![]() |
|
في حال وجود أي مواضيع أو ردود
مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة
( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .
آخر المواضيع |
|
أخـ (تـ) ـي التوحيد والعقيدة أول ما يبدأ به المسلم .. جددوا عقيدتكم معنا بإذن الله.
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
![]() |
رقم المشاركة : 1 | ||||
|
![]() السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
تقبل الله صيامكم و قيامكم بارك الله فيك أختي على الموضوع الرائع الذي يعالج أهم شيئ في حياة المسلم واصلي و الله الموفق ان شاء الله و جزاك الله خير الجزاء و أسكنك الفردوس الأعلى من الجنة و انصح الجميع بقراءة كتب العلامة ابن تيمية و ابن القيم و الألباني و ابن باز و العثيمين كما أنصحكم و نفسي بقراءة كتاب اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم لأنه بالفعل كتاب أكثر من رائع و جد مفيد
|
||||
![]() |
رقم المشاركة : 2 | ||||
|
![]() اقتباس:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته:
وفيك بارك الله أختي جزاك الله خيرا على النصيحة، نسأله عز وجل أن يعيننا وإياكم على كل ما هو خير لنا في ديننا وأخرانا |
||||
![]() |
رقم المشاركة : 3 | |||
|
![]() 5/ الشهادتان السائلة من الأردن تقول يا فضيلة الشيخ محمد ما هي شروط لا إله إلا الله وضحها لنا يا شيخ. فأجاب رحمه الله تعالى: لا تحتاج إلى شروط توضح واضحة بنفسها لا إله إلا الله يعني لا معبود حق إلا الله يجب أن يشهد الإنسان بذلك بقلبه ولسانه وجوارحه. فبقلبه يعتقد اعتقاداً جازماً أنه لا معبود حق إلا الله، وأن جميع ما يعبد من دون الله فهو باطل، كما قال تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) (الحج: 62). ثانياً: أن يقول ذلك بلسانه ما دام قادراً على النطق؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (حتى يشهدوا ألا إله إلا الله). فلابد من النطق لمن كان قادراً عليه، أما الأخرس فيكتفى باعتقاد قلبه. ثالثا :ً لابد من تحقيق هذه الكلمة، وذلك بالعمل بمقتضاها، بأن لا يعبد إلا الله، وأن لا يصرف شيئاً من أنواع العبادة لغير الله، فمن أشرك بالله ولو شركاً أصغر فإنه لم يحقق معنى قول: لا إله إلا الله، ومن تابع غير الرسول عليه الصلاة والسلام مع مخالفته للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإنه لم يحقق معنى لا إله إلا الله، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يكتفي بقول: لا إله إلا الله، حتى فيما يظن الإنسان أنه قالها غير مخلص بها، لحق أسامة بن زيد بن حارثة رجلاً مشركاً، فلما أدركه قال الرجل: لا إله إلا الله، فظن أسامة أنه قال ذلك خوفاً من القتل، فقتله، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال لأسامة: (أقتلته بعد أن قال: لا إله إلا الله)؟ قال يا رسول الله إنما قالها تعوذاً ! فجعل يكرر الرسول صلى الله عليه وسلم ويقول: (ما تفعل بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة)؟ يقول: حتى تمنيت أنني لم أكن أسلمت من قبل. فلهذا نقول: لابد من النطق بها باللسان، والعمل بمقتضاها بالأركان، والاعتقاد بمعناها ومدلولها في الجنان، أي: في القلب. *** السائل من السودان ع. أحمد يقول في هذا السؤال : ما هي شروط كلمة التوحيد لا إله إلا الله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: كلمة التوحيد لا إله إلا الله أولاً لا بد أن نعرف ما معناها؟ معناها: لا معبود حقٌ إلا الله، هذا معناها، فكل ما عبد من دون الله من ملكٍ ونبيٍ ووليٍ وشجرٍ وحجر وشمسٍ وقمر فهو باطل؛ لقوله تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ). هذا معنى هذه الكلمة العظيمة، وهي مبنية على ركنين: نفي وإثبات، نفي الألوهية عما سوى الله، وإثباتها لله، وبهذا يتحقق التوحيد، أي: باجتماع النفي والإثبات يتحقق التوحيد، ووجه ذلك أن النفي المحض الذي لا يقترن بإثبات نفيٌ محض فهو عدم وأن الإثبات المحض الذي لا يقترن بالنفي إثباتٌ لا يمنع المشاركة، فلا يتحقق التوحيد إلا بإثبات ونفي: نفي الحكم عما سوى من أثبت له، وإثباته لمن أثبت له، وهذان الركنان هما الأصل. أما شروطها: فلا بد أن تكون صادرةً عن يقين وعلم، يقين لا شك معه، وعلمٍ لا جهل معه، ولا بد لها من شروطٍ لاستمرارها: كالعمل بمقتضاها حسب ما تقتضيه الشريعة، وأما مجرد القول باللسان بدون اعتقادٍ وإيقان فإن ذلك لا ينفع، فنشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. *** كيف يكون المسلم محققاً لشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله قولاً وعملاً واعتقاداً بحيث يضمن لنفسه النجاة من الخلود في النار؟ وجهونا في ضوء هذا السؤال؟ فأجاب رحمه الله تعالى: تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله: أن يفهم الإنسان معناها أولاً ثم يعمل بمقتضى هذا العلم، فمعنى لا إله إلا الله: لا معبود حق إلا الله، وليس معناها لا إله موجود إلا الله، بل المعنى: لا إله حق إلا الله؛ لأن من المخلوق ما عبد من دون الله وسمي إلهاً، كما قال تعالى: (فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ). وقال تعالى: (وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ). وقال المشركون : (أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً). لكن هذه الآلهة ليست حقّاً، بل هي باطل؛ لقول الله تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ). وإذا كان لا معبود حق إلا الله وجب على الإنسان أن يجعل العبادة كلها عقيدة وقولاً وعملاً لله تعالى وحده، وإذا كان هذا معنى لا إله إلا الله فلا يمكن أن يحققها الإنسان حتى يعمل بمقتضاها، بمعنى: أن لا يعبد إلا الله، فلا يتذلل ولا يخضع لأحد على وجه التعبد والتقرب والإنابة إلا لله عز وجل، ومقتضى هذا أيضاً أن لا يعبد الله إلا بما شرع؛ لأن الله هو الإله الحق، وما سواه فهو الباطل، وعلى هذا فلا يعبد الله إلا بما شرع على أيدي الرسل عليهم الصلاة والسلام. ولا بد أيضاً لتحقيق شهادة أن لا اله إلا الله من أن يكفر بما سوى الله عز وجل من الآلهة، حتى يتحقق له الاستمساك بالعروة الوثقى قال الله تعالى: (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى). وقال الله تعالى: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ). فلابد لتحقيق شهادة أن لا إله إلا الله من اجتناب الطاغوت، وهو: كل ما عبد من دون الله عز وجل، أو تحكم إليه من دون الله. *** أحسن الله إليكم هناك من يقول بأن شروط لا إله إلا الله السبعة أو الثمانية التي وضعت لا يصح أن نسميها شروطاً؛ لأن التعريف ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود. يقول: فبهذه الشروط تلزم كل إنسان، ومتى اختل واحد من هذه الشروط اختلت هذه الشروط وقيل بأن الأصح أن يقال: من لوازم لا إله إلا الله؛ لأن اللازم ليس مثل الشروط، فما رأيكم في ذلك مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: رأينا في هذا أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بين أعظم بيان صلى الله عليه وسلم، سأله أبو هريرة رضي الله عنه: من أسعد الناس بشفاعتك يا رسول الله؟ قال: (من قال: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه). فإذا قال الإنسان: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه، وقام بلوازم هذه الشهادة العظيمة فإنه مسلم، وأما من قالها غير مخلص في قلبه ،كالمنافقين الذين يقولونها اتقاءً ورياءً فإنها لا تنفعه، ومن قالها ولم يلتزم ببعض الشرائع فإن قوله إياها ناقص بلا شك؛ لأن تركه بعض شرائع الإسلام يضعف توحيده، وربما ينتفي عنه التوحيد كله، حسب ما تقتضيه الأدلة الشرعية. *** المستمع سيد عباس مصري يقول: فضيلة الشيخ هل الكبار الذين يجهلون معنى كلمة التوحيد لا إله إلا الله مسلمون؟ وماهي شروط كلمة التوحيد وواجباتها ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الذين يقولون: لا إله إلا الله يجب أن يعرفوا معناها، وأنه لا معبود حق إلا الله، وأن كل ما يعبد من دون الله فهو باطل؛ لقول الله تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ). وشروط قول: لا إله إلا الله: أن يقولها الإنسان بلسانه نطقاً لا بقلبه، وأن يقولها طائعاً مختاراً. ويشترط أيضاً أن يقوم بما تقتضيه هذه الكلمة العظيمة ومن أهم ما يقوم به الصلاة لأن من ترك الصلاة فهو كافر ولو قال لا إله إلا الله ثم إن هذة الكلمة إذا قالها الإنسان وهو يفهم معناها فإنها تستلزم أن يقوم بطاعة الله عز وجل؛ لأن معنى لا إله إلا الله: لا معبود بحق إلا الله، وهذا يقتضي أن يعبد هذا الإله الحق على الوجه الذي أمر به: مخلصاً له الدين، متبعاً لخاتم النبيين محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم. *** هذه رسالة وصلت من عبد الله أحمد يقول: في كلمة الإخلاص شروط وأركان، فإذا لم يأت بها المسلم كاملاً فهل يكون قد أدى حقيقتها؟ أرجو الإفادة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: كلمة الإخلاص هي قول لا إله إلا الله. ولا يكفي أن يقولها الإنسان بلسانه؛ لأن المنافقين يقولون ذلك بألسنتهم كما قال الله تعالى: (وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً). ولكن لا بد من أن يكون الإنسان معتقداً لمعناها في قلبه، مؤمناً بها، قائماًَ بما تقتضيه هذه الكلمة العظيمة، وهو: التعبد لله وحده لا شريك له، بحيث لا يشرك معه في عبادته ملكاً مقرباً، ولا نبياً مرسلاً، ولا سلطاناً حاكماً، ولا غير ذلك من مخلوقات الله عز وجل، كما قال الله تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ). ولهذا جاءت الشريعة الإسلامية بالتكفير في أمور تقع ممن قال: لا إله إلا الله، مثل كفر تارك الصلاة، فإن من ترك الصلاة كسلاً وتهاوناً يكفر، كما دل على ذلك الكتاب والسنة وكلام الصحابة رضي الله عنهم، والمعنى الصحيح بل والنظر الصحيح. وهذه مناسبة لما وعدنا به سابقاً من أننا سنتكلم بإسهاب عن حكم تارك الصلاة، حيث بينا فيما سبق أن كفر تارك الصلاة تهاوناً وكسلاً هومقتضى دلالة الكتاب والسنة وأقوال الصحابة والنظر الصحيح، وأن ما خالف ذلك لا يخلو من واحد من أمور خمسة: إما ألا يكون فيه دلالة أصلاً، وإما أن يكون وقع من قوم معذورين بجهلهم، وإما أن يكون مقيداً بقيد يمتنع معه أن يترك الصلاة، وإما أن يكون ضعيفاً، وإما أن يكون عاماً لكنه مخصوص بأدلة تكفير تارك الصلاة. وبينا أيضاً فيما سبق بأن المراد بترك الصلاة تركها بالكلية، وأما من كان يصلى ويخلي، أي: إنه يصلى أحياناً ويدع أحياناً فإنه لا يكفر. نحن الآن نسوق ما تيسر لنا من الأدلة الدالة على كفر تارك الصلاة: فمن ذلك قوله تبارك وتعالى عن المشركين: (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ). فإن هذه الآية الكريمة شرطت لثبوت الأخوة في الدين من المشركين ثلاثة شروط: الشرط الأول: أن يتوبوا من الشرك، والشرط الثاني: أن يقيموا الصلاة، والشرط الثالث: أن يؤتوا الزكاة. ومن المعلوم أن ما رُتب على شرط فإنه يتخلف بتخلف هذا الشرط، فإذا لم يتوبوا ولم يقيموا الصلاة ولم يؤتوا الزكاة فليسوا إخواناً لنا في الدين، ولا تنتفي الأخوة الدينية إلا بكفر مخرج عن الإيمان، أما مجرد المعاصي- وإن عظمت، إذا لم تصل إلى حد الكفر- فإنها لا تخرج الإنسان من الإيمان، ودليل ذلك- أي: دليل أن المعاصي لا تخرج من الإيمان وإن عظمت- قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ). فجعل الله القاتل والمقتول أخوين، مع أن القاتل أتى ذنباً عظيماً، توعد الله عليه بوعيد شديد في قوله: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً). وقال الله عز وجل: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ). فأثبت الله الأخوة بين الطائفتين المقتتلتين وبين الطائفة المصلحة بينهما، مع أن قتال المؤمن من أعظم الذنوب. فإذا تبين أن الأخوة الإيمانية لا تنتفي بكبائر الذنوب التي دون الكفر، فإن انتفاءها يدل على أن من حصل منه ما يوجب هذا الانتفاء، دليل على أنه كافر. فإن قال قائل: ما تقولون فيمن تاب من الشرك وأقام الصلاة ولم يؤت الزكاة؟ أتكفرونه كما تقتضيه الآية أم لا تكفرونه؟ قلنا لا نكفره؛ لأن لدينا منطوقاً يدل على أنه ليس بكافر، والمنطوق عند العلماء مقدم على المفهوم، هذا المنطوق ما رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها، إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار، فأحمي عليها في نار جهنم، فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره، كلما بردت أعيدت، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد، ثم يرى سبيله: إما إلى الجنة، وإما إلى النار). فإن هذا الحديث يدل على أن من لم يؤد الزكاة لا يكفر؛ لأن قوله: (ثم يرى سبيله: إما إلى النار أو الجنة) دليل على أنه قد يدخل الجنة، ولا يمكن أن يدخل الجنة مع كفره، وعلى هذا فيبقى القيد في التوبة من الشرك وإقام الصلاة قيداً معتبراً لا معارض له، بخلاف قوله: (وآتوا الزكاة)، فإن مفهومه عورض بمنطوق الحديث الذي ذكرت، فحينئذٍ لا يكون ترك الزكاة والبخل بها مكفراً مخرجاً عن الإسلام، على أن من العلماء من قال: إن تارك الزكاة الذي لا يؤديها كافر، وهو رواية عن الإمام أحمد بن حنبل، ولكن الذي تقتضيه الأدلة أنه لا يكفر، ونحن بحول الله لا نعدو ما دلت الأدلة عليه سلباً ولا إيجابا .ً وأما دلالة السنة على كفر تارك الصلاة: ففيما رواه مسلم عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة). فجعل ترك الصلاة هو الحد الفاصل بين الكفر وبين الإيمان، أو بين الشرك وبين الإيمان ومن المعلوم أن الحد فاصل بين محدودين لا يدخل أحدهما في الآخر، ويدل لهذا أن لفظ الحديث: (بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة). فقال: (والكفر). ولم يقل صلى الله عليه وسلم: ترك الصلاة كفر، حتى يمكن أن يحمل على كفر دون كفر، ولكنه عرفه بأل، الدالة على حقيقة الكفر، وقد أشار إلى هذا الفرق شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه اقتضاء الصراط المستقيم. أما الحديث الثاني فهو ما رواه أهل السنن عن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر). فجعل النبي صلى الله عليه وسلم الحد الفاصل بين المسلمين والكفار هو الصلاة، ومن المعلوم أن الحد يخرج كل محدود عن دخوله في الآخر. أما كلام الصحابة رضي الله عنهم: فقد حكى إجماعهم على كفر تارك الصلاة عبد الله بن شقيق رحمه الله، وهو تابعي مشهور قال: (كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة). وقد حكى إجماع الصحابة على كفر تارك الصلاة إسحاق بن راهويه الإمام المشهور، وحكاه غيره أيضاً. وأما النظر الصحيح الذي يقتضي أن تارك الصلاة كافر كفراً أكبر مخرجاً عن الملة: فإنه لا يمكن لمؤمن- بل لا يمكن لمن في قلبه أدنى مثقال حبة من خردل من إيمان- أن يعلم شأن الصلاة وعظمها ومنزلتها عند الله عز وجل ثم يحافظ على تركها، هذا من المحال أن يكون في قلبه شيء من الإيمان، وعلى هذا نقول: إن من كان في قلبه أدنى مثقال حبة من خردل إيمان لا يمكن أن يترك الصلاة تركاً مطلقاً وهو يعلم ما لها من المنزلة العظيمة في دين الإسلام. وأما الأدلة التي استدل بها من قال: إنه لا يكفر، فقد أشرنا إلى أنها لا تخلو من واحد من خمسة أمور، كما صدرنا ذلك في كلامنا هذا. وإذا تبين قيام الدليل السالم عن المعارض المقاوم فإنه يجب الأخذ بمقتضاه، وإننا حين نحكم بالكفر على من دلت الأدلة على كفره لم نتجاوز ولم نتعد؛ لأن الحكم بالتكفير أو عدم التكفير إلى الله عز وجل، كما أن الحكم بالتحليل والتحريم والإيجاب والاستحباب إلى الله عز وجل، ولا لوم على الإنسان إذا أخذ بما تقتضيه الأدلة من أي حكم من الأحكام، وعلى كل مؤمن أن يأخذ بما تقتضيه الأدلة من أي وصف كان، ولأي موصوف كان، وألا يجعل النزاع سبباً موجباً للتخلي عن مدلول الكتاب والسنة وغيرهما من الأدلة؛ لقول الله تعالى: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً). وقال تعالى: (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ). فإن قال قائل: إذا قلت بتكفير تارك الصلاة حصل في ذلك ارتباك وتشويش وتكفير لكثير من الناس؟ فالجواب عن ذلك أن نقول: إننا إذا قلنا بمقتضى الأدلة الشرعية فإنه لن يكون من جراء ذلك إلا ما فيه الخير والصلاح؛ لأن الناس إذا علموا أن ترك الصلاة كفر مخرج عن الملة وردَّة كبرى، فإنهم لن يتجرؤوا على ترك الصلاة، بل سيكون ذلك حافزاً لهم على القيام بها على الوجه المطلوب منهم، ولكننا إذا قلنا: إنه ليس بكفر وإنما هو فسق، فإنهم يتهاونون بها أكثر مما قلنا لهم ذلك: إنه كفر، ونحن لا نقول: إنه كفر، من أجل أن نحث الناس على فعل الصلاة، ولكننا نقول: إنه كفر، من أجل دلالة الكتاب والسنة وأقوال الصحابة على ذلك. وأما قول هذا القائل الذي يقول: إنك إذا حكمت بكفر تارك الصلاة فإنك بهذا توقع الإرباك والتذبذب، وتخرج كثيراً من الناس عن الملة الإسلامية، أقول: ما قول هذا القائل إلا كقول من قال: إنك إذا قطعت يد السارق أصبح نصف الشعب مقطوعاً؛ لأننا نقول لهذا: إنك إذا قطعت يد السارق فسيقل السراق قلة كبيرة؛ لأن السارق إذا علم أن يده ستقطع فإنه لن يقدم على السرقة، وما مثل هذا وهذا إلا كمثل من يقول: إنك إذا قتلت القاتل المستحق للقتل قصاصاً فإنك تضيف إلى قتل الأول قتل رجل آخر، وهذا يضاعف عدد المقتولين، فإننا نقول: إن هذه القولة قولة باطلة، أبطلها الله في قوله: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ). فإن القاتل إذا علم أنه إذا قتل عمداً سيقتل لن يقدم على القتل، فحينئذٍ يقل القتل عمداً وعدواناً. والمهم كل المهم أنه يجب على الإنسان العالم المتقي لله عز وجل أن يكون متمشياً مع الدليل حيث ما كان إيجاباً وسلباً، وإصلاح الحال على الرب عز وجل الذي شرع هذا الذي أقدم عليه المفتي والحاكم، والله عز وجل لم يشرع لعباده إلا ما فيه صلاحهم وسعادتهم وفلاحهم في الدنيا والآخرة، لا يمكن أبداً أن يشرع لعباده ما فيه مفسدة راجحة على مصلحة، كما قال الله تعالى: (يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا). وأنت إذا حكمت الناس بمقتضى شريعة الله لا بمقتضى واقعهم فإن الواقع سوف يتغير، حتى يتحول إلى مراد الله عز وجل في عباده فيما شرعه لهم. فضيلة الشيخ: يقول: في كلمة الإخلاص شروط وأركان، فإذا لم يأت بها المسلم كاملةً فهل يكون قد أدى حقيقتها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: قلنا: إنه لا يؤدي حقيقتها إذا لم يأت بشروطها ومقتضياتها اللازمة، فإنه ليس المراد من كلمة الإخلاص وهي لا إله إلا الله أن يقولها بلسانه، بل لا بد أن يقولها بلسانه معتقداً مدلولها بقلبه، قائماً بما تقتضيه من واجبات وشروط وأركان. *** السائل أحمد صالح يقول: هل من قال: لا إله إلا الله، بدون أن يعمل أي عمل يدخل الجنة؟ أي: قالها بلسانه؛ لأنه يوجد حديث فيما معناه يقول: (وعزتي وجلالي لأُخْرِجَنَّ من النار كل من قال: لا إله إلا الله). والله أعلم، ولكم جزيل الشكر؟ فأجاب رحمه الله تعالى: كلمة لا إله إلا الله كلمة عظيمة، لو وزنت بها السماوات والأرض لرجحت بهن. ومعناها: لا معبود حق إلا الله، فكل ما يعبد من دون الله فهو باطل؛ لقول الله تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ). والعبادة لا تختص بالركوع أو السجود، يعني: أن الإنسان قد يعبد غير الله دون أن يركع له ويسجد، ولكن يقدم محبته على محبة الله، وتعظيمه على تعظيم الله، ويكون قوله أعظم في قلبه من قول الله، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميلة، تعس عبد الخميصة، إن أعطي رضي وإن لم يعطَ سخط، تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش). فَجَعَلَ للدينار عبداً، وللدرهم عبداً، وللخميلة عبداً، وللخميصة عبداً, الخميلة: الفراش، والخميصة: الكساء، مع أن هؤلاء لا يعبدون الدرهم والدينار، لا يركعون له ولا يسجدون له، لكنهم يعظمونه أكثر من تعظيم الله عز وجل، وإلى هذا يشير قوله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ). فهذه الكلمة كلمة عظيمة، فيها البراءة من كل شرك، وإخلاص الألوهية والعبادة لله عز وجل، فلو قالها بلسانه وقلبه فهو الذي قالها حقاً، ولهذا قال أبو هريرة: يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك؟ قال: (من قال: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه). وقال في حديث عتبان بن مالك- أعني: النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، قال-: (إن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله، يبتغي بذلك وجه الله)، فلا بد من الإخلاص. وأمَّا مَنْ قالها بلسانه دون أن يوقن بها قلبه فإنها لا تنفعه؛ لأن المنافقين يذكرون الله ويقولون: لا إله إلا الله، كما قال تعالى: (وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً). ويشهدون للنبي صلى الله عليه وسلم بالرسالة، كما قال تعالى: (إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ). فلن تنفعهم شهادة أن لا إله إلا الله ولا شهادة أن محمداً رسول الله؛ لأنهم لم يقولوا ذلك عن قلب وإخلاص. فمن قال هذه الكلمة دون إخلاص فإنها لا تنفعه، ولا تزيده من الله تعالى إلا بعداً. فنسأل الله لنا ولإخواننا المسلمين الإيقان بها والعمل بمقتضاها، إنه على كل شيء قدير. *** هذا المستمع سيد محمد من جمهورية مصر العربية يقول: يوجد بعض الرجال يقولون لنا: قولوا: لا إله إلا الله تدخل الجنة، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة، قولاً بلا عمل فقط، فهل هم على صواب؟ أفيدونا وانصحونا بهذا مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ليسوا على صواب، فإن المراد بقول: لا إله إلا الله، أن يقولها الإنسان بلسانه، معتقداً مدلولها بقلبه، عاملاً بمقتضاها. ولهذا لو قال الإنسان: لا إله إلا الله، وجحد ولو حرفاً واحداً من القرآن كان كافراً، ولم تنفعه لا إله إلا الله. ومن قال: لا إله إلا الله، وترك الصلاة مثلاً كان كافراً، ولم تنفعه لا إله إلا الله، لكن من قال: لا إله إلا الله، وكانت آخر كلامه، فإنه سيقولها مخلصاً لله بها وهو في هذه الحال، لا يستطيع أن يعمل أكثر من ذلك فتكون مدخلة له الجنة. *** الذي ينطق بالشهادة قبل موته هل يدخل في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة)؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا قال: لا إله إلا الله، عند موته موقناً بها قلبه فإنه يدخل في الحديث، ولكن ليعلم أن النصوص العامة فيما يدخل الجنة أو يدخل النار لا تطبق على شخصٍ بعينه إلا بدليل، فمثلاً: (من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة). إذا علمنا أن هذا الرجل كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله فنحن نقول: يرجى أن يكون من أهل الجنة، فالمعين لا تجزم له وإنما قل: يرجى إذا كان في خير، أو يخشى إذا كان في شر؛ لأنه يفرق بين العموم والخصوص، نحن نشهد ونعلم ونوقن بأن كل مؤمنٍ في الجنة، فهل نشهد لكل مؤمن بعينه أنه في الجنة؟ فالجواب: لا، لكننا إذا علمنا أنه مؤمن نرجو له أن يكون داخلاً في الجنة، نؤمن بأن الله تعالى يحب المؤمنين ويحب المحسنين، فلو رأينا رجلاً يحسن ورأينا رجلاً مؤمناً يقوم بالواجبات ويترك المحرمات فهل نشهد أن الله يحبه؟ فالجواب: لا؛ لأن التعيين غير التعميم، ولكن نقول: نشهد لكل مؤمن أن الله يحبه، ونرجو أن يكون هذا الرجل بعينه ممن يحبه الله عز وجل. وقد أشار البخاري رحمه الله في صحيحه إلى نحو هذا فقال: (بابٌ: لا يقال فلان شهيد). وإن كان قتل في سبيل الله فلا تقل: إنه شهيد، واستدل لذلك بقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (ما من مكلومٍ يكلم في سبيل الله- والله أعلم بمن يكلم في سبيله- إلا إذا كان يوم القيامة جاء وجرحه يثعب دماً، اللون لون الدم، والريح ريح المسك). فقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (والله أعلم بمن يكلم في سبيله) إشارة إلى أنك لا تشهد للشخص المعين، بل قل: الله أعلم. وخطب أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه فقال: إنكم تقولون: فلان شهيد فلان شهيد، وما أدراك لعله فعل كذا وكذا؟ ولكن قولوا: من مات في سبيل الله أو قتل فهو شهيد، ففرق رضي الله عنه بين التعيين والتعميم. *** ع. أ. ك. ، يقول: أخبركم أني قرأت في كتاب رياض الصالحين عن الإمام المحدث الحافظ محيي الدين أبي زكريا بن شرف النووي أحاديث كثيرة، ومنها يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قال في آخر حياته- يعني: عند موته، من قال-: لا إله إلا الله دخل الجنة). (ومن مات له ثلاثة أولاد أو أقل قبل البلوغ دخل الجنة). (ومن كان له أربع بنات ورباهن على تربية الإسلام دخل الجنة). (ومن مات له ولد في السن الصغير وقال: الحمد لله عند موته بني له بيت في الجنة). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صام يوماً في سبيل الله إلا أبعد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في باب يقال له: باب الريان: (يدخل منه الصائمون). فإذا كان ذلك من الأحاديث الصحيحة، فما بال آكل الربا والزاني والقاتل والسارق والكذاب؟ أفتوني بهذه المسألة؛ لأنني في حيرة جزاكم الله عني خير الجزاء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال مهم، وهو موضع إشكال كما ذكره الأخ الكاتب؛ لأن ما ذكره من الأحاديث التي ترتب دخول الجنة على هذه الأعمال يعارضها أحاديث كثيرة تدل على دخول النار لمن عمل أعمالاً أخرى، مع قيام صاحبها بهذه الأعمال الموجبة لدخول الجنة، فجوابنا على هذا وأمثاله من الأحاديث، بل من النصوص، سواء من القرآن أو من السنة أن يقال: إن ذكر بعض الأعمال التي تكون سبباً لدخول الجنة ما هو إلا ذكر للسبب، وكذلك ذكر بعض الأحاديث التي ذكر فيها أن بعض الأعمال سبب لدخول النار ما هو إلا ذكر للسبب فقط، ومن المعلوم أن الأحكام لا تتم إلا بتوفر أسبابها وشروطها وانتفاء موانعها، فهذه الأعمال المذكورة هي سبب لدخول الجنة، لكن هذا السبب قد يكون له موانع، فمثلاً: (من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة). هذا إذا قالها على سبيل اليقين والصدق، فإذا قالها على سبيل النفاق- وهو بعيد أن يقولها على سبيل النفاق في هذه الحال- فإنها لا تنفعه ،وهكذا: ( من مات له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحلم كانوا ستراً له من النار). هذا سبب من الأسباب، من أسباب وقاية النار، لكن قد يكون هناك موانع تمنع نفوذ هذا السبب، وهي الأعمال التي تكون سبباً لدخول النار، وإن هذه الموانع وتلك الأسباب تتعارضان، ويكون الحكم لأقواهما، فالقاعدة إذاً أن ما ذكر من الأعمال مرتباً عليه دخول الجنة ليس على إطلاقه، بل هو مقيد بالنصوص الأخرى التي تفيد أن هذا لابد له من انتفاء الموانع، فلنضرب مثلاً أن رجلاً من الناس كافر ومات له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحلم وصبر، فهل نقول: إن هذا الكافر يدخل الجنة ولا يدخل النار؟ فالجواب لا، كذلك أيضاً في آكل الربا، وكذلك في آكل مال اليتيم، وكذلك في قتل النفس وغيرها، مما وردت فيه العقوبة بالنار، هذا أيضاً مقيد بما إذا لم يوجد أسباب أو موانع قوية تمنع من نفوذ هذا الوعيد، فإذا وجدت موانع تمنع من نفوذ هذا الوعيد فإنها تمنع منه؛ لأن القاعدة كما أسلفنا هي: أن الأمور لا تتم إلا بتوفر أسبابها وشروطها، وانتفاء موانعها. ***
|
|||
![]() |
رقم المشاركة : 4 | |||
|
![]() 6/ العبادة: السائلة ن ع من جمهورية مصر العربية وتقيم الآن في المملكة تقول هذه السائلة بأنه كانت لي أمنية أرجو أن تتحقق من الله عز وجل، وقد نذرت لها العديد من النذور لتتحقق، وكنت أذهب إلى مساجد أولياء الله الصالحين وأنذر هناك، كذلك وبعد تحقق هذه الأمنية قمت بالوفاء بما أتذكر من هذه النذور، ولكن كان هناك العديد من النذور نسيتها نظراً لطول المدة على هذه النذور، فأرجو من فضيلتكم توضيح هل تسقط هذه النذور التي نسيتها أم ماذا أفعل؟ جزاكم الله خيراً. فأجاب رحمه الله تعالى: نقول في الجواب على هذا السؤال المهم: أولا :ً كونها تنذر لله عز وجل ليحصل مقصودها هذا خطأ عظيم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النذر وقال: (إنه لا يأتي بخير). فليس النذر هو الذي يجلب الخير للإنسان، ولا النذر هو الذي يدفع الشر، إذا قضى الله قضاءً فلا مرد له لا بالنذر ولا غيره، ولهذا جاء في حديث آخر: (أن النذر لا يرد القضاء). فإن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، فلا يظن الظان إذا نذر شيئاً وحصل مقصوده أن هذا من أجل النذر؛ لأن النذر مكروه منهي عنه، والمكروه لا يكون وسيلة إلى الله عز وجل، وكيف تتوسل إلى الله بما نهى عنه رسول الله؟ هذا فيه مضادة؟ إنما يتوسل الإنسان إلى الله بما يحب- أي: بما يحبه الله عز وجل- حتى يحصل للمتوسل ما يحب. ثانياً: كونها تذهب إلى مساجد الأولياء والصالحين، أفهم من هذا أن هناك مساجد مبنية على قبور الأولياء والصالحين، وهذه المساجد التي تبنى على قبور الأولياء والصالحين ليست مكان عبادة ولا قربة، والصلاة فيها لا تصح، ويجب أن تهدم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن البناء على القبور وقال: (لعنة الله على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد). والواجب على ولاة الأمور في البلاد التي فيها مساجد مبنية على القبور، الواجب أن يهدموها إذا كانوا ناصحين لله ورسوله وكتابه والمسلمين، أما إذا كانت المساجد سابقة على القبور ودفن الميت في المسجد؛ فإن الواجب نبشه؛ لأن المسجد لم يبنَ على أنه مقبرة، بني للصلاة والذكر وقراءة القرآن، فالواجب نبش هذا القبر، وإخراج الميت منه، ودفنه مع الناس، ولا يجوز إقرار القبر في المسجد. فإن قال قائل: كيف تقول هذا وقبر النبي صلى الله عليه وسلم في مسجده؟ الآن المسجد محيط به من كل جانب ومازال المسلمون يشاهدون هذا؟ فالجواب: أن هذه الأمة لا تجتمع على ضلالة، وقبر النبي عليه الصلاة والسلام لم يبن عليه المسجد، ولم يدفن الرسول في المسجد، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يدفن في المسجد،والمسجد لم يبن على قبره،المسجد كان قديماً بناه الرسول عليه الصلاة والسلام من حين قدم المدينة مهاجراً،والنبي صلى الله عليه وسلم لم يقبر فيه،وإنما قبر في بيته في حجرة عائشة رضي الله عنها،ثم لما احتاج المسلمون إلى توسعة المسجد وسعوه،فدخلت فيه بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم،وكان من جملتها بيت عائشة،لكنه بيت مستقل،لم ينو المسلمون حين وسعوا المسجد أن يكون من المسجد،فهو حجرة في مسجد،قائمة قبل بناء المسجد-أعني:الزيادة في المسجد-ثم إنه زيد فيه أن طوق بثلاثة جدران،فهو بناء مستقل سابق على هذه الزيادة،وحين زادوها كانوا يعتقدون أن هذا بناء منفصل عن المسجد متميز بجدرانه،فليس مثل الذي يؤتى بالميت ويدفن في جانب المسجد،أو يبنى المسجد على القبر،وحينئذٍ لا حجة فيه لأصحاب المساجد التي بنيت على القبور أو التي قبر فيها الأموات إطلاقاً،وما الاحتجاج بهذا إلا شبهة يلقيها أهل الأهواء على البسطاء من الناس؛ليتخذوا منها وسيلة إلى تبرير مواقفهم في المساجد المبنية على قبورهم،وما أكثر الأمور المتشابهات-بل التي يجعلها ملبسوها متشابهات-من أجل أن يضلوا بها عباد الله،هاتان مسألتان مهمتان في الجواب على هذا السؤال.أما المسألة الثالثة،وهي:أنها لا تعلم أن النذور التي نذرتقد وفت بها جميعا، فلا يجب عليها إلا ما علمته؛ لأن الأصل براءة الذمة، فما علمته من النذور وجب عليها الوفاء به، وما لم تعلمه فإنه لا يجب عليها؛ لأن الأصل براءة الذمة إلا بيقين. ولكنني أكرر النهي عن النذر، سواء كان نذراً مطلقاً أو معلقاً بشرط,أكرر ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النذر وقال: (إنه لا يأتي بخير). هكذا كلام الرسول عليه الصلاة والسلام: لا يأتي بخير، لا يرد قضاءً، ولا يرفع بلاءً، وإنما يكلف الإنسان، ويلزمه ما ليس بلازم له، وما هو بعافية منه، سواء كان هذا النذر معلقاً بشرط، مثل أن يقول: إن شفى الله مريضي فلله علي كذا وكذا، أو غير معلق مثل أن يقول: لله علي نذر أن أصوم من كل شهر عشرة أيام مثلاً، فالبعد البعد عن النذر، نسأل الله السلامة. *** هذه سائلة من الدمام تقول: فضيلة الشيخ كيف يكون المؤمن بين الرجاء والخوف؟ وإذا كان عند الإنسان خوف كثير، وأنا أعلم بأن فضل الله عز وجل على عباده كبير، وأن رحمته سبقت غضبه، فأنا دائماً خائفة جدّاً لتقصيري، وأسأل الله عز وجل أن يمن علينا وعليكم بعفوه وفضله، وجهونا في ضوء هذا السؤال؟ فأجاب رحمه الله تعالى: المؤمن يجب أن يسير إلى الله تبارك وتعالى بين الخوف والرجاء كجناحي طائر، قال الإمام أحمد رحمه الله: ينبغي أن يكون خوفه ورجاؤه واحداً، فأيهما غلب هلك صاحبه. فالإنسان إذا رأى ذنوبه وما حصل منه من التقصير في حقوق الله عز وجل وحقوق العباد خاف، وإذا تأمل فضل الله تعالى وسعة رحمته وعفوه طمع ورجع، وعليه فينبغي أن يكون خوفه ورجاؤه واحداً؛ لأنه إن غلب عليه الرجاء يخشى عليه من الأمن من مكر الله، وإن غلب عليه الخوف خشي عليه أن يقنط من رحمة الله، وكلاهما محظور، وقد قال الله تعالى عن أوليائه وأنبيائه: (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ). ومن العلماء من قال: إن فعل الطاعات فليغلب جانب الرجاء والقبول، وأن الله تعالى لا يضيع أجر من أحسن عملاً؛ وإن فعل المحرمات غلب الخوف، وخاف أن تناله سيئاته بعقوبات حاضرة ومستقبلة.وقال آخرون من أهل العلم: ينبغي في حال الصحة أن يغلب جانب الخوف؛ ليحمله ذلك على فعل الواجبات وترك المحرمات، وفي حال المرض المدنف الذي يخشى أن يلاقي ربه به يغلب جانب الرجاء، من أجل أن يموت وهو يحسن الظن بالله عز وجل. وعلى كل حال يجب على الإنسان أن لا يستولي عليه الخوف حتى يقنط من رحمة الله، أو الرجاء حتى يأمن من مكر الله،وليكن سائراً إلى ربه بين هذا وهذا. *** السائلة ن ع غ تقول: اشرحوا لنا حسن الظن بالله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: حسن الظن بالله أن الإنسان إذا عمل عملاً صالحاً يحسن الظن بربه أنه سيقبل منه، إذا دعا الله عز وجل يحسن الظن بالله أنه سيقبل منه دعاءه ويستجيب له إذا أذنب ذنباً ثم تاب إلى الله ورجع من ذلك الذنب يحسن الظن بالله أنه سيقبل توبته، إذا أجرى الله تعالى في الكون مصائب يحسن الظن بالله، وأنه جل وعلا إنما أحدث هذه المصائب لحكم عظيمة بالغة، يحسن الظن بالله في كل ما يقدره الله عز وجل في هذا الكون، وفي كل ما شرعه الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بأنه خير ومصلحة للخلق، وإن كان بعض الناس لا يدرك هذه المصلحة، ولا يدرك تلك الحكمة مما شرع، ولكن علينا جميعاً التسليم بقضاء الله تعالى شرعاً وقدراً، وأن نحسن به الظن؛ لأنه سبحانه وتعالى أهل الثناء والمجد. *** بارك الله فيكم هذا السائل من جمهورية مصر العربية يقول: ما حقيقة التوكل على الله؟ أرجو بهذا إفادة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: حقيقة التوكل على الله عز وجل تفويض أمرك إلى الله، كما قال الله تعالى عن مؤمن آل فرعون: (فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ). أن يفوض الإنسان أمره إلى الله، ويصدق في الاعتماد عليه في جلب المنافع ودفع المضار، ويثق في الله عز وجل وبوعده، ويفعل الأسباب الشرعية والحسية التي أمر الله بها، هذا هو التوكل. وأنت إذا اعتمـدت على ربك على هذا الوصف فإن الله تعالى حسبك وكافيك؛ لقول الله تعالى: (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ). ونحن نقر بذلك-أي: بالتوكل على الله، أو بما يتضمنه- في كل صلاة، نحن نقول في كل صلاة: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ). والاستعانة تستلزم تفويض الأمر إلى الله عز وجل، وأنه ليس لنا حول ولا قوة ولا قدرة على العبادة إلا بمعونة الله، ولكن لا بد من فعل الأسباب الموصلة إلى المقصود، شرعيةً كانت أم حسية. فمن قال: أنا أعتمد على الله وأتوكل عليه في حصول الولد، ولم يتزوج كان كاذباً في توكله، لا بد أن يتزوج، والزواج هو الوسيلة الشرعية لحصول الولد. ومن قال: أنا أعتمد على الله، وألقى نفسه في النار، أو ألقى نفسه في اليم وهو لا يعرف السباحة، نقول: أنت كاذب، لا بد أن تفعل الأسباب الواقية من النار أو من الغرق. ولهذا كان سيد المتوكلين محمدٌ صلى الله عليه وعلى آله وسلم، كان يأخذ بالأسباب الحسية مع صدق توكله على الله، فكان عليه الصلاة والسلام في الحرب يلبس الدرع، والدرع عبارة عن درع من حديد يقي السهام والحراب، وربما لبس درعين زيادةً في الوقاية، كما فعل ذلك يوم أحد. فلا بد من فعل الأسباب النافعة، شرعية كانت أم قدرية حسية، من أجل أن يحصل لك المقصود في اعتمادك على الله عز وجل. *** كيف يكون الإنسان متوكلاً على الله ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يكون الإنسان متوكلاً على الله بأن يصدق الاعتماد على ربه عز وجل، حيث يعلم أنه سبحانه وتعالى هو الذي بيده الخير، وهو الذي يدبر الأمور، ولقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عباس: (يا غلام! إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله. واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك). فبهذه العقيدة يكون الإنسان معتمداً على ربه جل وعلا، لا يلتفت إلى من سواه. ولكن حقيقة التوكل لا تنافي فعل الأسباب التي جعلها الله تعالى سبباً، بل إن فعل الأسباب التي جعلها الله تعالى سبباً، هو من تمام التوكل، سواء كانت شرعية أم حسية ومن تمام الإيمان بحكمة الله عز وجل؛ لأن الله تعالى قد جعل لكل شيء سبباً. و هذا النبي صلى الله عليه وسلم- وهو سيد المتوكلين- كان يلبس الدروع في الحرب، ويتوقى البرد، ويأكل ويشرب لإبقاء حياته ونمو جسمه، وفي أحد ظاهر بين درعين- أي: لبس درعين- فهؤلاء الذين يزعمون أن حقيقة التوكل بترك الأسباب والاعتماد على الله عز وجل هم في الواقع مخطئون، فإن الذي أمر بالتوكل عليه له الحكمة البالغة في تقديره وفي شرعه، قد جعل للأمور سبباً تحصل به، ولهذا لو قال قائل: أنا سأتوكل على الله تعالى في حصول الرزق، وسأبقى في بيتي لا أبحث عن الرزق. قلنا إن هذا ليس بصحيح، وليس توكلاً حقيقيّاً، فإن الذي أمرك بالتوكل عليه هو الذي قال: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ). ولو قال قائل: أنا سأتوكل في حصول الولد أو في حصول الزوجة، ولم يشرع في طلب الزوجة وخطبتها، لعده الناس سفيهاً، ولكان فعله هذا منافياً لما تقتضيه حكمة الله عز وجل. ولو أن أحداً أكل السم وقال: إني أتوكل على الله تعالى في أن لا يضرني هذا السم، لكان هذا غير متوكل حقيقة؛ لأن الذي أمرنا بالتوكل عليه سبحانه وتعالى هو الذي قال لنا: (وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً). والمهم أن فعل الأسباب التي جعلها الله تعالى أسباباً لا ينافي كمال التوكل، بل هو من كماله، وأن التعرض للمهلكات لا يعد هذا من توكل الإنسان على الله، بل هو خلاف ما أمر الله عز وجل به. *** هذا سؤال بعث به كل من الأخ سليمان ومحمد من حضرموت قال أهل العلم: إن الدعاء ينقسم إلى قسمين: دعاء عبادة ودعاء مسألة، ماذا يقصد بكل منهما؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يريد العلماء رحمهم الله بتقسيم الدعاء إلى قسمين: دعاء مسألة ودعاء عبادة، ما ذكره الله تعالى في قوله : (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ). فدعاء المسألة: أن تسأل الله تعالى حاجاتك، بأن تقول: رب اغفر لي وارحمني وارزقني وعافني واجبرني وما أشبه ذلك. ودعاء العبادة: أن تتعبد لله تبارك وتعالى بما شرع، تصلى وتزكي وتصوم وتحج وتفعل الخير؛ لأن هذا الذي يتعبد لله ما قصد إلا رضوان الله وثوابه، فهو داع لله تعالى بلسان الحال له لا بلسان المقال. على أن بعض هذه العبادات التي يتعبد بها تتضمن دعاء المسألة، كالصلاة مثلاً، ففي الصلاة يقول المصلى: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) وهذا دعاء مسألة. ويقول: رب اغفر لي وهذا دعاء مسألة، ويقول: السلام عليك أيها النبي، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، اللهم صل على محمد، اللهم بارك على محمد، أعوذ بالله من عذاب جهنم، وهذا كله دعاء مسألة. فالفرق بينهما إذاً: أن دعاء المسألة أن يسأل الله تعالى شيئاً مباشرة، سواء سأله حصول مطلوب أو سأله النجاة من مرهوب. ودعاء العبادة أن يتعبد لله تعالى بما شرع، رجاء ثوابه جل وعلا، وخوفاً من عقابه، هذا هو معنى تقسيم أهل العلم رحمهم الله. وقد علمنا أن الدعاء نفسه عبادة، كما تدل عليه الآية التي تلوتها، وهي قوله تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) ولم يقل: عن دعائي، وهذا يدل على أن الدعاء عبادة. وقال الله تعالى: (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا). ودعاء الله تعالى بأسمائه الحسنى يتضمن سؤاله بها، مثل: يا غفور اغفر لي، يا رحيم ارحمني، ويتضمن التعبد لله تعالى بمقتضاه: فإذا علمنا أنه غفور عملنا ما يكون سبباً للمغفرة، علمنا أنه رحيم عملنا ما يكون سبباً للرحمة, وإذا علمنا أنه رزاق عملنا ما يكون سبباً للرزق، وهلم جرّاً. *** هل من دعوة الأمة إلى سؤال الله عز وجل والتعلق به دون التعلق بغيره؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم وسنقول لإخواننا: إن الذي يجب أن يوجه إليه الدعاء وأن توجه إليه الاستعاذة هو الله عز وجل، وهو المعين، وهو المجيب، وهو الذي بيده ملكوت كل شيء، قال الله تبارك وتعالى: (قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ. سَيَقُولُونَ لِلَّهِ) وفي قراءة: (سَيَقُولُونَ اللهُ). وقال تبارك تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ). وقال تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ). وقال الله تعالى: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (5) وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ). فالدعاء لله وحده، والاستعاذة بالله وحده، والملك لله وحده، فهو أهل الدعاء، وأهل الاستعاذة، وهو أهل الفضل و الإحسان. *** يقول: مجموعة من الناس طلبوا مني أن أشتري لهم من الأماكن المقدسة حاجات، مثل سجادة وكفن وحناء ومصحف؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما السجادات: فإن كانوا أوصوك بها لأن السجادات تتوفر في ذلك المكان أكثر من غيره، وقد تكون أرخص، فلا حرج؛ وأما إذا كان الاعتقاد أن السجادات التي تُشترى من هناك لها مزية على غيرها في الفضل، فليس بصحيح، ولا تشترِيها لهم بناءً على هذا الاعتقاد. وأما الكفن أيضاً: فإنه ليس بمشروع أن يشتري الإنسان كفنه من تلك المواضع، ولا أن يغسله بماء زمزم؛ لأن ذلك ليس وارداً عن النبي عليه الصلاة والسلام ولا عن أصحابه، وإنما يتبرك بالكفن فيما ورد به النص، وهو ما ثبت به الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أهديت إليه جبة، فسأله إياها رجل من الصحابة، فلاذ الناس به وقالوا: كيف تسأل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، وقد علمت أنه لا يرد سائلاً؟ فقال: إني أريد أن تكون كفني، فصارت كفنه، وكذلك أيضاً طلب عبدالله بن عبدالله بن أبي من النبي صلى الله عليه وسلم أن يكفن أباه عبدالله بن أبي بقميص الرسول عليه الصلاة والسلام ففعل، فهذه الأكفان التي كانت من لباس الرسول عليه الصلاة والسلام لا بأس أن يتبرك بها الإنسان، وأما كونها من مكة أو من المدينة فهذا لا أصل للتبرك به. *** بعض المشايخ يعالجون المرضى بالآيات القرآنية، ما مدى صحة هذا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لاشك أن الله تعالى جعل هذا القرآن شفاءً لما في الصدور، وشفاء لما في الأجسام أيضاً: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ). (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ). وقد قال الرسول عليه الصلاة والسلام- كما في حديث أبي سعيد: أنهم قرؤوا على لديغ سورة الفاتحة، قرؤوها عليه سبع مرات، فقام كأنما نشط من عقال، فقال النبي عليه الصلاة والسلام لما رجعوا إليه وأخبروه، قال-: (ما يدريك أنها رقية)؟ فأثبت النبي عليه الصلاة والسلام أن الفاتحة رقية؛ لأنه يرقي بها المريض، أي يقرأ عليه. فالقرآن كله خير وكله بركة، ولا شك أنه مؤثر، ولكن يجب أن نعرف كما يقال: السيف بضاربه، لا بد لتأثير القرآن من ثلاثة أمور: أولاً: إيمان القارىء بتأثيره، وثانياً: إيمان المقروء عليه بتأثيره، وثالثاً: أن يكون ما قرأ به مما تشهد الأدلة له بالتأثير. فإذا كان كذلك فإنه مؤثر بإذن الله، أما إذا نقص واحد من هذه الأمور الثلاثة، مثل: أن يقرأ على سبيل التجربة، يقول: أجرب أشوف ينفع أم لا؟ فإن ذلك لا ينفع؛ لأن الواجب على المؤمن أن يؤمن بتأثيره، وكذلك أيضاً لو كان المريض عنده شك في ذلك، وليس عنده إيمان بتأثير القرآن، فإن ذلك لا ينفعه أيضاً؛ لأن المحل غير قابل حينئذ، وكذلك أيضاً لو قرأ آيات لم تشهد الأدلة لها بالتأثير، فهذا أيضاً قد لا يؤثر، وليس معنى ذلك أنه نقص في القرآن الكريم، ولكنه خطأ في استعمال أو قراءة ما تبقى قراءته من الآيات أو السور. *** بارك الله فيكم من السودان سائل يقول أسأل عن الرقية الشرعية وغير الشرعية؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الرقية الشرعية ما جاءت به السنة مثل (اللهم رب الناس اذهب البأس واشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاءً لا يغادر سقماً ) وغير الشرعية هي البدعية أو الشركية فما كان بدعة أو شركاً فإن الرقية به محرمة ولا تزيد الإنسان إلا ضررا ومرضاً وإن قدر أنه شفي بها فهو لم يشفَ بها في الواقع وإنما كان الشفاء عندها لا بها امتحاناً من الله سبحانه وتعالى لهذا الرجل الذي رقى بالشرك أو بالبدع وأما الأدعية المباحة التي ليست ببدعة فالرقية بها جائزة فتبين بهذا أن الرقى أربعة أقسام ما جاءت به السنة فالرقية به مشروعة مستحبة وما كان شركاً أو كان بدعة فالرقية به محرمة وما كان دعاءً مباحاً لا شرك فيه ولا بدعة لكنه ليس مما ورد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فالرقية به جائزة ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام في الرقى (لابأس بها ما لم تكن شركاً). *** ماحكم القراءة في الماء ثم الوضوء بهذا الماء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا بأس أن يقرأ في الماء ويتوضأ به المريض ليستشفي به وهذا وإن كنت لا أعلم أنه واردٌ عن السلف لكن قد يقول قائل إنه يدخل في عموم الآية الكريمة (وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) وخيرٌ من ذلك أن يقرأ المريض على نفسه بآيات من القرآن أو يقرأ عليه أحدٌ من أهله أو من أصحابه بما يراه مناسباً. *** المستمع الذي رمز لاسمه بـ: ي و س م سوريا درعاء الحائرة يقول في رسالته فضيلة الشيخ هل يجوز التداوي ببعض آيات القرآن الكريم؟ وإن كان كذلك فكيف تتم هذه المداواة؟ وما هي الطريقة؟ وهل التداوي بالقرآن لكافة أنواع الأمراض، أم لمرض معين؟ وإن كان كذلك فما هو؟ أرشدونا بارك الله فيكم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز التداوي بالقرآن العظيم؛ لأن الله عز وجل يقول: (وَنُنَزِّلُ مِن الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ). وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ المعوذتين يتعوذ بهما، وقال: (ما تعوذ متعوذ بمثلهما). فيقرأ على المريض الآيات المناسبة لمرضه، مثل أن يقرأ لتسكين المرض والألم: (وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ). ويقرأ: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَإلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ)، أو نحو ذلك من الآيات المناسبة. وكذلك يقرأ الفاتحة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أنها رقية يرقى بها المريض واللديغ، وينتفع بها بإذن الله، لكن يجب أن نعلم أن القرآن نفسه شفاء ودواء، ولكنه بحسب القارىء وبحسب المقروء عليه؛ لأنه لا بد من أهلية الفاعل وقابلية المحل، وإلا لم تتم المسألة: فالفاعل لا بد أن يكون أهلاً للفعل، والمحل لابد أن يكون قابلاً له، فلو أن أحداً من الناس قرأ بالقرآن وهو غافل أو شاك في منفعته فإن المريض لا ينتفع بذلك، وكذلك لو قرأ القرآن على المريض والمريض شاك في منفعته فإنه لا ينتفع به، فلا بد من الإيمان من القارىء والمقروء عليه بأن ذلك نافع، فإذا فعل هذا مع الإيمان من كلٍ من القارىء والمقروء عليه انتفع به. *** بارك الله فيكم ما هي الأدعية التي تقال في الرقية؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الأدعية التي تقال في الرقية أهمها وأعظمها قراءة سورة الفاتحة، فإن قراءة سورة الفاتحة على المريض من أسباب شفائه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وما يدريك أنها رقية)؟ ومن ذلك ما جاءت به السنة، مثل قوله: (باسم الله أرقيك، من كل داء يؤذيك، من شر كل عين حاسد الله يشفيك). ومثل قوله: (ربنا الله الذي في السماء تقدس اسمك، أمرك في السماء والأرض، كما رحمتك في السماء فاجعل رحمتك في الأرض، أنت رب الطيبين، اغفر لنا حوبنا وخطايانا، أنزل رحمة من رحمتك وشفاء من شفائك على هذا الوجَع أو على هذا الوجِع). ومثل قوله: (اللهم رب الناس، أذهب البأس، اشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقماً). والأحاديث في هذا معروفة، يمكن للسائل أن يرجع إليها في كتاب الوابل الصيب من الكلم الطيب لابن القيم، أو في كتاب الأذكار للنووي، أو غيرهما مما كتبه أهل العلم في هذا الباب. *** بينما كنت جالساً في مصلى المسجد أقرأ القرآن دخلت علي امرأة ومعها فتاة بالغة، وطلبت مني أن أقرأ على الفتاة آيات من القرآن؛ لأنها كانت تعاني من حالة نفسية، فقرأت قدر خمسين آية من سورة البقرة، وبعد أن انتهيت من القراءة قمت بمسح رأس ووجه الفتاة، وطلبت منها أن تنظر في المصحف. فهل أنا آثم على ما فعلت؟ علماً بأني ما أردت من ذلك إلا الخير والثواب وقصد الشفاء إن شاء الله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما قراءتك على الفتاة فإن هذا لا بأس به، ولكن في هذه الحال يجب أن تكون ساترة لما يجب ستره من الوجه وغيره، وأما مسحك رأسها ووجهها بعد قراءتك فلا أرى له وجهاً، ولا ينبغي ذلك منك، بل يحرم عليك أن تمس بشرة امرأة أجنبية منك، ليست زوجة وليس بينك وبينها محرمية، فعليك أن تتوب إلى الله من هذا الأمر، وأن لا تعود إليه. أما القراءة على النساء والرجال مع مراعاة التحفظ الواجب فإن هذا لا بأس به، وهو من الإحسان، بشرط أن لا يكون هناك فتنة. *** المستمع يحيى أبو خالد يقول: ما صحة هذا الحديث المروي عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه (إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه، ثم نفث فيهما فقرأ: قل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الناس، وقل أعوذ برب الفلق، ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده، يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده) ويفعل ذلك ثلاث مرات، وما كيفية النفث؟ أرجو الإفادة والتوضيح بارك الله فيكم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث صحيح أنه كان عليه الصلاة والسلام إذا أوى إلى فراشه فعل ما ذكره السائل، لكن السائل بدأ بقل أعوذ برب الناس قبل قل أعوذ برب الفلق، والترتيب الصحيح أن نقول: قل أعوذ برب الفلق قبل قل أعوذ برب الناس, نفث: نفخ مع ريق خفيف، والحكمة من ذلك أن هذا الريق تأثر بقراءة هذه السورالكريمة، فإذا كان متأثراً به ومسحه على وجهه ورأسه وبسط عن جسده كان في ذلك خيرٌ وبركة وحماية ووقاية للإنسان في منامه. *** السائلة مريم تقول : فضيلة الشيخ هل هناك آيات واردة تقرأ بغرض تسهيل الولادة بالنسبة للمرأة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا أعلم في ذلك شيئاً عن السنة، لكن إذا قرأ الإنسان على الحامل التي أخذها الطلق ما يدل على التيسير، مثل: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ). ويتحدث عن الحمل والوضع، كقوله تعالى: ( وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِه). ومثل قوله تعالى: (إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1) وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا). فإن هذا نافع ومجرب بإذن الله، والقرآن كله شفاء، إذا كان القارىء والمقروء عليه مؤمنَين بأثره وتأثيره فإنه لابد أن يكون له أثر، فإن الله سبحانه وتعالى يقول: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَاراً). وهذه الآية عامة: شفاء ورحمة يشمل شفاء القلوب من أمراض الشبهات وأمراض الشهوات، وشفاء الأجسام من الأمراض المستصعبات. *** بارك الله فيكم المستمع أبو عبد الله يقول: طلبت مني زوجتي أن أذهب بها إلى أحد الأشخاص الذين يرقون المرضى، إلا أني لم أتشجع لذلك مع علمي بجواز الرقية بشروطها، والسبب في ذلك هو أن كثيراً من هؤلاء الذين يقرؤون جعلوا من عملهم وسيلة للتكسب، فينظرون ماذا يدفع لهم، وقد يطلبون مبلغاً معينا،ً فهل عملي في محله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أقول إن تأثير الإنسان في قراءته على حسب إخلاصه ونيته، والذي ينبغي للقراء الذين ينفع الله بهم أن يخلصوا النية لله عز وجل، وأن ينووا بذلك- أي: بقراءتهم على المرضى- التقرب إلى الله، والإحسان إلى عباد الله، حتى ينفع الله بهم، ويجعل في قراءتهم خيراً وبركة. *** هذه رسالة وصلت من السائل أحمد بن صالح الطليان يقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ما حكم التفرغ للقراءة واتخاذها حرفة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أقول: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. التفرغ للقراءة على المرضى من الخير والإحسان، إذا قصد الإنسان بذلك وجه الله عز وجل، ونفع عباد الله، وتوجيههم إلى الرقى الشرعية التي جاءت في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. وأما اتخاذ ذلك لجمع الأموال فإن هذه النية تنزع البركة من القراءة، وتوجب أن يكون القارىء عبداً للدنيا: إن أعطي رضي، وإن لم يعط سخط. لذلك أنصح إخواني الذين يتفرغون للقراءة على المرضى أن يخلصوا النية لله عز وجل، وألا يكون همهم المال، بل إن أعطوا أخذوا، وإن لم يعطوا لم يطلبوا، وبذلك تحصل البركة في قراءتهم على إخوانهم، هذا ما أقوله لإخواني القراء. *** هل تجوز القراءة في الماء والنفث فيه ؟ الشيخ: القراءة على المريض فعلها السلف رحمهم الله، ولعل لها أصلاً من كون الرسول عليه الصلاة والسلام عند النوم ينفث في يديه ويقرأ: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)، و(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ)، و(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) ثلاث مرات. *** كيف يفعل الإنسان بالماء المقروء فيه بالقرآن إذا أراد أن يغتسل به؟ فأجاب رحمه الله تعالى: المعروف أن قراءة القرآن في الماء إنما يشربها المريض ولا يغتسل بها، وإذا كان المرض في الجلد- يعني: لا في داخل الجسم- فإنه يؤخذ من هذا الماء ويدهن به الجلد، يؤخذ بقطنة أو بمنديل ويدهن به الجلد المصاب، هذا المعروف، أما أن يغتسل به الإنسان غسلاً كاملاً فلا أصل له. *** هل يجوز أن أستعمل الماء أو الزيت المقروء فيه أثناء العذر الشهري؟ وهل تجوز القراءة على الكريمات مثل الفازلين وغيره؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يجوز للمرأة الحائض أن تستعمل ما قرىء به من زيت أو ماء أو تمر أو خبز أو غيره، وتجوز القراءة في الأدهان جميعها، وفي الأطعمة التي يأكلها المريض، وفي الأشربة التي يشربها؛ لأن الله تعالى قال : (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ). فإذا استعمل القرآن على وجه ظهرت فيه الفائدة والمصلحة وليس فيه إهانة للقرآن الكريم فلا بأس، وقولنا: ليس فيه إهانة للقرآن الكريم، احترازٌ من ما يوجد في بعض الأواني: يكتب في بعض الأواني آية الكرسي أو غيرها من القرآن، منقوراً نقراً لا يزول بالغسل، وهذا لا شك أنه إهانة للقرآن، وأنه لا يجوز؛ لأن هذا الإناء مبتذل، وربما يلقى في الأرض، وربما يداس بالقدم خطأً أو عمداً نسأل الله العافية، فلذلك لا يحل للإنسان أن يكتب شيئاً من القرآن على وجه محفور يبقى في الإناء؛ لما في ذلك من امتهان القرآن الكريم. *** بارك الله فيكم ما حكم القراءة في الماء ثم يقوم الإنسان بشربه أو إعطائه للمريض ليشربه؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا ورد عن السلف الصالح رحمهم الله أنهم يقرؤون القرآن ويلفظون بريقهم ليشربه المريض، وقد جرب هذا ونفع، لكن إذا علم القارىء أن في فمه داء يمكن أن تنتقل الجراثيم بواسطة الريق إلى هذا الماء فيصاب به المريض فإنه لا يجوز له ذلك، خوفاً من وقوع الضرر على المريض، وفي هذه الحال يمكن أن يذهب الرجل بنفسه إلى المريض فيقرأ عليه. *** هل ورد في سنة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم قراءة القرآن للمريض في الماء ثم شربه؟ أو قراءة القرآن في الزيت ثم الادهان به؟ أو قراءة القرآن في كأس مكتوبٍ فيه آية الكرسي ووضع ماء فيه ثم شرب الماء؟ لأن كثيراً من الناس يفعلون ذلك، هل هذا جائز يا فضيلة الشيخ أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: قال الله عز وجل: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ). وهذا الشفاء الذي أنزله الله عز وجل في هذا القرآن الكريم يشمل شفاء القلوب من أمراضها، وشفاء الأبدان من أمراضها أيضاً. ولهذا لما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أبو سعيد أو غيره ممن معه في السرية التي بعثها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستضافوا قوماً من العرب فلم يضيفوهم، ثم إن سيد هؤلاء القوم لدغ، فطلبوا له قارئاً يقرأ من السرية التي بعثها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاؤوا إليهم وقالوا: هل منكم من راق؟ يعني: من قارئ قالوا: نعم ولكنكم لم تضيفونا، فلا نرقي لكم إلا بِجُعل. فجعلوا لهم شيئاً من الغنم، ثم ذهب قارئٌ منهم يقرأ على هذا اللديغ، فقرأ عليه بفاتحة الكتاب، فقام كأنما نشط من عقال، يعني: قام بسرعة طيباً بريئاً، ثم أعطوهم الجُعل، ولكنهم توقفوا حتى يسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذا قال: (خذوا، واضربوا لي معكم بسهم). وقال للقارىء (وما يدريك أنها رقية)؟ يعني ما يعلمك أنها- أي: الفاتحة- رقية؟ وهكذا بعض الآيات الأخرى التي يسترقي بها الناس التي يقرأ بها الناس، على المرضى، كثير فيه فائدةٌ مجربة معروفة، فإذا قرأ القارىء على المريض بفاتحة الكتاب وبغيرها من الآيات المناسبة فإن هذا لا بأس به ولا حرج، وهو من الأمور المشروعة. وأما كتابة القرآن بالأوراق ثم توضع في الماء ويشرب الماء، أو على إناء ثم يوضع فيه الماء ويرج فيه ثم يشرب، أو النفث في الماء بالقرآن ثم يشرب، فهذا لا أعلم فيه سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنه كان من عمل السلف، وهو أمرٌ مجرب، وحينئذٍ نقول: لا بأس به- أي: لا بأس أن يصنع هذا للمرضى لينتفعوا به- ولكن الذي يقرأ في الماء بالنفث أو التفل ينبغي له أن لا يفعل ذلك إذا كان يعلم أن به مرضاً يخشى منه على هذا المريض الذي قرىء له. *** هل يمكن علاج الأمراض بالرقية؟ وهل هناك أحاديث واردة عن الرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك؟ وهل كتابة آية الكرسي وسورة يس أو الفاتحة في ورقة، ثم نقوم بوضعها في ماء ونشرب ذلك الماء، هل هذا من السنة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم الأمراض قد تشفى بقراءة القرآن، وهذا أمرٌ واقع شهدت به السنة، وجرت عليه التجارب، فإن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رهطاً في سرية، فنزلوا على قوم، ولكن القوم الذين نزلوا عليهم لم يضيفوهم، فقعدوا ناحية، ثم إن الله سبحانه وتعالى سلط على سيدهم حيةً فلدغته، فجاؤوا إلى هؤلاء الرهط وقالوا: هل معكم من يرقي؟ قالوا: نعم. تقدم إليه رجل فقرأ عليه الفاتحة، فقام كأنما نشط من عقال، فلما وصلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبروه قال له عليه الصلاة والسلام: (وما يدريك أنها رقية)؟ وقد قال الله عز وجل: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَاراً). وأما ما ذكره السائل من كتابة بعض الآيات التي فيها الاستعاذة والاستجارة بالله عز وجل، بأن توضع في ماء ويشرب، فهذا أيضاً قد جاء عن السلف الصالح، وهو مجربٌ ونافع. لكن ورد في سؤاله ذكر سورة يس، وهذا لا أعلم أن يس مما يرقى به، لكن يرقى بالفاتحة، بآية الكرسي، بالآيتين الأخيرتين في سورة البقرة، بقل هو الله أحد، بقل أعوذ برب الفلق، قل أعوذ برب الناس. *** أسأل عن المحاية التي تكتب على اللوح من القرآن وتشرب من أجل الشفاء، أفيدوني في هذا السؤال جزاكم الله خيراً؟ فأجاب رحمه الله تعالى: كان بعض السلف يكتب بالزعفران في الإناء أو نحوه، ثم يخض بالماء ويشربه المريض، ويحصل به الشفاء إن شاء الله، وهذا يدخل في عموم قول الله تبارك تعالى: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ). فإن قوله تعالى: (مَا هُوَ شِفَاءٌ) يعم الشفاء القلبي والبدني، أي: يعم الشفاء من الأمراض القلبية كالشك والشرك والعداوة للمؤمنين والبغضاء لهم وما أشبه ذلك، وكذلك من الأمراض الجسدية كالصداع والألم وما أشبه ذلك، فالقرآن كله خير، كله شفاء، فإذا استشفى به الإنسان على وجهٍ من الوجوه وانتفع به فهذا محل الغرض *** هذه رسالة وصلتنا من حسين إسماعيل يعقوب من السودان يقول في رسالته: عندنا في السودان بعض من الناس يعرفون بالمشايخ، يكتبون المحايا للناس: إذا مرض الشخص أو أصابه سحر أو غير ذلك من الأمور الخرافية، ما حكم من يتعامل معهم وما حكم عملهم هذا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب على ذلك هو أن الرقية على المريض المصاب بسحر أو بغيره من مرض لا بأس بها إذا كانت من القرآن أو من الأدعية المباحة، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرقي أصحابه، ومن جملة ما يرقيهم به: (ربنا الله الذي في السماء تقدس اسمك، أمرك في السماء والأرض، أنت رب الطيبين، كما رحمتك في السماء فاجعل رحمتك في الأرض، أنزل رحمة من رحمتك وشفاء من شفائك على هذا الوجع فيبرأ). ومن الأدعية المشروعة: (باسم الله أرقيك، من كل داء يؤذيك، من شر كل عين أو حاسد الله يشفيك، باسم الله أرقيك). ومنها: (أن يضع الإنسان يده على الألم الذي يؤلمه من بدنه فيقول: أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر). إلى غير ذلك مما ذكره أهل العلم من الأحاديث الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم. وأما كتابة الآيات أو الأذكار وتعليقها، فقد اختلف أهل العلم في ذلك، فمنهم من أجازه ومنهم من منعه، والأقرب المنع من ذلك؛ لأن هذا لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما الوارد أن يقرأ على المريض، أما أن تعلق الآيات أو الأدعية على المريض في عنقه أو في يده، أو تحت وسادته وما أشبه ذلك، فإن ذلك من الأمور الممنوعة على القول الراجح؛ لعدم ورودها، وكل إنسان يجعل شيئاً من الأمور سبباً لأمر آخر بغير إذن من الشرع فإن عمله هذا يعد نوعاً من الشرك؛ لأنه إثبات سبب لم يجعله الله سبباً، هذا بقطع النظر عن حال هؤلاء المشايخ، فلا ندري لعل هؤلاء المشايخ من المشعوذين الذين يكتبون أشياء منكرة وأشياء محرمة، فإن ذلك لا شك في تحريمه، ولهذا قال أهل العلم: لا بأس بالرقى بشرط أن تكون معلومة مفهومة خالية من الشرك. *** من السودان ومن مدينة أبو زيد وردتنا هذه الرسالة من مختار التجاني مهدي يقول في سؤاله: ما هو رأي الدين في كتابة آيات من القرآن في لوح من الخشب، ومحو هذه الآيات وتقديمها إلى المريض؟ وهل كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعمل ذلك أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا نحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه عمل مثل هذا، ولكن بعض السلف كانوا يفعلون ذلك، فإذا فعله الإنسان فلا حرج عليه، ولكن الأفضل من هذا والأولى أن يقرأ هو بنفسه على المريض ما وردت السنة به من الآيات والأحاديث، ومن ذلك مثلاً قراءة الفاتحة على المريض، فإنها من أبلغ الأدوية، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (وما يدريك أنها رقية)؟ وكذلك القراءة على المريض بقل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس، وكذلك ما جاءت به الأحاديث مثل: ( اللهم رب الناس، أذهب البأس، واشفِ أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقماً). ومثل: (ربنا الله الذي في السماء تقدس اسمك، أمرك في السماء والأرض، كما رحمتك في السماء فاجعل رحمتك في الأرض، أنت رب الطيبين، واغفر لنا حوبنا وخطايانا، أنزل رحمة من رحمتك وشفاءً من شفائك على هذا الوجع) فيبرأ. (باسم الله أرقيك، من كل داء يؤذيك، من شر كل نفس أوعين حاسد الله يشفيك). وغير ذلك مما جاءت به السنة، فإذا قرأ الإنسان هذه على المريض فهو أولى من كتابة آيات من القرآن تجعل في ماء يستشفي بها المريض. *** أحمد ن. ن من الرياض: يعمل بعض الناس عملاً وهو: أنهم يكتبون بالقلم الحبر أو السائل البعض من الآيات القرآنية أو البعض من الأحاديث أو الأدعية على ورقة، ثم يضعونها بداخل كأس في إناء، ويعطون هذا الماء لأي شخص مريض أو تعبان لكي يشربه، الرجاء منكم توضيح هذا العمل هل هو جائز أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أولاً: يجب أن نعرف أن تلك الكتابة بهذا الحبر أو بالأقلام الناشفة على ورقة ثم توضع في إناء ويشربها المريض قد يكون في ذلك ضرر على المريض؛ لان تركيب هذا الحبر وهذه المادة الناشفة قد يكون فيه أشياء سامة تضر البدن، لكن العلماء رحمهم الله قالوا: إنه يكتب بالزعفران إما على ورقة ثم تلقى في الماء حتى يظهر أثر الزعفران على الماء، وإما في إناء نظيف يكتب فيه آيات من القرآن، ثم يصب فيه الماء ويمزج، ثم يشربه المريض، هذا الذي كان يفعله السلف الصالح، ولا بأس باستعماله، وقد جربه بعض الناس فانتفعوا به. وأما بالنسبة للأقلام وبالنسبة للحبر فلا ينبغي أبداً أن يستعملها الإنسان في هذه المسألة؛ لأننا لا ندري ما هي مركبات هذا الحبر، سواء ناشفاً أو سائلاً. *** هل تجوز الرقية بالنفث بالقرآن والأحاديث؟ حيث يرقي هذا الشخص الماء ثم يشربه المريض؟ فأجاب رحمه الله تعالى: فعل بعض السلف مثل هذا، أي إنه ينفث في الماء ثم يشربه المريض، وقد جرب ونفع، لكن كون القارىء يقرأ على المريض مباشرة أحسن وأفيد وأرجى للانتفاع، والمسلم إذا أتى إلى أخيه ورقاه فإنه على خير، قد يجعل الله الشفاء على يده فيكون محسناً إلى هذا المريض إحساناً بالغاً، ولكن ليعلم أن الراقي على المرضى لابد أن يعتقد أن هذه الرقية نافعة في حد ذاتها، بأنه لو قرأ وهو متشكك متردد فإنها لا تنفع، لابد أن يعتقد بأنها نافعة، ولابد للمرقي أن يعتقد أيضاً انتفاعه بها، فإن كان متردداً شاكّاً فلا تنفعه؛ لأن كل سبب شرعي لابد أن يكون الفاعل له مؤمناً بأنه سبب يؤدي إلى المقصود حتى ينفع الله به، وإنما أحث إخواني الذين نفع الله بقراءتهم على المرضى أن يبتعدوا عن الكلمات التي لا تعرف، والتي ليس فيها إلا أسجاع سمجة باردة، وأن يقتصروا على ما جاءت به السنة من الرقى، وأعظمه الرقية بالفاتحة، فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال- في الذي رقى المريض بها فقام كأنما نشط من عقال، قال النبي صلى الله عليه وسلم-: (وما يدريك أنها رقية)؟ وهذا حث له ولغيره على أن يرقي بها المرضى. *** ما الحكم في تعليق التمائم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: التمائم لا يخلو إما أن تكون من القرآن أو من غيره، فإن كانت من القرآن ففيها خلافٌ بين أهل العلم من السلف والخلف، فمن العلماء من يقول: إن تعليقها جائز ولا بأس به، وربما يستدل بقوله تعالى: (وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ) ويجعل هذا من بركة القرآن أن الله تعالى يرفع به العين والشر ممن علقه. وقال بعض أهل العلم من السلف والخلف: إن تعليقه محرم، وذلك لأن مثل هذه الأمور لا يجوز إثباتها إلا بدليلٍ من الكتاب والسنة، وليس في الكتاب والسنة دليلٌ على أن تعليق القرآن يكون نافعاً لصاحبه، وإنما ينفع من يقرؤه، وقد قال الله تعالى: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الأَلْبَابِ). فنيل البركة من القرآن إنما يكون على حسب ما جاءت به الشريعة، وهذا القول هو القول الراجح أنه لا يجوز أن تعلق التمائم من القرآن على الصدر، ولا أن تجعل تحت الوسادة وما أشبه ذلك، ومن أراد أن يستشفي بالقرآن فليستشفِ به على حسب ما جاءت به السنة وأما إذا كانت التمائم من غير القرآن من طلاسم لا يدرى ما معناه، أو كتابة كالنقوش لا تقرأ وما أشبهها فإنها محرمة, محرمة بلا شك، ولا يجوز للمرء أن يعلقها بأي وجهٍ من الوجوه؛ لأنها قد تكون أسماء شياطين، أو أسماء عفاريت من الجن أو ما أشبه ذلك، والشيء الذي لا تدري معناه لا يجوز لك أن تتناوله وتستعمله في مثل هذا الأمور. |
|||
![]() |
رقم المشاركة : 5 | |||
|
![]() حكم من يلبس الحجاب الذي يكتب فيه كلام الله ،هل هذا حرام أم حلال؟ أفيدونا أفادكم الله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الحجاب يعني التميمة التي تعلق على الإنسان، أو يجعلها بعض الناس تحت الوسادة، أو يعلقها على الجدار، وقد اختلف العلماء رحمهم الله في تعليق التمائم إذا كانت من القرآن أو من الأذكار النبوية أو الأدعية المباحة، اختلفوا في هذا على قولين، فمنهم من منع ذلك؛ لعموم التحذير من التمائم، ومنهم من أجاز ذلك وأدخلها في عموم قوله تعالى: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ). والاحتياط ألا يعلق هذا ولو كان من القرآن أو من الأدعية أو الأذكار الواردة. فأما إذا كانت التميمة لا يقرأ ما فيها فإن تعليقها حرام ولا يجوز، أو كان الذي فيها كتابة لا يعرف ما هي فإن تعليقها حرام ولا يجوز، أو كان ما فيها من أسماء الشياطين أو الجن أو ما أشبه ذلك فإن هذا حرام ولا يجوز. المهم أن التمائم تنقسم إلى قسمين: القسم الأول: ما علم أنه من القرآن أو من الأذكار النبوية أو من الأدعية المباحة، فهذا محل خلاف بين العلماء، والاحتياط ألا يعلقها. والثاني: ما سوى ذلك، فتعليقه حرام على كل حال. *** من مصر أ أ يقول: في الحديث: ( إن الرقى والتمائم والتولة شرك). ما هي التولة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: التولة شيء يصنعونه يزعمون أنه يحبب المرأة إلى زوجها والزوج إلى امرأته، وقريب من ذلك ما يسمى عندنا بالدبلة، يقال: إن الزوج يكتب اسم امرأته في خاتمه، والزوجة تكتب اسم زوجها في خاتمها، ويدعون أنهما- أي: الزوجين- يحصل بفعلهما هذا الألفة بينهما، وأنه لو خلع هذه الدبلة أو خلعتها معناه الفراق. فإذا قال قائل: ما هي الوسيلة إلى أن يحب الرجل زوجته والمرأة زوجها؟ فنقول: الوسيلة إلى ذلك بينها الله بقوله: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ). عاشروهن بالمعروف، فإذا عاشر كل إنسان زوجته بالمعروف، وهي كذلك، حصلت المحبة والألفة والحياة الزوجية السعيدة. *** ما حكم تعليق الأحجبة على أعضاء الجسد، وخاصة تلك الحجب التي بها آيات قرآنية أو أحاديث؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه المسألة- أعني: تعليق الحجب أو التمائم- تنقسم إلى قسمين: أحدهما: أن يكون المعلق من القرآن، والثاني: أن يكون من غير القرآن مما لا يعرف معناه. وأما الأول، وهو: تعليقها من القرآن، فقد اختلف في ذلك أهل العلم سلفاً وخلفاً، فمنهم من أجاز ذلك، ورأى أنه داخلٌ في قوله تعالى: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ)، وأن من بركته أن يعلق ليدفع السوء. ومنهم من حرَّم فعل هذا وقال: إن تعليقها لم يثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه سببٌ شرعيٌ يدفع به السوء أو يرفع به، والأصل في مثل هذه الأشياء التوقيف. وهذا هو القول الراجح، وأنه لا يجوز تعليق التمائم ولو من القرآن، ولا يجوز أن تجعل تحت وسادة المريض، أو تعلق في الجدران أو ما أشبه ذلك، وإنما يوضع المريض ويقرأ عليه مباشرةً، كما كان النبي عليه الصلاة والسلام يفعل. وأما إذا كان المعلق من غير القرآن- وهو القسم الثاني مما لا يعرف معناه- فإنه لا يجوز بكل حال؛ لأنه لا يدرى ماذا يكتب، فإن بعض الناس يكتبون طلاسم وأشياء معقدة، حروفاً متداخلة ما تكاد تعرفها ولا تقرؤها، فهذا من البدع، وهو محرم لا يجوز بكل حال. *** ماحكم وضع القرآن في السيارة حفظاً من العين ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لايجوز هذا ولا ينفع؛ لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه أنه يتحصن بالقرآن على هذا الوجه، وما يتوهمه بعض الناس فهو لأنه تخيّل أنّ هذا نافع، فظن أنّ انتفاء الشر والعين عن سيارته بواسطة وضع المصحف فيها. *** أحسن الله إليكم يا شيخ، امرأة كلما حملت تسقط، وذكر لها أحد الناس بعمل تمائم من القرآن وقد نفعت، وهي مترددة، فما الحكم في ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: التمائم من القرآن- يعني: التي تعلق على العنق- اختلف فيها السلف والخلف، فمنهم من قال بجوازها، واستدل بعموم قوله تعالى: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ)، وقالوا: إن أي تجربة يكون فيها الشفاء وهي من القرآن الكريم فإنها داخلة في هذا العموم. ومنهم من قال: إن التمائم ممنوعة، سواء كانت من القرآن أو من غير القرآن، فهذا موضع خلاف بين أهل العلم رحمهم الله. *** السائلة من الأردن تقول: والدي يعلم بأن والدتي تستعمل أحجبة العرافين، لكنه لا يهتم بذلك بحجة أنه يقرأ المعوذات وآية الكرسي، وأنها لن تستطيع أن تؤثر عليه، علماً بأن والدتي تستخدم هذه الأحجبة نظراً للمشكلات بينها وبين أبي، فما الحكم في ذلك مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان الحجاب الذي يعلقه المريض من القرآن والأدعية المباحة فقد اختلف العلماء رحمهم الله في جواز تعليقه، فمنهم من منعه ومنهم من أجازه، أما إذا كان الحجاب قد كتب فيه ما لا يدرى عنه ولا عن معناه فإنه لا يجوز لبسه؛ لاحتمال أن يكون به أشياء شركية لا نعلم بها. *** هذه رسالة وصلت من أحد الإخوة المستمعين من العراق رمز لاسمه بـ ن م ع يقول في رسالته: في بلدنا دارج وضع الحجاب، إما لغرض الحفظ من العين، أو للحماية من إطلاق الرصاص، أي: لا يصيب الشخص أيُّ أذى من إطلاق النار عليه بحمد الله ولبسه للحجاب، أو يوضع في غرض تهدئة الطفل الذي يبكي كثيراً. ولكن رأيي- والله أعلم- هو أنه خرافة أو بدعة، وأستند على قوله تعالى: (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ). ولكن في بعض الأحيان بعض الناس يقولون: إن الحجاب الذي يحتوي على بعض آيات من القرآن أو أدعية من أدعية الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم عبارة عن رقية مكتوبة؛ لأن الرقى هي تؤدي إلى شفائها، فما رأي الشرع في نظركم في هذه المسألة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يريد السائل بالحجاب التميمة التي تعلق على الإنسان في عنقه، أو يجعلونها في جيبه، أو يجعلونها تحت وسادته إذا نام. وهذه التمائم تكون على وجهين: الوجه الأول: أن يكتب فيها ما لا يعلم ولا يدرى معناه، فإن هذه لا تحل ولا تجوز؛ لأنه لا يدرى ما الذي تشتمل عليه: أهو شرك، أم أسماء للشياطين، أو لمردة الجن، أو ما أشبه ذلك من الأشياء المحرمة؟ فهذه لا تجوز قطعاً. وأما الوجه الثاني: فهو التمائم التي يكتب فيها شيء من القرآن على وجه واضح بيِّن يقرأ، أو شيء من الأدعية الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه فيها خلاف بين العلماء، فمنهم من أجازها ومنهم من منعها، والصواب مع من منعها وأنها لا تجوز؛ لأن الاستشفاء بالقرآن إنما يجوز على الوجه الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك بقراءته على المريض مباشرة، وبعض السلف يجوِّز أن يكتب القرآن في إناء بزعفران أو نحوه، ويصب عليه الماء ويحرك حتى يصطبغ الماء بهذا اللون المكتوب به القرآن، ثم يشرب. وعلى هذا فنقول: إن تعليق التمائم واصطحابها في الجيب ووضعها تحت الوسادة لا يجوز مطلقاً، سواء كانت من القرآن أو غيره، ولكن يقرأ على المريض بالآيات التي يرقى بها للمرضى. وأما قول السائل: أرى أن هذا لا يفيد؛ لأن الله تعالى يقول: (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ). فإن الآية لا تدل على منع هذا الحجاب أو هذه التميمة إذا صح أنها سبب شرعي؛ لأن قوله تعالى: (فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ) يشمل ما كشفه الله سبحانه وتعالى بسبب غير معلوم لنا، وما كشفه بسبب معلوم، لكن لا بد أن يكون هذا السبب معلوماً عن طريق الشرع، أو عن طريق الحس و التجربة. *** من سوريا تقول: فضيلة الشيخ انتشرت عندنا ظاهرة الأحراز التي يعلقها الشباب والشابات على صدورهم، وهذه الأحراز مكتوبة من مشايخ يقولون بأنها تحفظ من العين. فما حكم الشرع في نظركم في مثل هذه؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب على هذا السؤال: أنه يجب أن نعلم أن الأسباب التي تجلب الخير أو تدفع الشر لابد أن تكون متلقاة من الشرع؛ لأن مثل هذا الأمر- أعني: جلب الخير أو دفع الشر- لا يكون إلا بتقدير الله عز وجل، فلابد أن نسلك الطريق الذي جعله الله سبحانه وتعالى طريقاً يوصل إلى ذلك، أما مجرد الأوهام التي لا تبنى على أصل شرعي فإنها أوهام لا حقيقة، لها قد يتأثر الإنسان منها نفسياً لاعتقاده فيها ما يعتقد، وإن كان في الحقيقة خلاف ذلك. وتعليق الأحراز على الصدور لا يخلو من حالين: الحال الأولى: أن تكون طلاسم أوحروف مقطعة لا يعلم لها معنى، فهذه محرمة بلا شك، وربما يكتب عليها أسماء الشياطين من الجن ولا يعلم حاملها ذلك، وعلى هذا فيكون تعليقها نوعاً من الشرك، وإذا اعتقد معلقها أنها تنفع أو تضر بدون قدر الله عز وجل كان مشركاً شركاً أكبر، وأما إذا كان يعتقد أن النافع والضار هو الله ولكن هي وسيلة، فهي شرك أصغر؛ لأن الله تعالى لم يجعل هذا سبباً يندفع به الشر أو يحصل به الخير. أما الثاني: فأن تكون هذه الأحراز مكتوبة بحروف معلومة من القرآن أو من صحيح السنة، فهذه موضع خلاف بين العلماء، فمنهم من يرى أنها لا بأس بها، مستدلاً بعموم قوله تعالى: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَاراً). ومنهم من يرى منعها وأنها من الشرك الأصغر، مستدلاً بعموم الأحاديث الدالة على أن التمائم شرك. والذي ينبغي للمؤمن أن يتجنبه، وذلك لأن أقل ما فيها أنه لم يرد فيها عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما يدل على الجواز، والأصل في مثل هذه الأمور المنع حتى يقوم دليل على الجواز. ثم إن الإنسان إذا تعلق بها أعرض عن ما ينبغي أن يقوم به من الأوراد القولية التي جاءت بها الشريعة، مثل قوله صلى الله عليه وآله وسلم في آية الكرسي : (إن من قرأها في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ، ولا يقربه شيطان حتى يصبح). وقوله في الآيتين الأخيرتين من سورة البقرة: (من قرأهما في ليلة كفتاه). وكذلك قوله في المعوذتين. المهم أن هذه الأحراز توجب غفلة الإنسان عن ما ينبغي أن يقوم به من الأوراد الشرعية القولية، وعلى هذا فإن نصيحتي لهؤلاء وأمثالهم أن يَدَعوا هذه الأحراز، وأن يقوموا بما جاءت به السنة من الأوراد القولية، إما من الكتاب وإما من السنة. *** المستمع عودة بن مرعي من قباء شمال يقول: البعض من الناس يكتب سور القرآن الكريم ويعلق ذلك على الأطفال، مثل المعوذتين وسورة الإخلاص، يقصد بأنها تحميه من العين، وتجلب له النفع والهداية. فهل هذا عمل صحيح؟ أرجو بهذا إفادة مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: تعليق الآيات على صدور الصبيان منهيٌ عنه؛ لأنه داخلٌ في التمائم في عمومها، إذ إن الأحاديث الواردة في ذلك لم تستثن شيئاً مما يعلق، ثم إن فيه عرضة بامتهانه؛ لأن الصبي لا يحترز من وقوع الأذى على هذا الذي علق عليه من القرآن، وربما يتلطخ بشيء نجس، وربما يدخل به بيت الخلاء وما أشبه ذلك، فلهذا ينهى عن هذا العمل، ويقال: إذا أردت أن تعوذ أبناءك بشيء فعوذهم بالقراءة عليهم. ومن العلماء من رخص في تعليق المكتوب من القرآن على المريض للاستشفاء به. واستدل بعموم قوله تعالى: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَاراً). والاحتياط أن لا يفعل ذلك، لا لدفع البلاء كما ذكره السائل، ولا لرفعه كما أشرنا إليه، وليكن مستعملاً لما جاءت به السنة من تعويذ الإنسان بالقراءة، والقراءة على المريض كذلك بما جاءت به السنة. *** من العراق محافظة ديالي رمز لاسمه ب ي ي يقول: فضيلة الشيخ ما حكم من يقوم بالقراءة على الأطفال، وكتابة بعض الكلمات أو العبارات في أوراق وتسخيرها لهم، زعماً منه أن في هذا شفاء لهم من الخوف أو غير ذلك مما يسمونه بهذه الأسماء؟ مع العلم بأن هذه العبارات قد تكون غير مفهومة، وأن هذا الرجل يأتيه الناس ويقولون: إن الله هو الشافي، وإن هذا سبب في الشفاء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: تعليق التمائم، أو وضعها تحت وسادة الفراش، أو تعليقها في جدران الحجرة، أو ما أشبه ذلك، كله من البدع، بل مما نهي عنه: (فمن تعلق تميمة فلا أتم الله له). والشفاء الذي يحصل بهذا ليس منها، بل هو فتنة حصل عندها لا بها. لكن اختلف السلف رحمهم الله فيما إذا كان المعلق من القرآن هل هو جائز أم لا؟ فكرهه ابن مسعود وجماعة، وهذا أقرب إلى الإخلاص والتوكل على الله عز وجل، وأجازه آخرون. وأما ما ليس من القرآن فلا يجوز، لا سيما إذا كان فيه حروف لا يعرف معناها، فإنها قد تكون أسماء للشياطين وطلاسم سحرية، فلا يجوز اعتمادها، حتى لو حصل الشفاء عند استعمالها فإنه لم يحصل بها؛ لأنه لم يقم دليل على أنها سبب شرعي، ولا هي سبب حسي، لكن قد يبتلي الله سبحانه وتعالى العبد ويفتنه، فيحصل مطلوبه بوسيلة محرمة. فليحذر العاقل اللبيب من هذه الأمور، وليستعن بالله عز وجل، وليتوكل عليه. نعم لو وجدنا رجلاً صالحاً يقرأ على المريض بالقرآن الكريم وبالأحاديث النبوية فهذا لا بأس به، وهو من السنة أن يرقي الإنسان أخاه بالرقى المشروعة. *** من الأردن تقول في هذا السؤال: أود أن أسأل عن الحجب، وهل يجوز إخراجها من مكانها؟ علماً بأن أهلي قاموا في العام الماضي بالذهاب إلى إحدى النساء التي تعمل ذلك، وتقول بأنها أخرجته من مكانه، وتقوم هذه المرأة بإحضار ماء ويوضع في وسط هذه الحجب، ولكن المرأة تأخذ مبالغ كبيرة مقابل ذلك العمل، هل ينالنا العقاب جراء ذهابنا إلى هذه المرأة وتعاملنا معها؟ وما حكم الشرع في نظركم في هذا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الواقع أنني ما عرفت معنى الحجب بالضبط؛ لأن المعروف أن الحجب هي عبارة عن أوراق يكتب فيها أدعية وتعوذات وآيات قرآنية، يحملها الإنسان على صدره مربوطة في عنقه، يرى أنها تحجبه من الشر ومن الشياطين، وبعضهم يفعل ذلك إذا مرض، يرى أن الله يشفيه بها، هذا معنى الحجب التي نعرف، وأما ما يفيده ظاهر كلامها فكأنها تريد بذلك نقض السحر، ونقض السحر بالسحر ممنوع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن النشرة فقال: هي من عمل الشيطان. لكن قد يكون هناك حالات خاصة ينظر فيها بعينها. *** بارك الله فيكم هذا المستمع أبو عبد الله يقول في هذا السؤال: مرض أحد أقربائي، فطلبت مني والدتي أن أحضر لها عزائم من أحد الناس الذين يقرؤون على الناس، فطلب مني ذلك الرجل مبلغ ألف ريال مقابل هذه العزائم التي توضع عند رأس المريض، فما حكم هذه العزائم؟ وما حكم أخذ هذا الرجل هذا المبلغ الباهظ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما بالنسبة لهذه العزائم فإنه لا يجوز للإنسان أن يستعمل عزائم لا يدري ما هي حتى يعرف أنها من القرآن أو من السنة الصحيحة أو من الأدعية المباحة، فأما أن يأتي لأي شخص يجده يقرأ على الناس ويكتب لهم العزائم فيطلب منه ذلك فإن هذا لا يجوز. وأما وضعها عند الرأس فلا أصل له، ولم يفعله أحد من السلف، لكن رخص بعض السلف في العزائم إن كانت من القرآن أن يتقلدها الإنسان، أو أن يضعها في ماء ويشرب أثر المداد الذي يتحلل في هذا الماء، وأما وضعها عند الرأس أو تحت الوسادة فلا أصل له. وأما أخذ الأجرة والعوض على هذه العزائم: فالذي ينبغي للإنسان أن لا يفعل، وإن فعل فلا حرج؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم، أجاز أخذ الأجرة على الرقية في قصة الصحابة الذين بعثهم النبي صلى الله عليه وسلم، فاستضافوا قوماً فلم يضيفوهم، فسلط الله على حية فلدغ، ثم جاؤوا إلى الصحابة يطلبون منهم قارئاً، قالوا لا نقرأ عليكم إلا بكذا وكذا من الغنم. فأعطوهم من الغنم، وبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأقره. وأما كون القارىء يأخذ أجراً كثيراً على عمل يسير: فإني أنصحه أن يتقي الله عز وجل في إخوانه، وألا يستغل ضرورتهم في ابتزاز أموالهم فليأخذ ما يرى أنه حق له، وأما ما زاد فليتورع عنه. *** أحسن الله إليكم هذا سؤال من المستمعة فتاة من الأردن الزرقاء تقول: عمرها خمسة وعشرون عاما،ً فمنذ صغرها وهي تطلب للزواج ولا يحصل نصيب، لا يكون ذلك برفض منها ولكنها لا تدري ما هو السبب، فهي إنسانة طبيعية متوسطة الجمال، فقال الناس لأمها: إن ابنتك لها حجاب عن الزواج، ولكن أمها رفضت هذه الفكرة من الأصل؛ لأنها تخاف الله ولا تصدق بهذه الأشياء. وفي يوم من الأيام ذهبت الفتاة وحدها إلى امرأة يقال لها: شيخة، فقالت لها: إن لك عدة أعمال محجوبة، من ضمنها الزواج والوظيفة والقلق والكراهية وما إلى ذلك، وعملت لها عدة أشياء، منها ما يعلق على الصدر وعلى الكتف اليمين، ومنها ما يشرب ويرش، فبقيت تستعمل هذه الأشياء بالسر عن والدتها، ومضى شهر وشهران وأكثر ولم يطرق بابها أي خاطب. أما ما قالته لها بخصوص العمل فهي موظفة، أما ما تعانيه فهو صحيح: فهي تكره أن ترى الناس، بعد ذلك تغيرت وأصبحت حالتها أحسن، وذات مرة خطر ببالها أن تمزق هذا الحجاب الذي أعطته لها تلك المرأة، وعندما فتحته وجدت بداخله تكراراً لأسماء الرسول والخلفاء وبعض الرسل وبعض الأسماء الغريبة، فحرقتها جميعا .ً فتسأل: هل صحيح أن الحجاب الذي يعمله المشعوذون يمنع الفتاة عن الزواج؟ وهل ما قامت به من تمزيقه حرام؟ مع العلم أن بعض ما أخبرتها به صحيح؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا سؤال يتلخص جوابه في شيئين: الشيء الأول: تعليق هذه الحجب، سواء كان لطالب الزواج، أم للبراءة من المرض الجسمي أو النفسي، هل هو جائز أو ليس بجائز؟ في هذا خلاف بين أهل العلم، فمنهم من يرى أنه ليس بجائز على كل حال، وذلك لأنه لم يرد في كتاب الله ولا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تعليق مثل هذا يكون سبباً في إزالة ما يكره أو حصول ما هو محبوب، وإذا لم يثبت شرعاً فإنه لا يجوز إثبات كونه سبباً. ومن العلماء من يقول: إنه لا بأس به- أي: بتعليق الحجاب- لدفع ضرر أو حصول منفعة، لكن بشرط أن يكون من إنسان موثوق به، وأن يعلم ما كُتب فيه، وأن لا يكون هذا المكتوب مخالفاً لما جاء به الشرع، فإذا تمت هذه الشروط الثلاثة فهو جائز، وبعضهم يشترطون شرطاً رابعاً، وهو: أن يكون من القرآن خاصة. وعلى هذا القول الثاني يجوز التعليق بالشروط الأربعة، ولكن الذي أرى أنه لا يجوز مطلقاً؛ لأن تعليل من قال بعدم الجواز قوي، حيث إنه لم يثبت في كتاب الله ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم أن هذا من الأسباب النافعة، وكل شيء يثبت سبباً لشيء ولم يكن معلوماً بالشرع أو معلوماً بالحس فإنه لا يجوز إثباته. أما المسألة الثانية أو الشيء الثاني مما يتضمنه جوابنا هذا على سؤال المرأة: فإن هذا الذي عملته في هذا الحجاب تمزيقه من المعروف، وهو عمل طيب، بل يجب عليها إذا كانت لا تدري ما الذي فيه أن تكشف عنه، فإذا رأت فيه مثلما ذكرت أسماء الرسول صلى الله عليه وسلم وأسماء الخلفاء وبعض الرسل فإنه لا يجوز تعليقه؛ لأن هذا شيء غير مؤكد، وإذا رأت فيه قرآناً فإنه ينبني على الخلاف الذي ذكرناه قبل قليل والذي نرى أيضاً أنه لا يجوز تعليقه. فإذا كان قرآناً فهناك طريقان: إما أن تدفنه في محل نظيف، وإما أن تحرقه وتدقه بعد إحراقه حتى يتلاشى نهائياً. وبهذه المناسبة أود أن أحذر إخواننا من التردد على أولئك الناس الذين يكتبون هذه الأحراز وهذه الحجب، وحالهم لا تعلم لا من جهة الديانة ولا من جهة العلم؛ لأن هذه من الأمور الخطيرة، وكون الإنسان إذا فعلها يتأثر ويجد خفة قد لا يكون ذلك من جراء هذا العمل، قد يكون الله تعالى قد أذن ببرئه أو شفائه وصادف أن يكون عند هذا الشيء لا به، وأيضاً فإنه من المعلوم نفسياً أن الإنسان إذا شعر بشيء منه نفسياً فإنه يتأثر به جسمه، حتى إن الإنسان -كما هو مشاهد- إذا كان غافلاً عما به من مرض فإنه لا يحس به، فإذا التفت بفكره إليه أحس به هذا الرجل، يكون مشتغلاً بتحميل عفشه مثلاً فيجرحه مسمار أو زجاجة، تجده لا يحس بها حين اشتغاله بالعمل، فإذا تفرغ فإنه يحس به؛ لأنه جعل فكره إليه. والمهم أننا ننصح إخواننا عن هذه الطرق التي لا يعلم من سلكها، ولا يعلم ما فيها من مكتوب، والإنسان ينبغي له أن يعلق قلبه بالله عز وجل، ويتبع ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في الاستشفاء بالقرآن والدعاء. *** من السودان المستمع إدريس يقول: يوجد في قريتنا مسجد، ولكن إمام المسجد يستعمل التراب من القبور، ويكتب التمائم والحروز، ويدعي بأنها تعالج المرضى وتفك من السحر والعين. هل تصح الصلاة خلف هذا الإمام المذكور؟ نرجو إفادة مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إنه لا شك أن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وأن شر الأمور محدثاتها، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلن ذلك في خطب الجمع. وأخذ التراب من القبور للاستشفاء به بدعة، وهو ضلال في دين الله وسفهٌ في العقل، فإن هذا التراب لم يحدث له أي شيء يجعله سبباً في شفاء المرضى من أجل دفن الميت في القبر، بل هذه التربة كسائر تراب الأرض، وليس لها مزيةٌ على غيرها، ومن تبرك بها أو استشفى بها فقد ابتدع وضل وسفه في عقله، وعليه أن يتوب إلى الله عز وجل من هذا العمل، وأن يعلم أن الشفاء من الله عز وجل، وأنه لا شفاء بأي سببٍ من الأسباب إلا ما جعله الله سبباً، ولم يجعل الله تعالى أخذ التراب من القبور سبباً في شفاء المرضى. وأما القراءة على المرضى بآياتٍ من القرآن، أو بما جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإن هذا سببٌ شرعي يحصل به الشفاء بإذن الله، وقد صح أن سريةً في عهد النبي عليه الصلاة والسلام نزلوا على قومٍ فاستضافوهم، فأبى القوم أن يضيفوهم، فقدر الله تعالى على سيدهم- أي: سيد القوم- أن لدغته حية، فأتوا إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: هل عندكم من راقٍ؟ قالوا: نعم. قالوا إنه لدغ سيدهم، فيريدون أن يرقى عليه. فقالوا لا نرقي عليه إلا بكذا وكذا من الغنم. فأعطوهم إياها، فذهب أحد القوم من السرية إلى اللديغ، فجعل يقرأ عليه بفاتحة الكتاب، فقام هذا الملدوغ كأنما نشط من عقال، وبرأ بإذن الله بقراءة الرجل عليه سورة الفاتحة. وتأثير قراءة القرآن في المرضى أمرٌ لا ينكر، قال الله تعالى: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَاراً). والشفاء هنا شامل الشفاء من أمراض القلوب وأمراض الأجسام، وهذا الإمام الذي ذكرت أنه يتبرك بتراب القبور ويستشفي بها يجب عليكم أن تنصحوه، وتبينوا له أن ذلك بدعةٌ وضلالٌ في دين الله وسفهٌ في العقول، وأن عليه أن يتوب إلى الله عز وجل من هذا العمل الذي كان يقوم به. وأما قراءته على المرضى بآياتٍ من القرآن وبما جاءت به السنة فإن هذا لا بأس به، بل هو أمرٌ مطلوب. وأما الصلاة خلفه: فالقول الراجح من أقوال أهل العلم أن الإنسان إذا لم يصل بعمله وبدعته إلى الكفر المخرج من الإسلام فإنه يصلى خلفه، وتصح الصلاة خلفه، إلا إذا كان في الصلاة خلفه فتنة، بحيث يفتتن به الناس ويتابعونه على بدعته، فحينئذٍ يحسن أن لا يصلى خلفه؛ لئلا يفتتن به الناس ويظنوا أنه على حق، حيث كان الناس يصلون وراءه، لا سيما إذا كان الذي يصلى وراءه ممن يشار إليهم بالفقه والعلم. *** يقول الله تعالى في سورة البقرة : (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ). ما معنى هذه الآية؟ وهل يدخل فيها من يكتبون الحجب من القرآن مقابل أجر نقدي يتقاضونه؟ فأجاب رحمه الله تعالى: معنى هذه الآية الكريمة أن الله سبحانه وتعالى توعد أولئك الذين يفترون عليه كذباً فيكتبون بأيديهم كلاماً ثم يقولون للناس: هذا من عند الله، من أجل أن ينالوا به حظاً من الدنيا، إما جاهاً أو رئاسة أو مالاً أو غير ذلك، ثم بين الله تعالى أن هذا الوعيد على الفعلين جميعاً: على كتابتهم الباطلة، وعلى كسبهم المحرم الناشيء عن هذه الكتابة الباطلة. أما الذين يكتبون الحجب- وهي: ما يعلق على المريض لشفائه من المرض، أو على الصحيح لوقايته من المرض -فإنه ينظر: هل تعليق هذه الحجب جائز أم لا؟ إذا كانت هذه الحجب لا يعلم ما كتب فيها، أو كتب فيها أشياء محرمة، كأسماء الشياطين والجن وما أشبه ذلك، فإن تعليقها لا يحل بكل حال. وأما إذا كانت هذه الحجب مكتوبة من القرآن والأحاديث النبوية ففي حلها قولان لأهل العلم، والراجح أنه لا يحل تعليقها، وذلك لأن التعبد لله سبحانه وتعالى بما لم يشرعه الله بدعة،ولأن اعتقاد شيء من الأشياء سبباً لم يجعله الله سبباً نوع من الشرك. وعلى هذا فالقول الراجح أنه لا يجوز أن يعلق على المريض شيء، لا من القرآن ولا من غيره، ولا أن يعلق على الصحيح شيء، لا من القرآن ولا من غيره، وكذلك لو كتبت هذه الحجب ووضعت تحت وسادة مريض ونحو ذلك، فإنه لا يجوز. *** المستمع سعيد عبد اللطيف صالح من اليمن لواء تعز يقول : نعلم أنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى بأصحابه صلاة الصبح في الحديبية على إثر سماء نزلت في الليل، فلما سلم أقبل على أصحابه وقال لهم: أتدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا:الله ورسوله أعلم. قال: (إنه قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فمن قال: مطرنا بفضل الله ورحمته، فقد أصبح وهو مؤمن بي وكافر بالكوكب، ومن قال: مطرنا بنوء كذا، فهو مؤمن بالكوكب وكافر بي). وفي هذا الزمن يقولون: إن الأمطار تتبخر، أو هي نتيجة تبخر البحار والمحيطات إلى غير ذلك، فمن اطلع على حقيقة ذلك؟ وهل هذا الاعتقاد جائز؟ وما الدليل من الكتاب والسنة على هذا القول؟ فأجاب رحمه الله تعالى: قول السائل: نعلم أنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم، الصواب أن يقال: إنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن قول: روي عن الرسول معناه تضعيف الحديث، والحديث ثابت، وهو أن الرسول عليه الصلاة والسلام صلى بأصحابه صلاة الصبح على إثر مطر نزل، فلما أنهى صلاته أقبل عليهم وقال: (هل تدرون ماذا قال ربكم)؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: (قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا، فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب). من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته، فهو مؤمن بالله؛ لأنه اعترف لله بالفضل، وأن هذا المطر من آثار فضله ورحمته تبارك وتعالى، وهذا هو الواجب على كل مسلم أن يضيف النعم إلى بارئها ومسديها وهو الله تبارك وتعالى، ولا حرج أن يضيفها إلى سببها الثابت شرعاً أو حساً إلا أنه إذا أضافها إلى سببها الثابت حساً أو شرعاً، فإنه لا يضيفها إلى السبب مقروناً مع الله عز وجل بالواو، وإنما يضيفها إلى سببها مقروناً مع الله تعالى بثم، أو إلى سببها وحده. فلو أن شخصاً أنقذ غريقاً من غرق فهنا لا يخلو من حالات: الأولى: أن يقول: أنقذني الله تعالى على يد فلان، وهذا أفضل الأحوال. الثانية: أن يقول: أنقذني الله ثم فلان، وهذه جائزة، وهي دون الأولى. الثالثة: أن يقول: أنقذني فلان، ويعتقد أنه سبب محض، وأن الأمر كله إلى الله عز وجل، وهذه جائزة، ويدل لجوازها أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أخبر عن عمه أبي طالب أنه كان في ضحضاح من نار، وعليه نعلان يغلي منهما دماغه- والعياذ بالله- قال النبي عليه الصلاة والسلام: (ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار). الرابعة: أن يقول: أنقذني الله وفلان، وهذا لا يجوز؛ لأنه أشرك سبباً مع الله بحرف يقتضي التسوية وهو الواو، ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له رجل: ما شاء الله وشيءت. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أجعلتني لله نداً؟ بل ما شاء الله وحده). فالمطر النازل لاشك أنه بفضل الله ورحمته وبتقديره عز وجل وقضائه، ولكن الله تعالى جعل له أسباباً، كما أشار الله إليه بقوله: (اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً). قال: ( يُرْسِلُ ) ( فَتُثِيرُ ) أضاف الإثارة إلى السحاب؛ لأنها سبب هذه الإثارة، فتثير سحاباً فيبسطه في السماء كيف يشاء، فلا بأس بإضافة الشيء إلى سببه مع اعتقاد أنه سبب محض، وأن خالق السبب هو الله عز وجل. وأما قول الرسول عليه الصلاة والسلام عن الله تبارك وتعالى: (أن من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا، فهوكافر بي مؤمن بالكوكب، فهذا لأنهم أضافوا الشيء إلى سبب غير صحيح؛ لأن النوء ليس سبباً للمطر، فالنوء الذي هو الكوكب ليس هو الذي يجلب المطر، ولا علاقة له به، ولذلك أحياناً تكثر الأمطار في نوء من الأنواء في سنة وتقل في سنة أخرى وتعدم في سنة ثالثة، وربما يكون العكس فالأنواء ليس لها تأثير في نزول المطر ولهذا كانت إضافة المطر إليها نوعاً من الشرك فإن اعتقد أن النوء يحدث المطر بنفسه بدون الله فذلك شرك في الربوبية، شرك أكبر مخرج عن الملة، فهذا وجه قوله تبارك وتعالى فيما رواه عنه نبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا، فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب). وأما ما اشتهر من أن الأمطار تكون بسبب تبخر البحار ونحو ذلك: فهذا إن صح فإنه لا ينافي ما ذكره الله تعالى في القرآن، إذ من الجائز أن يكون هذا البخار تثيره الريح حتى يصعد في جو السماء، ثم يبسطه الله تعالى في السماء كيف يشاء، ثم ينزل به المطر، وهذه مسألة ترجع إلى أهل العلم بهذا الشأن، فإذا ثبت ذلك فإنا نقول: هذا البخار الذي تصاعد من البحار الذي خلقه هو الله، والذي جعله يتصاعد في الجو حتى يمطر هو الله عز وجل، ولا ينافي ذلك ما جاء في القرآن إذا صح علمياً. والله أعلم. *** وردتنا رسالة حول بعض الآبار يقول: إن بعض الناس يقومون بالذهاب إلى البئر التي تقع على طريق المدينة المنورة، ومثلها العين التي تقع في تهامة، لقصد طلب الشفاء من بعض الأمراض، والشافي هو الله سبحانه وتعالى، وأنه عند العودة من هناك يخبروننا بأنهم قد شُفي البعض منهم من بعض الأمراض التي بهم، مثل أمراض كثيرة والأمراض الصعبة، فما رأيكم في صحة ما يذكرون عند اعتقادهم بأن الاغتسال من ذلك الماء يشفي المرضى والله يحفظكم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: رأينا في هذا أنه إذا ثبت أن لهذا الماء تأثيراً حسياً في إزالة الأمراض فإنه لا بأس من قصده والاستشفاء به، وذلك لأن الطب على نوعين:أحدهما: ما ثبت به الشرع، فهذا مقبول بكل حال ولا يسأل عنه، إنَّما يسأل عن هل هذا الذي ثبت بالشرع أنه دواء هل يكون دواء لهذا المرض المعين؟ لأنه ليس كل ما كان دواء لمرض يكون دواء لكل مرض. القسم الثاني من أقسام الطب: شيء لم يثبت به الشرع لكنه ثبت بالتجارب، وهذا كثير جداً من الأدوية المستعملة قديماً وحديثاً، فإذا ثبت بالاستعمال والتجارب أن هذا له تأثير حسي في إزالة المرض فإنه لا بأس باستعماله، وكثير من الأدوية التي يتداوى بها الناس اليوم إنما عُلمت منافعها بالتجارب؛ لأنه لم ينزل فيها شرع. فالمهم أن ما أشار إليه السائل من هذه المياه، إذا ثبت بالتجارب أن لها تأثيراً في بعض الأمراض، فإنه لا بأس بالاستشفاء بها والذهاب إليها. *** الأخت سعدية كنجاري من الأفلاج تقول: أرى بعض الناس عندنا عندما يريدون الاحتفاظ بطعام إلى وقت آخر يضعون تمرة على غطاء الإناء الذي فيه الطعام، يزعمون أنها تحفظه من كل سوء كالحشرات ونحوها. فهل في فعلهم هذا ما يناقض التوحيد؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الفعل- وهو: وضع التمر على الطعام لئلا تصيبه الحشرات، هذا- لا أصل له، ولا أعلم له أصلاً من الشرع، ولا أصلاً من الواقع، فإن الحشرات تأتي إلى ما يلائمها، فمنها ما يلائمها التمر وتأتي حوله، بل تأكل منه أيضاً، ومنها ما يلائمها الدسم فتأتي إليه وتطعم منه، ولا أصل لهذا الذي يفعل. وإذا لم يكن له أصل من الشرع ولا من الواقع فإنه لا ينبغي للإنسان أن يفعله؛ لأنه مبني على مجرد أوهام وخيالات لا حقيقة لها. *** هذه رسالة وردتنا من المرسل م. ن. العتيبي من نجد: في أيام التشريق ونحن نذهب من منى إلى الجمرات ونعود إليها نجد بعض الأفريقيين يجلسون على الطرقات، ويبيعون أكياساً مثل الحبال، وهي من الجلد الملون، ومختومة من جميع أطرافها، وفيها شيء لا نعلمه، ويقولون: فيها شفاء من أمراض عدة وتقي الإنسان: فاللون الأسود عن الجان مثلاً، واللون الأحمر عن الجلجان، واللون الأصفر عن ذات الصفراء، واللون كذا يشفي من المرض كذا، ويقول: ضع هذا في حقيبتك أو في منزلك فيفيدك. فما حكم شراء مثل هذه الأمور؟ وما حكم بيعها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: حكم شرائها لا يجوز، واعتقاد أن فيها هذا النفع الذي يقال لا يجوز أيضاً؛ لأن هذا لا دليل عليه، وأما بيعها فلا يجوز أيضاً، وينبغي لكم- بل يجب عليكم- إذا رأيتم مثل هذا أن تخبروا السلطات عن هذا الأمر، حتى يمنعوهم من أكل أموال الناس بالباطل؛ لأن التكسب بمثل هذه الأمور من أكل أموال الناس بالباطل، والواجب منعه وتأديب فاعله. *** بارك الله فيكم من ينبع المستمع رمز لاسمه بـ ف ج يقول في رسالته: نرى كثيراً ما توضع لافتات ولوحات، سواء كانت من الورق أو القماش أو اللوحات الخشبية، ومكتوب عليها جميعاً آيات قرآنية، وتوضع على أبواب المساجد والعمائر والشوارع العامة، مما يعرض كلام الله سبحانه وتعالى للإهانة لا سمح الله، بسبب سقوط هذه اللوحات على الطرق والمحلات القذرة. نرجو التوجيه من فضيلتكم بشأن هذا الموضوع المهم لحماية كلام الله من التعرض للخطأ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الأمر الذي أشار إليه السائل- وهو: تعليق الآيات القرآنية على الجدران وأبواب المساجد وما أشبهها- هو من الأمور المحدثة التي لم تكن معروفة في عهد السلف الصالح الذين هم خير القرون، كما ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: (خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم). ولو كان هذا من الأمور المحبوبة لله عز وجل لشرعه الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لأن كل ما ينفع الناس في دينهم ودنياهم فهو مشروع على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم، ولو كان هذا من الخير لكان أولئك السلف الصالح أسبق إليه منا ومع هذا فإننا نقول لهؤلاء الذين يعلقون هذه الآيات: ماذا تقصدون من هذا التعليق؟ أتقصدون بذلك احترام كلام الله عز وجل؟ فإن قالوا: نعم. قلنا: لسنا والله أشد احتراماً لكتاب الله سبحانه وتعالى من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك لم يعلقوا شيئاً من آيات الله على جدرانهم أو جدران مساجدهم. وإن قالوا: نريد بذلك التذكير والموعظة. قلنا: لننظر إلى الواقع، فهل أحد من الناس الذين يشاهدون هذه الآيات المعلقة يتعظ بما فيها؟ قد يكون ذلك ولكنه نادر جداً، وأكثر ما يلفت النظر في هذه الآيات المكتوبة حسن الخط، أو ما يحيط بها من البراويز والزخارف، أو ما أشبه ذلك وهو نادر جداً أن يرفع الإنسان رأسه إليها ليقرأها فيتعظ بما فيها. وإن قالوا: نريد التبرك بها. فيقال: ليس هذا طريق التبرك، والقرآن كله مبارك، لكنه بتلاوته وتفقد معانيه والعمل به، لا بأن يعلق على الجدران ويكون كالمتاحف. وإن قالوا: أردنا بذلك الحماية والوِرد. قلنا: ليس هذا طريق الحماية والوِرد، فإن الأوراد التي تكون من القرآن إنما تنفع صاحبها إذا قرأها، كما في قوله صلى الله عليه وسلم فيمن قرأ آية الكرسي في ليلة: (لم يزل عليه من الله حافظ، و لا يقربه شيطان حتى يصبح). ومع هذا فإن بعض المجالس- أو كثيراً من المجالس- التي تكتب فيها الآيات قد يكون فيها اللغو، بل قد يكون فيها الكلام المحرم، أو الأغاني المحرمة، وفي ذلك من امتهان القرآن المعنوي ما هو ظاهر. ثم إن الامتهان الحسي الذي أشار إليه السائل- بأن هذه الأوراق قد تتساقط في الأسواق وعلى القاذورات، وتوطأ بالأقدام- هو أمر آخر أيضاً مما ينبغي أن ينزه عنه، بل مما يجب أن ينزه عنه كلام الله عز وجل. والخلاصة: أن تعليق هذه الآيات إلى الإثم أقرب منه إلى الأجر، وسلوك طريق السلامة أولى بالمؤمن وأجدر. على أنني أيضاً رأيت بعض الناس يكتب هذه الآيات بحروف أشبه ما تكون مزخرفة، حتى إني رأيت من كتب بعض الآيات على صورة طائر أو حيوان، أو رَجُلٍ جالسٍ جلوس التشهد في الصلاة أو ما أشبه ذلك، فيكتبون هذه الآيات على وجه محرم، على وجه التصوير الذي لعن النبي صلى الله عليه وسلم فاعله. ثم إن العلماء رحمهم الله اختلفوا هل يجوز أن ترسم الآيات برسم على غير الرسم العثماني أو لا يجوز؟ اختلفوا في ذلك على ثلاثة أقوال: منهم من قال: يجوز مطلقاً أن ترسم على القاعدة المعروفة في كل زمان ومكان بحسبه، ما دامت بالحروف العربية. ومنهم من يقول: إنه لا يجوز مطلقاً، بل الواجب أن ترسم الآيات القرآنية بالرسم العثماني فقط. ومنهم من يقول: إنه يجوز أن ترسم بالقاعدة المعروفة في كل زمان ومكان بحسبه للصبيان؛ لتمرينهم على أن ينطقوا بالقرآن على الوجه السليم، بخلاف رسمه للعقلاء الكبار فيكون بالرسم العثماني. وأما أن يرسم على وجه الزركشة والنقوش، أو صور الحيوان، فلا شك في تحريمه، فعلى المؤمن أن يكون معظماً لكتاب الله عز وجل محترماً له، وإذا أراد أن يأتي بشيء على صورة زركشة ونقوش فليأتِ بألفاظ ُأخر من الحِكم المشهورة بين الناس وما أشبه ذلك، وأما أن يجعل ذلك في كتاب الله عز وجل، فيتخذ الحروف القرآنية صوراً للنقوش والزخارف، أو ما هو أقبح من ذلك بأن يتخذها صوراً للحيوان أو للإنسان، فإن هذا قبيح محرم. والله المستعان. *** هل يجوز تعليق بعضٍ من الآيات من القرآن الكريم في المنازل أو المكاتب؟ فأجاب رحمه الله تعالى: تعليق الآيات على الجدر ونحوها في المساجد والمساكن، والجواب على هذه الفقرة أنني لا أرى ذلك، أي: لا أرى أن الإنسان يعلق آيات من القرآن على الجدر، سواء في المساجد أو في البيوت؛ لأن هذا التعليق لا بد أن نسأل: ما الحامل على ذلك؟ إن قال: الحامل على ذلك التبرك بكلام الله عز وجل. قلنا: إن التبرك بالقرآن الكريم على هذا الوجه ليس بصحيح؛ لأن هذا لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه أنهم كانوا يتبركون بالقرآن على هذا الوجه، وإذا لم يرد عنهم ذلك عُلِم أنه ليس من الشرع، وإذا لم يكن من الشرع فإنه لا يجوز للإنسان أن يتعبد به لله عز وجل، أو أن يتبرك بالقرآن على هذا الوجه بدون مستندٍ شرعي. قد يقول: إنني أريد بذلك تذكير الجالسين بما تتضمنه هذه الآية من ترغيب أو ترهيب. فنقول: هذا التفكير وإن كان مقصوداً للواضع، لكنه في الحقيقة غير واقع وغير عملي، فما أكثر الآيات التي فيها ترغيب وترهيب، إذا وضعت فإن أكثر الحاضرين- إن لم يكن كلهم- لا ينتفع بذلك ولا يتعظ، قد يكون من المعلق قوله تعالى: (وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً)، ويكون المجلس الذي فيه هذه الآية كله غيبة و كلام في أعراض الناس، فيكون هذا من باب المضادة لكلام الله عز وجل. قد يقول: إني علقتها حماية لبيتي، فأنا أعلق آية الكرسي لتحفظ البيت من الشياطين؛ لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه من قرأ آية الكرسي في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ، ولا يقربه شيطان حتى يصبح). فنقول: هذا أيضاً من البدع، فإن السلف لم يكونوا يحفظون بيوتهم بتعليق الآيات عليها، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (من قرأ آية الكرسي في ليلة)، والقراءة غير التعليق كما هو ظاهر، وبناء على هذه العلة التي يتعلل بها من يعلق الآية تجد كثيراً من الناس يعتمد على هذا التعليق ولا يقرؤها بنفسه؛ لأنه يقول: قد كفيت بتعليق هذه الآية، فيفوت الإنسان خير كثير بناء على هذا العمل المبني على هذا الاعتقاد الذي لا أصل له. و نحن نقول: إن بعض الناس قد يعلقها- أي: الآيات- من باب التجميل، ولهذا تجدهم أحياناً يعلقون آيات كتبت على غير الرسم العثماني، بل هي مخالفة له، وربما يكتبونها على الشكل الذي يوحي به معناها، وربما يكتبونها على صورة بيت أو قصر أو أعمدة وما أشبه ذلك، مما يدل على أنهم جعلوا كلام الله عز وجل مجرد نقوش وزخرفة، وهذا رأيته كثيراً. فالذي أرى أنه لا ينبغي للإنسان أن يعلق شيئاً من كلام الله عز وجل على الجدر، فإن كلام الله أعلى وأسمى وأجل من أن يجعل وشياً تحلى به الجدران، ولا يمكن أن يقاس هذا على شخص علق المصحف بوتد أو شبهه في الجدار، فإن هذا قياس مع الفارق العظيم: فالمصحف مغلف في جيبه أو بظرفه، ولم تبدُ حروفه ولا أسطره، ولا أحد يقول: إني علقت المصحف هنا لأتبرك به أو لأتعظ به، وإنما يقول: علقته هنا لرفعه عن الأرض، وحفظه عن الصبيان ونحو ذلك، وفرق بين البارز الظاهر المعلق أو المشمع على الجدار، وبين مصحف معلق مغلف جعل في فرجة أو علق بوتد أو شبهه، ولا ينطلي هذا القياس على أحد تأمل المسألة وتدبرها. *** هذا السائل جاد الكريم محمد عبد المنان من السودان يقول : اعتاد بعض المزارعين عندنا حينما تثمر مزارعهم ويكثر ورود الطير عليها مما يتلف المحصول عليهم، اعتادوا أن يذهبوا إلى أحد أهل القرية ليعمل لهم ويكتب ورقة تحمي زراعتهم من الطير، بشرط أن يأخذ منهم ربع جوال من المحصول. فهل هذا العمل جائز شرعاً أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا العمل ليس بجائز شرعاً، وذلك لأنه لا يمكن أن تكون هذه الورقة تطرد الطيور عن المزارع، فإن هذا ليس معلوماً بالحس، وليس هو أيضاً معلوماً بالشرع، وكل سبب ليس معلوماً بالحس ولا بالشرع فإن اتخاذه محرم، فلا يجوز أن يعملوا هذا العمل، وإنما عليهم أن يكافحوا هذه الطيور التي تنقص محاصيلهم، يكافحوها بالوسائل المعتادة التي يعرفها الناس، دون هذه الأمور التي لا يعلم لها سبب حسي ولا شرعي. *** السائل محمود يوسف يقول: ما المقصود بالتطير؟ وما حكمه؟ فأجاب رحمه الله تعالى: التطير هو التشاؤم بمرئي أو مسموع أو زمان أو مكان، وأصله من الطير، وكانت العرب في الجاهلية تتشاءم: يزجرون الطير، فإذا طار واتجه إلى جهةٍ ما،تطيروا، حتى إنه ربما كان إنسان قد ربط متاعه و أناخ راحلته يريد السفر، فيتطير، فإذا جنح الطير إلى جهةٍ ما ترك السفر وقال: هذا سفر شر. هذا هو الأصل في معنى التطير، ولهذا يجب على الإنسان إذا حدث في قلبه التشاؤم أن يتوكل على الله وأن يعتمد عليه، وأن لا يبالي بهذه الأوهام التي يجرها الشيطان إلى العبد ليكدر عليه صفوه، فقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا عدوى، ولا طيرة، ولا هامة، ولا صفر). وقال: (ليس منا من تطير أو تطير له، أو سحر أو سحر له) . *** كيف نوفق بين قوله صلى الله عليه وسلم : (لا عدوى، ولا طيرة، ولا هامة، ولا صفر). وبين قوله: (فر من المجذوم فرارك من الأسد)؟ فأجاب رحمه الله تعالى: التوفيق بينهما أن قوله صلى الله عليه وسلم : (لا عدوى ،ولا طيرة) نفي لما كان يعتقده أهل الجاهلية بأن الأمراض تعدي بنفسها، بحيث ينتقل المرض من المريض إلى السليم بنفسه حتماً، فنفى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، وبين أن العدوى لا تكون إلاباذن الله سبحانه وتعالى، أي: إن هذا النفي يتضمن أن العدوى لا تكون إلا من الله عز وجل، ولهذا أورد على النبي صلى الله عليه وسلم لما حدث بهذا الحديث أن الرجل يأتي إبله السليمة بعير أجرب فتجرب الإبل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم رداً على هذا الإيراد: (فمن أعدى الأول)؟ أي: من جعل في الأول المرض؟ هل هناك مريض أعداه؟ والجواب: لا، ولكن الذي جعل فيه المرض هو الله، فالذي جعل المرض ابتداءً في المريض الأول هو الذي يجعل المرض ثانية في المريض الثاني بواسطة العدوى. وعلى هذا فيكون معنى الحديث (لا عدوى) أي: بنفسها، ولكن ذلك بتقدير الله عز وجل الذي جعل لكل شيء سبباً، ومن أسباب المرض اختلاط المريض بالسليم، ولهذا قال: (فر من المجذوم فرارك من الأسد)؛ لأن اختلاطك به قد يكون سبباً للعدوى، فينتقل المرض من المجذوم إليك إذا اختلطت به، ولهذا قال: (فر من المجذوم فرارك من الأسد). فيكون الحديث الثاني فيه الأمر بتجنب أسباب المرض وهي مخالطة المريض، ولهذا جاء في الحديث: (لا يورد ممرض على مصح) . *** هذا السائل يا فضيلة الشيخ يقول: بعض الشباب يسكنون معي، ودائماً يمزحون ببعض الكلمات العفوية بالنسبة لهم، فيقول أحدهم للآخر مثلاً: إن المصالح اليوم كلها تعطلت في المكان الفلاني لأنك كنت متواجداً فيه، وهذا لشؤم وجهك. ويضحكون لمثل هذا الأمر، حتى صار هذا ديدنهم في كل كلامهم، بل ويقولون: إن فلاناً مات لأنك ذهبت تزوره، فمات من شؤم وجهك، وهذه هي الكلمات التي يقولونها، فأرجو من فضيلة الشيخ الإجابة عن حكم هذا مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الكلام محرم؛ لأنه كذب ورجم بالغيب، ثم إنه قد يوجد عقيدة فاسدة بالتشاؤم من هذا الرجل، ثم إنه قد يوجد عداوة مستقبلاً؛ لأن كثرة المزاح في مثل هذه الأمور تؤثر على القلب وعلى النفس حتى يكون فيه عداوة وبغضاء، فنصيحتي لهؤلاء أن يتجنبوا مثل هذه الكلمات المبنية على الكذب، والتي تسبب ما لا ينبغي أن يكون. *** هذه رسالة من الأخت. ع. م. ق. من السودان تقول: نحن نسكن في منزل منذ أربع سنوات، ومنذ نزلنا هذا المنزل ونحن نمر بحالات سيئة جدّاً: من مرض لأفراد الأسرة، ولما نملكه من بهائم، فلم تعد تتكاثر، فلا نسل منها ولا لبن فيها ولا فائدة، مما جعلنا نتشاءم من هذا المنزل، فهل يجوز لنا ذلك؟ وهل لو خرجنا منه وانتقلنا إلى منزل آخر لهذا السبب، هل نأثم بذلك أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ربما يكون بعض المنازل، أو بعض المركبات، أو بعض الزوجات مشؤوماً، يجعل الله سبحانه وتعالى- بحكمته- مع مصاحبته إما ضرراً، أو فوات منفعة، أو نحو ذلك. وعلى هذا فلا بأس أن تبيعوا هذا البيت وتنتقلوا إلى بيت غيره، ولعل الله سبحانه وتعالى أن يجعل لكم الخير فيما تنتقلون إليه. وقد ورد عن النبي صلى الله وسلم أنه قال: (الشؤم في ثلاث، وذكر منها الدار) . فضيلة الشيخ: ما هي الثلاث التي فيها الشؤم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هي الدار والمرأة والفرس، يعني: بعض المركبات قد يكون فيه شؤم،بعض الزوجات يكون فيه شؤم، بعض البيوت يكون فيه شؤم، فإذا رأيت ذلك فاعلم أنه بتقدير الله عز وجل، وأن الله سبحانه وتعالى بحكمته قدر ذلك لتنتقل إلى محل آخر. *** بعض الناس إذا اشترى سيارة ثم حصل لها عدة صدمات قال: هذه السيارة منحوسة، فيقوم ببيعها فهل هذا من التشاؤم في محله؟ أرجو الإفادة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: صحيح أن بعض الناس يجد في بعض ماله من بركة فينتفع به كثيراً ويوقى الآفات، سواء كان في السيارة أو في البيت أو في غير ذلك، وربما يجد منه خلاف هذا، ربما يكون هذا الشيء كثير الآفات مقلقاً له لا ينشرح صدره له، فإذا وجد ذلك في بعض ماله فلا حرج عليه أن يبيعه ليتخلص من آفاته، وكم من إنسان حصل له مثل هذا، أي: اشترى سيارة فصارت كثيرة الآفات من صدمات أو غيرها، فيبيعها ثم يشتري أخرى، فيجد منها الراحة والبركة وقلة الآفات، ولا يعد هذا من باب التشاؤم، بل هو من باب التخلص من آفات هذا الشيء وخسارته التي يخسرها عليه، ولا يعد هذا من باب التطير. *** هذه الرسالة وردتنا من أحد السادة المستمعين من بلاد بني عمرو من قرية بران ع خ م يقول في رسالته: يوجد أناس في بلد غير بلدنا وقريتنا يتشاءمون برجل منهم، إذا قَبّلهم يقولون: يصيبهم مصيبة. فما حكم هؤلاء وفقكم الله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هؤلاء لا يجوز لهم هذا التشاؤم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الطيرة وقال: (ليس منا من تطير أو تُطِير له، أو سَحَر أو سُحِر له). فلا يجوز لأحد أن يتشاءم بشخص، وهذا على عكس التفاؤل، فإن التفاؤل مطلوب، كون الإنسان يتفاءل يكون مطلوباً في حقه، وأما التشاؤم الذي يُدخِل على الإنسان الحزن والهم والغم فإن ذلك ليس من أعمال المسلمين، فلا يجوز للمرء أن يتطير بأحد. *** |
|||
![]() |
رقم المشاركة : 6 | |||
|
![]() ![]() ![]() ![]() بارك الله فيك
موضوع متميز ننتظر المزيد.... |
|||
|
|
المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية
Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc