كمثال على ما قد نقع فيه كمسلمين من إشكالات بسبب التراث المتناقض و تعقيدات دعاوى تصحيح العقيدة وفقا لنصوص هذا التراث قضية التعامل مع غير المسلمين... ففي غالب الأحيان يصل النقاش مع دعاة تصحيح العقيدة من سلفيين إلى طريق مسدود بسبب الخلاف الجذري في تصور المسألة... فوقفا للتصور السلفي فالواجب هو بغض هؤلاء و ذلك هو الموقف الإسلامي الصحيح حسب عقيدة الولاء و البراء، و هم في ذلك لا يخترعون شيئا من عند أنفسهم، بل يستدلون عليه بنصوص و تفسيرات و أقوال كثيرين من "أهل العلم" من السلف و الخلف... بالنسبة لهم، كل دعاوى الحوار و التعايش و التسامح و روابط الأخوة بين البشر هو كلام فارغ و مخالف للعقيدة... بالنسبة لهم كل من يرفض عقيدة الولاء و البراء و لا يبغض الكفار و يظهر لهم العداوة فهو ضال منحرف عن العقيدة الصحيحة و متأثر بالفلسفات الغربية المناقضة لروح الإسلام ... القضية هنا كما هو واضح ذات شقين عقائدي و أخلاقي، و أذكر أنني سألت أحدهم إن تعرضت لخطر الموت و أنقذ حياتك شخص كافر خاطر بحياته من أجلك فهل ستبغضه لأنه كافر ، و جوابه كان "نعم"... و هنا معضلة أخلاقية، فالكثير من المسلمين اليوم لديهم أصدقاء و زملاء و جيران غير مسلمين، فهل من العقيدة الصحيحة أن نبغض هؤلاء و أن تبدي لهم العداوة حتى يسلموا؟ هذا الكافر ربما يكون طبيبك أو معلمك أو محاميك أو أي شخص يمكن أن يحسن أو يساعدك بدافع إنساني بحت... لكن تراثك يأمرك أن تبغضه و أن لا تبدأه بالسلام و أن تضطره إلى أضيق الطريق...
لهذا من يعتقد أن العقيدة تستلزم حسن الخلق فهو لا يعي مفهوم العقيدة، فالعقيدة هي مجرد بنود توضع للناس ، لكنها لا تمنحهم بوصلة أخلاقية و لا تقوم ضمائرهم، العقيدة يمكن أن توظف لفعل الخير و لفعل الشر، الفرق الوحيد هو أن الشر الذي نمارسه بإسم العقيدة هو أخطر أنواع الشرور لأننا نقوم به و نحن نعتقد أننا نفعل خيرا...