الأزمة السورية تدخل دهاليز التدويل.
صالح بكر الطيار.
..........
دخلت الأزمة السورية بشكل فعلي دهاليز التدويل و بات تقرير مستقبل سورية الأمني و السياسي يتم اتخاذه خارج دمشق مما يوحي بأنها مرشحة لتمدد فترة زمنية كبيرة قد تطول لسنوات، خاصة و أن النظام السوري لم يعد قادراً على فرض أي حل كما ان المعارضة ليست بمستوى ان تلعب دور البديل.
فالنظام السوري كان حتى فترة قريبة يعتبر ان الحل الأمني هو الأنسب و أن بإستطاعته القضاء على المظاهر المسلحة ظناً منه انها كناية عن حركات افراد محدودة العدد.
و توافق لجوءه الى خيار الحسم العسكري مع التعمد في تقديم الوعود بإجراء اصلاحات سياسية دون رهن ذلك بفترة زمنية محددة بهدف كسب اكبر قدر ممكن من الوقت.
و طروحات المعارضة انقسمت ما بين الداخل الداعية الى اجراء اصلاحات جدية و سريعة تكفل اشاعة مناخ ديمقراطي و تعددية فكرية و الغاء هيمنة الحزب الواحد، و ما بين الخارج المطالبة برحيل النظام قبل أي شيء آخر حتى و أن تطلب الأمر تنفيذ ذلك بقوى دولية او عبر استخدام السلاح رغم مخاطر نشوب حرب اهلية ذات ابعاد طائفية و مذهبية.
و رغم كل المحاولات فقد فشلت مساعي توحيد صفوف المعارضة او على الأقل توحيد شعاراتها،كما لوحظ ان أي مجموعة محدودة العدد اطلقت على نفسها صفة المعارضة و باتت تقدم نفسها على انها البديل عن النظام الى حد لم يعد معروفاً و واضحاً من هي المعارضة الحقيقية رغم ان "المجلس الوطني السوري" يُعتبر حتى الأن انه التجمع الأكبر.
............................
و على خلفية تطورات الأحداث منذ اكثر من عام تبين ان هناك عدة مشاريع دولية مرسومة لسورية منها:
- مشروع اميركي هدفه اسقاط النظام السوري ليس حباً بمنح السوريين هامشاً من الحرية بل لإبعاد دمشق عن طهران كمقدمة لمحاصرتها و عزلها و منعها من التواصل مع حلفائها من حزب الله و حركة حماس.
- مشروع عربي هدفه اسقاط " الجمهوريات الملكية " وصولاً الى بناء انظمة سياسية اسلامية تكون سداً امام حركات التطرف و الإرهاب و في مواجهة تنظيم القاعدة و أمثاله.
- مشروع تركي يعتبر ان النظام السائد في انقرة مثالاً يحتذى و تجربة قابلة للتصدير مع ما يستتبع ذلك من مكانة لتركيا على المستوى الإقتصادي والسياسي.
- مشروع ايراني هدفه الحفاظ على النظام السوري بأي ثمن من ضمن مخطط استراتيجي يتطلع الى ربط ايران بالعراق و سورية و لبنان و فلسطين.
- مشروع روسي يتطلع الى كيفية الحفاظ على النظام السوري كبديل عن الأنظمة الإسلامية التي قد تمتد الى الشيشان، و لإيجاد موقع قدم للقوات الروسية في المياه الدافئة عبر القواعد البحرية الموجودة على الشواطىء السورية، و لعدم اخلاء ساحة الشرق الأوسط لأميركا.
- مشروع صيني هدفه البدء بإستثمار القوة الاقتصادية في المجال السياسي الدولي بعد ان بدا ان المصالح الصينية اصبحت مهددة في اكثر من منطقة في العالم و بعد ان خسرت بكين اسواق نفطية هامة في ليبيا و جنوب السودان.
- مشروع يضم دول البريكس ( روسيا و الصين و البرازيل و جنوب افريقيا و الهند ) و الذي بدأ يأخذ شكل تحالف دولي حيث يشكل ما نسبته 18% من الإنتاج العالمي و40 % من التعداد السكاني، و الذي يفتش عن اعضاء لضمهم اليه مثل سورية و إيران و العراق خاصة و ان الدولتين الأخيرتين غنيتين بالنفط.
...................
بعض هذه المشاريع تقاطعت، و بعض هذه المشاريع تعارضت الى حد ان اصحابها هم من يتحدث باسم المعارضة السورية و يقرر عنها مشروعها السياسي، أو من يتحدث باسم النظام السوري و يقرر له خطواته التي يجب ان يتخذها سواء على المستوى السياسي كما على المستوى العسكري.
.....................
ومن هنا يمكن التكهن بأن الأزمة السورية مرشحة لأن تطول الى حين نضوج تسوية ما.
..............
* رئيس مركز الدراسات العربي الاوروبي.
