمية تتحدد فيه السلطات وتقسيمات العمل والمهام، ويكون غالباً صراعاً عقلانياً منظماً، يحدث بين الافراد المشكلين للتنظيم والجماعات التنظيمية
- الصراع غير الواقعي: يُعبّر الصر اع غير الواقعي عن الحرمان من المشاركة في المطالب الاجتماعي والذاتية، او عدم قدرة أطراف الصراع المتنافرة والمتناحرة على تحديد الاهداف، وغالباً ما يُفسّر هذا النوع من الصراع في اطار ما يسمى بالمصالح الخاصة للافراد والجماعات.
- الصراع الخارجي: يتم هذا النوع من الصراع بين الامم والشعوب، أو بين جماعتين أو اكثر مثل الصراع الاثني والعاطفي، أي بين طرف الجماعة والجماعة الخرجية.
- الصراع الداخلي: استعان كوزر في ضبط مصطلح الصراع الداخلي بتصورات وتحليلات الاتجاه الوظيفي والماركسي والاتجاه السيكولوجي، والاستشهاد بالدراسات الانتربولوجية، وانطلق من فكرة الوظيفية القائلة بأن الصراع يعكس مظاهر الخلل والانحراف والتفكك الذي يظهر بين اعضاء الجماعة داخل النسق.
الفريد باريتو (1848_1923
موضوع علم الاجتماع: الصفوة.
وحدة التحليل: المجتمع الإنساني ((السلوك الإنساني)).
عوامل التغير الاجتماعي: من خلال التفكير الإنساني، فالبعض يملكون الإبداع والتفكير، وهم الصفوة،الذين يتحكمون في سير الامور ،الأغلبية لا تملك هذه القدرات وتشكل العامة النقادة،وبهذا فالتغير يرتبط بإرادة الصفوة وهم القلة،ولهذه الصفوة دورة ،يستبدل فيها من هم في الحكم بمن هم خارجه فتتم عملية التغير. وكما نظر باريتو للمجتمع انه نسق وفي حالة توازن، يتكون من أجزاء مترابطة متساندة.
جورج زيمل (1858_1918)
موضوع علم الاجتماع عمليات الصراع والتنافس والتعاون بين الافراد في المجتمع.
وحدة التحليل: اهتم زيمل بعملية التفاعل بين الافراد، ولكنه تجاوز مضمون التفاعل ليركز على اشكال وصور عمليات التفاعل. فمهما اختلف نوع النشاط كمضمون سواء كان سياسيا" او اقتصاديا" او اسريا" فان اشكال التفاعل متماثلة.فأما يكون التفاعل صراعيا" او تنافسيا" او تعاونيا" وهكذا....
عوامل التغير الاجتماعي: عوامل التغير هي الناتجة من عمليات الصراع او التنافس او التعاون ، تكون نتائج هذه العمليات هي عوامل التغير في المجتمع.... فالصراع بين الجماعات مثلا" يقوي درجة التضامن داخل الجماعة....
يعمل علم الاجتماع على مستويين من التحليل:
ـ علم اجتماع المنظور الصغير الميكروسوسيولوجي: يدرس السلوك اليومي في مواقف التفاعل وجهاً لوجه وهي تركز على المستوى الخاص والفردي فيصبح مجال الدراسة ضيق.
ـ علم اجتماع المنظور الكبير الماكروسوسيولوجي: يعمل على تحليل الأنساق الاجتماعية الكبرى تركز على المستوى العام والمجتمعي.
و هناك علاقة وثيقة بين مستويي التحليل.
ريمون بودن و الفردانيـة الممنهجـة L'individualisme Méthodologique
جذورها:
أكد بودون من خلال كتاباته عن أصالة مقاربته الفردانية و تجذرها في الإنتاج السوسيولوجي الكلاسيكي إذ يعيدها أساسا إلى أعمال كل من "ماكس فيبر "و"باريتو" من خلال التصنيف الفيبري المعروف للأفعال الإنسانية (الفعل التقليدي ،الفعل العاطفي ،الفعل الانفعالي ،الفعل العقلاني القيمي ،الفعل العقلاني الغائي)، إلى جانب التميز الباريتي بين الفعل المنطقي والفعل غير المنطقي .
بل يذهب إلى ابعد من ذلك إلى امتداد جذورها لعلماء الاجتماع المعروفون برواد المقاربة الكليانية L'approche holistique التي لم تنظر للفرد الا بوصفه نقطة عبور للأفكار الجماعية حيث تحدد طموحاته ورغباته عبر محيطه الاجتماعي على حد تعبير Boudon.
إلى جانب عرضه لما اصطلح عليه" توكفيل" Tocqueville بنتاج اتساع المجال الخاص ،وكذا كتدعيم لاستقلالية الفرد معياريا وأخلاقيا كما في أعمال "دوركايم " او ما طرحه"ماركس" حـول تدعيم المنافسة في السوق لانعزال الأفـراد.
لنصل إلى أن بودون يرى انـه لابد من اعتماد هذه الجزئيات كأساس لنظريات التغير الاجتماعي لدى رواد المقـاربة الماكروسوسيولوجية وليس الاعتماد على الكليات ،المـهم في نظره أنهم يعترفون في داخل أطروحاتهم بوجود مسالـة الفردانية.1
دلالات النظرية:
1- رؤية الفردانية كواقعة اجتماعية : إن الانتقال من المجتمعات البسيطة الى المجتمعات المعقدة هو واقعة اجتماعية مرت بها البشرية ،والتغيرات مست الفرد والجماعة والنظام والسلوك ونمط الحياة .فلماذا لا نكون أمام واقعة اجتماعية يبدو الفرد مميزا عن ذي قبل وربما سيدا للمرحلة القادمة من الحياة الاجتماعية 2
2- الفردانية كقضية منهجية : ركز بودون على النقاط التالية :
أ)- خصوصية الظاهرة الاجتماعية والتي تستوجب الفطنة ،مع الأخذ بعين الاعتبار صعوبة تحليلها تحليلا ماكروسوسيولجيا كونها معقدة تتغير بتغير الأفراد .وهذا المنطق المعقد ينتجه الفرد لا البنى كما في سوسيولوجيا ماركس ولا المؤسسات كما في سوسيولوجيا دوركايم .
ب)-خصوصية التحليل السوسيولوجي تكمن كما يقول بودون في "...دراسة حالات فردية لا من خلال براديقم استخراج المفرد من المفرد بل من خلال نمط أو شبه نمط ممثل لبنية نظام التفاعل تنموا داخله الحالات التي سنفسر " بمعنى
أن الأفراد المكونين للنظام لديهم القدرة من خلال تفاعلهم على الفعل والتأثير ومن ثم تغيير هذا النظام1
ج)-يتعين على عالم الاجتماع كما يقول :"...استخدام منهج يدرس الأفراد الفاعلين الموجودين في نسق للتفاعل ، باعتبار أن هؤلاء الأفراد هم الذرات المنطقية لتحليله ...ولا يمكن لعالم الاجتماع أن يكون مقتنعا بنظرية تدرس تجمعا (طبقة،جماعة، امة...) باعتباره الوحدة الأساسية التي تهبط إليها النظرية ...أو أن يكون مقتنعا بجهد يقوم به لتحليل ردود أفعال الأفراد حيال القيود التي يفرضها النسق ..."2
وبالعودة إلى كتابه "La logique du social" الذي يعد بمثابة مقدمة إلى التحليل السوسيولوجي لحساب الإجراءات المنطقية وغير المنطقية للأفراد ،يمكن تحديد الافتراضات الجوهرية لعلم الاجتماع في النقاط الثلاث التالية :
- ان الفرد وليس الجماعة هو ذرة منطقية L'atome logiqueمن التحليل السوسيولوجي .
- عقلانية هذا الفرد هو عادة نوع معقد ولا يمكن ان تستخدم فقط لحساب انماط الافعال المنطقية .كما في معنى pareto .
- الافراد مدرجون في نظم للتفاعل مع بنية ثابـة خاصة مع وجود بعض القيود .3
بمعنى أن الأفراد هم المسؤولين المباشرين عما يطرأ داخل الأنظمة من ظواهر والتي تقوم في نظره على اساسين:
- أنها نتاج لأفعال ومواقف ومعتقدات و سلوكات الأفراد كأساس أول يقوم عليه براديقم علم الاجتماع .
- ضرورة البحث عن معنى هذه السلوكات الفردية ،أي الإجابة عن السؤال لماذا ؟وهذا ما يسميه ماكس فيبر بالفهم ،بمعنى فهم سلوكات الأفراد قصد فهم خفايا الظاهرة والآليات المتحكمة فيه،دون معزل عن ضغوطات الانظمة المحيطة والتي يتحرك في اطارها الافراد .
وبالتالي بودون لم ينفي اثر البنى في الفعل الفردي ،فهي تساهم جزئيا في تحديد اختيارات الفاعل، حيث يقول :"...ان الذرة المنطقية للتحليل السوسيولوجي هو اذن الفاعل الفردي ،وهذا الفاعل لا يتحرك في فراغ مؤسساتي واجتماعي ، و لكن مجرد ان يكون فعله واقع في سياق من الضغوطات التي يجب ان يقبلها كمعطيات مفروضة عليه .لا يعني انه يمكن ان نجعل من سلوكه النتيجة الحتمية لتلك الضغوطات ..." فالبنى اذن موجودة لكنها تعجز عن نفي قدرة الفرد كفاعل على الاختيار .وبالتالي على عالم الاجتماع ان يعود الى جوهر الظاهرة لا الى مظهرها الخارجي .وذلك عبر البحث في دوافع الافراد ومنطقهم في سلكهم فعل دون آخر .
بنيوية بيير بورديو
- لا شك أن بيير بورديو عالم اجتماع موسوعي لم يقدم على مغامرة علمية قبل أن يستطلع الطروحات التي سبقته لصياغة نظريته. وعليه فقد شكلت بنيوية ليفي شتراوس مفتاحا لدراسات بنيوية أشد عمقا وفهما وجدة بما أنها انطلقت من رؤية تكرار البنى باعتبارها عملية ليست جامدة بقدر ما هي متحركة ونشطة، هذا التصور لشتراوس جاء معاكسا تماما للدراسات البنيوية التقليدية حول الجماعات الإثنية والتي كانت تكتفي بملاحظة ثبات البنيات وتكرارها دون أن تبحث عن تفسير لهذا الثبات. وهي في واقع تصورات الأمر ذات طبيعة استعمارية رافقت الحركة الاستعمارية الأوروبية التي انطلقت في القرن19 ولم تر حينذاك في المجتمعات القديمة إلا بنى ثابتة أو مجتمعات بلا تاريخ. وعلى العكس من ذلك جاءت بنيوية شتراوس عبر " البنى الأولية للقرابة " لتفضح هذا التوجه من خلال مهمة حددها شتراوس لنفسه وهي " كشف الأنساق المستترة للعلاقات والقيام بتنظيمها" لتفتح بابا للتقصي بلا حدود. هذه الأطروحة جاءت حتى بخلاف ما ذهب إليه الطرح الماركسي الذي حصر تفسير البنية بالعامل الاقتصادي بما في ذلك البنيوية الفيبرية التي حاولت التعمق أكثر حين ركزت على الدراسات الطبقية ولاحظت مدى الصعوبة في تحديد المعايير الطبقية.
- في البنيوية التكوينية ينطلق بورديو من رؤية المدى الاجتماعي (المدى الحيوي) كحقل من الصراعات الاجتماعية التي تقع في نطاق الطبقات. هذه الصراعات الطبقية التي ينبغي النظر إليها بعيدا عن المحتوى الماركسي التقليدي للصراع الطبقي، بل بمحتوى أحد المفاهيم المركزية في البنيوية التكوينية وهو الهابيتوس بوصفه منهجية ذات محتوى ثقافي وظيفتها إعادة إنتاج الصراع الطبقي بل وتكريسه عبر المحتوى الثقافي.
- إذن الكلمات التي يستعملها بورديو مستعارة حقيقة من الماركسية، ويقدمها بمحتوى جديد عبر مفهوم " الرأسمال الثقافي " بوصفه رأسمال رمزي مقابل الرأسمال الاقتصادى بوصفه مفهوم مادي. بمعنى أن التمايز الاجتماعي لا يقع بالضرورة ولا يمكن رؤيته فقط في نطاق الرأسمال الاقتصادي كمدى حيوي بل في نطاق الرأسمال الثقافي ( الهابيتوس ) الذي يسعى إلى تكريس التمايز وإعادة إنتاج الطبقات لا شعوريا، لهذا فهو يتسم بالعنف الرمزي تماما مثلما هو الرأسمال الاقتصادي الذي يتسم هو الآخر بعنف مادي.
- ثانيا: التصورات النظرية
- انطلاقا من هاتين الأطروحتين عديمتي الجدوى بالنسبة لبورديو فإن إجابته ستنتظم حول ثلاثة تصورات يسعى من خلالها إلى تحديد موضوع البحث الاجتماعي. هذه التصورات هي:
التصور الأول: نسق المواقف والعلاقات
- فالموضوع الاجتماعي في هذا التصور هو الموضوع الذي يكشف عن مجموعة العلاقات الداخلية في البنية، أو هو نسق من العلاقات الذي يسمح لنا التحليل بالوصول إلى وِظافتها. أي التعرف على الطريقة التي تشتغل بها العناصر النسقية المكونة للبنى وكيفية ترابطها وأدائها واشتغالها.
- وفي هذا السياق فإن هدف البحث الاجتماعي هو السعي إلى إظهار منطق النسق من خلال ثلاث عمليات:
- • أولها إسقاط بعض الظواهر والقيام بعملية استكشاف متعددة. أي الكشف عن نسق العلاقات المحدِّدة واستبعاد المعطيات الحكائية والتاريخية والاقتصادية
- • ثانيها تعليم النسق. أي الكشف عن أنساق التفاعل الداخلية والخارجية معا. فلو أخذنا أنساق المواقف داخل الجامعة مثلا لتوجب علينا النظر في نسقسن هما: النسق الداخلي، أي موقف السلطة الجامعية والنسق العلمي الذي يربط الجامعة بالخارج.
- • أخيرا تطوير النسق عبر البحث عن تمييز كل الحلقات المترابطة العملية والرمزية والأيديولوجية وكل السلوكات الفردية التي يحددها نسق العلاقات.
- هكذا يتوصل بورديو إلى استعمال مقولة الحقل الذي ينتظم بداخله كل أنساق المواقف والتفاعلات الآنفة الذكر. ومن الواضح أننا إزاء منهجية تبين لنا مشروعية استخدام مفهوم الحقل الاجتماعي ضمن الشروط المحددة ( الإسقاط، التعيين، التطوير).
التصور الثاني: الهابيتوس
- تترجمه بعض المؤلفات بـ (الآبيتوس). ويكاد في الواقع أن يشكل جوهر نظرية بورديو في البنيوية، وهو أداة منهجية اختبارية يستطيع حتى الفرد المتخصص أن يسقطه على نفسه ليتعرف على مكانته الطبقية والاجتماعية بشكل عام. كما يمكن الفرد من قراءة المجتمع وتكويناته الطبقية بسلاسة ومتعة لا يعكر صفوها إلا شعور الفرد حقيقة وواقعا بالمدى الحيوي الذي ينتمي إليه. فما هو الهابتوس؟
- يعرفه بورديو بأنه: " نسق الاستعدادات المكتسبة وتصورات الإدراك والتقويم والفعل التي طبعها المحيط في لحظة محددة وموقع خاص ". هو إذن موجه لسلوكات الفرد اعتمادا على مرجعية معينة تقع في البنية الذهنية وبالتحديد فيما يسمى بعلم النفس بالأنا الأعلى، أي الذي يتحكم بإجمالي الممارسات والسلوكات الناتجة عن الفرد بشكل لا شعوري. لذا يعتبر الهابيتوس من جانب آخر منتج الممارسات وأصل الإدراكات وعمليات التقويم والأعمال أو مجموعة القواعد المولدة للمارسات. أما موقعه فهو يتوسط بين العلاقات الموضوعية والسلوكات الفردية، وهو في آن معا ناتج عن استبطان الشروط الموضوعية مثلما هو الشرط اللازم للممارسات الفردية. ولأنه كذلك وكل ذلك فهو يضفي الشرعية على الترتيبات (الصراع الطبقي) والتمايز(العنف الرمزي والثقافي) دون حدوث أي صدام ظاهري بين الطبقات.
التصور الثالث: إعادة الإنتاج
- تميل البنيوية التقليدية في دراستها للمجتمعات التقليدية إلى الاعتقاد بأن ثبات البنى هو أمر مكتسب دون أن تتحمل مسؤولية التساؤل عن الشروط المولدة لعمليات التكرار هذه. فقد حاولت الماركسية تقديم إجابة إجمالية لمشكلة إعادة إنتاج نسق الطبقات عبر التحليل الاقتصادي وتضخيمه إلى أقصى حد باعتماد علاقة وحيدة هي مدى تملك رأس المال.
- ومن جهته حاول بورديو تحليل جميع أفعال إعادة الإنتاج من خلال دراسته للنسق المدرسي ووظيفته محاولا إدخال مفاهيم للتفسير مثل:
- • العنف الرمزي
- • الرأسمال الثقافي
- • استراتيجيا إعادة الإنتاج