أيها المسلمون، إنه لا يَحِل للمسلم أن يهجر أخاه المسلم؛ لأن ذلك يوجب الكراهة والبغضاء والتفرّق إلا إذا كان مجاهرًا بمعصية وكان في هجره فائدة تردعه عن المعصية .
فالهجر - أيها الإخوة - بمنزلة الدواء إن كان نافعًا بإزالة المعصية أو تخفيفها كان مطلوبًا وإلا فلا، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يَحِل للمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث يلتقيان فيعرضُ هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام»(6) ومن المعلوم أن من عقيدة أهل السنّة والجماعة أن الإنسان لا يخرج من الإيمان بالمعاصي وإن عظمت؛ وعلى هذا فالأصل تحريم هجر المسلم إلا إذا كان على معصية وكان في هجرِهِ فائدة لتقليل المعصية أو اجتنابها .
أيها المسلمون، وإن من الأمور التي تؤيّد أواصر المحبة وتوجب للإنسان الثواب أن يعود الإنسان أخاه إذا مرض فإن عيادَة المريض تجلب المودّة وترقّق القلب وتزيد في الإيمان والثواب، فمَن عادَ مريضًا ناداه منادٍ من السماء: طبتَ وطاب ممشاك، ومَن عاد أخاه المسلم لم يزل في جنى الجنة حتى يرجع، وينبغي لِمَن عاد المريض أن يكون مباركًا عليه فيذكّره بِمَا ينبغي أن يذكّره به وأن لا يُطيل الجلوس عنده إلا إذا كان يرغب ذلك وينبغي أن يذكّره بِمَا أعدّ الله للصابرين من الثواب وبِمَا في المصائب من تكفير السيئات وأن لكل كربة فرجة ويفتح له باب التوبة والخروج من حقوق الناس واغتنام الوقت بالذكْر والقراءة والاستغفار وغيرها مِمّا يقرّب إلى الله ويرشده إلى ما يلزمه في عباداته من الوضوء بالماء إن قدر عليه أو التيمم إن لم يستطع وكيف يصلي؛ فإن كثيرًا من المرضى يجهلون كثيرًا من أحكام الطهارة والصلاة ولا يحقرنّ أحدكم شيئًا من تذكير المريض وإرشاده؛ فإن المريض قد رقّت نفسه وخشع قلبه فهو إلى قبول الحق والتوجيه قريب، واحرصوا - رحمكم الله - على أن تعلموهم ما يلزمهم في مسائل الصلاة والطهارة .
ولقد عاد أخٌ من المسلمين أخًا له في الله وهو مريض فجعل يتحدّث إليه فقال له: واللهِ إني منذ خمسة عشر يومًا وإني لأجمع بين الصلاتين وأقصر، فتأمّل كيف وصلت حال هذا المريض وأمثاله كثير إلى أن يظن أنه إذا جازَ الجمع جاز القصر وهذا خطأ؛ فإن القصر ليس له إلا سبب واحد وهو السفر، فمَن كان مقيمًا فلا قصر له ولكن ربّما يَحِل له الجمع إذا كان يشق عليه أن يصلي كل صلاة في وقتها .