ثم أرعد المعترض و أزبد , و أتى بجهالات و جاوز الحد , فزعم أننا نقلّد الرجال في المعتقد , و هذا لعمري هو أحق به , فهو المقلّد للجهمية من أمثال الكوثري و أضرابه و السقاف و أشياعه , و لو تنازل و طالع مصنفات الأكابر من أئمة السنة كالإمام أحمد و الإمام البخاري و غيرهما و طالع أقوال أئمة السلف في الكتب العديدة الشهيرة : لعَرِفَ من المقلّد من غيره , أما أهل السنة فهم يتبعون كلام الله تعالى و كلام نبيه صلى الله عليه و سلم على منهج السلف الصالح لا على منهج اليونان و أفراخ الإغريق ممن أغرقوا الدنيا بمصنفات الفلسفة و الزندقة فأخذها هؤلاء فهذبوها و اصطلحوا بإصطلاحتهم و حاكموا الكتاب و السنة على منهاج سنة أرسطو و أفلاطون و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم .
ثم قعقع المعترض بكلام حاصله : أن أهل السنة هم الأشاعرة و الماتريدية ! فيالله العجب ! إن كان هؤلاء أهل السنة فلمَ غيّروا اسمهم الى أسماء رجال ؟ فمن المقلّد الآن ؟ من اتبع سنة المصطفى صلى الله عليه و سلم أم من اتبع رجالا و قلّدهم في المعتقد ؟ فلا حول و لا قوة إلا بالله
و الجواب على هذا الهذيان من وجوه :
الوجه الأول : ان الأشاعرة و الماتريدية لم يكن لهم وجود قبل القرن الرابع الهجري فهل لم يكن للناس إمام يتبعونه حتى ظهر هذا و ذاك ؟ أم كان الناس في ضلال و ينتظرون الأشعري المنتظر و الماتريدي المعتبر ؟ : هل كانوا ينتظرون مقدم الأشعري ليتخذوا كلامه وحيا منزلا من السماء ؟ أم ماذا ؟
و أين هؤلاء من أئمة كبار كالأئمة الأربعة و شيوخهم و أشياخ أشياخهم و أشياخ أشياخ أشياخهم و تلامذتهم و تلامذة تلامذتهم و تلامذة تلامذتهم و من هم في طبقة كل طبقة من هؤلاء ؟ سبحان الرحمن !
و الأشعري كان غارقا في منهج المعتزلة الضال أزيد من أربعين سنة ثم تاب , فهل نتبع من كان مبتدعا لمدة أربعين سنة ؟ أم نتبع من هم أجل منه فقهاً و علماً و إمامةً ؟؟؟
و نحن لا نسب الأشعري و أتباعه بل نرجو له المسامحة و قد ثبتت توبته عندنا إلا أننا لا نقبل بغير عقيدة السلف بديلا و لا لغير سنة الله تحويلاً , فتلك عقيدتنا ورثناها كابراً عن كابر و هؤلاء أئمة الأشاعرة يقرون بأنهم على خلاف عقيدة السلف و الكلام في هذا يطول , و يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق فنقول : قد صرّح الأشاعرة ان مذهب السلف أسلم و مذهبهم أحكم فهذه مباينة بينهم و مذهب السلف , و كلامهم هذا دليل مخالفتهم للسلف و لو شئنا الإطناب في ذكر الفروق بينهم و عقيدة السلف لطال بنا المقام .
الوجه الثاني : إن كان أهل السنة هم الأشاعرة ! و الماتريدية ! فأين إمام أهل السنة أحمد بن حنبل ؟ أم هو مجسم عندكم ؟ أم كان قد قام من قبره فتمذهب للأشعري و نحن لا ندري ؟ يا لله العجب !
الوجه الثالث : وجود جماعة من المنتسبين للأشعري من علماء الحديث لا يغني عن الحق شيئا فهم حُمدوا بإتباعهم للحديث و بهذا اشتهروا أما معتقدهم فإن كان مخالفا للسلف نصرّح بذلك و لا عتب كما قد صرّح جماعة من الأشاعرة بسبّ جماعة من أهل السنة و الأثر و نحن لا نسب و لا نشتم مثله بل نضرب صفحا عن سبابهم و شتائمهم ,,,,,
الوجه الرابع : أن الأشعري نفسه أبان له الله تعالى الحق فذكر انه على نهج الإمام المسدد أبي عبدالله أحمد بن حنبل رحمه الله , فلمَ مخالفة شيخكم في تقرير هذا ؟ و علامَ هذا الخُلف بين الخلف؟
لو كان تصحيح العقائد بالإسماء فنحن نذكر جماعة ممن هم على إعتقاد مخالف للأشاعرة كالإمام مالك و الشافعي، والزهري، والشعبي والتيمي و الليث بن سعد والأوزاعي والثوري وسفيان بن عيينة الهلالي، وحماد بن سلمة وحماد بن زيد، ويونس بن عبيد، وأيوب وابن عوف ونظرائهم. ومن بعدهم مثل يزيد بن هارون، وعبد الرزاق وجرير بن عبد الحميد، ومن بعدهم محمد بن يحيى الذهلي، و أحمد بن حنبل و محمد بن إسماعيل البخاري ومسلم بن الحجاج القشيري، وأبي داود السجستاني وأبي زرعة الرازي، وأبي حاتم وابنه ومحمد بن مسلم بن واره، ومحمد بن أسلم الطوسي، وعثمان بن سعيد الدارمي، ومحمد بن إسحاق بن خزيمة ،و الأزهري , وأبي يعقوب إسحاق بن إسماعيل البستي، و الصابوني و سعد الزنجاني و السجزي الحنفي و الانصاري الهروي و صاعد الأستوائي و اللالكائي و ابن عبد البر الأندلسي و الحافظ البغوي و أبي طاهر السلفي و قوّام السنة الأصبهاني و شيخ الشافعية الفقيه العمراني و سيف السنة السكسكي , و الشيخ عبد الوهاب بن عبد الواحد الشيرازي الشهير بابن الحنبلي و الحافظ الكرجي و الحافظ عبدالغني المقدسي و فخر الدين ابن تيمية و ابن قدامة و أبي اليمن الكندي الحنفي و الضياء المقدسي و السيف بن المجد المقدسي و من بعدهم كشيخ الإسلام أبي عمر المقدسي و مسند الدنيا الفخر ابن البخاري و من بعدهم كابن تيمية و اخوانه و الذهبي و المزي و البرزالي و ابن القيم و ابن عبدالهادي و ابن كثير و برهان الدين ابن القيم و الحريري و ابن المحب الصامت ........الخ و أضعاف أضعاف أضعافهم فهل عقيدة هؤلاء مطعون بها أو مشكوك بها ؟ سبحان الله !
ثم فصّل المعترض في المستحيل و الواجب على الله تعالى و كأنه استعد للطعن في علو الله تعالى بهذا التفصيل الذي لا يفقهه بل أخذه تقليدا عن أشياخه تعصباً لهم و حميةً فقال :
(الواجب هو لا يقبل العقل نفيه كوجود الله سبحانه وتعالى والمستحيل على عكسه ما لا يقبل العقل وجوده كنفي وجود الله سبحانه وتعالى والممكن هو ما يقبل الوجود والعدم كوجودنا ووجود ما سوى الواجب فيقبل الوجود والعدم وما قبل الأمرين سمي ممكنا في نفسه !. )
قلنا له : سلّمنا لك هذا التقسيم فأين نفي علو الله تعالى على عرشه بذاته من هذا التقسيم و قد بيّنا لك في غير ما مشاركة ان علوه تعالى على العرش لا يقتضي شيئا من الهذيان الذي تتفوّه به , بل هو حق مذكور و منصوص عليه من الكتاب و السنة و عليه السلف الصالح قاطبة دون منازعة منهم في ذلك
ثم زعم المعترض أن قولهم باللاداخل و اللاخارج الذي اخترعة ابن سينا و نقله هؤلاء عنه : لا شيء فيه بل هو الحق !!!
قال فيلسوفهم الأكبر الشيخ الرئيس كما يحلو لهم أن يسموه :
إن التحقيق الذي ينبغي أن يرجع إليه في صحة التوحيد عن الإقرار بالصانع موحداً عقد ساعي الكم والكيف والأين والمتى والوضع والتغير حتى يعبر الاعتقاد به أنه ذات واحدة لا يمكن لها شريك في النوع أو يكون لها جزء وجودي كمي أو معنوي ولا يمكن أن تكون خارجة عن العالم أو داخلة فيه ولا بحيث تصح الإشارة إليه أنه هناك. ممتنع إلقاؤة إلى الجمهور)) الرسالة الأضحوية في أمر المعاد ص44-51
فانظر كيف قرر ابن سينا معتقدهم بغاية التقرير و التحرير ! و لو جلسوا ألف سنة قبل أن يطالعوا كلامه هذا لما عرفوا أن يأتوا بمثله !
و قد تهكم عليهم أحدهم فقال في رسالته الوهمية التي أسماها : فتح الطريق في شرح صحيح هرطقة اليونان و الإغريق :
( هذه قاعدة أصيلة لنا معاشر أهل الكلام - أشاعرة و غيرهم - فالله لا يكون داخل العالم و لا خارجه و هذا التقرير تلقيناه عالياً عن شيوخ أشياخنا الأقدمين من حذّاق اليونان و فلاسفة الإغريق ممن ندين بعقيدتهم التي تلقيناها عنهم
و اسمع يا طالب الحق فوائد مما تلقيناه عن ساداتنا و كبرائنا من أئمة الإغريق و اليونان : لا يغرك مجيء الايات و الاحاديث في إثبات الجهة لله , فهذا كله مؤول عندنا و لا يدين بهذه الايات إلا مجسم و حشوي فاحفظ عليك دينك وفقك الله
و كل ما جاء في الكتاب و السنة فحرّفه و أوّله ما استطعت و لا تدع للمجسم عليك من طريق أن يظهر عليك في النقول من الكتاب و السنة , و إذا أتى لك بآية او أحاديث صريحة في التجسيم فحِد عنها و تهرب و أكثر من الولوال و التباكي على مشايخنا و ضم إليك كل من استطعت بالكذب و البهتان , و أن ألزموك مما لا فكاك به من الآيات فقل لهم هذا مجاز مخالف للمعقول و أكثر عليهم من شقاشق المناطقة و الفلاسفة , و عليك بسنة أسلافنا من محققي اليونان و مدققي الإغريق فإننا عليهم عالة فما قالوه هو الحق لا سواه فلا يغرك ما أتي في القرآن و السنة من إثبات الجهة و التحيز و العرض و الجسم
و قد كان شيخنا الرازي ينشر كتب الأئمة : ابن سينا و أرسطو - و لعله نشر كتب أفلاطون فلم يصلنا خبره - في بلده الري و يعترف بوفرة علمهم و دقيق فهمهم و شفيف رأيهم
إن عرفتَ هذا : فالزم ما تلقيناه من عقيدة اللاداخل و اللاخارج عن شيخ الشيوخ الرئيس ابن سينا
) اهـ بإختصار
و هذا كلام متين لا مخلص لهم منه فقد شرح مذهبهم بغاية المتانة , و هؤلاء لا يصلح لتربيتهم إلا هذا , و ينبغي ذكر أصول اعتقادهم و انهم تلقوه عن ابن سينا و أضرابه ليعرف الناس حقيقة قولهم و والله و بالله و تالله ان عقيدتهم اللاداخلة و اللاخارجة هذه لن يستطيعوا إسنادها للكتاب أو السنة أو السلف الصالح أبدا أبدا أبدا لأنها من إختراع فلاسفة اليونان و زنادقة الإغريق
ولا راحة للقلب إلا بالتسليم لمقتضى جميع النصوص من الكتاب والسنة وتصديق بعضها ببعض وعدم إساءة الظن بها أو ضرب بعضها ببعض، ثم ترك التنقير فيما لا تطيقه العقول.
نسأل الله الهداية لهؤلاء فإنهم و الله في ضلالهم يعمهون
ثم أتى المعترض بهذيان لا يُصدق حين زعم أن خارج العالم يعني حلول الله في السماء ! ألستَ تزعم ان خارج العالم هو كل ما سوى الله تعالى ؟ فكيف تقول بأن الخارج هو الحلول ؟ كلام لا يصدر إلا عن مقلد يهرف بما لا يعرف !
ثم أتى بطامة أخرى فزعم ان مباينة الله للعالم – أي ان الله تعالى خارج العالم – يقتضي المشابهة ! فيالله العجب ! من أين استنتجت هذا ؟ هل تقرر ان وجود الله معنوي عندك إذن ؟؟؟
و الله ان تضييع الأوقات في تعليم ناشئة الأشاعرة عقيدتهم : خسارة في الجهد و الوقت و لكن على الله أجرنا !
يا يونس : ألم تقرر في نفسك ان العالم هو كل ما سوى الله تعالى ؟ فكيف يكون الله تعالى خارج العالم و حالا فيه ؟ أليست السماء من ضمن العالم عندك أم ماذا ؟ فكّر قليلا يا بني , فإنك تأتي بطامات لو سمعها الرازي لعضّ يديه متأوها منك و من كلامك الأجوف !
يا بني : قد قررنا لك في مشاركات سابقة تهربتَ منها : ان أهل السنة لا يقولون بحلول الله تعالى في السماء بل عقيدتهم بكل بساطة : ان أي مخلوق هو الأعلى عندكم فالله تعالى فوقه بما يليق بجلاله و لا يعني هذا مشابهة علو المخلوقات على المخلوقات فهذا لا يقوله إلا جاهل ضال مبتدع , بل هو علو يليق بجلاله لا نكيّفه بشيء و على هذا الكتاب و السنة و فهم سلف الأمة قاطبة
ثم أنك كذبتَ و زعمت ان شيخ الإسلام : قرر قدم العالم ! و قد أبطلتُ هذه الفرية في موضوعك عن الشيخ رحمه الله و لم ترد الى الان ! فلماذا هذا البهت يا يونس ؟ أما تخاف الله تعالى ؟
و تقرير مسألة حوادث لا أول لها موجود بتمامها في موضوعك عن الشيخ و عقائده فراجعه تستفد بإذن الله
أما قولك اننا نقرر حدوث الله تعالى : فعياذا بالله من ذلك ! فما قررناه و ما قلناه و من افترى علينا ذلك فالله حسيبه
بل نقول ان الله تعالى استوى على عرشه بعد خلق السماوات و الأرض و قد ذكر الله تعالى ذلك في محكم الكتاب العزيز ! و قال شيخ المفسرين ابن جرير الطبري في تفسيره :
وقوله فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ) قيل: كان ابتداء ذلك يوم الأحد، والفراغ يوم الجمعة( ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ ) يقول: ثم استوى على العرش الرحمن وعلا عليه، وذلك يوم السبت فيما قيل.
و قال في موضع اخر :
القول في تأويل قوله تعالى : { اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ (4) }
يقول تعالى ذكره: المعبود الذي لا تصلح العبادة إلا له أيها الناس( خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا ) من خلق(فِي سِتَّةِ أيَّام) ثم استوى على عرشه في اليوم السابع بعد خلقه السموات والأرض وما بينهما.
فانظر الى كلامه و اترك عن الغي و عِ !!
يتبع,,,,,