الفكر الاجتماعي في الحضارات القديمة - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الجامعة و البحث العلمي > الحوار الأكاديمي والطلابي > قسم أرشيف منتديات الجامعة

قسم أرشيف منتديات الجامعة القسم مغلق بحيث يحوي مواضيع الاستفسارات و الطلبات المجاب عنها .....

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

الفكر الاجتماعي في الحضارات القديمة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2010-10-23, 17:12   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
عزة النفس
عضو مشارك
 
الصورة الرمزية عزة النفس
 

 

 
إحصائية العضو










New1 الجزء الخامس

الهند. وبهذا استطاعت الطبقات البراهمية الدينية والغازية صاحبة السيادة والسلطة في عزلة أرستقراطية عن بقية قطاعات البنية الاجتماعية الأمر الذي أظهر النظام الطائفي على أنه أداة تعويق للتطور الاجتماعي، ووسيلة جمود في المجال الحضاري ( ).
الهندوسية:
الهندوسية هي اتباع أو عبادة الإله فيشنو Vishnu أو شيفا Shiva أو الآلهة شاكتي Shakti أو تجسيداتهم أو مظاهرهم أو ازواجهم أو ذريتهم. وهكذا يندرج ضمن الهندوسيين عدد كبير من اتباع عبادة راما وكرشنا Rama & Krishna (وهما تجسيدان لفشنو) واتباع عبادة درجا Darga وسكاندا Skanda وجانيشا Ganesha وهم على الترتيب زوجة شيفا وابناه.
إشعال النار المقدسة: يوجد في البيت الأري نار مقدسة تشتعل منذ بداية إنشائه، أعني خلال حفل الزواج وهي ليست ناراً عادية، ينبغي ألا تستخدم في إعداد الطعام أو الأغراض المنزلية الأخرى، وكذلك ينبغي إشعالها بأنواع خاصة من الخشب، وبطريقة معينة هي حك العصى ببعضها، وينبغي ألا تترك حتى تخمد. ولابد أنه يتقدم رب الأسرة لهذه النار يومياً بقرابين للآلهة بل إنه في الواقع ملزم بالقيام ثلاث مرات في اليوم.
عبادة البراهمان Brahman روح العالم وقوامها تعاليم الفيدا أو تلاوتها، وعبادة آباء بتقديم الطعام والماء لتغذيتهم، وعبادة الآلهة بإحراق القرابين، وعبادة بهوتاس Bhutas (وهي الموجودات الحية أو الأرواح) بنشر الحبوب في الجهات الأربع والمركز وفي الهواء، وعلى أواني المنزل، ووضع الطعام على عتبة الدار للمنبوذين والحيوانات والطيور والحشرات.
وأهم الواجبات التي يلتزم بها رب الأسرة فهي واجبات نحو الآباء أو الأسلاف، فهو ليس ملزماً فقط بأن يقدم القرابين من الماء أوالطعام يومياً إليهم، وإلى روح البيت التي تسكن الركن الشمالي الشرقي من المنزل، بل إن عليه أيضاً أن يقدم لهم البندا Pinda أي كره الأرز Rice – Ball في يوم ظهور القمر الجديد من كل شهر.
وتسمى العناصر الرئيسية في هذا الاحتفال شراذا Shradha ويجلس فقهاء البراهمة في مكان مكشوف. ويفتتح رب الأسرة الاحتفال وينهيه بحرق قرابين للآلهة في النار المقدسة. لكن الحدث الرئيسي هو التقرب للآباء، فهو يصنع ثلاث كرات أرز وتذهب هذه إلى الموتى الثلاثة من أسلافه الأب، الجد، وأب الجد.
وهذه النظرية الخاصة بالشراذا Shradha هي أن يقدم الأحياء الطعام إلى الأسلاف الذين يقطنون (عالم الآباء) ويضفي الأسلاف النعم على أحفادهم الأحياء بمنحهم إياهم النجاح والازدهار والذرية ( ).
وهكذا تكون (شراذا) هذه هي همزة الوصل بين الأحياء والأموات، وهي التعبير عن التعاون المتبادل بينهم. غير أن هذه العلاقة يمكن أن تنقلب رأساً على عقب إذا لم تؤد الطقوس الجنائزية المناسبة للميت، فما لم يستقر أرواح الموتى في عالم الآباء تظل عرضة لأن تصب البلاء على رؤوس نسلها الذين لم يقوموا بإطعامها عن طريق القرابين، أو ضمان انتقالها إلى عالمها المناسب.
قوانين الزواج: ليس الزواج ضرورة مقتصرة على عبادة الأسلاف، بحيث ينبغي على الرجل أن يتزوج لينجب ابناً يواصل العبادة، ويقدم البندا (أقراص الأرز) لكي تستريح روح ابنه، وإنما الزواج ضرورة مطلوبة لذاتها أيضاً، فليس ثمة ما يبرر الاعتقاد بأن الرجل المتزوج هو وحدة القادر على تقديم قرابين الطعام للأسلاف، وعندما يصبح أرملاً فإنه يتخلى لابنه عن رئاسة الأسرة، وعن القيام بدور الكاهن المسئول عن نارها المقدسة ويقرر التقاعد.
فالزواج في النظام الهندي إجباري للجميع، والرجل الأعزب طريد الطبقات ليس له في المجتمع مكانة ولا اعتبار، وكذلك الفتاة إن طال بها الأمد وظلت عذراء بغير زواج على أن الزواج لم يكن يترك لأهواء الفرد يختار من يشاء، فهو لا يستطيع أن يتزوج كيفما اتفق، لأن الزوجة الكفء المساوية في المولد والمنحدرة من أسرة أرية أتمت عملية الترسيم وغيرها من الطقوس، هي وحدها القادرة على ممارسة الطقوس المنزلية دون أن تدنسها، وهي وحدها القادرة على إنجاب الابن الطاهر النقي المؤهل لمواصلة عبادة الأسلاف بعد والده.
قانون الأسرة الهندوسية: رب الأسرة هو كاهن دينها وهذا المنصب وراثي –عبادة الأسلاف فيها- وهذه الخاصية تؤول إلى أولئك الأكفاء القادرين على تقديم القرابين إليه بعد الموت وإلى أسلافه، أي إلى أبنائه المتزوجين قبل غيرهم. وفي حالة نقص النسل في نوع الذكور يؤول الإرث إلى أولئك الذين قدموا (البندا) إلى واحداً أو أكثر من الأسلاف، ذلك لأن الإرث يحمل معه الالتزام بتقديم البندا.
ولهذا السبب فإن البنت لا يمكن أن ترث مادام الذكور وحدهم قادرين على تقديم القرابين ( ).
الأهداف الإنسانية: يتعين على المرء لكي يتم تنظيم حياة الفرد ومؤسسات المجتمع، أن يكون في المقام الأول واضحاً فيما يتعلق بالأغراض الأساسية للحياة. وقد تم إنجاز ذلك في الهند، من خلال بحث الأهداف الرئيسية في الحياة، التي من شأنها أن تسهم في كل من رخاء المجتمع أو تحقق سعادة الفرد.
ولكل إنسان أربعة أهداف أساسية في الحياة (العيش الفاضل، وسائل الحياة، المتعة، تحرير النفس) وهذه الأهداف يكافح للوصول إليها، لأن الإنسان مركب من وجود عضوي وروحي، فإن من الضروري إشباع الحاجات العضوية والروحية.
اليوجا: الطريق إلى ضبط النفس: أساليب ضبط النفس المعروفة باسم اليوجا Yoga وهي ممارسة مطلوبة لتحقيق الحكمة التي من خلالها يمكن القضاء على الجهل الذي يتسبب في الخلط بين الروح والمادة، ويمكن إدراك الطبيعة الجوهرية للذات باعتبارها (الروح).
وتبدأ اليوجا بمجموعة من الأوامر الأخلاقية يقصد بها إعادة توجيه إرادة الشخص وأعماله، فبدلاً من التصرف انطلاقاً من قوى الأنا العمياء، فإن الشخص يتصرف انطلاقاً من التعاطف حيال رضاء الآخرين.
ويستبعد كافة التصرفات التي تؤذي الكائنات الأخرى، وكل الأعمال التي تقوم على أساس الكراهية وسوء النية. والتخلص من النوازع الأنانية للأنا.
وكذلك يتعين تجنب الكلمات التي تؤذي الآخرين والحديث الأجوف والثرثرة الخرقاء، كما يستبعد ما هو ملك الآخر أي لا ترغب فيما يملكه شخص آخر، بل ينبغي القضاء على الرغبة بأسرها في امتلاك الخيرات، حتى ما يدعى بـ (الملكية المشروعة) ويقضي هذا المبدأ بأنه بينما يجوز استخدام كل ما هو ضروري للحياة من قبل أي شخص يحتاجه، فإن مبدأ الملكية نفسه هو تعبير عن الطمع.
كما أن من يمارس اليوجا ينبغي أن يلتزم العفة ولا يمارس النشاط الجنسي، لأن ممارسة الجنس يمثل لوناً من القيد والعبودية.
فممارسة اليوجا تقضي على الدوافع التي تؤدي إلى النشاط المحرم وتقوم بإحلال الحب المفعم بالتعاطف محل الرغبة والكراهية كمنبع أساسي للفعل، فإن من يمارس اليوجا يخطو خطوة أولى رائقة نحو التحرر.
وكذلك فإن ممارسة اليوجا تدفع المرء لأن يكون أكثر روحانية والنقاء الداخلي، فمن يمارس اليوجا يقضي على كل الآثار المترتبة على الأفكار والأفعال السابقة. وكذلك تؤدي ممارسة اليوجا إلى الرضا والقناعة والزهد والتقشف وكبح جماح الشهوات ونكران الذات ( ).
وقد ساد التفكير الهندوسي نزعتان فيما يتعلق بالألوهية، وهما نزعة التعدد أي تعدد الآلهة في المرحلة الأولى حيث عبدوا مظاهر الطبيعة من جبال وأنهار وحيوانات ونار، واعتقدوا أن لهذه المظاهر الطبيعية أرواحاً فجعلوا لكل مظهر من مظاهرها إلهاً يعبدونه، نزعة أخرى مقابلة للنزعة الأولى وهي نزعة الوحدانية، وتلك كانت في المرحلة الثانية من حياتهم، فقد تخلوا عن عبادة الآلهة المتعددة ليعبدوا إلهاً واحداً. أي أنهم جمعوا الآلهة المتعددة في إله واحد ورأوا فيه خالق للعالم وحافظ له ثم يهلكه ويرده إليه في نهاية المطاف، وأطلقوا عليه ثلاثة أسماء فهو (براهما) من حيث هو خالق أو موجود، وهو (فشنو) من حيث هو حافظ، وأخيراً هو (سيفا) من حيث هو مهلك.
فكأن الهندوس قد آمنوا بثالوث مقدس مؤلف من:
براهما: سيد جميع الآلهة وهو القوة الخالقة في الطبيعة.
فشنو: إله الحب ويعاون المصابين ويذود عن الفقراء ويبعث الموتى من القبور.
وسيفا أو شيو: فهو إله الإرادة ولا تظهر عادة إلا في ميادين القتال والمنازعات، فهو يمثل الدمار ويضع نهاية لكل شيء ( ).
الكرما: Karma كلمة سنسكريتية معناها الحرفي (الفعل) وهو من أهم العقائد في الديانة الهندوسية، قانون الجزاء المسيطر على حياة سائر الأحياء، في الكون، ليس لأحد أن يتخلص منه، فالحياة بمثابة حلقة في سلسلة حياة يحياها المرء يحددها فعله في الحياة السابقة.
وهذا القانون هو المسئول عن الثواب والعقاب وإليه يرجع اختيار الصورة التي تتناسخ فيها الأرواح على أساس ارتباط المعلول بالعلة فتناسق الروح تلقائياً داخل إطاره للتلبس بالجسد الجديد الذي تتوافق ملابسات حياته مع الميول الذاتية لهذه الروح ومع أعمالها في دورة حياة سابقة.
تناسخ الأرواح: Transmigration
يرجع اعتقادهم في التناسخ إلى سببين: أولهما أن الروح عندما تفارق الجسد لا تزال على صلة بالعالم المادي بما فيه من شهوات وملذات لم تتحقق بعد، وثانيهما أن النفس خرجت من الجسم وعليها ديون كثيرة لابد من أدائها وأن تتذوق ثمار أعمالها التي قامت بها في حياتها السابقة.
فالأرواح لا تموت ولا تفنى أبدية الوجود، لا سيف يقطعها ولا نار تحرقها ولا ماء يغرقها ولكنها تنتقل من بدن إلى بدن كما يستقبل البدن اللباس إذا بلي وتترمى النفس في الأبدان المختلفة كما يترقى الإنسان من طفولته إلى شباب إلى كهولة إلى شيخوخة، وذلك أن النفس طالبة للكمال مشتاقة إلى العلم بكل شيء، وهذا يحتاج إلى زمن فسيح، ولما كان عمر الإنسان قصيراً كان لابد أن تنتقل النفس من بدن إلى بدن، وفي كل بدن تستفيد تجارب ومعلومات جديدة ( ).
فالأرواح الباقية تتردد بين الأبدان البالية من الأذل إلى الأفضل دون عكسة تترقي النفس في الكمال حتى يتحقق شوقها إلى علم ما لم تعلم، وتستوفي بذلك شرف ذاتها.
وحدة الوجود:
ساد مذهب وحدة الوجود في العقيدة الهندوسية، فهم يوحدون الله والعالم ويزعمون أن كل شيء هو الله، ويردون كل شيء إلى الله ويعتقدون أن براهمان هو الحقيقة الكلية وأن جميع الأشياء الأخرى ليست سوى أعراض ومظاهر لهذه الحياة الحقيقية.
فالحياة كلها مظاهر لتلك القوة الوحيدة الأصيلة (براهما) فالجبال والبحار والأنهار تنفجر من تلك الروح المحيطة المستقرة في الأشياء وليست الروح الإنسانية إلا جزءاً من الروح الإلهية (براهمان) ( ).
الجينية Jainism
من المذاهب الدينية في الهند، واسم الجينية مستمد من كلمة Jina ومعناها القاهر أو المنتصر أو البطل في اللغة السنكريتية، وهو وصف أطلقوه على معلميهم الكبار الذين يسمون (تيرثانكارا) Tirthankara الذين رسموا الطريق إلى الخلاص من التناسخ.
ويعتبر مهافيرا Mahavira مؤسس المذهب الجيني، وعاش مهافيرا حياة الزهد والتنسك وأعلن عن رغبته الشديدة في التخلي عن الملك والألقاب ومتاع الدنيا والدخول في حياة الرهبنة.
الألوهية: أنكر مهافيرا وجود إله ذلك أن الاعتراف بوجود آلهة قد يخلق طبقة براهمة أو كهنة تمارس استبداداً على الناس وقرر أنه لا يوجد روح أكبر أو خالق أعظم لهذا الكون. ولقد ترتب على عدم اعتراف مهافيرا وأتباعه بالإله والآلهة سلبيات كثيرة متعلقة بالعقائد منها عدم قولهم بالصلاة وامتناعهم عن تقديم القرابين.
والكرما تعني عندهم كائن مادي كثيف ينزلق إلى الجسم ويخالط الروح المنيرة بطبيعتها، ويحجب نورها بكثافة، ولا سبيل لتحرير الروح إلا شدة التقشف والحرمان من الملذات، ولكي تتخلص الروح من الكارما يظل الإنسان يولد ويموت حتى تطهر نفسه وتنتهي رغباته ومعها حياته المادية، فيبقى روحاً خالداً في نعيم خالد، وهذا الخلود في النعيم يسمى عندهم النجاة، وهو ما يعادل الانطلاق في الهندوسية والنرفانا في البوذية.
وخلاص النفس وتحريرها من ربقة الجسد، إنما يكون بالزهد والتجرد من الدنيا حتى العري، فالنجاة خلاصة من الجسد، ولذلك كان الانتماء غاية أو جائزة لا يحصل عليها إلا الخاصة، ومن شروط النجاة أو سبيل الوصول إليها وقتها أنه يتحتم على الناسك ألا يوقع أذى بإنسان أو حيوان، فالحياة بكافة أشكالها مقدسة مصونة ولا يجوز الاعتداء عليها، وعلى ذلك يحرم قتل الحيوان، وبالتالي أكل اللحوم.
ومن شروط النجاة قهر جميع العواطف والمشاعر والحاجات لكي لا يحس الراهب بحب أو كره ولا بسرور أو حزن ولا بحر أو برد ولا بخوف أو بحياء ولا بجوع ولا عطش ولا بخير أو شر، ومن أجل طهارة الروح، فضرورة تمسك المريد بالخلق الحميد والإقلاع عن الخلق السيء وتجنب الأذى والضرر لأي كائن حي والتحلي بالفضائل التالية (العفو – الصدق – الاستقامة – التواضع – النظافة – ضبط النفس – التقشف الظاهري والباطني – الزهد – اعتزال النساء – الإيثار – السيطرة على متاعب الحياة وهمومها – القناعة الكاملة – الطمأنينة – الطهارة الظاهرية والباطنية). وكذلك تجنب الكذب – السرقة – الخيانة – الجشع – العنف .. إلخ ( ).
البوذية:
ظل التفكير الاجتماعي الذي ارتبط بالهندوكية مسيطراً في الهند إلى أن بدأت في الظهور تعاليم البوذية التي تنسب إلى جواتاما بوذا مؤسسها في القرن الخامس قبل الميلاد. وبوذا ينتمي إلى عائلة نبيلة هي عائلة جواتما Gautama وأطلق عليه منذ مولده في نيبال حوالي 565 ق. م اسم سيداهارتا Siddahartha وإن كان قد اشتهر مع ذلك بنسبته إلى العائلة التي عاش في كنفها حتى بلغ الخامسة والعشرين من عمره عيشة مليئة بالرفاهية. ولكن فجأة ترك زوجته وابنه وعائلته كلها ليبدأ حياة العزلة والتقشف ليستغرق في النهاية في التأمل تحت شجرة الحقيقة Bo – Tree حيث تكشفت له أصول الدين البوذي ومعالمه، وبزغت في نفسه النيرفانا Nervana التي أدرك في ضوئها أن العالم بكل ما فيه إنما ينتهي مآله للعدم.
ويتمثل الاعتقاد الأساسي في البوذية في أن الذات الإنسانية وشهواتها وملذاتها هي السبب فيما يعيشه البشر من شقاء وألم، فقد انتهى إلى أن الخلاص من كل هذا إنما يتوقف على القدرة على نبذ هذه الذات وملذاتها، وذلك هو السبيل الوحيد للتحرر من الألم المتمثل في سجن تطلعات النفس المادية.
وقد دعت البوذية إلى القضاء على مظاهر المغالاة والتطرف في التفرقة بين الطوائف المختلفة من حيث الحقوق والواجبات والمسئوليات والالتزامات. وفي هذا الصدد نجد له موقفاً محدداً من البراهمية التي وضعت للناس أقدارهم المحتومة، ثم حثت على التقرب للآلهة وطلب المساعدة منها مؤكداً بذلك نظرة جديدة إلى العالم، حيث رأى أنه أزلي أبدي والأفراد والأشياء تولد وتعيش وتفنى لكي تولد من جديد في سلسلة متصلة لا أول لها ولا نهاية، وبذا تبدو الحوادث وكأنها سلسلة من العلل والنتائج التي تتبادل الفعل والتأثير. وهي نظرة تختلف مع ما ذهبت إليه البراهمية التي أكدت على أن الإنسان إنما يفعل الخير خوفاً من أن يستحيل بعد الموت إلى حيوان( ).
ثمة أساس أخلاقي في البوذية لم تلتفت إليه البراهمية يقوم على إدراك الإنسان لحقيقة الدهارما Dharma التي تعني الوسطية في تناول الأمور حتى بين المادية والانغماس في إشباع الغرائز والزهد والتقشف. أو هي بمثابة مبدأ نظري يتجسد في مجموعة من التعاليم التي تقدم للإنسان وسائل الاكتساب عن طريق التعلم والامتثال للقواعد التي تسير بموجبها الحياة الصحيحة.
وقد وضع الإله ياما Yami نظام العالم أو الكرما Karma ليؤكد أن كل إنسان لابد أن يلقى ما يتكافأ مع ما قدمت يداه إن خيراً أو شراً.
ومع أن هناك من يرى أن مثل هذه الفلسفة التي تنطوي عليها الكرما إنما تعكس ملامح نفعية بحتة، وذلك على اعتبار أن الإنسان لاشك سوف يحسب أفعاله في ضوء ما سيعود عليه وعلى الآخرين من خير ومنفعة إلا أن مثل هذه النظرة لا تخلو من مغالاة حيث لا تضع اعتباراً كثيراً لطبيعة الإنسان الاجتماعية.
ولعل الشيء الواضح هو أن البوذية لها موقف خاص من فكرة الآلهة ذاتها، حيث لا نلمح فيها ذلك التقديس والخضوع التام لها، وإنما في الوقت الذي لم تتجاهلها فيه تماماً، فقد أفسحت للإنسان مجالات الفعل والاختيار.
وقد يكون صحيحاً أنها انتهجت في ذلك طرقاً تدور حول مجاهدة النفس وتعتمد على أساليب التقشف والزهد والتأمل، ولكنها وضعت قواعد سلوكية عملية يجب أن يلتزم بها الأفراد لكي يحيوا حياة فاضلة.
فالبوذية ولو أنها سعت إلى ابتعاد الناس عن شئون الحياة الدنيوية، إلا أنها أعلنت في الوقت نفسه مبادئ الإنسانية التي تدعو إلى نبذ الطبقية والقضاء على المزايا الوراثية وهو ما تنطوي عليه الكرما التي تذهب إلى أن الناس قد وجدوا في الأصل متساويين، وقد عملت البوذية على خلاص المجتمع من براثن النظام الطائفي الطبقي عن طريق هذه العقيدة البراهمية التي تزعم أن البراهمي من طبيعة مقدسة وأن المنبوذين يعيشون على هامش الحياة محرومين من كل الحقوق من طبقة دنسة، لذا حرمت عليهم حتى ممارسة الشعائر الدينية، كذلك أوضحت البوذية أن صفات اللاهوتية والقدسية ليست أبداً صفات وراثية أو فطرية تختص بها








 


قديم 2010-10-23, 17:19   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
عزة النفس
عضو مشارك
 
الصورة الرمزية عزة النفس
 

 

 
إحصائية العضو










New1 الجزء السادس

السلالة البراهمية وإنما في استطاعة الإنسان أياً كانت الطائفة أو الطبقة التي ينتمي إليها أن يكتسب مثل هذه الصفات عن طريق ما يكتسبه من فضائل سلوكية وعملية في مقدمتها الوسطية والاستقامة والتأمل والحكمة ( ).
تعاليم بوذا في جملتها تمثل ثورة جذرية على الأسس الاجتماعية التي ارتكزت عليها الديانة البراهمية، تلك الديانة التي أقامت في المجتمع الهندي القديم نظاماً عبودياً ليس له مثيل، وكان أول الآراء التي دعت إليها البوذية هو القضاء على مظاهر المغالاة في التفرقة بين الطوائف من حيث الحقوق والالتزامات، وانتهجت في سبيل ذلك أساليب حول تلك المجاهدات الصوفية والأساليب التقشفية، ومحاولة خلاص الفرد من نزواته وشهواته الملحة، وليس معنى ذلك أن البوذية تعني بالتأملات العقلية والتصورات الميتافيزيقية إنما إذا نظرنا إليها من وجهة نظر تحليلية ألفينا أنها مجموعة من القواعد السلوكية العملية التي يجب علىالفرد التزامها لكي يحيا حياة فاضلة خلواً من الآلام والآثام، والسبيل إلى ذلك هو أن يسلك الفرد سلوك العدل والإخاء بعد التحرر من الشهوات ومن هنا امتزجت البوذية بالآراء الصوفية.
ومن ناحية أخرى، فإن البوذية وإن كانت قد أبعدت الناس عن التفكير في شئون الحياة الدنيوية والحقوق والوجبات الاجتماعية، إلا أنها أعلنت في نفس الوقت مبادئ الإنسانية التي تدعو إلى نبذ الطبقية وتقضي على المزايا الوراثية، فهناك قانون أبدي أطلق عليه مصطلح الكرما Karma ووفق هذا القانون، وجد الناس متساويين في الخلقة والحقوق بقدر مساواتهم في حظوظهم من الآلام، إن الوجود مرتبط بالألم والرغبة في الحصول على أي شيء تنطوي على عنصر الألم لهذه الرغبة، ومن ثم كان القصد في الرغبات والشهوات وسيلة فذة للتقليل من شقاء الحياة وهمومها، وتنتهي هذه الفلسفة السلوكية إلى شبه إنكار للشخصية الإبداعية الإيجابية، وإلى إعلاء لنظرية التوسط والاعتدال في أمور الحياة، ومن هنا جاء التفكير الاجتماعي البوذي ذا طابع أخلاقي سلوكي يعمل على خلاص المجتمع الهندي من براثن النظام الطائفي عن طريق هدم العقيدة البراهمية التي كانت تزعم أن البراهمي من طبيعة مقدسة، وأن السودرا من طبيعة مدنسة يحرمه من ممارسة الحياة الدينية، وأثبتت بالتفسيرات العقلية لأسفار الفيدا Vidas التي يقدسها البراهمية والقوانين المانوية التي تنظم حياتهم الاجتماعية، إن اللاهوتية والقدسية ليست صفة ولادية أو فطرية للسلالة البراهمية، وإن كل الطبقات تتساوى في طبيعتها الحيوية والاجتماعية وإنه في استطاعة أي إنسان أيا كانت الطائفة التي ينتمي إليها أن يكتسب هذه الصفة عن طريق فضائل سلوكية عملية هي الاستقامة والتأمل والحكمة( ).
والجوهر الأساسي لمذهب (بوذا) هو فكرة الألم، فالوجود الإنساني بعيد عن الكمال، وحتى أسعد الناس وأوفرهم حظاً يتعين عليه التسليم بقدر من البؤس أو التعاسة. ولا شك أن هذه الفكرة قد ترسخت لديه منذ الصغر، فقد أحس بما يشوب من نكد وكد وتعب وشعر بما يصاب به الإنسان من مصائب تبليه بالشيخوخة والمرض والموت، ومن ثم أهدته خبرته إلى أن الحياة أساسها الألم ولا تبعث إلا على الحزن، ولا يمكن للإنسان الخلاص منها ما لم يبحث عن علة هذا الألم وأسبابه الحقيقية.
يقول: (أيها الرهبان أو النساك هذه هي الحقيقة المقدسة عن الألم: المولد ألم، والهرم (الشيخوخة) ألم والموت ألم، والاجتماع بغير المألوف ألم، وعدم الحصول على ما يهوى ألم).
لقد بحث بوذا عن علة الألم وأسبابه الحقيقية في الوجود أو العالم فوجدها ترجع إلى كل من الشهوة والجهل. أما الشهوة وخصوصاًَ شهوة الحياة التي تسبب الولادة بعد كل موت، فالجهل يدفع الإنسان إلى حب الحياة والتعلق بمفاتنها وتمعن الشهوة في طلب المزيد من اللذة والشهوة، وعلى من يعرف أن الجهل هو سبب شقائه وعلة عودته إلى الحياة فيجب عليه أن يبحث عن المعرفة الحقة التي تمحو جهله ليخلص من الآلام.
يقول: (أيها الرهبان، هذه هي الحقيقة المقدسة عن مصدر الألم الطمأ، الشهوة، الهوى، الرغبة في التلذذ، فالهوى والشهوة يجران من مولد إلى مولد، ومن ألم إلى ألم).
وسبب الألم هو ميل الإنسان إلى الشر وإلى الملذات الحسية ( ).
ويقوم الطريق النبيل على حقائق مقدسة:
- العقيدة الصادقة (سلامة الرأي) - النية الصادقة (سلامة النية)
- القول الطيب (سلامة القول) - الفعل الحسن (سلامة الفعل)
- العيش السوي (سلامة العيش) – الجهد القيم (سلامة الجهد)
الوعي السليم (سلامة الوعي) – التأمل الصالح (سلامة التركيز)
والإيمان بهذه العقيدة لا يكفي طالما كان سلوك الفرد غير فاضل، ولذلك يجب أن يكون صافي النية، لا يكن للغير أي شراً وحقداً وحسد، يحب خير للجميع ويعمل لخير الغير والآخرين على الدوام، وذلك لا يتحقق ما لم يتجنب الكذب والنفاق والرياء والنميمة والغيبة، يتوخى الصدق في القول ويبعد عن لغو الحديث، فلا يسب أحداً سباً يشين سمعته ويخدش كرامته، كما يجب أن يكون سلوكه فاضلاً لا يأتي بمنكر الأفعال، ولا يعتدي على حقوق الغير ولا يقتل أي كائن حي، ولا يسرق ولا يغش ولا يتعاطى الخمور والمخدرات ولا يزني، أي أن السلوك على نحو أخلاقي يعني سلامة القول وسلامة الفعل، ووسائل الكسب العيش.
ووجد بوذا أن طريق الخلاص لا يمكن للإنسان بلوغه إلا إذا تخلص من النواقص: الوهم – الشك – العمل لكسب القوت – الشهوة الجنسية – الكراهية والحقد – حب الحياة الأرضية – الرغبة في الحياة السماوية – الكبرياء – الغرور.
وقد أحدث بوذا ثورة دينية قلبت الأوضاع الدينية والاجتماعية المألوفة رأساً على عقب، وحارب نظام الطوائف، فلا وجود لطبقة البراهمة أو الكهنة ورجال الدين، وما كانوا يتمتعون به من حظوة ونفوذ وسطوة. فقد نادى بالمساواة بين جميع الأفراد وإنه لا فرق بين الطبقات الثرية والطبقات الدنيا إلا بالجهاد في سبيل تحقيق النرفانا التي لا يمكن الوصول إليها إلا بالجهد الذاتي.
خواطر وتأملات وعظات هندية قديمة من إنجيل بوذا
- العالم مملوء بالشر والعذاب لأنه مملوء بميول الإنسان إلى الشر وبالملذات الحسية، الناس ضائعون ضالون تائهون لأنهم يفكرون بأن الضلال والغواية أفضل بكثير من الحقيقة
- سبب الألم هو ميل الإنسان إلى الشر وإلى الملذات الحسية.
- ارفضوا جشع أنانيتكم تصلوا إلى حالة الفكر الهادئ الذي يصنع الطيبة والرفق والحكمة والتساهل.
- لا تخادعوا، لا تحتقروا ولا تمقتوا بعضكم البعض، وفي أي مكان وجدتم، لا تغضبوا لا تشتموا ولا تهينوا ولا تحقدوا.
- ازرعوا اللطف والعطف والرفق يميناً وشمالاً، وفي كل مكان.
- إن قاعدة الحياة التي هي دائماً الأحسن والأفضل هي الامتلاء بالمحبة، اطرد من قلبك الغضب والحسد والغيرة.
- الشر هو القتل والسرقة والفجور والكذب والاغتيال والحق والإيمان بعقائد باطلة( ).
- الخير هو الامتناع عن القتل والسرقة والفجور والكذب.
- خطايا الجسد الثلاث هي: القتل والسرقة والزنا.
- خطايا اللسان الأربع وهي: الكذب والافتراء والشتم والكلام بالباطل.
- خطايا الفكر الثلاث وهي الطمع والبغض والضلال ( ).
الطريق البوذي
أ- الأخلاق ب- التأمل ج- الحكمة
إن الوصف الأساسي للطريق البوذي هو أنه ذو ثلاث شعاب هي: الأخلاق والتأمل والحكمة، وهي ليست ثلاث مراحل متعاقبة يمر المرء بالواحدة منها تلوا الأخرى، وإنما هي شعاب أو دروب نسير عليها جميعاً في وقت واحد.
أ- الأخلاق: يعبر عن القواعد الأخلاقية الخمس الأساسية – بالنسبة للرهبان ولعامة الناس على حد سواء في صيغة تستخدم بانتظام في العبادات اليومية، ويمكن ترجمتها على وجه التقريب كما يلي، أتعهد بالإحجام عن إلحاق أي أذى بالكائنات الحية، وأن لا آخذ شيئاً لم يعط لي (أي أن أمتنع عن السرقة)، وبأن أمتنع عن الممارسات الجنسية اللاأخلاقية، وعن الكذب، وتناول الخمر والمخدرات التي تذهب العقل.
وهناك درجة أكثر تقدماً في النظام الأخلاقي يتبعها البعض من عامة الناس وتعتمد على مراعاة ثلاثة مبادئ إضافية هي: أن أمتنع عن تناول الطعام بعد الظهر، وأن أمتنع عن الرقص والغناء وألعاب التسلية، وأن أمتنع عن استخدام أكاليل الزهور أو مستحضرات التجميل، وأن لا أتزين بأي نوع من أنواع الزينة، وكذلك الامتناع عن قبول الذهب والفضة والامتناع عن استعمال فراش وثير.
ب- التأمل: السلوك الحق ينبغي أن يصحبه الفكر الحق أو المواقف الحقة، والفكر والعمل مرتبطان بالوجود الحق، لأن تنمية الفكر الحق هي من أول أهداف التأمل.
ج- الحكمة: السمات الرئيسية للحكمة التي أعلنها بوذا هي أن الحياة فانية (والكل زائل) فلا شيء يمكن أن يبقى نفس الشيء أو أن يظل على حاله، فالكون كله الذي يمثل الإدراك الحسي هو في حالة تدفق مستمر والناس لا ينظرون إلى الأشياء على أنها دائمة إلا على سبيل الخطأ ( ).
وتشمل الحكمة كلاً من الفهم الصحيح للأشياء على ما هي عليه، والعزم على السلوك طبقاً لهذا الفهم.
وتكشف الحكمة عن طبيعة الأشياء وأسباب المعاناة، ولكنها لا تتوقف عند هذا الحد، وإنما هي تعبر كذلك عن نفسها في التصميم على قهر المعاناة من خلال تنحية الرغبة الأنانية، ويتضمن هذا التطعيم غرس حب شامل في عمقه ومداه، يكشف عن نفسه في الشفقة واللا أذى، حيث يتم التخلي كلية عن الرغبات الأنانية وسوء النية والكراهية والعنف، عندما نبلغ الحكمة.
والسلوك الأخلاقي هو في آن واحد انعكاس للحكمة والانضباط وشرط لهما، فالشخص الحكيم هو وحده الذي يمكن أن يكون خيراً، والشخص الخير هو وحده الذي يمكن أن يكون حكيماً، وكل من الحكمة والخير يقتضي الانضباط، وبناء على هذا فإن المرء بدأ وينتهي بالأمور الثلاثة بصورة متزامنة، والسلوك على نحو أخلاقي يعني سلامة القول وسلامة الفعل وسلامة كسب العيش.
وسلامة القول تعني بصفة عامة تجنب كل قول يفضي إلى التعاسة واستخدام العبارات التي تجلب السعادة. ويشمل تطبيقه السلبي.
- لا كذب
- لا نميمة ولا اغتياب ولا حديث قد يجلب الكراهية أو الغيرة أو العداء أو الفرقة بين الآخرين.
- لا حديث يتسم بالشدة أو الوقاحة، ولا حديث يشوبه الخبث، ولا أسلوب ينقصه الأدب أو الاحتشام.
- لا ثرثرة نابعة من الكسل أو الخبث أو الحمق.
وسلامة السلوك تعني تجنب القتل أو الإيذاء، والتعفف عن السرقة والغش والنشاط الجنسي غير الأخلاقي وهو على الصعيد الإيجابي يعني أن سلوكيات الفرد ينبغي أن تهدف إلى دعم السلام والسعادة للآخرين.
أما سلامة العيش فهي تمد نطاق مبدأ السلوك الحق إلى المهنة التي يختارها المرء على امتداد حياته، وبناء على هذا فإنها تستبعد المهن التي من شأنها أن تؤذي الآخرين، مثل الإتجار في الأسلحة النارية و الخمور والمخدرات والسموم والقتل والدعارة .. إلخ. وسبل كسب العيش التي تنشر السلام والخير ( ).
مذهب السيخ Sikhism
ولد المعلم الروحي ناناك Nanak عام 1469م، والمكان الحقيقي الذي ولد فيه موضع خلاف، ولكن لا يمكن أن يكون هناك شك في أن والديه ينتميان إلى قرية تلفاندي Talivandi التي تبعد أربعين ميلاً عن جنوب غربي (لاهور) وتعرف الآن باسم ننكانا – صاحب Nankana – Sahub، ولقد قضى ناناك طفولته وشبابه في هذه القرية ولم يتركها إلى بعد أن تزوج وأنجب غلامين.
ثم انتقل ناناك وهو لا يزال شاباً إلى مدينة سلطانبور Sultanpur وفي أواخر عام 1500 غادر هذه المدينة وتبنى حياة الزهاد المتجولين داخل الهند وخارج حدود الهند.
مع بداية أول مؤلف تم تسجيله من كتب السيخ المقدسة نجد فكرة واحدانية الله، فالله عند المعلم (ناناك) واحد، وهو الخالق، المفارق المتعالي الذي يجب أن يرتبط به ارتباطاً وثيقاً أولئك الذين يبحثون عن الخلاص.
ويصف المعلم ناناك الله بأنه الواحد الذي لا شكل له، وهو الأزلي وهو (ما لا يوصف)، والله حاضر في كل مكان وموجود في كل مكان.
طريق الخلاص:
إن العقبة الرئيسية التي تعوق عملية السعي إلى الخلاص هو الوضع البشري، فالناس في ضلالهم واقعون في عبودية العالم، لأن ولاءهم للعالم ولقيمة، وهذا التعلق بالعالم يسجنهم داخل دورة تناسخ لا نهاية لها من الميلاد والموت.
فالناس يسعون إلى تحقيق الخلاص عن طريق التعلق بالقيم الدنيوية، ولذلك فهم ضحايا الوهم الذي يصور لهم أن التعلق بالقيم الدنيوية هو الحقيقة في ذاتها. وهذه الحالة من الضلال أو الوهم تمنع الكشف أو التجلي الإلهي.
وعلى الإنسان أن يتجاوز هذا العالم الدنيوي بنظام العبادات والزهد لكي تجد الروح اتحادها الصوفي بالله، وتبلغ الروح مرحلة الانعتاق باندماجها في الله ( ).

الفلسفة اليونانية
- طاليس:
أدرك طاليس 546 ق. م أن الماء ضروري لحياة الإنسان والحيوان والنبات وإن شيئاً ما لا يمكن أن يثمر أو يتوالد بدون الماء، كما أننا نجد أن البذور الأصلية لجميع الأحياء تحتفظ بقدر من الرطوبة.
ويذكر أرسطو أن طاليس هو القائل: (بأن الماء هو العلة المادية للأشياء جميعاً، وأن الأرض تطفو فوق الماء، وأن للمغناطيس قوة حيوية، وأن العالم مليء بالآلهة).
فما معنى قول طاليس أن الماء هو العلة المادية للموجودات؟ يقصد بذلك الإشارة إلى أن الماء هو المادة الأولى الخام لجميع الأشياء، هذه المادة تتشكل بعد ذلك وتتخذ صوراً أو هيئات مختلفة.
وكأن طاليس يريد أن يصل إلى مبدأ أول مادي يفسر به التغيرات المختلفة التي تطرأ على الظواهر الطبيعية، فرأى أن الماء هو العنصر الوحيد الذي يمكن أن يتخذ أشكالاً مختلفة، فقد يتحول هذا السائل إلى مادة غازية أو إلى مادة جامدة التراب والثلج، ويذكر طاليس أنه رأى بنفسه كيف تتم هذه التحولات في الطبيعة وكيف أن هذه التحولات تبدأ من الماء لتعود إلى الماء، فالماء يتحول بفعل الحرارة إلى بخار، ثم يعود ليتساقط على هيئة مطر، ثم يتحول بعد ذلك إلى تراب يتحول إلى ماء كما نشاهد في الينابيع الأرضية مثلاً، ومن ناحية أخرى فقد أوحت إليه ظاهرة التبخر القول بأن الرطوبة المتصاعدة من البحر على هيئة بخار هي التي تحفظ نار الأجسام الإلهية السماوية( ).
وينسب أرسطو لطاليس قوله: (بأن العالم مليء بالآلهة)، ويفسر أرسطو هذا القول بأن طاليس ربما يعني بذلك أن للعالم نفساً، أو هناك عقل للعالم، فهناك عقل إلهي أوجد الأشياء من الماء، وقد أرجع طاليس الظواهر الكونية إلى أصل واحد على أساس منطقي، والنظر إلى العالم على أنه وحدة متناسقة في الوجود ( ).
انكسمندر: يرى أن الأشياء كلها مستمدة من عنصر أول أوحد، لكن هذا العنصر ليس هو الماء كما ظن طاليس، ولا هو أي عنصر آخر مما نعرف، بل إنه لا نهائي وخالد ولا حدود لزمانه، وهو (يحتوي على العوالم كلها) ذلك لأنه ظن أن عالمنا هذا إن هو إلا عالم واحد من طائفة كبيرة، وهذا العنصر الأول يتحول إلى العناصر المختلفة التي نألفها، ثم تتحول هذه العناصر المألوفة أحدها إلى الآخر، وله في ذلك عبارة هامة تستوقف النظر (إن الأشياء تعود فترتد إلى العنصر الذي منه نشأت، كما جرى بذلك القضاء، لأنها تعوض بعضها بعضاً، ويرضى بعضها، لما وقع منها من إجحاف، كما يقضي بذلك أمر الزمان).
ففكرة العدالة، سواء في ذلك العدالة الكونية والعدالة الإنسانية، قد لعبت دوراً في الفلسفة اليونانية، وقد عبر انكسمندر عن فكرة العدالة بأنه لابد أن يكون هناك نسبة معينة من النار ومن التراب ومن الماء في العالم، لكن كل عنصر من هذه العناصر (وقد تخيلها آلهة) لا يغني عن السعي في سبيل اتساع رقعة ملكه، غير أن ثمة نوعاً من الضرورة أو القانون الطبيعي لا ينفك يرد التوازن إلى حيث كان، فحيث كان نار مثلاً نرى الآن رماداً، والرماد من التراب – هذه الفكرة عن العدالة، والعدالة هنا معناها عدم مجاوزة الحدود المفروضة منذ الأزل، هي من أعمق العقائد اليونانية، وكانت الآلهة خاضعة لحكم العدالة خضوع البشر له.
وكان لانكسمندر حجة يدلل بها على أن العنصر الأول لا يمكن أن يكون ماء ولا عنصر آخر غير الماء مما نعرف لأنه لو كان من هذه العناصر عنصر أولي لاكتسح العناصر الأخرى، ويروي عنه أرسطو أنه قال: إن هذه العناصر المعروفة لنا يعارض بعضها بعضاً، فالهواء بارد والماء رطب والنار حارة، وعلى ذلك فلو كان أحد هذه العناصر لا نهائياً، لزالتا العناصر الباقية قبل اليوم) وإذن فلابد أن يكون العنصر الأولي محايداً في هذا الصراع الكوني( ).
ويقول انكسمندر إن اللامتناهي هو العلة المادية والعنصر الأول في وجود الأشياء جميعاً، ورفض القول بأن اللامتناهي ماء أو أي عنصر آخر، إذ أنه في نظره جوهر مختلف عن كل هذه العناصر. وهذا اللامتناهي أزلي لا زمن له تصدر عنه كل السموات والعوالم الموجودة في هذه السماوات ويوضح انكسمندر أن هناك شيء أزلي لا يفنى هو مصدر الأشياء جميعاً وترجع إليه هذه الأشياء، فهو معين لا ينضب.
والواقع أن موقف انكسمندر تطور طبيعي لفكرة طاليس، لقد رأى انكسمندر أن الماء لا يمكن أن يكون مصدراً لجميع الموجودات، ولابد أن تكون العلة الأولى شيئاً عاماً يقبل التشكلات المختلفة، كما يقبل الأضداد، وإذن فقد قال باللامتناهي السابق على العناصر، أما هذه المادة اللامحدود فإنها تشتمل على الأضداد، ويظل النزاع مستمراً بين هذه الأضداد، إذ أن كلا منها يحاول التغلب على ضده، فيتغلب الحار على البارد في فصل الصيف مثلاً، ويحدث العكس في فصل الشتاء، وينتهي هذا الصراع في الغالب لمصلحة أحد الطرفين لمدة موقوتة ليعود فيتلاشى في المادة الأولى( ).









قديم 2010-10-23, 17:22   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
عزة النفس
عضو مشارك
 
الصورة الرمزية عزة النفس
 

 

 
إحصائية العضو










New1 الجزء الثامن

انكسيمانس: لم يوافق انكسيمانس رأي انكسيمندر على أن الجوهر الأول لامتناه، وقال بل العكس من ذلك بأنه مبدأ محدود معين هو الهواء. ومن هذا المبدأ تصدر الأشياء جميعاً بما في ذلك الآلهة والموجودات الإلهية. وهذا الهواء ليس مرئيا لنا، ولكن البرودة والحرارة والرطوبة تجعل من الممكن رؤيته. والهواء في حركة دائمة لأنه لو كان ساكناً لما حدث تغير ما، واختلافه في الموجودات المتكثرة يكون بفعل التكاثف والتخلخل Coudensation and rarefaction فعندما يتمدد يخلخل ويصبح ناراً، وعندما يتكاثف يصبح رياحاً، وعندما يتبدد يصبح سحباً وإذا ازدادت درجة تكاثفه فوق هذا أصبح الماء تراباً، وإذا تكاثف هذا التراب فوق ذلك أصبح صخراً، وإذن فالتغيرات التي تطرأ على المبدأ الأول هي تغيرات كمية ( ).
والعنصر الرئيسي عنده هو الهواء، فالروح هواء، والنار هواء مخلخل، وإذا ما تكثف الهواء انقلب بادئ الأمر ماء، ثم إذا مضيت في تكثيفه، انقلبت تراباً، وبعدئذ يكون صخوراً، ولهذه النظرية حسنة هي أنها تجعل الفوارق كلها بين العناصر المختلفة اختلافاً في الكمية، يعتمد كل الاعتماد على درجة التكثف.
ومن رأيه أن الأرض تشبه المنضدة المستديرة، وأن الهواء يحيط بكل شيء (فكما أن روح الإنسان لكونها هواء تمسك جسده، فكذلك ترى النفس والهواء يحيطان بالعالم كله، فقد يظهر أن العالم يتنفس)( ).
الفيثاغورية 532 ق.م
الفيثاغورية فلسفة رياضية كونية وطريقة صوفية تؤمن بتطهير الروح من البدن، وتعد اتباعها لحياة التأمل والرياضة الروحية.
والفيثاغورية جاءت في موضعها الصحيح من حلقات تطور الفكر الفلسفي عند اليونان، وذلك أن العقل اليوناني بعد أن اتجه إلى المحسوس الخارجي يتلمس الحقيقة في ثناياه، اكتشف أن هذا المحسوس إنما يخضع لنظام معين، وأن الرياضة هي التي تترجم عن هذا النظام، وكان على الفيثاغوريين أن يقوموا بهذا الدور، وأن يكشفوا ما تنطوي عليه المحسوسات من نظام وترتيب تمثله الأعداد والخطوط، وهنا نجد أن الفلسفة تجاوزت المحسوس إلى نوع من التجريد الوسط وهو التجريد الرياضي.
لقد اختلطت تعاليم الفيثاغوريين الروحية بأرائهم العلمية ونظرياتهم الرياضية، ولكن غلبة الاتجاه الرياضي على اتباع هذه المدرسة جعلت المؤرخين يطلقون اسم (فيثاغوري) على المشتغلين بالرياضيات منهم فحسب، أما التعاليم أو الوصايا الروحية التي عرفت عن هذه المدرسة فأهمها اعتقادهم بوجود نوع من القرابة بين الإنسان والحيوان، ومن ثم فهم يحرمون تقديم القرابين الدموية ويمتنعون عن أكل اللحم، ويذكر بعض المؤرخين أنهم كانوا يمتنعون فقط عن أكل لحم الحملان وثيران الحرث، وما ذبح على النصب من قرابين مقدمة للآلهة.
ومن وصاياهم: امتنع عن أكل البقول – لا تقطف زهرة من إكليل لا تلمس ديكاً أبيض – لا تأكل من رغيف بأكمله – لا تعبر فوق عارضة طريق.
ويبدو من هذه الوصايا أن الفيثاغوريين قد ضمنوا تعاليمهم الكثير من آراء اللاهوتيين ومحترفي السحر في عصر ما قبل الفلسفة.
وكانت الطريقة التي أسسها فيثاغورث تجمع بين حياة التقشف والرياضة الروحية والفكر الرياضي، وكانت عقيدة التناسخ محور تعاليم فيثاغورس وعليها تدور مجاهدات الفيثاغوريين وطقوسهم الدينية ومبادئهم الأخلاقية( ).
ويستهدف الفيثاغوريون من التناسخ تحرير النفس وخلاصها إلى المقام الأعلى حيث السعادة التامة، وذلك بعد سلوك طريق التطهر من الحس.
وقد أشار هرقليطس إلى أن فيثاغورث هو أول من ميز بين أنواع ثلاثة من الحياة: الحياة النظرية، والحياة العملية وحياة التأمل والعكوف على الذات. ومهما كانت صور الحياة التي نحياها إلا أننا يجب أن نسلم بأننا غرباء في هذه الدنيا وأن الجسم الذي يربطنا به إن هو إلا مقبرة النفس ( ).
ويرى الفيثاغوريون أن الحياة مرحلة صعبة ويتعين على كل من يريد أن يجتازها بنجاح، أن يتلقى تدريباً منظماً، وأن يطيل فترات الصمت وأن يستبطن نفسه يومياً ليختبر جوانبها وأطوارها ويقول أفلاطون إن فيثاغورث وأتباعه يرون أن المجهود العقلي هو أسمى صور التطهر، وهو أضمن الطرق لتحرير النفس في حياتهما هذه قبل الموت البدني، وكان الفيثاغوريون يستخدمون الموسيقى والرياضة لشد أزر النفس، وقمع نزوات البدن، ومقاومة المؤثرات الخارجية حتى تسيطر القوى الروحية على الفرد، وتتغلب على كل ما له علاقة بالحس والمحسوس. وقد رتب المتأخرون من الفيثاغوريين لكل من النفس والبدن أساليب خاصة للتطهر من المؤثرات الخارجية. فتطهير النفس يتم بالموسيقى والعكوف على الدراسات العلمية، أما تطهير البدن فإنه يتم بممارسة الرياضة ويلاحظ أن فكرة (الأخوة) التي نادى بها الفيثاغوريون مستمدة من عقيدتهم في التناسخ، ذلك إنهم يرون أن الموجودات كلها بما في ذلك النبات والحيوان والإنسان ترتبط فيما بينها برباط وثيق، وإنه في مرحلة الولادات قد تتقمص النفس جسم حيوان آخر أو إنسان آخر أو نبات مثلاً، وكان من نتائج مذهبهم هذا أن اعتبرت المرأة في جماعتهم مساوية للرجل ولها نفس حقوقه، معاملة العبيد معاملة إنسانية، ومن الناحية الاجتماعية أيضاً نجد أن الفيثاغوريين كانوا لا يميزون بين الأفراد إلا من حيث مواهبهم، فهم يصنفون الناس حسب طباعهم ومميزاتهم، وقد تحقق هذا التدرج بين الناس في التناسخ ( ).
وتميل المذاهب التي أوحى بها فيثاغورس إلى البحث في العالم الآخر، إذ تجعل القيمة كلها لوحدة الله التي لا تراها العيون، وتتهم العالم المرئي بالبطلان والخداع.
وقد أوضح فيثاغورس أن الروح خالدة، وأنها تتحول ضروباً أخرى من الكائنات الحية، وكل ما يظهر في الوجود يعود فيولد في دورة معلومة فلا شيء جديد كل الجدة، وأن كل ما يولد وفيه دبيب الحياة، ينبغي أن ينظر إليه جميعاً نظرتنا إلى أبناء الأسرة الواحدة.
نحن في هذا العالم غرباء، والجسم هو مقبرة الروح، ومع ذلك فلا يجوز لأحد منا أن يلتمس الفرار بالانتحار، لأننا ملك الله، هو راعينا، والناس في هذه الحياة ثلاثة ضروب تقابل الضروب الثلاثة من الناس الذين يفدون إلى الألعاب الأوليمبية فأحط الطبقات جماعة جاءت تبيع وتشتري ويتلوها ارتفاعاً أولئك الذين يتنافسون في المضمار، وخير الناس جميعاً هم أولئك الذين جاءوا ينظرون إلى ما يجري وحسبهم ذلك، وعلى ذلك فأعلى درجات التطهير النفسي هو العلم الذي لا يجعل الهوى أساسه، وإن من يستطيع تكريس نفسه لذلك هو الفيلسوف الحق.
ولذلك فإن التأمل العاطفي الوجداني عند فيثاغورس هو الفهم العقلي الذي يتمثل في المعرفة الرياضية. فالفيلسوف التجريبي عبد لمادته، أما الرياضي البحت فهو كالموسيقى يخلق عالمه بتنسيقه الجميل خلقاً حراً.
فالتأمل العقلي قد أدى إلى خلق الرياضة البحتة، وذلك أدى إلى نجاح الفيلسوف في اللاهوت والأخلاق والفلسفة وهو نجاح لم يكن ليظفر به لولا ما أظهره من نفع في عالم الرياضة( ).
فالرياضة هي المصدر الأساسي الذي عنه تفرع الاعتقاد في حقيقة أبدية مضبوطة، وفي عالم معقول فوق مستوى الحس، فالفكر أسمى منزلة من الحواس، وإن ما ندركه بالتفكير أقرب إلى الحق مما ندركه بالحواس. وكان تأثير فيثاغورس بأن العالم الأزلي ينكشف للعقل ولا ينكشف للحواس ( ).
هرقليطس 540/ 475 ق. م
يرى هرقليطس أن الأشياء في تغير مستمر، وأن القانون العام الذي ينظم الوجود هو التغير وعدم الثبات، والتجدد المستمر، فكل شيء في سيلان مستمر، ولا يوجد شيء باق على الإطلاق، فالإنسان لا يستطيع أن يضع قدمه في نهر واحد مرتين لأن النهر يكون قد تغير بين الخطوتين، ونحن موجودون وغير موجودين، وكما يوجد الواحد من الأشياء جميعاً، كذلك الأشياء تصدر عن الواحد، والله هو النهار والليل، والصيف والشتاء، والسلام والحرب، وهي ماهية الأشياء جميعاً، وهذا العالم لم تصنعه الآلهة أو البشر، ذلك أنه وجد هكذا، وسيستمر هكذا، وهو نار حية. والسبب الذي دعاه إلى القول بأن النار هي العنصر المكون للوجود هو أنها أقل العناصر ثباتا. وهو لا يقصد بالنار هنا اللهيب فحسب، بل أيضاً الدفء والحرارة على وجه العموم، ولذلك فقد سماها (البخار المتصاعد).
وتتكون الأشياء من النار ثم تعود إليها، وهكذا، ولما كان لا يوجد شيء ثابت على الإطلاق، فلا توجد إذن أي صورة باقية، إذ كل شيء في تحول مستمر من حالة إلى ضدها، فالشيء الواحد يتضمن في ذاته الأضداد جميعاً، والصراع قانون العالم، والتنازع أبو الأشياء، وكل ما يتفرق ويتحطم يعود ليلتئم من جديد، ويتحكم القانون الإلهي والقدر والحكمة والبقاء الكلي في كل شيء، ولو أن هناك تغيراً دائماً إلا أن هذا التغير يتم حسب قوانين ثابتة، إذ تتغير الأشياء ثم تعود ثانية. وتمر العناصر الأولية في تحولاتها بثلاثة مراحل أساسية: فمن النار يتكون الماء، ومن الماء يتكون التراب، وعلى العكس يعود التراب فيصبح ماء ثم يصبح الماء ناراً، وجميع الموجودات عرضة لهذا الأسلوب في التغير.
ولكن الموجودات تبدو لنا في الظاهر كما لو كانت ثابتة، ذلك لأنها تتلقى من جانب نفس المقدار الذي تفقده من جانب آخر، ويضرب لنا هرقليطس مثلاً بالشمس فإنها تتجدد كل يوم، فما تفقده بالنهار تتلقاه في الليل نتيجة للأبخرة المتصاعدة من البخار، إلا أنه إذا ما انتهت الأشياء جميعاً إلى النار الأصلية بحيث لا يبقى في العالم سوى النار، فإنه يكتمل دور من أدوار الوجود المتعاقبة، وتتكرر هذه الأدوار إلى مالا نهاية.
والنفس الإنسانية جزء من النار الإلهية، وكلما كانت هذه النار أكثر جفافاً، كانت أقرب إلى الكمال، وإذن فالنفس الأكثر جفافاً هي أحكم النفوس وأفضلها، وعندما تترك النفس الجسم تعود من حيث أتت، إلى عالم النار، ومن ثم فإن المذهب لا يعترف بخلو فردي للنفس مادام هناك تغير مستمر ( ).
أي أن النار هي العنصر الرئيسي، فكل شيء مثل لهب النار يولد بموت غيره، (إن أصحاب الفناء خالدون، والخالدين هم أصحاب الفناء، وكل واحد يعيش بموت غيره ويموت بحياة غيره). وفي العالم وحدة واحدة لكنها وحدة مؤلفة من اجتماع الأضداد (إن الأشياء جميعا ًتخرج من الواحد، والواحد يخرج من الأشياء جميعاً) لكن الكثرة أقل واقعية من الواحد الذي هو الله.
ونزعته الخلقية ضرب من التقشف، فيذهب إلى أن النفس مزيج من نار وماء، والنار منها جانب شريف، والماء جانب وضيع، ويسمى النفس التي رجمت فيها النار نفساً (جافة) إن النفس الجافة أحكم النفوس وأفضلها.
إنه من العسير على الإنسان أن يحارب رغبات قلبه، فكل ما يشتهيه القلب إنما يشترى على حساب النفس، ليس من الخير للناس أن يحصلوا على كل ما يريدون الحصول عليه، أي أن هيرقليطس يقدر القوة إن ظفر بها الإنسان، من سيطرته على نفسه، ويحتقر العواطف التي تصرف الناس عن مطامحهم الأساسية.
ويوضح هيرقليطس فكرة التغير، فكل شيء في تحول دائم، (إنك لا تستطيع أن تخطو مرتين في نهر بعينه، لأن ماءا ًجديداً سيظل دفاقاً عليك)، (إن الشمس تتجدد كل يوم) (إن كل الأشياء تتحول إلى نار والنار تتحول إلى أي شيء)، (إن النار تحيا بموت الهواء والهواء يحيا بموت النار، والماء يحيا بموت التراب، والتراب يحيا بموت الماء).
كما اهتم هيرقليطس بمذهب امتزج الأضداد، فهو يقول: (إن الناس لا يعرفون كيف يعود ما هو متباين التكوين إلى الاتفاق مع نفسه، والأمر هنا عبارة عن اتساق الأنغام الصادرة من أوتار متضادة لنغم القيثارة. إن في العالم وحدة، ولكنها وحدة نتجت عن تباين، فالأضداد تشترك لتنتج حركة الانسجام.
أزواج الأشياء هي أشياء كاملة وأخرى غير كاملة، هي ما ينجذب بعضه إلى بعض، وما ينفصل بعضه عن بعض، هي المتناغم والناشز، إن الواحد متألف من كل الأشياء، وكل الأشياء صادر عن الواحد)، ونراه أحياناً يتحدث كأنما الوحدة أصل التباين؛ (الخير والشر واحد).
(كل الأشياء بالنسبة لله عادلة وخيرة وصحيحة، أما الناس فيرون بعض الأشياء خطأ وبعضها صواباً). (الطريق الصاعد والطريق الهابط هما طريق واحد بعينه).
الله هو النهار والليل والشتاء والصيف والحرب والسلام، والشبع والجوع، لكنه يتخذ أشكالاً عدة، (فإذا لم يكن هناك أضداد يلتئم بعضها مع بعض لما كان هناك اتحاد) (إنه الضد الذي يكون مصدر الخير لنا)( ).
بارمنيدس: 450 ق.م
وإذا كان هرقليطس قد رأى أن الأشياء في حركة دائمة، وأن الأضداد تتمدد لتؤلف الانسجام في الكثرة فإننا نرى على العكس من ذلك أن بارمنيدس كان يقف على النقيض من هذه الآراء فينفي بارمنيدس ومدرسته الكثرة والتغير، ويقول بالثبات والوحدة، ويذهب إلى أن وراء التغيرات الظاهرية توجد ضرورة وقانون ثابت، وأن هناك وحدة ووجود ثابت، وعلى هذا، فالحركة والكثرة ليستا إلا عرضين ظاهريين. وليس ثمة قانون للوجود الحقيقي، غير الوحدة الشاملة والثبات الدائم.
ويرى بارمنيدس أن الوجود موجود ويستحيل ألا يكون موجود، وقد فهم من فكرة الوجود أنها ليست مجرد تصور منطقي بل إنها تشير إلى كتلة الموجودات ذاتها في الماء، أما اللاوجود فلا وجود له في الواقع أو في التصور، فاللاوجود غير موجود ولا يمكن تصوره، ومن هذه القاعدة استمد بارمنيدس مذهبه في طبيعة الوجود، فليس للوجود مبدأ ولا نهاية، لأنه لا يمكن أن يخلق من العدم، أو اللاوجود، وكذلك لا يمكن أن ينتهي إلى العدم، فلم يكن الوجود غير موجود في الماضي ولن ينقطع عن الوجود، بل هو موجود الآن وفي كل وقت بصفة مستمرة، وهو أيضاً غير منقسم لأنه هو في كل مكان، ولا يمكن أن يوجد ما يقسمه، ولا حركة فيه ولا تغير، متشابه الأجزاء، شبيه بشكل كري مستدير له أبعاد متساوية من مركزه إلى جميع جوانب سطحه، والفكر لا يختلف عن الوجود، لأنه ليس إلا فكر الوجود، والإدراك الوحيد الغير متغير في كل شيء. أما الحواس التي ندرك عن طريقها ظواهر الكون والفساد والتغير، هذه الحواس هي مصدر الخطأ. فالحواس تخدعنا، إذ أنها لم تظهر لنا الأشياء كما لو كانت في تغير مستمر، وأنها إلى فناء محقق، بينما الواقع بخلاف ذلك، إذ الوجود واحد ثابت غير متغير ( ).
ويقوم مذهب بارمنيدس على أن الحواس خادعة، ويعتبر كثرة الأشياء المدركة بالحواس أوهاماً لا أكثر، والكائن الحقيقي الوحيد هو (الواحد) الذي هو لا نهائي ولا يقبل الانقسام، وليس هذا الواحد –كما ارتأى هرقليطس- وحدة قوامها الأضداد، لأنه ليس هناك أضداد، فالظاهر أنه رأى مثلاً أن (بارد) معناها غير حار و(مظلم) معناها (غير ذي ضوء) ولا ينظر بارمنيدس إلى (الواحد) نظرتنا نحن إلى الله، إذ الظاهر أنه يتصوره مادياً وله امتداد لأنه يتحدث عنه على أنه كري الشكل، لكنه مع ذلك لا يقبل الانقسام لأنه بأسره موجود في كل مكان.
ويقسم بارمنيدس تعاليمه قسمين يسميها على التوالي (طريق الحقيقة) و(طريق الظن)، ويقول عن طريق الحقيقة (إنك لا تدري ما ليس بموجود –لأن ذلك مستحيل- بل لا يمكنك أن تنطق به، لأن ما يمكن التفكير فيه وما يجوز وجوده في شيء واحد في كلتا الحالتين.
إذن فكيف يمكن لما هو موجود فعلاً أن يصير موجوداً في المستقبل؟ أو كيف يمكن له أن يجيء إلى عالم الموجود؟ إنه لو كان قد جاء إلى عالم الموجود، إذن فليس هو بالموجود، وليس هو بالموجود أيضاً لو كان سيصير موجوداً في المستقبل، وعلى ذلك فالصيرورة تنمحي، وانقضاء الشيء في عالم الماضي يزول الكلام فيه).
(إن الشيء الذي يمكن أن يكون موضوعاً للتفكير، والشيء الذي من أجله يوجد التفكير، هو هو بعينه شيء واحد في كلتا الحالتين، لأنك لن تجد تفكيراً بغير









قديم 2010-10-23, 17:24   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
عزة النفس
عضو مشارك
 
الصورة الرمزية عزة النفس
 

 

 
إحصائية العضو










New1 الجزء التاسع

شيء موجود، يدور حوله الكلام)( ).
ومغزى هذا القول هو ما يأتي: (إنك إذا فكرت، كان تفكيرك عن شيء، وإذا استعملت اسماً فلابد أن يكون اسماً لشيء، وعلى هذا فالفكر واللغة كلاهما يستلزمان وجود أشياء خارجة عنهما، ولما كان في مقدورك أن تفكر في شيء أو تتحدث عنه في أي لحظة، لا فرق بين لحظة وأخرى، فما يمكن التفكير فيه أو الكلام عنه، كائناً ما كان، لابد أن يكون موجوداً في كل آن، وينتج عن ذلك ألا تغير مادام التغير معناه أن الأشياء توجد بعد أن لم تكن، أو ينعدم وجودها بعد أن كانت( ).
- أمبادقليس 440 ق. م
يرى أن العناصر الأربعة التراب والهواء والنار والماء قديمة، لكن العناصر يمكن أن تمتزج بنسب مختلفة فينتج عن امتزاجها المواد المركبة المتغيرة التي نصادفها في العالم، والحب هو الذي يصل هذه العناصر، والبغضاء هي التي تفصلها، وكان الحب والبغضاء في رأي امبادقليس عنصرين أولين يتساويان منزلة مع التراب والهواء والنار والماء، وقد مضت دهور كان الحب فيها صاحب السيادة، ودهور أخرى كانت البغضاء أقوى الجانبين، وجاء عصر ذهبي كان فيه النصر للحب، وعندئذ كان الناس لا يعبدون إلا أفروديت القبرصية. وليست تغيرات العالم مسيرة وفق هدف منشود. لكنها (المصادفة) و(الضرورة) وحدهما هما اللذان يسيرانها، والعالم يسير في دورات متعاقبة، فإذا ما مزج الحب العناصر مزجاً تاما، أخذت البغضاء شيئاً فشيئاً بشنها حرباً من جديد، حتى إذا ما وفقت البغضاء إلى التفرقة بينها، عاد (الحب) فوحد شيئا ًفشيئاً، وعلى ذلك تكون كل مادة مركبة مؤقتة. وليس ثمة من دوام إلا للعناصر ولقوتي (الحب والبغضاء). فالبغضاء لا تسيطر وحدها على العالم بل يعمل الحب إلى جانبها، فينتجان التغير.
وذهب إمبادوقليس إلى أن العالم المادي كروي الشكل، وأنه في العصر الذهبي كان البغضاء خارج الكرة والحب داخلها، ثم أخذت البغضاء تتسلل إلى الداخل فتطرد الحب، وهذه الدورة تتكرر وبهذا يفسر إمبادوقليس التغير في الكون، ودوام الصراع بين التنافز والوئام، ويظهر الواحد تلو الآخر، ويسود السلام والوحدة أحياناً في ظل أفروديت، ثم يتلوها مرة أخرى القتال بسبب مبدأ التنافر.
وبعض الناس يحظى في النهاية بالنعيم الأبدي في رفقة الآلهة، ولعل هؤلاء هم الذين يترفعون عن الخطيئة خلال التجسدات الكثيرة التي تظهر فيها أرواحهم (ولكنهم يظهرون آخر الأمر بين البشر الفاني سنظهر أنبياء وناظمي أناشيد وأطباء وأمراء، وبعدئذ يصعدون آلهة مجدهم الشرف، يقاسمون سائر الآلهة مدفأتهم ويجلسون معهم إلى مائدة واحدة أحراراً من متاعب بني الإنسان، آمنين من بطش القضاء، وبمنجية من الأذى)( ).
مذهب أنبادوقليس هو محاولة التوفيق بين آراء هيرقليطس في التغير المستمر وآراء بارمنيدس في الثبات الدائم، فقد رأى أن الكون والفساد والتغير ليست سوى اتصال وانفصال الجواهر الآلية غير المتغيرة، والتي تختلف عن بعضها من حيث الكيف، ولكنها منفصلة كماً، وهذا لا يعني أنها ذرات إذ هي في حقيقة الأمر العناصر الأولى للموجودات. وكان أنبادوقليس يرى أن العناصر الأربعة الماء والنار والهواء والتراب هي الأصول للأشياء جميعاً، وهذه العناصر لا يتحول أحدها إلى الآخر، ولا تأتلف لتكون عنصراً جديداً، فأي اجتماع لها هو مجرد اختلاط لأجزاء صغيرة تحتفظ بقوامها أو بطبائعها المميزة دون مزج أو اندماج يفقدها خواصها المميزة. وتؤثر الأجسام بعضها في البعض الآخر بأن تخترق أجزاء صغيرة من جسم ما إلى مسام جسم آخر، وإذا توافقت هذه الأجزاء الصادرة من الجسم مع مسام الجسم الآخر، فإنه يحدث جذب بين الجسمين.
مصدر الحركة مبدآن هما سبب انفصال العناصر واتصالها، أحدهما قوة توحيد ووصل وهو المحبة والآخر قوة التفريق أو الفصل وهو الكراهية، والعالم تتعاقب عليه أدوار من المحبة والكراهية إلى مالا نهاية.
ويفسر أنبادوقليس تكوين العالم بواسطة الحركة الدائرية، حيث تنفصل السموات والنجوم والهواء والأرض تدريجياً عن كتلة الوجود الأولى، وذلك بفضل الحركة الدائرية المتصلة. ولأنبادوقليس نظرية في التطور التاريخي للموجودات سواء كانت نباتاً أو حيواناً أو إنساناً، فعنده أن الأطراف الجسمية تكونت أولاً على أشكال منفصلة ثم اجتمعت هذه الأطراف بفعل المحبة واتحدت لتكون أشكالاً ضخمة غير مهذبة.
وقد اعتقد أنبادوقليس بتناسخ الأرواح، وهذه الأرواح تحيا حياة أزلية كلها سعادة وغبطة، ويعتبر الوجود الأرضي نوعاً من العقاب للأرواح التي أسقطت على هذه الأرض.
وقد حرم هذا المذهب أكل اللحم وتقديم القرابين الدموية، وكذلك فقد اعتبر الحرب مظهراً من مظاهر الكراهية وعلى العكس فالسلام مظهر من مظاهر المحبة( ).
أنكساجوراس 500 – 428 ق. م
كان انكساجوراس على العكس من أبنادوقليس مبتعداً عن أي اتجاه صوفي، فقد اتبع طريقة التفسير العقلي المحض، وقد رفض فكرة التفكير الكيفي للأشياء، وفسر الوجود باتصال وانفصال الجواهر الموجودة بالفعل، وعلى ذلك فإن تغير كيفي لن يكون في حقيقة الأمر سوى تغير في التركيب المادي للجوهر.
ورأى أنكساجوراس أن المحبة والكراهية لا يمكن أن يكفيا لتفسير الحركة، لذلك فقد قال بأن هذه الحركة لابد وأن تكون من فعل موجود تسمو معرفته وقدرته على الموجودات جميعاً. وهذا الموجود يحب أن يكون مفكراً ومعقولاً وقادراً، هو العقل Nous وهذا العقل لا يختلط بأي شيء من الأشياء، وهو متميز عن المادة كل التميز، إذ هو موجود بسيط غير قابل للقسمة، بينما المادة مركبة. ووظيفة العقل الأساسية هي تفريق كتلة المادة المختلطة، فهي خليط من عدد لا يحصى من الأجزاء القديمة الغير متغيرة والغير منقسمة، والغير قابلة للعدم.
ويفسر أنكساجوراس وجود الأرض والكواكب بالحركة الدائرية التي لا تنقطع أبداً، ويرجع الفضل إلى انكساجوراس لقوله بمبدأ عقلي متمايز عن المادة، ولذلك فهو يعد أول المتكلمين عن الثنائية الفلسفية بين العقل والمادة، وهو يرى أنه على الرغم من تدخل العقل في عمليات الإيجاد والحركة والتنظيم إلا أن العقل يوجد بنفسه، ولا يختلط بالمادة أصلاً رغم تصرفه في جميع الأجسام، ورغم كونه القوة المحركة والمسيطرة على جميع الأشياء المرتبطة بالعالم كله( ).

وذهب اناكساجوراسي إلى أن كل شيء قابل للانقسام إلى مالا نهاية، وإن أصغر أجزاء المادة لا يخلو من آثار لشتى العناصر جميعاً، وإنما تبدو الأشياء على ما هي تبعاً للعنصر الغالب عليها، فمثلاً كل شيء يحتوي على نار، لكننا لا نسمي الشيء ناراً، إلا إذا كان عنصر النار هو السائد.
وهو يختلف عن أسلافه في اعتبار العقل (ناوس) عنصراً أصيلاً يدخل في تركيب الكائنات الحية جميعاً، فيفرق بينها وبين المادة الميتة، وهو يقول أن في كل شيء جزءاً من كل شيء، ماعدا العقل، وبعض الأشياء يحتوي عقلاً إلى جانب شتى العناصر، وللعقل قوة على كل شيء تدب فيه الحياة، والعقل لا نهائي يحكم نفسه بنفسه ولا يخالطه عنصر آخر، فلو استثنيت العقل وحده، وجدت كل شيء يحتوي على أجزاء من الأضداد جميعاً، كالحار والبارد، والأبيض والأسود.
والعقل مصدر الحركة كلها، فهو يسبب حركة دائرية تنتشر في أرجاء العالم، وتجعل أخف الأشياء ينزاح إلى الحافة، وأثقلها يهوي تجاه المركز، والعقل متجانس، فهو لا يختلف سمواً في الحيوان عنه في الإنسان، وإنما ترجع سيادة الإنسان الظاهر إلى أن له يدين، وكل الفوارق البادية بين درجات الذكاء، إن هي في حقيقة أمرها إلا نتيجة لفوارق في الأجسام.
ولهذا نرى أرسطو وسقراط يأسفان على أن أنكساجوراس قد أدخل عنصر العقل في حسابه، لكنه لم يستفد منه إلا قليلاً، فيذكر أرسطو أن أنكساجوراس لم يجعل العقل عنصراً إلا ليتخذ منه سبباً حين تعز عليه الأسباب، وهو لا يحجم عن تفسير الأشياء تفسيراً آلياً إذا وجد إلى ذلك سبيلاً، وأنكر أن تكون الضرورة والمصادفة أصلية لوجود الأشياء ومع ذلك لا تراه يذكر (تدبيراً إلهيا) في فلسفته عن الوجود، والظاهر أنه لم يفكر طويلاً في أمور الأخلاق والدين، ومن المحتمل أن يكون منكراً للآلهة ( ).
الذريون:
ديمقرطيس : 420 ق. م
يعتقد أن كل شيء مكون من ذرات، والذرات لا تقبل الانقسام من الوجهة المادية، وإن لم تكن قابلة للانقسام من الوجهة الهندسية، ويذهبان إلى أن الذرات يفصلها عن بعض فراغ، وأن الذرات يستحيل فناؤها، وأنها كانت منذ الأزل، وستظل إلى الأبد في حركة دائمة، وأن هنالك من هذه الذرات عدداً لا نهاية له، بل لا نهاية لعدد أنواع الذرات التي يختلف بعضها عن بعض شكلاً وحجماً.
ويقول أرسطو أن الذريين يذكرون أيضاً أن الذرات تختلف في درجة الحرارة، فأشدها حرارة هي الذرات الكرية التي يتألف منها النار، وأنها كذلك تختلف في الثقل، وهنا يقتبس من ديمقطريس العبارة الآتية: (كلما كبر حجم الذرة غير القابلة للانقسام ازداد ثقلها).
وقد أنكر ديمقرطيس صراحة إمكان أن يحدث أي شيء بفعل الصدفة، فقد كان يؤمن بأن كل شيء يحدث وفق قوانين طبيعية (فلا شيء يحدث بلا شيء، بل يحدث كل شيء على أساس وبحكم الضرورة).
وقد أراد الذريون أن يفسروا العالم بغير اعتماد على فكرة الغاية أو العلة الغائية (فالعلة الغائية) لحادثة ما، هي حادثة في المستقبل من أجلها حدثت الحادثة التي نحن بصددها فالسببية لابد لها أن تبدأ من شيء، ومادامت قد بدأت، فلا يمكن أن نلتمس سبباً لذلك الشيء الأول الذي عنده بدأت، فقد تنسب العالم إلى (خالق) لكنك في هذه الحالة نفسها لابد أن تترك (الخالق نفسه) بغير تعليل.
وذهب ديمقرطيس لأن هناك إدراك بالحواس وإدراك بالعقل، والإدراكات التي من النوع الثاني لا تعتمد إلا على الأشياء المدركة، بينما إدراكات النوع الأول تعتمد إلى جانب ذلك على الحواس، لذا فهي معرضة للخداع.
وأوضح ديمقرطيس أن النفس تتركب من ذرات، والتفكير عملية فيزيقية، وليس للكون في رأيه غاية ينشدها، إذ ليس هناك إلا ذرات تسير بمقتضى قوانين آلية، ولم يؤمن بالديانة الشعبية.
وفي الأخلاق اعتبر البهجة غاية الحياة، وعد الاعتدال والثقافة خير وسيلتين تؤديان إلى تلك الغاية، وكره كل ما يتصف بالعنف وحده العاطفة، ولم يشجع على الاتصال الجنسي لأنه ينطوي على طغيان اللذة على الإدراك الشعوري طغياناً ساحقاً، وكان للصداقة عنده قيمة كبرى، لكنه أساء الظن بالنساء ولم يرغب في أن يكون له أبناء، لأن تربيتهم تعطل الفلسفة( ).
كان ديمقريطس مقتنعاً بموقف بارمنيدس في نفي التغير المركب ولكنه أراد










قديم 2010-10-23, 17:43   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
عزة النفس
عضو مشارك
 
الصورة الرمزية عزة النفس
 

 

 
إحصائية العضو










New1 الجزء العاشر

في نفس الوقت أن يفسر حركة الأشياء المركبة، ويبين كيف تأتي إلى الوجود وكيف يبطل وجودها. وقد سلم ديمقريطس بأن الملاء والخلاء معاً هما المكونان الأساسيان للأشياء، وينقسم الملاء عنده إلى أجزاء لا حصر لها، يسميها الذرات أو (الأجسام الكيفية) ولا تستطيع رؤية كل منها على انفراد نظراً لدقة حجمها، ويفصل هذه الذرات بعضها عن البعض الآخر فجوات في الخلاء، ولكل ذرة لا يمكن أن تقبل الانقسام لأنها لا تحتوي على خلاء في تكوينها الداخلي، وهذه الذرات لا بدء ولا نهاية لوجودها، وهي متشابهة في طبيعتها، وتختلف فيما بينها من حيث الشكل والحكم، ولا تقبل من التغيرات سوى تغير الحجم، دون التغير الكيفي، أما الكيفيات المتعلقة بالجسم فهي نتيجة لاختلاف ترتيب الذرات وأوضاعها وأحجامها وأشكالها ويفسر ديموقريطس التغير في الوجود على إنه اتصال الذرات أو انفصالها بالإضافة إلى التغيرات التي تطرأ على أوضاعها وتنظيمها على صورة معينة في الأجسام.
والنفس عند ديمقريطس تتألف من ذرات شبيهة بالذرات النارية في شكلها وحجمها، ذات طبيعة لطيفة، تسري في الجسم كله، وبعد الموت تتبدد هذه الذرات وتتلاشى تركيبها. وعلى الرغم من أن النفس مادية في تكوينها إلا أنها مع هذا أشرف جزء في الإنسان، وهي الجزء الإلهي فيه ( ).


السفسطائيون
وجه السوفسطائيون أنظارهم إلى الإنسان وإلى معرفته، بعد أن كان نظر الفلاسفة موجهًا إلى الموضوع الخارجي، على أن هذا الاتجاه الجديد لا يرجع إلى عامل فكري فحسب، بل يرجع إلى عدة عوامل سياسية واجتماعية نشأت في المجتمع اليوناني في ذلك العهد، فقد كانت الديمقراطية الأثينية قد بلغت أزهى عصورها، وكان لابد للسياسي الديمقراطي من أن يتصف بالقدرة على الجدل والمناقشة ومنازلة الخصوم، والدفاع عن الآراء صحيحها وكاذبها، وأحس السفسطائيون أنهم أجدر الناس بتعليم هذه الصناعة، فتولوا مهمة تدريب الشباب على الجدل لإعدادهم للعمل السياسي، وذلك نظير أجور تختلف بحسب أصل المتعلم وثرائه.
وكذلك فقد كان للحروب المتعاقبة -حروب داخلية وحروب بين اليونان والفرس – كان لذلك أثر كبير في زعزعة ثقة المواطنين بمفهوم (الدولة الإلهية)، وبالإضافة إلى هذا كان اليونان قد اتجهوا إلى كثرة الترحال، فتكونت لديهم ملكة النقد للعادات والتقاليد، وأكدوا على نسبية المعرفة والأخلاق ونسبية العادات والتقاليد.
وقد حاول السوفسطائيون تحقيق غاياتهم بطريقتين، تعليم الشباب، وإلقاء المحاضرات العامة بطريقة مبسطة شعبية، ويعلمون الشباب الخطابة ووسائل التغلب السياسي والبراعة في منازلة الخصوم، وذلك لقاء أجور نقدية.
بروتاجوراس: 481-411 ق.م
وهو القائل بأن الإنسان مقياس الأشياء جميعاً، ذلك لأنه هو الذي يحكم على الموجودات بأنها موجودة، وعلىغير الموجود منها بأنه غير موجود.
وإذا فصلنا هذا القول لبروتاغوراس وجدنا أنه يتضمن دعوى خطيرة، إذ أنه ينقل مشكلة المعرفة من الموضوع إلى الذات العارفة.
وكان بروتاجوراس يرى أن القدرة على التعليل لإقناع الآخرين وإفحام الخصوم تحتاج إلى تدريب وممارسة بالإضافة إلى ضرورة توافر بعض المواهب الطبيعية. فقد كان بروتاجوراس يهتم بالفن الجدلي ويرى أن المهارة والتمرس فيه شرط أساسي للنجاح في الحياة العامة، ولا يتحقق هذا إلا باستخدام جميع الوسائل سواء كانت أخلاقية أم غير أخلاقية( ).
وقد أوضح بروتاجوراس أن القوانين والعادات والأخلاق نسبية، وإن معيار الصحة لهذه النظم والقوانين هو المجتمع الذي تطبق فيه، ولا يمكن أن يطالب الأخلاقيون بمعيار مطلق للخير والشر، كذلك المنطقيون لا يمكن أن يطالبوا بمعيار مطلق للصواب والخطأ. وأخيراً فإن الجماليين ليسوا على صواب في زعمهم بأن لديهم معياراً للجمال والقبح، كذلك هؤلاء الذين يقيمون العدالة لا يستطيعون أن يقولوا أن هناك أساساً مطلقاً للعدالة، فالعدالة كالأخلاق، نسبية، فما هو عدل عند شعب يجوز أن يكون ظلماً عند شعب آخر، وكذلك فإن الدين ليس مطلقاً.
جورحياس 483 – 375 ق.م
وضع ثلاث قضايا رئيسية:
1- لا يوجد شيء على الإطلاق.
2- وحتى إذا وجد شيء فلن يمكن معرفته.
3- وحتى إذا عرف الشيء فلا يمكن إيصال هذه المعرفة إلى الآخرين لأنها معرفة نسبية، لأن اللغة وهي وسيلة إيصال هذه المعرفة ليست مطلقة، إذ اللفظ الواحد تحتمل عدة معان، ومما يجعل من السهل التلاعب بالألفاظ.
وأشار إلى أن جميع الفضائل وكذلك سائر الموجودات نسبية وغير مطلقة، وأشار إلى أن لكل من المرأة والرجل والطفل والمراهق والعبد والحر، لكل منهم فضيلته الخاصة به، فكان ليس هناك مفهوم عام للفضيلة فهي نسبية.
كما أشار كاليكليس بنظرية (الحق للاقوي) وبحسب هذه النظرية تصبح الأخلاق والقوانين من عمل الضعفاء من الناس وهم أغلبية أفراد المجتمع الذين يريدون لهذه القوانين أن يكبحوا جماح الأقوياء، فيطيلوا الكلام عن نظريات العدالة وأساس العرف والقانون والتقاليد وما تحكم به الأخلاق.
كل هذا الغرض واحد وهو السيطرة على الأقوياء وانتزاع الحق والمنفعة والسلطة عن أيديهم، وكذلك أشار كريتاس في أن القانون ما هو إلا أداة شعبية لترويض الأقوياء، أما الدين فليس إلا اختراعاً لبعض الأذكياء وكشفوا فيه عن قوة خفية جبارة لا وجود لها في الواقع ويسمونها بالغيب ( ).
بروتاجوراس 500 ق. م
لفظ (سوفسطائي) لم يكن لها معنى مرذول في أول أمرها، إذ كان معناها أقرب ما يكون إلى ما نعنيه نحن اليوم من كلمة (أستاذ) فقد كان السوفسطائي يكسب عيشه بتعليم الشباب بعض الأشياء التي كان يظن أنها قد تنفعهم في الحياة العملية، ولما لم تكن الدولة عندئذ تخصص من مالها شيئاً لمثل هذا التعليم، فقد جعل السوفسطائيون يعلمون من كان في مقدورهم أن يدفعوا أجور تعليمهم من أموال والديهم، وقد أدى ذلك إلى خلق شعور بالفوارق بين الطبقات.
وقد كانت الديمقراطية هي المذهب الذي ظفر بالنصر السياسي في أثينا وغيرها من المدن إلا أن ذلك لم يحد من ثروة أولئك الذين كانوا ينتمون إلى الأسرات الأرستقراطية القديمة، فقد كان الأغنياء هم الذين يحتضنون الثقافة التي تطلق عليها اليوم الثقافة (الهلينية) إذ كان هؤلاء الأغنياء يتمتعون بالتعليم وبالفراغ، فما كان يسميه اليونان بالديمقراطية لم يؤثر قط في نظام الرق عندهم، ذلك النظام الذي مكن الأغنياء أن يتمتعوا بثرائهم دون أن يرهقوا مواطنيهم من الأحرار.
وفي كثير من المدن –وفي أثينا بصفة خاصة- كان الفقراء يحسون إزاء الأغنياء عداوة مضاعفة عداوة بسبب الحسد وأخرى بسبب الحرص على التقاليد. فقد كانوا يفرضون في الأغنياء أنهم خارجون على الدين والأخلاق، فقد كانوا يقلبون العقائد القديمة رأساً على عقب، وفي هذا المناخ ظهرت جماعة السوفسطائيين لتعلم الناس فنون المهارة الخطابية للدفاع عن أنفسهم ضد التهم التي توجه إليهم مثل تهم الخروج على الدين وإفساد الشباب.
وقد اعترض أفلاطون على السوفسطائيين كيف يتقاضوا أجراً على التعليم، ذلك أن أفلاطون نفسه كان له من ماله الخاص ما يكفيه، والظاهر أنه لم يستطع أن يشعر بشعور أولئك الذين لم يكن مثل حظه، ولم تلجئهم ضرورات الحياة إلى أخذ الأجور.
يضاف إلى ذلك أن السوفسطائيين اختلفوا عن الفلاسفة في أنهم لم يدافعوا عن مذهب معين، ولكن كان هدفهم أن يعلموا الناس فن النقاش، وأن يبينوا لتلاميذهم كيف يمكن أن يدافعوا عن الرأي أو يدحضوه، ولم يكن يعنيهم أن يدافعوا عن آراء معينة يعتنقونها هم( ).
وقد اضطهد بروتاجوراس لخروجه على الدين فيقول: (أما عن الآلهة فلست أراني على يقين من وجودهم أو عدم وجودهم، ولا من شكلهم كيف يكون، ذلك لأن ثمة أشياء كثيرة تعوق المعرفة اليقينية، وهي غموض الموضوع وقصر الحياة البشرية.
ويذهب بروتاجوراس إلى أن الإنسان مقياس كل شيء، فهو مقياس أن الأشياء الموجودة موجودة وأن الأشياء غير الموجودة غير موجودة. ويفسر هذا القول بأنه يعني أن كل إنسان هو مقياس الأشياء جميعاً، وأنه إذا اختلف الناس، فليس هناك حقيقة موضوعية يمكن الرجوع إليها لتصويب المصيب وتخطئ المخطئ، والمذهب في جوهره مذهب متشكك، وهو في أغلب الأحوال مبني على خداع الحواس.
وذهب جورجياس إلى (لاشيء موجود) وأنه إن وجد شيء فليس هو يمكن المعرفة وأنه حتى لو فرضنا جدلاً أن ثمة شيئاً موجوداً، وإن شخصاً ما أتيح له أن يعرفه، فيستحيل عليه أن ينقله إلى الآخرين، ولسنا ندري الآن ما إذا كانت أدلته على رأيه هذا، لكنني أستطيع أن أتصور في وضوح أنها كانت أدلة قوية من الوجهة المنطقية، ألزمت معارضيه إلزاماً أن يحموا أنفسهم بدرع من الدعوة إلى الإصلاح.
إن البحث عن الحقيقة حين يصدر عن إخلاص تام، لابد أن يغض النظر عن الاعتبارات الخلقية، فليس في مستطاعنا أن نقدر مقدماً أن الحقيقة التي نسعى وراءها ستجييء مؤيدة لأهواء الناس في مجتمع معين، وكان السوفسطائيون على استعداد أن يتابعوا الحجاج حيث تسوقهم الحجة، وكثيراً ما ساقهم الحجة إلى التشكك.
وفي الكتاب الأول من الجمهورية يحاج ثراسيماكوس بأنه لا معنى للعدل إلا مصلحة الأقوى، وأن القوانين تسنها الحكومات لمصلحتها، وأنه ليس هناك مقياس موضوعي تلجأ إليه إذا ما نشب نزاع على السلطان. وكذلك اعتنق كالكليز –فيما يروى أفلاطون في محاورة جورجياس- مذهباً شبيهاً بهذا، إذ قال: إن قانون الطبيعة هو قانون الأقوى، لكن الناس أرادوا لأنفسهم راحة البال، فأقاموا من النظم الاجتماعية ومن المبادئ الخلقية ما يشمل القوى ( ).
سقراط:
انتصر سقراط للروح على البدن، واحتقر نعم الحياة الدنيا، وازدراء الترف والخير الأسمى هو الفضيلة وأن الإنسان لا يفقد فضيلته بأسباب خارجية.
ويقرر سقراط بأنه لا يعلم شيئاً، وأنه أحكم من غيره في شيء واحد، وهو علمه بأنه لا يعلم شيئاً غير إنه لا يعتقد أن المعرفة مستعصية على التحصيل، بل هو على عكس ذلك يرى أن البحث عن المعرفة أهم ما يهتم له الإنسان، وهو يذهب إلى أن أحداً من الناس لا يقترف الخطيئة عامداً، ولذا فلا يعوز الناس إلا المعرفة لكي يكونوا جميعاً على فضيلة كاملة.
إن العلاقة الوثيقة بين الفضيلة والمعرفة مما يميز سقراط ( ).
ويتألف المنهج السقراطي من مرحلتين هما مرحلة التهكم ومرحلة التوليد.
أ- أما التهكم فمعناه أن يبدأ سقراط بتوجيه سؤال إلى محدثه ويتظاهر بالجهل والسذاجة وكأنه لا يدري من أمر نفسه شيئاً، وذلك حتى يثير في نفس مجادلة الشعور بالزهو والخيلاء فيحس بأنه أعلى منزلة من سقراط، وأقدر في الرد عليه، ويتراءى له سقراط في هذه اللحظة كرجل ضعيف النظر ضحل التفكير. ولكن شخصيته الحقيقية تبدأ في الظهور حينما يأخذ الخصم في الإدلاء بآراء سقيمة غير متناسقة. وسرعان ما يتناول سقراط –في حرية لاذعة- ما يعرضه الخصم من تعريفات للموضوع. حتى يشعر الخصم بأنه غير قادر على أن يستمر بعد ذلك في مناقشة سقراط فيكتفي بأن يتلقى منه وأن يقف منه موقف الطالب من أستاذه. وعندما ينتهي سقراط من تطهير نفس خصمه من المعارف المشوهة التي تلقاها في المجتمع يبدأ مرحلة جديدة وهي التوليد.
ب- وفي مرحلة التوليد نرى سقراط وهو يعيد بناء المعرفة على أسس جديدة بعد أن طهر نفس محدثه من الأوهام والآراء المزيفة. وقد قيل إن سقراط –باستعماله لأسلوب التوليد- كان يمارس فكرياً الصناعة التي كانت تزاولها والدته، إذ أنه هو أيضاً كان يولد الأفكار من نفوس محدثيه، ومعنى هذا أن الأفكار كانت موجودة في فطرة الناس، أي أن الأطفال يولدون في نفوسهم العلم الفطري، فالعلم عند سقراط أولي سابق على التجربة Aprioi ويقتصر أثر التعلم على المدرسة أو الجدل في السوق على إيقاظ النفس، فيذكرها بهذه المعاني النظرية التي كانت موجودة فيها قبل ميلادها الأرضي، وكانت قد حصلت عيلها من عالم آخر وهو عالم المثل. فالتعلم إذن ليس إلا تذكر. وأما أساليب الجدل المختلفة فهي تساعدنا على استرجاع المعاني وهذا هو معنى توليد سقراط لأفكار محدثيه.
ويشير سقراط إلى خلود الروح، فالخلود هو ثمن حياة النفس الفاضلة على سطح الأرض، وأن هذه النفس حينما تغادر الجسد سرعان ما تغمرها السعادة الدافقة لأنها ستحيا إلى جوار الآلهة في العالم العقلي، فكأن السعادة عند سقراط ليست في هذه الدنيا، ولكنها في عالم عقلي لا يمكن التسليم بوجوده إلا إذا سلمنا بخلود الروح( ).
أفلاطون 427 ق. م
اهتمام أفلاطون لم يكن موجهاً إلى الإنسان كفرد فحسب، بل أيضاً ككائن اجتماعي يعيش في ظل نظام سياسي معين، ولهذا فقد كان من الضروري أن يفسر السلوك الفردي للإنسان، وكذلك الصورة الاجتماعية والسياسية لنشاطه في علاقاته مع الآخرين، غير أن أفلاطون كأستاذة سقراط كان يعتبر النفس أسمى من الجسد، بل يعتبرانها حاصلة على الوجود الحقيقي، أما البدن فوجوده ثانوي وغير مؤكد.
فالنفس أبدية أزلية لبساطتها وعدم فسادها وتذكرها المعاني، وهي تلحق بالجسم في العالم الأرضي، ويرى أفلاطون أن النفس تأتي إلى العالم الحسي وهي طاهرة نقية، وأن هبوط النفوس إلى الأرض يتم حسب ضرورة عالمية، فالجسم مطية مؤقتة للنفس، وهو الذي يعطل قواها الروحية النبيلة ويوجهها وجهة غير أخلاقية لأنه مصدر الشرور والآثام، ولهذا فالنفس تشقى بهذا الوجود الأرضي، وتعود فتحاول الانطلاق من محبسها لتصعد إلى العالم المعقول، ولذلك فإن خير الأفعال هو ما يساعد النفس على الوصول إلى العالم الأسمى وأفضل النظم السياسية هي ما يهيئ النفس لهذه الحياة الروحية ويكفل لها السعادة التي تستهدفها من ممارسة حياة الفضيلة والحكمة.
والفضائل عند أفلاطون أربع، وهي الحكمة والشجاعة والعفة والعدالة، ووظيفة العدالة أن تحفظ النظام والتناسب بين الفضائل الثلاث الأولى. فالحكم فضيلة العقل والعفة فضيلة النفس الشهوانية، وأما الشجاعة فهي وسط بينهما وهي فضيلة النفس العصبية، فإذا ما تحقق التوازن أي العدالة بين قوى النفس وفضائلها حصلت النفس على السعادة.
وهذه العدالة هي حالة باطنية عقلية أخلاقية تتجاوب مع النظام في العالم المحسوس، ويبدو فيها جمال النفس في سيطرتها على شهوات ورغبات الجسد. فأسمى الملذات هي فضيلة العقل أي الحكمة، وفيها يكمن خير الإنسان وسعادته.
فالجسم هو سجن النفس ومحبسها ولا مناص لها من التحرر من أغلاله والانطلاق إلى العالم الأعلى إلا بالتطهر والمجاهدة أي باتزان النفس وممارستها للفضائل والحكمة ( ).
المجتمع الطبيعي وتطوره:
إذا كان السفسطائيون قد ذهبوا إلى أن تكوين المجتمعات الإنسانية إنما تقوم على التعاقد بين الأفراد وليس على أساس طبيعي غريزي، فإن أفلاطون كان يرى على العكس من ذلك أن الإجماع البشري حاجة طبيعية لا تحتاج إلى إرادة التعاقد بين بني البشر، ذلك لأن الفرد لا يمكن أن يحيا إلا في مجتمع سواء كان هذا المجتمع هو الأسرة أم المدينة، والمجتمع المثالي هو الذي يطابق النظام الطبيعي في البساطة والصلاح، ولكن مثل هذا المجتمع لا يوجد لأن المجتمعات تقوم على نظم فاسدة متدهورة. ويقول أفلاطون إن المجتمعات تطورت من البساطة إلى التعقيد، فيقول إن المجتمع الطبيعي كان يتألف من عدة أسر مجتمعة معاً بقصد إشباع حاجاتها الأولية من مأكل وملبس ومسكن، ولكن الإنتاج سرعان ما يتزايد ويتحسن ويصبح أكثر مرونة بفضل تطبيق نظام تقسيم العمل فيشيع التخصص وتتمايز الحرف و المهن، فيظهر في هذا المجتمع البسيط حدادون وصناع الأحذية ونجارون ورعاة، ولكل منهم عمله الخاص به. ولما كان مثل هذا المجتمع لا يستطيع أن يكفي ذاته بذاته من حيث السلع الاستهلاكية، لذلك فهو يتجه إلى الاستيراد، ومن ثم فهو مساق إلى تصدير منتجاته لكي يغطي أثمان ما يستورد من سلع، وتظهر الحاجة حينئذ إلى وسطاء يقيمون سوقاً للتبادل التجاري ويكون نقداً للتعامل على أساسه، وهكذا يظهر التجار صغارهم وكبارهم، ويلزم هذا المجتمع أيضاً طائفة من الإجراء والعمال الذين يساندون المقيمين في عملياتهم بعد أن يتزايد الإنتاج. وكذلك يتطلب الوضع الجديد تشكيل قوة عسكرية من الجنود المحترفين للدفاع عن المجتمع وحمايته من غدر المجاورين له. ويستمر هذا المجتمع في حياته البسيطة ولكن سرعان ما تزداد حاجات الأفراد وتتشعب مطالبتهم، فتحدد أنواع الأطعمة والشراب فيتحول الناس عن الغذاء النباتي، وكذلك تظهر الثياب الفاخرة، والحلي العاجية والذهبية، وتزدهر الفنون الكبرى كالرسم والموسيقى والشعر والمسرح والرقص، ويحتاج الناس إلى الخدم، وهذا التضخم في المطالب يولد رغبة في التوسع وفي إجراء التغيرات السريعة، فتتداخل النظم ويتفشى الفساد نتيجة للتكالب على الرفاهية المبالغ فيها، ويكون نتيجة لذلك أن يتعقد نظام المجتمع ويرى فيه الانحلال ويصبح مجتمعاً غير طبيعي( ).









قديم 2010-10-24, 21:40   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
عزة النفس
عضو مشارك
 
الصورة الرمزية عزة النفس
 

 

 
إحصائية العضو










B12 اعلام

اخي اظن اننا بنفس القسم اخي بشير 14 المهم اتمنى تكون استفدت و الله مالقيت معلومات ليا بقدر مالقيت في موضوعك اتمنى تستفيد و الله معك و محن في الخدمة









قديم 2010-10-24, 21:59   رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
عزة النفس
عضو مشارك
 
الصورة الرمزية عزة النفس
 

 

 
إحصائية العضو










Mh04 طلب

اخي في اي دفعة و اي فوج انت رغم انني احس انني اعرف هاته المعلومات









قديم 2010-10-27, 20:08   رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
boukhari14
عضو مشارك
 
الصورة الرمزية boukhari14
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

انا اخوك بخاري وليس بشير المهم انا في دفعة ب وفوجي 9 بارك الله فيك يا اختي عزة النفس واتمنى لك مشوار جامعي موفق بآذن الله










 

الكلمات الدلالية (Tags)
الاجتماعي, الحضارات, الفكر, القديمة


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 12:35

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc