بسم الله الرحمن الرحيم
أخي أبو الريم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لقد حسمها الإسلام منذ بزوغ شمسه فلا فرق بين بعيد وقريب ولا كبير و صغير ولا غني وفقير ولا ذكر وأنثى ولا ابيض و اسود ولا عربيي و عجمي ألا بالتقوى كلهم تحت شرع الله سواسية كأسنان المشط والإحكام الشرعية تكليفيه وضعية تشمل العالم والجاهل ، فلو سرق العالم والجاهل فالحكم الشرعي فيهما واحد (والْمُسْلِمُونَ تَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ ، وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ ، وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ ، لا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ ، وَلا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ ، مَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا ، أَوْ آوَى مُحْدِثًا ، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ ، وَالْمَلائِكَةِ ، وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : فَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ ، هُوَ الْعَهْدُ الَّذِي إِذَا أَعْطَاهُ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ جَازَ عَلَى جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ ، لَيْسَ لأَحَدٍ مِنْهُمْ نَقْضُهُ ، وَلا رَدُّهُ (. والمسلم أخو المسلم لا يخونه ولا يكذبه ولا يخذله ، كلّ المسلم على المسلم حرام عرضه وماله ودمه، التقوى هاهنا بحسب إمرء من الشرّ أن يحتقر أخاه المسلم لا فرق بين من يعمل في بلاط الملك أو في بلاط الأمير أو عاطل عن العمل ، ليس كل من سكن مكة بتقي ، وليس كل من سكن بعيدا عنها بفاجر، والعكس ، (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِه) ، ولم يعد هناك لبس في الموضوع لأولي الألباب ، وهذا موقفنا ، هذا بخصوص الأشخاص .
أما الأماكن فقد قال الفقهاء على أن الصلاة في المسجد الحرام تعدل مائة ألف صلاة فيما سواه من المساجد؛ لما ورد فيها من أحاديث، منها قوله صلى الله عليه وسلم (صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام)، ويَتَأَكَّدُ وُجُوبُ تَرْكِ الْمَعَاصِي فِي مَكَّةَ الْمُكَرَّمَةَ وَحَرَمِهَا؛ لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ أَشَدُّ فِيهَا مِنْ غَيْرِهَا لقوله تعالى: ( وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) قَالَ مُجَاهِدٌ: تُضَاعَفُ السَّيِّئَاتُ بِمَكَّةَ كَمَا تُضَاعَفُ الْحَسَنَاتُ وَيَجِبُ تَنْزِيهُهَا عَنْ الْقِتَالِ فِيهَا وَيَجِبُ تَنْزِيهُهَا عَنْ حَمْلِ السِّلَاحِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ( لَا يَحِلُّ لِأَحَدِكُمْ أَنْ يَحْمِلَ بِمَكَّةَ السِّلَاحَ). وَيَجِبُ تَنْزِيهُهَا عَنْ دُخُولِ الْكُفَّارِ. قَالَ تَعَالَى: إنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا .
قال ابن مسعود: لو أن رجلاً همّ بخطيئة لم تكتب عليه ما لم يعملها، ولو أن رجلاً همّ بقتل مؤمن عند البيت وهو بعدن أبين أذاقه الله عز وجل في الدنيا من عذاب أليم ، وقال الضحاك: إن الرجل يهم بالخطيئة بمكة وهو بأرض أخرى فتكتب عليه، وإن لم يعملها، وقال مجاهد تضاعف السيئات بمكة كما تضاعف الحسنات، وسُئل أحمد رضي الله عنه هل تكتب السيئة أكثر من واحدة؟ فقال: لا، إلا بمكة لتعظيم البلد، وأحمد على هذا يرى فضيلة المجاورة بها. (والثاني) أن معنى {ومن يرد} من يعمل وقال أبو سليمان الدمشقي: هذا قول سائر من حفظنا عنه. انتهى كلام ابن الجوزي .
وكره بعض العلماء الجوار بمكة، لأنه لما كانت الذنوب بها تتضاعف عقوبتها آثروا السلامة في ترك الجوار بها، مخافة مواقعة الذنوب التي تتضاعف عقوبتها،
وقال أبو بكر بن العربي في (كتابه أحكام القرآن): في قوله تعالى: (ومن يرد فيه بإلحاد بظلم) المعنى: ومن يهم فيه بميل يكون ذلك الميل ظلمًا، لأن الإلحاد هو الميل في اللغة، إلا أنه قد صار في عرف الشريعة ميلاً مذمومًا، فرفع الله الإشكال، وبيّن أن الميل بالظلم هو المراد هاهنا، والظلم في الحقيقة لغة وشرعًا وضع الشيء في غير موضعه، وذلك يكون بالذنوب المطلقة بين العبد ونفسه، وبالذنوب المتعدية إلى الخلق، وهو أعظم ولذلك كان ابن عمر له فسطاطان: أحدهما في الحل، والآخر في الحرم، فكان إذا أراد الصلاة دخل فسطاط الحرم، وإذا أراد الأمر لبعض شأنه دخل فسطاط الحل، صيانة للحرم عن قولهم: كلا والله، وبلى والله، حين عظم الله الذنب فيه، وبيّن أن الجنايات تعظم على قدر عظم الزمان، كالأشهر الحرم، وعلى قدر عظم المكان، كالبلد الحرام، فتكون المعصية معصيتين: إحداهما بنفس المخالفة، والثانية بإسقاط حرمة الشهر الحرام أو البلد الحرام فإن أشرك فيه أحد فقد أعظم الذنب، ومن استحله متعمدًا فقد أعظم الذنب، ومن استحله متأولاً فقد أعظم الذنب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن مكة حرمها الله يوم خلق السماوات والأرض، فهي حرام بحرمة الله لم تحل لأحد قبلي، ولا تحل لأحد بعدي، فإن أحد ترخص فيها بقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولوا: إن الله أذن لرسوله، ولم يأذن لكم) وليس كل من سكن مكة او المدينة او جاور مسجد بمقدس ، ومن اعتقد ذلك فهو جاهل ، وأن هذه الاماكن المقدسة لا تمنح قدسيتها لاحدا كان ( من أبطى به عمله لم يسرع به نسبه)
أذا ما يحدث في بلاط الملك ليس كما يحدث في مكان غيره من الثواب والعقاب !!!!!!!!!
أما اعتقاد البعيد أن أهل مكة لا يخطئون فنقول له على رسلك يا رجل ، فأهل مكة بشر مثلهم مثل غيرهم، وما أهل مكة إلا خليط من كل أرجاء الكرة الأرضية ، ومن جميع المذاهب الإسلامية ، يجتمعون فيها لأداء مناسكهم ، فيهم العالم والجاهل والغني والفقير ، والأبيض والأسود، والعربي والعجمي ، منهم من أتى للعبادة ومن أتى ليشهد منافع دنيوية ، يتشاجرون فيما بينهم ، ويغشون بعض في البيع والشراء ، الا من رحم ربي ، بعيدين كل البعد عن كمال الإيمان كما وصفه الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف ( لا يؤمنُ أحدُكم حتى يحبَّ لأخيه ما يحبُّ لنفسه) وأقرب مثال على اختلاف أجناسهم، تلك الحادثة الأليمة التي حدثت هناك ، فالضحية جزائرية الجنسية ،والجاني يماني الجنسية ،وعامل الفندق بنقلاديشي الجنسية ، فلم يبقى من أهل مكة احد ، كلهم خارج الحرم والخطأ والتقصير مما جبل عليه البشر، والسلامة من ذلك مما لا مطمع فيه لأحد، فقد قال عليه الصلاة والسلام فيما رواه مسلم (والذي نفسي بيده، لو لم تذنبوا لذهب الله تعالى بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله تعالى فيغفر لهم).
إذا لماذا ينظر البعيد إلى أهل مكة على أنهم ملائكية يجب ألا يخطئون ؟
أما الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فقال شيخ الإسلام رحمه الله ، وكذلك الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، لا يجب على كلِّ أحدٍ بعينه ،بل هو على الكفاية ، كما دل عليه القرآن ، فإذا لم يقم به مَن يقوم بواجبه أثم ، كلُّ قادرٍ بحسب قدرته ،إذ هو واجبٌ على كلِّ إنسانٍ بحسب قدرته ، كما قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم ( من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان) والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، من التناصح بين المسلمين ، ولابد أن يحرص الناصح على عدم التشهير في نصحه بالمنصوح له، وهذا آفة يقع فيها كثير من الناس، تراه يخرج النصيحة في ثوب خشن ، ولكن إذا دققت فيها وجدت أنه يقصد التشهير بالمنصوح ، وهذا ليس من أدب النصيحة في شيء وليس من أخلاق المسلمين، وربما أفضى ذلك إلى حصول سوء، أو زيادة شر، ولم تؤت النصيحة ثمرتها المرجوة ، ولابد أن تكون النصيحة في السر، وذلك لأن المنصوح امرؤ يحتاج إلى جبر نقص وتكميله، ولا يسلم المرء بذلك من حظ نفسه إلا لحظة خلوة وصفاء، وهذه اللحظة تكون عند المسارة في السر، وعندها تؤتي النصيحة ثمرتها، ولا يكون الناصح عوناً للشيطان على أخيه، فإن الناصح في ملأٍ يعين الشيطان على صاحبه، ويوقظ في نفسه مداخل الشيطان، ويغلق أبواب الخير، وتضعف قابلية الانتفاع بالنصح عنده ولهذا المعنى فقد حرص سلفنا الصالح رضوان الله عليهم على النصح في السر دون العلن، وفي هذا المقام يقول الحافظ ابن رجب رحمه الله: ( وكان السلف إذا أرادوا نصيحة أحد، وعظوه سراً) حتى قال بعضهم ( من وعظ أخاه فيما بينه وبينه، فهي نصيحة، ومن وعظه على رؤوس الناس فإنما وبخه)
يقول الامام الشافعي :
تعمدني بنصحك في انفرادي ..... وجنبني النصيحة في الجماعة
فإن النصح بين الناس نوع ..... من التوبيخ لا أرضى استماعه
وإن خالفتني وعصيت قولي ..... فلا تجزع إذا لم تعط طاعه
ولا يكون إنكار المنكر الا بعد التأكد من وقوعه ، أو الوقوف عليه بالعين ، أما التعليق على ما تتناقله الصحف والمواقع الالكترونية فيجب ، على المؤمن الحذر من الانسياق خلف هذه الأخبار، فربما لا يعلم صدق مصدرها ، ولا سلامة طوية ناقلها ، فعن حفص بن عاصم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع ) رواه مسلم وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( كفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما سمع ) قَالَ النَّوَوِيّ : فَإِنَّهُ يَسْمَع فِي الْعَادَة الصِّدْق وَالْكَذِب فَإِذَا حَدَّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ فَقَدْ كَذَبَ لإِخْبَارِهِ بِمَا لَمْ يَكُنْ , وَالْكَذِب الإِخْبَار عَنْ الشَّيْء بِخِلَافِ مَا هُوَ وَلا يُشْتَرَط فِيهِ التَّعَمُّد، قد يسمع الإنسان في العادة الصدق والكذب، فإذا حدث بكل ما سمع سيكون فيه بعض تحديثه كذب، وهذا معنى حديث (كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا [ أو إثماً] أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ ) لأنه يسمع الحق والباطل، والصدق والكذب، فإذا حدث بكل ما يسمع فمعنى ذلك أنه سيكون في حديثه كذبٌ ولابد ، ومن حّدث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحديث يُرى أنه كذب، فهو أحد الكاذبين، أو الكاذبَين، قال ابن حبان - رحمه الله – في قوله عليه الصلاة والسلام (كفى بالمرء إثماً) زجر أن يحدث بكل ما سمع ، حتى يعلم علم اليقين صحته ، قال عبد الرحمن بن مهدي - رحمه الله: لا يكون الرجل إماماً يُقتدى به حتى يمسك عن بعض ما سمع ، وعن المغيرة بن شعبة قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم ( إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات ، ووأد البنات ، ومنع وهات ، وكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال ، وإضاعة المال ) رواه البخاري .
قَالَ الْمُحِبّ الطَّبَرِيُّ وفي معني الحديث ثلاثة أوجه أولها : الإِشَارَة إِلَى كَرَاهَة كَثْرَة الْكَلام لأَنَّهَا تُؤَوِّل إِلَى الْخَطَأ .
ثَانِيهَا : إِرَادَة حِكَايَة أَقَاوِيل النَّاس وَالْبَحْث عَنْهَا لِيُخْبِر عَنْهَا فَيَقُول : قَالَ فُلان كَذَا وَقِيلَ كَذَا , وَالنَّهْي عَنْهُ إِمَّا لِلزَّجْرِ عَنْ الاسْتِكْثَار مِنْهُ , وَإِمَّا لِشَيْءٍ مَخْصُوص مِنْهُ وَهُوَ مَا يَكْرَههُ الْمَحْكِيّ عَنْهُ .
ثَالِثهَا : أَنَّ ذَلِكَ فِي حِكَايَة الاخْتِلاف فِي أُمُور الدِّين كَقَوْلِهِ : قَالَ فُلان كَذَا وَقَالَ فُلان كَذَا , وَمَحَلّ كَرَاهَة ذَلِكَ أَنْ يُكْثِر مِنْ ذَلِكَ بِحَيْثُ لا يُؤْمَن مَعَ الإِكْثَار مِنْ الزَّلَل , وَهُوَ مَخْصُوص بِمَنْ يَنْقُل ذَلِكَ مِنْ غَيْر تَثَبُّت , وَلَكِنْ يُقَلِّد مَنْ سَمِعَهُ وَلا يَحْتَاط لَهُ . قُلْت : وَيُؤَيِّد ذَلِكَ الْحَدِيث الصَّحِيح (كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُحَدِّث بِكُلِّ مَا سَمِعَ ) أَخْرَجَهُ مُسْلِم .
بالتأكيد لا يدرك المحكوم ما يدركه الحاكم، لان المحكوم ينظر للأمور من زاوية مصلحة الشخصية، أما الحاكم فينظر للأمور من زاوية مصلحة الأمة ، وقد تكون نظرة الفرد صحيحة مائة في المائة، ولكنها تتعارض مع مصلحة الجماعة ، فقد رفض جل الصحابة رضي الله عنهم صلح الحديبية ، وما كل ما يراه البعيد يكون صحيحا ، وما كل ما تناقله الركبان يكون صوابا ،فأحينا تكون الروية غير واضحة ، والناقل غير ثقة ، وتحكمه مصالح ، والسماء ملبدة بالغيوم، وخلف الأكمة ما خلفها ، قلتي قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ، فأن أصبت فمن الله وأن أخطئت فمن نفسي والشيطان