396" كان في سفره الذي ناموا فيه حتى طلعت الشمس , فقال : إنكم كنتم أمواتا
فرد الله إليكم أرواحكم , فمن نام عن صلاة فليصلها إذا استيقظ , و من نسي
صلاة فليصل إذا ذكر " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 681 :
أخرجه أبو يعلى في " مسنده " ( 58 / 1 ) عن عبد الجبار بن العباس الهمداني عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه ، قال : فذكره .
قلت : و هذا إسناد جيد رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير عبد الجبار هذا و هو
صدوق يتشيع كما قال الحافظ في " التقريب " .
قلت : و التشيع لا يضر في الرواية عند المحدثين , لأن العبرة في الراوي إنما
هو كونه مسلما عدلا ضابطا , أما التمذهب بمذهب مخالف لأهل السنة , فلا يعد
عندهم جارحا ما لم ينكر ما هو معلوم من الدين بالضرورة , كما بينه الحافظ
ابن حجر في " شرح النخبة " .
لاسيما و هذا الحديث قد جاء معناه في " الصحيحين " و غيرهما من حديث أنس
و غيره من الصحابة , و في حديثه زيادة : " لا كفارة لها إلا ذلك " .
فقه الحديث :
-------------
و في الحديث دلالة على أن النائم عن الصلاة أو الناسي لها لا تسقط عنه الصلاة , و أنه يجب عليه أن يبادر إلى أدائها فور الاستيقاظ أو التذكر لها .
و دلت زيادة أنس رضي الله عنه , على أن ذلك هو الكفارة , و أنه إن لم يفعل فلا يكفره شيء من الأعمال , اللهم إلا التوبة النصوح .
و في ذلك كله دليل على أن الصلاة التي تعمد صاحبها إخراجها عن وقتها , فلا يكفرها أن يصليها بعد وقتها , لأنه لا عذر له , و الله عز و جل يقول : ( إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا ) , و ليس هو كالذى نام عنها أو نسيها , فهذا معذور بنص الحديث , و لذلك جعل له كفارة أن يصليها إذا تذكرها .ألست ترى أن هذا المعذور نفسه إذا لم يبادر إلى الصلاة حين التذكر فلا كفارة له بعد ذلك , لأنه أضاع الوقت الذي شرع الله له أن يتدارك فيه الصلاة الفائتة . فإذا كان هذا هو شأن المعذور أنه لا قضاء له بعد فوات الوقت المشروع له , فمن باب أولى أن يكون المتعمد الذي لم يصل الصلاة في وقتها و هو متذكر لها مكلف بها أن لا يكون له كفارة . و هذا فقه ظاهر لمن تأمله متجردا عن التأثر بالتقليد و رأي الجمهور .
و مما سبق يتبين خطأ بعض المتأخرين الذي قاسوا المتعمد على الناسي فقالوا : " إذا وجب القضاء على النائم و الناسي مع عدم تفريطهما فوجوبه على العامد المفرط أولى " !
مع أن هذا القياس ساقط الاعتبار من أصله , لأنهمن باب قياس النقيض على نقيضه , فإن العامد المتذكر ضد الناسي و النائم . على أن القول بوجوب القضاء على المتعمد ينافي حكمة التوقيت للصلاة الذي هو شرط من شروط صحة الصلاة , فإذا أخل بالشرط بطل المشروط بداهة , و قول شيخ الشمال في نشرة له في هذه المسألة " أن المصلي وجب عليه أمران : الصلاة , و إيقاعها في وقتها , فإذا ترك أحد الأمرين بقي الآخر " . فهذا مما يدل على جهل بالغ في الشرع , فإن الوقت للصلاة ليس فرضا فحسب , بل و شرط أيضا , ألا ترى أنه لو صلى قبل الوقت لم تقبل صلاته باتفاق العلماء .
لكن كلام الشيخ المسكين يدل على أنه قد خرق اتفاقهم بقوله المتقدم , فإنه صريح أنه لو صلى قبل الوقت فإنه أدى واجبا , و ضيع آخر !
و هكذا يصدق عليه المثل السائر ( من حفر بئرا لأخيه وقع فيه ) ! فإنه يدندن دائما حول اتهام أنصار السنة بخرقهم الإجماع أو اتفاق العلماء , فها هو قد خالفهم بقوله المذكور الهزيل , هدانا الله و إياه سواء السبيل . و بعد فهذه كلمة وجيزة حول هذه المسألة المهمة بمناسبة هذا الحديث الشريف ,
و من شاء تفصيل الكلام فيها فليرجع إلى كتاب الصلاة لابن القيم رحمه الله تعالى فإنه أشبع القول عليها مع التحقيق الدقيق بما لا تجده في كتاب .
و اعلم أنه ليس معنى قول أهل العلم المحققين و منهم العز ابن عبد السلام الشافعي أنه لا يشرع القضاء على التارك للصلاة عمدا , أنه من باب التهوين لشأن ترك الصلاة حاشا لله , بل هو على النقيض من ذلك , فإنهم يقولون : إن من خطورة الصلاة و أدائها في وقتها أنه لا يمكن أن يتداركها بعد وقتها إلى الأبد , فلا يكفر ذنب إخراج الصلاة عن وقتها إلا ما يكفر أكبر الذنوب , ألا و هو التوبة النصوح .
و لذلك فهم ينصحون من ابتلي بترك الصلاة أن يتوب إلى الله فورا , و أن يحافظ على أداء الصلاة في أوقاتها و مع الجماعة , و أن يكثر من الصلاة النافلة حتى يعوض بذلك بعض ما فاته من الثواب بتركه للصلاة في الوقت ( و إن الحسنات يذهبت السيئات ) و قد دل على ذلك حديث أبي هريرة "انظروا هل لعبدي من تطوع فتكملوا بها فريضته " . أخرجه أبو داود و غيره .