7- المحطةُ السَّابعةُ: أبرزُ افتراءاتِ المناوِئينَ للدَّعوةِ التَّجديدِيَّةِ الإصلاحِيَّةِ وشبهاتِهم، ونَقْضُهَا والرَّدُّ عليها:
• فريةُ أَنَّ دعوةِ الشيخِ الإمامِ- رحمه الله - كانتْ دعوةً موغلةً في التَّطرفِ والغلو؛ إلى درجة تَلُّوثِها بـ (تكفيرِ) المسلمينَ الخارجينَ عن نطاقِ الدَّعوةِ الإصلاحيةِ، واستباحةِ دمائِهم؛ استناداً على ذلكَ:
الرَّدُّ عليها:
الرَّدُّ على هذه الفريةِ المنكرةِ الآثمةِ، سيكونُ من وجهينِ اثنينِ:
أولهما: رَدُّ الشيخِ الإمام محمد بن عبد الوهاب- رحمه الله - نفسهِ على هذه الفرية.
والآخرُ: رَدُّ أنصارهِ وأبنائهِ، وأحفادهِ وتلامذتهِ على هذه الفريةِ.
أَمَّا رَدُّ الشيخِ الإمام- رحمه الله - فقد تعدَّدَ وتنوَّعِ بشكل كبيرٍ جِدًّا، وكانَ على شكلِ رسائلَ أو أجوبةٍ يُوجِّهها للسائلينَ، وهي على النحو الآتي:
• رسالةُ الشيخِ الإمامِ لأهل الرياض ومنفوحه - رحمه الله -:
"وقولكم إننا نكفر المسلمين، كيف تفعلون كذا، كيف تفعلون كذا. فإنا لم نكفر المسلمين، بل ما كفرنا إلا المشركين".
• رسالةُ الشيخِ الإمامِ لأحد مطاوعة ثرمداء:
"وأما ما ذكره الأعداء عني أني أكفر بالظن، والموالاة، أو أكفر الجاهل الذي لم تقم عليه الحجة، فهذا بهتان عظيم، يريدون به تنفير الناس عن دين الله ورسوله".
• رسالةُ الشيخِ الإمامِ لأهل القصيمِ رَدًّا على ابن سحيم:
"والله يعلم أن الرجل افترى عليّ أموراً لم أقلها، ولم يأت أكثرها على بالي، فمنها قوله: أني أقول: إنَّ الناس من ستمائة سنة ليسوا على شيء، وأني أكفر من توسل بالصالحين، وأني أكفر البوصيري، وأني أكفر من حلف بغير الله.. جوابي عن هذه المسائل أن أقول سبحانك هذا بهتان عظيم".
• رسالةُ الشيخِ الإمامِ لحمد التويجري:
"وكذلك تمويهه على الطغام بأن ابن عبد الوهاب يقول: الذي ما يدخل تحت طاعتي كافر، ونقول: سبحانك هذا بهتان عظيم، بل نشهد الله على ما يعلمه من قلوبنا بأن من عمل بالتوحيد، وتبرأ من الشرك وأهله، فهو المسلم في أي زمان وأي مكان، وإنما نكفر من أشرك بالله في إلهيته بعد ما تبيّن له الحجة على بطلان الشرك…".
• رسالةُ الشيخِ الإمامِ للشريف:
"وأما الكذب والبهتان، فمثل قولهم: أنا نكفر بالعموم، ونوجب الهجرة إلينا على من قدر على إظهار دينه، وإنا نكفر من لم يكفر ومن لم يقاتل، ومثل هذا وأضعاف أضعافه، فكل هذا من الكذب والبهتان الذي يصدون به الناس عن دين الله ورسوله".
• رسالةُ الشيخِ الإمامِ لأحدِ علماء المدينة:
"فإن قال قائلهم أنهم يكفرون بالعموم فنقول: سبحانك هذا بهتان عظيم، الذي نكفر الذي يشهد أن التوحيد دين الله ودين رسوله، وأن دعوة غير الله باطلة ثم بعد هذا يكفّر أهل التوحيد".
• رسالةُ الشيخِ الإمامِ إلى إسماعيل الجراعي صاحب اليمن:
"وأما القول بأنّا نكفر بالعموم فذلك من بهتان الأعداء الذين يصدون به عن هذا الدين، ونقول سبحانك هذا بهتان عظيم".
• جواب الشيخِ الإمامِ للشيخِ عبد الرحمن بن عبد الله السويدي:
"وأجلبوا علينا بخيل الشيطان ورجله، منها: إشاعة البهتان بما يستحي العاقل أن يحكيه، فضلاً عن أن يفتريه، ومنها ما ذكرتم أني أكفر جميع الناس إلا من تبعني، وأزعم أن أنكحتهم غير صحيحة، ويا عجبا كيف يدخل هذا في عقل عاقل، هل يقول هذا مسلم أو كافر أو عارف أو مجنون.. ".
2- رَدُّ أنصارهِ وأبنائهِ وأحفادهِ وتلامذتهِ على هذه الفريةِ:
• يقولُ الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب- رحمه الله -:
"وأما ما يكذب علينا ستراً للحق، وتلبيساً على الخلق، بأننا نكفر الناس على الإطلاق، أهل زماننا، ومن بعد الستمائة، إلا من هو على ما نحن فيه، ومن فروع ذلك أن لا نقبل بيعة أحد إلا بعد التقرر عليه بأنه كان مشركاً، وأن أبويه ماتا على الشرك بالله … فلا وجه لذلك فجميع هذه الخرافات وأشباهها لما استفهمنا عنها من ذكر أولاً، كان جوابنا في كل مسألة من ذلك (سبحانك هذا بهتان عظيم)، فمن روى عنا شيئاً من ذلك أو نسبه إلينا، فقد كذب وافترى، ومن شاهد حالنا، وحضر مجالسنا، وتحقق ما عندنا علم قطعياً أن جميع ذلك وضعه علينا وافتراه أعداء الدين وإخوان الشياطين، تنفيراً للناس عن الإذعان بإخلاص التوحيد لله - تعالى -بالعبادة وترك أنواع الشرك الذي نص عليه بأن الله لا يغفره، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء، فإنا نعتقد أن من فعل أنواعاً من الكبائر كقتل المسلم بغير حق، والزنا، والربا وشرب الخمر، وتكرر منه ذلك، أنه لا يخرج بفعله ذلك من دائرة الإسلام ولا يخلد به في دار الانتقام، إذا مات موحداً بجميع أنواع العبادة".
• يقولُ الشيخ عبد العزيز بن حمد سبط الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله -:
"وأما السؤال الثاني وهو قولكم: من لم تشمله دائرة إمامتكم ويتسم بسمة دولتكم، وهل داره دار كفر وحرب على العموم الخ.
فنقول وبالله التوفيق: الذي نعتقده وندين الله به، أن من دان بالإسلام وأطاع ربه فيما أمر، وانتهى عما عنه نهى وزجر، فهو المسلم حرام المال والدم كما يدل عليه الكتاب والسنة وإجماع الأمة. ولم نكفر أحداً دان بالإسلام لكونه لم يدخل في دائرتنا، ولم يتسم بسمة دولتنا، بل لا نكفر إلا من كفره الله ورسوله، ومن زعم أنا نكفر الناس بالعموم، أو نوجب الهجرة إلينا على من قدر على إظهار دينه ببلده فقد كذب وافترى".
• يقولُ الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن (أحد أحفادِ الشيخ)- رحمه الله - في رَدِّهِ على عثمان بن منصور:
"هذه العبارة تدل على تهور في الكذب، ووقاحة تامة، وفي الحديث: "إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت".
وصريح هذه العبارة أن الشيخ كفر جميع الأمة من المبعث النبوي إلى قيام الساعة إلا من وافقه على قوله الذي اختص به، وهل يتصور هذا عاقل عرف حال الشيخ وما جاء به ودعا إليه، بل أهل البدع كالقدرية والجهمية والرافضة والخوارج لا يكفرون جميع من خالفهم، بل لهم أقوال وتفاصيل يعرفها أهل العلم، والشيخ - رحمه الله - لا يعرف له قول انفرد به عن سائر الأمة، ولا عن أهل السنة والجماعة منهم، وجميع أقواله في هذا الباب - أعني ما دعا إليه من توحيد الأسماء والصفات وتوحيد العمل والعبادات - مجمع عليه المسلمين لا يخالف فيه إلا من خرج عن سبيلهم وعدل عن مناهجهم".
• يقولُ الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن عن تورع جده الشيخ الإمام - رحمه الله - عن التكفير:
"والشيخ محمد - رحمه الله - من أعظم الناس توقفاً وإحجاماً عن إطلاق الكفر، حتى أنه لم يجزم بتكفير الجاهل الذي يدعو غير الله من أهل القبور، أو غيرهم إذا لم يتيسر له من ينصحه ويبلغه الحجة التي يكفر مرتكبها".
• كما يؤكد الشيخ عبد اللطيف- رحمه الله - أنَّ من عرف سيرة الشيخ الإمامِ محمد بن عبد الوهاب، أدرك براءته من تلك الفرية الكاذبة فيقول - رحمه الله -:
"كل عاقل يعرف سيرة الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله -، يعلم أنه من أعظم الناس إجلالاً للعلم والعلماء، ومن أشد الناس نهياً عن تكفيرهم وتنقصهم وأذيتهم، بل هو ممن يدينون بتوقيرهم وإكرامهم والذب عنهم، والأمر بسلوك سبيلهم، والشيخ - رحمه الله - لم يكفر إلا من كفره الله ورسوله وأجمعت الأمة على كفره كمن اتخذ الآلهة والأنداد لرب العالمين".
• يقولُ الشيخ صالح بن محمد الشتر- يرحمه الله -:
"وأما ما ادعاه أعداءه المعاصرون له أنه كفر بالعموم، أو يكفر بالذنوب أو يقاتل من لا يستحق قتلاً، أو يستحل دمه وماله، فالجواب أن نقول سبحانك هذا بهتان عظيم، ورسائل الشيخ محمد بن عبد الوهاب تبرأ فيهن مما نسب إليه أعداؤه وأن مذهبه مذهب السلف الصالح".
• يقولُ الشيخ السهسوان- يرحمه الله -:
"هذا كله افتراء بلا ريب على الشيخ، يعرفه من له رائحة من الإيمان والعلم والعقل".
• ويقول أيضاً - رَدًّا على بعضِ الأقوالِ الَّتي فيها قذفُ الشيخ الإمام بتكفير الناس-: "الجواب على هذه الأقوال كلها أنها على طولها وكثرتها كاذبة خبيثة فلا تعجبك كثرة الخبيث".
• يقولُ الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ- رحمه الله - في رَدِّهِ على الشريف في قضية استباحةِ الوهابيةِ للحرمينِ الشريفينِ:
"وأما استباحة هذين البلدين الشريفين، فكلّ أحد يعرف أن هذا من الكذب والبهت البيِّن. قال - تعالى -: (إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ)[النحل: 105].
لم يقع فيهما قتال بحمد الله، فضلاً عن الاستباحة. وفي الحديث: "إنّ ممّا أدرك النّاس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت"، وإنما دخلها المسلمون في حال أمن وصلح، وانقياد من شريف مكة ورؤساء المدينة. وجلس المشايخ بالحرمين الشريفين للتعليم والتدريس.
وكتبت الرسائل في بيان التوحيد والتنزيه عن التقديس، حتى جاءت دولة الأتراك فجاسوا خلال الديار، وكان وعداً مفعولاً.
... ولا يجوز أن يُسَمَّى ما وقع استباحة للحرمين. كما قاله هذا المفتري. كيف وقد وقع من تعظيم الحرمين وكسوة الكعبة الشريفة، وتأمين السبل والحج إلى بيت الله وزيارة الحرم الشريف النبوي ما لا يخفى على منصف عرف الحال، ولم يقصد البهت والضلال؟ ".
• يقولُ الشيخ محمد رشيد رضا:
"كنا نسمع في صغرنا أخبار الوهابية المستمدة من رسالة دحلان هذا ورسائل أمثاله فنصدقها بالتبع لمشايخنا وآبائنا، ونصدق أن الدولة العثمانية هي حامية الدين ولأجله حاربتهم وخضدت شوكتهم، وأنا لم أعلم حقيقة هذه الطائفة إلا بعد الهجرة إلى مصر والإطلاع على تاريخ الجبرتي وتاريخ الاستقصا في أخبار المغرب الأقصى، فعلمت منهما أنهم هم الذين كانوا على هداية الإسلام دون مقاتليهم، وأكده الاجتماع بالمطلعين على التاريخ من أهلها ولاسيما تواريخ الإفرنج الذين بحثوا عن حقيقة الأمر فعلموها وصرحوا أن هؤلاء الناس أرادوا تجديد الإسلام وإعادته إلى ما كان عليه في الصدر الأول، وإذاً لتجدد مجده، وعادت إليه قوته وحضارته، وأن الدولة العثمانية ما حاربتهم إلا خوفاً من تجديد ملك العرب، وإعادة الخلافة الإسلامية سيرتها الأولى".
• وقال أيضاً- رحمه الله -:
"ونحن كنا نصدق هذه الإشاعات التي أشاعتها السياسة التركية عنهم تصديقاً لابن عابدين وأمثاله، وقد طبعت كتبهم وكتب أنصارهم في عصرنا فلا عذر لأحد في تصديق الحشوية والمبتدعة وأهل الأهواء فيهم.
وقد ذكرتُ هذه الإشاعات مرة بمجلس الأستاذ الكبير الشيخ أبي الفضل الجيزاوي شيخ الأزهر في إدارة المعاهد الدينية فاستحضرت لهم نسخاً من كتب الهدية السنية؛ فراجعها الشيخ الأكبر وعنده طائفة من أشهر علماء الأزهر فاعترفوا بأن ما فيها هو عين مذهب جمهور أهل السنة والجماعة".
• فرية أَنَّ نجدَ اليمامةِ قرنُ الشيطانِ:
رَدُّ الشيخ عبد الرحمن بن حسن- رحمه الله - على هذه الفرية بقوله:
(.. الذم إنما يقع في الحقيقة على الحال لا على المحل، والأحاديث التي وردت في ذم نجد كقوله - صلى الله عليه وسلم -: (اللهم بارك لنا في يمننا. اللهم بارك لنا في شامنا) الحديث.. قيل إنه أراد نجد العراق؛ لأن في بعض ألفاظه: ذكر المشرق، والعراق شرقي المدينة، والواقع يشهد له، لا نجد الحجاز، ذكره العلماء في شرح هذا الحديث، فقد جرى على العراق من الملاحم والفتن، ما لم يجر في نجد الحجاز، يعرف ذلك من له اطلاع على السير والتاريخ، كخروج الخوارج بها، وكمقتل الحسين، وفتنة ابن الأشعث، وفتنة المختار وقد ادعى النبوة … وما جرى في ولاية الحجاج بن يوسف من القتال، وسفك الدماء وغير ذلك مما يطول عده.
وعلى كل حال فالذم إنما يكون في حال دون حال، ووقت دون وقت، بحسب حال الساكن؛ لأن الذم إنما يكون الحال دون المحل، وإن كانت الأماكن تتفاضل. وقد تقع المداولة فيها، فإن الله يداول بين خلقه، حتى في البقاع، فمحل المعصية في زمن قد يكون محل طاعة في زمن آخر، وبالعكس).
إلى أن قال - رحمه الله -: "فلو ذُمَّ نجدٌ بمسيلمة بعد زواله، وزوال من يصدقه، لذُمَّ اليمن بخروج الأسود العنسي ودعواه النبوة …، وما ضرَّ المدينة سكنى اليهود بها، وقد صارت مهاجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، ومعقل الإسلام، ما ذُمَّت مكة بتكذيب أهلها لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وشدة عدواتهم له، بل هي أحب أرض الله إليه..".
ويقرر الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن المراد بالمشرق ونجد الذي ورد ذمه في الحديث فقال:
"إنَّ المراد بالمشرق ونجد في هذا الحديث وأمثاله هو العراق؛ لأنه يحاذي المدينة من جهة الشرق، يُوضِّحه أن في بعض طرق هذا الحديث: وأشار إلى العراق)، قال الخطابي: نجد من جهة المشرق، ومن كان بالمدينة، كان نجده بادية الشام ونواحيها فهي مشرق أهل المدينة، وأصل نجد ما ارتفع من الأرض، وهو خلاف الغور فإنه ما انخفض منها، وقال الداوودي: أن نجداً من ناحية العراق، ذكر هذا الحافظ ابن حجر، ويشهد له ما في مسلم عن ابن عمر قال: يا أهل العراق ما أسألَكم عن الصغيرة وأركبَكم للكبيرة، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: أن الفتنة تجيء من هاهنا، وأومأ بيده إلى المشرق، فظهر أن هذا الحديث خاص لأهل العراق؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - فسَّر المراد بالإشارة الحسيّة، وقد جاء صريحاً في (المعجم الكبير) للطبراني النص على أنها العراق. وقول ابن عمر وأهل اللغة وشهادة الحال كل هذا يعين المراد..".
• فريةُ أَنَّ دعوةَ الشيخِ الإمامِ- رحمه الله - تَضَمَّنَتْ انتقاصاً لمقامِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - المنيفِ الشَّريفِ، وإدعاء صاحبها النبوة:
قد أوضح الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - معتقده في مسألة ختم النبوة في مواضع من مؤلفاته، منها ما ورد في رسالته لأهل القصيم لما سألوه عن عقيدته فقال - بكل وضوح -:
"وأومن بأن نبينا محمداً - صلى الله عليه وسلم - خاتم النبيين والمرسلين ولا يصح إيمان عبد حتى يؤمن برسالته ويشهد بنبوته)، بل إن الشيخ - رحمه الله - يصرح بأكثر من ذلك بعبارة موجزة، فيقول في ذكر الحقوق الواجبة على كل مسلم:
"وأعظمها حق النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأفرضه شهادتك له أنه رسول الله وأنه خاتم النبيين، وتعلم أنك لو ترفع أحداً من الصحابة في منزلة النبوة صرت كافراً".
وقد أورد الشيخ محمد بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ في رسالته التي بعثها إلى أهالي الحجاز وجنوب الجزيرة العربية، اعتقاد أئمة الدعوة السلفية في نجد، فكان مما قاله - رحمه الله - في مسألة ختم النبوة: (ونؤمن بأن محمداً - صلى الله عليه وسلم - خاتم النبيين والمرسلين).
ويقول الشيخ - رحمه الله - عن بعثة المصطفى - صلى الله عليه وسلم -:
"ولما أراد الله - سبحانه - إظهار توحيده وإكمال دينه وأن تكون كلمته هي العليا، وكلمة الذين كفروا هي السفلى بعث محمداً خاتم النبيين، وحبيب رب العالمين، ومازال في كل جيل مشهوراً، وفي توراة موسى وإنجيل عيسى مذكوراً، إلى أن أخرج تلك الدرة بين بني كنانة وبني زهرة، فأرسله على حين فترة من الرسل وهداه إلى أقوم السبل، فكان له - صلى الله عليه وسلم - من الآيات الدالة على نبوته قبل مبعثه ما يعجز أهل عصره.. ".
ويتحدث الشيخ الإمام عن معنى شهادة أن محمداً رسول الله فيقول:
"ومعنى شهادة أن محمداً رسول الله طاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما عنه نهى وزجر، وأن لا يعبد الله إلا بما شرع".
فلا يتحقق معنى شهادة أن محمداً رسول الله إلا بتمام الاتباع وكمال الاقتداء، بهدي النبي - صلى الله عليه وسلم -.
ويقول الشيخ مشيراً إلى بعض خصائص المصطفى - صلى الله عليه وسلم -:
"فرسول الله محمد - صلى الله عليه وسلم - هو سيد الشفعاء، وصاحب المقام المحمود، وأدم فمن دونه تحت لوائه".
ولا نملك في نهاية الرد على هذا الإفك المبين إلا أن نتمثَّلَ قول الله - عز وجل -: ? سبحانك هذا بهتان عظيم ?.
• فريةُ أَنَّ دعوةَ الشيخِ الإمامِ- رحمه الله - أعلنتِ الحربَ الشَّعواءَ على الأولياءِ والصَّالحينِ وأنكرتْ كراماتهم:
قرَّر الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - إثباته لكرامات الأولياء، فيقول بكل صراحة ووضوح:
"وأُقِرُّ بكرامات الأولياء، وما لهم من المكاشفات، إلا أنهم لا يستحقون من حق الله - تعالى -شيئاً، ولا يطلب منهم ما لا يقدر عليه إلا الله".
ويقول أيضاً: (وقوله: (وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه) إلى آخره. هذا وحي إلهام، ففيه إثبات كرامات الأولياء).
ويذكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب الواجب في حق أولياء الله الصالحين، فيقول: ".. الواجب عليهم حبهم واتباعهم والإقرار بكرامتهم، ولا يجحد كرامات الأولياء إلا أهل البدع والضلال، ودين الله وسط بين طرفين، وهدى بين ضلالتين، وحق بين باطلين".
ويؤكد أتباع الدعوة - من بعد الشيخ محمد بن عبد الوهاب - هذا الاعتقاد ويقررونه.
فنجد أن الإمام عبد العزيز الأول يُشير إلى حقوق أولياء الله، مع بيان الفرق بين الولي الحق، وبين مدعي الولاية - كذباً وزوراً - فقال - رحمه الله -: "وكذلك حق أوليائه محبتهم والترضي عنهم والإيمان بكراماتهم، لا دعاؤهم، ليجلبوا لمن دعاهم خيراً لا يقدر على جلبه إلا الله - تعالى -، أو ليدفعوا عنهم سوءاً لا يقدر على دفعه إلا هو - عز وجل -، فإن ذلك عبادة مختصة بجلاله - تعالى –وتقدس".
• فريةُ وجودِ أيدٍ أجنبيةٍ ساهمتْ بشكلٍ كبيرٍ في صناعةِ الدَّعوةِ الإصلاحيةِ؛ لتكونَ خنجراً مسموماً يطعنُ في جسدِ الأُمَّةِ الإسلاميةِ:
أصلُ هذه الفريةِ المنكرةِ الآثمةِ جَاءَ عَنْ خُرافةٍ أشَاعَهَا الرَّافضةُ فيما يُسمَّى بـ(مذكراتِ همفر)؛ فقد زعموا أنَّ (همفر) هذا كان جاسوساً بريطانياً، واتصل بالشيخِ الإمامِ محمد بن عبدالوهاب- رحمه الله -، واستطاعَ بدهائه وذكائهِ أن يُجَنِّدَ الشيخ- رحمه الله - لحسابِ المخابراتِ البريطانيةِ.
هكذا زَعَمَ الرَّافضةُ- قَبَّحهم الله- زوراً وافتراءً، و الرَّدُّ على هذه الفريةِ المنكرةِ الآثمةِ، سيكونُ من وجوهٍ عديدةٍ:
الوجهُ الأَوَّلُ: ما ورد في هذه (المذكرات) هو محضُ هُراءٍ، وكلامٌ عارٍ عن الدليل، لا ينطلي إلا على أحد رجلين:
الأول: جاهل جهلاً مركباً، غبيٌّ لا يُفرِّق ما بين الألفِ والياءِ.
والثاني: صاحب هوىً مبتدع، عدوُّ لدعوة التوحيد.
الوجهُ الثاني: شهد ببراءة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وأثبت أن همفر شخصية وهمية؛ أحد خصوم دعوة الشيخ المباركة وأحد أعداء الدعوة السلفية ألا وهو (حسن بن فرحان المالكي)؛ إذ قالَ:
"أما اتهام الوهابية بأنهم صنيعة بريطانية بناء على مذكرات رجل بريطاني اشتهرت كثيراً عبر منتديات الإنترنت فهي باطلة، وكان ذلك البريطاني الذي نسبت إليه المذكرة واسمه "همفر" قد زعم فيها أنه التقى الشيخ في البصرة وأنه وجهه إلى نجد نكاية بالدولة العثمانية.. إلخ.
فهذا من البهتان الباطل المكشوف لأسباب أهمها:
الأول: أن الشيخ وأئمة آل سعود "محمد وابنه عبد العزيز" لبثوا يحاربون الرياض ودخنة ومنفوحة وتلك الأحياء القريبة من الدرعية ما يزيد على عشرين سنة، ولو كان عندهم دعم بريطاني لما لبثوا في حرب تلك المدن والأحياء القريبة إلا أياماً أو شهوراً على أبعد تقدير.
الثاني: مذكرات ذلك البريطاني المسمى "همفر" لا تصح، وقد أخبرني بعض الإخوة من الشيعة المعتدلين أن الذي وضعها هو أحد المراجع الشيعة الإمامية نكاية بالوهابية وعندي اسم ذلك الشيخ الإمامي الذي وضع تلك المذكرة على لسان همفر، وقد ذكر ما يمكن أن يدل على أن واضع تلك المذكرة هو الشيخ الشيعي".
الوجه الثالث: رسائل الإمام المجدد (محمد بن عبد الوهاب) - رحمه الله - ومؤلفاته مطبوعة على النحو التالي:
القسم الأول: العقيدة؛ مجلد. القسم الثاني: الفقه؛ مجلدان. القسم الثالث: "مختصر سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم -"، والفتاوى؛ مجلد. القسم الرابع: التفسير، ومختصر "زاد المعاد"؛ مجلد. القسم الخامس: الرسائل الشخصية؛ مجلد. قسم الحديث: خمس مجلدات. ملحق المصنفات؛ مجلد.
فهذه (اثنا عشر مجلداً)، جمعَتها لجنة علمية متخصصة، منبثقة من جامعة (الإمام محمد بن سعود الإسلامية)، وصنَّفها وأعدَّها للتصحيح تمهيداً لطبعها: الدكتور (عبدالعزيز بن زيد الرومي)، والدكتور (محمد بلتاجي)، والدكتور (سيد حجاب)، وطبعت (بمطابع الرياض).
فمن كان طالباً للحقِّ؛ فعليه أن يُقارِن بين كلام الإمام - رحمه الله - وبين كلام خصومه، فهذه كتبه ورسائله مطبوعة، وسيجدُ يقيناً أن الشيخ الإمامَ- رحمه الله - هُوَ أبعدُ النَّاس عن هذه الفريةِ وعن هذا الإفكِ المبينِ.
الوجه الرابع: بِتَتَبُّع التواريخ المذكورة في (المذكرات) يظهر لنا أنَّ (همفر!!) لَمَّا التقى بالشيخ - رحمه الله -؛ كان عمر الشيخ - الافتراضي - وقتئذ (عشر سنين!!)، وهذا أمر لا يتناسب - بل يتناقض - مع ما ذُكر في المذكرات (ص30).
الوجه الخامس: ذُكر في (المذكرات) (ص100) أن الشيخ (محمد بن عبد الوهاب) - رحمه الله - أظهر دعوته في سنة (1143) هجرية، وهذا كذب واضح؛ حيث إن تاريخ إعلان الشيخ - رحمه الله - دعوته هو نفسه التاريخ الذي توفي فيه والده، وهو سنة (1153هـ)، فانظر إلى هذا التفاوت الواضح في التاريخ.
الوجهُ السَّادسُ: إنَّ موقف (الحكومة البريطانية) من دعوة الشيخ (محمد بن عبد الوهاب)؛ ليس التأييد والدعم؛ وإنما هو العداء والمحاربة.
الوجهُ السَّابع: لا نَجِدُ ذكراً لهذه (المذكرات) في سالف الزمان؛ رغم حرص أعداء هذه (الدَّعوة المُباركة) على تشويهها، ونشر كل ما يُسيء إليها، وخروجها في هذا الوقت المُتأخر دليل على افترائها وتلفيقها.
الوجهُ الثَّامنُ: (همفر) هذا (نكرةٌ) لا يُعرَف؛ فأين هي المعلومات التفصيليَّة عنه؛ من حيث اسمُه، ورتبتُه، وما يتعلق بوظيفته ومهمَّتِه من كتب ووثائق (الحكومة البريطانية)؟!
الوجهُ التَّاسعُ: إنَّ الذي يقرأ هذه (المذكرات) يجزم بأنَّ مؤلفها ليس نصرانياً؛ لوجود كثير من العبارات التي فيها الطعن والانتقاص (بالدّين النصراني) و(الإنجليز) أنفسهم، وبعض العبارات التي فيها مدح (الإسلام)؛ من ذلك على سبيل المثال- انظر: (ص14، 15، 16، 24، 26، 48، 50، 66).
الوجهُ العاشرُ: النسختان المطبوعتان ترجمةٌ لهذه (المذكرات)، لم يُذكر فيهما أية معلومات عن هذه (المذكرات)؛ من حيث النسخة الأصلية التي تُرجمَت عنها، وهل هي مطبوعة أم مخطوطة؟! وبأيّ لغةٍ؟!
الوجهُ الحادي عشر: المُترجِمُ نكرة؛ ففي النسخة (أ) لم يُذكر عنه أيُّ شيء، وفي النسخة (ب) رمز له بـ(د. م. ع. خ)!!
الوجهُ الثَّاني عشر: كثرة الفروق بين (النسختين) (المترجمتين)، وبعضها فروق جوهرية.
الوجهُ الثَّالثُ عشر: اتَّفقت (النسختان) على كتابة تاريخ (2/1/ 1973) في نهاية (المذكرات)؛ وهذا التاريخ لا أدري ما هو: هل هو تاريخ كتابة هذه (المذكرات) من (همفر) - كما هو ظاهر -!! وهذا يؤكد كذب هذه المذكرات؛ إذ إنَّ وفاة الشيخ (محمد بن عبد الوهاب) - رحمه الله - قبل هذا التاريخ بـأعوام كثيرة!
أم هو تاريخ افتراء واختلاق هذه (المذكرات)؟!!
الوجهُ الرَّابعُ عشر: شهادة أعداء الشيخ - رحمه الله -؛ من مسلمين وكفار تنفي عنه ما في هذه المذكرات، وهذا أمر مستفيض، ولو تتبعناه لطال بنا البحث.
• شبهةُ خروجِ الشَّيخِ الإمامِ على دولةِ الخلافةِ العثمانيةِ:
هاهنا تساؤلٌ في غاية الأهمية؛ جواباً عن هذه الشبهة:
هل كانت نجد موطن هذه الدعوة ومحل نشأتها تحت سيطرة دولة الخلافة العثمانية؟
يجيب الدكتور صالح العبود على هذا السؤال فيقول:
(لم تشهد نجد على العموم نفوذاً للدولة العثمانية، فما امتد إليها سلطانها، ولا أتى إليها ولاة عثمانيون، ولا جابت خلال ديارها حامية تركية في الزمان، الذي سبق ظهور دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله -، ومما يدل على هذه الحقيقة التاريخية استقراء تقسيمات الدولة العثمانية الإدارية، فمن خلال رسالة تركية عنوانها (قوانين آل عثمان مضامين دفتر الديوان) يعني قوانين آل عثمان في ما يتضمنه دفتر (الديوان) ألفها - يمين علي أفندي - الذي كان أميناً للدفاتر الخاقاني سنة 1018ه- الموافقة 1609م من خلال هذه الرسالة يتبين أنه منذ أوائل القرن الحادي عشر الهجري، كانت دولة آل عثمان تنقسم إلى اثنتين وثلاثون إيالة، منها أربع عشرة إيالة عربية، وبلاد نجد ليست معها ما عدا الإحساء إن اعتبرناه من نجد.. ).
ويقول الدكتور عبد الله العثيمين:
(ومهما يكن فإن نجداً لم تشهد نفوذاً مباشراً للعثمانيين عليها قبل ظهور دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، كما أنها لم تشهد نفوذاً قوياً - بفرض وجوده- على سير الحوادث داخلها لأية جهة كانت، فلا نفوذ بني جبر، أو بني خالد في بعض جهاتها، ولا نفوذ الأشراف في بعض جهاتها الأخرى أحدث نوعاً من الاستقرار السياسي، فالحروب بين البلدان النجدية ظلت قائمة، والصراع بين قبائلها المختلفة استمر حاداً عنيفاً).
وأجاب سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز على ذلك الاعتراض، بقوله - رحمه الله -: (لم يخرج الشيخ محمد بن عبد الوهاب على دولة الخلافة العثمانية - فيما أعلم وأعتقد -، فلم يكن في نجد رئاسة ولا إمارة للأتراك بل كانت نجد إمارات صغيرة وقرى متناثرة، وعلى كل بلدة أو قرية - مهما صغرت - أمير مستقل … وهي إمارات بينها قتال وحروب ومشاجرات، والشيخ محمد بن عبد الوهاب لم يخرج على دولة الخلافة، وإنما خرج على أوضاع فاسدة في بلده، فجاهد في الله حق جهاده وصابر وثابر حتى امتد نور هذه الدعوة إلى البلاد الأخرى …).
• شبهةُ خروجِ الدعوةِ في عقيدتها في توحيدِ الأسماءِ والصفاتِ عنْ منهجِ أهلِ السنةِ والجماعةِ، واتِّهامها بالتجسيمِ والتشبيهِ:
يقرِّر الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - عقيدته في باب الأسماء والصفات فيقول - بكل وضوح: -
"ومن الإيمان بالله: الإيمان بما وصف به نفسه في كتابه على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - من غير تحريف، ولا تعطيل، بل أعتقد أن الله - سبحانه وتعالى - ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، فلا أنفي عنه ما وصف به نفسه ولا أحرف الكلم عن مواضعه، ولا ألحد في أسمائه وآياته، ولا أكيف، ولا أمثل صفاته - تعالى -بصفات خلقه، لأنه - تعالى -لا سمّي له ولا كفؤ له، ولا ندَّ له ولا يقاس بخلقه، فإنه - سبحانه - أعلم بنفسه وبغيره، وأصدق قيلاً وأحسن حديثاً، فنزّه - سبحانه - عما وصفه به المخالفون من أهل التكييف والتمثيل، وعما نفاه عنه النافون من أهل التحريف والتعطيل. فقال: (سبحان ربك رب العزة عما يصفون * وسلام على المرسلين * والحمد لله رب العالمين).
وأعتقد أن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود وأنه تكلّم به حقيقة، وأنزله على عبده ورسوله وأمينه على وحيه، وسفيره بينه وبين عباده نبينا محمد رسول الله).
ويقول أيضا - رحمه الله - في بيان توحيد الأسماء والصفات:
(و ? قل هو الله أحد ? متضمنة لما يجب إثباته له - تعالى -من الأحدية المنافية لمطلق الشركة بوجه من الوجوه، ونفي الولد والوالد المقرر لكمال صمديته وغناه وأحديته، ونفي الكفء المتضمن لنفي الشبيه والمثيل، فتضمنت إثبات كل كمال، ونفي كل نقص، ونفي إثبات شبيه له، أو مثيل في كماله، ونفي مطلق الشريك…).
ويُثني الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن - رحمه الله - على جده الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب، ثناءً حسناً؛ لما كان عليه من سلامة المعتقد، وتمام الاتباع للسلف الصالح في باب الأسماء والصفات، فيقول الشيخ عبد اللطيف:
(ولهذا المجدد علامة يعرفها المتوسمون، وينكرها المبطلون، أوضحها وأجلاها وأصدقها وأولاها، محبة الرعيل الأول من هذه الأمة، والعلم بما كانوا عليه من أصول الدين، وقواعده المهمة التي أصلها الأصيل وأسها الأكبر الجليل معرفة الله بصفات كماله، ونعوت جلاله، وأن يوصف الله بما وصف به نفسه ووصفه به رسوله - صلى الله عليه وسلم - من غير زيادة ولا تحريف ومن غير تكييف ولا تمثيل).
8- المحطةُ الثَّامنةُ: شَهَادَاتُ المُنْصِفِينَ مِنْ عُقَلاءِ الغَرْبِيِّينَ عَلَى أَصَالَةِ هَذِهِ الدَّعْوةِ وَنَقَائِهَا:
شَهِدَ المنصفونَ مِنْ عقلاءِ الغربِ بأصالةِ هذه الدَّعوةِ وانتمائِها للحقِّ المبينِ؛ وبِأَنَّها انبثقتْ مِنْ رَحِمَ الإسلامِ العظيمِ: إليه تدعو وعنه تنافحُ، وبأَنَّها لم تكنُ في يومٍ من أَيَّامها صنيعةَ أيدٍ خارجيةٍ أجنبيةٍ.
كَمَا شَهِدُوا كَذَلِكَ بنقاءِ الدَّعوةِ وصفائِها؛ وأَنَّها لَمْ تُلَّوثْ بأيِّ لونٍ من ألوانِ التَّلويثِ من تكفيرٍ للمسلمينَ، أو إراقةٍ لدمائهم، أو غيرِ ذلكَ.
وها نحنُ الآنَ نُلقي الضوءَ على بعضِ هذهِ الشهاداتِ منْ بابِ قولِ القائلِ:
ومليحةٍ شهدت لها ضَرَّاتُها *** والفضلُ ما شهدتْ به الأعداءُ
جاء في «دائرة المعارف البريطانية»: «الحركة الوهابية اسم لحركة التطهير في الإسلام، والوهابيون يتبعون تعاليم الرسول وحده، ويهملون كل ما سواها، وأعداء الوهابية هم أعداء الإسلام الصحيح».
وقال المستشرق الأسباني «أرمانو»: «إن كل ما أُلصق بالوهابية من سفاسف وأكاذيب لا صحة له على الإطلاق؛ فالوهابيون قوم يريدون الرجوع بالإسلام إلى عصر صحابة محمد» - صلى الله عليه وسلم -.
وقال المستشرق «جولدتسيهر» في كتابه «العقيدة والشريعة»: «إذا أردنا البحث في علاقة الإسلام السني بالحركة الوهابية نجد أنه مما يسترعي انتباهنا خاصة من وجهة النظر الخاصة بالتاريخ الديني الحقيقة الآتية: يجب على كل من ينصب نفسه للحكم على الحوادث الإسلامية أن يعتبر الوهابيين أنصاراً للديانة الإسلامية على الصورة التي وضعها النبي وأصحابه؛ فغاية الوهابية هي إعادة الإسلام كما كان»ا. هـ.
وقال بوكهارت: "وما الوهابية- إن شئنا أن نصفَها- إلا الإسلام في طهارته الأولى".
وقال: "لكي نصف الدين الوهابي؛ فإنَّ ذلك يعني وصف العقيدة الإسلامية-؛ ولذا فإِنَّ علماء القاهرة أعلنوا أنهم لم يجدوا أي هرطقةٍ- أي بدعةٍ أو خروجاً عن الدِّين- في الوهابية".
وقال المؤرخ الفرنسي الشهير"سيديو" ما معناه:
"إن انكلترا وفرنسا حين علمتا بقيام محمد بن عبد الوهاب وابن سعود، وبانضمامِ جميع العرب إليهما؛ لأَنَّ قيامهما كان لإحياء كلمة الدِّينِ، خافتا أن ينتبه المسلمون فينضموا إليهما، وتذهب عنهم غفلتهم، ويعود الإسلام كما كان في أيام عمر- رضي الله عنه-؛ فيترتب على ذلك حروب دينية وفتوحاتٌ إسلاميةٌ ترجعُ أوروبا منها في خسرانٍ عظيمٍ؛ فحرضتا الدولة العلية على حربهم، وهي فوَّضت ذلك إلى محمد علي باشا".
ويقولُ بوركهاردت: "ومع هذا فإنَّ الوهابيينَ لم يعلنوا الحربَ على الحكومتينِ القريبتينِ منهم حكومة بغداد في الشمالِ، وحكومة الحجاز في الجنوب، ولم يعتدوا على حقوقهما".
ويقول الراهب هيوجس- رَادًّا على فريةِ انتهاكِ الوهابيةِ للدَّمِ الحرامِ في بيتِ اللهِ الحرامِ-:
"لم يصب المواطنين أي أذى لأجل قداسة الحرمِ، وبعد أن تولَّى الإمارة أهلُ نجدٍ عمرت المساجدُ حتَّى أَنَّ هذا المنظرَ منَ الزُّهدِ والطَّاعةِ لم يُرَ له مثيلٌ في هذا البلد الأمينِ بعد عهد النبوة".
وتقولُ الباحثةُ(نت): "من خلال قراءتي المتعمقة لفكر الشيخ وجدتُ أَنَّ فكره ضد الإرهابِ بكلِّ أشكالهِ ولو كان- رحمه الله - موجوداً بيننا الآن لم يكن ليسعه إلا أن يشجبَ هذه الأعمالَ، أقولُ هذا من خلال فكرهِ الذي تعمقتُ فيه وقرأتُهُ بتبصُّرٍ... لقد علَّمَ الشيخ محمدٌ اتباعَهُ أَنَّ اللهَ هُو إله الرَّحمةِ والعطفِ، ويتوقَّعُ من المسلمينَ أن يكونوا رحماء عطوفينَ في تعاملهم مع غيرهم من البشرِ".
7- المحطةُ التَّاسعةُ: (الأخيرةُ): وفاتهُ- رحمه الله -، وثناءُ العلماءِ عليهِ:
وفي عام (1206ه-) تُوفي الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله -.
قال ابن غنام: "كان ابتداء المرض به في شوال، ثم كانت وفاته في يوم الاثنين من آخر الشهر"وكذا قال عبد الرحمن بن قاسم، ولقد كان للشيخ من العمر نحو اثنتين وتسعين سنة، على اعتبار أن ولادته كانت في سنة (1115هـ)، وتُوفي ولم يُخلِّف ديناراً ولا درهماً، فلم يُوزِّعْ بين ورثته مال ولم يقسم. وقد رثاه الشعراء، وأثنى عليه العلماء.
قال ابن قاسم عن يوم جنازته: "وكان يوماً مشهوداً، وتزاحم الناس على سريره، وصلُّوا عليه في بلدة الدرعية، وخرج الناس مع جنازته؛ الكبير والصغير".
وقد رثاه الشعراء، وأثنى عليه العلماء، وتداول الرسائل فيه المسلمون؛ وممن رثاه من أهل العلم:
الشيخ المؤرخ (حسين بن غنام)، والشيخ الإمام الشوكاني -رحمه الله - عالم اليمن.
فَرَحِمَ اللهُ الشيخَ محمد بن عبد الوهاب، وجزاهُ خيراً عن الإسلام والمسلمين، وإنَّهُ لحقيقٌ أَنْ يُقالَ عنه: إِنَّهُ شيخ الإسلام وإمام المسلمين الَّذي جَدَّدَ اللهُ بهِ الملَّةَ، ورفعَ بهِ لواءَ التَّوحيدِ والسُّنَّةِ.
________________
فهرس المصادر والمراجع
1- آثار الشيخ محمد بن عبد الوهاب (سجل ببليوجرافي، مادة رقم 18، ص 25 ومادة رقم 52).
2- الأسنة الحداد في رد شبهات علوي الحداد، الشيخ سليمان بن سحمان.
3 - الأعلام، الزركلي.
4- الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب في التاريخ، عبد الله بن سعد الرويشد.
5- البيان الواضح لأسرة الشيخ، عبد الله بن إبراهيم بن عبد العزيز آل الشيخ.
6- تاريخ الشيخ ابن منقور، أحمد بن محمد المنقور.
7- تاريخ نجد، حسين بن غنام، تحقيق الدكتور ناصر الدين الأسد.
8- حاضر العالم الإسلامي، تأليف: لوثروب ستودارد، ترجمة عجاج نويهض، تعليق شكيب أرسلان.
9- خواطر حول الوهابية، محمد بن إسماعيل المقدم.
10- الدرر السنية.
11- دعاوى المناوئينَ لدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب- عرض ونقد-، عبد العزيز بن محمد بن عبد اللطيف.
12- الدعوة إلى الإسلام، توماس أرنولد، ترجمة حسن إبراهيم حسن وعبد المجيد عابدين، الطبعة الثالثة عام 1971 م.
13- الرسائل والمسائل النجدية.
14- روضة الأفكار، ابن غنام.
15- الشيخ محمد، الدكتور العثيمين.
16- الشيخ محمد بن عبد الوهاب، أحمد ابن حجر آل بوطامي.
17- صيانة الإنسان...، محمد بشير السهسواني، الطبعة الخامسة- مقدمة محمد رشيد رضا للكتاب.
18- عجائب الآثار في التراجم والأخبار - الجزء الأول، حوادث سنة 1172 ه-، طبع دار الفارس (بيروت) بدون تاريخ.
19- عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية وأثرها في العالم الإسلامي، صالح بن عبدالله بن عبد الرحمن العبود.
20- علماء نجد خلال ستة قرون، ابن بسام.
21- عنوان المجد، ابن بشر.
22- قراءة نقدية لمذهب الشيخ محمد بن عبد الوهاب، حسن فرحان.
23- كشف غياهب الظلام عن أوهام جلاء الأوهام، الشيخ سليمان بن سحمان.
24- لماذا تأخر المسلمون ولماذا تقدم غيرهم، الأمير شكيب أرسلان.
25- مؤلفات الشيخ الإمام (الرسائل الشخصية) تصحيح الفوزان والعليقي، الرياض.
26- مجلة الأصالة- الأعداد (31)، و(32)، و(33) في دراسةٍ قَيِّمةٍ للأستاذ مالك بن حسين - حفظه الله - تحت عنوان: " مذكرات (همفر) في الميزان".
27- مجلة الجامعة السلفية: صوت الجامعة، السنة السادسة، العدد الأول، شعبان عام 1394 هـ.
28- المجددون في الإسلام، عبد المتعال الصعيدي.
29- مجلة راية الإسلام: العدد الأول.
30- مجموعة مؤلفات الشيخ.
31- مجموعة الرسائل والمسائل.
32- محمد بن عبد الوهاب، مسعود الندوي.
33- مصباح الظلام.
34- من أخبار الحجاز ونجد في تاريخ الجبرتي، تلخيص محمد أديب غالب.
35- منهاج التأسيس.
36- محاضرة عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب، الشيخ عبد العزيز بن باز.
37- ندوة تجديد الفكر الإسلامي، ألقيت في قاعة المحاضرات بجامعة الملك سعود، 1402هـ، (مسجلة على أشرطة كاسيت).
38- نديم الأدب، لأحمد بن سعيد البغدادي.
39- الهدية السنية.
انتهى من المحطات
منقول للامانة من شبكة الألوكة